بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

« مسكينا » من مساكين المسلمين « ويتيما » من يتامى المسلمين « وأسيرا » من اسارى المشركين ويقولون إذا أطعموهم : « إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا » قال : والله ما قولوا هذا لهم ولكنهم أضمروه في أنفسهم فأخبرالله بإضمارهم ، يقولون : لا نريد جزاء تكافوننا به ولا شكورا تثنون علينا به ، ولكن إنما أطعمناكم لوجه الله وطلب ثوابه قال الله تعالى ذكره « فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة » في الوجوه « وسرورا » في القلوب « وجزاهم بما صبروا جنة » يسكونها « وحريرا » يفترشونه ويلبسونه « متكئين فيها على الارائك » والاريكة : السرير عليه الحجلة « لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا » قال ابن عباس : فبينا أهل الجنة في الجنة إذا رأوا مثل الشمس قد أشرقت لها الجنان ، فيقول أهل الجنة : يا رب إنك قلت في كتابك : « لايرون فيها شمسا »؟! فيرسل الله جل اسمه إليهم جبرئيل فيقول : ليس هذه بشمس ولكن عليا وفاطمة ضحكا فأشرقت الجنان من نور ضحكهما ، ونزلت « هل أتى » فيهم إلى قوله تعالى : « وكان سعيكم مشكورا (١) ».

٢ ـ قب : روى أبوصالح ومجاهد والضحاك والحسن وعطاء وقتادة ومقاتل والليث وابن عباس وابن مسعود وابن جبير وعمرو بن شعيب والحسن بن مهران والنقاش والقشيري والثعلبي والواحدي في تفاسيرهم ، وصاحب أسباب النزول والخطيب المكي في الاربعين وأبوبكر الشيرازي في نزول القرآن في أميرالمؤمنين ، والاشنهي في اعتقاد أهل السنة ، وأبوبكر محمد بن أحمد بن الفضل النحوي في العروس في الزهد ، وروى أهل البيت عن لاصبغ بن نباتة وغيره عن الباقر عليه‌السلام واللفظ له ، ثم ساق الحديث إلى قوله : وأصبحوا مفطرين ليس عندهم شئ ، ثم قال : فرآهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جياعا فنزل جبرئيل ومعه صحفة (٢) من الذهب ، مرصعة بالدر والياقوت ، مملوءة من الثريد وعراق يفوح منه رائحة المسك والكافور فجلسوا وأكلوا حتى شبعوا ، ولم تنقص منها لقمة واحدة ، وخرج الحسين عليه‌السلام ومعه قطعة عراق ، فنادته امرأة يهودية : يا أهل بيت الجوع من أين لكم هذا؟ أطعمنيها ، فمد يده الحسين ليطعمها فهبط جبرئيل وأخذها من يده ، ورفع الصحفة إلى السماء ، فقال النبي

____________________

(١) امالى الصدوق : ١٥٥ ـ ١٥٧.

(٢) الصحفة قصعة كبيرة منبسطة تشبع الخمسة.

٢٤١

صلى‌الله‌عليه‌وآله : لولا ما أراد الحسين من إطعام الجارية تلك القصعة لتركت (١) تلك الصحفة في أهل بيتي يأكلون منها إلى يوم القيامة لا تنقص لقمة ، ونزل (٢) « يوفون بالنذر » وكانت الصدقة في ليلة خمس وعشرين من ذي الحجة ، ونزل (٣) هل أتى في يوم الخامس والعشرين منه (٤).

بيان : قال الجوهري : الجزة : صوف شاة في السنة ، انتهى. وقوله عليه‌السلام : « دهين » كناية عنا النضارة والطراوة كأنه صب عليه الدهن ، ويقال : قوم مدهنون : عليهم آثار النعم. واللؤم ـ بالضم مهموزا ـ الشح. وقال الجوهري : قولهم : لئيم راضع أصله زعموا رجل كان يرضع إبله أو غنمه ولايحلبها لئلا يسمع صوت حلبه فيطلب منه ، ثم قالوا : رضع الرجل ـ بالضم ـ كأنه كالشئ يطبع عليه ، وفي بعض الروايات : ولا ضراعة ، وهي الذل والاستكانة والضعف. والزنيم : اللئيم الذي يعرف بلؤمه. والاشبال : جمع الشبل وهو ولد الاسد. والكبل : القيد. وقال الجزري : القديد : اللحم المملوح المجفف في الشمس ، وفي حديث الاوزاعي : لا يسهم من الغنيمة للعبد والاجير ولا القديديين ، قيل : هو من التقدد : التقطع والتفرق لانهم يتفرقون في البلاد للحاجة وتمزق ثيابهم ، وقال الفيروز آبادي : نكد عيشهم ـ كفرح ـ اشتد وعسر ، والبئر : قل ماؤها ، ونكد الغراب ـ كنصر ـ استقصى في شحيجه ، وفلانا : منعه ما سأله ، أقول : فظهر أنه يمكن أن يقرء على المعلوم والمجهول وإن كان الاول أظهر. والدبر : الجرح الذي يكون في ظهر البعير ، يقال : دبر البعير ـ بالكسر ـ والمراد هنا الجرح وصلابة اليد من العمل.

ورجل عبل الزراعين أي ضخمهما. قوله : « يقول عابسا كلوحا » الكلوح : العبوس ، ولعله كان تفسير قوله تعالى : « يوما عبوسا قمطريرا » فاشتبه على الراوي ويحتمل أن يكون المراد أن هذا اليوم هو ذلك اليوم الذي سيوصف بعد ذلك بالعبوس. قوله « على شهوتهم » هذا أحد الوجهين اللذين ذكرهما المفسرون ، والوجه الآخر أن يكون المعنى : على

____________________

(١) في المصدر : تلك القطعة لتركت.

(٢ و ٣) في المصدر : ونزلت.

(٤) مناقب آل ابى طالب ٢ : ١٢٤.

٢٤٢

حب الله؟ وقيل : على حب الاطعام ، والعرق ـ بالفتح ـ العظم الذي اخذ عنه معظم اللحم ، والجمع : عراق ـ بالضم ـ وهذا الجمع نادر ، ولعل المعنى هنا العضو الذي يصير بعد الاكل عراقا مجازا ، يقال : عرقت اللحم واعترقته وتعرقته : إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك.

