دروس في الأخلاق

الشيخ علي المشكيني

دروس في الأخلاق

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : الأخلاق
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مطبعة الهادي
الطبعة: ٥
ISBN: 964-400-023-4
الصفحات: ٢٧٩
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

الدّرس الأربعون

في حبّ الرّئاسة

الرئاسة من مصاديق الدنيا ، وحبّها من حبّ الدنيا ، وقد عرفت تفصيل الأمرين ، إلّا أنّ لها أهمّيّةً وخطراً وشأناً ومحلّاً يقتضي تخصيصها بالذكر كتاباً ، وبتوجيه النفس إلى حالاتها وآثارها باطناً ، وبالمراقبة عن موجباتها احتياطاً.

وليعلم أنّ الرئاسة والجاه منها ممدوحة ومنها مذمومة ، والأولىٰ هي التي جعلها الله وأنشأها لبعض عباده : كأنبيائه وأوصيائه ومن يتولّى الأمور والرّئاسة من قبلهم على اختلاف شؤونهم ودرجاتهم ، وهذا القسم الذي في مقدّمه منصب الأمامة مقام محمود ، وجاه ممدوح ، خصّ الله به أولياءه وحفظهم بنحو العصمة التكوينيّة والتوفيقات الغيبيّة الالٰهيّة والأوامر والفرامين التشريعيّة عن خطراته وزلّاته.

والمعصومون يجب عليهم قبولها من ناحية الله تعالىٰ ، وعليهم حفظها

٢٢١
 &

والدفاع عنها والقتال مع من يزاحمهم فيها أو يريد غصبها ، إذ هي كما أنّها حقّ للمعصوم المتصدّي لها والمتلبّس بها فهي حقّ الله تعالىٰ عهده إليهم ، وأمانته التي أودعها عندهم ، وحقّ للناس فإنها مجعولة لأجلهم ولهدايتهم وإصلاح حالهم وفوزهم ، ونجاتهم في دنياهم وسعادتهم ونجاحهم في أخراهم ، فالمتصدّي الغاصب لها قد ظلم ربّه وإمامه وعباد الله تعالىٰ. وقال النبيّ يوسف عليه‌السلام : ( اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ) (١) وكان المقام الذي سأل فرعاً من فروع حقّه وشعبة من أصوله تمكّن من أخذه فطلبه.

ويجب علىٰ غير المعصوم أيضاً فيما ولّاه من المناصب الشرعيّة وترتيب آثارها والعمل بوظائفها ما دامت باقيةً مع رعاية عدم الوقوع في العصيان لأجلها ، وقد بيّن حدودها في الفقه ، وذلك كمنصب الإفتاء والولاية ، والحكومة على الناس ، والحكم والقضاء بينهم والمناصب الجنديّة والإداريّة ، وغيرها ممّا كانت مجعولةً من ناحية الإمام الوالي على الناس ، أو من نصبه الإمام والياً لإدارة أمور المجتمع ، فمن قصد بقبولها طاعة الإمام والشفقة على عباد الله وإحقاق حقوقهم وحفظ أموالهم وأعراضهم ودمائهم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحفظ الحدود ومرابطة الثغور ، فهو من أفضل المجاهدات والعبادات.

ومن غصبها من أهلها وتقمّص بها ، أو لم يكن غرضه من قبولها من أهلها والتصدي بها إلّا الجاه بنفسه والتلذّذ بعنوانه ، ولم يرتّب عليها ما هي مطلوبة لأجله فهو من الأخسرين أعمالاً الذين ضلّ ... الخ. والذّم والوعيد بالهلاك ونحو ذلك واردة في هذا القسم.

والحاصل : أنّ الجاه كالمال فقد يرى الإنسان له أصالة ، وله حرص في جمعه

____________________________

١) يوسف : ٥٥.

