موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٣

الشيخ مرتضى البروجردي

الثاني من شروط المكان : كونه قارّاً ، فلا يجوز الصلاة على الدابة أو الأرجوحة أو في السفينة ونحوها مما يفوت معه استقرار المصلي (١).

______________________________________________________

الوقت وافٍ بمقدار ركعة اختيارية لا مناص من الإتيان بها كذلك ، ولا فرق بيننا وبينه قدس‌سره إلا في احتساب تلك الركعة اولى الفريضة أو أخيرتها ، والمختار هو الأول ، فيأتي بالباقي اختياراً وإن وقع خارج الوقت الأوّلي ، لوقوع الجميع حينئذ داخل الوقت التنزيلي بحديث من أدرك. وعلى مختاره من تقديم الوقت يتعيّن الثاني فيصلي تلفيقاً كما عرفت.

(١) الاستقرار المعتبر في الصلاة له إطلاقان :

أحدهما : بلحاظ المصلي نفسه ، المعبّر عنه تارة بالطمأنينة قبال الاضطراب ، واخرى بالوقوف قبال المشي ، وسيجي‌ء البحث عنه في أفعال الصلاة إن شاء الله تعالى.

الثاني : بلحاظ المكان ، وإن كان المصلي نفسه واقفاً مطمئناً ، وهو المبحوث عنه في المقام ، المعدود من شرائط المكان ، فيبحث عن أنّ الحركة التبعية الحاصلة للمصلي الناشئة من عدم قرار المكان وانتقاله آناً بعد آن بحيث ليس هناك إلا التبدل في الفضاء من دون حركة للمصلي بالذات ، كالصلاة على وسائل النقل من الدواب والسيارات ولا سيّما الطائرات ، هل تكون قادحة في صحة الصلاة فيشترط فيها كون المحلّ قارّاً ثابتاً؟ أو أنها غير قادحة فلا يعتبر القرار؟

ولا يخفى أنّ محلّ الكلام ما إذا لم تستوجب الحركة التبعية المزبورة فوات بعض ما يعتبر في الصلاة من الاستقبال أو القيام أو الطمأنينة ونحوها ، وإلا فلا إشكال في البطلان من أجل فقد تلك الأُمور ، وهو خارج عن محل الكلام ، كما هو ظاهر.

والكلام هنا يقع في موردين :

أحدهما : في الصلاة على الدابة أو السيارة أو الطائرة ونحوها من المراكب.

٨١

الثاني : في الصلاة في السفينة ، وأنها هل تختص بخصوصية تمتاز بها عن غيرها بحيث يحكم بجواز الصلاة فيها اختياراً وإن استلزم الإخلال بما يعتبر في الصلاة أو لا؟

أما الكلام في المورد الأوّل : فقد استدل على اشتراط الاستقرار فيه بوجوه مزيّفة لا ينبغي الالتفات إليها :

منها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً » (١) بدعوى أنّ المعتبر في السجود أن يكون على الأرض ، فلا تجوز الصلاة على الدابة ، لاستلزامها السجود على غير الأرض.

وفيه : ما لا يخفى ، فإن الرواية مسوقة لبيان عدم اختصاص الصلاة بمكان خاص من مسجد الحرام أو مطلق المساجد أو بيت المقدس كما كان كذلك في الأُمم السابقة ، وأنّ الأرض بأجمعها صالحة للسجود ، وليست بصدد بيان اشتراط الأرضية في المسجدية ، لجواز السجود على قلل الأجبال بلا إشكال ، وكذا الشجرة المرتفعة إذا كان أعلاها مسطّحاً ، بحيث يمكن الصلاة عليه ، وكذا السرير الثابت في المكان ، وكذا الثلج كالشط المنجمد مع عدم صدق الأرض على شي‌ء منها فهي في مقام التوسعة امتناناً دون التضييق.

ويؤيده : عطف الطهور إيعازاً إلى جواز التيمم بمطلق وجه الأرض وعدم الاختصاص بأعاليها ، كما قد يقتضيه لفظ الصعيد ، فالرواية بفقرتيها سيقت لبيان الإرفاق والتسهيل وعدم التضييق في أمر التيمم والصلاة ، لعدم اختصاصهما بمكان خاص كما هو واضح.

ومنها : قوله تعالى ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ ... ) إلخ (٢) بدعوى أنّ الصلاة على الدابة مع كونها معرضاً للبطلان من جهة احتمال الإخلال بالاطمئنان أو بالاستقبال خلاف المحافظة عليها.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٥٠ / أبواب التيمم ب ٧ ح ٢.

(٢) البقرة ٢ : ٢٣٨.

٨٢

وفيه : أنّ الأمر بالمحافظة إرشاد إلى الاهتمام بالصلوات والمحافظة على أدائها في أوقاتها كما فسّرت الآية بذلك ، وأمّا مجرد المعرضية للبطلان مع البناء على الإعادة على تقدير حصول الخلل فليس ذلك منافياً للمحافظة بوجه كما لا يخفى.

نعم ، المعرضية مع الالتفات إليها منافٍ لحصول الجزم بالنية ، فإن اعتبرنا الجزم تبطل الصلاة حينئذ لفقده ، لا لعدم كون المكان قارّاً ، وإلا كما هو الأقوى ، للاكتفاء بقصد الرجاء كما هو محرّر في محلّه فلا وجه للبطلان أصلاً.

ومنها : وهي العمدة : طائفة من الأخبار كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا يصلي على الدابة الفريضة إلا مريض يستقبل به القبلة ، ويجزئه فاتحة الكتاب ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شي‌ء ويومئ في النافلة إيماء » (١).

وموثقة عبد الله بن سنان قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيصلي الرجل شيئاً من المفروض راكباً؟ فقال : لا ، إلا من ضرورة » (٢).

وموثقته الأخرى عنه عليه‌السلام « قال : لا تصلّ شيئاً من المفروض راكباً » ، قال النضر في حديثه : إلا أن يكون مريضاً (٣).

