إنَّ فترةً زمنيَّةً حلَّ بها عثمان خليفة مُتنكِّراً لمعنى الخلافة ، وتمكَّنت مِن تحريك النفوس بثورة رافضة ، هي ـ في الحقيقة ـ ذات مردود مُبارك ، لا لكونها هدرت دماً ، بلْ لأنَّها حرَّكت وعياً يأبى أنْ يذلَّ ويستكين ، وتلك هي دلالات تُبشِّر بيقظة يتثقَّف بها المُجتمع ، مُفتِّشاً عن حقيقة الإباء والنُّبل اللذين يبنيانه إنساناً عفيفاً كريماً ، إنَّ في الحَقِّ والعدل والمُثل لَجاجة تحرُّك النفس ، وتستدعيها إلى البطولة التي هي وحدها عُنفوان صحيح في وجود الإنسان.

وكان حديث الإمام مع ولديه الحسن والحسين ، مُتضمِّنا ـ أيضاً ـ هذه المعاني وهو يُحلِّل ثورة الناس على الخليفة ، وكيف أنَّهم رفضوه حاكماً ، وكيف أنَّهم يطلبون الإمام المُغيَّب عن الساحة التي تطلبه الآن إدارة الحُكم وترميمه ، حتَّى يعود مُلمَّاً بشؤونهم التي اعوجَّ بها الاضطراب والزيغان. وتابع الإمام وقال :

وإنَّ مُعاوية في الشام يتَّهمني بأنِّي أنا صبغت قميص عثمان بالدم ، كأنَّ الرجل لم يدرِ أنَّنا نحن الذين كنَّا نُحاول أنْ نُرمِّم الحُفر مِن طريق عثمان ، حتَّى ننجيه مِن السقوط فيها فتتحطَّم ضلوعه ، ويشرب قميصه ذلك الدم!! إنَّ عمر بالذات هو الذي رزع الطريق بالحُفر التي وقع فيها عثمان ، وإنَّ مُعاوية بالذات هو الذي تمنَّاها عميقة حتَّى يُمكنها أنْ تواري عثمانه هذا ، وتبقى له الذريعة بأخذ الثأر ، أنَّه يظنُّ أنَّ الساحة قد خلت له الآن. يا للرجل! يعدُّ نفسه أيضاً بخلافة المسلمين! ألا تريان مثلي ومعي ، أنَّ شفقاً احمرَّ بالزور والبُهتان ، يُطلُّ علينا مِن خلف الأُفق المُطلِّ على الشام.

لم يكن وجيفاً جواب الحسن ، كما وأنَّ جواب الحسين لم يكن أقلَّ مِن مضيض. قال الحسن بما معناه :