بحار الأنوار - ج ٣١

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار - ج ٣١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: الشيخ عبد الزهراء العلوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الرضا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٦٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

هل من سبيل إلى خمر فأشربها

أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج

إلى فتى ماجد الأعراق مقتبل

سهل المحيا كريم غير ملجاج

تنميه أعراق (١) صدق حين تنسبه

أخي (٢) قداح عن المكروب فياج (٣)

سامي النواظر من بهر له (٤) قدم

يضيء صورته في الحالك الداجي

فقال (٥) : ألا لا أرى (٦) معي رجلا تهتف به العواتق في خدورهن! علي بنصر بن حجاج ، فأتي به ، وإذا هو أحسن الناس وجها وعينا وشعرا ، فأمر بشعره فجز ، فخرجت له وجنتان كأنهما قمر ، فأمره أن يعتم فأعتم ، ففتن النساء (٧) بعينيه ، فقال عمر : لا والله لا تساكنني بأرض أنا بها. فقال : ولم يا أمير المؤمنين؟!. قال : هو ما أقول لك ، فسيره إلى البصرة.

وخافت المرأة (٨) التي تسمع (٩) عمر منها ما سمع أن يبدر إليها منه شيء ،

__________________

(١) جاء في حاشية ( ك‍ ) ما يلي : الأعراق : جمع العرق ـ بالكسر ـ وهو الأصل. ورجل مقتبل الشباب ـ بالفتح ـ لم يظهر فيه أثر كبر. المحيا : الوجه. والملجاج ـ بالكسر ـ : مفعال من اللجاجة يعني الخصومة. والبهر : الإضاءة والغلبة. والحالك : الشديد السواد. الداجي : المظلم. [ منه ( قدس‌سره ) ].

انظر : لسان العرب ١٠ ـ ٢٤١ ـ ٢٤٩ ، و ١١ ـ ٥٤٥ و ٢ ـ ٣٥٤ ، ومجمع البحرين ٥ ـ ٢١٣ و ٢٦٣ ، و ٣ ـ ٢٣١ ، و ١ ـ ١٣٤ ، والصحاح ٥ ـ ١٧٩٧ ، و ٦ ـ ٢٣٢٥ ، و ٢ ـ ٥٩٨ ـ ٥٩٩ ، و ٤ ـ ١٥٨١ ، تاج العروس ١٠ ـ ١٠٧ ، و ٢ ـ ٩٢.

(٢) في مطبوع البحار : أخو قداح.

(٣) في المصدر : فراج ، وهي في مطبوع البحار نسخة بدل وجعل بعدها في ( ك‍ ) رمز استظهار ( ظ ).

قال في تاج العروس ٢ ـ ٨٩ : ناقة فياجة : تفيج برجليها.

(٤) في شرح النهج : من بهز له.

(٥) زيادة : عمر ، في المصدر بعد : قال ـ بلا فاء ـ.

(٦) في المصدر : لا أدري. وفي ( س ) : أرى ـ من دون لا ـ.

(٧) توجد نسخة في ( ك‍ ) : الناس ، بدلا من : النساء.

(٨) ذكروا أن المرأة المتمنية هي الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي. كما جاء في حاشية المصدر.

(٩) في شرح النهج : سمع.

٢١

فدست إليه أبياتا :

قل للأمير الذي يخشى بوادره

ما لي وللخمر أو نصر بن حجاج

إني بليت أبا حفص بغيرهما

شرب الحليب وطرف فاتر ساجي

لا تجعل الظن حقا أو تبينه

إن السبيل سبيل الخائف الراجي

ما منية قلتها عرضا بضائرة

والناس من هالك قدما ومن ناجي

إن الهوى رمية التقوى فقيده

حفظي أقر بألجام وأسراجي(١)

فبكى عمر ، وقال : الحمد لله الذي قيد الهوى بالتقوى.

وكان لنصر أم فأتى عليه حين واشتد عليها غيبة ابنها ، فتعرضت لعمر بين الأذان والإقامة ، فقعدت له على الطريق ، فلما خرج يريد الصلاة هتفت به وقالت : يا أمير المؤمنين! لأجاثينك (٢) غدا بين يدي الله عز وجل ، ولأخاصمنك إليه ، أجلست عاصما (٣) وعبد الله إلى جانبيك وبيني وبين ابني الفيافي (٤) والقفار والمفاوز والأميال (٥)؟!. قال : من هذه؟. قيل : أم نصر بن الحجاج. فقال لها : يا أم نصر! إن عاصما وعبد الله لم يهتف بهما العواتق من وراء الخدور.

قال (٦) : وروى عبد الله بن يزيد (٧) ، قال : بينا عمر يعس ذات ليلة إذ (٨) انتهى إلى باب مجاف وامرأة تغني بشعر :

__________________

(١) جاء البيت في المصدر هكذا :

إن الهوى رعية التقوى تقيده

حتى أقر بألجام وأسراج

(٢) قال في القاموس ٤ ـ ٣١١ : جثا ـ كدعا ورمى ـ جثوا وجثيا ـ بضمهما ـ : جلس على ركبتيه أو قام على أطراف أصابعه ، وأجثاه غيره. ومثله في مجمع البحرين ١ ـ ٨١.

(٣) في شرح النهج : يبيت عاصم.

(٤) الفيافي : الصحاري التي لا ماء فيها ، كما في القاموس ٣ ـ ١٨٢ ، ومثله في الصحاح ٤ ـ ١٤١٣.

(٥) في المصدر : الجبال ، بدلا من : الأميال.

(٦) قال ابن أبي الحديد في شرحه على النهج ١٢ ـ ٢٧ بتصرف يسير.

(٧) في المصدر : عبد الله بن بريدة.

(٨) لا توجد : إذ ، في شرح النهج.

٢٢

هل من سبيل إلى خمر فأشربها

أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج

.. وذكر نحو ما مر.

ثم (١) روى عن الأصمعي .. أن نصر بن الحجاج كتب إلى عمر كتابا هذه صورته : لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصر بن حجاج : سلام عليك ، أما بعد ، يا أمير المؤمنين!

لعمري لئن سيرتني أو (٢) حرمتني

لما نلت من عرضي عليك حرام

أإن (٣) غنت الذلفاء (٤) يوما بمنية

وبعض أماني النساء غرام

ظننت بي الظن الذي ليس بعده

بقاء فما لي في الندي كلام (٥)

وأصبحت منفيا (٦) على غير ريبة (٧)

وقد كان لي بالمكتين مقام

سيمنعني عما (٨) تظن تكرمي

وآباء صدق صالحون (١٠) كرام

__________________

(١) في شرح النهج ١٢ ـ ٢٧ ـ ٢٨ بتصرف يسير.

(٢) في ( س ) : و.

(٣) في مطبوع البحار : إن.

(٤) الذلف : قصر الأنف وصغره فهو أذلف وامرأة ذلفاء. وفي القاموس ٣ ـ ١٤٢ : .. محركة صغر الأنف واستواء الأرنبة ، وقريب منه في الصحاح ٤ ـ ١٣٦٢ ، وغيره. وفي مطبوع البحار : الدلفاء بالدال المهملة ـ ولا مناسبة هنا لها.

(٥) جاء في حاشية ( ك‍ ) ما يلي : قال الفيروزآبادي : أجفت الباب : رددته. وقال : الغرام : الولوع والشر الدائم والهلاك والعذاب. وقال : الندي ـ كغني ـ : مجلس القوم. والجب : القطع. [ منه ( قدس‌سره ) ].