٣ ـ فس : قوله تعالى : « ويطعمون الطعام » حدثني أبي عن القداح عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان عند فاطمة عليها‌السلام شعير فجعلوه عصيدة ، فلما أنضجوها (١) ووضعوها بين أيديهم جاء مسكين فقال المسكين : رحمكم الله أطعمونا مما رزقكم الله ، فقام علي عليه‌السلام فأعطاه ثلثها ، ولم يلبث (٢) أن جاء يتيم فقال اليتيم رحمكم الله (٣) ، فقام علي عليه‌السلام فأعطاه ثلثها ، ثم جاء أسير (٤) فقال : الاسير رحمكم الله ، فأعطاه علي عليه‌السلام الثلث الباقي (٥) ، وما ذاقوها ، فأنزل الله فيهم هذه الآية إلى قوله : « وكان سعيكم مشكورا » وهي جارية في كل مؤمن فعل مثل ذلك (٦).

٤ ـ يج : روي أن الحسن والحسين مرضا فنذر علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام صيام ثلاثة أيام فلما عافاهما الله ـ وكان الزمان قحطا ـ أخذ علي من يهودي ثلاث جزات صوفا ، لتغزلها فاطمة عليها‌السلام وثلاثة أصواع شعيرا ، فصاموا ، وغزلت فاطمة جزة ثم طحنت صاعا من الشعير فخبزته ، فلما كان عند الافطار أتى مسكين فأعطوه طعامهم ولم يذوقوا إلا الماء ، ثم غزلت جزة اخرى من الغدثم طحنت صاعا فخبزته ، فلما كان عند المساء (٧) أتى يتيم فأعطوه ولم يذوقوا إلا الماء ، فلما كان من الغد غزلت الجزة الباقية

____________________

(١) العصيدة : دقيق يلت بالسمن ويطبخ. نضج الثمر أو اللحم : ادرك وطاب أكله. (٢) في المصدر : فأعطاه الثلث ، فما لبث.

(٣) في المصدر : بعد ذلك : اطعمونا مما رزقكم الله.

(٤) في المصدر : فأعطاه ثلثها الثانى فما لبث أن جاء اه.

(٥) في المصدر : فأعطاه الثلث الباقى.

(٦) تفسير القمى : ٧٠٧. وفيه : في اميرالمؤمنين عليه‌السلام وهى جارية في كل مؤمن فعل مثل ذلك لله عزوجل.

(٧) في المصدر : عند الافطار. وكذا فيما يأتى.

٢٤٣

ثم طحنت الصاع وخبزته ، وأتى أسير عند المساء فأعطوه (١) ، وكان مضى على رسول الله أربعة أيام والحجر على بطنه وقد علم بحالهم ، فخرج ودخل حديقة المقداد ولم يبق على نخلاتها ثمرة ، (٢) ومعه علي ، فقال : يا أبا الحسن خذ السلة وانطلق إلى النخلة ـ وأشار إلى واحدة ـ فقل لها : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : سألتك عن الله أطعمينا من ثمرك (٣) قال علي عليه‌السلام : ولقد تطأطأت بحمل (٤) ما نظر الناظرون إلى مثلها ، والتقطت من أطائبها وحملت (٥) إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأكل وأكلت ، فأطعم المقداد وجميع عياله ، وحمل إلى الحسن والحسين وفاطمة عليهم‌السلام ما كفاهم ، فلما بلغ المنزل إذا فاطمة عليها‌السلام يأخذها الصداع ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أبشري واصبري فلن تنالي ما عند الله إلا بالصبر ، فنزل جبرئيل بهل أتى (٦).

٥ ـ كشف : روى الواحدي في تفسيره أن عليا عليه‌السلام آجر نفسه ليلة إلى الصبح يسقي نخلا بشئ من شعير ، فلما قبضه طحن ثلثه واتخذوا منه طعاما ، فلماتم (٧) أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام ، وعملوا الثلث الثاني فأتاهم يتيم فأخرجوه إليه ، وعملوا الثلث الثالث فأتاهم أسير فأخرجوا الطعام إليه وطوى (٨) علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام وعلم الله حسن مقصدهم وصدق نياتهم وأنهم إنما أرادوا بما فعلوه وجهه ، وطلبوا بما أتوا (٩) ما عنده والتمسوا الجزاء منه عزوجل ، فأنزل الله فيهم قرآنا ، وأولاهم

____________________

(١) في المصدر : فأعطوه ولم يذوقوا الا الماء.

(٢) في المصدر : تمرة.

(٣) في المصدر : سألتك بالله لما اطعمينا من تمرك.

(٤) تطأطأ : انخفض. والحمل ـ بكسر الحاء ـ ما يحمل.

(٥) في المصدر : فحملت.

(٦) الخرائج والجرائح : ٨٢.

(٧) أى حضر.

(٨) طول الرجل : تعمد الجوع وقصده.

(٩) في المصدر : بما أتوه.

٢٤٤

من لدنه إحسانا ، ونشر لهم بين العالمين ديوانا (١) ، وعوضهم عما بذلوا جنانا وحورا و ولدانا ، فقال : « ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا » إلى آخرها ، وهذه منقبة لها عندالله محل كريم ، وجودهم بالطعام مع شدة الحاجة إليه أمر عظيم ، ولهذا تتابع فيها وعده سبحانه بفنون الالطاف وضروب الانعام والاسعاف (٢) ، وقيل : إن الضمير في « حبه » يعود إلى الله تعالى وهو الظاهر ، وقيل : إلى الطعام (٣).

