بحار الأنوار - ج ٣١

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار - ج ٣١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: الشيخ عبد الزهراء العلوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الرضا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٦٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وقووا ذلك بما كان يوم السقيفة من كون ذلك سببا لصرف الأنصار عما كانوا عزموا عليه ، لأنهم عند (١) هذه الرواية انصرفوا عن ذلك وتركوا الخوض فيه.

وقووا ذلك بأن أحدا لم ينكره في تلك الحال ، فإن أبا بكر استشهد في ذلك بالحاضرين ، فشهدوا به (٢) حتى صار خارجا عن (٣) باب خبر الواحد إلى الاستفاضة (٤).

وقووا ذلك بأن ما جرى هذا المجرى إذا ذكر في ملإ من الناس وادعى عليهم (٥) المعرفة فتركهم النكير يدل على صحة الخبر المذكور.

وقال شارح المواقف (٦) في بحث شروط الإمامة : اشترط الأشاعرة والجبائيان أن يكون الإمام قرشيا ، ومنعه الخوارج وبعض المعتزلة.

لنا قوله صلى الله عليه [ وآله ] : الأئمة من قريش. ثم الصحابة عملوا بمضمون هذا الحديث ، فإن أبا بكر استدل به يوم السقيفة على الأنصار حين نازعوا في الإمامة بمحضر الصحابة فقبلوه وأجمعوا عليه فصار دليلا قطعيا يفيد اليقين باشتراط القرشية. (٧)

ثم أجاب عن حجة المخالف.

وأجاب قاضي القضاة (٨) عن المناقضة بأنه يحتمل أن يريد عمر أنه لو كان

__________________

(١) في ( ك‍ ) : عنده.

(٢) في المصدر زيادة : على النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم.

(٣) في المغني : من ، بدلا من : عن.

(٤) في المصدر : إلى الكثرة.

(٥) في المغني : علم ، بدلا من : عليهم.

(٦) المواقف ( للإيجي ) ، والشارح الشريف الجرجاني ٨ ـ ٣٥٠.

(٧) إلى هنا كلام الجرجاني في شرحه على المواقف.

(٨) في كتابه المغني ٢١ ـ ٢٣٦. قال : قيل له : ليس في الخبر بيان الوجه الذي كان لا يتخالجه الشك فيه ، ويحتمل أن يريد أن يدخله في المشورة والرأي دون الشورى ، فلا يصح أن يقدح به فيما قلناه ، بل لو ثبت عنه الرضا الصريح في ذلك يجوز أن يعترض به عليه على ما رويناه من الخبر.

٨١

سالم حيا لم يتخالجه الشك في إدخاله في المشورة والرأي دون التأهيل للإمامة.

وبطلانه واضح ، فإن الروايات كما عرفت صريحة في الاستخلاف وتفويض الأمر إليه ، ولا تحتمل مثل هذا التأويل ، كما لا يخفى على المنصف.

ثم إن قوله في سالم وأبو عبيدة دليل ظاهر على جهله ، فإن ما رووا عنه من الامتناع عن التعيين والتنصيص معللا بقوله : ما أردت أن أتحملها حيا وميتا ، بعد اعترافه بأن أمير المؤمنين عليه‌السلام لو ولي الأمر لحمل الناس على الحق ، يدل على أنه إنما عدل عن النص احتياطا وخوفا من الله تعالى ، وحذرا من أن يسأل يوم القيامة عما يفعله من استخلفه ، فلذلك ترك الاستخلاف وجعل الأمر شورى ليكون أعذر عند الله تعالى ، ومع ذلك تمنى أن يكون سالم حيا حتى يستخلفه وينص عليه ، ولم يخف من السؤال عن استخلافه ، وظن أن ما سمعه ابن عمه في سالم أنه : شديد الحب لله تعالى ، حجة قاطعة على استحقاقه للخلافة ، مع أن شدة الحب لله ليس أمرا مستجمعا لشرائط الإمامة ، ولا يستلزم القدرة على تحمل أعباء الخلافة ، وشدة الحب لله (١) لها مراتب شتى ، فكيف يستدل بالخبر على أنها بلغت حدا يمنع صاحبها عن ارتكاب المنكرات أصلا ، ولو كان مثل ذلك قاطعا للعذر كيف لم يكن وصف أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر الطير بأنه أحب الخلق إلى الله تعالى .. حجة تامة ، مع أن المحبوبية إلى الله أبلغ من الحب لله ، وشدة الحب لا يستلزم الفضل على جميع الخلق ، فلم لم يصرح باسم أمير المؤمنين عليه‌السلام ليعتذر يوم القيامة بهذا الخبر وسائر النصوص المتواترة والآيات المتظافرة الدالة على فضله وإمامته وكرامته.

ولنعم ما قال أبو الصلاح في كتاب تقريب المعارف (٢) : إن ذلك تحقيق لما ترويه الشيعة من تقدم المعاهدة بينه وبين صاحبه (٣) وأبي عبيدة وسالم مولى أبي

__________________

(١) وضع في ( ك‍ ) رمز نسخة بدل على : لله.

(٢) تقريب المعارف ( في الكلام ) : ١٦٢.

(٣) في المصدر : منه ومن صاحبه.

٨٢

حذيفة على نزع هذا الأمر من بني هاشم لو قد مات محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو لا ذلك لم يكن (١) لتمنيه (٢) سالما وإخباره عن فقد الشك فيه مع حضور وجوه الصحابة وأهل السوابق والفضائل والذرائع التي ليس لسالم منها شيء وجه يعقل ، وكذا القول في تمنيه (٣) أبا عبيدة بن الجراح. انتهى.

وبالجملة ، صدر عنه في الشورى ما أبدى الضغائن الكامنة في صدره ، وبذلك أسس أساسا للفتنة والظلم والعدوان على جميع الأنام إلى يوم القيام.

قال ابن أبي الحديد (٤) : حدثني جعفر بن مكي الحاجب ، قال : سألت محمد بن سليمان حاجب (٥) الحجاب. قال ابن أبي الحديد : وقد رأيت أنا محمدا هذا ، وكانت لي به معرفة غير مستحكمة ، وكان ظريفا أديبا ، وقد اشتغل بالرياضيات من الفلسفة ، ولم يكن يتعصب لمذهب بعينه ـ ، قال جعفر : سألته عما عنده في أمر علي (ع) وعثمان؟. فقال : هذه عداوة قديمة (٦) بين بني عبد شمس وبين بني هاشم .. وساق الكلام إلى قوله :

وأما السبب الثاني في الاختلاف في أمر الإمامة فهو (٧) : أن عمر جعل الأمر شورى بين الستة ولم ينص على واحد بعينه ، إما منهم أو من غيرهم ، فبقي في نفس كل واحد منهم أنه قد رشح للخلافة ، وأنه أهل للملك والسلطنة ، فلم يزل ذلك في نفوسهم وأذهانهم مصورا بين أعينهم مرتسما في خيالاتهم ، منازعة إليه (٨) نفوسهم ، طامحة نحوه عيونهم ، حتى كان من الشقاق بين علي (ع) وعثمان ما

__________________

(١) في ( س ) : يمكن.