نص عليها في القاموس ٣ ـ ١٢٥ ، و ٤ ـ ١٥٦ و ٣٩٤ ، و ١ ـ ٤٣. وانظر : لسان العرب ٩ ـ ٣٥ و ١٢ ـ ٤٣٦ ، و ١٠ ـ ٣٦٣ و ١ ـ ١٧١ ، ومجمع البحرين ١ ـ ٤١٢ ، و ٢ ـ ٢١ ، وتاج العروس ٩ ـ ٣ ، و ١٠ ـ ٣٦٣ ، و ١ ـ ١٧١.

(٦) في ( س ) : منيغا.

(٧) في مطبوع البحار : ريبته. والظاهر ما أثبتناه.

(٨) في المصدر : مما.

(٩) في شرح النهج : سالفون.

٢٣

ويمنعها مما تمنت صلاتها

وحال لها في دينها وصيام(١)

فهاتان حالانا فهل (٢) أنت راجع

فقد جب (٣) مني كاهل وسنام

فقال عمر : أما ولي إمارة (٤) فلا ، وأقطعه أرضا بالبصرة ودارا ، فلما قتل عمر ركب راحلته ولحق بالمدينة.

قال (٥) : وروى عبد الله بن يزيد (٦) : أن عمر خرج ليلة (٧) يعس فإذا نسوة يتحدثن ، وإذا هن يقلن : أي فتيان المدينة أصبح؟. فقالت امرأة منهن : أبو ذؤيب والله ، فلما أصبح عمر سأل عنه ، فإذا هو من بني سليم ، وإذا هو ابن عم نصر بن حجاج ، فأتي (٨) إليه ، فحضر ، فإذا هو أجمل الناس وأملحهم ، فلما نظر إليه قال : أنت والله ذئبهن! ويكررها (٩) ويرددها ـ لا والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أبدا. فقال : يا أمير المؤمنين! إن كنت لا بد مسيري فسيرني حيث سيرت ابن عمي نصر بن الحجاج (١٠) ، فأمر بتسييره إلى البصرة ، فأشخص إليها. انتهى ما حكاه ابن أبي الحديد.

وقد روى قصة نصر بن حجاج جل أرباب السير (١١) ، وربما عد أحباء عمر

__________________

(١)كذا جاء هذا البيت في الصدر وفي مطبوع البحار:

وتمنعي ام أتمت صلاتها

وحال لها في دينها وصيام

(٢) في مطبوع البحار : حالان هل.

(٣) قال في الصحاح ١ ـ ٩٢ : الجب : القطع .. ويعير أجب بين الجبب .. أي مقطوع السنام ، ونحوه في النهاية ١ ـ ٢٣٣ ، والقاموس ١ ـ ٤٣ ، ومجمع البحرين ٢ ـ ٢١.

(٤) في المصدر : ولاية.

(٥) شرح النهج لابن أبي الحديد ١٢ ـ ٣٠ ـ ٣١.

(٦) في المصدر : عبد الله بن بريدة.

(٧) في شرح النهج : ليلا.

(٨) جاء في المصدر : فأرسل.

(٩) في شرح النهج : ذئبها يكررها.

(١٠) بلا ألف ولام في المصدر.

(١١) انظر مثالا : طبقات ابن سعد ٣ ـ ٢٨٥ ، تاريخ الطبري ٤ ـ ٥٥٧ ، وغيرهما.

٢٤

ذلك من حسن سياسته.

ووجه البدعة فيه ظاهر ، فإن إخراج نصر من المدينة وتغريبه ونفيه عن وطنه بمجرد أن امرأة غنت بما يدل على هواها فيه ورغبتها إليه مخالف لضرورة الدين ، لقوله تعالى : ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (١) ، ولا ريب في (٢) أن التغريب تعذيب عنيف وعقوبة عظيمة ، ولم يجعل الله تعالى في دين من الأديان حسن الوجه ولا قبحه منشأ لاستحقاق العذاب لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وقد كان يمكنه دفع ما زعمه مفسدة من افتتان (٣) النساء به بأمر أخف من التغريب وإن كان بدعة أيضا ، وهو أن يأمره بالحجاب وستر وجهه عن النساء أو مطلقا حتى لا يفتتن به أحد.

ثم ليت شعري ما الفائدة في تسيير نصر إلى البصرة ، فهل كانت نساء البصرة أعف وأتقى من نساء المدينة ، مع أنها « مهبط إبليس ومغرس الفتنة » (٤)؟!.

اللهم إلا أن يقال : لما كانت المدينة يومئذ مستقر سلطنة عمر كان القاطنون بها أقرب إلى الضلال ممن نشأ في مغرس الفتنة ، وقد حمل أصحابنا على ما يناسب هذا المقام ما روي في فضائل عمر : ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك ، وكأنه المصداق لما قيل :

و كنت امرأ من جند إبليس فارتقت

بي الحال حتى صار إبليس من جندي

وهذه البدعة من فروع بدعة أخرى له عدوها (٥) من فضائله ، قالوا : هو أول من عس في عمله بنفسه ، وهي مخالفة للنهي الصريح في قوله تعالى : ( وَلا

__________________

(١) قد جاءت في : الأنعام : ١٦٤ ، والإسراء : ١٥ ، وفاطر : ١٨ ، والزمر : ٧.

(٢) لا توجد : في ، في ( س ).

(٣) في ( ك‍ ) : افتنان.

(٤) استشهاد بكلام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، انظر : نهج البلاغة ٣ ـ ١٨ لمحمد عبدة ، وصفحة ، ٣٧٥ في طبعة صبحي الصالح ، في كتابه عليه‌السلام إلى عبد الله بن عباس وفيه : الفتن ، بدلا من الفتنة.

(٥) قد عدها ابن الجوزي من مناقب عمر ، وتبعه شاعر النيل حافظ إبراهيم ونظمها في قصيدته العمرية تحت عنوان : مثال رجوعه إلى الحق!.

٢٥

تَجَسَّسُوا ... ) (١).

ومنها : بدعة الطلاق ، روي في جامع الأصول (٢) ، عن طاوس ، قال : إن أبا الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس ، قال : أما علمت أن الرجل إذا (٣) طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وأبي بكر وصدرا من إمارة عمر؟. قال ابن عباس : بل (٤) كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وصدرا من إمارة عمر (٥) ، فلما أن (٦) رأى الناس قد تتابعوا عليها (٧) قال : أجيزوهن عليهم (٨).

وفي رواية مسلم (٩) : إن أبا الصهباء قال لابن عباس : هات من هناتك (١٠) ، ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وأبي بكر واحدة؟. فقال : قد كان ذلك ، فلما كان في عهد عمر تتابع (١١) الناس في الطلاق

__________________

(١) الحجرات : ١٢.

(٢) جامع الأصول ٧ ـ ٥٩٧ ـ ٥٩٨ حديث ٥٧٥٧.

(٣) في المصدر : كان إذا ..

(٤) في المصدر : بلى ، وهو الظاهر.

(٥) من قوله : قال ابن عباس .. إلى قوله : إمارة عمر ، لا توجد في ( س ).

(٦) لا توجد : أن ، في المصدر.

(٧) في جامع الأصول : قد تتايعوا فيها. أقول : التتايع : التهافت في الشر واللجاج ولا يكون إلا في الشر. جاء في الصحاح ٣ ـ ١١٩٢ ، وقال ابن الأثير في النهاية ١ ـ ٢٠٢ : التتايع : الوقوع في الشر من غير فكر ولا روية ، ومثله في القاموس ٣ ـ ١٠ ، ومجمع البحرين ٤ ـ ٣٠٩.