٢٢٢
 &

والإستلذاذ بتكثيره وتكنيزه ، وقد لا يكون الغرض إلّا إمرار معاشه ، وإدارة أمور مجتمعه ، وعمارة البلاد ، وإصلاح العباد. وورد من النصوص في هذا المقام ( مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ). (١)

ثمّ إنّه يظهر لك من ذلك أنّ جميع الرئاسات والولايات والسّلطات الموجودة في هذه الأعصار ، بل من بدء وقوع الانحراف في المناصب الالٰهية وخروجها عن أيدي أهلها ومن أهّله الله لتصدّيها في الاجتماعات البشرّية ، باطلة غير ممضاةٍ من الشرع. وأنّ جلّ المفاسد الواقعة بين الناس ـ لولا كلّها ـ من الكفر والشرك والفحشاء والمنكر وضياع الحقوق وهتك الأعراض وتلف الأموال والنفوس مستندة إلى ذاك الانحراف وتلك الولايات الخارجة عن سلطة صاحبها. وأنّ الرؤساء والمتصدّين للولايات والحكومات في المجتمعات البشريّة اليوم ، موقوفون غداً عند ربّهم ، مسؤولون بأسوء الحساب ومُعاقبون بأعظم العقاب. كيف وقد قال تعالىٰ : ( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ) ! (٢) هؤلاء الأنبياء فكيف بغيرهم ؟ ونعوذ بالله تعالىٰ من شرّ النفس ، ونقول : ( رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ) (٣).

ولو ادّعي أنّ بعض تلك المناصب مجعول من ناحية الناس أنفسهم فلهم أن يختاروا في أمور دنياهم وليّاً ورئيساً وسائساً ومدبّراً ، له تسلّط محدود ، فلا يكون باطلاً ولا مشمولاً للذموم المستفادة من الأدلّة ، فهي على فرض قبول كبراها مخدوشة في صغراها ، فراجع أحوال الممالك والأمم ، وليس استقصاء ذلك ممّا يقتضيه أبحاث الكتاب. قال الله تعالىٰ : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ

____________________________

١) القمر : ٤ ـ ٥.

٢) الأعراف : ٦.

٣) المؤمنون : ٩٧ ـ ٩٨.

٢٢٣
 &

عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ). (١)

وورد في النصوص : أنّه ما ذئبان ضاريان في غنمٍ قد تفرّق رعاؤها بأضرّ في دين المسلم من طلب الرئاسة (٢) ( ضرى الحيوان بالصيد : اعتاد أكله ، والرعاء : جمع الراعي ، والرّئاسة : العلوّ والسلطة والتفوّق ).

وأنّه من طلب الرئاسة هلك (٣).

وأنّه : إيّاكم وهؤلاء الرؤساء الذين يترأّسون ، فوالله ما خفقت النّعال خلف رجلٍ إلّا هلك وأهلك (٤).

وأنّه : إيّاك والرئاسة ، إيّاك أن تطأ أعقاب الرجال أي : تنصب رجلاً دون الحجّة فتصدّقه في كلّ ما قال (٥).

وأنّه : ملعون من ترأّس ، ملعون من همّ بها ، ملعون كلّ من حدّث بها نفسه (٦).

وأنّه لا تطلبنّ الرئاسة ، ولا تكن ذنباً. ولا تأكل بنا النّاس فيفقرك الله (٧).

وأنّ الصادق عليه‌السلام قال : أتراني لا أعرف خياركم من شراركم ؟ بلىٰ والله ، وإنّ شراركم من أحبّ أن يوطأ عقبه ، إنّه لا بدّ من كذّابٍ أو عاجز الرأي (٨).

وأنّ : من أوّل ما عصي الله به حبّ الرّئاسة (٩).

____________________________

١) القصص : ٨٣.

٢) وسائل الشيعة : ج ١١ ، ص ٢٧٩ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٤٥.

٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٩٧ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٥٠.

٤) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٩٧ ـ وسائل الشيعة : ج ١١ ، ص ٢٧٩ وج ١٨ ، ص ٩٠ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٥٠.

٥) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٩٨ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٥٢ ـ الوافي : ج ١ ، ص ٢٦٢.

٦) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٩٨ ـ وسائل الشيعة : ج ١١ ، ص ٢٨٠ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٥١.

٧) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٩٨ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٥١.

٨) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٩٩ ـ وسائل الشيعة : ج ١١ ، ص ٢٨٠ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٥٢.

٩) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٥٣.

