• الفهرس
  • عدد النتائج:

بعد الفاء. واللام في (وَلَئِنْ) مؤذنة بقسم محذوف وجوابه لظلوا ، وهو مما وضع فيه الماضي موضع المستقبل اتساعا تقديره : ليظلن ، ونظيره قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) (١) : أي ما يتبعون ذمهم تعالى في جميع أحوالهم ، كان عليهم أن يتوكلوا على فضل الله فقنطوا ، وإن شكروا نعمته فلم يزيدوا على الفرح والاستبشار ، وإن تصبروا على بلائه كفروا. والضمير في (مِنْ بَعْدِهِ) عائد على الاصفرار ، أي من بعد اصفرار النبات تجحدون نعمته. وتقدم الكلام على قوله : (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) إلى قوله : (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) في أواخر النمل ، إلا أن هنا الربط بالفاء في قوله : (فَإِنَّكَ).

(اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ ، وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ، فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ، وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ ، كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ، فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ).

لما ذكر دلائل الآفاق ، ذكر شيئا من دلائل الأنفس ، وجعل الخلق من ضعف ، لكثرة ضعف الإنسان أول نشأته وطفوليته ، كقوله : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) (٢). والقوة التي تلت الضعف ، هي رعرعته ونماؤه وقوته إلى فصل الاكتهال. والضعف الذي بعد القوة هو حال الشيخوخة والهرم. وقيل : (مِنْ ضَعْفٍ) : من النطفة ، كقوله : (مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) (٣). والترداد في هذه الهيئات شاهد بقدرة الصانع وعلمه. وقرأ الجمهور : بضم الضاد في ضعف معا ؛ وعاصم وحمزة : بفتحها فيهما ، وهي قراءة عبد الله وأبي رجاء. وروي عن أبي عبد الرحمن والجحدري والضحاك : الضم والفتح في الثاني. وقرأ عيسى : بضمتين فيهما. والظاهر أن الضعف والقوة هما بالنسبة إلى ما عدا البدن من ذلك ، وإن الضم والفتح بمعنى واحد في ضعف. وقال كثير من اللغويين : الضم في البدن ، والفتح في العقل. (ما لَبِثُوا) : هو جواب ، وهو على المعنى ، إذ لو حكى قولهم ، كان يكون

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ١٤٥.

(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ٣٧.

(٣) سورة السجدة : ٣٢ / ٨ ، وسورة المرسلات : ٧٧ / ٢٠.