موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٣

الشيخ مرتضى البروجردي

وأما مع العلم بالكراهة فلا يجوز ، بل يشكل مع ظنها أيضاً (١) (١).

[١٣٣٧] مسألة ١٩ : يجب على الغاصب الخروج من المكان المغصوب (٢).

______________________________________________________

من عدم التخصيص الواقعي وإلا كان جائزاً كما في حقّ المارّة.

(١) ينبغي أن يعدّ هذا من غرائب كلماته قدس‌سره فإنّه قد صرّح في المسألة السابقة بجواز التصرف في الأراضي المتّسعة حتى مع العلم بكراهة الملاّك ، مع أنه لم يكن في تلك المسألة دليل لفظي يتمسك بإطلاقه ، وإنما كان المستند السيرة العملية التي هي دليل لبّي لا إطلاق لها ، وكان للنقاش في سعتها لصورة العلم مجال واسع وقد ناقشنا فيها على ما مرّ. فمع ذلك التصريح كيف ساغ له التشكيك هنا في شمول الحكم لصورة الظن بالكراهة بعد وجود دليل لفظي في المقام كعموم الكتاب. هذا مع العلم بأن مراده قدس‌سره من الظن غير المعتبر منه ، وإلا فالظن المعتبر ملحق بالعلم الذي نص فيه على عدم الجواز ، إذ لا ريب أنّ مراده قدس‌سره من العلم في قوله : وأما مع العلم بالكراهة فلا يجوز ، الأعم من الوجداني والتعبدي الشامل للظنون المعتبرة.

فاستشكاله قدس‌سره في قادحية الظن غير المعتبر الذي هو في حكم الشك بعد إطلاق الآية وشموله له في غير محله جزماً. ودعوى الانصراف المبنية على الغلبة كما ترى.

فالإنصاف : شمول الحكم للظن وغيره ، وإنما الخارج عن عموم الآية صورة العلم بالكراهة فحسب.

(٢) الوجوب المذكور في المقام عقلي إرشادي بمناط استقلال العقل بلزوم اختيار أخف القبيحين وأقل المحذورين ، حيث إن الخروج كالدخول والمكث متصف بالمبغوضية الفعلية ، لكون الجميع تصرفاً في ملك الغير بغير إذنه ،

__________________

(١) لا اعتبار بالظن إذا لم يكن من الظنون المعتبرة.

٦١

وإن اشتغل بالصلاة في سعة الوقت يجب قطعها (١).

______________________________________________________

والعقل يرشد إلى وجوب الخروج تخلّصاً عن الغصب وتقليلاً لارتكاب القبيح ، وليس هناك وجوب شرعي لا نفسي ولا مقدمي كما تعرضنا له في الأُصول في بحث اجتماع الأمر والنهي في حكم التوسط في الأرض المغصوبة بما لا مزيد عليه فراجع (١) ولاحظ.

(١) مراده قدس‌سره بوجوب القطع (٢) عدم جواز الاجتزاء بمثل هذه الصلاة بعد التمكن من الإتيان بها تامة الأجزاء والشرائط لفرض سعة الوقت ، فلو أتمها والحال هذه لم تكن مصداقاً للواجب لعدم انطباقه عليها ، لا أنّ القطع واجب في حد نفسه بحيث لو أتمها عصى ، وإن أعادها في المكان المباح كما لعله ظاهر.

ثم إن ما أفاده قدس‌سره من وجوب القطع بالمعنى المزبور إنما يتجه على مسلك المشهور القائلين بالامتناع ، لمكان الاتحاد بين الغصب والأكوان الصلاتية بأجزائها ، وأما على المختار من جواز الاجتماع وعدم الاتحاد في شي‌ء من أجزاء الصلاة ما عدا السجود فلا يتم على إطلاقه ، بل يختص بما إذا توقّف الإتمام على السجود على المغصوب ، فمع عدم على التوقف كما لو اشتغل بالصلاة وهو في آخر نقطة من المكان المغصوب بحيث لم يكن فصل بينه وبين الأرض المباحة إلا بمقدار خطوة مثلاً فتمكن من السجود على المكان المباح ، أو عدم وجوب السجدة ، بأن كانت وظيفته الصلاة ماشياً مومئاً إليها ، سواء أكان في المكان المغصوب أو المباح لأجل الفرار من عدو أو خوف لص أو سبع ، جاز‌

__________________

(١) محاضرات في أصول الفقه ٤ : ٣٦٦.

(٢) بل مراده عدم جواز المكث لإتمام الصلاة ووجوب القطع مقدمة للمبادرة إلى الخروج عن المغصوب الواجب عليه. فالحكم تكليفي لا وضعي فلا موقع للتفصيل الذي رتب عليه بين المسلكين لوجوب المبادرة إلى الخروج حتى على مسلكه ( دام ظله ).

٦٢

وإن كان في ضيق الوقت يجب الاشتغال بها (١) حال الخروج مع الإيماء للركوع والسجود ، ولكن يجب عليه قضاؤها (٢) أيضاً إذا لم يكن الخروج عن توبة وندم ، بل الأحوط القضاء وإن كان من ندم وبقصد التفريغ للمالك (١).

______________________________________________________

الإتمام حينئذ ، لارتفاع المانع المنحصر في ناحية السجدة كما عرفت.

هذا كله حكم القطع بعد الاشتغال بالصلاة ومنه يظهر حكم الشروع والتشاغل بها وأنها باطلة حينئذ على المشهور ، وصحيحة على المختار مع رعاية التفصيل المتقدم.

(١) حكم قدس‌سره بوجوب الاشتغال بالصلاة حينئذ حال الخروج مومئاً للركوع أو السجود ، وبوجوب القضاء إن لم يكن خروجه عن توبة وندم ، وإلا فلا يجب وإن كان أحوط.