(٨) وجاء في سنن أبي داود ١ ـ ٣٤٤ ، وسنن البيهقي ٧ ـ ٣٣٩ ، وتيسير الوصول ٢ ـ ١٦٢ ، والدر المنثور ١ ـ ٢٧٩ ، ورواه قبله الدارقطني في سننه : ٤٤٤.

(٩) صحيح مسلم ١ ـ ٥٧٤ كتاب الطلاق باب طلاق الثلاث حديث ١٤٧٢.

(١٠) هنات : خصلات شر كما في الصحاح ٦ ـ ٢٥٣٧ ، كأنه أراد خصلات شر كانت عنده ولو لم تكن له ومنه.

(١١) في جامع الأصول : تتايع. أقول : إن هذا والتي مرت روايته ضبطها بعضهم : تتابع ، كما في المتن.

٢٦

فأجازه عليهم (١).

وفي رواية (٢) عنه : أن ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم .. فأمضاه عليهم (٣).

وفي أخرى (٤) : أن أبا الصهباء قال لابن عباس : أتعلم أنما كان الثلاث تجعل واحدة على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وثلاثا من إمارة عمر؟. فقال ابن عباس : نعم (٥).

وأخرج أبو داود (٦) أيضا ، والنسائي (٧) هذه الرواية الأخيرة. انتهى كلام جامع الأصول (٨).

ووجه البدعة في جعل الواحدة ثلاثا واضح ، وسيأتي تفصيل أحكام تلك

__________________

(١) ورواه البيهقي في سننه ٧ ـ ٣٣٦ ، وأوردها الدارقطني في سننه : ٤٤٣ أيضا.

(٢) صحيح مسلم ١ ـ ٥٧٤.

(٣) وجاء في مسند أحمد بن حنبل ١ ـ ٣١٤ ، وسنن البيهقي ٧ ـ ٣٣٦ ، ومستدرك الحاكم ٢ ـ ١٩٦ ، وتفسير القرطبي ٣ ـ ١٣٠ ، وإرشاد الساري ٨ ـ ١٢٧ ، والدر المنثور ١ ـ ٢٧٩ ، وغيرها.

(٤) صحيح مسلم ١ ـ ٥٧٤.

(٥) وأورده الجصاص في أحكام القرآن ١ ـ ٤٥٩ ، والبيهقي في سننه ٧ ـ ٣٣٦ ، والسيوطي في الدر المنثور ١ ـ ٢٧٩ ، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٢ ـ ٣١ ، والدارقطني في سننه : ٤٤٤ و ٤٤٥ بطرق عديدة ، والشافعي في مسنده في كتاب الطلاق : ١١٢ ، والهندي في كنز العمال ٥ ـ ١٦٢ و ١٦٣.

(٦) سنن أبي داود ١ ـ ٣٤٤ كتاب الطلاق باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث حديث ٢٩٩٩ و ٢٢٠٠.

(٧) سنن النسائي ٦ ـ ١٤٥ كتاب الطلاق باب طلاق الثلاث المتفرقة قبل الدخول بالزوجة.

(٨) وانظر ما قاله النووي في شرح صحيح مسلم حول هذا الحديث ، وما قاله المنذري في مختصر سنن أبي داود ٣ ـ ١٢٤ ، وشيخنا الأميني ـ رحمه‌الله ـ بعد نقل الأخبار الواردة في هذا الموضوع ناقش مفصلا في الغدير ٦ ـ ١٧٨ ـ ١٨٣.

٢٧

المسألة في كتاب الطلاق (١) إن شاء الله تعالى (٢).

ومنها : تحويل المقام عن موضعه ، كما ورد في كثير من أخبارنا ، وقال ابن أبي الحديد (٣) : قال المؤرخون : إن عمر أول من سن قيام شهر (٤) رمضان في جماعة وكتب به إلى البلدان ، وأول من ضرب (٥) في الخمر ثمانين ، وأحرق بيت رويشد الثقفي وكان نباذا وأول من عس في عمله بنفسه (٦) ، وأول من حمل الدرة وأدب بها ـ ، وقيل بعده : كان درة عمر أهيب من سيف الحجاج ـ. (٧)

__________________

(١) بحار الأنوار ١٠٤ ـ ١٣٦ ـ ١٦٠.

(٢) بمناسبة المقام نتعرض مجملا إلى جهل عمر بمسألة طلاق الأمة ، فقد نقل الكنجي في الكفاية :١٢٩ ، عن الحافظين الدار قطني وابن عساكر : أن رجلين أتيا عمر بن الخطاب وسألاه عن طلاق الأمة ، فمشى حتى أتى حلقة في المسجد فيها رجل أصلع ، فقال : أيها الأصلع! ما ترى في طلاق الأمة؟ ، فرفع رأسه إليه ثم أومى إليه بالسبابة والوسطى ، قال لهما عمر : تطليقتان. فقال أحدهما : سبحان الله! جئناك وأنت أمير المؤمنين فمشيت معنا حتى وقفت على هذا الرجل فسألته فرضيت منه أن أومى إليك؟. فقال لهما : تدريان من هذا؟. قالا : لا. قال : هذا علي بن أبي طالب ، أشهد على رسول الله ٦ لسمعته ـ وهو يقول ـ : إن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعا في كفة ثم وضع إيمان علي في كفة لرجح إيمان علي بن أبي طالب. قال : هذا حسن ثابت. ورواه الخوارزمي في المناقب : ٧٨ من طريق الزمخشري ، ونقله العلامة الأميني في الغدير ٢ ـ ٢٩٩ عن الدار قطني والزمخشري ، وعن السيد علي الهمداني في كتابه مودة القربى.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٢ ـ ٧٥ [ ٣ ـ ١١٣ ـ أربعة مجلدات ].

(٤) لا توجد : شهر ، في المصدر.

(٥) في المصدر : وأقام الحد ، بدلا من : وأول من ضرب. وجاء كونه أولا في هذا الإقدام في محاضرات الأوائل : ١١١ ـ طبع سنة ١٣٠٠ [ وفي طبعة أخرى : ١٦٩ ] ، وأوليات العسكري ، وتاريخ ابن كثير ٧ ـ ١٣٢ ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي : ٩٣ ، وتاريخ القرماني ـ هامش الكامل ١ ـ ٢٠٣ ، وقال الحلبي في سيرته ٢ ـ ٣١٤ : والثمانون طريقة عمر ... لما رآه من كثرة شرب الناس للخمر!.

(٦) جاءت في المصدر بدل هذه الجملة : وأقام في عمله بنفسه.

(٧) هذه قولة مشهورة ، ولها موارد كثيرة جدا ، والمضحك أنهم يتبجحون بها ناسين أو متناسين أن سيف الحجاج ما قام إلا ظلما وإجحافا ، ودرة عمر أكثر منه .. وهي كلمة حق ، إذ لو لا فتح باب المظالم والتعدي من الأوائل لما أمكن الحجاج وغيره أن يفعلوا ما فعلوا. ولنسرد لك جملة من الموارد لدرة الخليفة ، وقد سبق بعضها وسنرجع لها في خشونته وجلفيته :

٢٨

__________________

منها : أن أحد المجاهدين المسلمين قال : إنا لما فتحنا المدائن أصبنا كتابا فيه علم من علوم الفرس وكلام معجب ، فدعا عمر بالدرة فجعل يضربه بها .. إلى آخر القصة التي أوردها المتقي في كنز العمال ١ ـ ٩٥ ، وابن الجوزي في سيرة عمر : ١٠٧ ، وابن أبي الحديد في شرحه للنهج ٣ ـ ١٢٢ ، وغيرهم.