٢٢٤
 &

الدّرس الحادي والأربعون

في الغفلة واللهو

الغفلة عن الشيء معروف ، والمراد هنا : غفلة القلب عن الله تعالىٰ وعن أحكامه وأوامره ونواهيه ، وبعبارةٍ أخرىٰ : عمّا ينبغي أن يكون متوجّهاً إليه ويكون حاضراً عنده.

ولها مراتب مختلفة : يلازم بعضها الكفر والطغيان ، وبعضها الفسق والعصيان ، وبعضها النقص والحرمان ، فالغفلة عن أصول الإيمان بمعنى عدم التوجّه إلى لزومها وإلى قبولها ، كفر ، سواء كان الغافل قاصراً أو مقصّراً وإن لم يعاقب على الأوّل ، والغفلة عن أداء الواجب وترك الحرام مع التقصير ، فسق ، والغفلة عن الإقبال والتوجّه إلى آيات الله تعالىٰ الآفاقيّة والأنفسيّة ، وعن الاهتداء بذلك إلى وجوده تعالىٰ وصفات جلاله وجماله وعن التقرّب بذلك لحظةً بعد لحظةٍ ، وآناً بعد آنٍ إلى قربه ورحمته ، وعن كونه حاضراً عنده بجميع شؤون وجوده وخواطر قلبه ، ولحظات عينه ، ولفظات لسانه ، وحركات أركانه ، نقص وبعد وحرمان عن مقام

٢٢٥
 &

السّعداء والأولياء.

وهل ترىٰ أهل الدنيا اليوم إلّا غافلين عن الحقّ ، لاهين عن التوحيد والإذعان بالرسل والملائكة والكتاب والنبيّين واليوم الآخر مع اختلافهم في مراتب الغفلة والبعد ، كما كانوا كذلك في الأمس وما قبل الأمس ، ويلازم هذا العنوان الإتراف بالنعم والفرح والمرح بها واللعب واللهو ونحوها.

وقد قال تعالىٰ في كتابه : ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ‎ إلى قوله : لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) (١) وقال خطاباً لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ) (٢) وقال تعالىٰ : ( وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَـٰئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ ) (٣) وقال : ( وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ) (٤) وقال : ( وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ) (٥).

وورد في النصوص : أنّه : إن كان الشيطان عدوّا فالغفلة لماذا ؟ (٦)

وأنّ كلّما ألهىٰ عن ذكر الله فهو ميسر (٧) ( أي : مثل المقامرة في انقطاع النفس عن الله والتوجّه إلى غيره ).

وأنّ بينكم وبين الموعظة حجاباً من الغرّة (٨).

____________________________

١) الأنبياء : ١ ـ ٣.

٢) الزخرف : ٨٣.

٣) يونس : ٧ ـ ٨.

٤) الأعراف : ٢٠٥.

٥) هود : ١١٦.

٦) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٥٧.

٧) الأمالي : ج ١ ، ص ٣٤٥ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٥٧ وج ٧٩ ، ص ٢٣٠.

٨) نهج البلاغة : الحكمة ٢٨٢ ـ غرر الحكم درر الكلم : ج ٣ ، ص ٢٦٨ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٥٧.

٢٢٦
 &

الدّرس الثّاني والأربعون

في الحرص وطول الأمل

الحرص : الشّره وفرط الميل إلى الشيء ، والمراد به هنا : الحرص على الدنيا وجمعها وتكثيرها وادّخارها والاشتغال بالاستلذاذ بها ، ويلازمه طول الأمل ، وهو : رجاء النيل إلى الملاذّ ، وتمنّي الوصول إلى المشتهيات وإن كانت بعيدة المنال من حيث الكمّ والكيف والمكان والزمان ، وهو من أمراض القلب وذمائم صفات النفس ورذائل ملكاتها ، وهذه الصفة في الغالب من الغرائز المطبوعة والسجايا المودعة في النفس ، تزيد وتتكامل باتّباع مقتضاها ، وإعطاء النفس في دعوتها مناها ، وتنقص أو تزول بالتأمّل والتدبّر في حال الدنيا وخسّتها وزوالها وما جاء من الله تعالىٰ بألسنة رسله وأوصيائه في ذمّها والاحتراز عن اتّباعها.