٦ ـ كشف : من مناقب الخوارزمي عن ابن عباس وقد ذكره الثعلبي وغيره من مفسري القرآن المجيد في قوله تعالى : « يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا » قال : مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه أبوبكر وعمر ، وعادهما عامة العرب ، فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذرا ـ وكل نذر لا يكون له وفاء فليس بشئ ـ فقال علي عليه‌السلام إن برئ ولداي مما بهما صمت (٤) ثلاثة أيام شكرا ، وقالت فاطمة عليها‌السلام : إن برئ ولداي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام شكرا ، وقالت جارية يقال لها فضة : إن برئ سيداي مما بهما صمت (٥) ثلاثة أيام شكرا ، فالبس الغلامان العافية ، وليس عند آل محمد قليل ولا كثير ، فانطلق أميرالمؤمنين إلى شمعون الخيبري ـ و كان يهوديا ـ فاستقرض منه ثلاثة أصواع من شعير.

وفي حديث المزني عن ابن مهران الباهلي : فانطلق إلى جارله من اليهود يعالج الصوف يقال له : شمعون بن حانا ، فقال (٦) : هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك بنت محمد بثلاثة أصوع من شعير؟ قال : نعم ، فأعطاه فجاء بالصوف والشعير ، فأخبر فاطمة بذلك فقبلت وأطاعت ، قالوا : فقامت فاطمة عليها‌السلام إلى صاع فطحنته واختبزت منه خمسة أقراص لكل واحد منهم قرص ، وصلى علي المغرب مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم أتى المنزل ،

____________________

(١) اى كتابا.

(٢) السعف : السلعة.

(٣) كشف الغمة : ٤٩.

(٤ و ٥) في المصدر : صمت لله اه.

(٦) في المصدر : فقال له.

٢٤٥

فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب وقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة ، فسمعه علي عليه‌السلام فقال :

فاطم ذات المجد واليقين

يا بنت خير الناس أجمعين

أما ترين البائس المسكين

قد قام بالباب له حنين

يشكو إلى الله ويستكين

يشكو إلينا جائعا حزين

كل امرئ بكسبه رهين

وفاعل الخيرات يستبين

موعده جنة عليين

حرمها الله على الضنين

وللبخيل موقف مهين

تهوي به النار إلى سجين

شرابه الحميم والغسلين

فقالت فاطمة عليها‌السلام :

أمرك سمع يا ابن عم وطاعة

ما بي من لؤم ولا ضراعة

وأعطوه الطعام ومكثوا ليلتهم (١) لم يذوقوا إلا الماء (٢) ، فلما كان اليوم الثاني طحنت فاطمة عليها‌السلام صاعا واختبزته وأتى علي عليه‌السلام من الصلاة ، ووضع الطعام بين يديه فأتاهم يتيم فقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد يتيم من أولاد المهاجرين ، استشهد والدي يوم العقبة ، أطعموني أطعمكم الله على موائد الجنة ، فسمعه علي وفاطمة عليهما‌السلام فأعطوه الطعام ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا إلا الماء القراح ، فلما كان في اليوم الثالث قامت فاطمة عليها‌السلام إلى الصاح الباقي فطحنته واختبزته ، وصلى علي مع النبي ـ صلى الله عليهما ـ المغرب ثم أتى المنزل ، فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم أسير فوقف بالباب فقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد تأسروننا ولا تطعموننا؟ أطعموني فإني أسير محمد ، أطعمكم الله على موائد الجنة ، فسمعه علي عليه‌السلام فآتوه وآثروه (٣) ، ومكثوا ثلاثة أيام (٤)

____________________

(١) في المصدر : ومكثوا يومهم وليلتهم.

(٢) في المصدر : الا الماء القراح.

(٣) في المصدر : فآثرء وآثروه.

(٤) في المصدر : ثلاثة ايام ولياليها.

٢٤٦

لم يذوقوا سوى الماء.

فلما كان في اليوم الرابع وقد قضوا نذرهم أخذ علي الحسن بيده اليمنى والحسين باليسرى وأقبل نحو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع ، فلما بصر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا أبا الحسن ما أشد ما يسوؤني! ما أرى بكم؟ انطلق إلى ابنتي (١) فانطلقوا إليها وهي في محرابها تصلي ، قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها ، فلما رآها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : واغوثاه بالله! يا أهل بيت محمد تموتون جوعا؟! فهبط جبرئيل وقال : خذ يا محمد هنأك الله في أهل بيتك ، قال. وما آخذ يا جبرئيل؟ فأقرأه « هل أتى على الانسان » إلى قوله : « إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا » إلى آخر. السورة.

قال الخطيب الخوارزمي حاكيا عنه وعن البراوي : وزادني ابن مهران الباهلي في هذا الحديث : فوثب النبي (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى دخل على فاطمة عليها‌السلام ، فلما رأى ما بهم انكب عليهم يبكي ، وقال : أنتم منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم؟! فهبط جبرئيل بهذه الآيات : « إن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا » قال : هي عين في دار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يفجر (٣) إلى دور الانبياء والمومنين.

وروى الخطيب في هذا رواية اخرى وقال في آخرها : فنزل فيهم : « ويطعمون الطعام على حبه » أي على شدة شهوة « مسكينا » قرص ملة ، والملة (٤) : الرماد « ويتيما » خزيرة « وأسيرا » حيسا « إنما نطعمكم » يخبر عن ضمائرهم « لوجه الله » يقول : إرادة ما عندالله من الثواب ، « لا نريد منكم » ، يعني في الدنيا « جزاء » ثوابا ، « ولا شكورا (٥).

____________________

(١) في المصدر : إلى ابنتى فاطمة.

(٢) وثب : نهض وقام.

(٣) في المصدر : تفجر.

(٤) بفتح الميم.

(٥) كشف الغمة : ٨٨ و ٨٩.

٢٤٧

بيان : قال علي بن عيسي : هذه السورة نزلت في هذه القضية بإجماع الامة ، لا أعرف أحدا خالف فيها.

أقول : قوله : « قرص ملة » أي قرص خبز في الملة ، وهي الرماد الحار. والخزيرة شبه عصيدة بلحم (١). والحيس : تمريخلط بسمن وإقط فيعجن شديدا ثم يندر (٢) منه نواه ، وربما جعل فيه سويق.

