بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

عليه‌السلام ، فجلس مكانه ، وقال : ردوه إلي فردوه فقال له : يا علي بن الحسين إني لست قاتل أبيك ، فما يمنعك من المصير إلي؟ فقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : إن قاتل أبي أفسد بما فعله دنياه عليه ، وأفسد أبي عليه بذلك آخرته ، فان أحببت أن تكون كهو فكن ، فقال : كلا ، ولكن صر إلينا لتنال من دنيانا ، فجلس زين العابدين وبسط رداه وقال : اللهم أره حرمة أوليائك عندك ، فاذا إزاره مملوة دررا يكاد شعاعها يخطف الابصار ، فقال له : من يكون هذا حرمته عند ربه يحتاج إلى دنياك؟! ثم قال : اللهم خذها فلا حاجة لي فيها (١).

١٢ ـ شا : هارون بن موسى ، عن عبدالملك بن عبدالعزيز قال : لما ولي عبدالملك بن مروان الخلافة ردإلى علي بن الحسين عليهما‌السلام صدقات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصدقات أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وكانتا مضمومتين ، فخرج عمر بن علي إلى عبدالملك يتظلم إليه من ابن أخيه. فقال عبدالملك : أقول كما قال ابن أبي الحقيق :

إنا إذا مالت دواعي الهوى

وأنصت السامع للقائل

واصطرع الناس بألبابهم

نقضي بحكم عادل فاصل

لانجعل الباطل حقا ولا

نلط دون الحق بالباطل

نخاف أن تسفه أحلامنا

فنخمل الده مع الخامل (٢)

١٣ ـ شا : أبومحمد الحسن بن محمد ، عن جده ، عن أبي جعفر محمد بن إسماعيل قال : حج علي بن الحسين عليه‌السلام فاستجهر الناس من جماله ، وتشو قواله وجعلوا يقولون : من هذا؟ تعظيما له وإجلالا لمرتبته ، وكان الفرزدق هناك فأنشأ يقول :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحل والحرم

____________________

(١) الخرائج والجرائح ص ١٩٤.

(٢) ارشاد الشيخ المفيد ص ٢٧٦ وقد سبق أن أشرنا إلى خروج عمر بن على إلى عبدالملك يطلب منه توليته صدقات أميرالمؤمنين عليه‌السلام وتمثل عبدالملك بابيات ابن أبى الحقيق ، نقلا عن العقد الفريد ، فراجع.

١٢١

هذا ابن خير عبادالله كلهم

هذا التقي النقي الظاهر العلم

يكاد يمسكه عرفان راحته

ركن الحطيم إذا ماجاء يستلم

يغضي حياء ويغضى من مهابته

فما يكلم إلا حين يبتسم

أي القبائل ليست في رقابهم

لاولية هذا أوله نعم

من يعرف الله يعرف أولية ذا

فالدين من بيت هذا ناله الامم

إذا رأته قريش قال قائلها :

إلى مكارم هذا ينتهي الكرم (١)

١٤ ـ شا : أبومحمد الحسن بن محمد ، عن جده ، عن داود بن القاسم ، عن الحسين بن زيد ، عن عمه عمر بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين عليه‌السلام إنه كان يقول : لم أر مثل التقدم في الدعاء ، فإن العبد ليس تحضره الاجابة في كل وقت وكان مما حفظ عنه عليه‌السلام من الدعاء حين بلغه توجه مسرف به عقبة إلى المدينة « رب كم من نعمة أنعمت بها علي قل لك عندها شكري ، وكم من بلية ابتليتني بها قل لك عندها صبري ، فيامن قل عند نعمته شكري فلم يحرمني ، وقل عند بلائه صبري فلم يخذلني ، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا ، ويا ذا النعماء التي لاتحصى عددا ، صل على محمد وآل محمد وادفع عني شره فاني أدرء بك في نحره وأستعيذ بك من شره » فقدم مسرف بن عقبة المدينة وكان يقال لايريد غير علي بن الحسين عليه‌السلام فسلم منه وأكرمه وحباه ووصله ، وجاء الحديث من غير وجه أن مسرف بن عقبة لما قدم المدينة أرسل إلى علي بن الحسين عليه‌السلام فأتاه فلما صار إليه قربه وأكرمه وقال له : أوصاني أميرالمؤمنين تبرك وتمييزك من غيرك فجزاه خيرا ثم قال : أسرجوا له بغلتي وقال له : انصرف إلى أهلك فاني أرى أن قد أفزعناهم وأتعبناك بمشيك إلينا ، ولو كان بأيدينا ما نقوى به على صلتك بقدر حقك لوصلناك ، فقال له علي بن الحسين عليه‌السلام : ما أعذرني للامير ، وركب ، فقال مسرف بن عقبة لجلسائه : هذا الخير الذي لاشر فيه مع موضعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومكانه منه (٢).

____________________

(١) الارشاد ص ٢٧٦.

(٢) الارشاد ص ٢٧٧ وفيه : « ثم قال لمن حوله : أسرجوا له بغلتي ».

١٢٢

بيان : مسرف هو مسلم بن عقبة الذي بعثه يزيد لعنه الله لوقعة الحرة فسمي بعدها مسرفا لاسرافه في إهراق الدماء ، وقوله : ما أعذرني للامير : الظاهر أن كلمة ما للتعجب أي ما أظهر عذره في؟ ويحتمل أن تكون نافية من قولهم أعذر إذا قصر أي ما قصر الامير في حقي ، والاول أظهر.