وقد عبّر في المدارك (٤) عن الرواية الاولى من روايتي ابن سنان بالموثقة كما عبّرنا واعترض عليه صاحب الحدائق بضعف السند حيث إن في الطريق أحمد بن هلال وهو فاسد العقيدة مرمي بالغلو تارة وبالنصب اخرى (٥).

لكنا ذكرنا في بعض المباحث السابقة (٦) أنّ الرجل وإن كان منحرف العقيدة‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٢٥ / أبواب القبلة ب ١٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٢٦ / أبواب القبلة ب ١٤ ح ٤ ، ٧.

(٣) الوسائل ٤ : ٣٢٦ / أبواب القبلة ب ١٤ ح ٤ ، ٧.

(٤) المدارك ٣ : ١٣٩.

(٥) الحدائق ٦ : ٤٠٨.

(٦) شرح العروة ١٢ : ٣٣٢.

٨٣

لكنه موثق الحديث (١) ولا تنافي بين الأمرين. وقد مرّ تفصيل الكلام فيه مشروحاً فراجع ولاحظ.

وكيف كان ، فيستدل بهذه الأخبار على أنّ الحركة التبعية الناشئة من سير الراحلة توجب البطلان ، فلا تجزئ الصلاة عليها إلا لدى الضرورة من مرض ونحوه.

وفيه : أنّ الجمود على ظواهر النصوص يقضي بقادحية الصلاة على الراحلة بما هي كذلك حتى لو كانت واقفة وأمكن التحفظ على الأجزاء والشرائط ، كما لو صلى على بعير معقول ، فيكون ذلك شرطاً تعبدياً في الصلاة قبال سائر الشرائط كما أفتى به العلامة في القواعد (٢) والشهيدان (٣) وغيرهما في البعير المعقول الذي لم يتضح الفرق بينه وبين غيره.

وعلى هذا فهي أجنبية عن اعتبار القرار في المكلف ولا ربط لها بالمقام.

وإن بنينا على أنّ المراد منها المنع عن الصلاة حالة السير خاصة كما قد تقتضيه مناسبة الحكم والموضوع ولا سيما التعرض كما في الصحيحة لتوجيه المريض إلى القبلة وإجزائه السجود على ما يمكن ، والإيماء في النافلة ، واستثناء حال الضرورة كما في الموثقتين الكاشف عن عدم التمكن من رعاية الأجزاء‌

__________________

(١) اعتمد ( دام ظله ) في توثيق الرجل على تعبير النجاشي بأنه صالح الرواية [ رجال النجاشي : ٨٣ / ١٩٩ ] مضافاً الى وقوعه في أسناد الكامل والتفسير.

ولكنه معارض بالتضعيف المستفاد من استثنائه من رجال نوادر الحكمة [ رجال النجاشي : ٣٤٨ / ٩٣٩ ] ، ولمثل هذه المعارضة حكم ( دام ظله ) بضعف الحسن بن الحسين اللؤلؤي. المعجم ٥ : ٢٩٧ / ٢٧٩٣. ولم يتضح الفرق بينه وبين المقام إلا أن يقال : بابتناء استثناء ابن هلال على فساد العقيدة غير المنافي لتوثيق النجاشي ، فلا يقاس عليه اللؤلؤي.

ولكنه مجرد احتمال لا ينفع ما لم يبلغ حدّ الاستظهار الذي دعواه كما ترى ، فلا يقاوم ظهور الاستثناء في التضعيف كما لا يخفى.

(٢) القواعد ١ : ٢٥٢.

(٣) الذكرى ٣ : ١٨٩ ، مسالك الأفهام ١ : ١٥٩.

٨٤

والشرائط الملازم عادة لسير الدابة.

ففي هذه الصورة كما لا قرار للمكان لم تراع الأجزاء والشرائط أيضاً من القيام والسجود والاستقرار والاستقبال ، فمن الجائز أن يكون الوجه في البطلان هو الثاني دون الأوّل ، لما عرفت من الملازمة العادية بينهما ، لا سيّما في مثل الدابة ، فإنّ الراكب عليها عاجز من رعاية ما ذكر إلا نادراً بعلاج ونحوه ، ومثله ينصرف عنه النص قطعاً.

والمنع عن الانصراف بدعوى استفادة الحكم من العموم الوضعي وهو وقوع النكرة في سياق النفي الشامل لجميع الأفراد ، ولا يصادم الانصراف إلا انعقاد الإطلاق دون العموم.

يدفعه أولاً : أنه لا فرق في قادحية الانصراف بين العموم والإطلاق ، ومن هنا يحكم باختصاص مانعية ما لا يؤكل بالحيوان لانصرافه عن الإنسان ، مع أنّ الحكم مستفاد من العموم الوضعي ، أعني لفظة كل الواردة في موثقة ابن بكير قال عليه‌السلام فيها : « فالصلاة في روثة وبوله وألبانه وكلّ شي‌ء منه فاسد ». (١).

وثانياً : منع دلالة النكرة الواقعة في سياق النفي على العموم بالوضع ، بل هو بالإطلاق كما حرّر في الأُصول (٢).

وبالجملة : فلا يكاد يستفاد من هذه الروايات اشتراط الاستقرار في المكان بما هو ، بحيث لو فرض التمكن من الصلاة على الدابة السائرة مراعياً للطمأنينة والقيام والركوع والسجود كانت مجرد الحركة التبعية قادحة في الصحة. نعم الفرض في نفسه نادر ولا سيما في الدواب التي كانت الوسائط النقلية منحصرة فيها في الأزمنة السابقة ، وإن كان في بعض الوسائل المستحدثة كالسكك الحديدية ولا سيّما الطائرات بمكان من الإمكان.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٤٥ / أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ١. ( نقل بالمضمون ).

(٢) محاضرات في أصول الفقه ٥ : ١٥٨.