يف : الثعلبي بإسناده إلى ابن عباس مثله إلى قوله : إلى آخر السورة. وترك فيها الابيات ، ثم قال : وزاد محمد بن علي الغزالي على ما ذكره الثعلبي في كتابه المعروف بالبلغة : أنهم نزلت علهيم مائدة من السماء ، فأكلوا منها سبعة أيام ، قال : وحديث المائدة ونزولها عليهم (٣) مذكور في سائر الكتب. ثم قال السيد : روى أخطب خوارزم حديث المائدة في كتابه ، وروى الواحدي حديث نزول السورة كمامر في تفسيره (٤). أقول : وروى الزمخشري أيضا في الكشاف (٥) نحوا من ذلك مع اختصار ، و كذا البيضاوي (٦).

وروى ابن بطريق في العمدة بإسناده عن الثعلبي ، عن الحسن بن أحمد الشيباني العدل ، عن أبي حامد أحمد بن محمد ، عن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب ، عن أحمد بن حماد المروزي ، عن محبوب بن حميد القصري ، عن القاسم بن مهران ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : وأخبرنا عبدالله بن حامد ، عن أحمد بن عبدالله المزني ، عن محمد بن

____________________

(١) قال الزمخشرى في الفائق ( ج ١ : ٣٤٧ ) : الخزيرة : حساء من دقيق ودسم ، وقيل : الحريرة من الدقيق والخزيرة من النخالة. وقال الجزرى في النهاية ( ١ : ٢٩٢ ) الخزيرة لحم يقطع صغارا ويصب عليه ماء كثير ، فإذا نضج ذر عليه الدقيق ، فإن لم يكن فيها لحم فهى عصيدة. (٢) اى يؤخذ.

(٣) في المصدر : ونزولها عليهم في جواب ذلك اه. اى في جواب الدعاء من الله تعالى ، أو عوضا عن صنيعهم.

(٤) الطرائف : ٢٧.

(٥) ج ٣ : ٢٣٩ و ٢٤٠.

(٦) ج ٢ : ٢٤٧.

٢٤٨

أحمد الباهلي ، عن عبدالرحمن بن فهد بن هلال ، عن القاسم بن يحيى ، عن محمد بن الصائب ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال أبوالحسن بن مهران : وحدثني محمد بن زكريا البصري عن شعيب بن واقد المزني ، عن القاسم بن مهران ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس مثل مامر إلى قوله : ثم هبط جبرئيل بهذه الآيات.

ثم قال : وزاد محمد بن علي صاحب الغزالي على ما ذكره الثعلبي في كتابه المعروف بالبلغة : أنهم نزل عليهم مائدة من السماء فأكلوا منها سبعة أيام ، ونزولها عليهم مذكور في سائر الكتب (١). ثم ساق الحديث في تفسير الآيات إلى آخر مامر في رواية الصدوق رحمه‌الله (٢).

٧ ـ فر : أبوالقاسم العلوي ، عن فرات بن إبراهيم ، معنعنا عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام قال : مرض الحسن والحسين عليهما‌السلام مرضا شديدا ، فعادهما سيد ولد آدم محمد (ص) وعادهما أبوبكر وعمر ، فقال عمر لاميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام : يا أبا الحسن إن نذرت لله نذرا واجبا فإن كل نذر لا يكون لله فليس فيه وفاء فقال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : إن عافي الله ولدي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام متواليات ، و قالت الزهراء عليها‌السلام مثل ما قال زوجها ، وكانت لهما جارية بربرية تدعى فضة ، قالت : إن عافى الله سيدي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام ـ وساق الحديث نحوا ممامر إلى أن قال ـ : وإن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام أخذ بيد الغلامين ، وهما كالفرخين لاريش لهما يرتعشان (٣) من الجوع ، فانطلق بهما إلى منزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما نظر إليهما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اغرورقت (٤) عيناه بالدموع وأخذ بيد الغلامين فانطلق بهما إلى فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، فلما نظر إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد تغير لونها وإذا بطنها لاصق بظهرها

____________________

(١) في المصدر : ونزولها عليهم في جواب ذلك.

(٢) العمدة : ١٨٠ ـ ١٨٢.

(٣) في المصدر : يترججان. اى يتحركان ويضطربان. والريش : كسوة الطائر وزينته ، فهو للطائر كالشعر لغيره.

(٤) اغرورقت العين : دمعت كأنها غرقت في الدمع.

٢٤٩

انكب عليها يقبل بين عينيها ، ونادته باكية : واغوثاه بالله ثم بك يا رسول الله من الجوع ، قال : فرفع رأسه (١) إلى السماء وهو يقول : اللهم أشبع آل محمد ، فهبط جبرئيل فقال : يا محمد اقرء ، قال : وما أقرء ، قال : اقرء « إن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا » إلى آخر ثلاث آيات.

ثم إن أميرالمؤمنين عليه‌السلام مضى من فوره ذلك (٢) حتى أتى أبا جبلة الانصاري رضي الله عنه فقال له : يا أبا جبلة هل من قرض دينار (٣)؟ قال : نعم يا أبا الحسن ، أشهد الله وملائكته أن شطر مالي لك حلال من الله ومن رسوله ، قال : لاحاجة لي في شئ من ذلك إن يك قرضا قبلته ، قال. فدفع إليه دينارا ، ومر أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب يتخرق أزقة (٤) المدينة ليبتاع بالدينار طعاما ، فإذا هو بمقداد بن الاسود الكندي قاعد على الطريق ، فدنا منه وسلم عليه (٥) وقال : يا مقداد مالي أراك في هذا الموضع كئيبا حزينا؟ فقال : أقول كما قال العبد الصالح موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام : « رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير » قال : ومنذكم يا مقداد؟ قال : منذ أربع (٦) ، فرجع أميرالمؤمنين عليه‌السلام مليا ثم قال : الله أكبر الله أكبر آل محمد منذ ثلاث وأنت يا مقداد أربع؟! أنت أحق بالدينار مني ، قال : فدفع إليه الدينار ومضى حتى دخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رآه قد سجد (٧) ، فلما انفتل (٨) رسول الله ضرب بيده إلى كتفه ثم قال : يا علي انهض بنا إلى منزلك لعلنا نصيب طعاما فقد بلغنا أخذك الدينار من أبي جبلة ، قال : فمضى و

____________________

(١) في المصدر : فرفع يده.