(٢) في المصدر : ليمينه ، وهو غلط.

(٣) في التقريب : يمينه ، ولعله سهو ، والصحيح : يمنيه. وما أكثر الغلط في المطبوع من المصدر.

(٤) في شرح نهج البلاغة ٩ ـ ٢٤ ـ ٣٠ بتصرف واختصار.

(٥) في ( ك‍ ) : صاحب. وجعل ما في المتن نسخة بدل فيها.

(٦) في المصدر زيادة : النسب.

(٧) في المصدر : أما السبب الثاني للاختلاف فهو ..

(٨) في ( س ) : إليهم.

٨٣

كان ، وحتى أفضى الأمر إلى قتل عثمان ، وكان أعظم الأسباب في قتله طلحة ، وكان لا يشك في أن الأمر له بعده (١) لوجوه ، منها سابقته ، ومنها أنه كان (٢) ابن عم أبي بكر ، وكان لأبي بكر في نفوس أهل ذلك العصر منزلة عظيمة أعظم منها الآن ، ومنها أنه كان سمحا جوادا ، وقد كان نازع عمر في حياة أبي بكر ، وأحب أن يفوض أبو بكر الأمر إليه (٣) فما زال يفتل في الذروة (٤) والغارب في أمر عثمان ، وينكر له القلوب ، ويكدر عليه النفوس ، ويغري (٥) أهل المدينة والأعراب وأهل الأمصار به ، وساعده الزبير ، وكان أيضا يرجو الأمر لنفسه ، ولم يكن رجاؤهما الأمر بدون رجاء علي (ع) ، بل رجاؤهما كان أقوى ، لأن عليا (ع) دحضه الأولان وأسقطاه وكسرا ناموسه بين الناس ، وصار نسيا منسيا ، ومات الأكثر ممن كان يعرف (٦) خصائصه التي كانت له (٧) في أيام النبوة وفضله ، ونشأ قوم لا يعرفونه ولا يرونه إلا رجلا من عرض المسلمين ، ولم يبق له من فضائله (٨) إلا أنه ابن عم الرسول صلى الله عليه [ وآله ] وزوج ابنته وأبو سبطيه ، ونسي ما وراء ذلك (٩) ، واتفق له من بغض قريش وانحرافها ما لم يتفق لأحد ، وكانت قريش (١٠) تحب طلحة والزبير ، لأن الأسباب الموجبة لبغضهم لم تكن موجودة فيهما ، وكانا يتألفان قريشا في أواخر أيام عثمان

__________________

(١) في شرح النهج : من بعده.

(٢) لا توجد : كان ، في المصدر.

(٣) زيادة : من بعده ، جاءت في الشرح بعد : إليه.

(٤) الذروة ـ بالكسر والضم ـ من كل شيء : أعلاه ، كما في الصحاح ٦ ـ ٢٣٤٥ ، والنهاية ٢ ـ ١٥٦ ، ومجمع البحرين ٣ ـ ٣٠٦ ، والقاموس ١ ـ ١٥.

(٥) في ( ك‍ ) نسخة بدل : يغوي.

(٦) في المصدر : ممن يعرف.

(٧) لا توجد : له ، في الشرح.

(٨) في المصدر : مما يمت به ، بدلا من : من فضائله.

(٩) جاءت زيادة كلمة : كله ، في المصدر.

(١٠) في المصدر زيادة : بمقدار ذلك البعض.

٨٤

، ويعدانهم بالعطاء والإفضال ، وهما عند أنفسهما وعند الناس خليفتان بالقوة لا بالفعل ، لأن عمر نص عليهما وارتضاهما للخلافة ، وعمر كان متبع القول ، مرضي الفعال ، مطاعا نافذ (١) الحكم في حياته ومماته (٢) ، فلما قتل عثمان ، أرادها طلحة وحرص عليها ، فلو لا الأشتر وقوم معه من شجعان العرب جعلوها في علي (ع) لم تصل إليه أبدا ، فلما فاتت طلحة والزبير ، فتقا ذلك الفتق العظيم (٣) ، وأخرجا أم المؤمنين معهما ، وقصدا العراق وأثارا الفتنة ، وكان من حرب الجمل ما قد علم وعرف ، ثم كان حرب الجمل مقدمة وتمهيدا لحرب صفين ، فإن معاوية لم يكن ليفعل ما فعل لو لا طمعه بما جرى في البصرة ، ثم أوهم أهل الشام أن عليا (ع) قد فسق بمحاربة أم المؤمنين ، ومحاربة المسلمين ، وأنه قتل طلحة والزبير وهما من أهل الجنة ، ومن يقتل مؤمنا من أهل الجنة فهو من أهل النار ، فهل كان الفساد المتولد في صفين إلا فرعا للفساد الكائن يوم الجمل؟! ثم نشأ من فساد صفين وضلال معاوية كل ما جرى من الفساد والقبيح في أيام بني أمية ، ونشأت فتنة ابن الزبير فرعا من (٤) يوم الدار ، لأن عبد الله كان يقول : إن عثمان لما أيقن بالقتل نص علي بالخلافة ، ولي بذلك شهود ، منهم مروان بن الحكم ، أفلا ترى (٥) كيف تسلسلت هذه الأمور فرعا على أصل ، وغصنا من شجرة (٦) ، وجذوة من ضرام؟! وهكذا يدور بعضه (٧) على بعض وكله من الشورى في الستة. قال (٨) : وأعجب من ذلك قول عمر وقد قيل له : إنك استعملت

__________________

(١) الكلمة مشوشة في ( س ) ، وفي المصدر : موفق مؤيد مطاع نافذ.

(٢) في شرح النهج : وبعد وفاته.

(٣) في الشرح زيادة : على علي عليه‌السلام.

(٤) زيادة : فروع ، جاءت في المصدر.

(٥) في ( ك‍ ) نسخة بدل : أترى.

(٦) في ( س ) : شجر.

(٧) بعضهم ، جاءت في ( ك‍ ).

(٨) في ( س ) : وقال.

