بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

الحليفة ، فما رآه أبوبكر قال : أمير أو مأمور؟ فقال علي عليه‌السلام : بعثني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لتدفع إلي براءة ، قال : فدفعها إليه ، وانصرف أبوبكر إلى رسول الله فقال : يا رسول الله : مالي نزعت مني براءة؟ أنزل في شئ؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن جبرئيل نزل علي فأخبرني أن الله يأمرني أنه لن يؤدي عني غيري أو رجل مني ، فأنا وعلي من شجرة واحدة والناس من شجر شتى ، أما ترضى يا أبابكر أنك صاحبي في الغار؟ قال : بلى با رسول الله ، فلما كان (١) يوم الحج الاكبر وفرغ الناس من رمي الجمرة الكبرى قام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام عند الجمرة فنادى في الناس ، فاجتمعوا إليه ، فقرأ عليهم الصحيفة بهؤلاء الآيات « براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين » إلى قوله : « فخلوا سبيلهم » ثم نادى : ألا لايطوف (٢) بالبيت عريان ، ولا يحجن مشرك بعد عامه هذا ، وإن لكل ذي عهد عهده إلى مدته ، وإن الله لا يدخل الجنة إلا من كان مسلما ، وإن أجلكم أربعة أشهر إلى أن تبلغوا بلدانكم ، فهو قوله تعالى : « فسيحوا في الارض أربعة أشهر » وأذن الناس كلهم بالقتال إن لم يومنوا ، فهو قوله : « وأذان من الله ورسوله إلى الناس » قال إلى أهل العهد : خزاعة وبني مدلج (٣) ومن كان له عهد غيرهم « يوم الحج الاكبر » قال : فالاذان أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام : النداء الذي نادى به ، قال : فلما قال : « فسيحوا في الارض أربعة أشهر » قالوا : وعلى ما تسيرنا أربعة أشهر فقد برئنا منك ومن ابن عمك؟ إن شئت الآن الطعن والضرب ، ثم استثنى الله منهم فقال : « إلا الذين عاهدتم من المشركين » فقال : العهد من كان بينه وبين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولث من عقود على الموادعة (٤) من خزاعة وغيرهم ، وأما قوله : « فسيحوا في الارض أربعة أشهر » لكي يتفر قوا (٥) عن مكة وتجارتها فيبلغوا إلى أهلهم ، ثم إن لقوهم بعد ذلك قتلوهم ، والاربعة الاشهر التي حرم الله فيها دماءهم عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وربيع

____________________

(١) في المصدر : قال : فلما كان اه.

(٢) في المصدر : لا يطوفن.

(٣) في المصدر : قال : اهل خزاعة وبنو مدلج اه.

(٤) الموادعة : المصالحة والمسالمة.

(٥) في المصدر : قال : هذا لمن كان له عهد ولمن خرج عهده في اربعة اشهر لكى يتفرقوا اه.

٣٠١

الاول وعشر من ربيع الآخر ، فهذه أربعة أشهر المسيحات من يوم قراءة الصحيفة التي قرأها أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام « ثم قال : « واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين » يا نبي الله ، قال : فيظهر نبيه عليه وآله الصلاة والسلام ، قال : ثم استثنى فنسخ منها فقال : « إلا الذين عاهدتم من المشركين » هؤلاء : بنوضمرة وبنو مدلج حيان (١) من بني كنانة ، كانوا حلفاء النبي في غزوة بني العشيرة من بطن ينبع « ثم لم ينقصوكم شيئا » يقول : لم ينقضوا عهدهم بغدر « ولم يظاهروا عليكم أحدا » قال : لم يظاهروا عدوكم عليكم « فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم » يقول : أجلهم الذي شرطتم لهم « إن الله يحب المتقين » قال : الذين يتقون الله فيما حرم عليهم ، ويوفون بالعهد ، قال : فلم يعاهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد هؤلاء الآيات أحدا ، قال : ثم نسخ ذلك فأنزل « فإذا انسلخ الاشهر الحرم » قال : هذا الذي ذكرنا منذ يوم قرأ علي بن أبي طالب عليه‌السلام عليهم الصحيفة ، يقول : فإذا مضت الاربعة الاشهر قاتلوا الذين انقضى عهدهم في الحل والحرم « حيث وجدتموهم » إلى آخر الآية ، قال : ثم استثنى فنسخ منهم فقال : « وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى بسمع كلام الله » قال : من بعث إليك من أهل الشرك يسألك لتؤمنه حتى يلقاك فيسمع ما تقول ، ويسمع ما انزل إليك فهو آمن « فأجره حتى يسمع كلام الله » وهو كلامك بالقرآن « ثم أبلغه مأمنه » يقول : حتى يبلغ مأمنه من بلاده ، ثم قال : « كيف يكون للمشركين عهد عندالله وعند رسوله » إلى آخر الآية ، فقال : هما بطنان بنو ضمرة وبنو مدلج (٢) ، فأنزل الله هذا فيهم حين غدروا ، ثم قال تعالى : « كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولاذمة » إلى ثلاث آيات ، قال : هم قريش نكثوا عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الحديبية ، وكانوا رؤوس العرب في كفرهم ، ثم قال : « فقاتلوا أئمة الكفر » إلى « ينتهون » (٣).

____________________

(١) الحى : البطن.

(٢) في المصدر : هما بطنا بنى خزاعة وبنى مدلج.

(٣) تفسير فرات : ٥٨ ـ ٦٠.

٣٠٢

بيان : الولث : العهد الغير الاكيد ، [ وفي القاموس : الحمس الامكنة الطلبة جمع أحمس ، وبه لقب قريش وكنانة وجديلة ومن تابعهم في الجاهلية ، لتحمسهم في دينهم أولا لتجائهم بالحمساء وهي الكعبة ، لان حجرها أبيض إلى السواد (١) ] والال بالكسر : العهد. وتفسير الآيات مذكور في مظانه لا نطيل الكلام بذكره لخروجه عن مقصودنا.

