كما دلت عليه الادلة العقلية متأيدة بالاخبار وتصريح الاخيار ، ففي كل موضع لم يقم فيه دليل يقتضي التحريم وجب فيه الحكم بالتحليل ، لانه أصله ومقتضاه والتحريم طار ولانتفاء سبب التحريم ، فيلزم منه ثبوت الاباحة ، لما مر غير مرة أن ارتفاع النقيضين الا في المرتبة غير معقول.
وكذلك قد عرفت مما أسلفناه أن المستفاد من الخبر المستفيض هو أن الرضاع علة التحريم ومقتضيه ، فحيثما تحقق تحقق وحيثما انتفي انتفى ، وحينئذ وجب فيه القول بالحلية والاباحة. اللهم الا أن يمنع منه مانع ، فان تخلف المقتضي عن المقتضى لمانع غير عزيز عقلا ونقلا.
واذ قد عرفت هذا عرفت أن القول باحتمال أن يكون هنا مقتضي التحريم ونحن لا نعلمه ، أو أن المقتضي لعله محض تحقق كذا مجرد وسواس ناش من القريحة السودائية ، ومحض احتمال شبيه بما نقل عن السوفسطائية. والى مثل هذا الاحتمال أشار صاحب الرسالة فيها متصلا بما نقلناه عنه ، أعني بقوله قالوا فيها بالتحليل بقوله : وفيه نظر.
أما أولا فلان من انتفاء المقتضي الخاص لا يلزم انتفاء مطلق المقتضي ، وعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود ، على أن هنا أشياء يمكن دعوى كونها المقتضي هاهنا ، كأن يقال مثلا لعل المقتضي هو محض تحقق علاقة الاخوة الحاصلة من ارتضاع المرتضع من لبن رضيعه ، كما أشرنا اليه في أول المبحث.
أقول : من تتبع مدارك الاحكام ولم يجد فيها ما يدل على تحريم الشيء الفلاني فلا بد له من القول بتحليله ، والا لزم أن لا يمكنه القول بحلية الاشياء التي لا دليل له على تحريمها بعين تلك المقدمة القائلة بأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود ، اذ لقائل أن يقول : لعلها تكون حراماً وعلى تحريمها دليل ونحن لم نجده.