أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني الرازي
المحقق: مركز بحوث دار الحديث
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-493-347-5
ISBN الدورة:
الصفحات: ٧٩١
(٥)
كتاب الإيمان والكفر
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ
[٥]
كِتَابُ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ
١ ـ بَابُ طِينَةِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ (١)
١٤٤٩ / ١. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ
__________________
(١) في « ب » : « بسم الله الرحمن الرحيم ، وبه ثقتي. كتاب الإيمان والكفر. باب طينة المؤمن والكافر ».
وفي « ج » : « بسم الله الرحمن الرحيم. كتاب الكفر والإيمان. باب طينة المؤمن والكافر. أخبرني محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثني ».
وفي « د » : « كتاب الإيمان والكفر. بسم الله الرحمن الرحيم. باب طينة المؤمن والكافر. أخبرنا محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثني ».
وفي « ز » : « بسم الله الرحمن الرحيم. كتاب الكفر والإيمان. باب طينة المؤمن والكافر ».
وفي « ص » : « بسم الله الرحمن الرحيم. باب طينة المؤمن والكافر. حدّثني أبو محمّد هارون بن موسى بن أحمد التلّعكبري ، قال : حدّثني أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني ، قال : حدّثني ».
وفي « ض » : « بسم الله الرحمن الرحيم ، وبه نستعين. كتاب الإيمان والكفر. باب طينة المؤمن والكافر ».
وفي « ف » : « الحمد للهربّ العالمين. بسم الله الرحمن الرحيم. كتاب الكفر والإيمان ، والطاعات والمعاصي من المجلّد الثاني من كتاب الكافي. باب طينة المؤمن والكافر. قال أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني : حدّثني ».
وفي « هـ » : « بسم الله الرحمن الرحيم. كتاب الإيمان والكفر. باب طينة المؤمن والكافر. حدّثني ».
وفي « بر » : « بسم الله الرحمن الرحيم. وبه ثقتي. ربِّ يسّر. المجلّد الثاني من المجلّدات السبع من الكتاب الكافي تأليف الشيخ الفقيه الكامل أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني قدّس الله سرّه ، ونوّر ضريحه. كتاب الإيمان والكفر. باب طينة المؤمن والكافر ».
وفي « بس » : « بسم الله الرحمن الرحيم ، وبه ثقتي. باب طينة المؤمن والكافر ».
رَجُلٍ (١) :
عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام ، قَالَ : « إِنَّ (٢) اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ خَلَقَ النَّبِيِّينَ مِنْ طِينَةِ عِلِّيِّينَ قُلُوبَهُمْ وَأَبْدَانَهُمْ ، وَخَلَقَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ تِلْكَ الطِّينَةِ (٣) ، وَجَعَلَ (٤) خَلْقَ أَبْدَانِ الْمُؤْمِنِينَ (٥) مِنْ دُونِ ذلِكَ (٦) ، وَخَلَقَ الْكُفَّارَ مِنْ طِينَةِ سِجِّينٍ (٧) قُلُوبَهُمْ وَأَبْدَانَهُمْ ، فَخَلَطَ
__________________
وفي « بف » : « بسم الله الرحمن الرحيم ، وبه ثقتي. كتاب الإيمان من الكافي ، والكفر ، والدعاء ، وفضل القرآن ، والزكاة ، والصوم ، والاعتكاف. باب طينة المؤمن والكافر ».
وفي شرح المازندراني : « بسم الله الرحمن الرحيم. باب طينة المؤمن والكافر. أخبرنا محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثني ».
وفي مرآة العقول ، ج ٧ ، ص ١ : « كتاب الإيمان والكفر من كتاب الكافي ، تصنيف الشيخ أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني رضياللهعنه وأرضاه » ثمّ قال : « أقول : تلك الفقرات لم تكن في بعض النسخ ، والظاهر أنّه من كلام رواة الكافي ».
(١) الخبر رواه الصفّار في بصائر الدرجات ، ص ١٥ ، ح ٥ عن العبّاس بن معروف ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي ، عن عليّ بن الحسين عليهالسلام. لكن في بعض نسخ البصائر زيادة : « عن رجل » بعد « ربعي ».
(٢) في « ض » : ـ / « إنّ ».
(٣) في الوافي : « الطينة : الخلقة والجبلّة. وعلّيّين ، جمع علّيّ ، أو مفرد ويعرب بالحروف والحركات : يقال للجنّةوالسماء السابعة والملائكة الحفظة الرافعين لأعمال عباد الله الصالحين إلى الله سبحانه. والمراد به أعلى الأمكنة وأشرف المراتب وأقربها من الله ؛ وله درجات كما يدلّ عليه ما ورد في بعض الأخبار الآتية من قولهم : « أعلى علّيّين » وكما وقع التنبيه عليه في هذا الخبر بنسبة خلق القلوب والأبدان كليهما إليه ، مع اختلافهما في الرتبة ».
(٤) في « بع » والمحاسن والبصائر والعلل ، ص ٨٢ و ١١٦ والاختصاص : ـ / « جعل ».
(٥) في العلل ، ص ٨٢ والاختصاص : « أبدانهم » بدل « أبدان المؤمنين ».
(٦) في « ز » : « تلك الطينة » بدل « ذلك ».
(٧) « السجّين » : اسم لجهنّم بإزاء علّيّين. المفردات للراغب ، ص ٣٩٩ ( سجن ). وفي النهاية ، ج ٢ ، ص ٣٤٤ : « هو فِعّيل من السجن : الحبس » ، وفي الوافي : « وسجّين ... يقال للنار والأرض السفلى ، والمراد به أسفل الأمكنة وأخسّ المراتب وأبعدها من الله سبحانه ، فيشبه أن يراد به حقيقة الدنيا وباطنها التي هي مخبوءة تحت عالم الملك ؛ أعني هذا العالم العنصري ؛ فإنّ الأرواح مسجونة فيه ؛ ولهذا ورد في الحديث : المسجون من سجنته الدنيا عن الآخرة. وخلق أبدان الكفّار من هذا العالم ظاهر ، وإنّما نسب خلق قلوبهم إليه لشدّة ركونهم إليه
بَيْنَ (١) الطِّينَتَيْنِ ، فَمِنْ هذَا (٢) يَلِدُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ ، وَيَلِدُ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ ، وَمِنْ هَاهُنَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنُ السَّيِّئَةَ ، وَمِنْ هَاهُنَا يُصِيبُ الْكَافِرُ الْحَسَنَةَ ؛ فَقُلُوبُ (٣) الْمُؤْمِنِينَ تَحِنُّ (٤) إِلى مَا خُلِقُوا مِنْهُ ، وَقُلُوبُ الْكَافِرِينَ تَحِنُّ إِلى مَا خُلِقُوا مِنْهُ ». (٥)
__________________
وإخلادهم إلى الأرض وتثاقلهم إليها ، فكأنّه ليس لهم من الملكوت نصيب لاستغراقهم في الملك. والخلط بين الطينتين إشارة إلى تعلّق الأرواح الملكوتيّة بالأبدان العنصريّة ، بل نشؤها منها شيئاً فشيئاً ، فكلّ من النشأتين غلبت عليه صار من أهلها ، فيصير مؤمناً حقيقيّاً ، أو كافراً حقيقيّاً ، أو بين الأمرين على حسب مراتب الإيمان والكفر ».
