• الفهرس
  • عدد النتائج:

الواقعيات المتضادّة للكمال:

فإذا كان الشارع قد أعلن عن خاتميّة الرسالة و كمال الشريعة الإسلاميّة، وجب أن تتقارب الخطى والمواقف بين المسلمين، ويقلّ الخلاف والنقاش بينهم، ويجتمع الكلّ على مائدة القرآن والسنّة من دون أن يختلفوا في عقائدهم، ولا أن يتشاجروا في تكاليفهم و وظائفهم.

ولكنّنا ـ مع الأسف ـ نشاهد في حياة المسلمين أمراً لايجتمع مع هذا الكمال، بل يضادده ويخالفه، بل وينادي بظاهره بعدم كماله من حيث الاُصول والفروع، وينادي بأنّ الرسول صلّى الله عليه وآله ما جاء بشريعة كاملة جامعة الأطراف شاملة لكلّ شيء،

وتلك الحقيقة المضادّة لحديث الكمال هي الإختلافات الكبيرة والخلافات العريقة، التي حدثت بين المسلمين بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله بل قبيلها أيضاً.

فقد صاروا في أبسط المسائل إلى معقدها إلى اليمين واليسار، وافترقوا فرقتين أو فرقاً حتى انتهوا إلى سبعين فرقة، بل إلى سبعمائة فرقة.

فهذا هو التاريخ يحدّثنا أنّ أول تنازع وقع في مرضه (عليه الصلاة والسلام)، هو مارواه البخاري بإسناده عن عبدالله بن عباس، قال: لمّا اشتدّ بالنبيّ مرضه الذي مات فيه، قال: إئتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لاتضلّوا بعدي، فقال عمر (رضي الله عنه): إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله وكثر اللغط، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): قوموا عنّي لاينبغي عندي التنازع، قال ابن عبّاس: الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين رسول الله (١).

ولم ينحصر الخلاف في اُخريات حياته، بل ظهر الخلاف في تجهيز جيش اُسامة، حيث أنّه (صلّى الله عليه وآله) أمر اُسامة بأن يسير إلى النقطة التي سار إليها أبوه من قبل، وجهّز له جيشاً و عقد له راية فتثاقل أكابر الصحابة عن المسير معه لمّا رأوا مرض النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وهو يصرّ على مسيرهم، حتى أنّه خرج معصّب الجبين، وقال جهّزوا جيش اُسامة، لعن الله من تخلّف عنه (٢).

______________________

(١) صحيح البخاري ج ١ ـ باب كتابة العلم ص ٢٩، وأيضاً ج ٤ كتاب الجهاد باب جوائز الوفد ص ٦٩، وصحيح مسلم ج ٥ كتاب الوصية، باب ترك الوصية ص ٧٦.

(٢) الملل و النحل للشهرستاني المقدمة الرابعة ج ١ ص ٢٣، و شرح النهج لابن ابي الحديد ج ٢ ص ٢٠