٢٦ ـ قب : ولاه رسول الله في أداء سورة براءة ، وعزل به أبابكر بإجماع المفسرين ونقلة الاخبار ، ورواه الطبري والبلاذي والترمذي والواقدي والشعبي والسدي و الثعلبي والواحدي والقرظي والقشيري والسمعانى وأحمد بن حنبل وبن بطة ومحمد بن إسحاق وأبويعلى الموصلي والاعمش وسماك بن حرب في كتبهم عن عروة بن الزبير وأبي هريرة وأنس وأبي رافع وزيد بن نقيع وابن عمر وابن عباس ـ واللفظ له ـ إنه لما نزل « براءة من الله ورسوله » إلى تسع آيات أنفذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أبابكر إلى مكة لادائها ، فنزل جبرئل عليه‌السلام فقال : إنه لا يؤديها إلا أنت أورجل منك ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لامير المؤمنين : اركب ناقتي العضباء والحق أبابكر وخذ براءة من يده ، قال : ولما رجع أبوبكر إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جزع وقال : يا رسول الله إنك أهلتني (٢) لامر طالت الاعناق فيه ، فلما توجهت له رددتني عنه؟! فقال : الامين هبط إلي عن الله عزوجل أنه لا يودي عنك إلا أنت أورجل منك ، وعلي مني ، ولا يؤدي عني إلا علي.

وفي خبر : أن عليا قال له : إنك خطيب وأنا حديث السن ، فقال : لابد من أن تذهب بها أو أذهب بها ، قال : أما إذا كان كذلك فأنا أذهب يا رسول الله ، قال : اذهب فسوف يثبت الله لسانك ويهدي قلبك.

أو بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : خطب علي الناس فاخترط سيفه وقال : لا يطوفن بالبيت عريان ، ولا يحجن البيت مشرك ، ومن كان له مدة فهو إلى مدته ، ومن لم يكن له مدة فمدته أربعة أشهر ـ زيادة في مسند الموصلي ـ : ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ، وهذا هو الذي أمر الله تعالى به إبراهيم حين قال : « وطهر بيتي للطائفين و

____________________

(١) ما بين العلامتين يوجد في هامش ( ك ) فقط.

(٢) أهله للامر : صيره أو رآه أهلاله ـ أى صالحاله ـ.

٣٠٣

القائمين والركع السجود » فكان الله تعالى أمر إبراهيم الخليل بالنداء أولا قوله : « وأذن في الناس بالحج (١) » وأمر الولي بالنداء آخرا قوله : « وأذان من الله ورسوله » قال السدي وأبومالك وابن عباس وزين العابدين عليه‌السلام : الاذان علي بن أبي طالب الذي نادى به.

تفسير القشيري : أن رجلا قال لعلي بن أبي طالب : فمن أراد منا أن يلقى رسول الله في بعض الامر (٢) بعد انقضاء الاربعة فليس له عهد؟ قال علي عليه‌السلام : بلى لان الله تعالى قال : « وإن أحد من المشركين استجارك فأجره » إلى آخر الآيات.

وفي الحديث عن الباقرين عليهما‌السلام قالا : قام خداش وسعيد أخوا عمرو بن عبدود فقالا : وعلى ما تسيرنا أربعة أشهر؟ بل برئنا منك ومن ابن عمك ، وليس بيننا وبين ابن عمك إلا السيف والرمح ، وإن شئت بدأنا بك ، فقال علي عليه‌السلام : هلم (٣) ، ثم قال : « واعلموا أنكم غير معجزي الله » إلى قوله : « إلى مدتهم ».

تفسير الثعلبي : قال المشركون : نحن نبرءمن عهدك وعهد ابن عمك إلا من الطعن والضرب ، وطفقوا (٤) يقولون : اللهم إنا منعنا أن نبرك.

وفي رواية عن النسابة ابن الصوفي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في خبر طويل : إن أخي موسى ناجى ربه على جبل طور سيناء فقال في آخر الكلام : امض إلى فرعون وقومه القبط وأنا معك ، لاتخف ، فكان جوابه ما ذكره الله تعالى « إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون (٥) » و هذا علي قد أنفذته ليسترجع براءة ويقرأها على أهل مكة وقد قتل منهم خلقا عظيما ، فما خاف ولا توقف ولم تأخذه في الله لومة لائم (٦).

____________________

(١) الحج : ٢٧.

(٢) في المصدر : في بعض الامور.

(٣) في المصدر : هلموا.

(٤) طفق يفعل كذا : ابتد أو أخذ.

(٥) القصص : ٣٣.

(٦) ويناسب المقام قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( علماء امتى افضل من انبياء بنى اسرائيل ) وقد عبر عن الائمة عليهم‌السلام بالعلماء كثيرا في الروايات.

٣٠٤

وفي رواية : فكان أهل الموسم يتلهفون عليه (١) ، وما فيهم إلا من قتل أباه أو أخاه أو حميمه (٢) ، فصدهم الله عنه وعاد إلى المدينة وحده سالما (٣) ، وكان عليه‌السلام أنفذه أول يوم من ذي الحجة سنة تسع من الهجرة ، وأداها إلى الناس يوم عرفة ويوم النحر. وأما قول الجاحظ إنه كان عادة العرب في عقد الحلف وحل العقد أنه كان لا يتولى ذلك إلا السيد منهم أو رجل من رهطه فإنه أراد أن يذمه فمدحه (٤).

٢٧ ـ يف : روى أحمد بن حنبل في مسنده من طرق جماعة ، فمنها عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث ببراءة مع أبي بكر إلى أهل مكة ، فلما بلغ إلى ذي الحليفة بعث إليه فرده فقال : لا يذهب بها (٥) إلا رجل من أهل بيتي ، فبعث عليا.

ومن مسند أحمد بن حنبل ، عن سماك ، عن حبيش يرفعه قال : لما نزلت عشر آيات من سورة براءة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أبابكر فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة ، ثم دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام فقال له : أدرك أبابكر ، فحيث ما لحقته فخذ الكتاب منه ، فاذهب به إلى أهل مكة واقرءه عليهم ، قال : فلحقه بالجحفة فأخذ الكتاب منه ، فرجع أبوبكر إلي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : يا رسول الله أنزل في شئ؟ قال : لا ولكن جبرئيل عليه‌السلام جاءني فقال : لم يكن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك (٦).

أقول : روى ابن بطريق في المستدرك عن الحافظ أبي نعيم ، بإسناده عن محمد بن جابر ، عن حبش ، عن علي عليه‌السلام مثله.

____________________

(١) لهف على مافات : حزن وتحسر. اى يحزنون ويتحسرون بما قد أصابهم من على عليه‌السلام

ـبحار الانوار جلد: ٣١ من صفحه ٣٠٥ سطر ١٩ إلى صفحه ٣١٣ سطر ١٨

في الغزوات.