وقال المحقّق الشعراني في تعليقته على الوافي : « ظاهر هذا الكلام [ فكلّ من النشأتين غلبت عليه صار من أهلها ] موجب للجبر ، وهو لا يوافق المذهب ، ويبعد كلّ البعد أن يكون مراد المصنّف ما يظهر من كلامه هذا. فإن قال قائل : إنّ الخلق من طينتين مختلفتين لا يستلزم سلب القدرة عن الطرف المخالف. قلنا : الخلق من طينة علّيّين يوجب أقربيّة مَن خلَق منها إلى الخير ، والسجّين بالعكس ، وهذا أيضاً ظلم قبيح ، ومقتضى العدل واللطف الإلهي أن يخلق جميع الناس من طينة واحدة قريبة إلى الخير ، كما يدلّ عليه الآية الكريمة ، وإن خرج من خرج عن فطرته بسوء اختياره. فإن أمكن تأويل ما يخالف ذلك من الأحاديث بحيث يوافق الآية الكريمة والضروري من مذهب الإماميّة فهو ، وإلاّ فهي مردودة. ونعم ما قال الفاضل محمّد صالح المازندراني : إنّ الخلق من طينتين تابع للإيمان والكفر ومسبّب عنهما ، لا العكس ؛ لأنّ الله تعالى علم أنّ جماعة يؤمنون باختيارهم ، سواء كانوا من طينة علّيّين أو من طينة سجّين ، فخلقهم من طينة علّيّين تشريفاً لهم ، وعلم أنّ جماعة يكفرون باختيارهم ولو كانوا من طينة علّيّين ، فخلقهم من طينة سجّين توهيناً وازدراءً. هذا محصّل كلامه ، ثمّ قال : وبما قرّرنا تبيّن فساد توهّم أنّ الإيمان والفضل والكمال وأضدادها تابعة لطهارة الطينة وصفائها ، وخباثة الطينة وظلمتها ؛ انتهى. فهذه الطينة عارضة على الفطرة الأصليّة على التوحيد ».
(١) في الاختصاص : ـ / « بين ».
(٢) في الوافي : « ذلك ».
(٣) في « ص » : « وقلوب ».
(٤) « تَحِنُّ » ، أي تشتاق ؛ من الحنين ، وهو الشوق وتوقان النفس ، وأصل الحنين : ترجيع الناقة صوتها إثر ولدها. راجع : الصحاح ، ج ٥ ، ص ٢١٠٤ ؛ النهاية ، ج ١ ، ص ٤٥٢ ( حنن ).
(٥) بصائر الدرجات ، ص ١٥ ، ح ٥ ، بسنده عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي ، عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام ؛ المحاسن ، ص ١٣٢ ، كتاب الصفوة ، ح ٦ ، إلى قوله : « خلق أبدان المؤمنين من دون ذلك » ؛ علل الشرائع ، ص ٨٢ ، ح ٢ ، وفيهما بسند آخر عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي بن عبدالله الهذلي ، عمّن ذكره ، عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام ؛ وفيه ، ص ١١٦ ، ح ١٣ ، بسنده عن حمّاد بن عيسى ، عن أبي نعيم الهذلي ، عن رجل ؛ الاختصاص ، ص ٢٤ ، مرسلاً عن ربعي ، عن رجل الوافي ، ج ٤ ، ص ٢٥ ، ح ١٦٤٣.
__________________
قال المحقّق الشعراني في تعليقته على شرح المازندراني ، ج ٨ ، ص ٤ : « ليس في الباب الأوّل من هذا الكتاب حديث يعتمد على إسناده ، بل جميع أخباره ضعيفة بوجه ، ولكنّ في البابين بعده أخباراً توصف بالحسن أو التوثيق ولكنّ مضامينها مخالفة لُاصول المذهب وللروايات الآتية في الباب الرابع ؛ أعني باب فطرة الخلق على التوحيد ؛ وذلك لأنّ من اصول مذهبنا العدل واللطف وإن لم يخلق بعض الناس أقرب إلى قبول الطاعة وبعضهم أبعد ، والتبعيض في خلق المكلّفين مخالف لمقتضى العدل ؛ لأنّه تعالى سوّى التوفيق بين الوضيع والشريف ، مكّن أداء المأمور وسهّل سبيل اجتناب المحظور. وخلق بعض الناس من طينة خبيثة ، إمّا أن يكون ملزماً باختيار المعصية جبراً ، وهو باطل ، وإمّا أن يكون أقرب إلى قبول المعصية ممّن خلق من طينة طيّبة ، وهو تبعيض وظلم ، وقلنا : إنّه مخالف للروايات الآتية في الباب الرابع ؛ لأنّها صريحة في أنّ الله تعالى خلق جميع الناس على فطرة التوحيد ، وليس في أصل خلقهم تشويه وعيب ، وإنّما العيب عارض ، وهكذا ما نرى من خلق الله تعالى ؛ فإنّه خلق الماء صافياً ، وإنّما يكدّره الأرض التربة. وكذلك الإنسان خلق سالماً من الخبائث وأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه.
وأيضاً القرآن يدلّ على أنّ جميع الناس قالوا : بلى ، في جواب ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) [ الأعراف (٧) : ١٧٢ ] فالأصل الذي عليه اعتقادنا أنّ جميع أفراد الناس متساوية في الخلقة بالنسبة إلى قبول الخير والشرّ ، وإنّما اختلافهم في غير ذلك ، فإن دلّت رواية على غير هذا الأصل فهو مطروح ، أو مؤوّل بوجه ، سواء علمنا وجهه ، أو لم نعلم. ومن التأويلات التي هي في معنى طرح الروايات تأويل الشارح ؛ فإنّ الروايات صريحة في أنّ الطينة مؤثّرة في صيرورة العبد سعيداً أو شقيّاً ، وأوّلها الشارح بأنّها غير مؤثّرة ».
وقال العلاّمة المجلسي في مرآة العقول ، ج ٧ ، ص ١٥ : « اعلم أنّ ما ذكر في هذا الباب وفي بعض الأبواب الآتية من متشابهات الأخبار ومعضلات الآثار ، وممّا يوهم الجبر ونفي الاختيار ، ولأصحابنا رضوان الله عليهم فيها مسالك :
الأوّل : ما ذهب إليه الأخباريّون ، وهو أنّا نؤمن بها مجملاً ونعترف بالجهل عن حقيقة معناها وعن أنّها من أيّ جهة صدرت ونردّ علمها إليهم عليهمالسلام.
