• الفهرس
  • عدد النتائج:
📷

الوداع الأخير ، واستقبله أبوه بأسى ، فبادر عليّ قائلاً : « يا أبةِ ، العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فهل إلىٰ شربة ماء من سبيل أتقوّىٰ بها على الأعداء ؟ » (١) .

والتاع الإمام أشدّ ما تكون اللوعة ألماً ومحنة ، فقال له بصوت خافت وعيناه تفيضان دموعاً : وَا غَوْثاهُ ، ما أَسْرَعَ الْمُلْتَقَىٰ بِجَدِّكَ ، فَيَسْقِيكَ بِكَأْسِهِ شَرْبَةً لَا تَظْمَأُ بَعْدَها أَبَداً (٢) .

وأخذ لسانه فمصّه ليريه ظمأه ، فكان كشقّة مبرد من شدّة العطش ، ودفع إليه خاتمه ليضعه في فيه (٣) .

لقد كان هذا المنظر الرهيب من أقسى ما فجع به ريحانة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لقد رأى فلذة كبده وهو في ريعان الشباب وغضارة العمر كالبدر في بهائه ، قد استوعبت الجراحات جسمه الشريف ، وقد أشرف على الموت من شدّة العطش ، وهو لم يستطع أن يسعفه بجرعة ماء .

يقول الحجّة الشيخ عبد الحسين صادق :

يَشْكُو لِخَيرِ أَبٍ ظَمَاهُ وَمَا اشْتَكَىٰ

ظَمَأَ الحَشَا إِلَّا إلَى الظَّامِي الصَّدِي

كُلٌّ حُشَاشَتُهُ كَصَالِيةِ الغَضَا

وَلِسَانُهُ ظَمِئٌ كَشِقَّةِ مِبْرَدِ (٤)

فَانْصَاعَ يُؤْثِرُهُ عَلَيهِ بِرِيقِهِ

لَو كَانَ ثَمَّةَ رِيقُهُ لَمْ يَجْمُدِ (٥)

__________________________

(١) بحار الأنوار : ٤٥ : ٤٣ . الدمعة الساكبة : ٤ : ٣٣٠ . الفتوح : ٥ : ١١٤ و ١١٥ . مقتل الحسين عليه‌السلام / الخوارزمي : ٢ : ٣١ .

(٢) اللهوف : ٦٧ .

(٣) مقتل الحسين عليه‌السلام / الخوارزمي : ٢ : ٣١ .

(٤) الحشاشة : رُوح القلب ورمق الحياة . لسان العرب : ٣ : ١٨٨ ـ حشش .

(٥) رياض المدح والرثاء : ١٢٢ . مقتل الحسين عليه‌السلام / المقرّم : ٣٢٣ .