أما وجوب الاشتغال فلا ريب فيه بعد قيام الدليل على عدم سقوط الصلاة بحال ، فيومئ حينئذ للسجود للعجز عنه بعد اتحاده مع الغصب ، وكذا للركوع فإنه وإن لم يتحد مع الغصب بناء على المختار ، لكن حيث إن الركوع حال الخروج يستوجب زيادة المكث ، إذ السير حينئذ أبطأ منه حال القيام وتلك الزيادة محرمة ، ويكفي في صدق العجز عن الركوع المسوّغ للانتقال إلى البدل استلزامه للحرام وإن لم يكن بنفسه كذلك ، فيسقط الركوع حينئذ وتنتقل الوظيفة إلى الإيماء.

وأما وجوب القضاء مع عدم التوبة ، فإن كان المستند فيه التفويت الاختياري للصلاة الاختيارية كما قال به بعضهم ، حيث إنه بسوء اختياره دخل في المكان المغصوب ، ففوّت على نفسه صلاة المختار أعني الواقعة حال‌

__________________

(١) بالشروع فيها أو إتمامها على تقدير صحة ما أتى به من الأجزاء ، وكذا الحال في الفرع الآتي. والمراد بسعة الوقت هو التمكن من إدراك ركعة في الخارج.

(٢) على الأحوط.

٦٣

الاستقرار مع الركوع والسجود ، ولذا يقال إنّ مَن سامح وفوّت على نفسه الصلاة مع الطهارة المائية حتى ضاق الوقت عنها يجب الإتيان بالصلاة الاضطرارية ، أي مع الطهارة الترابية ، ومع ذلك يجب عليه القضاء لمكان التفويت المزبور.

ففيه : أنّ لازمه بطلان الفرق بين التوبة وعدمها ، فيجب القضاء مع التوبة والندم أيضاً لعين الملاك ، إذ السبب الموجب له مشترك بين الصورتين ، فلا يتجه التفصيل.

وإن كان المستند عدم صلاحية الصلاة المأتي بها حال الخروج فيما لم يكن عن توبة وندم لوقوعها عبادة من جهة اتصافها بالمبغوضية الفعلية فلا يسقط بها الأمر ، بخلاف ما إذا كان الخروج عن توبة لارتفاع المبغوضية حينئذ ، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، فكأنه صلى في المكان المباح.

ففيه : أنّ التفصيل وإن كان وجيهاً حينئذ ، إلا أن لازمه سقوط الأداء فيما إذا لم يكن الخروج عن ندم ، للعجز (١) عن الامتثال ، بعد فرض الاتصاف بالمبغوضية الفعلية ، فما الموجب للجمع بين وجوبي الأداء والقضاء.

وبالجملة : الجمع بين هذين الأمرين أعني وجوب الأداء مطلقاً ، ووجوب القضاء في صورة عدم الندم لا يستقيم على أيّ تقدير ، بل إما أن يختص الأداء بصورة الندم ، أو يعمم القضاء لصورتي الندم وغيره.

والتحقيق : وجوب الأداء وعدم وجوب القضاء على التقديرين.

أما الأداء فلدليل عدم سقوط الصلاة بحال كما مرّ ، ولا مبغوضية حينئذ في الصلاة نفسها. أما على المختار من عدم الاتحاد مع الغصب فيما عدا السجود‌

__________________

(١) لا عجز بعد إمكان التوبة وإن لم يخترها بسوء الاختيار. ولو أورد ( دام ظله ) على هذا التقدير بأنّ لازمه تقييد متعلق الأمر بالأداء بالصلاة المأتي بها بعد الندم والتوبة ، لعدم صلاحية المأتي بها حال الخروج للعبادية ما لم يكن عن توبة ، مع أن ظاهر عبارة الماتن بل صريحه عدم الفرق في الأداء بين الندم وعدمه ، لسلم عن الاشكال.

٦٤

[١٣٣٨] مسألة ٢٠ : إذا دخل في المكان المغصوب جهلاً أو نسياناً أو بتخيل الاذن ثم التفت وبان الخلاف ، فان كان في سعة الوقت لا يجوز له التشاغل بالصلاة ، وإن كان مشتغلاً بها وجب القطع والخروج ، وإن كان في ضيق الوقت اشتغل بها حال الخروج سالكاً أقرب الطرق مراعياً للاستقبال بقدر الإمكان ، ولا يجب قضاؤها وإن كان أحوط ، لكن هذا إذا لم يعلم برضا المالك بالبقاء بمقدار الصلاة ، وإلا فيصلي ثم يخرج ، وكذا الحال إذا كان مأذوناً من المالك في الدخول ثم ارتفع الاذن برجوعه عن إذنه أو بموته والانتقال إلى غيره (١).

______________________________________________________

فظاهر بعد فرض الإيماء إليه. وأما على المسلك المشهور فلاستكشاف عدمها من الدليل المزبور ، إذ بعد وقوع المزاحمة بين ملاكي الغصب والصلاة فترخيص الشارع في الثانية يكشف لا محالة عن رفع اليد عن مبغوضية الغصب ، لامتناع ترخيصه في ارتكاب ما يشتمل عليها ، فيكون ذلك بمنزلة التخصيص في دليل حرمة الغصب كما لا يخفى.

وأما القضاء : فلأنه بأمر جديد وموضوعه الفوت ، وظاهره بمقتضى إطلاق الدليل فوت طبيعي الفريضة المأمور بها في مجموع الوقت ، الجامع بين حصتي الاختيارية منها والاضطرارية حسب اختلاف الوظيفة الفعلية ، لا خصوص الأُولى ، إذ بعد الإتيان بالثانية عملاً بما تقتضيه الوظيفة لا يصدق معه الفوت بقول مطلق الذي هو ظاهر الدليل كما عرفت. وحيث إنّ المفروض صحة الصلاة الأدائية وإن كانت في ضمن الفرد الاضطراري ، فلم تفت عنه الفريضة بطبيعيها فلا موضوع للقضاء.

(١) تعرض قدس‌سره في هذه المسألة لحكم من توسط الأرض المغصوبة لا بسوء الاختيار ، بل عن عذر من جهل بالغصبية أو نسيان ، أو اعتقاد الاذن ثم التفت وبان الخلاف.