وقد مرّ فيما مضىٰ أن ميل النفس إلى تحصيل القوت لمعاشه ومعاش عياله ولو كان شديداً ، وكذا الميل إلى تحصيل ما زاد عن ذلك فيما إذا كان مقدّمة لغرضٍ

٢٢٧
 &

مندوبٍ مرغوبٍ فيه للدنيا والآخرة ليس من مصاديق الحرص ؛ لأنّ ذلك ليس حرصاً على الدنيا حينئذٍ.

فقد قال تعالىٰ : ( إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ) (١) وقال تعالىٰ : ( بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ). (٢) وقال : ( لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ ). (٣)

وقد ورد في النصوص : أنّ حقيقة الحرص طلب القليل بإضاعة الكثير (٤).

وأنّ أغنى الناس من لم يكن للحرص أسيراً (٥).

وأنّه : إن كان الرزق مقسوماً فالحرص لماذا ؟ (٦)

وأنّه : سُئِلَ عليّ عليه‌السلام : أيّ ذُلٍّ أذلّ ؟ قال : الحرص على الدنيا (٧).

وأنّه قال الصادق عليه‌السلام : منهومان لا يشبعان : منهوم علمٍ ومنهوم مالٍ (٨). ( والمنهوم بالشئ : المولع به لا يشبع منه ).

وأنّ الحريص حرم خصلتين ، ولزمته خصلتان : حرم القناعة فافتقد الراحة ، وحرم الرضا فافتقد اليقين (٩).

وأنّه يهرم ابن آدم ويشبّ منه اثنان : الحرص على المال والحرص على العمر (١٠).

____________________________

١) المعارج : ١٩ ـ ٢١.

٢) القيامة : ٥.

٣) البقرة : ٩٦.

٤) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٦٧.

٥) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٦٠.

٦) نفس المصدر السابق.

٧) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٦١ ـ دستور معالم الحكم : ص ٨٤.

٨) الخصال : ص ٥٣ ـ بحار الأنوار : ج ١ ، ص ١٦٨ وج ٧٣ ص ١٦١ ـ نور الثقلين : ج ٣ ، ص ٣٩٨.

٩) الخصال : ص ٦٩ ـ وسائل الشيعة : ج ١١ ، ص ٣١٨ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٦١.

١٠) الخصال : ص ٧٣ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٦١.

٢٢٨
 &

وأنّ المؤمن لا يكون حريصاً (١).

وأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهىٰ عن الحرص (٢).

وأنّ من علامات الشقاء شدّة الحرص في طلب الرزق (٣).

وأنّه يورث الفقر (٤).

وأنّه هو الفقر نفسه (٥).

وأنّه من سوء الظنّ بالله تعالىٰ (٦).

وأنّ من آثار الحرص وثمراته أمل لا يدرك (٧).

وأنّه : ما أطال عبد أمله إلّا أساء عمله (٨).

وأنّ طول الأمل من أخوف ما يُخاف على الأمّة (٩).

وأنّه يُنسي الآخرة (١٠).

وأنّ هلاك آخر هذه الاُمّة بطول الأمل (١١).

وأنّه من الشقاء (١٢).

____________________________

١) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٦٢.

٢) نفس المصدر السابق.

٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٩٠ ـ الخصال : ص ٢٤٣ ـ وسائل الشيعة : ج ١١ ، ص ٢٦٨ ـ بحار الأنوار : ج ٧٠ ، ص ٥٢ وج ٧٧ ، ص ١٥١ وج ٩٣ ، ص ٣٣٠.

٤) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٦٢.

٥) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٦٣.

٦) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٦٢.

٧) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٦٣.

٨) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٦٦.

٩) وسائل الشيعة : ج ٢ ، ص ٦٥٢.

١٠) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٦٧.

١١) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٦٤.

١٢) نفس المصدر السابق.

٢٢٩
 &

وأنّ من جرىٰ في عنان أمله عثر بأجله (١).

وأنّ أشرف الغنىٰ ترك المنىٰ (٢).

