• الفهرس
  • عدد النتائج:

وكان المرحوم رأسا في جميع العلوم مستجمعا لشروط الفضائل ، وجامعا لعلوم الأواخر والأوائل ، يرغم في الرياضيات أنوف الرؤوس ، ويحاكي في الطب أبقراط وجالينوس ، وكان صاحب فنون غريبة قادرا على أفاعيل عجيبة ، ماهرا في وضع الآلات النجومية والهندسية ، كالربع والأسطرلاب وسائر الأسباب. وكان رحمه‌الله مظنة علم الكاف وعلم الزايرجة بلا خلاف. وكان مشهورا بالمحل في التعليم والإفادة لأرباب الطلب والاستفادة ، ولم يقبل مدة عمره وظيفة السلطان ، وقطع حبال الأماني من أرباب العزة بقدر الإمكان ، وكان يكتسب بطبابته ويقتات بهدايا تلامذته ، وكان يلبس لباسا خشنا وعمامته صغيرة ، ويقنع من القوت بالنزر القليل والأمور اليسيرة.

وكان رحمه‌الله ينظم الأبيات أعذب من ماء الفرات. وقال في قافية الطاء مادحا لبعض الفضلاء وأظنه المولى صالح بن جلال عند كونه قاضيا بحلب :

دعائي فلا يحصيه عدّ ولا ضبط

وشكري لكم دوم فما كان ينحطّ

وأثني جميلا ثم أهدي تحية

لطيب شذاها يطلب العود والقسط

فباح بها مسك وفاح بعطرها

وفي وجنة للورد منها أتى قسط

إلى حضرة أحيا الأنام بعلمها

وبان بها حكم الشريعة والشرط

فلا مطلب إلا ذراها نعم ولا

رحال لذي عزم إلى غيرها تخطو

لقد جد أقوام وضاهوا بمثلها

فدون أمانيها القتادة والخرط

فكم من كبير قد جبرت لحاله

وفكيت مأسورا أضر به الربط

وكم من أياد قد أناخت لكاهل

وما كادت الأقدام من حملها تخطو

سبقت إلى الفضل السراة فما لهم

من الجهد إلا دون عزمك قد حطّوا

علوت إلى أن جئت بالشهب منطقا

فسارت به الأمثال والعرب والقبط

جمعت لأنواع العلوم فلا نرى

لمثلك فردا في الفنون له ضبط

لعمري من يوم أرى فيه للعدا

كمودا وقد صاروا وقد ساءهم سخط

جواد له جود تراه على الرضى

وإلا تمنى أن فارسه سقط

فتلك أمانيهم وأحلام كاذب

فهل ثم عقبان يروّعها البسط

سلوا علماء الخافقين وفتية

بسمر القنا في الجانبين لهم شرط

فهل كانت الأنعام تأوي لبقعة

أقام بها ليث وفيها له سبط