قال فمات الشافعي فأشترى أشهب من تركته عبداً ، ثم مات أشهب فأشتريت انا ذلك العبد من تركته . قال المسعودي حدثني فقير ابن مسكين عن المزني ـ وكان سماعنا من فقير بمدينة أسوان بصعيد مصر ـ قال : قال المزني دخلت على الشافعي غداة وفاته فقلت له : كيف اصبحت يا ابا عبد الله ، قال : اصبحت من الدنيا راحلاً ، ولإخواني مفارقاً وبكأس المنية شارباً ولا ادري الى الجنة تصير روحي فاهنيها أم الى النار فأعزّيها ، وانشأ يقول :
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي |
| جعلت الرجا مني لعفوك سلَّما |
تعاظمني ذنبى فلما قرنته |
| بعفوك ربي كان عفوك أعظما |
وللشافعي في مدح السفر :
ما في المقام لذي عقل وذي أدب |
| من راحةٍ فدعِ الأوطان وأغترب |
سافر تجد عوضاً عمن تفارقه |
| وانصب فان لذيذ العيش في النصب |
إني رأيت وقوف الماء يفسده |
| إن سال طاب وإن لم يجر لم يطب |
الأسد لولا فراق الغاب ما افترست |
| والسهم لولا فراق القوس لم يصب |
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة |
| لملها الناس من عجم ومن عرب |
والتبر كالترب ملقى في أماكنه |
| والعود في أرضه نوعٌ من الحطب |
فان تغرّب هذا عزّ مطلبه |
| وإن تغرب ذاك عزّ كالذّهب |
وله في المؤاخاة :
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفاً |
| فدعه ولا تكثر عليه التأسفا |
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة |
| وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا |
فما كل من تهواه يهواك قلبه |
| ولا خير في ود يجيء تكلفا |
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة |
| ولا كل من صافيته لك قد صفا |
ولا خير في خل يخون خليله |
| ويلقاه به بصر المودة بالجفا |