بحار الأنوار - ج ٣١

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار - ج ٣١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: الشيخ عبد الزهراء العلوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الرضا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٦٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

طين؟. فقلت : نعم. فقال : ايتني (١) منه ، فأتيت منه بطين ، فتكلم فيه ، ثم قال : ألقه في الركي ، فألقيته ، فإذا الماء قد نبع حتى امتلأ جوانب الركي ، فجئت إليه فأخبرته ، فقال لي : وفقت يا علي وببركتك نبع الماء ، فهذه المنقبة خاصة لي (٢) من دون أصحاب النبي صلى الله عليه وآله.

وأما الحادية والأربعون : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أبشر يا علي! فإن جبرئيل عليه السلام أتاني فقال لي : يا محمد! إن الله تبارك وتعالى نظر إلى أصحابك فوجد ابن عمك وختنك على ابنتك فاطمة خير أصحابك ، فجعله وصيك والمؤدي عنك.

وأما الثانية والأربعون : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أبشر يا علي! فإن منزلك في الجنة مواجه منزلي ، وأنت معي في الرفيق الأعلى في أعلى عليين ، قلت : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وما أعلى عليون؟. فقال : قبة من درة بيضاء لها سبعون ألف مصراع مسكن لي ولك يا علي.

وأما الثالثة والأربعون : فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إن الله عز وجل رسخ حبي في قلوب المؤمنين وكذلك رسخ حبك يا علي في قلوب المؤمنين ، ورسخ بغضي وبغضك في قلوب المنافقين ، فلا يحبك إلا مؤمن تقي ولا يبغضك إلا منافق كافر.

وأما الرابعة والأربعون : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : لن يبغضك من العرب إلا دعي ، ولا من العجم إلا شقي ، ولا من النساء إلا سلقلقية (٣).

وأما الخامسة والأربعون : فإن رسول الله صلى الله عليه وآله دعاني ـ وأنا

__________________

(١) في المصدر : ائتني ـ بالأصل ـ.

(٢) في الخصال : بي ، بدلا من : لي.

(٣) قال في القاموس ٣ ـ ٢٤٦ : والسلقلق : التي تحيض من دبرها ، وبهاء : الصخابة. وقال في ١ ـ ٩٢ : الصخب ـ محركة ـ : شدة الصوت ، صخب ـ كفرح ـ فهو صخاب .. وهي صخبة وصخابة.

٤٤١

رمد العين فتفل في عيني ، وقال : اللهم اجعل حرها في بردها وبردها في حرها ، فو الله ما اشتكت عيني إلى هذه الساعة (١).

وأما السادسة والأربعون : فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر أصحابه وعمومته بسد الأبواب وفتح بابي بأمر الله عز وجل ، فليس لأحد منقبة مثل منقبتي.

وأما السابعة والأربعون : فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني في وصيته بقضاء ديونه وعداته ، فقلت : يا رسول الله! قد علمت أنه ليس عندي مال. فقال : سيعينك الله ، فما أردت أمرا من قضاء ديونه وعداته إلا يسره الله لي حتى قضيت ديونه وعداته ، وأحصيت ذلك فبلغ ثمانين ألفا وبقي بقية أوصيت الحسن أن يقضيها.

وأما الثامنة والأربعون : فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاني في منزلي ولم يكن طعمنا منذ ثلاثة أيام فقال : يا علي! هل عندك من شيء؟. فقلت : والذي أكرمك بالكرامة واصطفاك بالرسالة ما طعمت وزوجتي وابناي منذ ثلاثة أيام. فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا فاطمة! ادخلي البيت وانظري هل تجدين شيئا؟. فقالت : خرجت الساعة. فقلت : يا رسول الله صلى الله عليه وآله أدخله أنا؟!. فقال : ادخله بسم الله ، فدخلت فإذا أنا بطبق موضوع عليه رطب (٢) وجفنة من ثريد ، فحملتها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال : يا علي! رأيت الرسول الذي حمل هذا الطعام ، فقلت : نعم. فقال : صفه لي ، فقلت : من بين أحمر وأخضر وأصفر. فقال : تلك خطط جناح جبرئيل عليه السلام مكللة بالدر والياقوت ، فأكلنا من الثريد حتى شبعنا ، فما رئي إلا خدش أيدينا وأصابعنا ، فخصني الله عز وجل بذلك من بين الصحابة.

__________________

(١) أوردها النسائي في الخصائص : ٣٨ ، وأبو داود الطيالسي في مسنده ١ ـ ١٢٢ ، والرياض النضرة ٢ ـ ١٨٩ ، وغيرهم.

(٢) في الخصال زيادة : من تمر.

٤٤٢

وأما التاسعة والأربعون : فإن الله تبارك وتعالى خص نبيه صلى الله عليه وآله بالنبوة وخصني النبي صلى الله عليه وآله بالوصية ، فمن أحبني فهو سعيد يحشر في زمرة الأنبياء عليهم السلام.

وأما الخمسون : فإن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث ببراءة مع أبي بكر ، فلما مضى أتى جبرئيل عليه السلام ، فقال : يا محمد! لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك ، فوجهني على ناقته الغضباء (١) ، فلحقته بذي الحليفة فأخذتها منه ، فخصني الله عز وجل بذلك.

وأما الحادية والخمسون : فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أقامني للناس كافة يوم غدير خم ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، ( فَبُعْداً ) وسحقا ( لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )

وأما الثانية والخمسون : فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : يا علي! ألا أعلمك كلمات علمنيهن جبرئيل عليه السلام؟!. فقلت : بلى. قال : قل : « يا رزاق المقلين ، ويا راحم المساكين ، ويا أسمع السامعين ، ويا أبصر الناظرين ، ويا أرحم الراحمين ، ارحمني وارزقني ».

