هذا ما عليه أعلام المذاهب في التقيّة عملاً. وذهب إليه علماؤهم الآخرون أيضاً في كلماتهم.

حكى السيوطي عن الحسن أنّه قال : التقيّة جائزة إلى يوم القيامة (١).

وقال القسطلاني : انها ـ أي التقيّة ـ ثابتة إلى يوم القيامة (٢).

وقال الفخر الرازي عند قوله تعالى في سورة المائدة (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ) إنّ الآية دلّت على أنّ التقيّة جائزة عند الخوف (٣).

وقال أبو الهذيل العلّاف : إن المكره إذا لم يعرف التعريض والتورية فيما أكره عليه فله أن يكذب ويكون وزر الكذب موضوعاً عنه (٤).

وقال الغزالي : إنّ عصمة دم المسلم واجبة ، فمهما كان القصد سفك دم مسلم فالكذب فيه واجب (٥).

وقد عرفت فيما تقدّم أنّ تقيّة ومداراة أئمّة المذاهب الأربعة كانت من المسلمين لا المشركين.

كما وإن كلماتهم الأخيرة في جواز التقيّة مطلقة غير مقيّدة بالمشرك أو ببلد الشرك.

وكيف يممكن تقييد ببلد الشرك ، ولا يبقى الشرك إلى يوم القيامة ، بل سيظهر الدين الحق على جميع الأديان قبل يوم القيامة بصريح قوله عزّ اسمه :

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٦).

__________________

١. الدرّ المنثور : ج ٢ ، ص ١٦.

٢. إرشاد الساري : ج ٨ ، ص ١٤.

٣. التفسير الكبير : ج ١١ ، ص ١٣٧.

٤. الانتصار للخياط : ج ٨ ، ص ١٢٨.

٥. احياء العلوم : ج ٣ ، ص ١١٩.

٦. سورة التوبة (٩) ، الآية ٣٣.