١٥ ـ قب : حلية الاولياء (١) ووسيلة الملا وفضائل أبي السعادات بالاسناد عن ابن شهاب الزهري قال : شهدت علي بن الحسين عليه‌السلام يوم حمله عبدالملك بن مروان من المدينة إلى الشام ، فأثقله حديدا ووكل به حفاظا في عدة وجمع فاستأذنتهم في التسليم والتوديع له ، فأذنوا فدخلت عليه ، والاقياد في رجليه والغل في يديه ، فبكيت وقلت : وددت أني مكانك وأنت سالم ، فقال : يا زهري أو تظن هذا بما ترى علي وفي عنقي يكربني؟ أما لو شئت ما كان فانه وإن بلغ بك ومن أمثالك ليذكرني عذاب الله ، ثم أخرج يديه من الغل ورجليه من القيد ثم قال : يا زهري لاجزت معهم على ذا منزلتين من المدينة ، قال : فما لبثنا إلا أربع ليال حتى قدم الموكلون به يطلبونه بالمدينة فما وجدوه ، فكنت فيمن سألهم عنه ، فقال لي بعضهم : إنا نراه متبوعا ، إنه لنازل ، ونحن حوله لاننام نرصده إذ أصبحنا فما وجدنا بين محمله إلا حديده ، فقدمت بعد ذاك على عبدالملك فسألني عن علي بن الحسين فأخبرته فقال : إنه قد جاءني في يوم فقده الاعوان ، فدخل علي فقال : ما أنا وأنت؟! فقلت : أقم عندي ، فقال : لا احب ، ثم خرج فوالله لقد امئلا ثوبي منه خيفة ، قال الزهري : فقلت : ليس علي بن الحسين عليه‌السلام حيث تظن إنه مشغول بنفسه فقال : حبذا شغل مثله فنعم ما شغل به (٢).

١٦ ـ كشف : عن الزهري مثله (٣).

بيان : قوله عليه‌السلام : وإن بلغ بك أي لوشئت أن لايكون بي ما ترى لم يكن

____________________

(١) حلية الاولياء ج ٣ ص ١٣٥.

(٢) مناقب ابن شهر آشوب ج ٣ ص ٢٧٥.

(٣) كشف الغمة ج ٢ ص ٢٦٣.

١٢٣

وإنه وإن بلغ وبك وبأمثالك كل مبلغ من الغم والحزن لكنه والله ليذكرني عذاب الله وإني لاحبه لذلك.

وفي كشف الغمة : وإن بلغ بك وبأمثالك غمر أي شدة وقوله : إنا نراه متبوعا أي يتبعه الجن ويخدمه ويطيعه قال الفيروز آبادي : (١) التابعة الجني والجنية يكونان مع الانسان يتبعانه حيث ذهب.

١٧ ـ قب : الحلية (٢) والاغاني (٣) وغيرهما (٤) : حج هشام بن عبدالملك

____________________

(١) القاموس ج ٣ ص ٨.

(٢) حلية الاولياء ج ٣ ص ١٣٩.

(٣) الاغانى ج ١٤ ص ٧٥ وج ١٩ ص ٤٠ طبع الساسى بمصر.

(٤) وهم جمع كثير من المتقدمين والمتأخرين وحسبك منهم من أعلامنا المتقدمين الشيخ المفيد في الاختصاص ص ١٩١ ، والاربلى في كشف الغمة ج ٢ ص ٢٦٧ والراوندى في الخرايج والجرايح ص ١٩٥ والسيد المرتضى في أماليه ج ١ ص ٦٧ ٦٩ والشيخ حسين ابن عبدالوهاب معاصر المرتضى والرضى ومشاركا لهما في بعض مشايخهما في عيون المعجزات ص ٦٣ طبع النجف. أما المتأخرون فلا يسعنى ذكرهم لكثرتهم.

أما سائر أعلام المسلمين الذين ذكروا ذلك فهم كثير واليك طائفة منهم : أبوالفرج ابن الجوزى في صفة الصفوة ج ٢ ص ٥٤ ، والسبكي في طبقات الشافعية ج ١ ص ١٥٣ وابن العماد الحنبلى في شذرات الذهب ج ١ ص ١٤٢ ، واليافعى في مرآة الجنان ج ١ ص ٢٣٩ ، وابن عساكر في تاريخه في ترجمة الامام زين العابدين عليه‌السلام ، وابن خلكان في وفيات الاعيان في ترجمة الفرزدق ، وابن طلحة الشافعى في مطالب السؤول ص ٧٩ طبع ايران ، وابن الصباغ المالكى في الفصول المهمة ص ١٩٣ طبع النجف ، وسبط ابن الجوزى في تذكرة الخواص ص ١٨٥ طبع ايران ، والدميرى في حياة الحيوان مادة « الاسد ».

والسيوطى في شرح شواهد المغنى ص ٢٤٩ طبع مصر سنة ١٣٢٢ ، والكنجى الشافعى في كفاية الطالب ص ٣٠٣ طبع النجف ، والخطيب التبريزى في شرح ديوان الحماسة ج ٢ ص ٢٨ ، والعينى في شرح الشواهد الكبرى بهامش خزانة الادب للبغدادى



١٢٤

فلم يقدر على الاستلام من الزحام ، فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين عليه‌السلام وعليه إزار ورداء ، من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة ، بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز ، فجعل يطوف فاذا بلغ إلى موضع الحجر تنحى الناس حتى يستلمه هيبة له ، فقال شامي : من هذايا أمير المؤمنين؟ فقال : لا أعرفه ، لئلا يرغب فيه أهل الشام فقال الفرزدق وكان حاضرا : لكني أنا أعرفه ، فقال الشامي : من هو يا أبا فراس؟ فأنشأ قصيدة ذكر بعضها في الاغاني ، والحلية ، والحماسة ، والقصيدة بتمامها هذه :

يا سائلي أين حل الجود والكرم؟

عندي بيان إذا طلابه قدموا

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم

هذا التقي النقي الطاهر العلم

هذا الذي أحمد المختار والده

صلى عليه إلهي ماجرى القلم

لو يعلم الركن من قدجاء يلثمه

لخر يلثم منه ما وطى القدم

هذا علي رسول الله والده

أمست بنور هداه تهتدي الامم

هذا الذي عمه الطيار جعفر

والمقتول حمزة ليث حبه قسم

هذا ابن سيدة النسوان فاطمة

وابن الوصي الذي في سيفه نقم

إذا رأته قريش قال قائلها

إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

يكاد يمسكة عرفان راحته

ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

وليس قولك : من هذا؟ بضائره

العرب تعرف من أنكرت والعجم

ينمى إلى ذروة العز التي قصرت

عن نيلها عرب الاسلا م والعجم

____________________

ج ٢ ص ٥١٣ ، والقيروانى في زهر الاداب ج ١ ص ٦٥ ، وابن نباتة المصرى في شرح رسالة ابن زيدون بهامش الغيث المسجم للصفدى ج ٢ ص ١٦٣ ، وابن كثير الشامى في البداية والنهاية ج ٩ ص ١٠٨ ، وقال : وقد روى من طرق ذكرها الصولى والجريرى وغير واحد الخ ، وابن حجر في الصواعق المحرقة ص ١٩٨ طبع مصر سنة ١٣٧٥ ، والشبلنجى في نور الابصار ص ١٢٩ والصاوى في ديوان الفرزدق ج ٢ ص ٨٤٨ وغيرهم وغيرهم.