وأما الثالثة والخمسون : فإن الله تبارك وتعالى لن يذهب بالدنيا حتى يقوم منا القائم يقتل مبغضينا (٢) ولا يقبل الجزية ، ويكسر الصليب والأصنام ، و ( تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) ، ويدعو إلى أخذ المال فيقسمه بالسوية ، ويعدل في الرعية.

وأما الرابعة والخمسون : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : يا علي! سيلعنك بنو أمية ويرد عليهم ملك بكل لعنة ألف لعنة ، فإذا قام القائم لعنهم أربعين سنة.

وأما الخامسة والخمسون : سمعت أن (٣) رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي : سيفتتن فيك طوائف من أمتي ، فتقول : إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم

__________________

(١) في المصدر : العضباء ، وهو الظاهر ، وقد تقرأ كذلك في ( س ).

(٢) لا توجد : مبغضينا ، في ( س ).

(٣) في الخصال : فإن ، بدلا من : سمعت أن.

٤٤٣

يخلف شيئا فيما إذا أوصى عليا ، أو (١) ليس كتاب ربي أفضل الأشياء بعد الله عز وجل؟ والذي بعثني بالحق لئن لم تجمعه بإتقان لم يجمع أبدا ، فخصني الله عز وجل بذلك من دون الصحابة.

وأما السادسة والخمسون : فإن الله تبارك وتعالى خصني بما خص به أولياءه وأهل طاعته وجعلني وارث محمد صلى الله عليه وآله ، فمن ساءه ساءه ومن سره سره .. وأومى بيده نحو المدينة.

وأما السابعة والخمسون : فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان في بعض الغزوات ففقد (٢) الماء ، فقال لي : يا علي! قم إلى هذه الصخرة ، وقل : أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وآله انفجري إلي (٣) ماء ، فو الله الذي أكرمه بالنبوة ، لقد أبلغتها الرسالة فاطلع منها مثل ثدي البقرة ، فسال من كل ثدي منها ماء ، فلما رأيت ذلك أسرعت إلى النبي صلى الله عليه وآله فأخبرته ، فقال : انطلق يا علي فخذ من الماء ، وجاء القوم حتى ملئوا قربهم وأدواتهم وسقوا دوابهم وشربوا وتوضوا ، فخصني الله عز وجل بذلك من دون الصحابة.

وأما الثامنة والخمسون : فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني في بعض غزواته وقد نفد الماء ـ ، فقال : يا علي! ائت (٤) بتور ، فأتيته به ، فوضع يده اليمنى ويدي معها في التور ، فقال : انبع ، فنبع الماء من بين أصابعنا.

وأما التاسعة والخمسون : فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وجهني إلى خيبر ، فلما أتيته وجدت الباب مغلقا فزعزعته شديدا فقلعته ورميت به أربعين خطوة ، فدخلت فبرز إلي مرحب فحمل علي وحملت عليه ، وسقيت الأرض من (٥)

__________________

(١) في المصدر : فيقولون إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يخلف شيئا فبما ذا أوصى عليا. وهو الظاهر.

(٢) في المصدر : فقد ـ بدون فاء ـ.

(٣) في الخصال : لي ، وهو الظاهر.

(٤) في المصدر : ايتيني.

(٥) لا توجد : من ، في ( س ).

٤٤٤

دمه ، وقد كان وجه رجلين من أصحابه فرجعا منكسفين.

وأما الستون : فإني قتلت عمرو بن عبد ود ، وكان يعد بألف رجل.

وأما الحادية والستون : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : يا علي! مثلك في أمتي مثل ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ، فمن أحبك بقلبه فكأنما قرأ ثلث القرآن ، ومن أحبك بقلبه وأعانك بلسانه فكأنما قرأ ثلثي القرآن ، ومن أحبك بقلبه وأعانك بلسانه ونصرك بيده فكأنما قرأ القرآن كله.

وأما الثانية والستون : فإني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع المواطن والحروب وكانت رايته معي.

وأما الثالثة والستون : فإني لم أفر من الزحف قط ، ولم يبارزني أحد إلا سقيت الأرض من دمه.

وأما الرابعة والستون : فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أتي بطير مشوي من الجنة فدعا الله عز وجل أن يدخل عليه أحب الخلق (١) إليه فوفقني الله للدخول عليه حتى أكلت معه من ذلك الطير.

وأما الخامسة والستون : فإني كنت أصلي في المسجد فجاء سائل فسأل وأنا راكع ـ ، فناولته خاتمي من إصبعي ، فأنزل الله تبارك وتعالى في : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (٢).

وأما السادسة والستون : فإن الله تبارك وتعالى رد علي الشمس مرتين ، ولم يردها على أحد من أمة محمد صلى الله عليه وآله غيري.

وأما السابعة والستون : فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر أن أدعى بإمرة المؤمنين في حياته وبعد موته ولم يطلق ذلك لأحد غيري.

وأما الثامنة والستون : فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : يا علي! إذا

__________________

(١) في المصدر : خلقه.

(٢) المائدة : ٥٥.

٤٤٥

كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش : أين سيد الأنبياء؟ فأقوم ، ثم ينادي : أين سيد الأوصياء؟ فتقوم ، ويأتيني رضوان بمفاتيح الجنة ، ويأتيني مالك بمقاليد النار ، فيقولان : إن الله جل جلاله أمرنا أن ندفعها إليك ونأمرك (١) أن تدفعها إلى علي بن أبي طالب ، فتكون يا علي قسيم الجنة والنار.