٦٥

وتفصيل الكلام : أنه إما أن يفرض ذلك في سعة الوقت أو في الضيق ، وعلى أيّ تقدير لا ريب في وجوب الخروج بمجرد انكشاف الحال لارتفاع العذر بقاء ، كما هو ظاهر ، والكلام فعلاً في حكم الصلاة نفسها.

ولا يخفى أنّ عدّ الجهل من فروض المسألة إنما هو على مذاق القوم القائلين بصحة الصلاة عند الجهل العذري ، وأما على المختار من البطلان فالصلاة فاسدة في جميع التقادير.

وكيف ما كان ، ففي سعة الوقت لا ينبغي الإشكال في عدم جواز التشاغل بالصلاة بعد ما عرفت من ارتفاع العذر بقاءً وكون المكث حراماً ، واتحاده مع الصلاة في جميع الأجزاء أو في السجدة خاصة على الخلاف بيننا وبين المشهور.

وربما تصحح العبادة حينئذ بدعوى أنّ المكلف مضطر بالبقاء في الأرض المغصوبة بمقدار ما يسعه الوقت للخروج ، وليفرض أنها خمس دقائق ، فالمكث بمقدار زمان الخروج وهي الدقائق الخمس حلال حتى واقعاً بعد كونه مضطراً إليه ، كما أنه لا مبغوضية فيه بعد فرض عدم كونه بسوء الاختيار لمعذوريته في الدخول ، وعليه فاذا فرض أنّ زمان الصلاة معادل لزمان الخروج أو أقل فكما يمكنه صرف الدقائق الخمس المرخّص في البقاء بمقدارها في الخروج يمكنه صرفها في الصلاة ، ثم الخروج بعد ذلك. غايته أنّه على الثاني يستلزم زيادة التصرف في الغصب عند خروجه ، وذلك لا يضر بصحة العبادة بعد فرض عدم اتحادها مع الغصب.

أقول : هذه الدعوى وإن صدرت عن بعض الأساطين من مشايخنا (١) إلا أنها لعلها واضحة الفساد ، فان الخروج حيث إنه لا مناص عنه ولم يكن للمكلف بدّ من التصرف بهذا المقدار ، سواء أتحقق في الزمان الأول أو الأخير ،

__________________

(١) وتبعه بعض الأعاظم من تلامذته في المستمسك [ ٥ : ٤٤٨ ].

٦٦

فهو محلل لمكان الاضطرار.

وأما التصرف الزائد عليه والمكث بمقدار الصلاة فلم يكن مضطراً إليه كي يقع محلّلاً.

وبالجملة : التصرف المعنون بعنوان الخروج حيث إنه مضطر إليه ترتفع عنه الحرمة مهما تحقق ، ولا مدخل للزمان الأول أو الأخير في ذلك ، لا أنّ الحرمة مرتفعة بمقدار هذا الزمان وإن لم يكن التصرف الواقع فيه متصفاً بعنوان الخروج كي يحكم بصحة الصلاة الواقعة فيه ، لعدم تعلق الاضطرار بالزمان ، بل بخصوص العنوان. ولعمري إن الدعوى ناشئة عن الخلط بين هذين الأمرين.

هذا كله إذا كان الالتفات قبل الشروع ، وأما إذا كان متشاغلاً بالصلاة فالتفت في الأثناء ، فقد حكم في المتن بوجوب القطع حينئذ ومراده قدس‌سره بذلك لزوم رفع اليد عن هذه الصلاة خارجاً ، لعدم التمكن من إتمامها صحيحة ، لأنه إن أتمها باقياً فقد أخلّ بشرط الإباحة ، لكون البقاء غصباً محرماً ، وإن أتمها خارجاً مومئاً فقد أخلّ بشرط الاستقرار بالركوع والسجود ، والمفروض تمكنه من الإتيان بها تامة الأجزاء والشرائط لفرض سعة الوقت ، فالصلاة والحال هذه باطلة في نفسها ، لا أنه يجب عليه إبطالها بالقطع كما هو ظاهر.

لكن هذا لا يتم على إطلاقه ، إذ ربما يتمكن من الإتمام كما لو التفت ولم يكن الفصل بينه وبين المكان المباح إلا بمقدار خطوة ، بحيث لا يكون الانتقال إليه مضراً بالصلاة. وكما لو كانت وظيفته الإيماء على أيّ تقدير أي سواء أكان في المكان المغصوب أو المباح لوجوب السير عليه خوفاً من السبع أو العدو ، بناء على ما هو التحقيق من عدم الاتحاد إلا من ناحية السجدة. هذا كله في السعة.

وأما في الضيق فيجب عليه الاشتغال بالصلاة حال الخروج أو الإتمام كذلك‌

٦٧

لو التفت في الأثناء ، لدليل عدم سقوط الصلاة بحال ، سالكاً أقرب الطرق ، فتسقط حينئذ شرطية الاستقرار للعجز ، وكذا الاستقبال لو لم يتمكن ، وإلا فيراعي بقدر الإمكان ، كما أنه يومئ للسجود لما ذكر ، وكذا للركوع مع استلزامه لزيادة المكث كما هو الغالب وإلا أتى به.

وبالجملة : بعد فرض وجوب الإتيان بالصلاة حينئذ لدليل عدم سقوطها بحال ، فكلما تمكن من الأجزاء والشرائط أتى بنفسها ، وإلا فببدلها إن كان وإلا فتسقط.

وهل يجب القضاء حينئذ؟ الظاهر العدم ، لعدم الموجب له ، فان المستند فيه إن كان التفويت الاختياري للصلاة الاختيارية فغير متحقق في المقام بعد فرض كون الدخول في المكان لا بسوء الاختيار وكونه معذوراً فيه ، ولذا لا إشكال في عدم القضاء فيما لو كان نائماً من أول الوقت فاستيقظ ولم يبق من الوقت إلا بمقدار الصلاة مع الطهارة الترابية ، لعدم كون فوتها عن الطهارة المائية مستنداً إلى الاختيار.