ومنها : ما أورده ابن الجوزية في سيرة عمر : ١٧٤ عن أبي عمرو الشيباني ، قال : خبر عمر بن الخطاب برجل يصوم الدهر ، فجعل يضربه بمخفقته ـ أي درته ـ ويقول : كل! يا دهر يا دهر.

ومنها : أنه ضرب رجلين بالدرة لزيارتهما بيت المقدس ، كما أورده في كنز العمال ٧ ـ ١٥٧ ، مع ما هناك من نصوص متظافرة في أنه لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ، ومنها بيت المقدس.

ومنها : ضربه لعماله على البلاد بالدرة ، كما في قصة والي البحرين أبي هريرة التي أوردها ابن أبي الحديد في شرحه على النهج ٣ ـ ١١٣ ، بل قد ضرب بالدرة بغير موجب جمع من الأصحاب والوجهاء كل ذلك تنفيسا لعقده ، وبسطا لهيمنته وسلطانه ، وإخافة لصحبته ومن حوله ، فها هو يضرب ولده عبد الله بلا موجب وسبب ، كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٩٦ ، وضربه للجارود العامري ـ سيد ربيعة ـ كما في سيرة عمر لابن الجوزي : ١٧٨ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ٣ ـ ١١٢ ، وكنز العمال ٢ ـ ١٦٧ ، وضربه لمعاوية عليهما اللعنة والهاوية ، كما أورده ابن كثير في تاريخه ٨ ـ ١٢٥ ، وابن حجر في الإصابة ٣ ـ ٤٣٤ ، وضربه بالجريدة للربيع بن زياد الحارثي ، كما نص عليه في الطبقات ٣ ـ ٢٨٠ ، وانظر جملة من قصصه هناك في صفحة : ٢٣٠٨ مع أبي موسى الأشعري.

ومنها : ضربه لجمع لأكلهم اللحم! كما في سيرة عمر لابن الجوزي : ٦٨ ، وكنز العمال ٣ ـ ١١١ ، والفتوحات الإسلامية ٢ ـ ٤٢٤ ، ومجمع الزوائد للحافظ الهيثمي ٥ ـ ٣٥.

ومنها : ضربه لجمع من نسائه ونساء المهاجرين والأنصار لبكائهم على أمواتهم ، وقد فصلنا الحديث عنه ، وهذه من بطولات الخليفة التي تحدثت بها الركبان!!.

ومنها : ضربه لجمع ـ كتميم الداري والسائب بن يزيد وغيرهما ـ لصلاتهما بعد العصر ، كما سيأتي مصادرها.

ومنها : سأل رجل عن قوله تعالى : ( وفاكهة وأبا ) ، فجهل الخليفة وأجابه الصحابة ، فأقبل عليهم بالدرة!!. مجمع الزوائد ٥ ـ ٨.

ومنها : ما ذكره ابن القيم الجوزية في كتابه الطرق الحكمية : ٤٥ من أمر الخليفة بضرب غلام خاصم أمه ـ وهو على حق ـ وردعه ما حكم به يعسوب الدين وإمام المتقين صلوات الله عليه في الواقعة ، وقد فصلها العلامة الأميني في غديره ٦ ـ ١٠٤ ـ ١٠٥ ، فلاحظ.

ومنها : ما عن عبد الله بن عمر ، قال : كان عمر يأتي مجزرة الزبير بن العوام بالبقيع ، ولم يكن.

٢٩

__________________

بالمدينة مجزرة وغيرها ، فيأتي معه بالدرة ، فإذا رأى رجلا اشترى لحما يومين متتابعين ضربه بالدرة ، وقال : ألا ضويت بطنك يومين. انظر : سيرة عمر لابن الجوزي : ٦٨ ، وكنز العمال ٣ ـ ١١١ ، والفتوحات الإسلامية ٢ ـ ٤٢٤ ، وما جاء في مجمع الزوائد ٥ ـ ٣٥.

ومنها : استدعى عمر امرأة ليسألها عن أمر ـ وكانت حاملا ـ فلشدة هيبته ألقت ما في بطنها فأجهضت به جنينا ميتا ، فاستفتى عمر أكابر الصحابة في ذلك ، فقالوا : لا شيء عليك إنما أنت مؤدب. فقال له علي ٧ : إن كانوا راقبوك فقد غشوك ، وإن كان هذا جهد رأيهم فقد أخطئوا عليك غرة ـ يعني عتق رقبة ـ فرجع عمر والصحابة إلى قوله ، كما أخرجه ابن الجوزي في سيرة عمر : ١١٧ ، وأبو عمر في العلم ، والسيوطي ، كما في ترتيب جمع الجوامع ٧ ـ ٣٠٠ ، وذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج ١ ـ ٥٨ [ أربع مجلدات ].

ومنها : ما رواه جمع من الحفاظ عن بعض الصحابة قال : رأيت عمر بن الخطاب يضرب أكف الرجال في صوم رجب حتى يضعونها في الطعام ، كما أورده في كنز العمال ٤ ـ ٣٢١ ، ومجمع الزوائد ٣ ـ ١٩١ وغيرهما ، وناقشه شيخنا الأميني في غديره ٦ ـ ٢٨٢ ـ ٢٩٠.

ومنها : ما حكي عن الشهاب في كتابه شفاء العليل فيما في لغة العرب من الدخيل عن بعض حواشي الكشاف : أن عمر ضرب كاتبا كتب بين يديه : بسم الله الرحمن الرحيم .. ولم يبين السين ... إلى غير ذلك من الموارد الآتية والسالفة والتي تركناها خوف الإطالة.

أقول : وبعد كل هذا وغيره فإن خشونة الرجل وفضاضته وجلفه أغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من مرة ، فقد ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد ٨ ـ ٢١٦ عن ابن عباس ، قال : لما توفي ابن لصفية عمة رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، فبكت عليه وصاحت .. إلى أن قال : فاستقبلها عمر بن الخطاب ، فقال : يا صفية! قد سمعت صراخك ، إن قرابتك من رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم لن تغني عنك من الله شيئا! ، فبكت ، فسمعها رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ـ وكان يكرمها ويحبها ـ ، فقال : يا عمة! أتبكين وقد قلت لك ما قلت؟! ، قالت : ليس ذاك أبكاني يا رسول الله ، استقبلني عمر بن الخطاب فقال : إن قرابتك من رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم لن تغني عنك من الله شيئا. قال : فغضب النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم .. إلى أن قال : فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع ، كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ، فإنها موصولة في الدنيا والآخرة .. الحديث.

وأورده السيوطي في الدر المنثور ٣ ـ ٤٥١ ، ذيل قوله تعالى : « ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين » ... ) قال : وأخرج ابن أبي حاتم عن عبيدة السلماني .. في قصة عيينة

.

٣٠

__________________

بن حصن والأقرع بن حابس ، وكتابة أبي بكر لهما كتابا وتناول عمر له وتفله فيه ومحوه إياه ، وقولهم له مقالة سيئة. وزاد في ذيله المتقي الهندي في كنز العمال ٢ ـ ١٨٩ : .. فأقبلا إلى أبي بكر ـ وهما يتذمران ـ فقالا : والله ما ندري أنت الخليفة أم عمر. فقال : بل هو ، ولو شاء كان. قال : أخرجه ابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه ويعقوب بن سفيان وابن عساكر ، وذكره العسقلاني أيضا في الإصابة ٥ ـ ٥٦ ، وأورده أيضا في كنز العمال ٦ ـ ٣٣٥ باختلاف يسير.