وأما التاسعة والستون : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : لولاك ما عرف المنافقون من المؤمنين.

وأما السبعون : فإن رسول الله صلى الله عليه وآله نام ونومني وزوجتي فاطمة وابني الحسن والحسين وألقى علينا عباءة قطوانية ، فأنزل الله تبارك وتعالى فينا : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢) ، وقال جبرئيل عليه السلام : أنا منكم يا محمد ، فكان سادسنا جبرئيل عليه السلام.

٣ و ٤ ـ ل (٣) ، لي (٤) : ابن المتوكل ، عن السعدآبادي ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي الجارود ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : خطبنا علي بن أبي طالب عليه السلام (٥) ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس! إن قدام منبركم هذا أربعة رهط من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم منهم أنس بن مالك والبراء بن عازب الأنصاري (٦) والأشعث بن قيس الكندي وخالد بن يزيد البجلي .. ثم أقبل بوجهه (٧) على أنس بن مالك ، فقال : يا أنس! إن كنت سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، ثم لم

__________________

(١) في ( س ) : تأمرك.

(٢) الأحزاب : ٣٣.

(٣) الخصال ١ ـ ٢١٩ ـ ٢٢٠ باب الأربعة ، مع تفصيل في الإسناد.

(٤) أمالي الشيخ الصدوق : ١٠٦ ـ ١٠٧ ، والسند مختزل والمصنف أخذه منه.

(٥) في الأمالي : أمير المؤمنين عليه‌السلام.

(٦) لا يوجد : الأنصاري ، في الخصال.

(٧) لا يوجد في الخصال : بوجهه.

٤٤٦

تشهد لي اليوم بالولاية فلا أماتك الله حتى يبتليك ببرص لا تغطيه العمامة ، وأما أنت يا أشعث فإن كنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول : من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (١) ثم لم تشهد لي اليوم بالولاية فلا أماتك الله حتى يذهب بكريمتيك ، وأما أنت يا خالد بن يزيد إن (٢) كنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ثم لم تشهد لي اليوم بالولاية فلا أماتك الله إلا ميتة جاهلية ، وأما أنت يا براء بن عازب إن (٣) كنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ثم لم تشهد لي اليوم (٤) بالولاية فلا أماتك الله إلا حيث هاجرت منه.

قال جابر بن عبد الله الأنصاري : والله لقد رأيت أنس بن مالك وقد ابتلي ببرص يغطيه بالعمامة فما تستره ، ولقد رأيت الأشعث بن قيس وقد ذهبت كريمتاه وهو يقول : الحمد لله الذي جعل دعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (٥) بالعمى في الدنيا ولم يدع علي بالعذاب في الآخرة فأعذب ، وأما (٦) خالد بن يزيد فإنه مات فأراد أهله أن يدفنوه ، وحفر له في منزله فدفن ، فسمعت بذلك كندة فجاءت بالخيل والإبل فعقرتها على باب منزله ، فمات ميتة جاهلية ، وأما البراء بن عازب فإنه ولاه معاوية اليمن فمات بها ومنها كان هاجر.

__________________

(١) لا يوجد في الخصال من قوله : اللهم .. إلى هنا.

(٢) في الخصال : فإن.

(٣) في الخصال : فإن.

(٤) في حاشية ( ك‍ ) كلمة : اليوم ، غير معلم عليها ، ولا توجد في ( س ) ، وجاءت في المصدرين.

(٥) في الأمالي زيادة : علي.

(٦) في الأمالي : فأما.

٤٤٧
٤٤٨

[٢٨] باب

ما جرى بين أمير المؤمنين صلوات الله عليه وبين عثمان

وولاته وأعوانه وبعض أحواله

١ ـ ما (١) : بإسناده ، عن عبد الله بن أسعد (٢) بن زرارة ، عن عبد الله (٣) بن أبي عمرة الأنصاري ، قال : لما قدم أبو ذر على عثمان قال : أخبرني أي البلاد أحب إليك؟. قال : مهاجري. قال : لست بمجاوري. قال : فألحق بحرم الله فأكون فيه. قال : لا. قال : فالكوفة أرض بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله. قال : لا. قال : فلست بمختار غيرهن ، فأمره بالمسير إلى الربذة. فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي : اسمع وأطع وأنفذ حيث قادوك ولو لعبد حبشي مجدع ، فخرج إلى الربذة ، فأقام هنا مدة ثم دخل المدينة (٤) فدخل على عثمان والناس عنده سماطين (٥) ـ ، فقال : يا أمير المؤمنين! إن أخرجتني من أرضي إلى

__________________

(١) أمالي الشيخ الطوسي ٢ ـ ٣٢١ ـ ٣٢٢ ، بتفصيل في الإسناد.

(٢) في المصدر : عبد الرحمن بن سعد.

(٣) في الأمالي : عبد الرحمن ، بدلا من : عبد الله.

(٤) في المصدر : فأقام مدة ثم أتى إلى المدينة.

(٥) قال في النهاية ٢ ـ ٤٠١ : وفي حديث الإيمان : حتى سلم من طرف السماط. السماط : الجماعة من الناس والنخل ، والمراد به في الحديث الجماعة الذين كانوا جلوسا عن جانبيه.