وإن كان عدم وفاء الصلاة الأدائية بالغرض لعدم صلاحية المأتي بها حال الخروج لسقوط الأمر بها لاتصافها بالمبغوضية ، فهو أيضاً غير منطبق على المقام ، إذ المفروض حلية التصرف الخروجي حتى واقعاً ، لمكان الاضطرار وعدم اتصافه بالمبغوضية الفعلية ، لكونه لا بسوء الاختيار فلا موجب للقضاء وإن احتاط فيه في المتن ، إذ لم نعرف له وجهاً أصلاً عدا مجرد الاحتمال الثبوتي فتأمل (١).

ثم إن ما ذكرناه لحد الآن إنما هو فيما إذا لم يعلم برضا المالك بالبقاء بمقدار الصلاة من شاهد حال ونحوه ، وإلا فالصلاة صحيحة في جميع الفروض ، لانتفاء الموضوع وهو الغصب ، فيخرج عن محل الكلام كما هو واضح.

__________________

(١) إشارة إلى ما ذكره في المستمسك [ ٥ : ٤٤٩ ، ٤٥٠ ] وجهاً للاحتياط وعدم تماميته للفرق بين المقام والمسألة الآتية موضوعاً وحكماً.

٦٨

[١٣٣٩] مسألة ٢١ : إذا أذن المالك بالصلاة خصوصاً أو عموماً ثم رجع عن إذنه قبل الشروع فيها وجب الخروج في سعة الوقت ، وفي الضيق يصلي حال الخروج على ما مرّ وإن كان ذلك بعد الشروع فيها فقد يقال بوجوب إتمامها مستقراً وعدم الالتفات إلى نهيه وإن كان في سعة الوقت ، إلا إذا كان موجباً لضرر عظيم على المالك لكنه مشكل ، بل الأقوى وجوب القطع في السعة والتشاغل بها خارجاً في الضيق خصوصاً في فرض الضرر على المالك (١).

______________________________________________________

(١) قد يكون الرجوع قبل الشروع في الصلاة ، وقد يكون أثناءها ، وعلى التقديرين إما أن يكون ذلك في سعة الوقت أو في الضيق ، فالصور أربع.

أما إذا كان قبل الشروع ، ففي سعة الوقت لا إشكال في وجوب الخروج وتعيّن إيقاع الصلاة تامة الأجزاء والشرائط في المكان المباح ، فان المكث غصب بقاء فيجب الخروج تخلصاً وهو متمكن من إتيان الصلاة صحيحة بعد فرض السعة فلا مزاحمة بين التكليفين ، ولم يقع فيه خلاف من أحد ، قبال الفرض الآتي أعني صورة الضيق الذي قيل فيه بعدم الخروج ولزوم إيقاع الصلاة في نفس المكان قاراً كما ستعرف. وهذا هو مراده قدس‌سره من قوله : وجب الخروج في سعة الوقت ، أي إنّ وجوب الخروج حينئذ مما لا إشكال فيه ، بخلافه في فرض الضيق فإنه محل للإشكال ، فتقييد وجوب الخروج بالسعة في محله ولا حاجة إلى التقدير كما قيل.

وأما في الضيق فالمشهور وجوب الصلاة مومئاً حال الخروج كما في المتن ، وقد ظهر وجهه مما تقدم في المسألة السابقة ، ولكن صاحب الجواهر مال إلى عدم الخروج فلا يعتني برجوع المالك بل يصلي في نفس المكان قاراً مع الركوع والسجود ، غير أنه قدس‌سره لم يجد قائلاً به ، بل ولا أحداً احتمله.

وملخص ما أفاده قدس‌سره في وجهه : أنّه تقع المزاحمة حينئذ بين دليل‌

٦٩

حرمة الغصب ودليل الأجزاء والشرائط ، أعني ما دل على وجوب الإتيان بالصلاة قاراً مع الركوع والسجود ، لعدم قدرة المكلف على الجمع بين الامتثالين بعد فرض الضيق ، فإن الأوّل يقتضي الخروج ، والثاني يقتضي البقاء ولا يتيسّر الجمع ، ولكن حيث إن الخطاب بالصلاة تامة الأجزاء والشرائط سابق في الوجود على النهي عن الغصب ، لتحقق الأوّل بمجرّد دخول الوقت ، وعروض الثاني بعد رجوع المالك عن إذنه المفروض كونه في آخر الوقت وعند ضيقه ، ولا شك أنّ السبق الزماني من مرجحات باب التزاحم على ما هو المقرر في محله (١).

وعليه فيتقدم دليل الأجزاء والشرائط على دليل الغصب فيلغى الثاني ولا يعتنى برجوع المالك ، فيصلي صلاة المختار مقتصراً فيها على أقل الواجب مبادراً في أدائها ثم يخرج (٢).

هذا ، ولكنه كما ترى واضح الضعف ، فان السبق الزماني إنما يرجح به فيما إذا كانت القدرة معتبرة في كلا المتزاحمين شرعاً ، كما لو دار الأمر بين ترك الصوم في اليوم الأول من شهر رمضان أو الثاني ، وأما إذا كانت في أحدهما عقلية وفي الآخر شرعية كما في المقام ، حيث إنّ القدرة لم تعتبر في حرمة الغصب إلا من جهة حكم العقل بقبح خطاب العاجز ، وإلا فهي غير دخيلة في الملاك ، بخلاف الصلاة فإنها معتبرة في كل من أجزائها وشرائطها شرعاً ، كما يكشف عنه جعل البدل لكل منها لدى العجز ، فلا اعتبار حينئذ بالسبق الزماني بل الترجيح مع ما اعتبرت فيه القدرة عقلاً وإن كان بحسب الوجود متأخراً ، لكون التكليف فيه مطلقاً غير معلّق على شي‌ء بخلاف الآخر فإنه مشروط بالقدرة ، والأول بوجوده سالب للقدرة ومانع عن فعليّة التكليف ، لكونه معجّزاً عنه ورافعاً لموضوعه فلا يزاحم التعليقي مع التنجيزي.