الثاني : أنّها محمولة على التقيّة ؛ لموافقتها لروايات العامّة ومذاهب الأشاعرة الجبريّة ، وهم جلّهم.
الثالث : أنّها كناية عن علمه تعالى بما هم إليه صائرون ؛ فإنّه سبحانه لمّا خلقهم وكان عند خلقهم عالماً بما يصيرون إليه فكأنّه خلقهم من طينات مختلفة.
الرابع : أنّها كناية عن اختلاف استعداداتهم وقابليّاتهم ، وهذا أمر بيّن لايمكن إنكاره ؛ فإنّه لايريب عاقل في أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأباجهل ليسا في درجة واحدة من الاستعداد والقابليّة ، وهذا لا يستلزم سقوط التكليف ؛ فإنّ الله تعالى كلّف النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بقدر ما أعطاه من الاستعداد والقابليّة لتحصيل الكمالات ، وكلّفه ما لم يكلّف أحداً مثله ، وكلّف أباجهل ما في وسعه وطاقته ، ولم يجبره على شيء من الشرّ والفساد.
١٤٥٠ / ٢. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحسَيْنِ (١)، عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ
__________________
الخامس : أنّه لمّا كلّف الله تعالى الأرواح أوّلاً في الذرّ وأخذ ميثاقهم فاختاروا الخير والشرّ باختيارهم في ذلك الوقت ، وتفرّع اختلاف الطينة على ما اختاروه باختيارهم ، كما دلّت عليه بعض الأخبار فلا فساد في ذلك ».
وقال العلاّمة الطباطبائي في ذيل هذا الحديث : « الأخبار مستفيضة في أنّ الله تعالى خلق السعداء من طينة علّيّين من الجنّة ، وخلق الأشقياء من طينة سجّين من النار ، وكلّ يرجع إلى حكم طينته من السعادة والشقاء. وقد اورد عليها أوّلاً بمخالفة الكتاب ، وثانياً باستلزام الجبر الباطل.
أمّا البحث الأوّل فقد قال الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ) [ الأنعام (٦) : ٢ ] وقال : ( وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ) [ السجدة (٣٢) : ٧ ] ، فأفاد أنّ الإنسان مخلوق من طين ، ثمّ قال تعالى : ( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها ) الآية ، [ البقرة (٢) : ١٤٨ ] وقال : ( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها ) الآية ، [ الحديد (٥٧) : ٢٢ ] فأفاد أنّ للإنسان غاية ونهاية من السعادة والشقاء ، وهو متوجّه إليها ، سائر نحوها ، وقال تعالى : « ( كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ ) الآية ، [ الأعراف (٧) : ٢٩ ـ ٣٠ ] فأفاد أنّ ما ينتهي إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاء هو ما كان عليه في بدء خلقه وقد كان في بدء خلقه طيناً ، فهذه الطينة طينة سعادة وطينة شقاء. وآخر السعيد إلى الجنّة وآخر الشقيّ إلى النار ، فهما أوّلهما ؛ لكون الآخر هو الأوّل ، وحينئذ صحّ أنّ السعداء خلقوا من طينة الجنّة ، والأشقياء خلقوا من طينة النار ، وقال تعالى : ( كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) [ المطففين (٨٣) : ١٨ ـ ٢١ ] ، ( كَلاّ إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) [ المطفّفين (٨٣) : ٧ ـ ١٠ ] الآيات ، وهي تشعر بأنّ « علّيّين » و « سجّين » ، هما ما ينتهي إليه أمر الأبرار والفجّار من النعمة والعذاب ، فافهم.
وأمّا البحث الثاني ، وهو أنّ أخبار الطينة تستلزم أن تكون السعادة والشقاء لازمين حتميّين للإنسان ، ومعه لايكون أحدهما اختياريّاً كسبيّاً للإنسان ، وهو الجبر الباطل.
والجواب عنه أنّ اقتضاء الطينة للسعادة أو الشقاء ليس من قبل نفسها ، بل من قبل حكمه تعالى وقضائه ما قضى من سعادة وشقاء ، فيرجع الإشكال إلى سبق قضاء السعادة والشقاء في حقّ الإنسان قبل أن يخلق وأنّ ذلك يستلزم الجبر. وقد ذكرنا هذا الإشكال مع جوابه في باب المشيئة والإرادة [ ذيل ح ٣٨٧ ] وحاصل الجواب أنّ القضاء متعلّق بصدور الفعل عن اختيار العبد ، وهو فعل اختياريّ في عين أنّه حتميّ الوقوع ولم يتعلّق بالفعل ، سواء اختاره العبد ، أو لم يختره حتّى يلزم منه بطلان الاختيار. وأمّا شرح ما تشتمل عليه هذه الأخبار تفصيلاً فأمر خارج عن مجال هذا البيان المختصر ، فليرجع فيه إلى مطوّلات الشروح والتعاليق ، والله الهادي ».
(١) هكذا في « ب ، جح » وحاشية « جك ». وفي سائر النسخ والمطبوع : « محمّد بن الحسن ». والصواب ما أثبتناه ؛ فقد روى الصفّار الخبر في بصائر الدرجات ، ص ١٦ ، ح ٧ ، عن محمّد بن الحسين ، عن النضر بن شعيب ، عن عبد الغفّار الجازي. وترجم النجاشي لعبد الغفّار بن حبيب الطائي الجازي وقال : « له كتاب يرويه جماعة
عَبْدِ الْغَفَّارِ الْجَازِيِّ (١) :
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليهالسلام ، قَالَ : « إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ خَلَقَ الْمُؤْمِنَ مِنْ طِينَةِ الْجَنَّةِ ، وَخَلَقَ الْكَافِرَ (٢) مِنْ طِينَةِ النَّارِ ».
وَقَالَ : « إِذَا أَرَادَ اللهُ (٣) ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ بِعَبْدٍ خَيْراً ، طَيَّبَ رُوحَهُ وَجَسَدَهُ ، فَلَا يَسْمَعُ شَيْئاً مِنَ الْخَيْرِ إِلاَّ عَرَفَهُ ، وَلَا يَسْمَعُ شَيْئاً مِنَ الْمُنْكَرِ إِلاَّ أَنْكَرَهُ ».
قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : « الطِّينَاتُ ثَلَاثٌ (٤) : طِينَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُؤْمِنُ مِنْ تِلْكَ الطِّينَةِ ، إِلاَّ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ هُمْ (٥) مِنْ (٦) صَفْوَتِهَا ؛ هُمُ (٧) الْأَصْلُ وَلَهُمْ فَضْلُهُمْ ، وَالْمُؤْمِنُونَ الْفَرْعُ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (٨) ، كَذلِكَ (٩) لَايُفَرِّقُ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ شِيعَتِهِمْ ».
وَقَالَ : « طِينَةُ النَّاصِبِ مِنْ حَمَاً مَسْنُونٍ (١٠) ، وَأَمَّا الْمُسْتَضْعَفُونَ (١١) فَمِنْ تُرَابٍ ؛
__________________
أخبرنا الحسين بن عبيد الله ... عن محمّد بن عبدالجبّار ، قال : حدّثنا النضر بن شعيب ، عن عبدالغفّار بكتابه ». وطريق الشيخ الطوسي إلى كتاب خالد بن ماد القلانسي أيضاً ينتهي إلى محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن النضر بن شعيب. أضف إلى ذلك أنّ أكثر روايات النضر بن شعيب وردت بواسطة محمّد بن الحسين. راجع : رجال النجاشي ، ص ٢٧٤ ، الرقم ٦٥٠ ؛ الفهرست للطوسي ، ص ١٧٣ ، الرقم ٢٦٦ ؛ معجم رجال الحديث ، ج ١٩ ، ص ١٥٦ ـ ١٥٨.
(١) في « هـ » : « الخازن ».
(٢) في البصائر : « الناصب ».
(٣) في « ف » : ـ / « الله ».
(٤) في « د ، ص ، ض ، هـ » والبصائر : « ثلاثة ». قال في النحو الوافي : « عند عدم ذكر التميز لا يجب المخالفة ».
(٥) في « د ، ص ، ض ، بر ، بس » : ـ / « هم ».
(٦) في البصائر : ـ / « من ».
(٧) في البصائر : « وهم ».
(٨) في البصائر : « طينة ». و « طين لازب » أي ممتزج متماسك ، يلزق بعضه بعضاً. مجمع البحرين ، ج ٢ ، ص ١٦٦. وراجع : الصحاح ، ج ١ ، ص ٢١٩ ( لزب ).
(٩) في مرآة العقول : وفي بعض النسخ : « لذلك ».
(١٠) الحَمَأ : الطين الأسود ، أو المنتن منه ، والمسنون : المتغيّر المنتن. راجع : الصحاح ، ج ١ ، ص ٤٥ ؛ لسانالعرب ، ج ١ ، ص ٦١ ( حمأ ) ؛ الصحاح ، ج ٥ ، ص ٢١٣٩ ( سنن ).
(١١) « المستضعف » : هو الذي لا يستطيع حيلة الكفر فيكفر ، ولا يهتدي سبيلاً إلى الإيمان ، كالصبيان ، ومن كان من الرجال مثل عقول الصبيان مرفوع القلم عنهم. وعن بعض الشارحين : المستضعف : من لا يعتقد الحقّ ولا
لَا يَتَحَوَّلُ مُؤْمِنٌ عَنْ إِيمَانِهِ ، وَلَا نَاصِبٌ عَنْ نَصْبِهِ ، وَلِلّهِ الْمَشِيئَةُ فِيهِمْ (١)». (٢)
١٤٥١ / ٣. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ ، قَالَ :
قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ عليهالسلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ طِينَةَ الْمُؤْمِنِ؟ فَقَالَ : « مِنْ طِينَةِ الْأَنْبِيَاءِ ؛ فَلَمْ تَنْجَسْ (٣) أَبَداً ». (٤)
١٤٥٢ / ٤. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى وَغَيْرُهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ (٥) ،
__________________
يعاند أهله ، ولا يوالي أحداً من الأئمّة عليهمالسلام ولا من غيرهم. أو هو ـ على ما في الوافي ـ من لا يلزم طريقة أهل الإيمان ولا طريقة أهل الكفر ولم يتقيّد بعقيدة ، لاحقّ ولا باطل ، ليس لهم نور الملكوت ولا ظلمة باطن الملك ، بل لهم قبول كلّ من الأمرين ؛ بخلاف الآخرين ؛ فإنّهما لا يتحوّلان عمّا خلقوا له. راجع : مجمع البحرين ، ج ٥ ، ص ٨٦ ( ضعف ).
(١) في « ف » : « فيهم المشيئة ». وفي البصائر : + / « جميعاً ».
(٢) بصائر الدرجات ، ص ١٦ ، ح ٧ ، عن محمّد بن الحسين ، عن النضر بن شعيب. وفي الكافي ، كتاب التوحيد ، باب الهداية أنّها من الله عزّوجلّ ، ضمن ح ٤٣٠ ؛ وكتاب الإيمان والكفر ، باب في ترك دعاء الناس ، ضمن ح ٢٢٢٧ ؛ والمحاسن ، ص ٢٠٠ ، كتاب مصابيح الظلم ، ضمن ح ٣٤ ، بسند آخر. تحف العقول ، ص ٣١٢ ، ضمن وصيّته لأبي جعفر محمّد بن النعمان ، وفي الأربعة الأخيرة من قوله : « إذا أراد الله عزّوجلّ » إلى قوله : « من المنكر إلاّ أنكره » مع اختلاف يسير الوافي ، ج ٤ ، ص ٢٧ ، ح ١٦٤٤ ؛ البحار ، ج ٦٧ ، ص ٨٢ ، ح ٧.
(٣) في « ب » والمحاسن : « فلم تنجّس » بحذف إحدى التاءين. وفي « ص ، هـ ، بس » والوافي ومرآة العقول والبحار والمحاسن : « فلن تنجس ». والمراد بالنجاسة المنفيّة : نجاسة الكفر والشرك ، كما في المرآة ؛ أو التعلّق بالدنيا تعلّق ركون وإخلاد يذهله عن الآخرة ، كما في الوافي.
(٤) المحاسن ، ص ١٣٣ ، كتاب الصفوة ، ح ٧ ، بسنده عن صالح بن سهل الهمداني. المؤمن ، ص ٣٥ ، ح ٧٤ ، عن أبي عبدالله عليهالسلام ؛ الاختصاص ، ص ٢٥ ، مرسلاً عن محمّد بن حمران ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، مع زيادة في أوّله ، وفيهما مع اختلاف يسير الوافي ، ج ٤ ، ص ٢٨ ، ح ١٦٤٥ ؛ البحار ، ج ٦٧ ، ص ٩٣ ، ح ١٢.