٤٤٩

أرض ليس بها زرع ولا ضرع إلا شويهات ، وليس لي خادم إلا محررة (١) ، ولا ظل يظلني إلا ظل شجرة فأعطني خادما وغنيمات أعيش فيها ، فحول وجهه عنه ، فتحول عنه (٢) إلى السماط الآخر ، فقال مثل ذلك ، فقال له حبيب بن سلمة : لك عندي يا أبا ذر ألف درهم وخادم وخمسمائة شاة. قال أبو ذر : أعط خادمك وألفك وشويهاتك من هو أحوج إلى ذلك مني ، فإني إنما أسأل حقي في كتاب الله ، فجاء علي عليه السلام ، فقال له عثمان : ألا تغني عنها (٣) سفيهك هذا!. قال : أي سفيه؟!. قال : أبو ذر. قال علي عليه السلام : ليس بسفيه ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر ، أنزله بمنزلة مؤمن آل فرعون : ( إِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ) (٤). قال عثمان : التراب في فيك. قال علي عليه السلام : بل التراب في فيك ، أنشد بالله من سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك لأبي ذر ، فقام أبو هريرة وعشرة فشهدوا بذلك ، فولى علي عليه السلام.

قال ابن عباس : كنت عند أبي على العشاء بعد المغرب إذ جاء الخادم فقال : هذا أمير المؤمنين بالباب ، فدخل عثمان فجلس ، فقال له العباس : تعش. قال : تعشيت ، فوضع يده ، فلما فرغنا من العشاء قام من كان عنده وجلست وتكلم عثمان ، فقال : يا خال! أشكو إليك ابن أخيك يعني عليا عليه السلام فإنه أكثر في شتمي (٥) ونطق في عرضي ، وأنا أعوذ بالله في ظلمكم بني عبد المطلب ، إن يكن هذا الأمر لكم فقد سلمتموه إلى من هو أبعد مني ، وإن لا يكن

__________________

(١) في ( س ) : مررة. ولا مناسبة لها بالمقام.

(٢) لا توجد : عنه ، في ( س ).

(٣) في المصدر : عنا. وهو الصحيح.

(٤) غافر : ٢٨.

(٥) في المصدر : أكثر علي.

٤٥٠

لكم فحقي أخذت ، فتكلم العباس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وذكر ما خص الله به قريشا منه ، وما خص به بني عبد المطلب خاصة ، ثم قال : أما بعد فما حمدتك لابن أخي ولا حمدت ابن أخي فيك ، وما هو وحده ، ولقد نطق غيره ، فلو أنك هبطت مما صعدت وصعدوا مما هبطوا لكان ذلك أقرب. فقال : أنت وذلك يا خال (١). فقال : فلم تكلم بذلك عنك؟. قال : نعم ، أعطهم عني ما شئت. وقام عثمان فخرج فلم يلبث أن رجع إليه فسلم وهو قائم ، ثم قال : يا خال! لا تعجل بشيء حتى أعود إليك ، فرفع (٢) العباس يديه واستقبل القبلة ، فقال : اللهم اسبق لي (٣) ما لا خير (٤) لي في إدراكه ، فما مضت الجمعة حتى مات.

٢ ـ ما (٥) : ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن جعفر بن (٦) عبد الله العلوي ، عن عمه القاسم بن جعفر العلوي ، عن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن علي بن الحسين ، عن أبيه (٧) ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد ، عن أبي بكر بن عبيد الله (٨) بن عبد الله بن عمر ، عن عبد الله بن عمر ، أنه نزل على خالد بن أسيد بمكة ، فقال له : لو أتيت ابن عمك فوصلك (٩) ، فأتى عثمان فكتب له (١٠) إلى عبد الله بن عامر أن صله بستمائة ألف ، فنزل به من قابل فسأله (١١) ، فقال له :

__________________

(١) في المصدر : يا خالي ـ بالياء ـ.

(٢) في ( س ) : فوقع.

(٣) في الأمالي : استو بي. وفي ( ك‍ ) : بي ، بدلا من : لي ، وجعل الأخيرة نسخة بدل.

(٤) في المصدر : لا خبر.

(٥) الأمالي للشيخ الطوسي ٢ ـ ٣٢٢ ، بتفصيل في الإسناد.

(٦) لا توجد : بن ، في المصدر.

(٧) لا توجد : عن أبيه ، في الأمالي.

(٨) في الأمالي : أبو عبد الله.

(٩) في الأمالي : فوصلت.

(١٠) لا توجد : له ، في المصدر.

(١١) في الأمالي : فسأل.

٤٥١

قد بارك الله لي في مشورتك فأتيته فأمر لي بستمائة ألف ، فقال له ابن عمر : ستين ألفا!. قال : مائة ألف ومائة ألف ومائة ألف (١) .. ست مرات ، فقال له ابن عمر : اسكت! فما أسود عثمان.

أقول : روى ابن أبي الحديد في شرح النهج (٢) ، عن الزبير بن بكار ، قال : روى في الموفقيات (٣) عن علي عليه السلام ، قال : أرسل إلي عثمان في الهاجرة (٤) فتقنعت بثوبي وأتيته ، فدخلت (٥) وهو على سريره وفي يده قضيب وبين يديه مال دثر (٦) صبرتان من ورق وذهب ـ ، فقال : دونك خذ من هذا حتى تملأ بطنك فقد أحرقتني. فقلت : وصلتك رحم! إن كان هذا المال ورثته أو أعطاكه معط أو اكتسبته من تجارة كنت أحد رجلين : إما آخذ وأشكر أو أوفر وأجهد ، وإن كان من مال الله وفيه حق المسلمين واليتيم وابن السبيل ، فو الله ما لك أن تعطينيه ولا لي أن آخذه. فقال : أبيت والله إلا ما أبيت. ثم قام إلي بالقضيب فضربني ، والله ما أرد يده حتى قضى حاجته ، فتقنعت بثوبي ورجعت إلى منزلي وقلت : الله بيني وبينك إن كنت أمرتك بمعروف ونهيتك (٧) عن منكر.