٨٥

وتظهر ثمرة الخلاف في مثل الدابة فيما لو كانت وظيفة المكلف الصلاة جالساً مومئاً ، لعجزه بالذات عن القيام والركوع والسجود ، فإنه بناءً على قادحية الحركة التبعية واشتراط القرار في مكان يلزم إيقاعها على الأرض ، وبناءً على عدم القدح كما هو الصحيح على ما عرفت يجوز إيقاعها على الدابة السائرة ، لعدم الإخلال بالإجزاء حينئذ ، والاطمئنان العرفي حاصل حال الجلوس كما لا يخفي.

ثم إن مقتضى إطلاق الصحيحة المستثنية للمريض الاجتزاء بصلاة المريض على الدابة المستلزمة للإخلال بالأجزاء والشرائط عادة كما مرّ ، وإن لم تكن ضرورة تقتضيه لتمكنه من الصلاة على الأرض من غير مشقة ، إلا أنه معارض بإطلاق الموثقتين المانعتين عن إيقاع الصلاة عليها من غير ضرورة الشامل للمريض وغيره ، وحيث إنّ النسبة عموم من وجه ، فيتساقطان في مادة الاجتماع وهو المريض غير المضطر ، ويرجع إلى عموم أدلة الأجزاء والشرائط.

ثم إنه بناء على تسليم دلالة الأخبار على اشتراط القرار وقادحية الحركة التبعية بنفسها ، فالحكم خاص بموردها مما صدق معه الصلاة على الدابة أو على الراحلة ، أو الصلاة راكباً حسب اختلاف ألسنتها وإن كان الأخير أوسع مما سبق كما هو ظاهر ، فلا يعمّ الحكم ما إذا لم يتحقق معه الصدق المزبور وإن تضمّن الحركة التبعية كالصلاة على الأرجوحة ، لقصور المقتضي للمنع ، إذ لا تصدق في مثلها الصلاة راكباً فضلاً عن الصلاة على الدابة أو الراحلة. فلو فرض التمكن حينئذ من رعاية الأجزاء والشرائط وعدم الإخلال بشي‌ء منها ، فمجرد الحركة بتبع الأرجوحة مع المحافظة على استقرار المصلي واطمئنانه في نفسه لا يكون مانعاً عن صحة الصلاة.

مضافاً إلى قيام الدليل على الجواز ، وهي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال ؛ « سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي على الرفّ‌

٨٦

المعلّق بين نخلتين؟ فقال : إن كان مستوياً يقدر على الصلاة فيه فلا بأس » (١). رويت بطريقين : في أحدهما ضعف لمكان عبد الله بن الحسن ، والعمدة الطريق الآخر الصحيح الذي رواها به الشيخ فلاحظ (٢).

فان المراد من تعليق الرف إما خصوص ما علّق بالحبال ، كما قد يساعده لفظ التعليق ، بل هو الظاهر منه كما لا يخفى ، أو الأعم منه ومن المسمر بالمسامير ، وعلى أيّ تقدير فتدل ولو بترك الاستفصال على أنّ المعلّق بالحبال المتحرك بطبيعة الحال تجوز الصلاة عليه إذا كان الرفّ مستوياً بحيث يتمكّن من الصلاة عليه من غير إخلال بها ، وأنّ الحركة التبعية الحاصلة لدى قيام المصلي وجلوسه وركوعه وسجوده غير قادحة.

نعم ، لو كان المراد خصوص المسمر بالمسامير كما احتمله بعضهم كانت أجنبية عن المقام ، لما فيه من الثبات والاستحكام ، فلا حركة أصلية ولا تبعية ، لكنه خلاف الظاهر منها قطعاً ، لمنافاته مع التعبير بالتعليق كما عرفت.

وأما الكلام في المورد الثاني : أعني الصلاة في السفينة ، فالبحث عنها يقع في جهات :

الأولى : لا إشكال كما لا خلاف في جواز الصلاة في السفينة لدى الاضطرار ، وعدم التمكن من الخروج عنها ، كما في الأسفار البعيدة ، فيأتي بما يتمكن من الأجزاء والشرائط الاختيارية ، وإلا فينتقل إلى إبدالها حسب ما تقتضيه الوظيفة الفعلية ، لعدم سقوط الصلاة بحال ، فصحتها حينئذ على طبق القاعدة من دون حاجة إلى ورود النص. على أنه وارد كما ستعرف ، وهذا ظاهر لا سترة عليه.

الثانية : إذا كان متمكناً من الخروج ، فالظاهر عدم الخلاف والإشكال أيضاً في صحة الصلاة في السفينة مع التمكن من مراعاة ما يعتبر فيها من الأجزاء‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٧٨ / أبواب مكان المصلي ب ٣٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٧٣ / ١٥٥٣.

٨٧

والشرائط الاختيارية وعدم الإخلال بشي‌ء منها ، فمجرد الحركة التبعيّة الحاصلة من سير السفينة غير قادحة هنا جزماً ، ولا يلزم الخروج إلى الساحل وإيقاع الصلاة على الأرض ، وتدل عليه جملة من النصوص :

منها : صحيح (١) جميل بن دراج « أنه قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : تكون السفينة قريبة من الجد ( الجدد ) فأخرج وأُصلي ، قال : صلّ فيها ، أما ترضى بصلاة نوح عليه‌السلام » (٢).

وموثقة (٣) يونس بن يعقوب « أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في الفرات وما هو أصغر منه من الأنهار في السفينة؟ فقال : إن صليت فحسن وإن خرجت فحسن » (٤).

ونحوها : رواية المفضل بن صالح المتحدة معها متناً مع اختلاف يسير (٥) وقد عبّر المحقق الهمداني عن الأخيرة بالصحيحة (٦) وعبّر عنها بعضٌ بالموثقة ، وكلاهما في غير محله ، والصواب أنّها ضعيفة لتصريح (٧) النجاشي بضعف الرجل‌

__________________

(١) صحة طريق الصدوق إلى جميل بن درّاج وحده من غير ضمّ محمد بن حمران محل تأمل عند الأُستاذ ، وإن صححه أخيراً في كتاب الحج من وجه آخر.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٢٠ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ٣.