ومنها : قصة الدرة ـ التي هي أهيب من سيف الحجاج ، كما قالوا ـ خير شاهد على خشونته وقساوته ، وقد مرت قبلا. وهو يضرب تارة : بدرته ، وأخرى ، بمخفقته ، وثالثة : بجريدته و ... و ..

ومنها : ما أخرجه ابن ماجة في أبواب النكاح باب ضرب النساء ، بسنده عن الأشعث بن قيس ، قال : ضفت عمر ، فلما كان في جوف الليل قام إلى امرأته يضربها ، فحجزت بينهما ، فلما أوى إلى فراشه قال لي : يا أشعث! احفظ عني شيئا سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يسأل الرجل فيم يضرب امرأته ..! الحديث. وقد رواه أحمد بن حنبل في مسنده ١ ـ ٢٠ خاليا من حجز الأشعث بين الخليفة وزوجته.

أقول : هذه من تقولاته على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا شبهة ، ولا شك بكونها تتنافى مع روح الإسلام ، وضرورة العقل والفطرة ، قال في السبعة من السلف : ١١٠ ـ ١١١ : .. فالذي أحتمله قويا ـ بل أجزم به ـ أنه ضرب امرأته في تلك الليلة ظلما وعدوانا ، وقد عرف ذلك منه الأشعث ، فافترى هذا الحديث على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكي لا يعترض عليه بما ارتكبه ويعاتبه على ما لا ينبغي صدوره من قبله.

أقول : هذا حديث لا يعرف إلا منه ، كقوله : إن الميت يعذب ببكاء الحي .. وغيرهما كلها شاهد صدق على مدى ما بلغ الرجل من الشدة والخبث ، وكم ضرب نساءه ـ وأبناءه كما مر وسيأتي كضربه لزوجته عاتكة بنت زيد حتى نغض رأسها ، كما جاء في الطبقات لابن سعد ٣ ـ ٣٠٨.

ومنها : ما ذكره الطبري في تاريخه ٤ ـ ٢٠٦ : في سنة ١٧ من الهجرة : اعتمر عمر بن الخطاب وبنى المسجد الحرام ووسع فيه ، وأقام بمكة عشرين ليلة ، وهدم على أقوام من جيران المسجد أبوا أن يبيعوا ... وانظر : فتوح البلدان للبلاذري : ٥٣ ، وسنن البيهقي ٦ ـ ١٦٨ ، والكامل لابن الأثير ٢ ـ ٢٢٧ ، وتذكرة الحفاظ للذهبي ١ ـ ٧ ، والدر المنثور ٤ ـ ١٥٩ ، ووفاء الوفاء ١ ـ ٣٤١ ـ ٣٤٩ ، وغيرها.

أقول : ثم إنه قد نهى الخليفة عن البكاء على الميت ونهى عن نهيه صاحب الرسالة وما انتهى ، وبقيت عقدة ذلك إلى أن مات ، حتى اضطر إلى أن جعل حديثا على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من :

٣١

وأول (١) من قاسم العمال وشاطرهم أموالهم ، (٢) وهو الذي هدم مسجد رسول الله

__________________

أن الميت ليعذب ببكاء الحي ، وقد ناقشة بما لا مزيد عليه شيخنا الأميني في غديره ٦ ـ ١٥٦ ـ ١٦٧ ، و ...

وفي أكثر من رواية وبألفاظ مختلفة وفي زمن صاحب الرسالة نهى عن البكاء حيث إن نساء المهاجرين والأنصار لما بكين عند موت زينب ورقية بنتي رسول الله ٦ جعل عمر يضربهن بالسوط ، وأخذ رسول الله ٦ يده وقال : مهلا يا عمر! دعهن يبكين .. ، كما أوردها ابن حنبل في مسنده ١ ـ ٢٣٧ و ٣٣٥ ، و ٣ ـ ٣٣٣ ، و ٤ ـ ٤٠٨ ، ومستدرك الحاكم ١ ـ ٣٨١ ، و ٣ ـ ١٩١ ، ومسند الطيالسي : ٣٥١ ، والاستيعاب ـ ترجمة عثمان بن مظعون ٢ ـ ٤٨٢ ، ومجمع الزوائد ٣ ـ ١٧ ، والسنن الكبرى ٤ ـ ٧٠ ، وعمدة القاري ٤ ـ ٨٧.

وقال ابن أبي الحديد في شرحه على النهج ١ ـ ١٨١ [ ١ ـ ٦٠ ـ أربع مجلدات ] : إن أول من ضرب عمر بالدرة أم فروة بنت أبي قحافة ، مات أبو بكر فناح النساء عليه وفيهن أخته أم فروة ، فنهاهن عمر مرارا ، وهن يعاودن ، فأخرج أم فروة من بينهن وعلاها بالدرة .. أقول : هذا لعله أول مرة بعد توليه الخلافة ، وإلا كم ضرب قبلها ، وحسبنا السقيفة وعند دار فاطمة سلام الله عليها ، وقصته مع خالد في واقعة مالك بن نويرة وغيرهم ، وأما بعدها فحدث ولا حرج.

ولعل أوج قساوته وغاية حدته حده لابنه بعد الحد! ثم قتله ، وهو ما رواه البيهقي في السنن الكبرى ٨ ـ ٣١٢ ، وابن عبد البر في العقد الفريد ٣ ـ ٤٧٠ ، والخطيب البغدادي في تاريخه ٥ ـ ٤٥٥ ، وابن الجوزي في سيرة عمر : ١٧٠ ، والمحب الطبري في الرياض النضرة ٢ ـ ٣٢ ، والقسطلاني في إرشاد الساري ٩ ـ ٤٣٩ ، وأبو عمرو في الاستيعاب ٢ ـ ٣٩٤ ، وابن حجر في الإصابة ٢ ـ ٣٩٤ وغيرهم ، وحاصل القصة أن عبد الرحمن بن عمر الأوسط وهو أبو شحمة ، وهو الذي ضربه عمرو بن العاص بمصر في الخمر بأمر الخليفة ، ثم حمله إلى المدينة على قتب وحده ، وفي بعض الروايات : فجعل عبد الرحمن يصيح : أنا مريض وأنت قاتلي ، فضربه الحد ثانيا وحبسه ، ثم مرض فمات .. وفيها موارد للدقة والعجب ، أعرضنا عن ذكرها فصل بعضها شيخنا الأميني في غديره ٦ ـ ٣١٦ ـ ٣١٩.

(١) هنا قبل : وأول ، سقط قريب نصف الصفحة جاء في المصدر.

(٢) سقط سطر هنا ، وهو : وكان يستعمل قوما ويدع أفضل منهم لبصرهم بالعمل ، وقال : أكره أن أدنس هؤلاء بالعمل!

أقول : قد جاء ذكر سبق عمر في مقاسمة العمال ومشاطرتهم أموالهم في غيره ، وإليك جملة من المصادر : فتوح البلدان : ٢٨٦ ، تاريخ الطبري ٤ ـ ٥٦ ، العقد الفريد ١ ـ ١٨ ـ ٢١ ، معجم البلدان ٢ ـ ٧٥ ، صبح الأعشى ٦ ـ ٣٨٦ ، سيرة عمر لابن الجوزي : ٤٤ ، تاريخ ابن كثير ٧ ـ ١٨ و ١١٥ ، و ٩ ـ ١١٣ ، السيرة الحلبية ٣ ـ ٢٢٠ ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٩٦ ، الفتوحات

٣٢

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزاد فيه ، وأدخل دار العباس فيما زاد (١) ، وهو الذي أخر المقام إلى موضعه اليوم وكان ملصقا بالبيت .. إلى آخر ما ذكره.