وأنّ عليّاً عليه‌السلام قال : من أيقن أنّه يفارق الأحباب ويسكن التراب ويواجه الحساب ويستغني عمّا خلّف ويفتقر إلى ما قدمّ ، كان حريّاً بقصر الأمل وطول العمل (٣).

____________________________

١) نهج البلاغة : الحكمة ١٩ ـ وسائل الشيعة : ج ٢ ، ص ٦٥٢ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٦٦.

٢) نهج البلاغة : الحكمة ٣٤ و ٢١١ ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج ٢ ، ص ٣٩٠.

٣) كنز الفوائد : ج ١ ، ص ٣٥١ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٦٧.

٢٣٠
 &

الدّرس الثّالث والأربعون

في الطّمع والتّذلّل لأهل الدنيا طلباً لها

الظاهر أنّ المراد بالطّمع هو : الميل إلى أخذ ما بيد الغير من حقٍ أو مالٍ أو جاهٍ لينقله إلى نفسه بحقٍّ كان أم بباطلٍ ، أقدم في طريق ذلك على عملٍ ، أم لم يقدم فله مراتب مختلفة. وأمّا الميل إلى المال وجمعه مطلقاً لا من يد الغير فهو حرص كما مرّ ، ولكن قد يستعمل كلّ في مورد الآخر.

وقد ورد في النصوص : أنّه إن أردت أن تقرّ عينك وتنال خير الدنيا والآخرة فاقطع الطّمع عمّا في أيدي الناس (١).

وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوصىٰ باليأس عمّا في أيدي الناس فإنّه الغنىٰ ، ونهىٰ عن الطّمع فإنّه الفقر (٢).

____________________________

١) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٢٨٠ وج ٧٣ ، ص ١٦٨.

٢) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٦٨.

٢٣١
 &

وأنّ أفقر الناس الطَمِع (١).

وأنّ الذي يخرج الإيمان عن العبد الطمع (٢).

وأنّه أزرىٰ بنفسه من استشعر الطمع (٣).

وأنّه رقّ مؤبّد (٤).

وأنّه : أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع (٥).

وأنّ الطامع في وثاق الذل (٦).

والطمع مورد غير مصدر ، وضامن غير وفيٍّ (٧).

واليأس خير من الطلب إلى الناس (٨).

وبئس العبد عبد ، له طمع يقوده. ورغبة تذلّه (٩).

والخير كلّه قد اجتمع في قطع الطمع عمّا في أيدي الناس (١٠).

ومن أراد أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق بما في يد غيره (١١).

____________________________

١) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٦٨.

٢) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٦٨.

٣) نهج البلاغة : الحكمة  ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٦٩ وج ٧٨ ، ص ٩١.

٤) نهج البلاغة : الحكمة ١٨٠ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٧٠.

٥) نهج البلاغة : الحكمة ٢١٩ ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج ٢ ، ص ٤٣٣ ـ وسائل الشيعة : ج ١١ ، ص ٣٢٢ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٧٠.

٦) نهج البلاغة : الحكمة ٢٢٦ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٧٠.

٧) نهج البلاغة : الحكمة ٢٧٥ ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج ٢ ، ص ١٣٧ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٧٠.

٨) نهج البلاغة : الكتاب ٣١ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٧٠.

٩) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٢٠ ـ وسائل الشيعة : ج ١١ ، ص ٣٢١ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٧٠.

١٠) الكافي : ج ٢ ، ص ١٤٨ ـ وسائل الشيعة : ج ٦ ، ص ٣١٤ وج ١١ ، ص ٣٢١ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ١٧١ وج ٧٥ ، ص ١١٠.

١١) الكافي : ج ٢ ، ص ١٣٩ ـ وسائل الشيعة : ج ١٥ ، ص ٢٤١ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤٨ وج ٧٣ ، ص ١٧٨.

٢٣٢
 &

الدّرس الرّابع والأربعون

في الكِبر

الكِبر : رذيلة من رذائل الإنسان ، وخلق سيّئ من سجايا باطنه وهو : أنّ يرىٰ نفسه كبيراً عظيماً بالقياس إلى غيره ، وعلى هذا فالكبر صفة ذات إضافةً تستدعي مستكبراً به ومستكبراً عليه فهو يفترق عن العجب المتعلّق بالفعل بتغاير المتعلّق وعن العجب المتعلّق بالنفس ، بعدم القياس فيه على الغير.