(٢) في القاموس ( ٢ : ١١٢ ) : أتوا من فورهم : من وجههم ، أو قبل أن يسكنوا. (٣) في المصدر : هل عندك من قرض دينار؟ :

(٤) جمع الزقاق ـ بضم أوله ـ : السكة. الطريق الضيق.

(٥) في المصدر : فدنا منه يسلم عليه.

(٦) في المصدر : قال هذا اربع.

(٧) في المصدر : رآه في مسجده.

(٨) اى انصرف.

٢٥٠

أمير المؤمنين مستحي (١) من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورسول الله عليه‌السلام رابط (٢) على بطنه حجرا من الجوع ، حتى قرعا على فاطمة الباب ، فلما نظرت فاطمة عليها‌السلام إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أثر الجوع في وجهه ولت هاربة ، قالت : واسو أتاه من الله ومن رسوله ، كأن أبا الحسن ماعلم ألم يكن (٣) عندنا شئ مذ ثلاث ، ثم دخل مخد عالها ، فصلت ركعتين ثم نادت : يا إله محمد هذا محمد نبيك وفاطمة بنت نبيك وعلي ختن نبيك (٤) وابن عمه وهذا الحسن والحسين سبطا نبيك ، اللهم فإن بني إسرائيل سألوك أن تنزل عليهم مائدة من السماء فأنزلتها عليهم وكفروا بها ، اللهم فإن آل محمد لا يكفرون بها ، ثم التفتت مسلمة فإذا هي بصحفة مملوءة من ثريد وعراق ، فاحتملتها ووضعتها بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأهوى بيده إلى الصحفة (٥) فسبحت الصحفة والثريد والعراق ، فتلا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « وإن من شئ إلا يسبح بحمده » ثم قال : يا علي كل من جوانب القصعة ولا تهدموا ذروتها (٦) فإن فيها البركة ، فأكل النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ويأكل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وينظر إلى علي عليه‌السلام متبسما ، وعلي يأكل وينظر إلى فاطمة متعجبا ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : كل يا علي ولا تسأل فاطمة الزهراء عن شئ ، الحمدلله الذي جعل مثلك و مثلها مثل مريم بنت عمران وزكريا « كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عندالله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب » يا علي هذا بالدينار الذي أقرضته ، لقد أعطاك الليلة خمسا عشرين جزء من المعروف ، فأما جزء واحد فجعل لك في دنياك أن أطعمك من جنته ، وأما أربعة وعشرون جزء فذخرها لك لآخرتك (٧).

____________________

(١) في المصدر : يستحى.

(٢) ربطه : شده.

(٣) في المصدو و ( د ) : أن ليس :

(٤) الختن زوج الابنة.

(٥) في المصدر : إلى الصحفة والثريد والعراق.

(٦) الذروة : اعلى الشئ.

(٧) تفسير فرات : ١٩٦ ـ ١٩٩. وفيه : ادخرها.

٢٥١

٨ ـ فر : محمد بن إبراهيم معنعنا عن زيد بن ربيع قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يشد على بطنه الحجر من الغرث ـ يعني الجوع ـ فظل يوما صائما ليس عنده شئ ، فأتى بيت فاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام فلما أتى رسول الله تسلقا إلى منكبه (١) وهما يقولان « يا باباه قل لما ماه تطعمنا ناناه » فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة : أطعمي ابني ، قالت : ما في بيتي شئ إلا بركة رسول الله (٢) ، قال : فشغلهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بريقه حتى شبعا وناما فاقترضنا (٣) لرسول الله ثلاثة أقراص من شعير فلما أفطر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وضعناه بين يديه (٤). فجاء سائل وقال : يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة أطعموني مما رزقكم الله أطعمكم الله من موائد الجنة فإني مسكين ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا فاطمة بنت محمد قد جاءك المسكين فله حنين (٥) ، قم يا علي وأعطه (٦) ، قال : فأخذت قرصا فقمت فأعطيته (٧) ، ورجعت قد حبس رسول الله يده ، ثم جاء ثان فقال : يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة إني يتيم فأطعموني مما رزقكم الله أطعمكم الله من موائد الجنة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا فاطمة بنت محمد قد جاءك اليتيم وله حنين ، قم يا علي وأعطه ، قال : فأخذت قرصا وأعطيته ثم رجعت وقد حبس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يده (٨) ، قال : فجاء ثالث وقال : يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة

____________________

(١) تسلق : نام على ظهره. تسلق الجدار : صعد عليه. والمرادهنا المعنى الثانى أى صعدا على منكبه. والمنكب ـ بفتح الميم وكسر الكاف ـ : مجتمع رأس الكتف والعضد. وفى المصدر فأتى بيت فاطمة ، والحسن والحسين يبكيان ، فلما نظرا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألفعاعلى منكبيه اه. ولفع الغلام : ضمه اليه.

(٢) هذا الكلام تعظيم وتفخيم منها عليها‌السلام لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٣) كذا في النسخ والمصدر. ولعله مصحف ( فاقترضا ) اى اقترض على والزهراء سلام الله عليهما.

(٤) في المصدر : وضعتها بين يديه.

(٥) في المصدر : وله حنين.

(٦) في المصدر : فأعطه.

(٧) في المصدر : وأعطيته.

(٨) أى أمسك عن الطعام حتى يجئ على عليه‌السلام.

٢٥٢

إني أسير فأطعموني مما رزقكم الله أطعمكم الله من موائد الجنة ، قال : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا فاطمة بنت محمد قد جاءك الاسير وله حنين ، قم يا علي فأعطه ، قال : فأخذت قرصا وأعطيته ، وبات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله طاويا وبتنا وطاوين مجهودين ، فنزلت هذه الآية : « ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا » (١).