١٢٥

يغضي حياءا ويغضى من مهابته

فما يكلم إلا حين يبتسم

ينجاب نور الدجى عن نور غرته

كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم

بكفه خيزران ريحه عبق

من كف أروع في عرنينه شمم

ما قال : « لا » قط إلا في تشهده

لولا التشهد كانت لاؤه نعم

مشتقه من رسول الله نبعته

طابت عناصره والخيم والشيم

حمال أثقال أقوام إذا فدحوا

حلو الشمائل تحلو عنده نعم

إن قال قال بما يهوى جميعهم

وإن تكلم يوما زانه الكلم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله

بجده أنبياء الله قد ختموا

الله فضله قدما وشرفه

جرى بذاك له في لوحه القلم

من جده دان فضل الانبياء له

وفضل امته دانت لها الامم

عم البرية بالاحسان وانقشعت

عنها العماية والاملاق والظلم

كلتا يديه غياث عم نفعهما

يستوكفان ولا يعروهما عدم

سهل الخليقة لا تخشى بوادره

يزينه خصلتان : الحلم والكرم

لا يخلف الوعد ميمونا نقيبته

رحب الفناء أريب حين يعترم

من معشر حبهم دين وبغضهم

كفر وقربهم منجى ومعتصم

يستدفع السوء والبلوى بحبهم

ويستزاد به الاحسان والنعم

مقدم بعد ذكر الله ذكرهم

في كل فرض ومختوم به الكلم

إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم

أو قيل من خير أهل الارض قيل هم

لا يستطيع جواد بعد غايتهم

ولا يدانيهم قوم وإن كرموا

هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت

والاسد أسد الشرى والبأس محتدم

يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم

خيم كريم وأيد بالندى هضم

لا يقبض العسر بسطا من أكفهم

سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا

أي القبائل ليست في رقابهم

لاولية هذا أوله نعم؟

من يعرف الله يعرف أولية ذا

فالدين من بيت هذا ناله الامم

١٢٦

بيوتهم في قريش يستضاء بها

في النائبات وعند الحكم أن حكموا

فجده من قريش في ارومتها

محمد وعلي بعده علم

بدر له شاهد والشعب من احد

والخندقان ويوم الفتح قد علموا

وخيبر وحنين يشهدان له

وفي قريضة يوم صليم قتم

مواطن قد علت في كل نائبة

على الصحابة لم أكتم كما كتموا

فغضب هشام ومنع جائزته وقال : ألا قلت فينا مثلها؟ قال : هات جدا كجده وأبا كأبيه واما كامه حتى أقول فيكم مثلها ، فحبسوه بعسفان بين مكة والمدينة فبلغ ذلك علي بن الحسين عليه‌السلام فبعث إليه باثني عشر ألف درهم وقال : اعذرنا يا أبا فراس ، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به ، فردها وقال : يا ابن رسول الله ما قلت الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله ، وما كنت لارزأ عليه شيئا ، فردها إليه وقال : بحقي عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك ، فقبلها ، فجعل الفرزدق يهجو هشاما وهو في الحبس ، فكان مما هجاه به قوله :

أيحبسني بين المدينة والتي

إليها قلوب الناس يهوي منيبها

يقلب رأسا لم يكن رأس سيد

وعينا له حولاء باد عيوبها (١)

____________________

(١) ديوان الفرزدق ج ١ ص ٥١ وفيه « يرددنى » بدل « أيحبسنى » وتفاوت في البيت الثانى.

ومن الغرائب وبعض الغرائب مصائب ان هذا الديوان « عنى بجمعه وطبعه والتعليق عليه عبدالله اسماعيل الصاوى ، صاحب دائرة المعارف للاعلام العربية » اذا قرأنا مقدمته نجد الصاوى يشير في ص ٥ ان هشاما حبس الفرزدق بعسفان لما مدح على ابن الحسين عليه‌السلام سنة حج هشام مستندا في ذلك إلى ابن خلكان ، ثم يذكر أول البيتين اللذين قالهما الفرزدق في حبسه كما في الاصل نقلا عن شرح رسالة ابن زيدون. هذا كله نجده في المقدمة ، لكنا نجده في نفس الديوان في ج ١ ص ٥١ يذكر البيتين بتفاوت ثم يشير في الهامش إلى اختلاف الرواية في سبب انشائهما ، ويذكر رواية الاغانى المصرحة بأن الفرزدق قالهما حين حبسه هشام على مدحه على بن الحسين عليه‌السلام بقصيدته التى

١٢٧

فأخبر هشام بذلك فأطلقه ، وفي رواية أبي بكر العلاف أنه أخرجه إلى البصرة (١).

١٨ ـ كش : محمد بن مسعود ، عن محمد بن جعفر ، عن محمد بن أحمد بن مجاهد عن الغلابي محمد بن زكريا ، عن عبيدالله بن محمد بن عائشة ، عن أبيه مثله (٢).

بيان : قوله : عرفان مفعول لاجله ، والاغضاء إدناء الجفون وأغضى على الشئ سكت ، وانجابت السحابة انكشفت ، والخيزران بضم الزاء شجر هندي وهو عروق ممتدة في الارض ، والقصب ، وعبق به الطيب بالكسر عبقا بالتحريك أي لزق به ورجل

____________________

أولها « هذا الذى تعرف البطحاء وطأته » الخ.

