• الفهرس
  • عدد النتائج:
📷

وما للبحارِ الزاخراتِ تلاطمتْ

وأمواجُها أيدٍ وساحلُها خدُّ

فقلت نعى الناعي إلينا محمداً

فذاب أسىً من نعيه الحجرُ الصلدُ

مضى فائقَ الأوصافِ مكتملَ العُلى

ومن هو في طرق السرى العلَمُ الفردُ

فكم قلمٍ ملقىً من الحزن صامت

فما عنده للصامتين له ردُّ

وطالب علمٍ كان مغتبطاً به

كمغتنمٍ للوصل فاجأه الصدُّ

لقد أظلمت طرق المباحث بعده

وكان كبدر التمِّ قارنه السعدُ

فأهل المعالي يلطمون خدودَهمْ

وقد قلَّ في ذا الرزء أن يُلطَمَ الخدُّ

لرزء الحريريّ استبان على العُلى

أسىً لم تكن لولا المصابُ به يبدو

وشاعرنا ـ الحريريّ ـ مع أنّه وليد مهد العروبة ، ورضيع ثدي مجدها المؤثّل ، له في الأدب والقريض يدٌ ناصعة ، وفي علوم لغة الضاد تضلّع وتقدّم ، قال سيدنا المدني في السلافة (١) : له الأدب الذي أينعت ثمار رياضه ، وتبسّمت أزهار حدائقه وغياضه ، فحلا جناها لأذواق الأفهام ، وتنشّق عرفها كلّ ذي فهم فهّام. فمن مطربِ كلامِهِ الذي سجعت به على أغصان أنامله عنادل أقلامه قوله مادحاً شيخه الشيخ شرف الدين الدمشقي سنة ستّ وعشرين وألف :

إذا ما منحت جفوني القرارا

فمر طارق الطيف يدني المزارا

فعلّك تثلجُ قلباً به

تأجّجَ وجداً وزاد استعارا

وأنّى يزور فتىً قد براه

سقامٌ يمضّ ولو زار حارا

خليليَ عرِّج على رامةٍ

لأنظر سلعاً وتلك الديارا

وعُج بي على ربعِ من قد نأى

لأسكبَ فيه الدموعَ الغزارا

فقلبيَ من منذ زمَّ المطيُّ

ترحّل عنّي إلى حيث سارا

فهل ناشدٌ ليَ وادي العقيق

عنه فإنّي عدمت القرارا

___________________________________

(١) سلافة العصر : ص ٣١٦.