٨٥

سعيد (١) بن العاص ومعاوية وفلانا وفلانا من المؤلفة قلوبهم ومن الطلقاء وأبناء الطلقاء وتركت أن تستعمل عليا والعباس والزبير وطلحة؟! فقال : فأما علي فأتيه (٢) من ذلك ، وأما هؤلاء النفر من قريش ، فإني أخاف أن ينتشروا في البلاد ، فيكثروا فيها الفساد ، فمن يخاف من تأميرهم لئلا يطمعوا في الملك ، ويدعيه كل واحد منهم لنفسه ، كيف لم يخف من جعلهم ستة متساوين في الشورى ، مرشحين للخلافة؟! وهل شيء أقرب إلى الفساد من هذا (٣)؟! وقد رووا أن الرشيد رأى يوما محمدا وعبد الله ابنيه يلعبان ويضحكان ، فسر بذلك ، فلما غابا عن عينه بكى ، فقال له الفضل بن الربيع : ما يبكيك يا أمير المؤمنين ، وهذا مقام جذل (٤) لا مقام حزن؟!. فقال : أما رأيت لعبهما ومودة بينهما؟ ، أما والله ليتبدلن ذلك بغضا وسيفا (٥) ، وليختلسن (٦) كل واحد منهما نفس صاحبه عن قريب ، فإن الملك عقيم ، وكان الرشيد قد (٧) عقد الأمر لهما على ترتيب ، هذا بعد هذا ، فكيف من لم يرتبوا في الخلافة ، بل جعلوا فيها كأسنان المشط؟! فقلت أنا لجعفر : هذا كله تحكيه عن محمد بن سليمان ، فما تقول أنت؟ ، فقال :

__________________

(١) في المصدر : استعلت يزيد بن أبي سفيان وسعيد ..

(٢) في شرح النهج : أما علي فأنبه.

(٣) خط على : من هذا ، في ( س ).

(٤) الجذل ـ بالتحريك ـ : الفرح ، كما في الصحاح ٤ ـ ١٦٥٤ ، والنهاية ١ ـ ٢٥١ ، ومجمع البحرين ٥ ـ ٣٣٧ ، والقاموس ٣ ـ ٣٤٧.

(٥) في المصدر : وشنفا. أقول : الشنف ـ بالتحريك ـ : البغض والتنكر ، وقد شنفت له ـ بالكسر أشنف شنفا .. أي أبغضه .. والشنف : المبغض. قاله في الصحاح ٤ ـ ١٣٨٣. وانظر : النهاية ٢ ـ ٥٠٥ ، والقاموس المحيط : ٣ ـ ١٦٠ وغيرهما.

(٦) قال الجوهري في الصحاح ٣ ـ ٩٢٣ : خلست الشيء واختلسته وتخلسته : إذا استلبته ، وأضاف ابن الأثير في نهايته ٢ ـ ٦١ : كونه عن غفلة. انظر : مجمع البحرين ٤ ـ ٦٦ ، والقاموس ٢ ـ ٢١١.

(٧) خط على : قد ، في ( س ).

٨٦

إذا قالت حذام فصدقوها

فإن القول ما قالت حذام

(١) انتهى (٢).

فقد ظهر أن جميع الفتن الواقعة في الإسلام من فروع الشورى والسقيفة وسائر ما أبدعه وأسسه (٣) هذا المنافق وأخوه عليهما لعنة اللاعنين.

بيان :

قوله عليه‌السلام : يهر عقيرته .. الهرير : الصوت والنباح (٤).

والعقيرة كفعيلة أيضا ـ : الصوت (٥) .. أي يرفع صوته. وفي بعض النسخ بالزاي.

وعفيرته بالفاء على التصغير والعفرة (٦) : بياض الإبط (٧) ، ولعل المعنى يحرك منكبيه للخيلاء ، والأول أظهر (٨).

قال الجوهري (٩) : العقيرة : الساق المقطوعة ، وقولهم : رفع فلان عقيرته .. أي صوته ، وأصله أن رجلا قطعت إحدى رجليه فرفعها ووضعها على الأخرى وصرخ ، فقيل بعد لكل رافع صوته : قد رفع عقيرته (١٠).

__________________

(١) كذا ، والظاهر : حذام ، كما في المصدر. وقد نسب البيت في اللسان ( مادة : رقش ) إلى جيم بن صعب.

(٢) إلى هنا كلام ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة ٩ ـ ٢٨ ـ ٣٠ ، كما مر.

(٣) وضع على الكلمة رمز نسخة بدل في مطبوع البحار.

(٤) قاله ابن الأثير في نهايته ٥ ـ ٢٥٩ ، وابن منظور في لسانه ٥ ـ ٢٦١ وغيرهما في غيرهما.

(٥) ذكره في لسان العرب ٤ ـ ٥٩٣ ، ونهاية ابن الأثير ٣ ـ ٢٧٥ ، وتاج العروس ٣ ـ ٤١٥.

(٦) في ( س ) و ( ك‍ ) : عقيرته .. والعقرة. وهو سهو.

(٧) انظر : النهاية ٣ ـ ٢٦١ ، ولسان العرب ٤ ـ ٥٨٥. فيهما : بياض ليس بالناصع.

(٨) لا توجد في ( س ) : والأول أظهر.

(٩) صحاح اللغة ٢ ـ ٧٥٤.

(١٠) لاحظ النهاية ٣ ـ ٢٧٥ ، وتاج العروس ٣ ـ ٤١٥.

٨٧

الطن التاسع عشر :

أنه أوصى بدفنه في بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذلك تصدى لدفن أبي بكر هناك ، وهو تصرف في ملك الغير من غير جهة شرعية ، وقد نهى الله الناس عن دخول بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير إذن بقوله : ( لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ) (١) ، وضربوا المعاول عند أذنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال تعالى : ( لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ ) (٢). وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : حرمة المسلم ميتا كحرمته (٣) حيا (٤).

وتفصيل القول في ذلك ، أنه ليس يخلو موضع قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أن يكون باقيا على ملكه أو يكون انتقل في حياته إلى عائشة كما ادعاه بعضهم فإن كان الأول لم يخل (٥) من أن يكون ميراثا بعده أو صدقة ، فإن كان ميراثا فما كان يحل لأبي بكر وعمر من بعده أن يأمرا بدفنهما فيه إلا بعد إرضاء الورثة ، ولم نجد أحدا خاطب أحدا من الورثة على ابتياع هذا المكان ولا استنزله (٦) عنه بثمن ولا غيره ، وإن كان صدقة فقد كان يجب أن يرضى عنه جماعة المسلمين ، وابتياعه (٧) منهم إن جاز الابتياع لما يجري هذا المجرى ، وإن كان نقل في حياته فقد كان يجب أن يظهر سبب انتقاله والحجة فيه ، فإن فاطمة عليها‌السلام لم يقنع

__________________

(١) الأحزاب : ٥٣.

