على أيِّ شيءٍ يغار أهل هذا البيت ، لو لم يكن لهذا الذي يغارون عليه هذا الوزن ، وهذا الثقل ، وهذا الغد المُرتقب؟ إنَّهم يرون على مُجتمع تلقَّط بكلِّ أسباب تراثه وعِزِّة وجوده ، مِن أنْ يعمى عن سُبل الصيانة والتعهُّد ، فيبتعد كثيراً عن حقيقة الجنى. والمُجتمع ـ أصلاً ـ هو مُجتمع أهل البيت ، أمَّا الوعد الكبير ، فهم الذين نزفوا الدم مِن أجل تحضيره وتقديمه ، هم الذين أعدُّوا المائدة وهشَّموا ثريدها الطاهر ، وهُم الذين ملأوا كؤوس المشرب بماء فرات. وهُمْ الذين سكبوا في الحرف جلال المعاني ، فإذا في كلِّ آية مِن الآيات قرآن يبني إنساناً صحيحاً صادقاً ، يتحقَّق بوجودٍ مثله كلُّ مُجتمع سليم مِن مُجتمعات الأرض ـ إنَّهم أهل البيت ، ولا يدَّعون ـ أليس نبيُّهم العظيم ـ وهو منهم ـ هو الخلاَّق الجديد المَبريُّ مِن روح الحَقِّ ، ليقدِّم للجزيرة ، وللإنسان ، قرآناً جمعهم ولا يزال يجمع أجيالهم ، وأجيال العديد مِن المُجتمعات الذين يُنادون مِن فوق المآذن : بسم الله الرحمان الرحيم.

ولا يزال التاريخ ، ذلك المسَّاح الأصدق ، يصف لنا دارَة بناها الرسول في المدينة قُرب المسجد. لقد نزل في شِقٍّ منها النبيُّ الكريم ، وخصَّص الشِقَّ الآخر لسُكنى ابنته فاطمة ، بعد أنْ جمعها بعليٍّ في عمليَّة تتميم الأرادة المُحتسبة ، وتحقيق الحُلم المنسوج بفتنة الغَد.

هذا هو البيت الصغير ، الذي كان يعود إليه اثنان بعد كلِّ جولة يجولانها ؛ مِن أجل تثبيت جوهر الرسالة ونقشها في مَعدن الإنسان ، إنَّهما ـ اثناهما ـ كانا يعودان بجَعبةٍ واحدةٍ مليئةٍ بالتحقيق المُثَّبت والمُركَّز في هذا البيت ، وضمن هذه الحيطان المُصغية إلى النفس المليء بالحقِّ والوجدان ، كان الاثنان يتبادلان العَرض والدرس وغربلة الأحداث ، وكانا يبنيان التصاميم العريضة ، والدقيقة ، لجعل الغد الآتي مؤهَّلاً لأنْ يكون نبضة صادقة في تأليف الزمان. ما مِن حِكمة جالت في عقلهما وروحهما ، إلاَّ واندرجت على هذا البساط ، وتحت هذا السقف ، حتَّى يكون توحيد غزلها باهراً في حياكة الثوب ، الذي سترتَديه الأُمَّة في نهوضها مِن غفواتها الطويلات ، إلى يقظتها هذه الحاضرة والمُكلَّلة بالطُّهر ، والرُّشد ، وروابط الصواب.