(٣) في سند الصدوق إليه في المشيخة [ الفقيه ٤ ( المشيخة ) : ٤٦ ] : الحكم بن مسكين وتوثيقه مبني على الاعتماد على رجال الكامل وقد عدل ( دام ظله ) عنه.

(٤) الوسائل ٤ : ٣٢١ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ٥ ، ١١.

(٥) الوسائل ٤ : ٣٢١ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ٥ ، ١١.

(٦) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ١٠٦ السطر ١٢.

(٧) هذه العبارة غير صريحة في الضعف ، بل غايته عدم النقاش في التضعيف الذي نقله عن الجماعة ، وأقصاه الظهور دون الصراحة. بل يمكن الخدش فيه أيضاً ، فإنّ حكاية التضعيف ولا سيما في ترجمة شخص آخر من دون تعليق أو تعقيب بنفي ولا إثبات لا يكاد يكشف عن الإمضاء والارتضاء ، ومن ثم ترى النجاشي لم يضعف الرجل عند ترجمته [ لم يترجمه النجاشي مستقلا ] فلو تم الارتضاء لكان الأولى والأجدر التعرض له عند التصدي لترجمته ، كما أنّه حكى في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى [ ٣٤٨ / ٩٣٩ ] ان ابن الوليد استثنى

٨٨

أي المفضل بن صالح أبو جميلة في ترجمة جابر بن يزيد ، حيث قال بعد ترجمة جابر وتوثيقه ما لفظه : « روى عنه جماعة غمز فيهم وضُعّفوا ، منهم : عمرو بن شمر ومفضل بن صالح .. إلخ » (١) وتبعه غيره. وكيف كان ففيما عداها غنى وكفاية.

نعم ، بإزائها ما يتراءى منه عدم الصحة كصحيح حماد بن عيسى قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يسأل عن الصلاة في السفينة فيقول إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فاخرجوا فان لم يقدروا ( هكذا في الوسائل ، والصواب لم تقدروا ) فصلوا قياماً ، فان لم تستطيعوا فصلّوا قعوداً وتحروا القبلة » (٢) رويت بطريقين كلاهما صحيح.

ومضمرة علي بن إبراهيم قال : « سألته عن الصلاة في السفينة ، قال : يصلي وهو جالس إذا لم يمكنه القيام في السفينة ، ولا يصلي في السفينة وهو يقدر على الشط ... » إلخ (٣) والعمدة هي الأولى ، فإنّ سند الأخيرة لا يخلو عن الخدش كما لا يخفى.

ومقتضى الجمع هو حمل الطائفة الثانية على الاستحباب ، أو على ما إذا لم يتمكن من استيفاء الأفعال ، لكن الأول كما ترى ، فان استحباب الخروج لا يلائم مع الترغيب في الاقتداء بصلاة نوح ، وكيف يمكن حمل قوله عليه‌السلام : « إن صليت فحسن وإن خرجت فحسن » الظاهر في المساواة في الحسن على التفاضل وأرجحية الخروج.

فالمتعين : هو الجمع الثاني كما يشهد له نفس الصحيح من الأمر بالصلاة‌

__________________

الحسن بن الحسين اللؤلؤي عن رجال نوادر الحكمة ومع ذلك وثقه بنفسه في ترجمته [ ٤٠ / ٨٣ ]. فلاحظ.

(١) رجال النجاشي : ١٢٨ / ٣٣٢.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٢٣ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ١٤.

(٣) الوسائل ٤ : ٣٢١ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ٨.

٨٩

قياماً وإلا فقعوداً وتحري القبلة مهما أمكن ، فإنه ظاهر في عدم التمكن من المحافظة على أفعال الصلاة كما هي والإخلال ببعض ما يعتبر ، لا أقل من الاستقبال ولو في بعض الأحوال.

الجهة الثالثة : قد عرفت عدم الخلاف في صحة الصلاة في السفينة اختياراً مع عدم الإخلال والتمكن من استيفاء الأفعال ، وأن الحركة التبعية بمجردها غير قادحة ، وهل تصح فيها اختياراً حتى مع الإخلال وعدم التمكن من الاستيفاء ، فتكون للسفينة خصوصية بها تمتاز عن غيرها ، وهي جواز الاقتصار على ما يتيسر من الأفعال ، وإن كان متمكناً من الخروج والإتيان بصلاة كاملة؟

فيه خلاف بين الأعلام ، فقد ذهب غير واحد من المتأخرين إلى الجواز ، بل حكي عن جمع من القدماء ، لكن الأقوى خلافه ، بل لعله هو المشهور.

ويستدل للجواز تارةً بمرسلة الصدوق في الهداية (١) وبالفقه الرضوي (٢) لكن التعويل على مثلهما في إثبات الحكم المخالف لإطلاقات الأدلة الأولية كما ترى ، ولم تذكر المرسلة في الفقيه كي يلاحظ سندها.

وأُخرى : بإطلاق ما دل على جواز الصلاة في السفينة اختياراً الشامل لصورتي التمكن من استيفاء الأفعال وعدمه كصحيحة جميل وموثقة يونس المتقدمتين (٣) وغيرهما.

ويندفع أوّلاً : بمنع الإطلاق في تلك الأخبار ، فإنها مسوقة سؤالاً وجواباً لبيان حكم الصلاة في السفينة من حيث هي ، وأنّ الحركة التبعية الملازمة لها حالة السير غير قادحة ، فلا بأس بالصلاة في هذا المكان ، ولا نظر فيها إلى سائر ما يعتبر في الصلاة كي ينعقد الإطلاق بلحاظها. ألا ترى أنّه إذا سئل عن حكم الصلاة في الحمام مثلاً فأُجيب بنفي البأس لم يكن للجواب إطلاق‌

__________________

(١) المستدرك ٣ : ١٨٧ / أبواب القبلة ب ٩ ح ٥ ، الهداية : ١٤٨.

(٢) المستدرك ٣ : ١٨٨ / أبواب القبلة ٩ ح ٦ ، فقه الرضا : ١٤٦.

(٣) في ص ٨٨.