(٥) هكذا في « هـ ». وفي سائر النسخ والمطبوع والبحار : « محمّد بن خلف ». والصواب ما أثبتناه ؛ فقد تقدّم الخبرفي الكافي ، ح ١٠١٧ ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد ، عن أبي نهشل. وروى أحمد بن محمّد بن خالد البرقي أيضاً صدر الخبر في المحاسن ، ص ١٣٢ ، ح ٥ ، عن أبيه ، عن أبي نهشل ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي عبد الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ والظاهر من البحار ، ج ٥ ، ص ٢٣٥ ، ذيل الحديث ١١ ، أنّ أبا حمزة يروي الخبر عن أبي جعفر عليهالسلام ، فلاحظ ـ وورد الخبر في تأويل الآيات ، ص ٧٤٨ ، نقلاً ممّا نحن فيه ، وفيه أيضاً : « محمّد بن خالد ».
عَنْ أَبِي نَهْشَلٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ ، قَالَ :
سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليهالسلام يَقُولُ : « إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ خَلَقَنَا مِنْ أَعْلى عِلِّيِّينَ ، وَخَلَقَ قُلُوبَ شِيعَتِنَا مِمَّا خَلَقَنَا مِنْهُ (١)، وَخَلَقَ أَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذلِكَ ، وَقُلُوبُهُمْ تَهْوِي إِلَيْنَا ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خُلِقْنَا (٢) » ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ : ( كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) (٣).
« وَخَلَقَ عَدُوَّنَا مِنْ سِجِّينٍ ، وَخَلَقَ قُلُوبَ شِيعَتِهِمْ مِمَّا خَلَقَهُمْ مِنْهُ ، وَأَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذلِكَ ؛ فَقُلُوبُهُمْ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خُلِقُوا مِنْهُ » ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ : ( كَلاّ إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) (٤). (٥)
__________________
هذا ، وقد وردت رواية محمّد بن خالد المراد به البرقي عن أبي نهشل في الكافي ، ح ٢٦٦٧ و ٣٧٠٩ و ٦٠٦٩.
ثمّ إنّه لا يخفى وجه تصحيف « خالد » بـ « خلف » على العارف بأساليب الخطوط القديمة ؛ فقد كان يُكتَبُ « خالد » في بعض تلك الخطوط من دون « الألف » فيقع في معرض التصحيف بـ « خلف ».
(١) في الكافي ، ح ١٠١٧ : ـ / « منه ».
(٢) هكذا في النسخ التي قوبلت. وفي المطبوع : + / « منه ».
(٣) المطفّفين (٨٣) : ١٨ ـ ٢١.
(٤) المطفّفين (٨٣) : ٧ ـ ١٠. وفي « هـ » والكافي ، ح ١٠١٧ والبصائر : ـ/ ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ).
(٥) الكافي ، كتاب الحجّة ، باب خلق أبدان الأئمّة وأرواحهم وقلوبهم عليهمالسلام ، ح ١٠١٧ ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد ، عن أبي نهشل. المحاسن ، ص ١٣٢ ، كتاب الصفوة ، ح ٥ ، عن أبيه ، عن أبي نهشل ... عن أبي عبد الله عليهالسلام ، إلى قوله : ( يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ). علل الشرائع ، ص ١١٦ ، ح ١٢ ، بسنده عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن أبي نهشل. بصائر الدرجات ، ص ١٥ ، ح ٣ ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد ، عن أبي نهشل ... عن أبي عبد الله عليهالسلام ؛ تفسير القمّي ، ج ٢ ، ص ٤١١ ، بسنده عن محمّد بن إسماعيل ، وفي الأخيرين إلى قوله : ( يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ). الكافي ، كتاب الحجّة ، باب خلق أبدان الأئمّة وأرواحهم وقلوبهم عليهمالسلام ، ح ١٠١٤ ، إلى قوله : « خلقت ممّا خلقنا منه » ؛ علل الشرائع ، ص ١١٧ ، ح ١٤ ، وفيهما بسند آخر عن أبي عبدالله عليهالسلام ، مع اختلاف يسير. وفي بصائر الدرجات ، ص ١٦ ، ح ٩ ؛ وص ١٧ ، ح ١٣ ، بسند آخر عن أبي عبد الله عليهالسلام ، مع زيادة في أوّله ؛ وفيه ، ص ١٨ ، ح ١٧ ؛ وص ١٧١ ، ح ٢ ، بسند آخر عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام ، مع زيادة في أوّله ؛ وفيه ، ص ٢٤ ، ح ١٨ ، بسند آخر عن أبي عبد الله عليهالسلام ، وفي الخمسة الأخيرة مع اختلاف. وراجع : الأمالي للطوسي ، ص ١٤٩ ، المجلس ٥ ، ح ٥٧ الوافي ، ج ٤ ، ص ٢٩ ، ح ١٦٤٧ ؛ البحار ، ج ٦٧ ، ص ١٢٧ ، ح ٣٢.
١٤٥٣ / ٥. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا (١)، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ؛
وَغَيْرُ وَاحِدٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ (٢) جَمِيعاً ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ يُوسُفَ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ كَيْسَانَ :
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليهالسلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَنَا مَوْلَاكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ كَيْسَانَ.
قَالَ : « أَمَّا النَّسَبُ فَأَعْرِفُهُ ، وَأَمَّا أَنْتَ فَلَسْتُ أَعْرِفُكَ ».
قَالَ : قُلْتُ لَهُ : إِنِّي وُلِدْتُ بِالْجَبَلِ (٣) ، وَنَشَأْتُ فِي أَرْضِ فَارِسَ ، وَإِنَّنِي (٤) أُخَالِطُ النَّاسَ فِي التِّجَارَاتِ وَغَيْرِ ذلِكَ ، فَأُخَالِطُ الرَّجُلَ ، فَأَرى لَهُ حُسْنَ السَّمْتِ (٥) وَحُسْنَ الْخُلُقِ
__________________
(١) فى « ص » : + / « عن أحمد بن محمّد » ـ وقد زيد فى حاشيتها تصحيحاً ـ وهو سهو واضح لا يخفى على من تتبّعأسناد الكافي ؛ فقد أكثر الكليني من الرواية عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد. راجع : معجم رجال الحديث ، ج ٨ ، ص ٤٩٣ ـ ٥٤٠.
(٢) الحسين بن الحسن الراوي عن محمّد بن اورمة ، هو الحسين بن الحسن بن أبان ، روى ابن الوليد عنه جميعكتبِ محمّد بن اورمة ، إلاّما كان فيه من تخليط أو غلوّ. راجع : الفهرست للطوسي ، ص ٤٠٧ ، الرقم ٦٢١ ؛ رجال الطوسي ، ص ٤٤٨ ، الرقم ٦٣٦٢.
هذا ، وقد روى الكليني عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن اورمة في الكافي ، ح ٢١٤١ و ٢١٥٣ و ٢٢٩٦ و ٢٣٢٤ و ٣٠٠٦ و ٤٤٤٩ و ٤٥٠٥ و ٤٥٤٦. وقد حُذِف عدّة من أصحابنا من صدر السند تعليقاً ـ وح ٨١٥٣ و ٨١٥٩. فالظاهر في سندنا هذا أنّ سهل بن زياد والحسين بن الحسن يرويان معاً عن محمّد بن اورمة ، تدلّ على ذلك لفظة « جميعاً ».