(٢) الحجرات : ٢.

(٣) في مطبوع البحار : كحرمة ـ بلا ضمير ـ.

(٤) هذا ما تسالم عليه الفريقان ، وجاء في سنن الدارمي في كتاب المناسك : ٧٦ وغيره.

(٥) في ( س ) : لم يزل.

(٦) الكلمة مشوشة في المطبوع من البحار.

(٧) في ( س ) : يبتاعه.

٨٨

منها في انتقال فدك إلى ملكها بقولها ولا شهادة من شهد لها.

وأما استدلال بعضهم بإضافة البيوت إليهن في قوله تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ .. ) (١) فمن ضعيف (٢) الشبهة ، إذ هي لا تقتضي الملك وإنما تقتضي السكنى ، والعادة في استعمال هذه اللفظة فيما ذكرناه ظاهرة ، قال الله تعالى : ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) (٣) ولم يرد تعالى إلا حيث يسكن وينزلن دون حيث يملكن بلا شبهة ، وأيضا قوله تعالى : ( لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ) (٤) متأخر في الترتيب عن قوله : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) (٥) ، فلو كان هذا دالا على ملكية الزوجات لكان ذلك دالا على (٦) كونها ملكه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والجمع بين الآيتين بالانتقال لا يجديهم ، لتأخر النهي عن الدخول من غير إذن عن الآية الأخرى في الترتيب ، والترتيب حجة عند كلهم أو جلهم ، مع أنه ظاهر أن البيوت كانت في يده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتصرف فيها كيف يشاء ، واختصاص كل من الزوجات بحجرة لا يدل (٧) على كونها ملكا لها.

وأما اعتذارهم بأن عمر استأذن عائشة في ذلك ، حيث روى البخاري (٨) ، عن عمرو بن ميمون في خبر طويل يشمل على قصة قتل عمر قال : قال لابنه عبد الله : انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل : يقرأ عليك عمر السلام ، ولا تقل أمير المؤمنين ، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا ، وقل : يستأذن عمر بن الخطاب أن

__________________

(١) الأحزاب : ٣٣.

(٢) كذا ، والظاهر : ضعف.

(٣) الطلاق : ١.

(٤) الأحزاب : ٥٣.

(٥) الطلاق : ١.

(٦) لا توجد : على ، في ( س ).

(٧) في ( س ) : لا يدله.

(٨) صحيح البخاري ٥ ـ ١٩ ـ ٢٢ ـ دار الشعب ـ كتاب المناقب ، باب مناقب عثمان ، الحديث الأخير ، باختلاف يسير.

٨٩

يدفن مع صاحبيه ، (١) .. فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي ، فقال (٢) : يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه ، (٣) فقالت : كنت أريده لنفسي ولأوثرن به اليوم على نفسي ، فلما أقبل قيل هذا عبد الله بن عمر قد جاء ، قال (٤) : ارفعوني ، فأسنده رجل إليه ، فقال : ما لديك؟. فقال : الذي تحب يا أمير المؤمنين ، أذنت. قال : الحمد لله ، ما كان شيء (٥) أهم إلي من ذلك. قال : فإذا أنا قبضت فاحملوني ، ثم سلم فقل (٦) يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذنت لي فأدخلوني وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين .. (٧).

فهذا دليل واضح على جهله أو تسويله وتمويهه على العوام ، لما قد عرفت من أنه إن كان صدقة يشترك فيه المستحقون كما يدل عليه الخبر الذي افتراه أبو بكر فتحريم التصرف فيه (٨) بالدفن ونحوه واضح ، وإن كان ميراثا فالتصرف فيه قبل القسمة من دون استئذان جميع الورثة أيضا محرم ، ولا ينفع طلب الإذن من عائشة وحدها (٩)

__________________

(١) في المصدر زيادة : قال.

(٢) في ( ك‍ ) : وقال.

(٣) زيادة : قال ، قبل : فقالت ، جاءت في صحيح البخاري.

(٤) في المصدر : فقال : قال.

(٥) في المصدر : من شيء ، ومثله في جامع الأصول.

(٦) في صحيح البخاري : وقل.

(٧) قريب منه في صحيح البخاري ٢ ـ ١٢٨ كتاب الجنائز باب ما جاء في قبر النبي (ص) وأبي بكر وعمر ، حديث ٥. وأورده ابن سعد في الطبقات ٣ ـ ٣٣٨ ، وابن الأثير في الكامل ٣ ـ ٢٧ ، وكذا في جامع الأصول ٤ ـ ١٢٠ خلال حديث ٢٠٨٥ ، وابن حجر في فتح الباري ٧ ـ ٥٦ ـ ٥٧.

(٨) وضع في المطبوع من البحار على : فيه ، رمز نسخة بدل.

(٩) والذي نظنه ـ وظن الألمعي الصواب ـ أن من أعظم المطاعن على الخليفة الثاني وأفجع مثالبه ـ مع كثرتها وقل ما وصل منها إلينا ـ عدا ظلمه لآل الله وغصبه لحق ولي الله وتغييره لسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستخفافه بأحكام الله ، وبدعه وجهله وتلونه ونفاقه .. وكل ما سردناه لك نهيه عن الحديث ، نقلا وكتابة ، فهو تارة ينهى عن نقل الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأخرى عن الإكثار به ، وثالثة عن تفسيره ، ورابعة عن تأويله .. وهكذا بعد أن عرف عنه أنه نهى عن مشكل

.

٩٠

__________________

القرآن وعن السؤال عما لم يقع.

وقد وجدنا نماذج فلتت من أقلام أعلامهم وبرزت ، وروايات خفيت عن نقادهم بل كلمات صدرت من الصحابة في غفلة من درة عمر وسيف البغي.

وفي هذا المقام فقد جاء عن عروة أنه قال : إن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن فاستفتى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك ، فأشاروا عليه أن يكتبها! فطفق عمر يستخير الله فيها شهرا ثم أصبح يوما وقد عزم الله له ، فقال : إني كنت أريد أن أكتب السنن وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتابا فأكبوا عليه وتركوا كتاب الله ..!!. كما أوردها الدارمي في سننه ١ ـ ١٢٥ ، والحاكم في مستدركه ١ ـ ١٠٤ ـ ١٠٦ ، وجاء في مختصر جامع العلم : ٣٦ و ٣٧ وغيرهم.

