نجد ذكراً لذلك ، لا في خطبة أمير المؤمنين عليه‌السلام المعروفة بالشقشقية ، ولا في غيرها من خُطَبهِ وكلماته وكتبه التي اعترض بها علىٰ من تقدّمه ، ولا في خطبة الزهراء عليها‌السلام المعروفة بمحضر أبي بكر ، كما لم نجد أحداً من الصحابة أو من غيرهم ، قد طالبهما بارجاع القرآن إلىٰ أصله الذي كان يُقْرَأ به في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو نبّه علىٰ حدوث التحريف ومواطنه ، وفي ترك ذِكر ذلك دلالةٌ قطعيةٌ علىٰ عدم التحريف.

أمّا دعوىٰ وقوع التحريف في زمن عثمان ، فهو أمر في غاية البُعد والصعوبة ، لأنّ القرآن في زمانه كان قد انتشر وشاع في مختلف أرجاء البلاد ، وكثر حُفّاظه وقُرّاؤه ، وإنّ أقلّ مساسٍ بحرمة القرآن لسوف يُثير الناس ضدّه ، ويُوجِب الطعن عليه وإدانته بشكلٍ قويّ ومعلنٍ ، ولا سيما من الثائرين عليه الذين جاهروا بإدانته فيما هو أقلّ أهميةً وخطراً بكثير من التحريف ، لكنّنا لم نسمع أحداً طعن عليه في ذلك ، فهل خفيت هذه الآيات أو السور التي يُدّعىٰ سقوطها من القرآن ، علىٰ عامّة المسلمين ، ولم يطّلع عليها سوىٰ أفراد قلائل ؟!

ولو كان ذلك لكان علىٰ أمير المؤمنين عليه‌السلام إظهار هذا الأمر ، وإرجاع الناس إلىٰ القرآن الحقيقي بعد أن صار خليفةً وحاكماً ، ولم يعد ثمّة ما يمنع من ذلك ، وليس عليه شيء يُنْتَقَد به ، بل ولكان ذلك أظهر لحُجّته علىٰ الثائرين بدم عثمان. فكيف صحّ منه عليه‌السلام وهو الرجل القويّ الذي فقأ عين الفتنة أن يهمل هذا الامر الخطير ، وهو الذي أصرّ علىٰ إرجاع القطائع التي أقطعها عثمان ، وقال في خطبةٍ له عليه‌السلام : « والله لو وجدته قد تُزوِّج به النساء ومُلِك به الإماء لرددته ، فانّ في العدل سَعَة ، ومن ضاق عليه العدل