وهذه الصفة من أقبح خصال النفس وأشنعها ، ولعلّ أصل وجودها كالحسد وحبّ الرئاسة والمال من السجايا المودعة في فطرة الإنسان وزيادتها وتكاملها وتحريكها صاحبها نحو العمل بمقتضاها ، تكون باختياره وتحت قوّته العاقلة ، كما أنّ معارضتها والسعي في إزالتها أيضاً كذلك ، وهي من الصفات التي تورث اغتراراً في صاحبها وفرحاً وركوناً إلى نفسه ، ومحلّ هذه الصفة ومركزها القلب كما يقول الله

٢٣٣
 &

تعالىٰ : ( إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ) (١) لكنّه إذا ظهرت على الأعضاء والأركان سمّيت تكبّراً واستكباراً ، لاقتضاء زيادة المباني ذلك ، لكن اُطلقت الكلمتان في الكتاب الكريم على نفس الصفة أيضاً.

ثّم إنّ الكبر من حيث المتكبّر عليه ينقسم إلى أقسامٍ ثلاثة مع اختلاف مراتبها في القبح :

الأوّل : التكبّر على الله تعالىٰ : إمّا بإنكار وجوده جلّ وعلا ، أو وحدانيته ، أو شيئاً من صفات جلاله وجماله ، ومنه أيضا عدم قبول إبليس أمره ، وهذا أفحش أنواع الكبر ، ولا صفة في النفس أخبث وأقذر منه ، وقد اتّفق فيما يظهر من التأريخ صدوره من عدّة ممّن ادّعى الألوهيّة وغيرهم.

الثاني : التكبّر على أنبياء الله ورُسُله وأوصيائه بإنكار رسالتهم وردّ ما جاؤا به من الكتاب والشريعة.

الثالث : التكبّر على عباد الله بتعظيم نفسه وتحقيرهم والامتناع عن الانقياد لمن هو فوقه منهم بحكم العقل أو الشرع ، وعن العشرة بالمعروف مع من هو مثله فيترفّع عن مجالستهم ومؤاكلتهم ، ويتقدّم عليهم في موارد التقدّم ويتوقّع منهم الخضوع له ، ويمتنع عن استفادة العلم وقبول الحقّ منهم ، ويُأنّف إذا وعظوه ، ويعنّف إذا وعظهم ، ويغضب إذا ردّوا عليه ، وينظر إليهم نظر البهائم استجهالاً واستحقاراً وهكذا.

وبالجملة : أنّ كبر الباطن يظهر في الإنسان المتكبّر من شمائله كتصعير وجهه ، ونظره شزراً ، وإطراق رأسه ! ومن جلوسه متربّعاً أو متّكئاً ، ومن قوله وصوته ومن مشيته وتبختره فيها ، ومن قيامه وجلوسه وحركاته وسكناته وسائر تقلّباته

____________________________

١) غافر : ٥٦.

٢٣٤
 &

في أفعاله وأعماله.

وقد ورد في الكتاب الكريم في ذمّ هذه الصفة آيات ، منها : قوله تعالىٰ لإبليس : ( فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ) (١).

وما حكاه تعالىٰ عن الأمم الماضية : ( أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ). (٢) وقولهم : ( وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ). (٣) وقوله تعالىٰ : ( وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ). (٤) وقوله : ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ). (٥) وقوله : ( وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) (٦). ( والتصعير : إمالة العنق عن النظر كبراً ) وقوله : ( وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ). (٧) وقوله : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ). (٨) إلى غير ذلك.

ورد في النصوص : أنّ الكبر يكون في شرار الناس (٩).

وأنّه رداء الله وإزاره.

وأنّ المتكبّر ينازع الله في ردائه ، ومن نازع الله في ردائه لم يزده الله إلّا سفالاً (١٠).

____________________________

١) الأعراف : ١٣.

٢) المؤمنون : ٤٧.

