في أُسلوبها العتيق الهزيل ، وعادوا بها إلى مَلَكيَّة سيف بن ذي يزن ، أوْ عرش قَبليٍّ مهزوز القوائم لامرئ القيس ... أمَّا أنْ يقتل مُعاوية أخي الحسن؟ فبأيِّ حَقٍّ يحصل التعدِّي على أرواح الناس وأجسادهم ، وهُمْ الذين اشتراهم جَدِّي لجِنان الملكوت ، وصانهم أبي عليٌّ بالعدل والحَقِّ ، والرحمة والمُساواة ، وزيَّنهم بالصدق ، والطهر ونظافة الكَفِّ ، مِن دون أنْ يطمع برغيف لم تخبزه له فاطمة ، وقد عجنته مِن طحين سَحَقَ ـ هو ـ حبَّات شعيره على رَحى يُديرها بساعده الأيمن ويلقمها حبَّات الشعير بالأيسر؟؟؟

الوليد : ـ يا ابن بنت الرسول ، قد تكون أنَّك أفحمتني ، ولكنَّني أتوسَّل إليك ـ قبل أنْ أُغادر دارك ـ أنْ تُبايع ، وأرجو أنْ تُصلح مُبايعتك يزيد ، فتتضاءل الشبهات فيه ، وتُوفِّر هناءة لأهلك ، وتَحقن دم الأُمَّة ، كما فعل أخوك الحسن ، وليس للغَد إلاَّ أنْ يقول لك : هنيئاً لك الذكر الحَسن ، يا أخا الحسن ...

الحسين : ـ أمهلني إلى الغَد ـ يا ابن عتبة ـ ستعرف أنِّي بنيت قراراً تتفيَّأ به أُمَّتي وأُمَّة جَدِّي وأبي وأُمِّي وأخي الحسن ، سوف أُقدم على نوعٍ مِن مُبايعة يبهر عينيك ، وسوف لا أجبن عن بذل الذات في سبيل أُمَّتي هذه التي سأُفجِّر دمي حقناً لدمها ، حتَّى تبقى ملمومة إلى سَلالم المَجد ، ألم يتفانَ جَدِّي ، وأبي وأُمِّي وأخي ، في سبيلها؟ فأيُّ شيء لي ـ بعد الآن ـ لا أسكبه قطرةً قطرةً مِن دمي في الإبريق الذي تشرب منه ريَّها؟؟؟ اطمئنَّ ـ أيُّها الوالي ـ ورعاك جَدِّي! أنَّه رَبُّ السماط.

خرج الوليد بن عتبة بن أبي سفيان مِن دار الحسين ، وبعد خمس دقائق بالضبط ، كانت القافلة الصغيرة تَغذُّ في السير بثوب الليل ، وبعد خمسة أيَّام نزل الركب في مَحارم الكعبة ، ليكون للحسين قدر آخر بناه في سِرِّه ، وسيكون له إعلان عنه في الغَد القريب!!