٩ ـ فر : عن الحسين بن سعيد ، بإسناده عن عبيدالله بن أبي رافع (٢) ، عن أبيه ، عن جده قال : صنع حذيفة طعاما ودعا عليا ، فجاء وهو صائم ، فتحدث عنده ثم انصرف فبعث إليه حذيفة بنصف الثريدة (٣) ، فقسمها على أثلاث (٤) : ثلث له وثلث لفاطمة و ثلث لخادمهم (٥) ، ثم خرج علي بن أبي طالب أميرالمؤمنين ، فلقيته امرأة معها يتامى ، فشكت الحاجة وذكرت حال أيتامها ، فدخل وأعطاها ثلثه لايتامها ، ثم فجأه (٦) سائل و شكا إليه الحاجة والجوع ، فدخل على فاطمة وقال : هل لك في الطعام ـ وهو خير لك من هذا الطعام : طعام الجنة ـ على أن تعطيني حصتك من هذا الطعام؟ قالت : خذه فأخذه ودفعه إلى ذلك المسكين ، ثم مر به أسير يشكو (٧) إليه الحاجة وشدة حاله ، فدخل وقال لخادمته مثل الذي قال لفاطمة وسألها حصتها من ذلك الطعام ، قالت : خذه ، فآخذه فدفعه إلى ذلك الاسير ، فأنزل الله فيهم هذه الآية « ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا » إلى قوله : « وكان سعيكم مشكورا (٨) ».

١٠ ـ فر : عن جعفر بن محمد معنعنا ، عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه : قوله تعالى :

____________________

(١) تفسير فرات : ١٩٩ و ٢٠٠.

(٢) في المصدر : عبدالله بن أبي رافع.

(٣) في المصدر : بقصف الثريد. ولا يناسب المقام.

(٤) في المصدر : على ثلاث ثلاث.

(٥) في المصدر : لخادم لهم.

(٦) في المصدر : ثم جاءه.

(٧) في المصدر : فشكا.

(٨) في المصدر : وشدة الجوع.

(٩) تفسير فرات : ٢٠٠.

٢٥٣

« ويطعمون الطعام » قال : نزلت في علي وفاطمة وجارية لها (١) وذلك أنهم زاروا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأعطى كل إنسان منهم صاعا من الطعام ، فلما انصرفوا إلى منازلهم جاء سائل يسأل ، فأعطى علي صاعه ، ثم دخل عليه يتيم من الجيران فأعطته فاطمة الزهرا عليها‌السلام صاعها ، فقال لها علي عليه‌السلام : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول : قال الله : وعزتي وجلالي لا يسكن بكاءه (٢) اليوم عبد إلا أسكنته من الجنة حيث يشاء ، ثم جاء أسير من أسراء أهل الشرك (٣) في أيدي المسلمين يستطعم ، فأمر علي السوداء خادمهم (٤) فأعطته صاعها ، فنزلت فيهم الآية : « ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا (٥).

١١ ـ فر : عن جعفر بن محمد معنعنا عن جعفر بن محمد عليه‌السلام : قوله تعالى : « يدخل من يشاء في رحمته » قال أبوجعفر عليه‌السلام : ولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٦).

١٢ ـ فر : عن محمد بن أحمد ، بإسناده عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه في قوله تعالى : « ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا » نزلت في أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب وفاطمة عليهما‌السلام ، أصبحا وعندهم ثلاثة أرغفة ، فأطعموا مسكينا ويتيما وأسيرا ، فباتوا جياعا فنزلت فيهم عليهم‌السلام (٧).

١٣ ـ قب : في تفسير أهل البيت عليهم‌السلام : أن قوله : « هل أتى على الانسان حين من الدهر » يعني به عليا عليه‌السلام وتقدير الكلام : ما أتى على الانسان زمان من الدهر إلا و كان فيه شيئا مذكورا ، وكيف لم يكن مذكورا وإن اسمه مكتوب على ساق العرش

____________________

(١) في المصدر : في على بن أبى طالب عليه‌السلام وزوجته فاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وجارية لهما.

(٢) اى بكاء اليتيم وفى المصدر : لا يسكت بكاء اليتيم اه.

(٣) في المصدر : من اسراء المشركين وهو اه.

(٤) في المصدر : خادمتهم.

(٥ و ٦) تفسير فرات : ٢٠١.

(٧) تفسير فرات : ٢٠٢.

٢٥٤

وعلى باب الجنة ، والدليل على هذا القول قوله : « إنا خلقنا الانسان من نطفة » ومعلوم أن آدم عليه‌السلام لم يخلق من النطفة (١).

١٤ ـ قل : في ليلة خمس وعشرين من ذي الحجة تصدق أميرالمؤمنين وفاطمة عليهما‌السلام وفي اليوم الخامس والعشرين منه نزلت فيهما وفي الحسن والحسين عليهم‌السلام سورة هل أتى ثم ساق الحديث نحوا ممامر في خبر علي بن عيسى ، ثم روى نزول المائدة عن الثعلبي والخوارزمي ، ثم قال : وذكر حديث نزول المائدة الزمخشري في الكشاف ، ولكنه لم يذكر نزولها في الوقت الذي ذكرناه ، قال : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه جاع في قحط (٢) فأهدت له فاطمة عليها‌السلام رغيفين وبضعة لحم آثرته بها ، فرجع بها إليها فقال : هلمي يا بنية ، وكشفت عن الطبق فإذا هو مملوء خبزا ولحما ، فبهتت وعلمت أنها نزلت من عندالله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله لها : أنى لك هذا؟ قالت : هو من عندالله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله الحمدلله الذي جعلك شبيه سيدة نساء بني إسرائيل ، ثم جمع رسول الله (ص) علي بن أبي طالب والحسن والحسين وجميع أهل بيته عليهم‌السلام حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو ، وأوسعت فاطمة عليها‌السلام على جيرانها (٣).

١٥ ـ كشف : أبوبكر بن مردويه قوله تعالى : « ويطعمون الطعام على حبه » نزل في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام (٤).

بيان : أقول : بعد ما عرفت من إجماع المفسرين والمحدثين على نزول هذه السورة في أصحاب الكساء عليهم‌السلام علمت أنه لا يريب أريب (٥) ولا لبيب في أن مثل هذا الايثار لايتأتى إلا من الائمة الاخيار ، وأن نزول هذه السورة مع المائدة عليهم يدل على جلالتهم ورفعتهم ومكرمتهم لدى العزيز الجبار ، وأن اختصاصهم بتلك المكرمة مع سائر

____________________

(١) مناقب آل أبى طالب ١ : ٥٨٠.

