الباب الخامس عشر
باب التّعجّب
[علّة زيادة ما في التّعجّب]
إن قال قائل : لم زيدت «ما» في التّعجّب ؛ نحو : «ما أحسن زيدا!» دون غيرها؟ قيل : لأنّ «ما» في غاية الإبهام ، والشّيء إذا كان مبهما ؛ كان أعظم في النّفس (١) ؛ لاحتماله أمورا كثيرة ؛ فلهذا كانت زيادتها في التّعجّب أولى من غيرها. فإن قيل : فما معناها؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب سيبويه وأكثر البصريّين إلى أنّها بمعنى شيء ، وهو في موضع رفع بالابتداء ، «وأحسن» خبره ؛ تقديره : شيء أحسن زيدا ؛ وذهب بعض النّحويّين من البصريّين إلى أنّها بمعنى الذي ، وهو موضع رفع بالابتداء ، و «أحسن» صلته ، وخبره محذوف ؛ وتقديره : الذي أحسن زيدا شيء ؛ وما ذهب إليه سيبويه والأكثرون أولى ؛ لأنّ الكلام على قولهم مستقلّ بنفسه ، لا يفتقر إلى تقدير شيء ، وعلى القول الآخر ، يفتقر إلى تقدير شيء ، وإذا كان الكلام مستقلّا بنفسه ، مستغنيا عن تقدير ، كان أولى ممّا يفتقر إلى تقدير.
[خلافهم في فعليّة حبّذا]
فإن قيل : هل : «أحسن» فعل أو اسم؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب البصريّون إلى أنّه فعل ماض ، واستدلّوا على ذلك من ثلاثة أوجه :
[استدلالات البصريّين على فعليّة حبّذا]
/ الوجه / (٢) الأوّل : إنّهم قالوا : الدّليل على أنّه فعل ، أنّه إذا وصل بياء الضّمير ، فإنّ نون الوقاية تصحبه ؛ نحو : «ما أحسنني» وما أشبه ذلك ، وهذه النّون إنّما تصحب / ياء / (٣) الضّمير في الفعل خاصّة ؛ لتقيه من الكسر ، ألا ترى أنّك تقول : أكرمني ، وأعطاني ، وما أشبه ذلك؟ ولو قلت في نحو / غلامي
__________________
(١) في (س) في النّفوس.
(٢) سقطت من (ط).
(٣) سقطت من (ط).