فعليه في السند تحويل ، بعطف « غير واحد ، عن الحسين بن الحسن » على « عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ».
(٣) فى « ب » : « في الجبل ». وفي شرح المازندراني ، ج ٨ ، ص ٩ : « قيل : المراد بالجبل : كردستان بين تبريز وبغدادوهمدان ، وغير ذلك ». وفي القاموس ، ج ٢ ، ص ١٢٨٩ ( جبل ) : « بلادُ الجبل : مُدُن بين آذربيجانَ وعراقِ العرب وخوزستان وفارس وبلاد الديلم ». وراجع أيضاً : معجم البلدان ، ج ٢ ، ص ١٠٣ ( جبل ).
(٤) في « ب » : « وإنّي ».
(٥) « السَّمت » : هيئة أهل الخير ، وهي عبارة عن الحالة التي يكون عليها الإنسان من السَّكينة والوَقار ، وحسنالسيرة والطريقة ، واستقامة المنظر والهَيئة. راجع : مجمع البحرين ، ج ٢ ، ص ٢٠٦ ( سمت ).
وَكَثْرَةَ (١) أَمَانَةٍ (٢) ، ثُمَّ أُفَتِّشُهُ ، فَأَتَبَيَّنُهُ (٣) عَنْ (٤) عَدَاوَتِكُمْ ؛ وَأُخَالِطُ الرَّجُلَ ، فَأَرى مِنْهُ سُوءَ الْخُلُقِ (٥) وَقِلَّةَ أَمَانَةٍ (٦) وَزَعَارَّةً (٧) ، ثُمَّ أُفَتِّشُهُ ، فَأَتَبَيَّنُهُ (٨) عَنْ وَلَايَتِكُمْ ، فَكَيْفَ يَكُونُ ذلِكَ؟
قَالَ (٩) : فَقَالَ لِي : « أَمَا عَلِمْتَ يَا ابْنَ كَيْسَانَ ، أَنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَخَذَ طِينَةً مِنَ الْجَنَّةِ وَطِينَةً مِنَ النَّارِ ، فَخَلَطَهُمَا جَمِيعاً ، ثُمَّ نَزَعَ هذِهِ مِنْ هذِهِ ، وَهذِهِ مِنْ هذِهِ (١٠) ، فَمَا رَأَيْتَ مِنْ (١١) أُولئِكَ مِنَ الْأَمَانَةِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَحُسْنِ السَّمْتِ ، فَمِمَّا مَسَّتْهُمْ (١٢) مِنْ طِينَةِ (١٣) الْجَنَّةِ ، وَهُمْ يَعُودُونَ إِلى مَا خُلِقُوا مِنْهُ ، وَمَا رَأَيْتَ مِنْ هؤُلَاءِ مِنْ قِلَّةِ الْأَمَانَةِ وَسُوءِ الْخُلُقِ وَالزَّعَارَّةِ (١٤) ، فَمِمَّا مَسَّتْهُمْ (١٥) مِنْ طِينَةِ النَّارِ ، وَهُمْ يَعُودُونَ (١٦) إِلى مَا خُلِقُوا مِنْهُ ». (١٧)
__________________
(١) في « ب ، ج ، د ، ص ، ض ، ف ، هـ ، بس ، بف » والمحاسن : ـ / « كثرة ». وفي « جم ، جه » وحاشية « ز ، بج ، بع ، جح » والبحار كما في المتن.
(٢) في الوافي والمحاسن : « الأمانة ».
(٣) في « ب ، ص ، بر ، بس ، بف » والبحار والمحاسن : « فافتّشه ».
(٤) في « ز » : « على ».
(٥) في حاشية « ف » : « خلق ».
(٦) في الوافي : « الأمانة ».
(٧) يجوز فيه التخفيف. ومعناه : شراسَة الخُلُق. الصحاح ، ج ٢ ، ص ٦٧٠ ( زعر ). وفي « د ، ص » وحاشية « ب ، ز » : « دعارة » ، ومعناه : الفسق والفساد.
(٨) في « ب ، د ، ص ، بر ، بس ، بف » والبحار والمحاسن : « فافتّشه ».
(٩) هكذا في النسخ التي قوبلت والوافي. وفي المطبوع : ـ / « قال ».
(١٠) في « ض » والمحاسن : ـ / « وهذه من هذه ». وقال في الوافي : « معناه أنّه نزع طينة الجنّة من طينة النار ، وطينةالنار من طينة الجنّة بعد ما مسّت إحداهما الاخرى ، ثمّ خلق أهل الجنّة من طينة الجنّة ، وخلق أهل النار من طينة النار ».
(١١) في « ب ، د ، ض ، هـ ، بر ، بف » وحاشية « ج » وشرح المازندراني والبحار : « في ».
(١٢) في « ب ، د ، ص ، ف ، هـ ، بر ، بف » والوافي : « مسّهم ».
(١٣) في « ج ، ص » : « طين ».
(١٤) يجوز فيه التخفيف. وفي « ج ، ص » : « الدعارّة ».
(١٥) في « ب ، د ، ص ، ف ، بر » والوافي : « مسّهم ».
(١٦) في البحار : « يعادون ».
(١٧) المحاسن ، ص ١٣٦ ، كتاب الصفوة ، ح ٢٠ ، عن محمّد بن عليّ الوافي ، ج ٤ ، ص ٣١ ، ح ١٦٤٨ ؛ البحار ، ج ٦٧ ، ص ٨٦ ، ح ٩.
١٤٥٤ / ٦. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ (١)، عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ ، قَالَ :
قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ عليهالسلام : الْمُؤْمِنُونَ (٢) مِنْ طِينَةِ الْأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ : « نَعَمْ ». (٣)
١٤٥٥ / ٧. عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ (٤) ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ (٥) ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ :
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليهالسلام ، قَالَ : « إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ عليهالسلام بَعَثَ جَبْرَئِيلَ عليهالسلام فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فَقَبَضَ بِيَمِينِهِ قَبْضَةً بَلَغَتْ (٦) قَبْضَتُهُ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، وَأَخَذَ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ تُرْبَةً ، وَقَبَضَ قَبْضَةً أُخْرى مِنَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ الْعُلْيَا إِلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ الْقُصْوى ، فَأَمَرَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ كَلِمَتَهُ ،
__________________
(١) في « ز ، ض ، بس » : « أحمد بن محمّد بن خالد » بدل « أحمد بن محمّد عن محمّد بن خالد ». وهو سهو ؛ فقدروى الخبر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي في المحاسن ، ص ١٣٣ ، ح ٨ ، عن أبيه ، عن صالح بن سهل من أهل همدان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام. والظاهر أنّ الموجب للسقط في النسخ الثلاثة المذكورة ، هو جواز النظر من « محمّد » في « أحمد بن محمّد » إلى « محمّد » في « محمّد بن خالد ».