أما اذا رجعنا إلى نفس الديوان في حرف الميم في ج ٢ ص ٨٤٨ نجده يذكر ستة أبيات فقط من القصيدة ولا أدرى ما الذى حداه إلى هذه الخيانة الادبية؟ أليس هوالذى سبق منه أن نقل عن تاريخ ابن خلكان والاغانى وشرح رسالة ابن زيدون سبب انشائها ، ان لم يعتمد هذه الكتب فلم نقل عنها؟ وان اعتمدها في نقل السبب فلم لم ينقل القصيدة بكاملها عنهم؟ أليست هى جميعها من شعر الفرزدق؟ ألم يعلم وهو « الذى عنى بجمعه الخ » ان القصيدة مثبتة في ديوان الفرزدق قبل أن يخلق؟ فهذا سبط ابن الجوزى ذكر في تذكرة الخواص رواية أبى نعيم في الخلية للقصيدة ، ثم عقب ذلك بقوله : قلت : لم يذكر أبونعيم في الحلية الا بعض هذه الابيات والباقى أخذته من ديوان الفرزدق اه ، ولعل الصاوى حاول تجاهل الواقع تقليدا لسلفه هشام حين تجاهل ذلك؟ وظن وظنه اثم أنه بفعله وفعله جرم سيخفى الحقيقة ، ولن فاته أنها تظهر ولو بعد حين.

وان من الخير أن نرشد القارء الكريم إلى الطبعة الجديدة من ديوان الفرزدق « طبع دار صادر ودار بيروت » فقد أشار الاديب الفاضل الاستاذ كرم البستانى في مقدمة الديوان ص ٥ إلى هذه القصيدة العصماء ، كما أنه ذكرها في ج ٢ ص ١٧٨ وهى أول قصيدة في حرف الميم.

(١) الماقب ج ٣ ص ٣٠٦.

(٢) معرفة أخبار الرجال للكشى ص ٨٦.

١٢٨

عبق : إذا تطيب بأدنى طيب لم يذهب عنه أياما ، والاروع من يعجبك بحسنه وجهارة منظره ، والعرنين بالكسر الانف ، والشمم محركة ارتفاع قصبة الانف وحسنها واستواء أعلاها وانتصاب الاونبة أو ورود الارنبة وحسن استواء القصبة وارتفاعها أشد من ارتفاع الذلف أو أن يطول الانف ويدق وتسيل روثته.

وقوله : من كف : فيه تجريد مضاف إلى الاروع ، والخيم بالكسر السجية والطبيعة ، والشيم بكسر الشين وفتح الياء جمع الشيمة بالكسر وهي الطبيعة ، وفدحه الدين أثقله ، واستوكف استقطر ، والبوادر جمع البادرة وهي ما يبدو من حد تك في الغضب من قول أو فعل ، والنقيبة النفس والعقل والمشورة ونفاذ الرأي والطبيعة والاريب العاقل.

وقوله : يعترم على المجهول من العرام بمعنى الشدة أي عاقل إذا أصابته شدة وقوله : بعد غايتهم بضم الباء ، والازمة الشدة وأزمت أي لزمت ، والشرى كعلى طريق في سلمى كثيرة الاسد ، واحتدم عليه غيظا تحرق والنار التهبت والدم اشتدت حمرته حتى تسود ، وفي بعض النسخ البأس بالباء الموحدة وفي بعضها بالنون وعلى الاول المراد أن شدتهم وغيظهم ملتهب في الحرب وعلى الثاني المراد أن الناس محتدمون عليهم حسدا ، قوله. خيم أي لهم خيم ، والندى المطر ويستعارللعطاء الكثير.

وهضم ككتب جمع هضوم يقال يد هضوم أي تجود بمالديها ، وأثرى أي كثر ماله ، والارومة كالاكولة الاصل.

وقوله : والخندقان إشارة إلى غزوة الخندق إما لكون الخندق محيطا بطرفي المدينة أولا نقسامه في الحفر بين المهاجرين والانصار ، والصيلم الامر الشديد والداهية ، والقتام الغبار والاقتم الاسود كالقاتم وقتم الغبار قتوما أرتفع ، وأورده حياض قتيم كزبير الموت ذكرها الفيروزآبادي ووقوله : مواطن أي له أو هذه مواطن.

وقال الفيروز آبادي : رزأه ماله كجعله وعمله رزء بالضم أصاب منه شيئا ورزأه رزءا ومرزئة أصاب منه خيرا (١).

____________________

(١) القاموس ج ١ ص ١٦.

١٢٩

نقل كلام يناسب المقام فيه غرابة ، قال الزمخشري في الفايق (١) علي بن الحسين عليه‌السلام مدحه الفرزدق فقال :

في كفه جنهي ريحه عبق

من كف أروع في عرنينه شمم

قال القتيبي : الجنهي : الخيزران ومعرفتي هذه الكلمة عجيبة وذلك أن رجلا من أصحاب الغريب سألني عنه فلم أعرفه ، فلما أخذت من الليل مضجعي أتاني آت في المنام : ألا أخبرته عن الجهني؟ قلت : لم أعرفه قال : هوالخيزران فسألته شاهدا فقال : هدية طرقنه ، في طبق مجنه. فهببت وأنا اكثر التعجب فلم ألبث إلا يسيرا حتى سمعت من ينشد : في كفه جنهي ، وكنت أعرفه في كفه خيزران.

١٩ ـ ختص : جعفر بن الحسين المؤمن ، عن حيدر بن محمد بن نعيم ويعرف بأبي أحمد السمرقندي تلميذ أبي النصر محمد بن مسعود ، عن محمد بن جعفر ، عن محمد ابن أحمد بن مجاهد ، عن الغلابي محمد بن زكريا ، عن عبيدالله بن محمد بن عائشة مثل ما مر (٢).

٢٠ ـ ختص : علي بن الحسين بن يوسف ، عن محمد بن جعفر العلوي ، عن الحسن بن محمد بن جمهور ، عن أبي عثمان المازني ، عن كيسان ، عن جويرية بن أسماء ، عن هشام بن عبدالاعلى ، عن فرعان وكان من رواة الفرزدق ، قال : حججت سنة مع عبدالملك بن مروان ، فنظر إلى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام فأراد أن يصغر منه فقال:من هو؟فقال الفرزدق:فقلت على البديهة القصيدة المعروفة :

هذا ابن خير عباد الله كلهم

هذا التقي النقي الطاهر العلم

حتى أتمها وكان عبدالملك يصله في كل سنة بألف دينار فحرمه تلك السنة فشكا ذلك إلى علي بن الحسين عليهما‌السلام وسأله أن يكلمه فقال : أنا أصلك من مالي

____________________

(١) الفائق للزمخشرى ج ١ ص ٢١٩ طبع مصر ١٣٦٤ ه.

(٢) الاختصاص ص ١٩١.