(٢) الحميم : الصديق.

(٣) في المصدر : وعاد إلى المدينة سالما.

(٤) مناقب آل أبي طالب : ١ : ٣٢٦ ـ ٣٢٨. أقول مضافا إلى ما سيأتى من أن هذا لم يكن معهودا من العرب.

(٥) في المصدر : لا يؤدى عنى اه.

(٦) الطرائف :. ١٢ وفيه : لن يؤدى عنك.

٣٠٥

وبالاسناد عن أنس قال : أرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبابكر ببراءة يقرءها على أهل مكة ، فنزل جبرئيل على محمد فقال : يا محمد لا يبلغ عن الله تعالى إلا أنت أو رجل منك ، فلحقه علي عليه‌السلام فأخذها منه.

أقول : وروى ابن بطريق في الكتاب المذكور ما يؤدي هذا المعنى من أربعة طريق من كتاب فضائل الصحابة للسمعاني وكتاب المغازي لمحمد بن إسحاق ، ومن خمسة طرق من كتاب أحمد بن حنبل ، ومن طريق من صحيح البخاري وطريقين من تفسير الثعلبي وطريقين من الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدري ، وطريق من سنن أبي داود ، و طريق من صحيح الترمذي.

٢٨ ـ يف : وروى البخاري في صحيحه في نصف الجزء الخامس في باب « وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الاكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله » حديث سورة براءة. وزاد فيه : فأذن علي في أهل منى يوم النحر ألا لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ورواه أيضا في الجمع بين الصحاح الستة في الجزء الثاني في تفسير سورة براءة من صحيح أبي داود وصحيح الترمذي في حديث يرفعونه إلى عبدالله بن عباس قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبابكر وأمره أن ينادي في الموسم ببراءة ، ثم أردفه عليا فبينا أبوبكر في بعض الطريق إذ سمع رغاء (١) ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله العضباء ، فقام أبوبكر فزعا فظن أنه حدث أمر ، فدفع إليه علي كتابا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن عليا (٢) ينادي بهؤلاء الكلمات ، فإنه لا ينبغي أن يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي ، فانطلقا ، فقام علي أيام التشريق ينادي : ذمة الله ورسوله بريئة من كل مشرك ، فسيحوا في الارض أربعة أشهر ، ولا يحجن بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت بعد العام عريان ، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة.

ورواه الثعلبي في تفسيره في تفسير سورة براءة ، وشرح الثعلبي كيف نقض المشركون العهد الذي عاهدهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديبية ، ثم قال الثعلبي في أواخر حديثه ما هذا

____________________

(١) رغا البعير رغاء : صوت وضج.

(٢) في المصدر : فيه أن عليا اه.

٣٠٦

لفظه : فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبابكر في تلك السنة على الموسم ليقيم للناس الحج ، بعث معه أربعين آية من صدر براءة ليقرأها على أهل الموسم ، فلما سار دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام فقال : اخرج بهذه القصة واقرء عليهم من صدر براءة ، وأذن بذلك في الناس إذا اجتمعوا ، فخرج علي عليه‌السلام على ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله العضباء حتى أدرك أبابكر بذي الحليفة ، فأخذها منه ، فرجع أبوبكر إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله بأبي أنت وامي أنزل في شأني شئ؟ فقال لا ولكن لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني ، ثم ذكر الثعلبي صورة نداء علي عليه‌السلام وإبلاغه لما أمره الله به ورسوله (١).

أقول : روى ابن بطريق ما رواه السيد وغيره من صحاحهم وتفاسيرهم في العمدة بأسانيده لا نطيل الكلام بإيرادها (٢).

روى السيوطي في الدر المنثور قال : أخرج عبدالله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند وأبوالشيح وابن مردويه عن علي عليه‌السلام قال : لما نزلت عشر آيات من براءة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وساق الحديث نحو مامر من رواية سماك ثم قال ـ : وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وأبوالشيخ وابن مردويه عن أنس قال : بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ببراءة مع أبي بكر ، ثم دعا فقال : لا ينبغي لاحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي ، فدعا عليا فأعطاه إياه.

وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث أبابكر ببراءة إلى أهل مكة ، ثم بعث عليا عليه‌السلام على أثره فأخذها منه ، فقال أبوبكر : وجد في نفسه (٣) فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبابكر إنه لا يودي عني إلا أنا أورجل مني.

وأخرج أحمد والنسائي وابن المنذر وابن مردويه عن أبي هريرة قال : كنت مع علي حين بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى مكة ببراءة ، فكان ينادي (٤) أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن

____________________

(١) الطرائف : ١٢.

(٢) راجع العمدة : ٨٠ ـ ٨٣.

(٣) كذا في نسخ الكتاب ، ومعنى ( وجد ) : غضب. وفى المصدر : فكأن ابابكر وجد في نفسه. أى وجد في نفسه شيئا.

(٤) في المصدر : إلى أهل مكة ، فكنا ننادي.

٣٠٧

ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عهد فإن أجله إلى أربعة أشهر ، فإذا مضت الاربعة الاشهر فإن الله برئ من المشركين ورسوله ، ولا يحج هذا البيت بعد العام مشرك.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث أبابكر بسورة التوبة و بعث عليا عليه‌السلام على أثره ، فقال أبوبكر : لعل الله أمر نبيه سخطا علي؟ فقال علي : لا إن نبي الله قال : لا ينبغي أن يبلغ عني إلا رجل مني.

وأخرج ابن حبان وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري وذكر بعث علي عليه‌السلام على أثر أبي بكر ورده ، وفى آخره : لا يبلغ غيري أو رجل مني.

وأخرج ابن مردويه عن أبي رافع قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبابكر ببراءة إلى الموسم فأتى جبرئيل فقال له : إنه لا يؤديها (١) عنك إلا أنت أو رجل منك ، فبعث عليا في أثره (٢) حتى لحقه بين مكة والمدينة ، فأخذها فقرأ (٢) على الناس في الموسم.

وأخرج ابن أبي حاتم عن حكيم بن حميد قال : قال لي علي بن الحسين عليهما‌السلام : إن لعلي في كتاب الله اسماو لكن لا تعرفونه (٤) : قلت : وما هو؟ قال : ألم تسمع قول الله : « وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الاكبر » هو والله الاذان. انتهى ما نقلناه عن السيوطي (٥).