٣) المؤمنون : ٣٤.

٤) القصص : ٣٩.

٥) غافر : ٦٠.

٦) لقمان : ١٨.

٧) الإسراء : ٣٧.

٨) لقمان : ١٨.

٩) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٠٩ ـ وسائل الشيعة : ج ١١ ، ص ٣٠٣ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٢٠٩.

١٠) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٠٩ ـ وسائل الشيعة : ج ١١ ، ص ٢٩٩.

٢٣٥
 &

ومن تناول شيئاً منه أكبّه الله في جهنّم (١).

وأنّ الكبر أن تجهل الحقّ وتطعن على أهله (٢).

وأن تغمص الناس وتسفه الحقّ (٣). ( الغمص : التحقير وتسفيّه الرأي نسبته إلى السفاهة بمعنىٰ : أن يستخفّه ولا يراه على الرحجان والرزانة ).

وأنّ المتكبّرين يجعلون يوم القيامة في صور الذّر يتوطّأهم الناس حتّىٰ يفرغ الله من الحساب (٤).

وأنّه : ما من عبدٍ إلّا ومعه ملك ، فاذا تكبّر قال له : اتّضع وضعك الله (٥).

وأنّه ما من أحدٍ يتيه ويتكبّر إلّا من ذلّة يجدها في نفسه (٦).

وأنّ من ذهب إلى أنّ له على الآخر فضلاً ، فهو من المستكبرين (٧).

وأنّ رجلاً أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : أنا فلان بن فلان حتّىٰ عدّ تسعةً ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما إنّك عاشرهم في النار (٨).

وأنّ آفة الحسب ، الافتخار والعجب (٩).

وأنّه : قال رجل للباقر عليه‌السلام : أنا في الحسب الضخم من قومي قال عليه‌السلام : إن الله رفع بالايمان من كان الناس يسمّونه وضيعاً ، ووضع بالكفر من كان الناس يسمّونه

____________________________

١) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٠٩ ـ وسائل الشيعة : ج ١١ ، ص ٢٩٩ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٢١٣.

٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٣١١ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٢٢٠.

٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٣١٠ ـ وسائل الشيعة : ج ١١ ، ص ٣٠٦ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٢١٧.

٤) الكافي : ج ٢ ، ص ٣١١ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٢١٩.

٥) الكافي : ج ٢ ، ص ٣١٢ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٢٢٤.

٦) الكافي : ج ٢ ، ص ٣١٢ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٢٢٥.

٧) الكافي : ج ٨ ، ص ١٢٨ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٢٢٦.

٨) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٢٩ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٢٢٦.

٩) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٢٨ ـ وسائل الشيعة : ج ١١ ، ص ٣٣٥ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٢٢٨.

٢٣٦
 &

شريفاً ، فليس لأحدٍ فضل على أحدٍ إلّا بالتقوىٰ (١).

وأنّه : عجباً للمختال الفخور ، وإنّما خُلق من نطفةٍ ثمّ يعود جيفةً ، وهو بين ذلك وعاء للغائط ولا يدري ما يُصنع به (٢).

وأنّ أمقت الناس المتكبر (٣).

وأنّ من يستكبّر يضعه الله (٤).

وأنّ رجلاً قال لسلمان تحقيراً : من أنت ؟ قال : أمّا اُولاي واُولاكَ فنطفة قذرة ، وأمّا اُخرايَ واُخراكَ فجيفة منتنة ، فإذا كان يوم القيامة ووضِعَت الموازين فمن ثقل ميزانه فهو الكريم ومن خفّ ميزانه فهو اللئيم (٥).

وأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أبعدكم منّي يوم القيامة الثرثارون ، وهم المستكبرون (٦).

وأنّ في جهنّم لوادياً للمتكبرين يقال له : « سقر » (٧).

وأنّ المتبختر في مشيه ، الناظر في عِطفه ، المحرّك جنبيه بمنكبيه هو مجنون في نظر مشرع الإسلام (٨).

وأنّ لإبليس سعوطاً هو الفخر (٩).

____________________________

١) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٢٨ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٢٢٩.

٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٢٩ ـ وسائل الشيعة : ج ١١ ، ص ٣٣٥ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٢٢٩.