٩٠

بالإضافة إلى إيقاعها عارياً أو إلى غير القبلة ، أو من دون طهارة ، وكذا إذا أُجيب بصحة الصلاة في السفينة لم يكن له إطلاق من حيث الطهارة المائية أو الترابية أو عدمهما ، فهكذا في المقام لا إطلاق لهذه النصوص بالإضافة إلى استيفاء الأفعال وعدمه ، لكون النظر مقصوراً على الحيثية التي سيق من أجلها السؤال وهي مجرد الوقوع في السفينة السائرة ، وهذا واضح لا غبار عليه.

وثانياً : لو سلّمنا الإطلاق في تلك الأخبار فهي معارضة كما مرّ بما يقابلها مما تضمن المنع عن الصلاة في السفينة لدى التمكن من الخروج مثل صحيحة حماد بن عيسى المتقدمة (١) ومقتضى الجمع بعد امتناع الحمل على الاستحباب كما عرفت حمل الطائفة الأُولى على صورة التمكن من رعاية الأجزاء والشرائط الاختيارية ، والثانية على صورة العجز ، لما فيها من الشواهد على ذلك كما سبق. وعليه فلا إطلاق في هذه الأخبار يعمّ صورة العجز عن استيفاء الأفعال.

وثالثاً : مع الغض وتسليم امتناع الجمع بهذه الكيفية فيمكننا علاج المعارضة بوجه آخر. فنقول : إن النسبة بين الطائفتين كصحيحة جميل وصحيحة حماد وإن كانت هي التباين ابتداء لكنها تنقلب إلى العموم والخصوص المطلق بعد ملاحظة موثقة يونس بن يعقوب المتقدمة (٢) ، وبيانه : أن الموثقة وإن نوقش في سندها من جهة الحكم بن مسكين حيث لم يوثق في كتب الرجال صريحاً ، لكن يكفي في توثيقه وقوعه في أسانيد كامل الزيارات (٣) ومن هنا عبّرنا عنها بالموثقة ، هذا من حيث السند.

وأما الدلالة فهي في كمال الظهور في الاختصاص بالصلاة التي يتمكن فيها من استيفاء الأفعال ، بحيث لا فرق بينها وبين الصلاة الواقعة خارج السفينة‌

__________________

(١) في ص ٨٩.

(٢) في ص ٨٨.

(٣) تقدم [ في هامش ص ٨٨ ] أنّه ( دام ظله ) عدل عنه.

٩١

من غير ناحية المكان على ما يقتضيه قوله : « إن صلّيت فحسن وإن خرجت فحسن » فإنّه كالصريح في كون المفروض التساوي بين نفس الصلاتين بالذات ، وعدم الفرق إلا من حيث المكان ، فلا يحتمل فيها الإطلاق من حيث الاستيفاء وعدمه.

وعليه فبما أنها أخص من صحيحة حماد كما لا يخفى فتخصص بها ، فتبقى تحتها بعد التخصيص الصلاة التي لا يتمكن فيها من استيفاء الأفعال ، وبعدئذٍ تنقلب النسبة بين هذه الصحيحة وصحيحة جميل من التباين إلى العموم المطلق ، لكون الثانية أعم ، فتخصص بالأُولى وتكون النتيجة اختصاص صحيحة جميل بالصلاة التي يتمكن فيها من الاستيفاء ، فلا إطلاق لها بالإضافة إلى غيرها ، كما لا تعارض.

فتحصل : أنّ الأقوى عدم جواز الإخلال بالأجزاء والشرائط اختياراً ، من غير فرق بين السفينة وغيرها من سائر المراكب ، وأنه مع التمكن من الخروج والإتيان بصلاة تامة يتعين ذلك.

نعم ، مع العجز عنه يأتي بما يتيسر من الأفعال حسب ما تقتضيه الوظيفة الفعلية ، فيراعي الاستقبال لدى الشروع في الصلاة ، ثم إذا دارت السفينة يراعيه في بقية الأجزاء بقدر الإمكان ، وإلا سقط الاستقبال كما نطقت به عدة من الأخبار. ففي موثق (١) يونس « استقبل القبلة ثم كبّر ثم در مع السفينة حيث دارت بك » (٢).

وصحيح الحلبي : « يستقبل القبلة ويصفّ رجليه ، فاذا دارت واستطاع أن يتوجه إلى القبلة ، وإلا فليصلّ حيث توجهت به » (٣).

__________________

(١) تقدم ما في السند [ في هامش ص ٨٨ ولكن هذا المقطع من الرواية نقل في الوسائل ذيل ح ٧ بسند صحيح فراجع ].

(٢) الوسائل ٤ : ٣٢١ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ٦.

(٣) الوسائل ٤ : ٣٢٠ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ١.

٩٢

نعم مع الاضطرار ولو لضيق الوقت (١) عن الخروج من السفينة مثلاً لا مانع ، ويجب عليه حينئذ مراعاة الاستقبال والاستقرار بقدر الإمكان ، فيدور حيثما دارت الدابة أو السفينة ، وإن أمكنه الاستقرار في حال القراءة والأذكار والسكوت خلالها حين الاضطراب وجب ذلك مع عدم الفصل الطويل الماحي للصورة (١).

______________________________________________________

ومضمرة علي بن إبراهيم : « يحوّل وجهه إلى القبلة ثم يصلي كيف ما دارت » (١).

وفي صحيحة حماد بن عثمان : « يستقبل القبلة فإذا دارت فاستطاع أن يتوجه إلى القبلة فليفعل وإلا فليصلّ حيث توجّهت به » (٢).

نعم ، ربما يظهر من بعض الأخبار أنه إذا لم يتمكن أن يدور إلى القبلة يصلي إلى صدر السفينة كما في مرسلة الهداية والفقه الرضوي المتقدمتين (٣) وكذا مرسلة الفقيه قال : « روي أنه إذا عصفت الريح بمن في السفينة ولم يقدر على أن يدور إلى القبلة صلى إلى صدر السفينة » (٤) لكنها لمكان الضعف وعدم الجابر والمعارضة بما سبق لا تصلح للاعتماد.