(٢) في المصدر : فقال ما هذا لفظه : وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه جاء في زمن قحط اه.

(٣) اقبال الاعمال : ٥٢٨ و ٥٢٩.

(٤) كشف الغمة : ٩٣.

(٥) أرب أربا : صار ماهرا فهو أريب.

٢٥٥

المكارم اختصوابها يوجب قبح تقديم غيرهم عليهم ممن ليس لهم مكرمة واحدة يبدونها عند الفخار ، وأما تشكيك بعض النواصب بأن هذه السورة مكية فكيف نزلت عند وقوع القضية التي وقعت في المدينة فمدفوع بما ذكره الشيخ أمين الدين الطبرسي قدس الله روحه بعد أن روى القصة بطولها ونزول الآية فيها عن ابن عباس ومجاهد وأبي صالح حيث يقول :

قال أبوحمزة الثمالي في تفسيره : حدثني الحسن بن [ الحسن ] أبوعبدالله بن الحسن أنها مدنية نزلت في علي وفاطمة عليهما‌السلام السورة كلها ، ثم قال : حدثنا أبوالحمدمهدي ابن نزار الحسيني القايني عن عبيدالله بن عبدالله الحسكاني ، عن أبي نصر المفسر ، عن عمه أبي حامد عن يعقوب بن محمد المقري ، عن محمد بن يزيد السلمي ، عن زيد بن أبي موسى ، عن عمر وبن هارون ، عن عثمان بن عطاء ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : أول ما انزل بمكة « اقرء باسم ربك » ثم ذكر السور المكية بتمامها خمسة وثمانين سورة ، قال : ثم انزلت بالمدينة البقرة ، ثم الانفال ، ثم آل عمران ، ثم الاحزاب ، ثم الممتحنة ، ثم النساء ، ثم إذا زلزلت ، ثم الحديد ، ثم سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم الرعد ، ثم سورة الرحمن ، ثم هل أتى ، ثم الطلاق ، ثم لم يكن ، ثم الحشر ، ثم إذا جاء نصرالله ، ثم النور ، ثم الحج ، ثم المنافقون ، ثم المجادلة ، ثم الحجرات ، ثم التحريم ، ثم الجمعة ، ثم التغابن ، ثم سورة الصف ، ثم الفتح ، ثم المائدة ، ثم سورة التوبة ، فهذه ثمانية وعشرون سورة. وقد رواه الاستاذ أحمد الزاهد بإسناده عن عثمان بن عطاء ، عن أبيه ، عن ابن عباس في كتاب الايضاح وزاد فيه : وكانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة ثم يزيد الله فيها ما يشاء بالمدينة. وبإسناده عن عكرمة والحسن بن أبي الحسن البصري أنهما عداهل أتى فيما نزلت بالمدينة بعد أربع عشرة سورة. وبإسناده عن سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنه قال : سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ثواب القرآن ، فأخبرني بثواب سورة سورة على نحو ما نزلت من السماء ، وساق الحديث إلى أن عد سورة هل أتى في السور المدنية بعد إحدى عشرة سورة. انتهى (١).

____________________

(١) مجمع البيان ١٠ : ٤٠٥ و ٤٠٦.

٢٥٦

وأما ما ذكره معاند آخر خذله الله بأنه هل يجوز أن يبالغ الانسان في الصدقة إلى هذا الحد ويجوع نفسه وأهله حتى يشرف على الهلاك؟! فقد بالغ في النصب والعناد ، وفضح نفسه وسيفضحه الله على رؤوس الاشهاد ، ألم يقرء قوله تعالى : « ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة (١) » أولم تكف هذه الاخبار المتواترة في نزول هذه السورة الكريمة دليلا على كون ما صدر عنهم فضيلة لا يساويها فضل؟ وأما ما يعارضها من ظواهر الآيات فسيأتي عن الصادق عليه‌السلام وجه الجمع بينها ، حيث قال ما معناه : كان صدور مثل ذلك الايثار ونزول تلك الآيات في صدر الاسلام ثم نسخت بآيات اخر ، وسيأتي بسط القول في ذلك في كتاب مكارم الاخلاق.

٧

( باب )

* ( آية المباهلة ) *

قال الشيخ المفيد رحمه‌الله في كتاب الفصول : قال المأمون يوما للرضا عليه‌السلام : أخبرني بأكبر فضيلة لاميرالمؤمنين عليه‌السلام يدل عليها القرآن ، قال : فقال الرضا عليه‌السلام : فضيلة (٢) في المباهلة ، قال الله جل جلاله : « فمن حاجك فيه من بعد ما جائك من العلم فقل تعاوا ندع أبنائنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) فدعا رسول الله(ص) الحسن والحسين عليهما‌السلام فكانا ابنيه ، ودعا فاطمة عليها‌السلام فكانت في هذا الموضع نساءه ودعا أميرالمؤمنين عليه‌السلام فكان نفسه بحكم الله عزوجل ، وقد ثبت أنه ليس أحد من خلق الله تعالى أجل من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله و أفضل ، فواجب (٣) أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله بحكم الله عزوجل ، قال

____________________

(١) الحشر : ٩.

* آل عمران : ٦١. ولا نكرر موضع الاية بتكررها في هذا الباب. والمباهلة : الملاعنة.

(٢) في المصدر : فضيلته. وفى ( د ) : فضيلة في القرآن في المباهلة.

(٣) في المصدر : فوجب.

٢٥٧

فقال له المأمون : أليس قد ذكر الله الابناء بلفظ الجمع وإنما دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ابنيه خاصة؟ وذكر النساء بلفظ الجمع وإنما دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ابنته وحدها؟ فألا جاز (١) أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره ، فلا يكون لامير المؤمنين عليه‌السلام ما ذكرت من الفضل ، قال : فقال له الرضا عليه‌السلام : ليس يصح (٢) ما ذكرت ـ يا أميرالمؤمنين ـ وذلك أن الداعي إنما يكون داعيا لغيره كما أن الآمر آمر لغيره (٣) ولا يصح أن يكون داعيا لنفسه في الحقيقة كما لايكون آمرا لها في الحقيقة ، وإذا لم يدع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المباهلة رجلا إلا أميرالمؤمنين عليه‌السلام فقد ثبت أنه نفسه التي عناها الله سبحانه في كتابه ، وجعل حكمه ذلك في تنزيله ، قال : فقال المأمون : إذا ورد الجواب سقط السؤال (٤).