وها هو الطبري يحكي عن عمر قوله ـ كما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣ ـ ١٢٠ ـ أربع مجلدات ـ : جردوا القرآن ولا تفسروه! ، وأقلوا الرواية عن رسول الله وأنا شريككم. وقد قال ابن كثير في تاريخه : ٨ ـ ١٠٧ : هذا معروف عن عمر ، وإن عمر حبس ثلاثة : ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري حتى مات عمر. وقاله غير واحد كما في مجمع الزوائد ١ ـ ١٤٩ ، وتذكرة الحفاظ ١ ـ ٧.

وجاء في مستدرك الحاكم ١ ـ ١١٠ : أن عمر بن الخطاب قال لابن مسعود ولأبي الدرداء ولأبي ذر : ما هذا الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب.

وقد سبقه الأول ـ كما جاء في كنز العمال ٥ ـ ٢٣٧ ، وتذكرة الحفاظ ١ ـ ٥ ، والبداية والنهاية وغيرها عن عائشة ، قالت : جمع أبي الحديث عن رسول الله فكانت خمسمائة حديث! فبات يتقلب ، فقلت : يتقلب لشكوى أو لشيء بلغه؟ ، فلما أصبح قال : أي بنية! هلمي بالأحاديث التي عندك ، فجئته بها فأحرقها.

وسار الثاني على منهاج الأول ، فها هو ابن سعد في الطبقات الكبرى ٥ ـ ١٨٨ ، والخطيب البغدادي في تقيد العلم وغيرهما قالا : إن عمر خطب في خلافته فقال : لا يبقين أحد عنده كتابا إلا أتاني به فأرى فيه رأيي ، فظنوا أنه يريد النظر فيها ليقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف ، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار! ، بل هو بعث في الأمصار يأمرهم : من كان عنده شيء فليمحه ، كما جاء في جامع بيان العلم لابن عبد البر.

وعلى كل ، فإن السلطة الحاكمة والسياسة الوقتية السائدة اقتضت مصالحها محو السنة وحرقها ، وعدم التحدث بها ، ومعاقبة من يقول بها وينشرها ، بل وحتى من يعمل بها ، وإحياء البدع ونشرها ، وإعطاءها صبغة شرعية ، ولذا كان الاجتهاد بالرأي والقياس والاستحسان مسألة طبيعية في الأحقاب اللاحقة نتيجة فقد النص ، ولذا تشبثوا بالاقتداء بسنة أبي بكر ومن لحق به وشايعه

.

٩١

__________________

كمعاوية ونغله ومروان بن الحكم وعبد الملك وولده الوليد وسليمان .. وهكذا دواليك إلى أن جاء عمر بن عبد العزيز فطلب من أبي بكر الحزمي أن يكتب له ما كان من حديث رسول الله أو سنته أو حديث عمر بن الخطاب! كما صرح بذلك مالك في الموطإ ١ ـ ٥ وغيره. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أقول : هذه نماذج يسيرة جدا عما هناك ، ولم نستقص وما كان من قصدنا الاستقصاء حول الدور البشع الذي واجه الخليفة به حديث الرسول (ص) قصد بها أغراض سياسية وقتية للسد على الأمة أبواب المعرفة وحبسها في براثن الجاهلية وحرمانها من ينبوع الوحي ، وإلقائها في معترك الأهواء ، وإبعادها من نمير صاحب الرسالة وأهل بيته سلام الله عليهم أجمعين وفضائلهم.

وهذه سيرة سار عليها قضت على معالم الدين وضربت صميم الإسلام و ..

مع أنا نعلم : أن الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب ـ جامع بيان العلم ٢ ـ ١٩١ وأن متشابهات القرآن لا ترفع إلا بالسنة ، وهما لا يتفارقان حتى يردا على النبي الحوض ...

فحق لنا أن نعد ـ بعد كل هذا ـ أن هذا أهم مطاعن الرجل وأعظم مساويه.

وقولته لأبي هريرة وكعب الأحبار وغيرهما معروفة ، أورد جملة منها في كنز العمال ٥ ـ ٢٣٩ ، وتاريخ ابن كثير ٨ ـ ١٠٦ وغيرهما.

وجاء في شرح النهج لابن أبي الحديد ١ ـ ١٧٤ : قيل لابن عباس لما أظهر قوله في العول بعد موت عمر ـ ولم يكن قبل يظهره ـ : هلا قلت هذا وعمر حي؟!. قال : هبته.

وعن ابن عباس ، قال : مكثت سنتين أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن .. كما جاء في كتاب العلم لابن عمرو : ٥٦.

وعن أبي هريرة ، قال : لقد حدثتكم بأحاديث لو حدثت بها زمن عمر بن الخطاب لضربني عمر بالدرة ، كما جاء في بيان العلم ٢ ـ ١١٢.

وعنه أيضا قال : ما كنا نستطيع أن نقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى قبض عمر!. تاريخ ابن كثير ٨ ـ ١٠٧.

وبعد كل هذا ، فها هو عمر يصرح على المنبر : أحرج بالله على رجل يسأل عما لم يكن ، فإن الله قد بين ما هو كائن .. سنن الدارمي ١ ـ ٥٠ ، جامع بيان العلم ٢ ـ ١٤١.

ومن الشواهد المؤلمة قصة صبيغ ـ فقد رويت عن جمع من الصحابة وبألفاظ مختلفة ـ أن رجلا يقال له : صبيغ ، قدم المدينة ، فجعل يسأل عن متشابه القرآن ، فأرسل إليه عمر ـ وقد أعد له عراجين النخل ـ فقال له : من أنت؟. قال : أنا عبد الله صبيغ ، فأخذ عمر عرجونا من تلك العراجين فضربه! ، وقال : أنا عبد الله عمر ، فجعل له ضربا حتى دمي رأسه ، فقال : يا أمير المؤمنين! حسبك ، قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي!. وعن السائب : فلم يزل وضيعا في قومه

٩٢

ومن أعجب العجب أن الجهال من المخالفين بل علماؤهم يعدون هذا الدفن من مناقبهما وفضائلهما ، بل يستدلون به على استحقاقهما للإمامة والخلافة.