١٣٠

بمثل الذي كان يصلك به عبدالملك وصن (*) عن كلامه فقال : والله يا ابن رسول الله لارزأتك شيئا ، وثواب الله عزوجل في الآجل أحب إلي من ثواب الدنيا في العاجل ، فاتصل ذلك بمعاوية بن عبدالله بن جعفر الطيار ، وكان أحد سمحاء بني هاشم لفضل عنصره وأحد ادبائها وظرفائها فقال له : يا أبا فراس كم تقدر الذي بقي من عمرك؟ قال : قدر عشرين سنة ، قال : فهذه عشرون ألف دينار أعطيتكها من مالي وأعف أبا محمد أعزه الله عن المسألة في أمرك فقال : لقد لقيت أبا محمد وبذل لي ماله فأعلمته أني أخرت ثواب ذلك لاجر الآخرة (١)

٢١ ـ قب : الروضة سأل ليث الخزاعي سعيد بن المسيب ، عن إنهاب المدينة قال : نعم شدوا الخيل إلى أساطين مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورأيت الخيل حول القبر ، وانتهبت المدينة ثلاثا فكنت أنا وعلي بن الحسين نأتي قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيتكلم علي بن الحسين بكلام لم أقف عليه ، فيحال ما بيننا وبين القوم ، ونصلي ونرى القوم وهم لا يروننا ، وقام رجل عليه حلل خضر على فرس محذوف أشهب بيده حربة مع علي بن الحسين عليه‌السلام فكان إذا أومأ الرجل إلى حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يشير ذلك الفارس بالحربة نحوه فيموت من غير أن يصيبه ، فلما أن كفوا عن النهب دخل علي بن الحسين على النساء فلم يترك قرطا في اذن صبي ، ولا حليا على امرأة ولاثوبا إلا أخرجه إلى الفارس فقال له الفارس : يا ابن رسول الله إني ملك من الملائكة من شيعتك وشيعة أبيك لما أن ظهر القوم بالمدينة استأذنت ربي في نصرتكم آل محمد ، فأذن لي لان أدخرها يدا عندالله تبارك وتعالى وعند رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعندكم أهل البيت إلى يوم القيامة (٢).

بيان : قوله محذوف لعل المراد محذوف الذنب.

____________________

(*) منعنى خل ل ، يقال : صن عنه أى شمخ بأنفه تكبرا ، وفى المصدر المطبوع : صنى وهكذا في النسخة الكمبانى فتحرر « ب ».

(١) الاختصاص ص ١٩١.

(٢) المناقب ج ٣ ص ٢٨٤.

١٣١

٢٢ ـ قب : رأى علي بن الحسين عليهما‌السلام الحسن البصري عند الحجر الاسود يقص فقال : يا هناه أترى نفسك للموت؟ قال : لا ، قال : فعملك للحساب؟ قال : لا ، قال : فثم دار العمل؟ قال : لا ، قال : فلله في الارض معاذ غير هذا البيت؟ قال : لا ، قال : فلم تشغل الناس عن الطواف!؟ ثم مضى قال الحسن : ما دخل مسامعي مثل هذه الكلمات من أحد قط أتعرفون هذا الرجل؟ قالوا : هذا زين العابدين فقال الحسن : ذرية بعضها من بعض (١).

وكان الزهري عاملا لبني امية فعاقب رجلا فمات الرجل في العقوبة ، فخرج هائما وتوحش ودخل إلى غار ، فطال مقامه تسع سنين ، قال : وحج علي بن الحسين عليه‌السلام فأتاه الزهري فقال له علي بن الحسين عليه‌السلام : إني أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك ، فابعث بدية مسلمة إلى أهله ، واخرج إلى أهلك ومعالم دينك ، فقال له : فرجت عني يا سيدي! الله أعلم حيث يجعل رسالاته ورجع إلى بيته ، ولزم علي بن الحسين ، وكان يعد من أصحابه ، ولذلك قال له بعض بني مروان : يا زهري ما فعل نبيك؟ يعني علي بن الحسين عليه‌السلام (٢).

العقد (٣) كتب ملك الروم إلى عبدالملك : أكلت لحم الجمل الذي هرب عليه أبوك من المدينة ، لاغزونك بجنود مائة ومائة ألف ومائة الف ، فكتب عبدالملك إلى الحجاج أن يبعث إلى زين العابدين عليه‌السلام ويتوعده ويكتب إليه ما يقول ففعل فقال علي بن الحسين عليه‌السلام : إن لله لوحا محفوظا يلحظه في كل يوم ثلاثمائة لحظة ، ليس منها لحظة إلا يحيي فيها ويميت ، ويعز ويذل ، ويفعل ما يشاء ، وإني لارجو أن يكفيك منها لحظة واحدة ، فكتب بها الحجاج إلى عبدالملك ، فكتب

____________________

(١) المناقب ج ٣ ص ٢٩٧.

(٢) المصدر السابق ج ٣ ص ٢٩٨.

(٣) العقد الفريد ج ٢ ص ٢٠٣ وأخرجه عنه ابن شهر آشوب في المناقب ج ٣ ص ٢٩٩.

١٣٢

عبدالملك بذلك إلى ملك الروم ، فلما قرأه قال : ما خرج هذا إلا من كلام النبوة (١).

٢٣ ـ قب : كان بابه يحيى بن ام الطويل المطمعي ، ومن رجاله من الصحابة جابر بن عبدالله الانصاري ، وعامر بن واثلة الكناني ، وسعيد بن المسيب بن حزن وكان رباه أميرالمؤمنين ، قال زين العابدين عليه‌السلام : سعيد بن المسيب أعلم الناس بما تقدم من الآثار ، أي في زمانه ، وسعيد بن جبهان الكناني مولى ام هانئ ، ومن التابعين : أبومحمد سعيد بن جبير مولى بني أسد نزيل مكة ، وكان يسمى جهيد العلماء ويقرء القرآن في ركعتين ، قيل : وما على الارض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه ومحمد بن جبير بن مطعم ، وأبوخالد الكابلي ، والقاسم بن عوف ، وإسماعيل بن عبدالله بن جعفر ، وإبراهيم والحسن ابنا محمد ابن الحنفية ، وحبيب بن أبي ثابت وأبويحيى الاسدي ، وأبوحازم الاعرج ، وسلمة بن دينار المدني الاقرن القاص ومن أصحابه : أبوحمزة الثمالي بقي إلى أيام موسى عليه‌السلام ، وفرات بن أحنف بقي إلى أيام أبي عبدالله عليه‌السلام ، وجابر بن محمد بن أبي بكر ، وأيوب بن الحسن ، وعلي بن رافع ، وأبومحمد القرشي السدي الكوفي ، والضحاك بن مزاحم الخراساني أصله من الكوفة ، وطاووس بن كيسان أبوعبدالرحمان ، وحميد بن موسى الكوفي ، وأبان ابن تغلب بن رباح ، وأبوالفضل سدير بن حكيم بن صهيب الصيرفي ، وقيس بن رمانة ، وعبدالله البرقي ، والفرزدق الشاعر ، ومن مواليه شعيب (٢).