٣) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٢٣١.

٤) نفس المصدر السابق.

٥) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٢٣١.

٦) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٢٣٢.

٧) الكافي : ج ٢ ، ص ٣١٠ ـ ثواب الاعمال : ص ٢٦٥ ـ وسائل الشيعة : ج ١١ ، ص ٢٩٩ ـ بحار الأنوار : ج ٨ ، ص ٢٩٤ وج ٧٣ ، ص ١٨٩.

٨) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٢٣٣.

٩) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٢٣٤.

٢٣٧
 &

دروس في الأخلاق ـ المشكيني

٢٣٨
 &

الدّرس الخامس والأربعون

في الحسد

الحسد : تمنّي زوال نعمة الغير ، وله صور : فإنّ الحاسد : إمّا أن يتمنّى زوالها عن الغير فقط ، أو يتمنّىٰ مع ذلك انتقالها إليه ، وعلى التقديرين : إمّا أن يصدر منه حركة من قولٍ أو فعلٍ على طبق تمنّيه ، أو لا يصدر ، وعلى أيٍّ فحقيقة الحسد عبارة عن تلك الصفة النفسيّة ، ولها مراتب في الشدّة والضعف وصدور الحركات الخارجيّة من آثارها ومقتضياتها.

والظاهر أنّه من الطبائع المودعة في باطن جميع الناس وتتزايد في عدّةٍ منهم ، وتتناقص في آخرين بملاحظة اختلافهم في التوجّه إلى النفس ومراقبة حالها ومجاهدتها ، ويترتّب عليها آثار كثيرة مختلفة ، بعضها مذموم وبعضها محرّم ، وبعضها كفر وشرك ، ونعوذ بالله من الجميع.

وظاهر أكثر الأصحاب حرمة الحسد وترتّب العقوبة عليه مطلقاً ، ظهر في

٢٣٩
 &

الخارج أم لا ، وظاهر آخرين أنّه لا يحرم ما لم يظهر بقولٍ أو فعلٍ ؛ لأنّهم صرّحوا بأنّ الحرمة والعقوبة تترتّبان على الأفعال البدنيّة دون الصفات والملكات النفسية ، لكنّ الظاهر من بعض النصوص ترتّب العقوبة على بعض الصفات القلبيّة أيضاً وإن لم يترتّب عليه حكم تكليفيّ ، فاللازم أن يفرّق بين الحرمة والعقوبة كما ذكروا ذلك في التّجّري ، وللبحث عنه محلّ آخر.

والحسد من أخبث الصفات وأقبح الطبائع ، وهو من القبائح العقليّة والشرعيّة ، فإنّه في الحقيقة سخط لقضاء الله واعتراض لنظام أمره وكراهة لإحسانه ، وتفضيل بعض عباده على بعضٍ ، ويفترق عن الغبطة الممدوحة ، بأنّ الحاسد يحبّ زوال نعمة الغير والغابط يحبّ بقاءها ، لكنّه يتمنّىٰ مثلها أو ما فوقها لنفسه.

وللحسد أسباب كثيرة : عداوة المحسود مخافة أن يتعزّز ويتفاخر عليه ، وتكبّره على المحسود وتعجّبه من نيل المحسود بتلك النعمة ، وحبّ الرئاسة على المحسود ، فيخاف عدم إمكانها حينئذٍ ، وغير ذلك.

ومن آثاره تألّم الحاسد باطناً ، ووقوعه في ذلك العذاب دائماً ، ولذا قال عليّ عليه‌السلام : لله درّ الحسد حيث بدأ بصاحبه فقتله (١).

فقد ورد في الكتاب العزيز قوله : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (٢) وقوله تعالىٰ في مقام أمره بالإستعاذة : ( وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ). (٣)

وورد في النصوص : أنّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب (٤).

____________________________

١) بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٢٤١ ـ مرآة العقول : ج ١٠ ، ص ١٦٠.

٢) النساء : ٥٤.

٣) الفلق : ٥.

٤) وسائل الشيعة : ج ١١ ، ص ٢٩٢ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٢٤٤.

٢٤٠