(٢) في « ف » والبصائر : « المؤمن ».
(٣) المحاسن ، ص ١٣٣ ، كتاب الصفوة ، ح ٨. بصائر الدرجات ، ص ١٨ ، ح ١٥ ، عن أحمد بن محمّد ، عن البرقي ، عن صالح بن سهل الوافي ، ج ٤ ، ص ٢٩ ، ح ١٦٤٦ ؛ البحار ، ج ٦٧ ، ص ٩٣ ، ح ١٣.
(٤) في « ف » وحاشية « ص » : « صالح بن سهل بن محمّد ». لكنّه سهو ؛ فقد وردت رواية عليّ بن محمّد ، عن صالحبن أبي حمّاد ، عن الحسين بن يزيد في الكافي ، ح ٣٠٨ و ٣٥١ و ٦٧١٨ و ١٢٢٢٥ و ١٢٨٦١. والظاهر أنّ الجميع قطعات من رواية واحدة.
(٥) في « ض ، بس ، جر » وحاشية « ج ، د ، ز ، ف ، بر » والبحار : « الحسين بن زيد ». وفي « ف » : « الحسن بن يزيد ». والحسين هذا ، هو الحسين بن يزيد النوفلي ؛ فقد روى علي بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن الحسين بن يزيد النوفلي ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة في الكافي ، ح ٣٥١ ، ووردت رواية الحسين بن يزيد النوفلي ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة في الأمالي للصدوق ، ص ٩٩ ، المجلس ٢٤ ، ح ٢ ؛ وص ١٦٧ ، المجلس ٣٦ ، ح ١١ ؛ وص ٣٨٣ ، المجلس ٧٢ ، ح ١٠ ؛ وكمال الدين ، ص ٣٢٩ ، ح ١١ ؛ ومعاني الأخبار ، ص ١٣١ ، ح ١ ؛ وعيون الأخبار ، ج ١ ، ص ٥٩ ، ح ٢٨.
(٦) في البحار : « فبلغت ».
فَأَمْسَكَ الْقَبْضَةَ الْأُولى بِيَمِينِهِ ، وَالْقَبْضَةَ (١) الْأُخْرى بِشِمَالِهِ ، فَفَلَقَ (٢) الطِّينَ فِلْقَتَيْنِ ، فَذَرَا (٣) مِنَ الْأَرْضِ ذَرْواً ، وَمِنَ السَّمَاوَاتِ ذَرْواً ، فَقَالَ لِلَّذِي بِيَمِينِهِ : مِنْكَ الرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ (٤) وَالْأَوْصِيَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالسُّعَدَاءُ وَمَنْ أُرِيدُ كَرَامَتَهُ ، فَوَجَبَ (٥) لَهُمْ مَا قَالَ كَمَا قَالَ ، وَقَالَ لِلَّذِي بِشِمَالِهِ : مِنْكَ الْجَبَّارُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْكَافِرُونَ وَالطَّوَاغِيتُ وَمَنْ أُرِيدُ هَوَانَهُ وَشِقْوَتَهُ ، فَوَجَبَ لَهُمْ مَا قَالَ كَمَا قَالَ.
ثُمَّ إِنَّ الطِّينَتَيْنِ (٦) خُلِطَتَا جَمِيعاً ، وَذلِكَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى ) (٧) ، فَالْحَبُّ طِينَةُ الْمُؤْمِنِينَ (٨) الَّتِي (٩) أَلْقَى اللهُ عَلَيْهَا مَحَبَّتَهُ ، وَالنَّوى طِينَةُ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ نَأَوْا (١٠) عَنْ كُلِّ خَيْرٍ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ النَّوى مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ نَأى (١١) عَنْ (١٢) كُلِّ خَيْرٍ وَتَبَاعَدَ عَنْهُ (١٣)
وَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ) (١٤) فَالْحَيُّ :
__________________
(١) في « ص » : ـ / « القبضة ».
(٢) « الفَلْق » : شقّ الشيء وإبانة بعضه عن بعض. يقال : فلقتُه فانفلق. والفِلْقَة : القِطْعَة وزناً ومعنىً. راجع : المفردات للراغب ، ص ٦٤٥ ؛ المصباح المنير ، ص ٤٨١ ( فلق ).
(٣) في « ج ، ز ، ص ، بف » : « فذرأ » بالهمزة. وهو بمعنى خلق وكثّر وبذر. وأمّا « ذرا » فهو من الذَرْو بمعنىالإذهاب والتفريق والإطارة ، وعليه فالفاعل ضمير راجع إلى الله تعالى أو جبرئيل. واختاره العلاّمة المجلسي. وبمعنى الذهاب والطيران ، والضمير راجع إلى الطين ، والمعنى : تحرّز وتفرّق سريعاً. واختاره العلاّمة المازندراني. راجع : لسان العرب ، ج ١٤ ، ص ٢٨٢ ؛ القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٦٨٦ ( ذرا ).
(٤) في « ص ، ف » : « الأنبياء والرسل ».
(٥) في « ض ، بف » : « فوجبت ».
(٦) في « هـ » : « الطينين ».
(٧) الأنعام (٦) : ٩٥.
(٨) في « ف ، هـ » : « المؤمن ».
(٩) في الوافي : ـ / « التي ».
(١٠) في « ج » : « ناؤوا ». وناء ينوء ، لغة في نأى ينأى.
(١١) في « ب » : « ناءَ » بصيغة الماضي. وفي « ز » : « ناءٍ » اسم للفاعل.
(١٢) في « هـ » : « من ».
(١٣) في « ب ، د ، ض ، ف ، هـ ، بر ، بس ، بف » والوافي : « منه ».
(١٤) الأنعام (٦) : ٩٥.
الْمُؤْمِنُ الَّذِي تَخْرُجُ (١) طِينَتُهُ مِنْ طِينَةِ الْكَافِرِ ، وَالْمَيِّتُ ـ الَّذِي يَخْرُجُ (٢) مِنَ الْحَيِّ ـ هُوَ الْكَافِرُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ طِينَةِ الْمُؤْمِنِ (٣) ، فَالْحَيُّ : الْمُؤْمِنُ ، وَالْمَيِّتُ : الْكَافِرُ.