وقال صاحب الصراط المستقيم في ذكر فضائل أميرالمؤمنين عليه‌السلام : منها توليته صلى‌الله‌عليه‌وآله على أداء سورة براءة بعد بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أبابكر بها ، فلحقه بالجحفة وأخذها منه ، و نادى في الموسم بها ، ذكر ذلك أحمد بن حنبل في مواضع من مسنده ، والثعلبي في تفسيره والترمذي في صحيحه ، وأبوداود في سننه ، ومقاتل في تفسيره ، والفراء في مصابيحه ، و

____________________

(١) في المصدر : لن يؤديها.

(٢) في المصدر : على أثره.

(٣) في المصدر : فقرأها.

(٤) في المصدر : لا يعرفونه.

(٥) الدر المنثور ٣ : ٢٠٨ و ٢٠٩.

٣٠٨

الجوزي في تفسيره ، والزمخشري في كشافه (١) ، وذكره البخاري في الجزء الاول من صحيحه (٢) في باب ما يستر العورة ، وفي الجزء الخامس في باب « أذان من الله ورسوله » ، و ذكر الطبري والبلاذري والواقدي والشعبي والسدي والواحدي والقرطي والقشيري والسمعاني والموصلي وابن بطة وابن إسحاق والاعمش وابن سماك في كتبهم انتهى (٣).

وذكر ابن الاثير في الكامل في أحداث سنة تسع من الهجرة أن فيها حج أبوبكر بالناس ، ومعه عشرون بدنة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولنفسه خمس بدنات (٤) ، وكان في ثلاثمائة رجل ، فلما كان بذي الحليفة أرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أثره عليا عليه‌السلام وأمره بقراءة سورة براءة على المشركين ، فعاد أبوبكر وقال : يا رسول الله أنزل في شئ؟ قال : لا ولكن لا يبلغ عني إلا أنا أورجل مني. انتهى.

وروى صاحب جامع الاصول بإسناده عن أنس قال : بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ببراءة مع أبي بكر ثم دعا [ ه ] فقال : لا يبنغي لاحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي ، دعا عليا عليه‌السلام فأعطاه إياه ، ثم قال : وزاد رزين وهو العبدري : فإنه لا ينبغي أن يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي ، ثم اتفقا وانطلقا ، انتهى.

أقول : وروى نحوا مما أوردنا من الاخبار الطبرسي رحمه‌الله (٥) وغيره وفيما أوردته غنى عما تركته.

( تتميم )

أقول : بعد ما أحطت علما بما تلوت عليك من أخبار الخاص والعام فاعلم أن أصحابنا رضوان الله عليهم استدلوا بها على خلافة مولانا أميرالمؤمنين عليه‌السلام وعدم استحقاق أبي بكر لها فقالوا : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يول أبابكر شيئا من الاعمال مع أنه كان يوليها

____________________

(١) ج ٢ ص ٢٣.

(٢) ج ١ ص ٢٥.

(٣) مخطوط ، ولم نظفر بنسخته إلى الان. وقدمر آنفا عن المناقب ص ٣٠٣ ( وسماك بن حرب ) بدل ( ابن سماك ).

(٤) قال الجزرى في النهاية ( ١ : ٦٧ ) : وفيه ( اتى رسول الله بخمس بدنات ) البدنة تقع على الجمل والناقة والبقرة ، وهى بالابل أشبه ، وسميت بدنة لعظمها وسمنها.

(٥) مجمع البيان ٥ : ٣ و ٤.

٣٠٩

غيره ولما أنفذه لاداء سورة براءة إلى أهل مكة عزله وبعث عليا عليه‌السلام ليأخذها منه و يقرأها على الناس ، فمن لم يستطح لاداء سورة واحدة إلى بلدة كيف يستصلح للرئاسة العامة المتضمنة لاداء جميع الاحكام إلى عموم الرعايا في سائر البلاد؟.

وبعبارة اخرى نقول : لا يخلو إما أن يكون بعث أبي بكر أولا بأمر الله تعالى كما هو الظاهر ، لقوله تعالى : « وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى (١) » أو بعثه الرسول بغير وحي منه تعالى ، فعلى الاول نقول : لا ريب في أنه تعالى منزه عن العبث والجهل ، فلا يكون بعثه وعزله قبل وصوله إلا لبيان رفعة شأن أميرالمؤمنين عليه‌السلام وفضله وأنه خاصة يصلح للتبليغ عن الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دون غيره ، وأن المعزول لا يصلح لهذا ولا لما هو أعلا منه من الخلافة والرئاسة العامة ، ولوكان دفع براءة أولا إلى علي عليه‌السلام لجاز أن يجول بخواطر الناس أن في الجماعة غير علي من يصلح لذلك.

وعلى الثاني فنقول : إن الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إما أن يكون لم يتغير علمه ـ حين بعث أبابكر أولا وحين عزله ثانيا ـ بحال أبي بكر وما هو المصلحة في تلك الواقعة أو تغير علمه ، فعلى الاول عاد الكلام الاول بتمامه (٢) ، وعلى الثاني فنقول : لا يريب عاقل في أن الامر المستور أولا لا يجوز أن يكون شيئا من العادات والمصالح الظاهرة ، لا ستحالة أن يكون خفي على الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ مع وفور علمه ـ وعلى جميع الصحابة مثل ذلك؟ فلا بد أن يكون أمرا مستورا لا يطلع عليه إلا بالوحي الالهي : من سوء سريرة أبي بكر ونفاقه ، أوما علم الله من أنه سيدعي الخلافة ظلما ، فيكون هذا (٣) حجة وبرهانا على كذبه وأنه لا يصلح لذلك ، ولو فرضنا في الشاهد أن سلطانا من السلاطين بعث رجلا لامر ثم أرجعه

____________________

(١) النجم : ٣ و ٤.

(٢) لانا اذ علمنا ان الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلى عليه‌السلام حين عزل أبابكر : ( لا يبلغها الا أنا وأنت ) كما يستفاد من روايات الباب نستكشف على هذا القول ـ أى عدم تغير علمه صلى‌الله‌عليه‌وآله اولا وثانيا بحال أبى بكر ـ أن عدم صلاحيته لذلك كان معلوما عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وانما فعل ذلك لئلا يتوهم أحد ان في القوم من يصلح لذلك سوى أميرالمؤمنين عليه‌السلام.