وقد أشار إلى تحويل المقام صاحب الكشاف (٢) ، قال : إن عمر سأل المطلب بن أبي وداعة : هل تدري أين كان موضعه الأول؟. قال : نعم ، فأراه موضعه اليوم.

وروى ثقة الإسلام في الكافي (٣) ، بإسناده عن زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : أدركت (٤) الحسين صلوات الله عليه؟. قال : نعم ، أذكر وأنا معه في المسجد الحرام وقد دخل فيه السيل والناس يقومون على المقام يخرج الخارج يقول : قد ذهب به (٥) ، ويخرج منه الخارج فيقول : هو مكانه ، قال فقال لي : يا فلان! ما صنع هؤلاء؟. فقلت له : أصلحك الله! يخافون أن يكون السيل قد ذهب بالمقام. فقال : ناد : إن الله قد جعله علما لم يكن ليذهب به فاستقروا ، وكان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عليه السلام عند جدار البيت ، فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم ، فلما فتح النبي صلى الله عليه وآله مكة رده إلى الموضع الذي وضعه إبراهيم عليه السلام ، فلم يزل

__________________

الإسلامية ٢ ـ ٤٨٠ ، وغيرها كثير ..

ثم إنه قد سبق ضربه بالدرة لواليه على البحرين أبي هريرة ، وكذا ما صنعه مع سعد بن أبي وقاص ، وأبي موسى الأشعري وإليه على البصرة ، وعمرو بن العاص وإليه على مصر ، وخالد بن الوليد وإليه على الشام وغيرهم ، وقد نص البلاذري على عشرين منهم ، وهم يزيدون على ذلك ، كما في كتب السير والتاريخ.

(١) هنا أيضا سقط قدر سطرين جاء في المصدر.

(٢) تفسير الكشاف ١ ـ ١٨٥ ، ذيل آية : ١٢٥ من سورة البقرة.

(٣) الكافي ٤ ـ ٢٢٣ حديث ٢ كتاب الحج ، باب في قوله تعالى : « فيه آيات بينات .. ».

(٤) في المصدر : قد أدركت.

(٥) في الكافي زيادة : السيل.

٣٣

هناك إلى أن ولي عمر بن الخطاب ، فسأل الناس : من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام؟. فقال رجل : أنا ، قد كنت أخذت مقداره بنسع (١) فهو عندي ، فقال : تأتيني به ، فأتاه به فقاسه ثم رده إلى ذلك المكان.

ومنها : تغيير الجزية عن النصارى ، فقد روي عن الصادق عليه السلام (٢) أنه قال : إن بني تغلب من نصارى العرب (٣) أنفوا واستنكفوا من قبول الجزية وسألوا عمر أن يعفيهم عن الجزية ويؤدوا الزكاة مضاعفا ، فخشي أن يلحقوا بالروم ، فصالحهم على أن صرف ذلك عن رءوسهم وضاعف عليهم الصدقة فرضوا بذلك.

وقال البغوي في شرح السنة : روي أن عمر بن الخطاب رام نصارى العرب على الجزية ، فقالوا : نحن عرب لا نؤدي ما يؤدي العجم ، ولكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض يعنون الصدقة ـ. فقال عمر : هذا فرض الله على المسلمين. قالوا : فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية ، فراضاهم على أن ضعف عليهم الصدقة (٤). انتهى.

فهؤلاء ليسوا بأهل ذمة لمنع الجزية ، وقد جعل الله الجزية على أهل الذمة

__________________

(١) قال في النهاية ٥ ـ ٤٨ : النسعة ـ بالكسر ـ : سير مضفور يجعل زماما للبعير وغيره ، والجمع : نسع ونسع وأنساع ، وجاء أيضا في مجمع البحرين ٤ ـ ٣٩٧ ، والقاموس ٣ ـ ٨٨ ، وقال الجوهري في الصحاح ٣ ـ ١٢٩٠ : النسع : الحبل.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ ـ ٢٨٦ حديث ٢٢ [ مؤسسة آل البيت (ع) : ٢٤ ـ ٥٨ ـ ٥٩ ] وفيه : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تأكل من ذبيحة المجوسي ، قال وقال : لا تأكل ذبيحة نصارى تغلب فإنهم مشركوا العرب. وانظر : التهذيب ٩ ـ ٦٥ حديث ٢٧٥ ، والاستبصار ٤ ـ ٨٢ حديث ٣٠٨.

وعن الرضا عليه‌السلام أنه قال : إن بني تغلب أنفوا من الجزية ، وسألوا عمر أن يعفيهم ، فخشي أن يلحقوا بالروم ، فصالحهم على أن صرف ذلك عن رءوسهم ، وضاعف عليهم الصدقة فعليهم ما صالحوا عليه ورضوا به إلى أن يظهر الحق. كما في كتاب من لا يحضره الفقيه ٢ ـ ٢٩ باب ١٠١ حديث ١٦١١ ، وأورده الشيخ الحر في وسائل الشيعة ١١ ـ ١١٦ باب ٦٨ حديث ٦.

(٣) في ( س ) : الغرب.

(٤) شرح السنة للبغوي : ....

٣٤

ليكونوا أذلاء صاغرين ، وليس في أحد من الزكاة صغار وذل ، فكان عليه أن يقاتلهم ويسبي ذراريهم لو أصروا على الاستنكاف والاستكبار ..

ومنها: ما روي أن عمر أطلق تزويج قريش في سائر العرب والعجم ، وتزويج العرب في سائر العجم ، ومنع العرب من التزويج في قريش ، ومنع العجم من التزويج في العرب (١).

فأنزل العرب مع قريش ، والعجم مع العرب منزلة اليهود والنصارى ، إذ أطلق تعالى للمسلمين التزويج في أهل الكتاب ، ولم يطلق تزويج أهل الكتاب في المسلمين (٢).

وقد زوج (٣) رسول الله صلى الله عليه وآله ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب من المقداد بن الأسود الكندي وكان مولى لبني كندة ثم قال : أتعلمون لم زوجت ضباعة بنت عمي من المقداد؟. قالوا : لا. قال : ليتضع النكاح فيناله كل مسلم ، ولتعلموا ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) (٤) ، فهذه سنة ، وقد قال رسول

__________________

(١) انظر لمزيد من الاطلاع : الإيضاح : ١٥٣ ـ ١٥٨ ، والمسترشد للطبري : ١٤٢ ، والاستغاثة في بدع الثلاثة : ٥٣ ـ ٥٤ ، وكتاب سليم بن قيس : ١٠٢ ـ ١٠٤ ، والكافي ٥ ـ ٣١٨ حديث ٥٩ ، وغيرها.

(٢) لاحظ : وسائل الشيعة ١٤ ـ ٤٦ حديث ٤ ، والكافي ٥ ـ ٣١٨ حديث ٥٩.