٢٤ ـ جا : المرزباني ، عن حنظلة أبي غسان ، عن هشام بن محمد ، عن محرز ابن جعفر مولى أبي هريرة ، قال : دخل أرطاة بن سمينة على عبدالملك بن مروان وقد أتت عليه مائة وثلاثون سنة فقال له عبدالملك : ما بقي من شعرك يا أرطاة؟ قال : والله يا أميرالمؤمنين ما أطرب ولا أغضب ولا أشرب ، ولا يجيئني الشعر إلا على هذا غير أني الذي أقول :

____________________

(١) المناقب ج ٣ ص ٢٩٩.

(٢) المناقب ج ٣ ص ٣١١.

١٣٣

رأيت المرء تأكله الليالي

كأكل الارض ساقطة الحديد

وما تبقي المنية حين تأتي

على نفس ابن آدم من مزيد

وأعلم أنها ستكر حتى

توفي نذرها بأبي الوليد

قال : فارتاع عبدالملك ، وكان يكنى أبا الوليد فقال له أرطاة : إنما عنيت نفسي يا أميرالمؤمنين وكان يكنى أرطاة بأبي الوليد فقال عبدالملك : وأنا والله سيمر بي الذي يمر بك (١).

٢٥ ـ يل (٢) فض : مما روي عن جماعة ثقات أنه لما وردت حرة بنت حليمة السعدية على الحجاج بن يوسف الثقفي ، فمثلت بين يديه ، قال لها : أنت حرة بنت حليمة السعدية؟ قالت له : فراسة من غيرمؤمن! فقال لها : الله جاء بك فقد قيل عنك إنك تفضلين عليا على أبي بكر وعمر وعثمان ، فقالت : لقد كذب الذي قال : إني افضله على هؤلاء خاصة قال : وعلى من غير هؤلاء؟ قالت : افضله على آدم ونوح ولوط وإبراهيم وداود وسليمان وعيسى بن مريم عليهم‌السلام فقال لها : ويلك إنك تفضلينه على الصحابة وتزيدين عليهم سبعة من الانبياء من اولي العزم من الرسل؟ إن لم تأتيني ببيان ما قلت ، ضربت عنقك ، فقالت : ما أنا مفضلته على هؤلاء الانبياء ، ولكن الله عزوجل فضله عليهم في القرآن بقوله عزوجل في حق آدم « وعصى آدم ربه فغوى » (٣) وقال في حق علي « وكان سعيكم مشكورا » (٤) فقال : أحسنت يا حرة ، فبما تفضلينه على نوح ولوط؟ فقالت : الله عزوجل فضله عليهما بقوله « ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين » (٥) وعلي بن أبي طالب كان ملاكه تحت سدرة

____________________

(١) أمالى الشيخ المفيد ص ٧٧ طبع النجف.

(٢) فضائل ابن شاذان ص ١٢٢ طبع بمبئ ، سنة ١٣٤٣ ه.

(٣) سورة طه ، الاية : ١٢١.

(٤) سورة الانسان ، الاية : ٢٢.

(٥) سورة التحريم ، الاية : ١٠.

١٣٤

المنتهى ، زوجته بنت محمد فاطمة الزهراء التي يرضى الله تعالى لرضاها ويسخط لسخطها.

فقال الحجاج : أحسنت يا حرة فبما تفضلينه على أبي الانبياء إبراهيم خليل الله؟ فقالت : الله عزوجل فضله بقوله « وإذ قال إبراهيم رب أرني كيفت تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي » (١) ومولاي أميرالمؤمنين قال قولا لا يختلف فيه أحد من المسلمين : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا وهذه كلمة ما قالها أحد قبله ولا بعده فقال : أحسنت يا حرة فبما تفضلينه على موسى كليم الله؟ قالت : يقول الله عزوجل « فخرج منها خائفا يترقب » (٢) وعلي أبي طالب عليه‌السلام باب على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يخف حتى أنزل الله تعالى في حقه « ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله » (٣).

قال الحجاج : أحسنت يا حرة فبما تفضلينه على داود وسليمان عليهما‌السلام؟ قالت : الله تعالى فضله عليهما بقوله عزوجل « يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله » (٤) قال لها : في أي شئ كانت حكومته؟ قالت : في رجلين رجل كان له كرم والآخر له غنم فنفشت الغنم بالكرم فرعته فاحتكما إلى داود عليه‌السلام فقال : تباع الغنم وينفق ثمنها على الكرم حتى يعود إلى ما كان عليه ، فقال له ولده : لا يا أبة بل يؤخذ من لبنها وصوفها ، قال الله تعالى : « ففهمناها سليمان » (٥) وإن مولانا أميرالمؤمنين عليا عليه‌السلام قال : سلوني عما فوق العرش ، سلوني عما تحت العرش ، سلوني قبل أن تفقدوني وإنه عليه‌السلام دخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم فتح خيبر فقال النبي

____________________

(١) سورة البقرة ، الاية : ٢٦٠.

(٢) سورة القصص ، الاية : ١٨.

(٣) سورة البقرة ، الاية : ٢٠٧.

(٤) سورة ص ، الاية : ٢٦.

(٥) سورة الانبياء ، الاية : ٧٩.

