• الفهرس
  • عدد النتائج:

من الواضح أنّ الانسباق لا يحصل من اللفظ إلى معناه ـ في أيّة لغة ـ لغير العالم بتلك اللغة ، فيتوقّف التبادر على العلم بالوضع ، فلو أردنا إثبات الحقيقة وتحصيل العلم بالوضع بسبب التبادر ، لزم الدور المحال ، فلا يعقل ـ على هذا ـ أن يكون التبادر علامة للحقيقة يستفاد منه العلم بالوضع ، والمفروض أنّه مستفاد من العلم بالوضع.

والجواب : أنّ كلّ فرد من أيّة أمّة يعيش معها لا بدّ أن يستعمل الألفاظ المتداولة عندها تبعا لها ، ولا بدّ أن يرتكز في ذهنه معنى اللفظ ارتكازا يستوجب انسباق ذهنه إلى المعنى عند سماع اللفظ ، وقد يكون ذلك الارتكاز من دون التفات تفصيليّ إليه وإلى خصوصيّات المعنى ، فإذا أراد الإنسان معرفة المعنى وتلك الخصوصيّات وتوجّهت نفسه إليه فإنّه يفتّش عمّا هو مرتكز في نفسه من المعنى ، فينظر إليه مستقلاّ عن القرينة ، فيرى أنّ المتبادر من اللفظ الخاصّ ما هو من معناه الارتكازيّ ، فيعرف أنّه حقيقة فيه.

فالعلم بالوضع لمعنى خاصّ بخصوصيّاته التفصيليّة ـ أي الالتفات التفصيليّ إلى الوضع والتوجّه إليه ـ يتوقّف على التبادر ، والتبادر إنّما هو موقوف على العلم الارتكازيّ بوضع اللفظ لمعناه غير الملتفت إليه.

والحاصل أنّ هناك علمين : أحدهما يتوقّف على التبادر وهو العلم التفصيليّ ، والآخر يتوقّف التبادر عليه وهو العلم الإجماليّ الارتكازيّ (١).

هذا الجواب بالقياس إلى العالم بالوضع ، وأمّا بالقياس إلى غير العالم به فلا يعقل حصول التبادر عنده ؛ لفرض جهله باللغة. نعم ، يكون التبادر أمارة على الحقيقة عنده إذا شاهد التبادر عند أهل اللغة ، يعني أنّ الأمارة عنده تبادر غيره من أهل اللغة. مثلا إذا شاهد الأعجميّ من أصحاب اللغة العربيّة انسباق أذهانهم من لفظ «الماء» المجرّد عن القرينة إلى الجسم السائل البارد بالطبع فلا بدّ أن يحصل له العلم بأنّ هذا اللفظ موضوع

__________________

(١) قيّده بالارتكازيّ ؛ لأنّ العلم الإجماليّ قد يطلق ويراد به ما كان متعلّقه مردّدا بين أمرين فصاعدا ، قبال العلم التفصيليّ بأمر معيّن ، وقد يطلق ويراد به ما يكون مرتكزا ومكنونا في خزانة النفس من دون التفات تفصيليّ إليه ، وهذا هو المراد في المقام.