(٣) قد ذكر قصة تزويج ضباعة في الكافي ٥ ـ ٣٤٤ حديث ١ ، والتهذيب ٧ ـ ٣٩٥ حديث ١٥٨٢ ، وانظر : وسائل الشيعة ١٤ ـ ٤٥ ـ ٤٧ باب ٢٦ ـ أنه يجوز لغير الهاشمي تزويج الهاشمية والأعجمي والعربي القرشية والقرشي الهاشمية وغير ذلك ، ومستدرك الوسائل ١٤ ـ ١٨٣ ـ ١٨٦.

(٤) الحجرات : ١٣. وقد أظهر رسول الله ٦ ملاك التفوق في موارد متعددة ، فمنها : قوله ٦ في خطبته في الحج الأكبر : أيها الناس! إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب ، أكرمكم عند الله أتقاكم ، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى ، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. قالوا : نعم. قال : فليبلغ الشاهد الغائب. وقد جاء في البيان والتبيين ٢ ـ ٢٥ ، والعقد الفريد ٢ ـ ٨٥ ، وتاريخ اليعقوبي ٢ ـ ٩١ ، وقريب منه في مجمع الزوائد ٣ ـ ٢٦٦ ، وغيره.

٣٥

الله صلى الله عليه وآله : من رغب عن سنتي فليس مني (١).

وقيل (٢) لأمير المؤمنين عليه السلام : أتزوج (٣) الموالي بالعربيات؟!. فقال : تتكافأ دماؤكم ولا تتكافأ فروجكم؟!.

وقال سبحانه : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) (٤) ، وقال : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) (٥).

ومنها : المسح على الخفين ، كما رواه الشيخ في التهذيب (٦) ، بإسناده عن رقبة (٧) بن مصقلة ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام ، فسألته عن أشياء ، فقال : إني أراك ممن يفتي في مسجد العراق؟. فقلت : نعم. قال : فقال لي : من أنت؟. فقلت : ابن عم لصعصعة. فقال : مرحبا بك يا ابن عم صعصعة. فقلت له : ما تقول في المسح على الخفين؟. فقال : كان عمر يراه ثلاثا للمسافر ويوما وليلة للمقيم ، وكان أبي لا يراه في سفر ولا حضر ، فلما خرجت من عنده فقمت على عتبة الباب ، فقال لي : أقبل يا ابن عم صعصعة ، فأقبلت عليه ، فقال : إن

__________________

(١) هذا من ضروريات مذهب الخاصة ، وأورده جملة من الحفاظ من العامة كالبخاري في صحيحه ٧ ـ ٢ كتاب النكاح باب الترغيب في النكاح حديث ١ ، ومسلم في صحيحه كتاب النكاح باب ٥ ، والنسائي في صحيحه كتاب النكاح باب ٤ ، والدارمي في سننه كتاب النكاح باب ٣ ، وأحمد بن حنبل في مسنده ٢ ـ ١٥٨ و ٣ ـ ٢٤٦ و ٢٥٩ و ٢٨٥ ، ٥ ـ ٤٠٩ وغيرها.

(٢) كما جاء في مستدرك الوسائل ١٤ ـ ١٨٦. وقريب منه ما في الكافي ٥ ـ ٣٤٥ حديث ٥ ، والتهذيب ٧ ـ ٣٩٥ حديث ١٥٨٣.

(٣) في ( ك‍ ) نسخة بدل : أيجوز تزويج.

(٤) الحجرات : ١٠.

(٥) الحجرات : ١٣.

(٦) التهذيب ١ ـ ٣٦١ في صفة الوضوء والفرض منه حديث ١٠٨٩.

(٧) وفي بعض النسخ : رقيد ، وفي ( س ) : لرقية ، ولعله : رفيد بن مصقلة العبدي الكوفي ، وهو عامي ، وكان مفتي العامة في العراق ، وعده الشيخ الطوسي رحمه‌الله في رجاله من أصحاب الباقر عليه‌السلام ، ولم يستبعد الوحيد ، كما في معجم رجال الحديث ٧ ـ ٢٠١ اتحاده مع : رقبة ، وكون كليهما واحدا ، ولم أجد لرقيد اسما في الرجال ، فلاحظ.

٣٦

القوم كانوا يقولون برأيهم فيخطئون ويصيبون ، وكان أبي لا يقول برأيه (١).

وبإسناده ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سمعته يقول :جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وفيهم علي عليه السلام ، وقال : ما تقولون في المسح على الخفين؟. فقام المغيرة بن شعبة ، فقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يمسح على الخفين. فقال علي عليه السلام : قبل ( المائدة ) أو بعدها؟. فقال : لا أدري. فقال علي عليه السلام : سبق الكتاب الخفين ، إنما أنزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة (٢).

أقول : : لعل الترديد من الراوي ، أو لكون ذلك مما اختلفوا فيه ، فتردد عليه‌السلام إلزاما على الفريقين.

ومخالفة هذه الرأي للقرآن واضح ، فإن الخف ليس بالرجل الذي أمر الله بمسحه ، كما أن ( الكم ) ليس باليد ، والنقاب ليس بالوجه ، ولو غسلهما أحد لم يكن آتيا بالمأمور به ، كما أشار عليه‌السلام إليه بقوله : سبق الكتاب الخفين.

وقد ورد المنع من المسح على الخفين في كثير من أخبارهم ، فعن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : أشد الناس حسرة يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره (٣).

__________________

(١) التهذيب ١ ـ ٣٦١ حديث ١٠٩١. وانظر : جامع أحاديث الشيعة ٢ ـ ٣١٩ باب ٢٦ حديث ٢١٨٨ ـ ٢٢٢٨ عن جملة مصادر ، فراجعها.

(٢) وقد نصت على ذلك روايات العامة وأن المسح على الخف كان قبل نزول المائدة ، ما جاء عن جرير بن عبد الله ، على ما رواه البخاري في صحيحه ١ ـ ٤١٥ في كتاب الصلاة في الثياب باب الصلاة في الخف ، والنسائي في سننه ١ ـ ٨١ كتاب الطهارة باب المسح على الخفين ، وذكره ابن الأثير في جامع الأصول ٧ ـ ٢٣٨ ذيل حديث ٥٢٧٤ عن جملة مصادر.

انظر : الدر المنثور ٢ ـ ٤٦٤ ـ ٤٦٥ عند قوله تعالى : « ( وامسحوا برؤسكم وأرجلكم .. ) » ، وقد نقل عن ابن عباس أنه قال : أبى الناس إلا الغسل ، ولا أجد في كتاب الله إلا المسح ، وعن أنس والشعبي : أن القرآن نزل بالمسح. ولاحظ تفاسير العامة حول هذه الآية.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ ـ ٣٠ حديث ٩٦.

٣٧

وروي عنها ، أنها قالت : لأن أمسح على ظهر عير (١) بالفلاة أحب إلي من أن أمسح على خفي (٢).

وعنها ، قالت : لأن يقطع رجلاي بالمواسي أحب إلي من أن أمسح على الخفين (٣).

ورووا المنع منه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام (٤) وابن عباس (٥) وغيرهما ، وسيأتي (٦) بعض القول فيه في محله.

ومنها : نقص (٧) تكبير من الصلاة على الجنائز وجعلها أربعا ، قال : ابن حزم في كتاب المحلى (٨) : واحتج من منع أكثر من أربع بخبر رويناه من طريق وكيع ، عن سفيان الثوري ، عن عامر بن شقيق ، عن أبي وائل ، قال : جمع عمر بن الخطاب الناس فاستشارهم في التكبير على الجنازة ، فقالوا : كبر النبي صلى الله عليه وآله سبعا وخمسا وأربعا ، فجمعهم عمر على أربع تكبيرات (٩).