(٣) اى نزول الوحى الالهى على النبى وأمره بعزل أبى بكر.

٣١٠

من الطريق وبعث غيره مكانه لا يخطر ببال العقلاء في ذلك إلا احتمالان : إما أن يكون أولا جاهلا بحال ذلك الشخص وعدم صلاحيته لذلك ثم بعد العلم بداله في ذلك ، أو كان عالما وكان غرضه الاشارة بكمال الثاني وحط منزلة الاول.

ونقول أيضا : قد عرفت مرارا أنه إذا اتفقت أخبار الفريقين في شئ وتفرد بعض أخبارهم بما يضاده فالتعويل إنما هو على ما توافقت فيه الروايتان ، ولا يخفى أنك إذا لا حظت المشترك بين أخبارنا وأخبارهم عرفت أنها دالة بصراحتها على أن الباعث على عزل أبي بكر لم يكن إلا نقصه وحط مرتبته عن مثل ذلك ، ولم يكن السبب لبعث أميرالمؤمنين عليه‌السلام ثانيا إلا كماله ، وكون استيهال (١) التبليغ عن الله ورسوله ونيابة الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخلافته في الامور منحصرا فيه ، ولا أظنك بعد اطلاعك على ما قدمناه تحتاج إلى إعادتها ، والاستدلال بخصوص كل خبر على ما ذكرنا.

وأما إنكار بعض متعصبيهم عزل أبي بكر وأنه كان أميرا للحاج وذهب إلى ما امر به فلا ترتاب بعد ما قرع سمعك من الاخبار أن ليس الداعي إلى ذلك إلا الكفر والعصبية والعناد ، وقد اعترف قاضي العقضاة في المغني ببطلان ذلك الانكار ، وقال ابن أبي الحديد (٢) : روى طائفة عظيمة من المحدثين أنه لم يدفعها إلى أبي بكر ، لكن الاظهر الاكثر أنه دفعها إليه ثم أتبعه بعلي عليه‌السلام فانتزعها منه انتهى أقول : ليث شعري لم لم يذكر أحدا من تلك الطائفة العظيمة ليدفع عن نفسه ظن العصبية والكذب.

وأما ما تمسك به بعضهم من لزوم النسخ قبل الفعل فعلى تقدير عدم جوازه له نظائر كثيرة ، فكل ما يجري فيها من التأويل فهو جارههنا ، وأما اعتذار الجبائي والزمخشري والبيضاوي والرازي وشارح التجريد وغيرهم بأنه كان من عادة العرب أن سيدا من سادات قبائلهم إذا عقد عهدا لقوم فإن ذلك العقد لاينحل إلا أن يحله هو أو بعض سادات قومه فعدل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أبي بكر إلى علي عليه‌السلام حذرا من أن لا يعتبروا نبذ العهد من

____________________

(١) استأهل الشئ : استوجبه. أى كان له صالحا.

(٢) شرح نهج البلاغة ٤ : ٢٥١.

٣١١

أبي بكر لبعده في النسب فمردود بأن ذلك كذب صريح وافتراء على أهل الجاهلية والعرب ، ولم يعرف في زمان من الازمنة أن يكون الرسول ـ سيما لنبذ العهد ـ من سادات القوم وأقارب العاقد! وإنما المعتبر فيه أن يكون موثوقا به ولو بانضمام القرائن ولم ينقل هذه العادة أحد من أرباب السير ، ولوكانت موجودة في رواية أو كتاب لعينوا موضعها كما هو المعهود في مقام الاحتجاج ، وقد اعترف ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة بأن « ذلك غير معروف من عادة العرب ، وأنه إنما هو تأويل تعول به متعصبوا أبي بكر لانتزاع البراءة منه وليس بشئ » وقد أشرنا في تقرير الدليل إلى بطلان ذلك ، إذ لو كان إرجاعه لهذه العلة كان لم يخف هذا على الرسول وجميع الحاضرين في أول الامر (١) ، مع أن كثيرا من الاخبار صريحة في خلاف ذلك.

فأما جواب بعضهم عما ذكره الاصحاب من أن الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يوله شيئا من الامور بأن عدم توليته الاعمال كان لحاجة الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليه وإلى عمر في الآراء والتدابير!كما ذكره قاضي القضاة ، فأجاب السيد المرتضى في الشافي (٢) عنه بأنا قد علمنا من العادة أن من يرشح (٣) لكبار الامور لابد من أن يدرج إليها (٤) بصغارها ، لان من يريد بعض الملوك تأهيله للامر بعده لابد من أن ينبه عليه بكل قول وفعل يدل على ترشيحه لتلك المنزلة ، ويستكفيه من اموره وولاياته ما يعلم عنده أو يغلب في الظن صلاحه لما يريده له ، وأن من يرى الملك مع حضوره وامتداد الزمان وتطاوله لا يستكفيه شيئا من الولايات ، ومتى ولاه عزله وإنما يولي غيره ويستكفي سواه لابد أن يغلب في الظن أنه ليس بأهل للولاية ، وإن جوزنا أنه لم يوله بأسباب كثيرة سواه ، وأما من يدعي أنه

____________________

(١) وكيف لا والخصم يدعى كونه عادة من عادات العرب؟ ثم انك قد عرفت ما أورده عن المناقب ذيل الرواية السادس والعشرين ص ٣٠٥ في الرد على الجاحظ القائل بهذا القول السخيف أن هذا مدح ومنقبة لا ميرالمؤمنين عليه‌السلام قد جرى على السنة أعدائه. (٢) ص ٢٤٨.

(٣) يقال : هو يرشح لولاية العهد أى يربى ويؤهل لها.

(٤) أى يرسل اليها.

٣١٢

لم يوله لافتقاره إليه بحضرته وحاجته إلى تدبيره ورأيه ففيه أن النبي لا يستشير أحدا لحاجة منه إلى رأيه وفقر إلى تعليمه وتوقيفه ، لانه عليه‌السلام الكامل الراجح المعصوم المؤيد بالملائكة ، وإنما كانت مشاورته أصحابه ليعلمهم كيف يعملون في امورهم ، وقد قيل : كان يستخرج بذلك دخائلهم (١) وضمائرهم ، وبعد فكيف استمرت هذه الحاجة واتصلت منه إليهما حتى لم يستغن في زمان من الازمان عن حضورهما فيوليهما؟! وهل هذا إلا قدح (٢) في رأي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونسبة له إلى أنه كان ممن يحتاج إلى أن يلقن ويوقف على كل شئ؟ وقد نزهه الله تعالى عن ذلك.

