• الفهرس
  • عدد النتائج:

وهو كلام من جنس كلامه الذي كان يتكلم به على طبيعته ، من غير صنعة فيه ولا قصد لوزن ولا تكلف. كما يوجد في القرآن شيء موزون ولا يعد شعرا ، كقوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (١). وقوله : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (٢). وفي كثير من النثر الذي تنشئه الفصحاء ، ولا يسمى ذلك شعرا ، ولا يخطر ببال المنشي ولا السامع أنه شعر. (وَما يَنْبَغِي لَهُ) : أي ولا يمكن له ولا يصح ولا يناسب ، لأنه عليه‌السلام في طريق جد محض ، والشعر أكثره في طريق هزل ، وتحسين لما ليس حسنا ، وتقبيح لما ليس قبيحا ومغالاة مفرطة. جعله تعالى لا يقرض الشعر ، كما جعله أميا لا يخط ، لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض. وقيل : في هذه الآية دلالة على غضاضة الشعر ، وقد قال عليه‌السلام : «ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي». وذهب قوم إلى أنه لا غضاضة فيه ، وإنما منعه الله نبيه عليه الصلاة والسلام. وإن كان حلية جليلة ليجيء القرآن من قبله أغرب ، فإنه لو كان له إدراك الشعر لقيل في القرآن : هذا من تلك القوة. قال ابن عطية : وليس الأمر عندي كذلك ، وقد كان عليه‌السلام من الفصاحة والبيان في النثر في الرتبة العليا ، ولكن كلام الله يبين بإعجازه ويندر بوصفه ، ويخرجه إحاطة علم الله عن كل كلام ؛ وإنما منع الله نبيه من الشعر ترفيعا له عن ما في قول الشعراء من التخييل والتزويق للقول. وأما القرآن فهو ذكر بحقائق وبراهين ، فما هو بقول شاعر ، وهذا كان أسلوب كلامه ، عليه‌السلام ، قولا واحدا. انتهى. والضمير في له للرسول ، أي وما ينبغي الشعر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وأبعد من ذهب إلى أنه عائد على القرآن ، أي وما ينبغي الشعر للقرآن ، ولم يجر له ذكر ، لكن له أن يقول : يدل الكلام عليه ، ويبينه عود الضمير عليه في قوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) : أي كتاب سماوي يقرأ في المحاريب ، وينال بتلاوته والعمل به ما فيه فوز الدارين. فكم بينه وبين الشعر الذي أكثره من همزات الشياطين؟ وقرأ نافع ، وابن عامر : لتنذر بتاء الخطاب للرسول ؛ وباقي السبعة : بالياء للغيبة ، فاحتمل أن يعود على الرسول ، واحتمل أن يعود على القرآن. وقرأ اليماني : (لِيُنْذِرَ) ، بالياء مبينا للمفعول ، ونقلها ابن خالويه عن الجحدري. وقال عن أبي السمال واليماني أنهما قرأ : لينذر ، بفتح الياء والذال مضارع نذر بكسر الذال ، إذا علم بالشيء فاستعد له. (مَنْ كانَ حَيًّا) : أي غافلا ، قاله الضحاك ، لأن الغافل كالميت ؛ ويريد به من حتم عليه بالإيمان ،

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣ / ٩٢.

(٢) سورة الكهف : ١٨ / ٢٩.