وعن الزبير بن بكار (٨) في الكتاب المذكور (٩) ، قال : روى عن عمه ، عن عيسى بن داود ، عن رجاله ، عن ابن عباس ، قال : لما بنى عثمان داره بالمدينة أكثر

__________________

(١) لا توجد : ومائة ألف ، في المصدر.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ ـ ١٦ ، بتصرف.

(٣) الموفقيات : ٦١٢.

(٤) قال في النهاية ٥ ـ ٢٤٦ : والهجير والهاجرة : اشتداد الحر نصف النهار.

(٥) في الموفقيات زيادة : عليه.

(٦) قال في النهاية ٢ ـ ١٠٠ : فيه ( ذهب أهل الدثور بالأجور ) الدثور ـ جمع دثر ـ وهو المال الكثير ، ويقع على الواحد والاثنين والجميع.

(٧) في الموفقيات : نهيت.

(٨) في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ ـ ٦.

(٩) الموفقيات : ٦٠٢ ـ ٦٠٣.

٤٥٢

الناس عليه في ذلك فبلغه ، فخطبنا في يوم الجمعة ثم صلى (١) بنا ، ثم عاد إلى المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله (ص) ، ثم قال : أما بعد ، فإن النعمة إذا حدثت حدث (٢) لها حساد حسبها ، وأعداء قدرها ، وإن الله لم يحدث لنا نعما ليحدث لها حساد عليها ، ومتنافسون (٣) فيها ، ولكنه قد كان من بناء منزلنا هذا ما كان إرادة جمع المال فيه وضم القاصية إليه ، فأتانا عن أناس منكم أنهم يقولون : أخذ فيئنا (٤) وأنفق شيئا (٥) واستأثر بأموالنا ، يمشون خمرا ، وينطقون سرا ، كأنا غيب عنهم ، وكأنهم يهابون مواجهتنا ، معرفة منهم بدحوض حجتهم ، فإذا غابوا عنا يروح بعضهم إلى بعضهم يذكرنا ، وقد وجدوا على ذلك أعوانا من نظرائهم ، ومؤازرين من شبهائهم ، فبعدا بعدا! ورغما رغما!.

قال : ثم أنشد بيتين يومئ فيهما إلى علي عليه السلام :

توقد بنار أينما كنت واشتعل

فلست ترى مما تعالج شافيا

تشط فيقضي الأمر دونك أهله (٦)

وشيكا ولا تدعى إذا كنت نائيا

وذكر تمام خطبته ، ثم قال : ثم هم بالنزول فبصر بعلي بن أبي طالب عليه السلام ومعه عمار بن ياسر رحمه الله وناس من أهل هواه (٧) يتناجون ، فقال : إيها .. إيها! إسرارا لا جهارا؟! أما والذي نفسي بيده ما أحنق (٨) على جرة (٩) ، ولا

__________________

(١) في ( ك‍ ) : قد صلى.

(٢) في ( س ) : حدت ، وفي المصدرين : حدثت.

(٣) في المصدرين : ومنافسون.

(٤) في ( س ) : فيأ. ولعلها : فيئا ، قد كتبت كذلك.

(٥) في الموفقيات : شيئنا.

(٦) وضع على أهله في ( س ) رمز نسخة بدل.

(٧) في ( ك‍ ) : أهواه.

(٨) في مطبوع البحار : أخنق.

(٩) قال في النهاية ١ ـ ٤٥١ : ( لا يصلح هذا الأمر إلا لمن لا يحنق على جرته ) .. أي لا يحقد على رعيته. والحنق : الغيظ. والجرة : ما يخرجه البعير من جوفه ويمضغه ، والإحناق : لحوق البطن والتصاقه.

٤٥٣

أوتي من ضعف مرة (١) ، ولو لا النظر مني (٢) و (٣) لي ولكم ، والرفق (٤) بي وبكم لعاجلتكم ، فقد اغتررتم وأقلتم (٥) من أنفسكم.

ثم رفع يديه يدعو (٦) وهو يقول : اللهم قد تعلم حبي للعافية وإيثاري للسلامة فأتنيها (٧) ، قال : فتفرق القوم عن علي عليه السلام ، وقام عدي بن الخياد ... وكلمه (٨) بكلام ذكره ، ثم قال : ونزل عثمان فأتى منزله وأتاه الناس وفيهم ابن عباس ، فلما أخذوا مجالسهم أقبل على ابن عباس ، فقال : ما لي ولكم يا ابن عباس؟! ما أغراكم بي ، وأولعكم بتعقيب أمري لتنقمون (٩) علي أمر العامة .. وعاتبه بكلام طويل ، فأجابه ابن عباس ، وقال في جملة كلامه ـ : .. اخسأ (١٠) الشيطان عنك لا يركبك ، واغلب غضبك ولا يغلبك ، فما دعاك إلى هذا الأمر الذي كان منك؟. قال : دعاني إليه ابن عمك علي بن أبي طالب. قال ابن عباس : وعسى أن يكذب مبلغك!. قال عثمان : إنه ثقة. قال ابن عباس : إنه ليس بثقة من أولع (١١) وأغرى. قال عثمان : يا ابن عباس! الله إنك ما تعلم من

__________________

(١) في ( س ) : قرة. والمرة : القوة والشدة ، قاله في النهاية ٤ ـ ٣١٦. وقال ٤ ـ ٣١٨ : قر يومنا يقر قرة ويوم قر .. أي بارد وليلة قرة.

(٢) لا توجد : مني ، في المصدرين.

