• الفهرس
  • عدد النتائج:
  • القسم الأول

  • القسم الثاني

  • القسم الثالث

  • ومنهم مسند حضرموت بل مسند الدّنيا كلّها في عصره إذ زلّت عن مرقاته الأصول ، ولم يتّفق لأحد إلى مثل علوّه الوصول : أستاذنا الأبرّ عيدروس بن عمر ؛ فإنّه مجمع المفاخر ، وبحر العلم الزّاخر ، وزينة الزّمن الآخر :

    أزالت به الأيّام عتبي كأنّما

    بنوها لها ذنب وهذا لها عذر (١)

    وهو الإمام بحقّه ، والكمال بصدقه ، وعلى الجملة : فإنّي لا أجد عبارة ترضيني في وصف ما شاهدته من محاسنه ، فضلا عمّا لم أشاهده ، ولم ينته إلى تصوّره إذ ذاك سنّي ؛ إذ الأمر كما قال أبو الطّيّب [في «العكبريّ» ٢ / ٢٨٧ من الطّويل] :

    وما حارت الأفهام في عظم شأنه

    بأكثر ممّا حار في حسنه الطّرف

    جمال يحسر الأنظار ، وكمال يدهش الحضّار ، وجلال يملأ البصائر ، ومقام يملك الضّمائر ، ووقار يأخذ النّفوس ، فلا يبقى لديه رئيس ولا مرؤوس .. إلّا وهم خاضعو الأذقان ، ناكسو الرّؤوس.

    كأنّ شعاع عين الشّمس فيه

    ففي أبصارنا عنه انكسار (٢)

    وحديث يهزّ الشّعور ، ويجلب السّرور ، كأنّما هو اللّؤلؤ المنثور ، وتهتزّ له الجبال الرّكينة ، وكأنّما تنزل عنده السّكينة.

    أندى على الأكباد من قطر النّدى

    وألذّ في الأجفان من سنة الكرى (٣)

    وممّا أستخرج به العجب من القوم ، ولا أزال ممتلئا به في نفسي إلى اليوم .. أنّني وأترابي من الصّغار ـ مع الانطباع على الحركة ـ نبقى في مجلسه الشّريف الساعات العديدة ، وكأنّما على الرّؤوس الطّير.

    فبقايا وقاره عافت النّا

    س وصارت ركانة في الجبال (٤)

    __________________

    (١) البيت من الطويل.

    (٢) البيت من الوافر ، وهو لأبي الطّيّب المتنبّي في «العكبريّ» (٢ / ١١٠).

    (٣) البيت من الكامل ، وهو من قصيدة رائيّة مشهورة لابن عمّار يمدح بها المعتضد عبّاد ، والد المعتمد ، تجدها في «نفح الطيب» (١ / ٩٥). السّنة : النّعاس. الكرى : النّوم.

    (٤) البيت من الخفيف ، وهو لأبي الطّيّب المتنبّي في «العكبريّ» (٣ / ١٩٩). عافت : كرهت.