(١) تقدم سابقاً (٥) أنه لو ضاق الوقت حال الخروج عن الدار الغصبية فدار الأمر بين الصلاة مومئاً خارجاً وبين إدراك ركعة اختيارية في الوقت خارج الدار قدّم الثاني ، وأنّ المراد من الضيق هناك عدم التمكن من إدراك الصلاة في المكان المباح حتى بمقدار الركعة ، وقد مرّ وجهه فلاحظ.

__________________

(١) المراد به في المقام هو عدم التمكن من أداء تمام الصلاة بعد الخروج.

(١) الوسائل ٤ : ٣٢١ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ٨.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٢٢ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ١٣.

(٣) في ص ٩٠.

(٤) الوسائل ٤ : ٣٢١ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ٧ ، الفقيه ١ : ١٨١ / ٨٥٨.

(٥) في ص ٧٣.

٩٣

وإلا فهو مشكل (١) (١).

[١٣٤٢] مسألة ٢٤ : يجوز في حال الاختيار الصلاة في السفينة أو على الدابة (٢) الواقفتين مع إمكان مراعاة جميع الشروط من الاستقرار والاستقبال ونحوهما ، بل الأقوى جوازها مع كونهما سائرتين إذا أمكن مراعاة الشروط ، ولو بأن يسكت حين الاضطراب عن القراءة والذكر مع الشرط المتقدم ، ويدور إلى القبلة إذا انحرفتا عنها ، ولا تضرّ الحركة التبعية بتحركهما وإن كان الأحوط القصر على حال الضيق والاضطرار.

______________________________________________________

وأما في المقام فالأمر بالعكس ، فيصلي في السفينة وإن أخلّ بالأفعال مهما لم يتمكن من الخروج والإتيان بصلاة اختيارية تمامها في الوقت ، سواء أتمكن من إدراك ركعة كذلك أم لا ، لإطلاق صحيحة حماد المتقدمة (١) ، فان ظاهر قوله عليه‌السلام : « فان لم تقدروا فصلوا قياماً ... » إلخ ، أي لم تقدروا من الخروج للإتيان بصلاة اختيارية كلها في الوقت ، سواء تمكن من إدراك الركعة أم لا ، فالمراد بالضيق في المقام عدم سعة الوقت لأداء تمام الصلاة بعد الخروج.

(١) بل لا إشكال في سقوط الاستقرار حينئذ ، إذ بعد فرض استلزام مراعاته محو صورة الصلاة المساوقة لعدم تحققها خارجاً يكون الأمر حينئذ دائراً بين ترك الاستقرار وبين ترك الصلاة رأساً ولا شك في تقدم الأول ، لعدم سقوط الصلاة بحال ، فلا مجال للإشكال وهذا واضح جدّاً.

(٢) بعد ما عرفت بما لا مزيد عليه جواز الصلاة في السفينة أو على الدابة اختياراً حال سيرها ، وأن الحركة التبعية بنفسها غير قادحة مع فرض استيفاء الأفعال وعدم الإخلال بشي‌ء منها ، فالجواز في فرض كونهما واقفتين بطريق أولى ، إذ لا يحتمل استثناؤهما من بقية الأمكنة ، فالصلاة عليهما‌

__________________

(١) لا ينبغي الإشكال في وجوب الاشتغال في هذه الصورة.

(١) في ص ٨٩.

٩٤

[١٣٤٣] مسألة ٢٥ : لا يجوز الصلاة على صبرة الحنطة وبيدر التبن وكومة الرمل مع عدم الاستقرار ، وكذا ما كان مثلها (١).

الثالث : أن لا يكون مَعرضاً لعدم إمكان الإتمام والتزلزل في البقاء إلى آخر الصلاة (٢) ، كالصلاة في الزحام المعرض لإبطال صلاته ، وكذا في معرض الريح أو المطر الشديد أو نحوها ، فمع عدم الاطمئنان بإمكان الإتمام لا يجوز الشروع فيها (١) على الأحوط ، نعم لا يضر مجرد احتمال عروض المبطل.

______________________________________________________

وعلى الأرض على حد سواء كما هو ظاهر.

(١) للإخلال بالاستقرار ، أعني الاطمئنان المعتبر في القراءة والأذكار كما هو واضح.

(٢) هذا مبني على اعتبار الجزم بالنية في تحقق العبادة وعدم الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي مع التمكن من التفصيلي ، لكنه بمعزل عن التحقيق كما فصلنا القول فيه في بحث الاجتهاد والتقليد (١) ، فإن العبادة تشترك مع غيرها في كون الواجب هو ذات العمل ، وإنما تمتاز عنها في لزوم إضافتها إلى المولى نحو إضافة ، وكما تتحقق الإضافة بالنسبة الجزمية وبالقصد التفصيلي فكذا تتحقق بقصد الرجاء وبالنسبة الاحتمالية الإجمالية كما في جميع موارد الاحتياط.

ودعوى تأخر الثاني عن الأول رتبة وكونه في طوله ولدي العجز عنه لا شاهد عليها.

وبالجملة : فهذا الشرط لا دليل على اعتباره ، فالأقوى صحة الصلاة على تقدير إتمامها جامعة للشرائط.

هذا فيما إذا كان احتمال عروض المبطل احتمالاً عقلائياً ، كما لو صلى في مكان معرض للبطلان من جهة الزحام أو هبوب الرياح أو المطر الشديد ونحوها ،

__________________

(١) لا يبعد الجواز ، وتصحّ الصلاة على تقدير إتمامها جامعة للشروط.

(١) شرح العروة ١ : ٤٩ وما بعدها.

٩٥

الرابع : أن لا يكون مما يحرم البقاء (١) فيه كما بين الصفّين من القتال ، أو تحت السقف ، أو الحائط المنهدم ، أو في المسبعة ، أو نحو ذلك مما هو محل للخطر على النفس (١).

الخامس : أن لا يكون مما يحرم الوقوف والقيام والقعود عليه كما إذا كتب عليه القرآن ، وكذا على قبر المعصوم عليه‌السلام أو غيره ممن يكون الوقوف عليه هتكاً لحرمته (٢) (٢).