انتهى ما أردنا إيراده من كلامه قدس الله روحه ، ولنقتصر على ذلك في توضيح المرام في هذا المقام ، ومن أراد زيادة الاستبصار فليرجع إلى ما ألفه في ذلك وأشباهه علماؤنا الاخيار (٣) فإنا محترزون في كتابنا هذا عن زيادة الاكثار في غير نقل الاخبار.

١٠

( باب )

* ( قوله تعالى : ولما صرب ابن مريم مثلا اذا قومك منه يصدون ) *

١ ـ مع : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن النوفلي ، عن اليعقوبي عن عيسى بن عبدالله الهاشمي ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : في قوله عزوجل : « ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون » قال : الصدود في العربية : الضحك (٤).

بيان : ليس فيما عندنا من كتب اللغة المشهورة الصدود بهذا المعنى ، ولا يبعد أن

____________________

(١) دخيلة المرء : باطنه وضميره.

(٢) القدح : الطعن والتعييب.

(٣) وإن شئت راجع تفسير الميزان ج ٩ ص ١٦٥ ـ ١٨٤.

(*) الزخرف : ٥٧.

(٤) معانى الاخبار : ٢٢٠.

٣١٣

يكون صلى‌الله‌عليه‌وآله عبر عن الضجيج الصادر عن الفرح بلازمه؟! على أن اللغات كلها غير محصورة في كتب اللغة ، لكن قال في مصباح اللغة : صد عن كذا يصد من باب ضرب : ضحك (١).

وقال في مجمع البيان : قال بعض المفسرين : معنى يصدون : يضحكون (٢).

٢ ـ كنز : محمد بن العباس ، عن عبدالعزيز بن يحيى ، عن محمد بن زكريا عن يحيى ابن عمير الحنفي ، عن عمر بن قائد. عن الكلبي. عن أبي صالح. عن ابن عباس قال : بينما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في نفر من أصحابه إذ قال : الآن يدخل عليكم نظير عيسى بن مريم في امتي فدخل أبوبكر ، فقالوا : هو هذا؟ فقال : لا ، فدخل عمر ، فقالوا : هو هذا؟ فقال : لا ، فدخل علي عليه‌السلام فقالوا : هو هذا؟ فقال : نعم ، فقال قوم : لعبادة اللات والعزى خير من هذا ، فأنزل الله تعالى : « ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون وقالواء آلهتنا خير » الآية (٣).

٣ ـ وقال أيضا : حدثنا محمد بن سهل العطار ، عن أحمد بن عمر الدهقان ، عن محمد بن كثير الكوفي ، عن محمد بن السائب ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : جاء قوم إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : يا محمد إن عيسى بن مريم كان يحيي الموتى فأحي لنا الموتى ، فقال لهم : من تريدون؟ فقالوا : فلان (٤) ، وإنه قريب عهد بموت (٥) ، فدعا علي بن أبي طالب عليه‌السلام فأصغى إليه (٦) بشئ لا نعرفه ، ثم قال له : انطلق معهم إلى الميت فادعه باسمه واسم أبيه ، فمضى معهم حتى وقف على قبر الرجل ، ثم ناداه : يا فلان بن فلان. فقام الميت فسألوه ، ثم اضطجع في لحده ، فانصرفوا وهم يقولون : إن هذا من أعاجيب بني عبدالمطلب! أو نحوهما ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٧).

٤ ـ وقال أيضا : حدثنا عبدالله بن عبدالعزيز ، عن عبدالله بن عبدالمطلب ، عن شريك

____________________

(١) ج ١ : ١٧٨.

(٢) ج ٩ : ٥٢.

(٣ و ٧) كنز جامع الفوائد مخطوط.

(٤) كذا في النسخ ، والصحيح ( فلانا ) أى قالوا : نريد فلانا.

(٥) كذا في النسخ ، والصحيح ( بالموت ).

(٦) اصغى اليه : مال اليه بسمعه. أى اسره بكلام لا نعرفها.

٣١٤

عن عثمان بن نمير البجلي ، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى ، قال : قال لي علي عليه‌السلام : مثلي في هذه الامة مثل عيسى بن مريم ، أحبه قوم فغالوا في حبه فهلكوا ، وأبغضه قوم فهلكوا ، واقتصد فيه قوم فنجوا : وروى أيضا عن محمد بن مخلد الدهان ، عن علي بن أحمد العريضي ، عن إبراهيم بن علي بن جناح ، عن الحسن بن علي ، عن محمد بن جعفر (١) ، عن آبائه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى علي عليه‌السلام ـ وأصحابه حوله وهو مقبل ـ فقال : أما إن فيك لشبها (٢) من عيسى بن مريم ، ولولا مخافة أن تقول فيك طوائف من امتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لاتمر بملاء من الناس إلا أخذوا من تحت قدميك التراب يبتغون (٣) به البركة ، فغضب من كان حوله وتشاوروا فيما بينهم وقالوا : لم يرض محمد إلا أن يجعل ابن عمه مثلا لبني إسرائيل! فنزلت هذه الآية.

قال : قلت : لابي عبدالله عليه‌السلام ليس في القرآن بنوهاشم؟ قال : محيت والله فيما محي. والقد قال عمرو بن العاص على منبر مصر : محي من القرآن ألف حرف بألف درهم ، وأعطيت مأتي ألف درهم على أن يمحى « إن شانئك هو الابثر » فقالوا : لا يجوز ذلك.

فكيف جاز ذلك لهم ولم يجزلي؟ فبلغ ذلك معاوية فكتب إليه : قد بلغني ما قلت على منبر مصر ، ولست هناك (٤).

أقول : روى ابن بطريق في المستدرك بإسناد الحافظ أبي نعيم إلى ربيعة بن ناجد قال : سمعت عليا يقول : في انزلت هذه الآية : « ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون ».

____________________

(١) الظاهرانه محمد بن جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن على بن ابى طالب عليه‌السلام ، المعروف بأبى قيراط ، ويكنى ابا الحسن.

(٢) الشبه ـ بفتح الاول والثانى ـ : المشابهة.

(٣) ابتغى الشئ : طلبه.