(٣) وضع على ( ك‍ ) على الواو رمز نسخة بدل.

(٤) في ( س ) : بالرفق.

(٥) في ( س ) : أفلتم.

(٦) لا توجد : يدعو ، في ( س ).

(٧) في المصدر : فألبسنيها. وهي نسخة بدل في مطبوع البحار.

(٨) في ( ك‍ ) : وتكلمه ، ولا معنى لها.

(٩) في ( ك‍ ) نسخة بدل : أتنقمون ، وهي التي وردت في شرح النهج والموفقيات.

(١٠) في المصدرين : اخس ، وهو الظاهر.

(١١) في المصدرين : بلغ.

٤٥٤

علي ما شكوت منه؟. قال : اللهم لا ، إلا أن يقول كما يقول الناس ، وينقم كما ينقمون ، فمن أغراك به وأولعك بذكره دونهم؟. قال عثمان : إنما أفتى من أعظم الداء الذي ينصب نفسه لرأس الأمر وهو علي ابن عمك ، وهذا والله كله من نكده وشؤمه. قال ابن عباس : مهلا! استثن يا أمير المؤمنين! قل : إن شاء الله. فقال : إن شاء الله. ثم قال : إني أنشدك يا ابن عباس! الإسلام والرحم ، فقد والله غلبت وابتليت بكم ، والله لوددت أن هذا الأمر كان صائرا (١) إليكم دوني فحملتموه عني وكنت أحد أعوانكم عليه ، إذا والله لوجدتموني لكم خيرا مما وجدتكم لي ، ولقد علمت أن الأمر لكم ولكن قومكم دفعوكم عنه واختزلوه دونكم ، فو الله ما أدري أرفعوكم أم رفعوه عنكم (٢). قال ابن عباس : مهلا يا أمير المؤمنين! فإنا ننشدك الله والإسلام والرحم مثل ما نشدتنا ، أن تطمع فينا وفيك عدوا ، وتشمت بنا وبك حسودا ، إن أمرك إليك ما كان قولا ، فإذا صار فعلا فليس إليك ولا في يدك ، وإنا والله لتخالفن [ لنخالفن ] (٣) إن خولفنا ، ولتنازعن [ لننازعن ] إن نوزعنا ، وما يمتنك [ تمنيك ] (٤) أن يكون الأمر صار إلينا دونك إلا أن يقول قائل منا ما يقوله الناس ويعيب كما عابوا! وأما صرف قومنا عنا الأمر فعن حسد قد (٥) والله و (٦) ما عرفته ، وبغي والله (٧) علمته ، فالله بيننا وبين قومنا ، وأما قولك إنك لا تدري أرفعوه عنا أم رفعونا عنه (٨)؟ ، فلعمري إنك لتعرف أنه لو صار إلينا هذا الأمر ما ازددنا به

__________________

(١) في المصدرين : كان صار.

(٢) في المصدرين : أدفعوه عنكم أم دفعوكم عنه.

(٣) في المصدرين : يديك .. لنخالفن .. لتنازعن. وفي ( س ) : لننازعن.

(٤) في الموفقيات : وما تمنيك ، وهو الظاهر.

(٥) قد : اسم مرادف لحسب ، كما في مجمع البحرين ٣ ـ ١٢٦.

(٦) وضع على الواو في ( ك‍ ) رمز نسخة بدل.

(٧) في المصدرين : قد والله عرفته ، وبغي قد والله. وفي ( س ) : وبقي ، وفي ( ك‍ ) : قد ، ووضع عليها رمز نسخة بدل.

(٨) في الموفقيات : أدفعوه عنا أم دفعونا عنه.

٤٥٥

فضلا إلى فضلنا ، ولا قدرا إلى قدرنا ، وإنا لأهل الفضل وأهل القدر ، وما فضل فاضل إلا بفضلنا ، ولا سبق سابق إلا بسبقنا ، ولو لا هدانا ما اهتدى أحد ، ولا أبصروا من عمى ، ولا قصدوا من جور. فقال عثمان : حتى متى يا ابن عباس يأتيني عنكم ما يأتيني؟! هبوني كنت بعيدا ، أما كان لي من الحق عليكم أن أراقب وأن أناظر؟ بلى ، ورب الكعبة ولكن الفرقة سهلت لكم القول في ، وتقدمت بكم إلى الإسراع إلي ، والله المستعان (١).

قال ابن عباس : فخرجت فلقيت عليا عليه السلام وإذا به من الغضب والتلظي أضعاف ما بعثمان ، فأردت تسكينه فامتنع ، فأتيت منزلي وأغلقت بابي واعتزلتهما ، فبلغ ذلك عثمان ، فأرسل إلي ، فأتيته وقد هدأ غضبه ، فنظر إلي ثم ضحك ، وقال : يا ابن عباس! ما أبطأ بك عنا ، إن تركك العود إلينا دليل (٢) على ما رأيت عن صاحبك (٣) وعرفت من حاله ، فالله بيننا وبينه ، خذ بنا في غير ذلك. قال ابن عباس : فكان عثمان بعد ذلك إذا أتاه عن علي عليه السلام شيء فأردت التكذيب عنه يقول : ولا يوم الجمعة حين أبطأت عنا وتركت العود إلينا ، فلا أدري كيف أرد عليه (٤).

وعن الزبير بن بكار (٥) في كتاب (٦) المذكور (٧) ـ ، عن عبد الله بن عباس ،

__________________

(١) هنا سقط جاء في شرح النهج ٩ ـ ١٠ ، والموفقيات : ٦٠٦ ، وهو : قال ابن عباس : مهلا! حتى ألقى عليا ، ثم أحمل إليك على قدر ما رأى. قال عثمان : أفعل قد فعلت ، وطالما طلبت فلا أطلب ولا أجاب ولا أعتب.