__________________

(١) راجع مصباح الأصول ٣ : ٣٦١.

(٢) الجواهر ٨ : ٢٩٦.

٧٠

وبالجملة : القدرة العقلية بنفسها من المرجحات لدى المزاحمة بينها وبين القدرة الشرعية ، ولا مدخل للسبق الزماني حينئذ كما تقرر في الأُصول (١).

وعليه فالنهي عن الغصب الحادث بعد رجوع المالك بنفسه يقتضي العجز عن كل شرط أو جزء صلاتي مناف للخروج فيسقط ، لاشتراطه بالقدرة كما عرفت ، وينتقل إلى بدله إن كان وإلا فيقتصر على الصلاة الفاقدة له التي هي بدل عن الواجدة لدى عدم القدرة.

والذي يوضح ما ذكرناه من تقديم دليل الغصب : أنّا لو فرضنا أنّ المكلف كان قادراً على الصلاة تامة الأجزاء والشرائط فعرض ما يوجب اضطراره إلى ترك الاستقرار والسجود كالسير فراراً من العدوّ ، فرأى في طريقه مكاناً مغصوباً يتمكن فيه من الصلاة تامة الأجزاء والشرائط ، فدار أمره بين الغصب وبين الصلاة الاضطرارية ، فهل يمكن الالتزام بالأول بمجرد سبق الخطاب بالصلاة الاختيارية وحدوث النهي عن الغصب متأخراً.

أو لو فرضنا أنّ المكلف كان واجداً للماء المباح في أول الوقت فأريق فاضطر إلى التيمم ، وبعدئذ جاء مَن عنده الماء لكنه لم يرض بالتصرف فيه ، فدار أمره بين الأخذ منه غصباً والتوضي به ، وبين الطهارة الترابية ، فهل يصح القول بتقديم الأول والتصرف في الماء وعدم الاعتناء بنهي المالك لمجرد سبق الخطاب بالصلاة مع الطهارة المائية ، ولحوق التكليف بالنهي عن الغصب؟ لا نحتمل أن يلتزم الفقيه بشي‌ء من ذلك ، وصاحب الجواهر أيضاً بنفسه لا يلتزم به قطعاً.

هذا كلّه فيما إذا كان الرجوع قبل الشروع.

وأما إذا كان في الأثناء ففي فرض الضيق يجري فيه ما مرّ آنفاً حرفاً بحرف وطابق النعل بالنعل ، لوقوع المزاحمة حينئذ بين دليل الغصب ودليل الأجزاء والشرائط ، غايته بقاء لا حدوثاً كما في سابقه ، فيتقدم الأول ، ويتم صلاته حال‌

__________________

(١) مصباح الأصول ٣ : ٣٥٨.

٧١

الخروج ، وعلى القول الآخر الذي مال إليه في الجواهر يتمه قاراً مع الركوع والسجود ثم يخرج.

إنما الكلام في الصورة الرابعة : أعني الرجوع في الأثناء مع سعة الوقت ، فان فيه أقوالاً ثلاثة :

إتمامها في نفس المكان قاراً راكعاً ساجداً فلا يعتني بنهي المالك. وإتمامها حال الخروج مومئاً. وقطع الصلاة والإتيان بها في الخارج تامة الأجزاء والشرائط.

والقولان الأوّلان مبنيّان على حرمة قطع الصلاة في هذه الحالة ، فمع إنكارها وفساد المبنى كما هو الحق على ما ستعرف يتعين القول الأخير.

نعم ، بعد البناء على الحرمة فحيث تقع المزاحمة حينئذ بين دليل الأجزاء والشرائط وبين دليل حرمة التصرف في الغصب ، للعجز عن الجمع بينهما في مقام الامتثال كما لا يخفى ، فان قدمنا الأوّل من أجل الترجيح بالسبق الزماني كما مال إليه في الجواهر على ما مرّ تعين القول الأول ، وإن قدّمنا الثاني لترجيح القدرة العقلية على الشرعية على ما عرفت ، تعين القول الثاني.

هذه مباني الأقوال ، وقد أشرنا إلى أنّ الأقوى هو القول الأخير ، لفساد مبنى القولين الأوّلين ، وهي حرمة القطع.

أمّا أوّلاً : فلأن مستند الحرمة إنما هو الإجماع الذي هو دليل لبّي والمتيقن منه غير المقام ، بل إنّا نجزم بعدم تحققه في المقام بعد اختلاف الأقوال في المسألة كما عرفت.

وثانياً : مع التنزل وتسليم استفادتها من دليل لفظي كقوله عليه‌السلام « تحريمها التكبير وتحليلها التسليم » (١) فهو قاصر الشمول لمثل المقام ، إذ القطع إنما يحرم بعد الفراغ عن تمكن المكلّف من إتمام الصلاة صحيحةً لولا القطع وإلا فهي بنفسها باطلة منقطعة فلا معنى لتحريم قطعها ، وفي المقام التمكن من الإتمام‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١١ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ١٠.

٧٢

[١٣٤٠] مسألة ٢٢ : إذا أذن المالك في الصلاة ولكن هناك قرائن تدل على عدم رضاه وأنّ إذنه من باب الخوف أو غيره ، لا يجوز أن يصلي ، كما أنّ العكس بالعكس (١).

[١٣٤١] مسألة ٢٣ : إذا دار الأمر بين الصلاة حال الخروج من المكان الغصبي بتمامها في الوقت ، أو الصلاة بعد الخروج وإدراك ركعة أو أزيد ، فالظاهر وجوب الصلاة في حال الخروج (١) ، لأنّ مراعاة الوقت أولى من مراعاة الاستقرار والاستقبال والركوع والسجود الاختياريين (٢).

______________________________________________________

أوّل الكلام ، إذ مقتضى ملاحظة دليل الغصب بعد ضمه إلى أدلة الأجزاء والشرائط الاختيارية عدم التمكن من الإتمام ، ولزوم القطع والإيقاع خارج الغصب حتى يتحقق امتثال الدليلين ، فهما من حيث المجموع يعارضان دليل حرمة القطع ، لاقتضائهما جواز القطع واقتضائه المنع ، فلم يحرز التمكن من الإتمام كي يشمله الدليل المزبور.