__________________

(١) في ( س ) : غير. ولا معنى له ، والعير : الحمار ، وغلب على الوحشي ، كما في القاموس ٢ ـ ٩٨ ، وفي الصحاح ٢ ـ ٧٦٢ قال : الحمار الوحشي ، والأهلي أيضا.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ ـ ٣٠ حديث ٩٧.

(٣) كما في المصنف لعبد الرزاق ١ ـ ٢٢١ حديث ٨٦٠ ، وانظر : التفسير الكبير ١١ ـ ١٦٣ ، بتفاوت يسير. وجاء في المصنف لابن أبي شيبة ١ ـ ١٨٥ عن عائشة أنها قالت : لأن أخرجهما بالسكاكين أحب إلي من أن أمسح عليهما ، ونحوه في صفحة : ١٨٦ من ذلك المجلد.

(٤) فقد روي عنه سلام الله عليه أنه قال : نسخ الكتاب المسح على الخفين ، كما جاء في سنن البيهقي ١ ـ ٢٧٢ ، وتفسير ابن كثير ٢ ـ ٣٠ ، وجاء في التهذيب ١ ـ ٣٦١ حديث ١٠٩١.

(٥) فقد جاء عن ابن عباس قوله : سبق كتاب الله المسح على الخفين ، كما أورده المحقق في المعتبر : ٣٨ ، ونحوه في مسند أحمد بن حنبل ١ ـ ٣٢٣ ، والجعفريات : ٢٤ ، وتفسير العياشي ١ ـ ٢٠٢.

(٦) بحار الأنوار ٨٠ ـ ٣٠٠ ـ ٣٢٨.

(٧) في ( س ) : نقض.

(٨) المحلى ٥ ـ ١٢٤ ـ المكتب التجاري بيروت ـ.

(٩) وقريب منه ما في سنن البيهقي ٤ ـ ٣٧ ، وفتح الباري ٣ ـ ١٥٧ ، وإرشاد الساري ٢ ـ ٤١٧ ، وعمدة القاري ٤ ـ ١٢٩.

٣٨

وهو خلاف ما فعله رسول الله (ص) ، كما رواه مسلم في (١) صحيحه (٢) ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (٣) ، قال : كان زيد يكبر على جنائزنا أربعا ، وإنه كبر على جنازة خمسا ، فسألته ، فقال : كان رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] يكبرها.

ورواه في جامع الأصول (٤) ، عن مسلم والنسائي (٥) وأبي داود (٦) والترمذي (٧) ، وقال (٨) : وفي رواية النسائي : أن زيد بن أرقم صلى على جنازة فكبر عليها خمسا وقال : كبرها رسول الله صلى الله عليه [ وآله ].

وروى ابن شيرويه في الفردوس (٩) أن النبي صلى الله عليه [ وآله ] كان يصلي على الميت خمس تكبيرات (١٠).

فالروايات كما ترى صريحة في أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكبر خمس تكبيرات ، وظاهر ( كان ) الدوام ، ولو سلم أنه قد كان يكبر أربعا فلا ريب

__________________

وذكر جمع : أن عمر أول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات ، كما قاله العسكري في الأوائل ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء : ٩٣ ، والقرماني في تاريخه ١ ـ ٢٠٣ ـ هامش الكامل وغيرهم.

(١) لا توجد في ( س ) : في.

(٢) صحيح مسلم كتاب الجنائز باب الصلاة على القبر حديث ٩٥٧.

(٣) جاء في ( س ) : أبي عبد الرحمن أبي ليلى. وهو غلط.

(٤) جامع الأصول ٦ ـ ٢١٦ حديث ٤٣٠٤.

(٥) سنن النسائي ٤ ـ ٧٢.

(٦) سنن أبي داود كتاب الجنائز باب التكبير على الجنائز حديث ٣١٩٧.

(٧) صحيح الترمذي كتاب الجنائز باب ما جاء في التكبير على الجنازة حديث ١٠٢٣.

(٨) ابن الأثير في جامع الأصول ٦ ـ ٢١٦.

(٩) الفردوس ، ولم نجد الرواية فيه.

(١٠) وقريب منه ما أورده أحمد بن حنبل في مسنده ٤ ـ ٣٦٨ و ٣٧٠ ، وابن حجر في الإصابة ٢ ـ ٢٢ ، والطحاوي في عمدة القاري ٤ ـ ١٢٩ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٤ ـ ٣٦ ، وابن ماجة في سننه ١ ـ ٤٥٨ وغيرهم ، وما ذكره ابن القيم الجوزية في زاد المعاد ١ ـ ١٤٥ ، وما في هامش شرح المواهب للزرقاني ٢ ـ ٧٠ حري بالملاحظة.

٣٩

في جواز الخمس ، فالمنع من الزيادة على الأربع من أسوإ البدع.

ومنها : ما رواه مالك في الموطإ (١) وحكاه في جامع الأصول (٢) ، عن ابن المسيب ، قال : أبى عمر أن يورث أحدا (٣) من الأعاجم إلا أحدا ولد في العرب. قال : وزاد رزين (٤) و (٥) امرأة جاءت حاملا فولدت في العرب فهو يرثها إن ماتت وترثه إن مات ميراثه من كتاب الله. انتهى.

ومضادة هذا المنع للآيات والأخبار ، بل مخالفته لما علم ضرورة من دين الإسلام (٦) من ثبوت التوارث بين المسلمين مما لا يريب فيه أحد.

ومنها : القول بالعول والتعصيب في الميراث كما سيأتي ، وروت الخاصة والعامة ذلك بأسانيد جمة يأتي (٧) بعضها ، ولنورد هنا خبرا واحدا رواه الشهيد الثاني رحمه الله (٨) وغيره (٩) : عن أبي طالب الأنباري ، عن أبي بكر الحافظ ، عن علي بن محمد بن الحصين (١٠) ، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن محمد بن

__________________

(١) الموطأ لمالك ـ إمام المالكية ـ ٢ ـ ١٢ [ ٢ ـ ٥٢٠ ] كتاب الفرائض ، باب ميراث أهل الملل.

(٢) جامع الأصول ٩ ـ ٦٠٣ ـ ٦٠٤ حديث ٧٣٨٠.

(٣) في ( ك‍ ) ونسخة بدل في ( س ) : أحد ـ بالرفع ـ.

(٤) في ( س ) : زرين ، وهو غلط.

(٥) في جامع الأصول : أو.

(٦) أورده أبو داود في سننه ٢ ـ ٣٣٢ : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل على العصبية ، وليس منا من مات على عصبية .. وكم له من نظائر.

(٧) بحار الأنوار ١٠٤ ـ ٣٣١ ، وفيه : عن ابن عباس : أن أول من أعال الفرائض عمر.

(٨) المسالك ٢ ـ ٣٢٣ ، وأورده في الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ٨ ـ ٨٩ ـ ٩٢ باختلاف في المتن وحذف للإسناد.

(٩) جاء في الكافي ٧ ـ ٧٩ ـ ٨٠ حديث ٢ ، ومن لا يحضره الفقيه ٤ ـ ١٨٧ ، وكنز العمال ١١ ـ ١٩ ٢٠ حديث ١٢١ باختلاف يسير ، وكذا في أحكام القرآن للجصاص ٢ ـ ١٠٩ ، ومستدرك الحاكم ٤ ـ ٣٤٠ ، والسنن الكبرى ٦ ـ ٢٥٣ وغيرها.

(١٠) لا توجد : بن الحصين ، في المصدر.

٤٠