السادس : أن يكون مما يمكن أداء الأفعال فيه بحسب حال المصلي ، فلا تجوز الصلاة في بيت سقفه نازل بحيث لا يقدر فيه على الانتصاب ، أو بيت يكون ضيّقاً لا يمكن فيه الركوع والسجود على الوجه المعتبر.

______________________________________________________

وأما مجرد الاحتمال العقلي فلا إشكال في عدم قدحه كما نبّه عليه في المتن.

(١) حرمة البقاء في الموارد المذكورة وإن كانت مسلّمة من باب عدم جواز إلقاء النفس في التهلكة ، لكنها بمجرّدها لا تستوجب البطلان ما لم يتحد الحرام مع أفعال الصلاة ، وحيث لا اتحاد في المقام حتى من ناحية السجدة لفرض إباحة الأرض نفسها وإن حرم المكث ، وأن الاعتماد المقوّم لها متحقق في المكان المباح ، فالأقوى صحة الصلاة وإن كان آثماً.

(٢) الحال فيه يظهر مما مرّ آنفاً ، فان الوقوف على ما كتب عليه القرآن أو قبر المعصوم عليه‌السلام وإن لم يكن ريب في حرمته من جهة الهتك ، بل ربما يفضي بعض مراتبه إلى الكفر ، كما لو نشأ الوقوف المزبور عن الاستهزاء بكتاب الله أو إنكار نزوله من السماء ، لكن الحرام غير متحد مع القيام أو القعود أو الركوع أو السجود التي هي من أفعال الصلاة ، فإن المعتبر من هذه الأفعال‌

__________________

(١) حرمة البقاء في الأمكنة المذكورة لا توجب بطلان الصلاة فيها.

(٢) حرمة الفعل المزبور ممّا لا ريب فيه ، ولا يبعد إيجاب بعض مراتبه الكفر إلا انّ الحكم ببطلان الصلاة معه على إطلاقه مبنيّ على الاحتياط.

٩٦

نعم في الضيق والاضطرار يجوز ويجب مراعاتها بقدر الإمكان (١).

ولو دار الأمر بين مكانين في أحدهما قادر على القيام لكن لا يقدر على الركوع والسجود إلا مومئاً ، وفي الآخر لا يقدر عليه ويقدر عليهما جالساً ، فالأحوط الجمع بتكرار الصلاة ، وفي الضيق لا يبعد التخيير (١) (٢).

______________________________________________________

المأخوذة في حقيقة الصلاة هي الهيئات الخاصة الحاصلة لدى ارتكاب هذه الأُمور كما مرّ توضيحه في أوائل هذا المبحث ، والهيئة بنفسها غير متحدة مع الوقوف المزبور ، كما أنّه بنفسه غير مأخوذ في الصلاة لا جزءاً ولا شرطاً كما لا يخفى.

نعم ، تصح دعوى الاتحاد في السجود خاصة من جهة اعتبار الاعتماد فيه كما مرّ غير مرّة ، فالبطلان إنما يتجه لو سجد على ما يحرم الاعتماد عليه دون ما إذا وقف على المكان المزبور وسجد في مكان آخر.

(١) هذا لا إشكال فيه لكنه ليس شرطاً قبال وجوب الأفعال ، فلا يحسن عدّه من شرائط المكان كما هو ظاهر جدّاً.

(٢) احتاط قدس‌سره بالجمع حينئذ بتكرار الصلاة في المكانين مع سعة‌

__________________

(١) بل الظاهر هو التخيير مطلقاً ، لأنّ المقام داخل في كبرى تعارض العامين من وجه بالإطلاق ، والمختار فيه سقوط الإطلاقين ، والرجوع إلى الأصل ، وحيث إنّ الأمر دائر في المقام بين التخيير والتعيين في كل من المحتملين فيرجع إلى البراءة من التعيين ، وأمّا ما هو المعروف من دخول المقام في كبرى التزاحم والترجيح باحتمال الأهميّة أو بغيره فيردّه أنّ الأمر بكلّ من الجزأين أمرٌ ضمني يسقط بسقوط الأمر بالمركب لا محالة ، ولكن يقطع معه بحدوث أمرٍ آخر يحتمل تعلّقه بما اعتبر فيه القيام وما اعتبر فيه الركوع والسجود ، وما اعتبر فيه أحد الأمرين تخييراً ، وعليه فإطلاق دليل وجوب الركوع والسجود يقتضي اعتبارهما في مفروض البحث ، كما أنّ إطلاق دليل وجوب القيام يقتضي اعتباره فيه ، وبما أنّه لا يمكن الأخذ بهما فلا محالة يسقطان بالتعارض وتصل النوبة إلى الأصل العملي ، وهو يقتضي التخيير ، وتمام الكلام في محلّه.

٩٧

الوقت ولم يستبعد التخيير في الضيق ، وقد تعرّض قدس‌سره لنفس الفرع في بحث القيام مسألة ١٧ وحكم بعين ما حكم به في المقام.

وقد كتب شيخنا الأُستاذ قدس‌سره على الموردين تعليقتين متهافتتين فقدّم في المقام الركوع والسجود على القيام وقدّمه عليهما هناك ، ونظره الشريف هنا إلى الترجيح بالأهمية ، وهناك بالأسبقية ، وبينهما من التنافي ما لا يخفى فلاحظ.

وكيف كان فلا يمكن المساعدة على ما أفاده قدس‌سره في كلا الموردين ، ولا على ما أفاده الماتن من لزوم الاحتياط في السعة ، بل الأقوى التخيير مطلقا.