وقد روى الشيخ المفيد قدس الله روحه في مجالسه (١) أن فضال بن الحسن بن فضال الكوفي مر بأبي حنيفة وهو في جمع (٢) كثير يملي (٣) عليهم شيئا من فقهه وحديثه ـ ، فقال لصاحب كان معه : والله لا أبرح أو أخجل أبا حنيفة .. فدنا منه فسلم عليه ، فرد ورد القوم بأجمعهم السلام عليه ، فقال : يا أبا حنيفة رحمك الله! إن لي أخا يقول : إن خير الناس بعد رسول الله (ص) علي بن أبي طالب ( عليه

__________________

حتى هلك وكان سيد قومه!. انظر : سنن الدارمي : ١ ـ ٥٤ و ٥٥ ، وتاريخ ابن عساكر ٦ ـ ٣٨٤ ، وتفسير ابن كثير ٤ ـ ٢٣٢ ، والإتقان للسيوطي ٢ ـ ٥ ، وكنز العمال ١ ـ ٢٢٨ ، ٢٢٩ ، وفتح الباري ٨ ـ ١٧ ، وسيرة عمر لابن الجوزي : ١٠٩ ، وإحياء العلوم ١ ـ ٣٠ وغيرها.

وبعد نهيه عن القرآن تفسيرا ، والحديث رواية ، والسنة تدوينا ، منع عن الكتب والمؤلفات قراءة أو حفظا ، ونسخا وتدوينا. وقد جاء بطرق مختلفة ومضامين متظافرة جملة من الروايات سلف بعضها ، منها أنه عاقب من حفظها بل من أخبر بوجودها ، وقد أصابوا عند فتح المدائن كتبا فيها علم من علوم الفرس .. وقد عاقب آخر وضربه حتى قال : دعني ، فو الله لا أدع عندي شيئا من تلك الكتب إلا أحرقته ، فتركه!.

وقد أمر عمرو بن العاص بإحراق كتب مدينة الإسكندرية ، وتلك قصة مشهورة نقلها أكثر من واحد من المؤرخين كما في تاريخ مختصر الدول للملطي ـ المتوفى سنة ٦٨٤ ه‍ ـ صفحة : ١٨٠ ، وتاريخ التمدن الإسلامي لجرجي زيدان ٣ ـ ٤٠ و ٤٢ وغيرهما ، وقد ناقشها بعض المتأخرين منا بما لا حاصل فيه ، ولم نعقد حواشينا لتفصيلها ، وقد أسندها وفصل البحث فيها شيخنا الأميني في غديره ٦ ـ ٢٩٧ ـ ٣٠٢ ، فراجع.

ثم بعد هذا فقد حرم خليفتهم كل بحث وتحقيق ـ كما ذكره حجة إسلامهم الغزالي ـ يقول في إحياء العلوم : ١ ـ ٣٠ : و [ عمر ] هو الذي سد باب الكلام والجدل ، وضرب صبيغا بالدرة لما أورد عليه سؤالا في تعارض آيتين في كتاب الله ، وهجره ، وأمر الناس بهجره!!.

فهل يبقى ـ والحال هذه ـ مبدأ لأصول التعليم والتعلم؟ ومن هنا قد حرمت الأمة الكثير الكثير ونزلت الحضيض الحضيض ببركة تلك الدرة وصاحبها.

(١) جاء في الفصول المختارة ٢ ـ ٤٤ ـ ٤٥ ، بتصرف واختصار.

(٢) في ( س ) : جميع.

(٣) في ( س ) : يمل.

٩٣

السلام ) وأنا أقول إن أبا بكر خير الناس (١) وبعده عمر ، فما تقول أنت رحمك الله؟. فأطرق مليا ثم رفع رأسه ، فقال : كفى بمكانهما من رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] كرما وفخرا ، أما علمت أنهما ضجيعاه في قبره ، فأي حجة أوضح لك من هذه؟!. فقال له فضال : إني قد قلت ذلك لأخي ، فقال : والله لئن كان الموضع لرسول الله صلى الله عليه وآله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حق ، وإن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله صلى الله عليه وآله فقد أساءا وما أحسنا (٢) إذ رجعا في هبتهما ونكثا عهدهما ، فأطرق أبو حنيفة ساعة ثم قال (٣) له : لم يكن له ولا لهما (٤) خاصة ، ولكنهما نظرا في حق عائشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق (٥) ابنتيهما ، فقال (٦) فضال : قد قلت له ذلك ، فقال : أنت تعلم أن النبي (ص) مات عن تسع نساء (٧) ، ونظرنا فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن ، ثم أنظرنا (٨) في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر ، فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك ، وبعد فما بال عائشة وحفصة ترثان رسول الله (ص) وفاطمة عليها السلام ابنته تمنع الميراث. فقال أبو حنيفة : يا قوم! نحوه عني ، فإنه والله رافضي خبيث. انتهى.

ثم على تقدير جواز دفنهما هناك فلا دلالة له على فضلهما بمعنى زيادة الثواب والكرامة عند الله تعالى ، فإن ذلك إنما يكون بالصالحات من الأعمال كما

__________________

(١) في المصدر زيادة : بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٢) في المصدر : أحسنا إليه.

(٣) في الفصول زيادة : قل.

(٤) جاءت العبارة في المصدر هكذا : لم يكن لهما ولا له ـ بتقديم وتأخير ـ.

(٥) في ( ك‍ ) : وبحقوق.

(٦) في المصدر : فقال له.

(٧) حشايا ، بدلا من : نساء ، جاءت في المصدر.

(٨) في الفصول المهمة : ثم نظرنا.

٩٤

قال الله تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) (١). نعم لو كان ذلك بوصية من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكان كاشفا عن فضل ودليلا على شرف (٢) ، وما روي من أنه يلحق الميت نفع في الآخرة بالدفن في المشاهد المشرفة فإنما هو في الحقيقة إكرام لصاحب المشهد بالتفضل على من حل بساحته وفاز بجواره (٣) إن كان من شيعته والمخلصين له.

__________________

(١) الحجرات : ١٣.

(٢) وجاء في الصراط المستقيم ٣ ـ ٢٨ : عن إحياء العلوم للغزالي في الفصل الرابع من الجزء الأول :

أن عمر سأل حذيفة هل هو من المنافقين أم لا؟.

ولو لا أنه علم من نفسه صفات تناسب صفات المنافقين لم يكن يشك فيها ولم يتقدم على فضيحتها.

(٣) في المطبوع : بجوازه. وهو سهو.

تذييل :

نود أن نختم بحثنا هذا ببعض الكلمات المأثورة عن خليفة القوم :

منها : ما جاء في كنز العمال ١ ـ ١٠٣ ، عن قتادة قال عمر بن الخطاب : من قال إني عالم فهو جاهل ، ومن قال إني مؤمن فهو كافر!!. وقريب منه جاء في شعب الإيمان.

ومنها : ما قاله الضحاك : قال عمر : يا ليتني كنت كبش أهلي سمنوني ما بدا لهم حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون فجعلوا بعضي شواء وبعضي قديدا ثم أكلوني فأخرجوني عذرة ولم أكن بشرا. ذكره المتقي في الكنز ٦ ـ ٣٤٥ وقال : أخرجه هناد.