١٣٥

صلى‌الله‌عليه‌وآله للحاضرين : أفضلكم وأعلمكم وأقضاكم علي ، فقال لها : أحسنت فبما تفضلينه على سليمان؟ فقالت : الله تعالى فضله عليه بقوله تعالى : « رب هب ملكا لاينبغي لاحد من بعدي » (١) ومولانا أميرالمؤمنين علي عليه‌السلام قال : طلقتك يا دنيا ثلاثا لا حاجة لي فيك ، فعند ذلك أنزل الله تعالى فيه « تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علوا في الارض ولافساد » (٢) فقال : أحسنت يا حرة فبما تفضلينه على عيسى بن مريم عليه‌السلام؟ قالت : الله تعالى عزوجل فضله بقوله تعالى « إذا قال الله يا عيسى بن مريمءأنت قلت للناس اتخذوني وامي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ماليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب * ما قلت لهم إلا ما أمرتني به » الآية (٣) فأخرالحكومة إلى يوم القيامة ، وعلي بن أبي طالب لما ادعوا النصيرية (٤) فيه ما ادعوه قتلهم ولم يؤخر حكومتهم ، فهذه كانت فضائله لم تعد بفضائل غير قال : أحسنت يا حرة خرجت من جوابك ، ولو لا ذلك لكان ذلك ، ثم أجازها وأعطاها وسرحها سراحا حسنا رحمة الله عليها.

٢٦ ـ ضه : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : إن سعيد بن جبير كان يأتم بعلي بن الحسين عليه‌السلام فكان علي يثني عليه ، وما كان سبب قتل الحجاج له إلا على هذا الامر ، وكان مستقيما ، وذكر أنه لما دخل على الحجاج بن يوسف قال : أنت

____________________

(١) سورة ص ، الاية : ٣٥.

(٢) سورة القصص ، الاية : ٨٣.

(٣) سورة المائدة ، الاية : ١١٦.

(٤) النصيرية : طائفة من الغلاة السبأية وملخص مقالتهم في الائمة من أهل البيت عليهم السلام ، أنهم روح اللاهوت وقد نقل ابن حزم في الفصل ج ٤ ص ١٤٢ ، والشهرستانى في الملل والنحل بهامش الفضل ج ٢ ص ٢٢ وغيرهما تفصيل مقالاتهم ، وقال الشهرستانى عنهم : غلبوا في وقتنا هذا على جند الاردن بالشام وعلى مدينة طبرية خاصة اه ولقد افترى الشهرستانى وابن حزم في عد هذه الطائفة من فرق الشيعة.

١٣٦

شقي بن كسير؟ قال : امي كانت أعرف بي ، سمتني سعيد بن جبير ، قال : ما تقول في أبي بكر وعمر ، هما في الجنة أو في النار؟ قال : لو دخلت الجنة فنظرت إلى أهلها لعلمت من فيها ، ولو دخلت النار ورأيت أهلها لعلمت من فيها ، قال : فما قولك في الخلفاء؟ قال : لست عليهم بوكيل ، قال : أيهم أحب إليك؟ قال : أرضاهم لخالقي قال : فأيهم أرضى للخالق؟ قال : علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم قال : أبيت أن تصدقني قال : بل لم احب أن اكذبك (١).

٢٧ ـ ختص : جعفر بن الحسين ، عن أحمد بن شاذان ، عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله مثله. (٢)

٢٨ ـ كا : حميد بن زياد ، عن عبيدالله الدهقان ، عن علي بن الحسن الطاطري عن محمد بن زياد بياع السابري ، عن أبان ، عن فضيل وعبيد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لما حضرت محمد بن اسامه الموت دخلت عليه بنوهاشم فقال لهم : قد عرفتم قرابتي ومنزلتي منكم وعلي دين فاحب أن تضمنوه عني فقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : أما والله ثلث دينك علي ثم سكت وسكتوا ، فقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : علي دينك كله ثم قال علي بن الحسين عليه‌السلام : أما إنه لم يمنعني أن أضمنه أولا إلا كراهة أن تقولوا : سبقنا (٣).

٢٩ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن بريد بن معاوية قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إن يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحج ، فبعث إلى رجل من قريش فأتاه ، فقال له يزيد : أتقر لي أنك عبد لى إن شئت بعتك وإن شئت استرققتك؟ فقال له الرجل ، والله يا يزيد ما أنت بأكرم مني في قريش حسبا ، ولا كان أبوك أفضل من أبي في الجاهلية والاسلام

____________________

(١) روضة الواعظين ص ٢٤٨ وأخرجه الكشى في رجاله ص ٧٩ والمفيد في الاختصاص ص ٢٠٥.

(٢) الاختصاص ص ٢٠٥ وأخرجه الكشى في رجاله ص ٧٩.

(٣) الكافى ج ٨ ص ٣٣٢ « الروضة ».

١٣٧

وما أنت بأفضل مني في الدين ولا بخير مني ، فكيف اقر لك بما سألت!؟ فقال له يزيد : إن لم تقر لي والله قتلتك ، فقال له الرجل : ليس قتلك إياي بأعظم من قتلك الحسين بن علي ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأمر به فقتل ، ثم أرسل إلى علي بن الحسين عليهما‌السلام فقال له مثل مقالته للقرشي ، فقال له علي بن الحسين عليهما‌السلام : أرأيت إن لم اقر لك أليس تقتلني كما قتلت الرجل بالامس؟ فقال له يزيد لعنه الله : بلى ، فقال له علي بن الحسين عليه‌السلام : قد أقررت لك بما سألت ، أنا عبد مكره فإن شئت فأمسك ، وإن شئت فبع ، فقال له يزيد لعنه الله : أولى لك حقنت دمك ، ولم ينقصك ذلك من شرفك (١).

بيان : قال الجوهري : قولهم أولى لك : تهدد ووعيد ، وقال الاصمعي : معناه قاربه ما يهلكه أي نزل به ، انتهى ، أقول : هذا المعنى لايناسب المقام وإن احتمل أن يكون الملعون بعد في مقام التهديد ، ولم يرض بذلك عنه صلوات الله عليه ، ويمكن أن يكون المراد أن هذا أولى لك وأحرى مما صنعه القرشي.

ثم اعلم أن في هذا الخبر إشكالا وهو أن المعروف في السير أن هذا الملعون لم يأت المدينة بعد الخلافة ، بل لم يخرج من الشام حتى مات ودخل النار ، فنقول : مع عدم الاعتماد على السير لاسيما مع معارضة الخبر ، يمكن أن يكن اشتبه على بعض الرواة ، وكان في الخبر أنه جرى ذلك بينه عليه‌السلام وبين من أرسله المعلون لاخذ البيعة وهو مسلم بن عقبة كما مر.