وقال الزمخشري في كتاب الكشاف : روي أنه لما دعاهم إلى المباهلة قالوا : حتى نرجع وننظر فنأتيك غدا ، فلما تخالوا (٥) قالوا للعاقب ـ وكان ذارأيهم ـ : يا عبدالمسيح ماترى؟ فقال : والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدا نبي مرسل ، ولقد جاء كم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، ولئن فعلتم لتهلكن ، فإن أبيتم إلا إلف (٦) دينكم والاقامة على ما أنتم عليه فواد عوا الرجل و انصرفوا إلى بلادكم ، فأتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد غدا محتضنا (٧) الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها ، وهو يقول : إذا أنا دعوت فأمنوا ، فقال اسقف (٨)

____________________

(١) في المصدر : فلم لاجاز. اه

(٢) في المصدر : ليس بصحيح.

(٣) في المصدر : كما يكون الامر آمرا لغيره.

(٤) الفصول المختارة ١ : ١٦ و ١٧.

(٥) في ( ك ) و ( د ) : فلما تخالفوا.

(٦) الالف ـ بكسر الهمزة ـ : الصداقة والموانسة.

(٧) احتضن الصبى : جعله في حضنه وضمه إلى صدره.

(٨) الاسقف ـ بضم الهمزة وتشديد الفاء وتخفيفه ـ : فوق القسيس ودون المطران.

٢٥٨

نجران : يا معشر النصارى إني لارى وجوها لوشاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لازاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا فلم يبق (١) على وجه الارض نصراني إلى يوم القيامة. فقالوا : يا أبا القاسم رأينا أن لانباهلك وأن نقرك على دينك ونثبت على ديننا ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم ، فأبوا ، قال : فإني أنا جزكم (٢) ، فقالوا : مالنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة : ألفا في صفر وألفا (٣) في رجب ، وثلاثين درعا عادية من حديد ، فصالحهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ذلك وقال : والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولا ضطرم (٤) عليهما الوادي نارا ، ولا ستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر ، ولم حال الحول (٥) على النصارى كلهم حتى يهلكوا. وعن عائشة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج وعليه مرط مرحل (٦) من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله ، ثم جاء الحسين فأدخله ، ثم جاء (٧) فاطمة ثم علي ، ثم قال : « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ».

فإن قلت : ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه ومن خصمه ، وذلك أمر يختص به وبمن يكاذبه ، فما معنى ضم الابناء والنساء؟ قلت : كان (٨) ذلك آكد للدلالة على ثقته بحاله ، واستيقانه بصدقه ، حيث استجرأ على تعريض أعزته ، وأفلاذ كبده (٩) ،

____________________

(١) في المصدر : ولا يبقى وهو الصحيح.

(٢) ناجزه : بارزه وقاتله.

(٣) في المصدر ( الف ) في الموضعين.

(٤) اضطرمت النار : اشتعلت

(٥) الحول : السنة.

(٦) قد سبق معناه عندالكلام في آية التطهير.

(٧) كذا في نسخ الكتاب. وليست كلمة ( جاء ) في المصدر.

(٨) ليست في المصدر كلمة ( كان ).

(٩) في النهاية ( ٢ : ٢١٣ ) : الافلاذ جمع فلذ والفلذ جمع فلذة ، وهى القطعة المقطوعة طولا.

٢٥٩

وأحب الناس إليه لذلك ، ولم يقتصر على تعريض نفسه له ، وعلى ثقته أيضا بكذب خصمه حتى يهلك (١) مع أحبته وأعزته هلاك الاستئصال إن تمعت المباهلة ، وخص الابناء والنساء لانهم أعز الاهل وألصقهم بالقلوب ، وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل ، ومن ثم كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعاين (٢) في الحروب لتمنعهم من الهرب ويسمون الذادة عنها حماة الحقائق (٣) ، وقد مهم في الذكر على الانفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم ، وليؤذن (٤) بأنهم مقدمون على الانفس مفدون بها ، وفيه دليل لاشئ أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم‌السلام ، وفيه برهان واضح على صحة نبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لانه لم يرو أحد من موافق ولا مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك ، انتهى كلام الزمخشري (٥).

وقال السيد بن طاوس في الطرائف : ذكر النقاش في تفسيره شفاء الصدور ما هذا لفظه : قوله عزوجل : « قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم » قال أبوبكر : جاءت الاخبار بأن رسول الله (ص) أخذ بيد الحسن وحمل الحسين عليهما‌السلام على صدره ـ ويقال : بيده الاخرى وعلي (ع) معه وفاطمة عليها‌السلام من ورائهم ، فحصلت هذه الفضيلة للحسن والحسين عليهما‌السلام من بين جميع أبناء أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبناء امته ، وحصلت هذه الفضيلة لفاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من بين بنات النبي وبنات أهل بيته وبنات امته ، وحصلت هذه الفضيلة لاميرالمؤمنين علي عليه‌السلام من بين أقارب رسول الله ومن أهل بيته وامته بأن جعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كنفسه ، يقول : « وأنفسنا وأنفسكم ».

جرير عن الاعمش قال : كانت المباهلة ليلة إحدى وعشرين من ذي الحجة ، وكان

____________________

(١) في المصدر : حتى يهلك خصمه اه.

(٢) جمع الظعينة : الزوجة او المرأة مادامت في الهودج أو عموما.

(٣) الذادة جمع ذائد : المدافع. والحماة جمع الحامى وفى المصدر : ويسمون الذادة عنها بأرواحهم حماة الحقائق. وكأن المراد ان المراة تذود وتحمى بروحها حيث تحرض الرجل على الحرب وتقوى عزمه على القتال.

(٤) آذنه : أعلمه.

(٥) الكشاف ١ : ٣٠٧ و ٣٠٨.

٢٦٠