ومنها : ما ذكره ابن سعد في طبقاته ٣ ـ ٢٨٦ ، عن سالم بن عبد الله أنه قال : إن عمر بن الخطاب كان يدخل يده في دبرة البعير ويقول : إني لخائف أن أسأل عما بك!.

ومنها : ما عن سعيد بن يسار ، قال : بلغ عمر بن الخطاب أن رجلا بالشام يزعم أنه مؤمن ، فكتب إلى أميره أن ابعثه إلي ، فلما قدم قال : أنت الذي تزعم أنك مؤمن؟. قال : نعم يا أمير المؤمنين. قال : ويحك! ومم ذاك؟. قال : أولم تكونوا مع رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أصنافا ، مشرك ومنافق ومؤمن؟ ممن أين كنتم؟ فمد عمر يده إليه معرفة لما قال حتى أخذ بيده.

ومنها : سمع عمر بن الخطاب رجلا ينادي رجلا : يا ذا القرنين ، قال : أفرغتم من أسماء الأنبياء فارتفعتم إلى أسماء الملائكة؟!. أوردها الدميري في حياة الحيوان ٢ ـ ٢١ ، وابن حجر في فتح الباري ٦ ـ ٢٩٥ وغيرهما.

ومنها : قصة شراء الخليفة للإبل من أعرابي ، وقوله له أكثر من مرة : إنك رجل سوء ، وقضاء علي

٩٥

__________________

عليه‌السلام لنفع الأعرابي ، كما أوردها في كنز العمال ٢ ـ ٢٢١ ، والمنتخب منه ٢ ـ ٢٣١ ـ هامش مسند أحمد ـ وغيرهما.

وأقول : عرفته الأعراب فكيف يجهل أو يتجاهله غيرهم.

ومنها : ما أورده في عمدة القاري ٧ ـ ١٤٣ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ٣ ـ ١٠٤ ـ أربع مجلدات ـ وغيرهما من أنه جاءت سرية لعبيد الله بن عمر تشكوه عند أبيه ، فقالت : يا أمير المؤمنين! ألا تعذرني في أبي عيسى؟!. قال : ومن أبو عيسى؟. قالت : ابنك عبيد الله. قال : ويحك! وقد تكنى بأبي عيسى؟!. ودعاه وقال : إيها! اكتنيت بأبي عيسى؟!. فحذر وفزع ، فأخذ يده فعضها! حتى صاح ، ثم ضربه.

وهذا آخر أنواع التأديب والتعزير التي لا تعرفه إلا حكومات الغاب.

ومنها : ما جاء في حاشية السيوطي المدونة على القاموس في لفظ ( الابنة ) : أنها كانت في خمسة في زمن الجاهلية أحدهم سيدنا عمر!. ومن هنا وغيره ادعى لقب : أمير المؤمنين ، حيث قال الصادق عليه السلام إنه ما ادعاه أحد غير علي بن أبي طالب عليه السلام إلا كان ممن يؤتى في دبره ، وألف صاحب تفسير نور الثقلين كتابا أثبت أن هذه الحالة كانت مع الخلفاء الأمويين والعباسيين بأجمعهم ، واستشهد بشواهد من الشعر والنثر على وجود تلك العاهة لكل واحد منهم من طريقي العامة والخاصة.

هذا ونوصي بقراءة ما كتبه شيخنا الأميني ـ رحمه‌الله ـ تحت عنوان : نوادر الأثر في علم عمر في موسوعته الغدير ٦ ـ ٨٣ ـ ٣٣٣. وكنا غالبا في بحثنا هذا عيال عليه ، وآخذين منه.

قال في محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني ٢ ـ ٢١٣ ـ طبعة مصر ـ عن ابن عباس قال : كنت مع عمر بن الخطاب في ليلة ـ وعمر على بغل وأنا على فرس ـ فقرأ آية فيها ذكر علي بن أبي طالب ، فقال : أما والله يا بني عبد المطلب لقد كان علي فيكم أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر ..!.

٩٦

[٢٤] باب

نسبه وولادته ووفاته وبعض نوادر أحواله ،

وما جرى بينه وبين

أمير المؤمنين صلوات الله عليه

١ ـ فس (١) : قال علي بن إبراهيم : ثم حرم الله عز وجل نكاح الزواني ، فقال : ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (٢) ، وهو رد على من يستحل التمتع بالزواني والتزويج بهن ، وهن المشهورات المعروفات بذلك (٣) في الدنيا ، لا يقدر الرجل على تحصنهن (٤) ، ونزلت هذه الآية في نساء مكة ، كن مستعلنات بالزنا ، سارة ، وحنتمة ، والرباب كن يتغنين (٥) بهجاء رسول الله صلى الله عليه وآله ، فحرم الله نكاحهن ، وجرت بعدهن في النساء من أمثالهن (٦).

__________________

(١) تفسير علي بن إبراهيم القمي ٢ ـ ٩٥ ـ ٩٦.

(٢) النور : ٣.

(٣) في المصدر لا توجد : بذلك.

(٤) في التفسير : على تحصينهن.

(٥) جاءت في المصدر : يغنين.

(٦) من : فس إلى هنا لا يوجد في ( س ).

٩٧

قال العلامة نور الله ضريحه في كتاب كشف الحق (١) ، وصاحب كتاب إلزام النواصب (٢) : .. وروى الكلبي وهو من رجال أهل السنة في كتاب المثالب (٣) ، قال : كانت صهاك أمة حبشية لهاشم بن عبد مناف ، فوقع (٤) عليها نفيل بن هاشم (٥) ، ثم وقع عليها عبد العزى بن رياح ، فجاءت بنفيل جد عمر ابن الخطاب.

وقال الفضل بن روزبهان الشهرستاني في شرحه (٦) بعد القدح في صحة النقل ـ : إن أنكحة الجاهلية على ما ذكره أرباب التواريخ على أربعة أوجه :

منها : أن يقع جماعة على امرأة ثم ولد منها يحكم فيه القائف أو تصدق المرأة ، وربما كان هذه من أنكحة الجاهلية.

وأورد عليه شارح الشرح رحمه‌الله (٧) : بأنه لو صح ما ذكره لما تحقق زنا في الجاهلية ، ولما عد مثل ذلك في المثالب ، ولكان كل من وقع على امرأة كان ذلك نكاحا منه عليها ، ولم يسمع من أحد (٨) أن من أنكحة الجاهلية كون امرأة واحدة في يوم واحد أو شهر واحد في نكاح جماعة من الناس.

ثم إن الخطاب على ما ذكره ابن عبد البر في الإستيعاب (٩) ابن نفيل بن

__________________

(١) كشف الحق ( نهج الحق وكشف الصدق ) : ٣٤٨.