(٢) في الموفقيات : لدليل.

(٣) في شرح النهج : عند صاحبك.

(٤) وقد جاء في شرح النهج لابن أبي الحديد ٦ ـ ١٠ ، باختلاف كثير. وكذا في الموفقيات : ٦٠١ ٦٠٧.

(٥) كما أورده وحكاه ابن أبي الحديد في شرح النهج ٩ ـ ١٣ ـ ١٤ ، مع اختلاف كثير.

(٦) كذا. والظاهر : في الكتاب ـ بالألف واللام ـ.

(٧) الموفقيات : ٦١٠ ـ ٦١٢ ، باختلاف يسير.

٤٥٦

قال: ما سمعت من أبي قط شيئا في أمر عثمان تلومه فيه أو يعذره (١) ولا سألته عن شيء من ذلك مخافة أن أهجم منه على ما لا يوافقه ، فإنا عنده ليلة ونحن نتعشى إذ قيل : هذا أمير المؤمنين عثمان بالباب. فقال : ائذنوا له. فدخل فأوسع له على فراشه ، وأصاب من العشاء معه ، فلما رفع قام من كان هناك وثبت أنا ، فحمد عثمان الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد يا خال! فإني جئتك (٢) أستعذرك من ابن أخيك علي شتمني وشهر أمري وقطع رحمي وطعن في ديني ، وإني أعوذ بالله منكم يا بني عبد المطلب إن لكم حقا تزعمون أنكم (٣) غلبتم عليه فقد تركتموه في يدي من فعل ذلك بكم وأنا أقرب إليكم رحما منه؟ وما لمت منكم أحدا إلا عليا ، ولقد دعيت أن أبسط عليه فتركته لله والرحم ، وأنا أخاف أن لا يتركني (٤) فلا أتركه.

قال ابن عباس : فحمد أبي الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، يا ابن أختي فإن كنت لا تحمد عليا لنفسك فإني لا أحمدك (٥) لعلي ، وما علي وحده قال فيك ، بل غيره ، فلو أنك اتهمت نفسك للناس اتهم الناس أنفسهم لك ، ولو أنك نزلت مما رقيت وارتقوا مما نزلوا فأخذت منهم وأخذوا منك ما كان بذلك بأس.

قال عثمان : فذلك إليك يا خال وأنت بيني وبينهم. قال : فأذكر (٦) لهم ذلك عنك. قال : نعم ، وانصرف. فما لبثنا أن قيل : هذا أمير المؤمنين قد رجع بالباب. قال أبي ائذنوا له ، فدخل فقام قائما ولم يجلس وقال : لا تعجل يا خال حتى أوذنك ، فنظرنا فإذا مروان بن الحكم كان جالسا بالباب ينتظره حتى خرج فهو الذي فتأه (٧) عن رأيه الأول ، فأقبل علي أبي ، وقال : يا بني! ما إلى هذا من أمره

__________________

(١) في المصدرين : يلومه فيه ولا يعذره.

(٢) في المصدرين : فإني قد جئتك.

(٣) في ( س ) : لكم ، وفي الموفقيات : إن كان لكم حقا تزعمون أنكم.

(٤) في الموفقيات : أن يتركني.

(٥) في ( ك‍ ) : لأحمدك.

(٦) في الموفقيات : أفأذكر.

(٧) في ( س ) : فشاءه ، كذا ، والظاهر : فشاه. وفي الموفقيات : ثناه ، وهو أولى.

٤٥٧

من شيء. ثم قال : يا بني! املك عليك لسانك حتى ترى ما لا بد منه ، ثم رفع يديه ، فقال : اللهم اسبق بي (١) ما لا خير لي في إدراكه ، فما مرت جمعة حتى مات رحمه الله.

وعن الزبير بن بكار (٢) في الكتاب المذكور (٣) ـ ، عن ابن عباس ، قال : صليت العصر يوما ثم خرجت فإذا أنا بعثمان بن عفان في أيام خلافته في بعض أزقة (٤) المدينة وحده ، فأتيته إجلالا له وتوقيرا لمكانه ، فقال لي : هل رأيت عليا؟. فقلت : خلفته في المسجد ، فإن لم يكن الآن فيه فهو في منزله. قال : أما منزله فليس فيه ، فابغه لنا في المسجد ، فتوجهنا إلى المسجد وإذا علي عليه السلام يخرج منه ، قال ابن عباس : وقد كنت أمس ذلك اليوم عند علي عليه السلام فذكر عثمان وتجرمه عليه ، وقال : أما والله يا ابن عباس إن من دوائه لقطع كلامه وترك لقائه. فقلت له : يرحمك الله! كيف لك بهذا؟ فإن تركته ثم أرسل إليك فما أنت صانع؟. قال : أعتل وأعتل (٥) فمن يقسرني؟. فقلت : لا أحد. قال ابن عباس : فلما تراءينا له وهو خارج من المسجد ظهر منه من التفلت والطلب للانصراف ما استبان لعثمان ، فنظر إلي عثمان وقال : يا ابن عباس! أما ترى ابن خالنا يكره لقاءنا. فقلت : ولم حقك (٦) ألزم ، وهو بالفضل أعلم ، فلما تقاربا رماه عثمان بالسلام فرد عليه ، فقال عثمان : إن تدخل فإياك أردنا ، وإن تمض فإياك طلبنا ، فقال علي عليه السلام : أي ذلك أحببت؟. قال : تدخل ، فدخلا ، وأخذ عثمان بيده فأهوى به إلى القبلة فقصر عنها وجلس قبالتها ، فجلس عثمان إلى جانبه

__________________

(١) خط على : بي ، في ( ك‍ ).