(٤) كنز جامع الفوائد مخطوط ، ولم نظفر بنسخته. وما تدل عليه الرواية من محو آيات من القرآن فالمراد تأويلها وتفسيرها الواردة عن النبى او الائمة عليهم‌السلام لا نفس الايات ، وربما يؤيد ماذ كرنا قول الناس في جواب عمرو بن العاص : ( لايجوز ذلك ) فانه كان يريدان تمحى نفس هذه الاية من القرآن ، فقالوا له : لايجوز ذلك.

٣١٥

فر : سعيد بن الحسين بن مالك ، عن عبدالواحد ، عن الحسن بن يعلى ، عن الصباح ابن يحيى ، عن الحارث بن حصيرة ، عن ربيعة مثله (١).

أقول : وروى السيد حيدر في الغرر من كتاب منقبة المطهرين لابي نعيم بسندين عن ربيعة مثله.

٥ ـ يف : أحمد بن حنبل في مسنده ، وابن المغازلي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي عليه‌السلام : إن فيك مثلا من عيسى : أبغضه اليهود حتى بهتوا امه ، وأحبه النصارى حتى أنزله المنزل الذي ليس له بأهل (٢).

٦ ـ كشف : ابن مردوية قوله تعالى : « ولما ضرب ابن مريم مثلا ، إذا قومك منه يصدون » عن علي عليه‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن فيك مثلا من عيسى : أحبه قوم فهلكوا (٣) ، وأبغضه قوم فهلكوا فيه ، فقال المنافقون : أما رضي له مثلا إلا عيسى ، فنزلت (٤).

أقول : وروى العلامة رفع الله مقامه مثله (٥).

٧ ـ مد : من مسند عبدالله بن أحمد ، عن أبيه ، عن يحيى بن آدم ، عن مالك بن معول ، عن أكيل ، عن الشعبي ، قال : لقيت علقمة قال : أتدري ما مثل علي في هذه الامة؟ قال : قلت : وما مثله ، قال : مثل عيسى بن مريم أحبه قوم حتى هلكوا في حبه وأبغضه قوم حتى هلكوا في بغضه (٦).

____________________

(١) تفسير فرات : ١٥١.

(٢) لم نجده في النسخة المطبوعة من المصدر ، ومن أمعن النظر في كيفية طبع هذه النسخة و يرى ما فيها من التشويه والتشويش يرى عجبا ، فكيف أجازوا لا نفسهم أن يطبعوا ذخائر السلف و الماضين بهذه الكيفية ، ولقد وجدنا فيها من السقط والغلط مالا يحصى كثرة.

(٣) في المصدر : فهلكوا فيه.

(٤) كشف الغمة : ٩٥.

(٥) كشف اليقين : ١٢٦.

(٦) العمدة : ١٠٧.

٣١٦

٨ ـ وعن عبدالله بن سفيان ، عن وكيع بن الجراح بن مليح ، عن خالد بن مخلد عن أبي غيلان الشيباني ، عن الحكم بن عبدالملك ، عن الحارث بن حصيرة ، عن أبي صادق ، عن ربيعة بن ناجد ، عن علي عليه‌السلام قال : دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إن فيك مثلا من عيسى : أبغضته يهود خيبر حتى بهتوا امه (١) ، وأحبته النصارى حتى أنزلوه المنزل الذي ليس له ألا فإنه يهلك في إثنان : محب مفرط يفرط بما ليس في (٢) ، ومبغض يحمله شنآني عن أن يبهتني ، ألا إني لست بنبي ولا يوحى إلي ، ولكني أعمل بكتاب الله.

وسنة نبيه ما استطعت ، فما أمرتكم من طاعة الله فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم أو كرهتم (٣).

ومن مناقب ابن المغازلي ، عن وكيع بن القاسم ، عن أحمد بن الهيثم ، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل ، عن الحكم بن عبدالملك مثله (٤).

٩ ـ وعن عبدالله بن أحمد ، عن أبيه ، عن وكيع ، عن شريك ، عن عثمان بن أبي اليقظان عن زاذان ، عن علي عليه‌السلام قال : مثلي في هذه الامة كمثل عيسى بن مريم : أحبته طائفة وأفرطت في حبه فهلكت ، وأبغضته طائفة فأفرطت في قغضه فهلكت (٥).

١٠ ـ وعنه عن ابن حماد سجادة ، عن يحيى بن أبي يعلى ، عن الحسن بن صالح بن حي ، وجعفر بن زياد بن الاحمر ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي البختري ، عن علي عليه‌السلام قال : يهلك في رجلان : محب مفرط ومبغض مفرط (٦).

أقول : روي مثله بأسانيد سيأتي ذكرها إن شاء الله.

١١ ـ [ ل : بإسناده عن عامر بن واثلة في احتجاج أميرالمؤمنين عليه‌السلام يوم الشورى قال : نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله : احفظ البا فإن زوارا من الملائكة

____________________

(١) بهته بهتا وبهتانا : افترى عليه الكذب.

(٢) في المصدر : محب مقرظ مطر يقرظنى بما ليس في. قرظه : مدحه وهى حى بحق أو باطل أطرى فلانا : احسن الثناء عليه وبالغ في مدحه.

(٣) العمدة : ١٠٧.

(٤ و ٦) العمدة : ١٠٨. وقد ذكر فيه ذيل الرواية التاسعة زيادة وهى : وأحبته طائفة فاقتصدت في حبه فنجت.

(*) هذء الرواية وتاليتها لا توجدان في غير ( ك ).

٣١٧

تزورونني فلا تأذن لاحد ، فجاء عمر فرددته ثلاث مرات وأخبرته أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله محتجب (١) وعنده زوار من الملائكة وعدتهم كذا وكذا ، ثم أذنت له فدخل ، فقال : يا رسول الله إني جئت غير مرة كل ذلك يردني علي ويقول : إن رسول الله محتجب وعنده زوار من الملائكة وعدتهم كذا وكذا ، فكيف علم بالعدة أعاينهم؟ فقال له : يا علي قد صدق كيف علمت بعدتهم؟ فقلت : اختلفت التحيات (٢) فسمعت الاصول فأحصيت العدد ، قال : صدقت فإن فيك شبها (٣) من أخي عيسى ، فخرج عمر وهو يقول : ضرب لابن مريم مثلا! فأنزل الله عزوجل : « ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون » قال : يضحبون « وقالوا ءآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ولونشاء لجعلنا منكم ملائكة في الارض يخلفون » غيري (٤)؟ قالوا : اللهم لا (٥).