(٢) إلزام النواصب : ٩٧ ـ النسخة الخطية ـ فصل : بعض ما ورد في أنسابهم ، الثاني :.

(٣) المثالب للكلبي أبي المنذر هشام بن محمد بن السائب النسابة المتوفى ٢٠٥ ه‍ ، ولا نعلم بطبعه.

(٤) في إلزام النواصب : فواقع. وكذا ما يأتي.

(٥) في الإلزام : هشام ، بدلا من : هاشم.

(٦) شرح كشف الحق للشهرستاني ، الفضل بن روزبهان الخواجة مولانا في كتابه ( إبطال المنهج الباطل في الرد على ابن المطهر ) ولا نعرف له نسخة خطية فضلا عن مطبوعه ، وما في إحقاق الحق منه لم يشر إلى ما ذكر هنا.

(٧) لعله إحقاق الحق للشهيد الثالث التستري طاب ثراه ، ولم نجده فيما هو مطبوع منه.

(٨) في ( س ) : عن أحد.

(٩) الاستيعاب المطبوع على هامش الإصابة ٢ ـ ٤٥٨.

٩٨

عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن القرط بن زراح (١) بن عدي بن كعب القرشي ، وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.

قال (٢) : وقد قالت طائفة في أم [ فلان ] حنتمة بنت هاشم بن المغيرة ، ومن قال ذلك فقد أخطأ ، ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل بن هشام ، والحرث بن هشام (٣) المغيرة ، وليس كذلك ، وإنما هي بنت عمه ، لأن هشام بن المغيرة والحرث بن المغيرة أخوان لهاشم والد (٤) حنتمة أم [ فلان ] ، وهشام والد الحرث وأبي جهل.

وحكى بعض أصحابنا عن محمد بن شهر آشوب (٥) وغيره : أن صهاك كانت أمة حبشية لعبد المطلب ، وكانت ترعى له الإبل ، فوقع عليها نفيل فجاءت بالخطاب ، ثم إن الخطاب لما بلغ الحلم رغب في صهاك فوقع عليها فجاءت بابنة فلفتها في خرقة من صوف ورمتها خوفا من مولاها في الطريق ، فرآها هاشم بن المغيرة مرمية فأخذها ورباها وسماها : حنتمة ، فلما بلغت رآها خطاب يوما فرغب فيها وخطبها من هاشم فأنكحها إياه فجاءت [ بفلان ] ، فكان الخطاب أبا وجدا وخالا [ لفلان ] ، وكانت حنتمة أما وأختا وعمة له ، فتدبر.

وأقول: وجدت في كتاب عقد الدرر (٦) لبعض الأصحاب روى (٧)

__________________

(١) في المصدر : رزاح.

(٢) قاله ابن عبد البر في الاستيعاب ٢ ـ ٤٥٨ ـ ٤٥٩.

(٣) في المصدر زيادة : بن.

(٤) جاءت العبارة في الاستيعاب هكذا : وإنما هي ابنة عمها فإن هاشم بن المغيرة وهشام بن المغيرة أخوان ، فهاشم والد .. وهو الصحيح.

(٥) لعله في كتابه المثالب ، الذي يعد القسم الثاني من المناقب ، ولا زال مخطوطا ، قيض الله سبحانه له من يبادر إلى طبعه ونشره.

(٦) وهو كتاب عقد الدرر في تاريخ وفاة عمر ، ويسمى الحديقة الناضرة ، مجهول المؤلف ، رتب على أربعة فصول وخاتمة ، واحتمل شيخنا الطهراني في الذريعة ١٥ ـ ٢٩٨ كون الكتاب للشيخ حسن بن سليمان الحلي ، وهناك كتاب باسم مقتل عمر لعلي بن مظاهر الحلي ، ولاحظ ما جاء في مستدركاتنا في آخر الكتاب.

(٧) لا توجد : روى ، في ( ك‍ ).

٩٩

بإسناده ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم (١) ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن ابن الزيات ، عن الصادق عليه السلام أنه قال : كانت صهاك جارية لعبد المطلب ، وكانت ذات عجز ، وكانت ترعى الإبل ، وكانت من الحبشة (٢) ، وكانت تميل إلى النكاح ، فنظر إليها نفيل جد [ فلان ] فهواها وعشقها من مرعى الإبل فوقع عليها ، فحملت منه بالخطاب ، فلما أدرك البلوغ نظر إلى أمه صهاك فأعجبه عجزها فوثب عليها فحملت منه بحنتمة ، فلما ولدتها خافت من أهلها فجعلتها في صوف وألقتها بين أحشام مكة ، فوجدها هشام بن المغيرة بن الوليد ، فحملها إلى منزله ورباها وسماها بـ : الحنتمة ، وكانت مشيمة العرب من ربى يتيما يتخذه ولدا ، فلما بلغت حنتمة نظر إليها الخطاب فمال إليها وخطبها من هشام ، فتزوجها فأولد منها [ فلان ] ، وكان الخطاب أباه وجده وخاله ، وكانت حنتمة أمه وأخته وعمته.

وينسب إلى الصادق عليه‌السلام في هذا المعنى شعر :

من جده خاله ووالده

وأمه أخته وعمته

أجدر أن يبغض الوصي وأن

ينكر يوم الغدير بيعته

انتهى (٣).

وقال ابن أبي الحديد (٤) في شرح قوله عليه السلام : لم يسهم فيه عاهر ، ولا ضرب فيه فاجر .. في الكلام رمز إلى جماعة من الصحابة في أنسابهم طعن ، كما يقال : إن آل سعد بن أبي وقاص ليسوا من بني زهرة بن كلاب ، وإنهم من بني

__________________

(١) لا توجد : بن هاشم ، في ( ك‍ ).

(٢) في ( ك‍ ) : الحبشية.

(٣) قال في الصراط المستقيم ٣ ـ ٢٨ : وقد روى جماعة عن عمر : تعلموا أنسابكم تصلوا بها أرحامكم ، ولا يسألني أحد ما وراء الخطاب!.

ونقل عن البخاري ، وإحياء العلوم : أسند أحمد بن موسى : أن رجلا قال للنبي (ص) : من أبي؟. قال : حذافة. فسأله آخر : من أبي؟. قال : سالم. فبرك عمر على ركبتيه وقال ـ بعد كلام ـ :

لا تبد علينا سوأتنا ، واعف عنا. رواه أبو يعلى الموصلي في المسند عن أنس.

(٤) شرح نهج البلاغة ١١ ـ ٦٧ ـ ٦٨.

١٠٠