• الفهرس
  • عدد النتائج:

وجه الاحتجاج أنه قال «أبيضهم» وإذا جاز ذلك في «أفعلهم» جاز في «ما أفعله وأفعل به» لأنهما بمنزلة واحدة في هذا الباب ، وقد قال الشاعر :

[٩٠] جارية في درعها الفضفاض

تقطّع الحديث بالإيماض

* أبيض من أخت بني أباض*

فقال «أبيض» وهو أفعل من البياض ، وإذا جاز ذلك في أفعل من كذا جاز في ما أفعله وأفعل به ؛ لأنهما بمنزلة واحدة في هذا الباب ، ألا ترى أن ما لا يجوز فيه

______________________________________________________

وقوله «إذا الرجال شتوا» أي صاروا في زمان الشتاء ، والشتاء عندهم هو زمان القحط والجدب ، وفيه يظهر كرم الكرام وبخل البخلاء ، وقوله «واشتد أكلهم» أراد أنه تعسر على أكثرهم الحصول على ما يأكلون ، وقوله «فأنت أبيضهم سربال طباخ» معناه أن ثياب طباخك تكون في هذا الوقت بيضاء شديدة البياض نقية من الوضر ودهن اللحم وغيره ، يريد أنه لا يطبخ فلا تتدنس ثيابه ، وهذه العبارة كناية عن شدة البخل. والاستشهاد بالبيت في قوله «أبيضهم» حيث اشتق أفعل التفضيل من البياض ، وهذا مما يجيزه الكوفيون ، ويأباه البصريون ، وقد اختلفوا في التعليل للمنع ؛ فمنهم من ذهب إلى أن السر في منع صوغ أفعل التفضيل وصيغتي التعجب من الألوان أن الألوان من المعاني اللازمة التي تشبه أن تكون خلقة كاليد والرجل ، ومنهم من ذهب إلى أن سبب المنع هو كون أفعال الألوان ليست ثلاثية مجردة. وإنما تأتي أفعال الألوان على أحد مثالين : أولهما أفعل ـ بتشديد اللام ـ نحو أبيض وأسود ، والثاني أفعال ـ بزيادة ألف بعد العين وبتشديد اللام ـ نحو ادهام وابياض واسواد وما أشبه ذلك.

[٩٠] نسب البغدادي نقلا عن ابن هشام اللخمي (٣ / ٤٨٣) هذا الرجز إلى رؤبة بن العجاج ، وقد أنشده رضي الدين في شرح الكافية (٢ / ١٩٩) وابن يعيش (٨٤٧ و ١٠٤٦) وابن منظور (ب ى ض) والميداني في مجمع الأمثال (١ / ٨١ بتحقيقنا) ولم يعزه أحد منهم إلى قائل معين ، والدرع ـ بكسر فسكون ـ القميص ، والفضفاض : الواسع ، ويروى بدل البيت الأول :

* جارية في رمضان الماضي*

ومعنى قوله «تقطع الحديث بالإيماض» أن القوم إذا كانوا يتحدثون فأومضت تركوا الحديث واشتغلوا بالنظر إليها لبراعة جمالها ، وبنو أباض ـ بفتح الهمزة ـ قوم اشتهروا ببياض ألوانهم. والاستشهاد بالبيت في قوله «أبيض» حيث جاء بأفعل التفضيل من البياض ، وهو يشهد للكوفيين الذين يجيزون مجيء أفعل التفضيل وصيغتي التعجب من خصوص البياض والسواد دون سائر الألوان لكونهما أصلي الألوان كلها ، والبصريون يمنعون ذلك ، ويحكمون على ما جاء من كلام العرب مما ظاهره ذلك بأنه شاذ ، أو يكون «أفعل» في مثل قول هذا الراجز صفة مشبهة لا أفعل تفضيل ، وقد ذكر ذلك المؤلف وابن يعيش في الموضعين اللذين أرشدناك إليهما من شرحه على المفصل.

ونظير ذلك قول أبي الطيب المتنبي يذم الشيب :

أبعد بعدت بياضا لا بياض له

لأنت أسود في عيني من الظلم