وَذلِكَ قَوْلُهُ (٤) عَزَّ وَجَلَّ : ( أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ ) (٥) فَكَانَ مَوْتُهُ اخْتِلَاطَ طِينَتِهِ مَعَ طِينَةِ الْكَافِرِ ، وَكَانَ حَيَاتُهُ حِينَ فَرَّقَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ بَيْنَهُمَا بِكَلِمَتِهِ (٦) ؛ كَذلِكَ (٧) يُخْرِجُ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ الْمُؤْمِنَ فِي الْمِيلَادِ مِنَ الظُّلْمَةِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِيهَا إِلَى النُّورِ ، وَيُخْرِجُ (٨) الْكَافِرَ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلْمَةِ بَعْدَ دُخُولِهِ إِلَى النُّورِ ، وَذلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ ) (٩) ». (١٠)
٢ ـ بَابٌ آخَرُ مِنْهُ ، وَفِيهِ زِيَادَةُ وُقُوعِ التَّكْلِيفِ الْأَوَّلِ (١١)
١٤٥٦ / ١. أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
__________________
(١) في « ز ، بر ، بس ، بف » والوافي والبحار : « يخرج ».
(٢) في البحار : + / « هو ».
(٣) في « ص » : ـ / « فالحيّ ـ إلى ـ المؤمن ».
(٤) في البحار : « قول الله ».
(٥) الأنعام (٦) : ١٢٢.
(٦) في « بر » : « حكمته ». و « بكلمته » ، أي بأمره. وفي الوافي : « والمراد بالكلمة جبرئيل ؛ إذ هو القابض للقبضتين ».
(٧) في « ج » : « فكذلك ». وفي « ض ، بس » : « فذلك ».
(٨) في مرآة العقول : « يمكن أن يقرأ ـ أي يخرج ـ على بناء المجرّد المعلوم ، أو على بناء المجهول ».
(٩) يس (٣٦) : ٧٠.
(١٠) الوافي ، ج ٤ ، ص ٣٢ ، ح ١٦٤٩ ؛ البحار ، ج ٦٧ ، ص ٨٧ ، ح ١٠.
(١١) في شرح المازندراني ، ج ٨ ، ص ١٣ : « يفهم من الروايات أنّ التكليف الأوّل ـ وهو ما وقع قبل التكليف في دارالدنيا بإرسال الرسل وإنزال الكتب ـ متعدّد : الأوّل : كان في عالم الأرواح الصرفة. الثاني : كان وقت تخمير الطينة قبل خلق آدم منها. الثالث : كان بعد خلق آدم منها حين أخرجهم من صلبه وهم ذرّ يدبّون يميناً وشمالاً. وكلّ من أطاع في هذه التكاليف الثلاثة فهو يطيع في تكليف الدنيا ، وكلّ من عصى فيها فهو يعصي فيه. وهنا تكليف خامس يقع في القيامة ، وهو مختصّ بالأطفال والمجانين والشيوخ الذين أدركوا النبيّ وهم لايعقلون ،
الْحَكَمِ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ زُرَارَةَ :
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليهالسلام ، قَالَ : « لَوْ عَلِمَ النَّاسُ كَيْفَ (١) ابْتِدَاءُ الْخَلْقِ مَا (٢) اخْتَلَفَ اثْنَانِ ، إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ قَالَ : كُنْ مَاءً عَذْباً ؛ أَخْلُقْ (٣) مِنْكَ (٤) جَنَّتِي وَأَهْلَ طَاعَتِي ، وَكُنْ مِلْحاً أُجَاجاً ؛ أَخْلُقْ مِنْكَ نَارِي (٥) وَأَهْلَ مَعْصِيَتِي ، ثُمَّ أَمَرَهُمَا ، فَامْتَزَجَا ، فَمِنْ ذلِكَ صَارَ يَلِدُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ ، وَالْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ (٦)
ثُمَّ أَخَذَ طِيناً (٧) مِنْ أَدِيمِ (٨) الْأَرْضِ ، فَعَرَكَهُ (٩) عَرْكاً شَدِيداً ، فَإِذَا هُمْ كَالذَّرِّ (١٠)
__________________
وغيرهم ممّن ذكر في محلّه. وقال في مرآة العقول ، ج ٧ ، ص ١٦ : « إنّما أفرد لتلك الأخبار باباً لاشتمالها على أمر زائد لم يكن في الأخبار السابقة ؛ رعايةً لضبط العنوان بحسب الإمكان ».
(١) في « هـ » والمحاسن : + / « كان ».
(٢) في مرآة العقول والبحار والمحاسن : « لما ».
(٣) يجوز فيه الرفع. وكذا فيما يأتي.
(٤) في مرآة العقول : « منك ، أي من أجلك » وكذا فيما يأتي.
(٥) في حاشية « ب » : « النار ».
(٦) في مرآة العقول ، ج ٧ ، ص ١٧ : « أقول : لايبعد أن يكن الماء العذب كناية عمّا خلق الله في الإنسان من الدواعي إلى الخير والصلاح كالعقل والنفس الملكوتي ، والماء الاجاج عمّا ينافي ويعارض ذلك ويدعو إلى الشهوات الدنيّة واللذّات الجسمانيّة من البدن وما ركّب فيه من الدواعي إلى الشهوات ؛ ويكون مزجهما كناية عن تركيبهما في الإنسان. فقوله : أخلق منك ، أي من أجلك جنّتي وأهل طاعتي ؛ إذ لولا في الإنسان من جهة الخير لم يكن لخلق الجنّة فائدة ، ولم يكن يستحقّها أحد ، ولم يصر أحد مطيعاً له تعالى. وكذا قوله : أخلق منك ناري ؛ إذ لولا ما في الإنسان من دواعي الشرور لم يكن يعصي الله أحد ، ولم يحتج إلى خلق النار للزجر عن الشرور ».
(٧) في حاشية « ب » : « طينه ». وفي البحار : « طينة ». وفي المحاسن : « طين آدم ».
(٨) أديم كلّ شيء : ظاهر جلده. وادمة الأرض : وجهها. وفي الوافي : « ولعلّه كناية عمّا ينبت منها ممّا يصلح لأن يصير غذاءً للإنسان ويحصل منه النطفة ، أو تتربّى منه ». راجع : ترتيب كتاب العين ، ج ١ ، ص ٧٢ ؛ معجم مقائيس اللغة ، ج ١ ، ص ٧٢ ( أدم ) ؛ البحار ، ج ١١ ، ص ١٠٠.
(٩) عركت الشيء أعرُكُه عَرْكاً : دَلَكْتُه. وفي الوافي : « ولعلّه كناية عن مزجه بحيث يحصل منه المزاج المستعدّ للحياة ». راجع : الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٥٩٩ ( عرك ).
(١٠) « الذرّ » : صغار النمل. الواحدة : ذرّة. وفي الوافي : « ووجه الشبه الحسّ والحركة وكونهم محلّ الشعور مع صغر الجثّة والخفاء ». راجع : المصباح المنير ، ص ٢٠٧ ( ذرّ ).