أما مقالة شيخنا الأُستاذ رحمه‌الله فمبنية على ما هو المعروف من إدراج المقام وأمثاله من المركبات الارتباطية التي تعذّر بعض أجزائها لا على التعيين في باب التزاحم ، حتى تراعى قواعد هذا الباب من الترجيح بالأهمية أو الأسبقية ، وليس كذلك ، بل هي داخلة في كبرى التعارض كما مرّ غير مرّة ، إذ لا تعقل المزاحمة إلاّ بين تكليفين مستقلين قد عجز المكلف عن الجمع بينهما في مقام الامتثال ، وليس في أمثال المقام إلاّ تكليف وحداني متعلق بالمجموع المركب من حيث المجموع ، كما هو مقتضى فرض الارتباطية. والانحلال إلى تكاليف عديدة ضمنية إنما هي بتحليل من العقل وإلاّ فليس في موردها إلاّ تكليف واحد له طاعة واحدة وعصيان فأرد ، فإذا طرأ العجز على شي‌ء من تلك القيود سقطت الأوامر الضمنية بأجمعها بمقتضى الارتباطية الملحوظة بينها ، ومرجع ذلك إلى سقوط الأمر المتعلق بالمركب لا محالة ، ومقتضى القاعدة حينئذ سقوط الصلاة رأساً ، لكنّا علمنا من الخارج عدم سقوط الصلاة بحال ، فنستكشف من ذلك تعلق أمر جديد بالباقي بعد سقوط الأمر الأول ، وبما أنّ المجعول الثانوي مجهول لدورانه بين أن يكون هي الصلاة قائماً مومئاً أو جالساً مع الركوع والسجود ، فلا محالة تقع المعارضة بين دليل القيام ودليل الركوع والسجود ، فلا بد من إعمال قواعد المعارضة ، ورعاية مرجحات هذا الباب ،

٩٨

السابع : أن لا يكون متقدّماً على قبر معصوم ولا مساوياً له مع عدم الحائل المانع الرافع لسوء الأدب على الأحوط (١) ، ولا يكفي في الحائل الشبابيك والصندوق الشريف وثوبه (١).

______________________________________________________

وحيث إنّ النسبة بينهما عموم من وجه فان كان أحدهما بالوضع والآخر بالإطلاق قدّم الأول ، وإن كانا بالإطلاق كما في المقام تساقطا ويرجع إلى الأصل العملي ، وحيث إن الأمر حينئذ دائر بين التعيين والتخيير في مقام الجعل ، إذ كما يحتمل تعيّن الصلاة مع القيام خاصة ، أو مع الركوع والسجود خاصة ، كذلك يحتمل أن يكون المجعول الواقعي في هذا الظرف هو التخيير بينهما ، فيرجع حينئذ إلى البراءة عن التعيين ، لأنّ المتيقن هو جامع الصلاة وكل من الخصوصيتين مشكوكة تدفع بالبراءة ، فينتج التخيير ، إذ لا نحتمل عدم وجوب شي‌ء منهما بأن يصلّي من دون القيام ومن دون الركوع والسجود ، فانّ الضرورات تقدّر بقدرها ، فيجب أحدهما قطعاً إما تعيينا أو تخييراً ، وواضح أنّ التعيين كلفة زائدة تدفع بالبراءة.

ومن هذا البيان يظهر الجواب عن مقالة السيد الماتن قدس‌سره من الرجوع إلى الاحتياط عملاً بالعلم الإجمالي ، إذ هو إنما يتم لو كان المعلوم بالإجمال منحصراً في الاحتمالين الأوّلين ، بأن تعتبر الصلاة مع إحدى الخصوصيتين ، كي يكون من الدوران بين المتباينين حتى يجب الاحتياط بالتكرار. وأما مع وجود احتمال ثالث وهو التخيير كما عرفت فحيث لا علم حينئذٍ بإحدى الخصوصيتين فيؤخذ بالقدر المتيقن وهو الجامع ويدفع الزائد بالأصل.

(١) يقع الكلام تارةً في الصلاة مساوياً لقبر المعصوم عليه‌السلام وأُخرى مقدّماً عليه.

__________________

(١) والأظهر الجواز مع عدم استلزامه الهتك كما هو الغالب.

٩٩

أما مع التساوي : فالمشهور على الكراهة ، وعن بعض المتأخرين المنع ، ولا وجه له عدا مرسلة الحميري في الاحتجاج عن صاحب الزمان عليه‌السلام « لا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره لأن الإمام لا يتقدم عليه ولا يساوى » (١) لكنها لمكان الضعف غير صالحة للاستدلال. مضافاً إلى معارضتها بروايته الأُخرى الآتية المصرّحة بالجواز عن اليمين والشمال. على أنّ هناك روايات كثيرة تضمنت أفضلية الصلاة عند رأس الحسين عليه‌السلام أو أبي الحسن عليه‌السلام المذكورة في كتب المزار (٢) ، ومن هنا يشكل الحكم بإطلاق الكراهة ، إلاّ أن يستند إلى المرسلة المتقدمة ، بناء على التسامح في أدلة السنن وجريانه في المكروهات.

وأما مع التقدم : فالمشهور الكراهة أيضاً ، وعن جمع ولعلّ أولهم البهائي قدس‌سره (٣) وتبعه جمع ممن تأخر عنه المنع ، ومستندهم فيه عدة أخبار :

منها : ما رواه الشيخ بسنده عن محمد بن عبد الله الحميري قال : « كتبت إلى الفقيه عليه‌السلام أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ، ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : وأما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة ، بل يضع خدّه الأيمن على القبر. وأما الصلاة فإنها خلفه ويجعله الامام ولا يجوز أن يصلي بين يديه ، لأن الإمام لا يتقدم ويصلي عن يمينه وشماله » (٤).

ومنها : رواية الاحتجاج المتقدمة آنفا.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٦١ / أبواب مكان المصلي ب ٢٦ ح ٢ ، الاحتجاج ٢ : ٥٨٣.

(٢) المستدرك ١٠ : ٣٢٧ / أبواب المزار ب ٥٢ ح ٣ ، البحار ٩٨ : ١٨٦ ، ٢٠٠ ، ٢١٥.

(٣) الحبل المتين : ١٥٩.

(٤) الوسائل ٥ : ١٦٠ / أبواب مكان المصلي ب ٢٦ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٢٨ / ٨٩٨.

١٠٠