وعليه فبعد إلغائه والبناء على جواز القطع يتعيّن رفع اليد عن هذه الصلاة وإيقاعها تامة الأجزاء والشرائط خارج الغصب ، لعدم المزاحمة حينئذ بين دليل الغصب ودليل الأجزاء والشرائط ، للتمكن من امتثالهما بذلك كما هو ظاهر.

نعم ، لا بد من تقييد الحكم بما إذا لم يكن الفصل بينه وبين المكان المباح بمقدار خطوة ونحوها ، بحيث لا يضر الانتقال إليه بصحة الصلاة كما أشرنا سابقاً وإلا فمعه لا يجوز القطع ، للتمكن من الإتمام حينئذ ، ومثله مشمول للإجماع كما هو ظاهر.

(١) قد ظهر حال المسألة مما قدمناه عند التكلم حول المسألة السادسة عشرة فراجع ولاحظ.

(٢) تقدم في مسألتي ٢٠ ، ٢١ أنه تجب الصلاة حال الخروج عند ضيق‌

__________________

(١) الظاهر وجوبها في الخارج كما أشرنا إليه.

٧٣

الوقت ، ولم يتعرض قدس‌سره هناك لبيان المراد من الضيق ، وأنه هل هو عدم درك تمام الصلاة في الوقت ، أو حتى بمقدار ركعة منها ، فعقد هذه المسألة وتصدى فيها لبيان أن المراد هو الأول ، حيث قال إنه لو دار الأمر بين الصلاة حال الخروج من المكان الغصبي بتمامها في الوقت ، وبين الصلاة الاختيارية بعد الخروج وإدراك ركعة أو أزيد ، تعيّن الأول ، وعلّله قدس‌سره بأهمية الوقت ، فمراعاته أولى من مراعاة الاستقرار والاستقبال والركوع والسجود الاختياريين.

أقول : ما أفاده قدس‌سره مطابق لما هو المشهور بين الأعلام ومنهم شيخنا الأُستاذ (١) قدس‌سره من إدراج المقام وأمثاله مما دار الأمر فيه بين ترك أحد جزأي الواجب أو أحد شرطية ، أو أحد المختلفين في باب التزاحم ، ومن هنا راعوا قواعد هذا الباب ، وأعملوا مرجحاته التي منها الترجيح بالأهمية القطعية أو الاحتمالية.

لكنا ذكرنا غير مرّة في مطاوي هذا الشرح وبينّا في الأُصول (٢) أنّ أمثال المقام من المركّبات الارتباطية أجنبية عن باب المزاحمة بالكلية وداخلة في باب التعارض ، لعدم انطباق ضابط الباب عليها ، فان المدار فيه على وجود تكليفين مستقلين نفسيين وجوبيين أو تحريميين أو مختلفين بحيث كان لكل منهما طاعة وعصيان بحياله ، وقد عجز المكلف عن الجمع بينهما في مقام الامتثال كما في إنقاذ الغريقين ونحوهما.

وأما في باب المركبات الجعلية كالصلاة فليس هناك إلا أمر وحداني متعلق بالمجموع المركب من عدّة أجزاء وشرائط ليس له الا امتثال واحد وعصيان فأرد ، كما أنّه ليس في البين عدا ملاك واحد قائم بالمجموع بما هو مجموع.

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٨١.

(٢) محاضرات في أصول الفقه ٣ : ٢٩٣ ، ١٠٠.

٧٤

وعليه فالعجز عن واحد منها يستوجب سقوط الأمر عن الجميع بمقتضى فرض الارتباطية الملحوظة بينها ، فلو كنّا نحن وذاك الأمر كان مقتضى القاعدة سقوط الصلاة حينئذ رأساً لمكان العجز ، إذ المركب ينتفي بانتفاء بعض الأجزاء.

لكنا علمنا من الخارج بالنص (١) والإجماع أنّ الصلاة لا تسقط بحال ، فنستكشف به تعلق أمر جديد بالمقدار الممكن من الأجزاء بعد القطع بسقوط الأمر الأول كما عرفت ، وحيث لم نعلم متعلق هذا الأمر الحادث وأنه الصلاة مع الركوع مثلاً أو هي مع القيام فيما لو دار الأمر بين ترك أحدهما فالمجعول بنفسه مجهول للشك فيما هو الصادر بالجعل الثانوي ، والترديد عائد إلى مقام الجعل الذي هو من شؤون التعارض ، لا إلى مرحلة الامتثال كما هو من خواص التزاحم ، فتقع المعارضة لا محالة في مقام استكشاف ذاك الحكم المجعول بين إطلاق دليل كل من الجزأين المفروض دوران الأمر بينهما كالركوع والقيام في المثال ، وكالوقت وما ذكر من الأجزاء والشرائط في المقام ، فإن إطلاق كل منهما يقتضي الإتيان به حتى مع العجز عن الآخر ، فلا بد من مراعاة قواعد التعارض والرجوع إلى مرجحات هذا الباب ، فان ثبت وإلا فالتخيير دون التساقط ، لما عرفت من قيام الدليل على عدم سقوط الصلاة بحال. فلا اعتبار بالترجيح بالأهمية القطعية ، فضلاً عن الاحتمالية كما لا يخفى.

هذا ، ومع الغض وتسليم اندراج المقام في باب التزاحم فما هو الكاشف عن أهمية ملاك الوقت ولو احتمالاً ، فانّ دعواها قول بلا برهان مطالب بالدليل.