(٢) كما أورده ابن أبي الحديد في شرح النهج ٩ ـ ١٨ ، باختلاف يسير.

(٣) الموفقيات : ٦١٤ ـ ٦١٧.

(٤) في مطبوع البحار : أذقة ، وهو غلط.

(٥) في ( ك‍ ) : فاعتل ، وهو الوارد في الموفقيات.

(٦) في الموفقيات : وحقك.

٤٥٨

فنكصت عنهما فدعواني جميعا فأتيتهما ، فحمد عثمان الله (١) وصلى على رسوله صلى الله عليه [ وآله ] ثم قال : أما بعد ، يا ابني خالي وابني عمي فإذا جمعتكما في النداء فأستجمعكما (٢) في الشكاية على رضاي عن أحدكما (٣) ووجدي على الآخر .. إلى آخر كلامه.

وقال ابن عباس : فأطرق علي عليه السلام وأطرقت معه طويلا ، أما أنا فأجللته أن أتكلم قبله ، وأما هو فأراد أن أجيب عني وعنه ، ثم قلت له : أتتكلم أم أتكلم أنا عنك؟. فقال : بل تكلم عني وعنك ، فحمدت الله وأثنيت على رسوله (٤) صلى الله عليه [ وآله ] ثم قلت : .. وذكر كلامه (٥).

قال : فنظر إلي علي عليه السلام نظرا هبته (٦) ، وقال : دعه حتى يبلغ رضاه فيما هو فيه ، فو الله لو ظهرت له قلوبنا وبدت له سرائرنا حتى رآها بعينه كما يسمع الخبر عنها بأذنه ما زال متجرما سقما (٧) ، والله ما أنا ملقى على وضمة وإني لمانع من وراء ظهري (٨) ، وإن هذا الكلام منه (٩) لمخالفته منه وسوء عشرة (١٠) .. ثم ذكر كلام عثمان وما أجابه به علي عليه السلام ، ثم قال (١١) : فأخذت بأيديهما حتى تصافحا وتصالحا وتمازحا ونهضت عنهما فتشاورا وتوامرا (١٢) وتذاكرا ثم افترقا ، فو الله

__________________

(١) في المصدرين زيادة هنا وهي : وأثنى عليه.

(٢) في شرح النهج : فسأجمعكما.

(٣) في المصدرين : عن رضاي على أحدكما.

(٤) في المصدرين : عليه وصليت على رسوله.

(٥) كما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ ـ ١٩ ، بتصرف.

(٦) في المصدرين : نظر هيبة.

(٧) في المصدرين : منتقما.

(٨) لا يوجد ضمير المتكلم في الموفقيات.

(٩) لا توجد : منه ، في الموفقيات ، وهو الظاهر.

(١٠) كما في شرح النهج للمعتزلي ٩ ـ ٢٠ ، باختلاف يسير.

(١١) في شرح النهج لابن أبي الحديد ٩ ـ ٢١.

(١٢) في المصدر : تآمرا.

٤٥٩

ما مرت ثالثة حتى لقيني كل واحد منهما يذكر من صاحبه ما لا يبرك عليه الإبل ، فعلمت أن لا سبيل إلى صلحهما بعدها (١).

وروى ابن أبي الحديد أيضا (٢) ـ ، عن شيخه أبي عثمان الجاحظ ، قال : ذكر في كتاب الذي أورد فيه المعاذير عليه عن أحداث عثمان : أن عليا عليه السلام اشتكى فعاده عثمان من شكاية (٣) ، فقال علي عليه السلام :

وعائدة تعود لغير ود

تود لو (٤) أن ذا دنف يموت

فقال عثمان : والله ما أدري أحياتك أحب إلي أم موتك؟ ، إن مت هاضني فقدك ، وإن حييت فتنتني حياتك ، لا أعدم ما بقيت طاعنا يتخذك درية (٥) يلجأ إليها.

فقال علي عليه السلام : ما الذي جعلني درية (٦) للطاعنين العائبين (٧) إنما سوء ظنك بي أحلني من قبلك (٨) هذا المحل ، فإن كنت (٩) تخاف جانبي فلك علي عهد الله وميثاقه أن لا بأس عليك مني أبدا ما بل بحر صوفة ، وإني لك لراع ، وإني عنك لمحام ، ولكن لا ينفعني ذلك عندك ، وأما قولك : إن فقدي يهيضك .. فكلا أن تهاض لفقدي ما بقي لك الوليد ومروان ، فقام عثمان فخرج.

قال (١٠) : وقد روي أن عثمان هو الذي أنشد هذا البيت ، وقد كان اشتكى

__________________

(١) لا توجد : بعدها ، في ( س ).

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ ـ ٢٢ ، بتصرف.

(٣) في ( س ) : شكاته ، وفي المصدر : شكايته.

(٤) لا توجد : لو ، في ( س ).

(٥) في شرح النهج : دريئة ، وسيذكر المصنف قدس‌سره في بيانه لاختلاف النسخ.

(٦) في شرح النهج : دريئة ، وسيذكر المصنف قدس‌سره في بيانه لاختلاف النسخ.

(٧) في ( س ) : العائنين.

(٨) في شرح النهج : من قلبك.

(٩) لا توجد : فإن كنت ، في ( س ).

(١٠) أي ابن أبي الحديد في شرحه على النهج ٩ ـ ٢٢ ، بتصرف.

٤٦٠