قال ابن الاثير في الكامل : (٢) لما سير يزيد مسلم بن عقبة قال : فإذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثا بما فيها من مال أو دابة أو سلاح فهو للجند ، فاذا مضت الثلاث فاكفف عن الناس وانظر علي بن الحسين فاكفف عنه واستوص به خيرا فانه لم يدخل مع الناس ، وقد أتاني كتابه وقد كان مروان بن الحكم كلم ابن عمر لما أخرج أهل المدينة عامل يزيد وبني امية في أن يغب أهله عنده ، فلم يفعل

____________________

(١) الكافى ج ٨ ص ٢٣٤ « الروضه ».

(٢) الكامل لابن الاثير ج ٤ ص ٤٨ طبعة بولاق.

١٣٨

فكلم علي بن الحسين وقال : إن لي رحما وحرمي تكون مع حرمك فقال : افعل فبعث بامرأته وهي عائشة ابنة عثمان بن عفان وحرمه إلى علي بن الحسين ، فخرج علي بحرمه وحرم مروان إلى ينبع ، وقيل : بل أرسل حرم مروان وأرسل معهم ابنه عبدالله إلى الطائف.

ولما ظفر مسلم بن عقبة على المدينة واستباحهم دعا الناس إلى البيعة ليزيد على أنهم خول له (١) يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء ، فمن امتنع من ذلك قتله ، فقتل لذلك جماعة ، ثم أتى مروان بعلي بن الحسين فجاء يمشي بين مروان وابنه عبدالملك حتى جلس بينهما عنده ، فدعا مروان بشراب ليتحرم بذلك فشرب منه يسيرا ثم ناوله علي بن الحسين فلما وقع في يده قال مسلم : لاتشرب من شرابنا ، فارعد كفه ولم يأمنه على نفسه وأمسك القدح ، فقال : جئت تمشي بين هؤلاء لتأمن عندي؟ والله لو كان إليهما لقتلتك ، ولكن أميرالمؤمنين أوصاني بك وأخبرني أنك كاتبته ، فإن شئت فاشرب ، فشرب ثم أجلسه معه على السرير ، ثم قال : لعل أهلك فزعوا؟ قال : إي والله ، فأمر بدابته فاسرجت له ، ثم حمله عليها فرده ، ولم يلزمه البيعة ليزيد على ما شرط على أهل المدينة (٢).

٣٠ ـ ين : النضر ، عن حسن بن موسى ، عن زرارة ، عن أحدهما عليه‌السلام قال : إن علي بن الحسين عليه‌السلام تزوج ام ولد عمه الحسن عليه‌السلام ، وزوج امه مولاه فلما بلغ ذلك عبدالملك بن مروان كتب إليه : يا علي بن الحسين كأنك لاتعرف موضعك من قومك ، وقدرك عند الناس ، تزوجت مولاة وزوجت مولاك بامك

____________________

(١) الخول : حشم الرجل وأتباعه ، واحدهم خائل ، وقد يكون واحدا ، ويقع على العبد والامة ، وهو مأخوذ من التخويل : التمليك ، وقيل من الرعاية « ومنه حديث أبى هريرة » اذا بلغ بنو أبى العاص ثلاثين كان عبادالله خولا ، أى خدما وعبيدا ، أى أنهم يستخدمونهم ويستعبدونهم « النهاية ج ٢ ص ٦ ».

(٢) الكامل لابن الاثير ج ٤ ص ٥١.

١٣٩

فكتب إليه علي بن الحسين عليه‌السلام :فهمت كتابك ، ولنا اسوة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد زوج زينب بنت عمه زيدا مولاه وتزوج مولاته صفية بنت حيي بن أخطب (١).

٣١ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن المفضل بن محمد بن حارث ، عن أبيه عن عبدالجبار بن سعيد ، عن أبيه ، عن صالح بن كيسان قال : سمع عامر بن عبدالله ابن الزبير وكان من عقلاء قريش ابنا له ينتقص علي بن أبيطالب عليه‌السلام فقال له : يا بني لا تنتقص عليا فإن الدين لم يبن شيئا فاستطاعت الدنيا أن تهدمه وإن الدنيا لم تبن شيئا إلا هدمه الدين ، يا بني إن بني امية لهجوا بسبب علي بن أبي طالب عليه‌السلام في مجالسهم ولعنوه على منابرهم ، فكأنما يأخذون والله بضبعيه (٢) إلى السماء مدا ، وإنهم لهجوا بتقريظ ذويهم وأوائلهم من قومهم فكأنما يكشفون منهم من أنتن من بطون الجيف ، فأنهاك عن سبه (٣).

٣٢ ـ لى : العطار ، عن أبيه ، عن الاشعري ، عن ابن يزيد ، عن عبدالله بن محمد المزخرف ، عن علي بن عقبة ، عن ابن بكير قال : أخذ الحجاج موليين لعلي فقال لاحدهما : ابرأ من علي فقال : ما جزاي إن لم أبرأ منه؟ فقال : قتلني الله إن لم أقتلك ، فاختر لنفسك : قطع يديك أو رجليك؟ قال : فقال له الرجل : هو القصاص فاختر لنفسك قال : تالله إني لارى لك لسانا وما أظنك تدري من خلقك أين ربك؟ قال : هو بالمرصاد لكل ظالم ، فأمر بقطع يديه ورجليه وصلبه ، قال : ثم قدم صاحبه الآخر فقال : ما تقول؟ فقال : أنا على رأي صاحبي قال : فأمر أن يضرب عنقه ويصلب (٤).

أقول : قد مر بعض أخبار الباب في أبواب أحوال أصحاب أميرالمؤمنين عليه‌السلام.

____________________

(١) كتاب الزهد باب التواضع والكبر « مخطوط بمكتى الخاصة ».

(٢) الضبع : بسكون الباء وسط العضد ، وقيل هو ما تحت الابط « النهاية ج ٣ ص ١١ ».

(٣) أمالى ابن الشيخ الطوسى ص ٢٣ الملحق بأمالى والده عند الطبع.

(٤) أمالى الصدوق ص ٣٠٢.

١٤٠