نعم ، لو دار الأمر بين فوت الوقت رأساً وبين الأجزاء والشرائط الاختيارية ، بحيث تردد الأمر بين الأداء والقضاء ، قدّم الأول بلا إشكال ، لأهمية الوقت المستكشفة من دليل عدم سقوط الصلاة بحال. وأما عند‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

٧٥

الدوران بين التحفظ على تمام الوقت في مجموع الصلاة ، وبين الأجزاء والشرائط الاختيارية مع وقوع بعض الركعات في الوقت بحيث لم تفته كُلا كما في المقام ، فلا كاشف حينئذ عن أهمية الوقت حتى في مثل ذلك كي يقدّم الأول ، لعدم الدليل عليه كما عرفت.

وعليه فلا بد في تقديم الوقت من التماس دليل خارجي حتى بناءً على اندراج المقام وأمثاله في باب التزاحم.

هذا ، وقد ذكرنا في محله (١) قيام الدليل على التقديم فيما لو دار الأمر بينه وبين الطهارة المائية ، بحيث لو أراد التحفظ على الوقت في تمام الركعات لم يتمكن إلا من التيمم ، ولو تصدى لتحصيل الطهارة المائية وقع مقدار من الصلاة خارج الوقت ولم يدرك منه إلا بمقدار ركعة أو أزيد ، والدليل هو الاستفادة من نفس آية التيمم ، أعني قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ... ) (٢) فإنّ المراد بالصلاة فيها هو المراد منها في قوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (٣) المفسّر في الأخبار (٤) بوقوع أربع صلوات ما بين الحدين ، ثنتان منها وهما الظهران ما بين الزوال والغروب ، وثنتان وهما العشاءان ما بينه وبين منتصف الليل ، فالمراد بالصلاة بعد ملاحظة التفسير هي الفريضة المضروب لها وقت خاص المحدودة بين المبدأ والمنتهى ، كالظهرين المحدودين بزوال الشمس وغروبها.

وقد دلت الآية المباركة على أنّ من يقوم لهذه الفريضة إن تمكّن من الماء توضأ أو اغتسل وإلا تيمم ، فالشرط لتلك الصلاة هو جامع الطهارة الأعم من المائية والترابية دون الوضوء بخصوصه ، غايته مع رعاية الطولية والترتيب كما‌

__________________

(١) شرح العروة ٥ : ٣٥٨.

(٢) المائدة ٥ : ٦.

(٣) الإسراء ١٧ : ٧٨.

(٤) الوسائل ٤ : ١٥٧ / أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٤.

٧٦

عرفت ، ولذا ورد قوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلا بطهور » (١) ولم يرد إلا بوضوء.

وعليه فالمكلف العاجز عن الماء قادر على تحصيل شرط الصلاة في الوقت الذي هو جامع الطهارة كما ذكر ، غايته في ضمن الفرد الاضطراري وهو التيمم ، فهو متمكن من التحفظ على كلا الأمرين وفي وسعه رعاية كلا الشرطين ، أعني الطهارة والوقت ، فلا معارضة ولا مزاحمة.

وقصارى ما يقال : إنّ لكل من الشرطين الاختياريين بدلاً في طوله ، فكما أن التيمم بدل عن الوضوء لدى العجز ، فكذا درك ركعة من الوقت بدل عن تمامه لمكان الاتساع في الوقت لدى العجز عنه المستكشف من حديث من أدرك ، فلا وجه لتقديم الأول على الثاني ، بل يمكن العكس فيتوضأ وإن وقع مقدار من الصلاة حينئذ خارج الوقت ، إذ لا ضير فيه بعد قيام الدليل على الاتساع مع الاضطرار المتحقق في المقام.

ويندفع : بأن الحديث خاص بما لو فات الوقت بحسب طبعه إلا مقدار ركعة فلا يشمل التعجيز الاختياري. فبعد التمكن الفعلي من درك الوقت في تمام الركعات مع التحفظ على جامع الطهارة الذي هو الشرط كما مرّ ، لا سبيل إلى تفويته اختياراً محافظة على الوضوء.

والحاصل : أنّ الحديث لا يسوغ التعجيز ، بل مفاده التوسعة على تقدير العجز ، فلا يجوز التفويت اختياراً وإن كان لو عصى وفوّت شمله الحديث ، لصدق العجز حينئذ ، فلا يجوز التأخير عنه وتفويت تلك الركعة كما هو ظاهر.

وبالجملة : فتقديم الوقت عند الدوران بينه وبين الطهارة المائية مما لا ينبغي الإشكال فيه لقيام الدليل عليه ، وهي الاستفادة من الآية المباركة.

وأما عند الدوران بينه وبين غيرها من سائر الأجزاء والشرائط الاختيارية كما في المقام فلا دليل على تقديم الوقت والانتقال إلى الأبدال ، فإن الركوع ـ

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٦٥ / أبواب الوضوء ب ١ ح ١.

٧٧

مثلاً بنفسه جزء في الصلاة وهو غير صادق على الإيماء لا لغة ولا عرفاً ولا شرعاً ، نعم على تقدير العجز فالشارع اجتزأ بالإيماء بدلاً عنه ، وليس مرجع ذلك إلى اعتبار الجامع بينهما كما كان كذلك في الطهارة على ما مرّ ، بداهة أنّ الطهارة بجامعها شرط في الصلاة كما يقتضيه قوله عليه‌السلام « لا صلاة إلا بطهور » (١) لا خصوص الوضوء ، ولم يرد ما يقتضي جزئية الجامع المزبور ، بل الوارد جزئية الركوع خاصة غير الصادق على الإيماء كما عرفت. وكذا الحال في السجود والاستقبال والاستقرار.

هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى أن اعتبار الركوع والسجود في الصلاة إنما هو على سبيل الانحلال ، بمعنى أنه يعتبر في كل ركعة اشتمالها على الركوع والسجود لدى التمكن ، فلا يناط ذلك بالقدرة عليهما في تمام الركعات ، بحيث لو عجز عنهما في البعض سقط الاعتبار في البعض الآخر ، إذ ليس الأمر كذلك بالضرورة ، فليس الحال فيهما كالطهارة التي هي شرط وحداني بسيط لوحظ اعتباره في مجموع الصلاة من حيث المجموع ، ولا تنحل إلى شرائط عديدة مستقلة بحسب الركعات أو الآيات كما لعله ظاهر.