١٢ ـ يب : عن أبي عبدالله عليه‌السلام في الدعاء بعد صلاة الغدير : ربنا أجبنا داعيك النذير المنذر محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله عبدك ورسولك إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام الذي أنعمت عليه وجعلته مثلا لبني إسرائيل ، أنه أميرالمؤمنين ومولاهم ووليهم إلى يوم القيامة يوم الدين فإنك قلت : « إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل (٦) ».

١٣ ـ ما : أبوعمرو ، عن ابن عقدة ، عن الحسين بن عبدالرحمن ، عن أبيه وعثمان ابن سعيد معا ، عن عمرو بن ثابت ، عن صباح المزني ، عن الحارث بن حصيرة ، عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجد ، عن علي عليه‌السلام قال : دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا علي إن فيك شبها من عيسى بن مريم : أحبته النصارى حتى أنزلوه بمنزلة ليس بها ، وأبغضه اليهود

____________________

(١) احتجب : تستر. أى تستر عن الناس وأخذ مع الملائكة خلوة.

(٢) كذا في المصدر ، وفى ( ك ) فقال : اختلف على التحيات.

(٣) في المصدر : سنة.

(٤) أى هل فيكم أحد غيرى حاز هذه المرتبة الرفيعة والمنزلة الشريفة؟

(٥) الخصال ٢ : ١٢٢.

(٦) التهذيب ١ : ٣٠٢. وهذه قطعة من الدعاء الوارد بعد صلاة الغدير ، ذكرها المصنف لمناسبتها بالمقام.

٣١٨

حتى بهتوا امه. قال : وقال علي عليه‌السلام : يهلك في رجلان : محب مفرط بما ليس في ، ومبغض يحلمه شنآني (١) على أن يبهتني. وأخبرني به أبوعمرو ، عن ابن عقدة ، عن الحسين عن حسن بن حسن ، عن عمر [ و ] بن ثابت ، عن الحارث بن حصيرة ، مثله ولم يذكر الصباح (٢).

مد : بإسناده عن عبدالله بن أحمد ، عن شريح بن يونس والحسين بن عرفة ، عن أبي حفص الابار ، عن الحكم بن عبدالملك ، عن الحارث بن حصيرة مثله (٣).

١٤ ـ ما : ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن علي بن محمد بن علي الحسيني ، عن جعفر ابن محمد بن عيسى ، عن عبدالله بن علي ، عن الرضا ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي إن فيك مثلا من عيسى بن مريم : أحبه قوم فأفرطوا في حبه فهلكوا فيه ، وأبغضه قوم فأفرطوا في بغضه فهلكوافيه ، واقتصد قوم فنجوا (٤).

١٥ ـ ن : بإسناد التميمي عن الرضا ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام قال : قال لي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيك مثل من عيسى : أحبه النصارى حتى كفروا وأبغضه اليهود حتى كفروا في بغضه (٥).

١٦ ـ فس : أبي ، عن وكيع ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي صادق عن أبي الاعز ، عن سلمان الفارسي رضي‌الله‌عنه. قال : بينما رسول الله جالس في أصحابه إذ قال : إنه يدخل الساعة شبيه عيسى بن مريم ، فخرج بعض من كان جالسا مع رسول الله ليكون هو الداخل ، فدخل علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال الرجل لبعض أصحابه : أما رضي (٦) محمد أن فضل عليا علينا حتى يشبهه بعيسى بن مريم؟ والله لآلهتنا التي كنا نعبدها

____________________

(١) الشنآن : البغض مع عداوة وسوء خلق.

(٢) امالى الشيخ : ١٦٠ و ١٦١.

(٣) العمدة : ١٠٧.

(٤) امالى الشيخ : ٢١٩. وفيه : واقتصد فيه قوم فنجوا.

(٥) عيون الاخبار : ٢٢٣.

(٦) في المصدر : ما رضى.

٣١٩

في الجاهلية أفضل منه ، فأنزل الله في ذلك المجلس « ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يضجون » فحرفوها يصدون « وقالواء آلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون إن » علي « إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل » فمحي اسمه وكشط (١) عن هذا الموضع ، ثم ذكر الله خطر (٢) أميرالمؤمنين عليه‌السلام فقال : « وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم » يعني : أميرالمؤمنين عليه‌السلام (٣).

بيان : على هذا التفسير الضمير في قوله : « وإنه لعلم للساعة » راجع إلى أميرالمؤمنين عليه‌السلام وهو إشارة إلى أن رجعته عليه‌السلام من أشراط الساعة (٤) ، وأنه دابة الارض كما سيأتي ، والمفسرون أرجعوا الضمير إلى عسى لان حدوثه أو نزوله من أشراط الساعة.

١٧ ـ قب : أبوبصير ، عن الصادق عليه‌السلام لما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي لولا أنني أخاف أن يقول فيك (٥) ما قالت النصارى في المسيح؟ لقلت اليوم فيك مقالة لا تمر بملاء من المسلمين إلا أخذوا التراب من تحت قدمك. الخبر (٦). قال الحارث بن عمرو الفهري لقوم من أصحابه : ما وجد محمد لابن عمه مثلا إلا عيسى بن مريم ، يوشك أن يجعله نبيا من بعده والله إن آلهتنا التي كنا نعبد خيرمنه ، فأنزل الله تعالى « ولما ضرب بن مريم مثلا » إلى قوله : « وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم » وفي رواية : أنه نزل إيضا (٧) « إن هو إلا عبد أنعمنا عليه » الآية. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا حارث اتق الله وارجع عما قلت من العداوة لعلي بن أبي طالب ، فقال : إذا كنت رسول الله

____________________

(١) كشط الحرف : ازاله عن موضعه.

(٢) الخطر : الشرف وارتفاع القدر وفى المصدر : خطر اميرالمؤمنين وعظم شأنه عنده تعالى.

(٣) تفسير القمى : ٦١١.

(٤) اى من علاماتها.

(٥) في المصدر : ان يقولوا : فيك. وفى ( ت ) : ان يقول فيك طوائف من امتى. (٦) ظاهر هذا يوهم تقطيع الخبر ، وليس كذلك في المصدر ، اذ لم تذكر فيه لفظة ( الخبر ) (٧) ظاهر كلمة ( ايضا ) يوهم أن هذه الاية في غير هذه السورة ، والحال أنها واقعة بين الايات راجع سورة الزخرف ٥٧ ـ ٦١.

٣٢٠