وعليه نقول : إنّ المكلف بعد فرض قدرته على الإتيان بذات الركوع والسجود في الركعة الأُولى كما هو المفروض فبأيّ مسوّغ يتركهما وينتقل إلى الإيماء الذي لم تشرع بدليته إلا بعد العجز المفقود في تلك الركعة ، والعجز عن رعايتهما في بقية الركعات مع التحفظ على الوقت لا يؤثر في سقوط الأمر بهما في تلك الركعة ، لما عرفت آنفاً من حديث الانحلال ، وأنّ لكل ركعة حكماً يخصها ، والعبرة بالتمكن من الركوع والسجود في كل ركعة سواء عجز عنهما في بقية الركعات أم لا. ولم يكن الأمر بالركوع [ مع التمكن ] وإلا فبالإيماء مقيداً في لسان الدليل بمن يريد الفريضة الأدائية ، أي الصلاة الواقعة بتمامها في الوقت كما كان كذلك في جانب الطهارة على ما استفدناه من الآية المباركة كما مرّ حتى‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٦٥ / أبواب الوضوء ب ١ ح ١.

٧٨

يقال بأنّ المعتبر في الصلاة هو الجامع بين الركوع والإيماء ، وأنّ الفرض ينتقل إلى الثاني رعاية للوقت في مجموع الصلاة كما قلنا بمثله في ناحية الطهارة.

وحيث إن امتثال هذا التكليف أعني الركوع والسجود في الركعة الأُولى يستوجب لا محالة وقوع مقدار من الصلاة خارج الوقت ، فيشمله حينئذ دليل الاتساع المستفاد من حديث من أدرك ، إذ ليس التأخير وقتئذ مستنداً إلى المكلف كي يكون من التعجيز الاختياري المانع من شمول الحديث كما كان كذلك في ناحية الطهارة بالبيان المتقدم ، فلا يقاس أحدهما بالآخر.

وعلى هذا فلا مناص من الانتقال إلى الوقت الاضطراري والتحفظ على الجزء الاختياري بقدر الإمكان ، ونتيجة هذا البيان استكشاف تقديم الشارع الأجزاء الاختيارية على الوقت الاختياري.

ومما يؤكده ويدلُّ عليه : أنّ المراد من الركعة في حديث من أدرك (١) الوارد في صلاة الغداة ويتعدى إلى بقية الصلوات بالقطع بعدم الفرق الركعة الاختيارية ذات الركوع والسجود فإنها المتبادر منها قطعاً ، فلو كانت رعاية الوقت الأوّلي أهم في نظر الشارع من رعاية الأجزاء الاختيارية لم يبق مورد لهذا الحديث ، بداهة أنّ الزمان الذي تشغله الركعة الاختيارية وافٍ بنفسه لأربع ركعات اضطرارية فضلاً عن ركعتي الغداة التي هي مورد الحديث كما عرفت فانا لو فرضنا أنّ كل ركعة اختيارية تستوعب دقيقة من الزمان ، فيمكن الإتيان في هذه الدقيقة بتكبيرة والإيماء للركوع والسجود لكل ركعة ثم التسليم لسقوط القراءة والتشهد والأذكار لدى العجز ، بل يمكن الإتيان بأكثر من الأربع من مثل هذه الركعات كما هو واضح ، فرفض الشارع لهذه الكيفية وأمره بالإتيان بركعة اختيارية في الوقت وإن وقع الباقي خارجه ، أقوى شاهد على ما ذكرناه من تقديم الأجزاء الأولية على الوقت الأوّلي.

اللهم إلا أن يراد بالركعة في الحديث الركعة الاضطرارية الفاقدة للركوع‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢١٧ / أبواب المواقيت ب ٣٠.

٧٩

والسجود ، لكنه كما ترى ينصرف عنها الحديث قطعاً ، بل المتبادر الركعة الاختيارية كما لا يخفي.

ويؤيده أيضاً : صحيحة الحلبي الواردة في من نسي الظهرين وتذكر عند الغروب ، التي استدل بها لاختصاص أربع ركعات من آخر الوقت بالعصر ، قال عليه‌السلام فيها : « إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر ثم يصلّ العصر ، وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ولا يؤخّرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعاً » (١) فان المراد بالظهر والعصر فيها الاختياريتان بلا إشكال.

وعليه فلولا تقديم الأجزاء والشرائط الاختيارية على الوقت لدى الدوران بينهما لم يكن وجه لتخصيص أربع ركعات من آخر الوقت بالعصر ، ناهياً عن التأخير ، معلّلاً بفوت الجميع ، لإمكان دركهما معاً بالإتيان بالظهرين الاضطراريتين ، فانّ الزمان الذي تقع فيه أربع ركعات اختيارية وافٍ بثمانية اضطرارية ، بل أزيد كما ذكرنا آنفاً.

ثم إنّ التعليل الذي ذكره في المتن لحكم المسألة من تقديم الوقت لمكان الأهمية على تقدير تسليمه لا يترتب عليه ما اختاره من لزوم إيقاع الصلاة بتمامها حال الخروج كما هو ظاهر العبارة ، بل اللازم حينئذ التلفيق بإيقاع ثلاث ركعات مومئاً حال الخروج وإيقاع الركعة الأخيرة في المكان المباح مع الركوع والسجود ، لعدم المزاحمة بين الوقت والأجزاء الاختيارية في الركعة الواحدة على الفرض ، وإنما المزاحمة بينه وبينها في تمام الركعات ، فغاية ما يقتضيه الترجيح بالأهمية تقديم الوقت بمقدار المزاحمة ، وحيث لا تزاحم بالإضافة إلى الركعة الأخيرة ، لفرض وقوعها في الوقت ، فلا مسوّغ لترك الأجزاء والشرائط الاختيارية بالنسبة إليها.

وبالجملة : فسواء أقدمنا الوقت كما يدعيه قدس‌سره أم لا ، فحيث إنّ‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٢٩ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ١٨.

٨٠