موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٣

الشيخ مرتضى البروجردي

وإن كان الأحوط إعادته بعده (١).

السابع : الطهارة من الحدث في الإقامة على الأحوط ، بل لا يخلو عن قوة (٢) ،

______________________________________________________

الجيران سليمة عن المعارض ، ولعل قوله : « شيطان » إشارة إلى أذان المخالفين حيث يذهبون على ما قيل إلى دخول الوقت بطلوع الفجر الكاذب ، والأذان الثاني الذي وصفه بالحق كان مع الفجر الصادق ، فلا ترتبط الرواية بما نحن فيه.

(١) فانّ أقصى ما دلت عليه النصوص المتقدمة جواز التقديم لانتفاع الجيران ، وهو أذان آخر غير أذان الفجر أعلاماً أو صلاة ، فلا وجه للاجتزاء به بعد عدم دلالة النصوص عليه بوجه.

(٢) المشهور بين الفقهاء استحباب الطهارة في الأذان والإقامة ، وإن كان في الإقامة آكد ، وهكذا الحال في القيام.

وذهب جماعة إلى وجوبهما في الإقامة ، وفصّل الماتن قدس‌سره بينهما فاختار وجوب الطهارة فيها دون القيام.

وستعرف أنّ التفصيل لا وجه له ، والمسألتان من وادٍ واحد ، فإن قلنا بوجوب الطهارة قلنا به في القيام أيضاً بمناط واحد.

وكيف ما كان ، فقد وردت في المقام جملة من النصوص دلت على اعتبار الطهارة في الإقامة.

فمنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « أنه قال : تؤذّن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد قائماً أو قاعداً ، وأينما توجهت ، ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيّئاً للصلاة » (١).

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا بأس أن‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٩١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٩ ح ١.

٣٤١

يؤذّن الرجل من غير وضوء ، ولا يقيم إلا وهو على وضوء » (١).

ومنها : صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يؤذّن أو يقيم وهو على غير وضوء أيجزئه ذلك؟ قال : أمّا الأذان فلا بأس ، وأمّا الإقامة فلا يقيم إلا على وضوء ، قلت : فإن أقام وهو على غير وضوء أيصلي بإقامته؟ قال : لا » (٢). ونحوها غيرها.

وليس بإزائها ما يعارضها حتى رواية ضعيفة ما عدا إطلاقات الإقامة ، فهل هي تقيد بهذه أو أنّ هذه تحمل على أفضل الأفراد لينتج أنّها من شرائط الكمال؟

المشهور كما عرفت هو الثاني ، فحملوا الأمر بها على الأفضلية أو النهي عن الإقامة بدونها على المرجوحية ، والنتيجة واحدة ، وهي إبقاء المطلقات على حالها.

قال المحقق الهمداني (٣) قدس‌سره ما ملخصه : إنّ فهم المشهور هو القرينة على الحمل المزبور ، حيث إنّهم لم يفهموا من نصوص الباب إلا إرادة الحكم التكليفي ، أعني كراهة ترك الطهارة أو استحباب فعلها ، لا الوضعي أي شرطية الطهارة أو مانعية الحدث ، ولو لا ذلك كان مقتضى القاعدة حمل المطلق على المقيد ، لكون الأوامر والنواهي في باب المركبات إرشاداً إلى الجزئية أو الشرطية أو المانعية ، فعدم فهمهم الشرطية كاشف عن خصوصية في المورد وبذلك يرتكب التخصيص في تلك القاعدة.

وذكر قدس‌سره في وجه ما فهموه أنّ نصوص المقام على نوعين : أحدهما : ما تضمن الأمر بالطهارة ، والحمل على الأفضلية هنا مطابق لمقتضى القاعدة ، لوضوح عدم حمل المطلق على المقيد في باب المستحبات.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٩١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٩٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ٩ ح ٨.

(٣) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢١٣ السطر ٣١.

٣٤٢

ثانيهما : ما تضمّن النهي عن الإقامة من غير طهارة ، وهذا وإن كان ظاهراً في الإرشاد إلى اعتبار الطهارة إلا أنّه بعد إمعان النظر يرى أن فيه أيضاً شائبة من الطلب ، فيكون مرجع قوله عليه‌السلام : « لا يقيم إلا على وضوء » إلى قولنا أقم مع الوضوء ، فيرجع إلى النوع الأول.

أقول : بعد وضوح عدم احتمال إرادة الحرمة الذاتية من النهي المزبور كما اعترف قدس‌سره به في مطاوي كلماته ، فلا جرم يراد به الحرمة التشريعية التي مرجعها إلى تحديد دائرة الأمر في المطلقات واختصاص الإقامة المأمور بها بالمقرونة بالطهارة ، فغير المقترن لا أمر به ، وبدونه لم يكن مشروعاً ، وهو مساوق لاعتبار الشرطية المتحصّلة من حمل المطلق على المقيد. فهذا هو الظاهر من النهي في المقام ، ولم تكن في البين قرينة ترشدنا إلى خلاف هذا الظاهر ليؤخذ بها.

فالنتيجة : أنّ ما ذهب إليه جمع من الأجلّة من وجوب الطهارة في الاقامة هو الأوفق بالصناعة ، إذ لا مناص من حمل المطلق على المقيد في النوع الثاني من النصوص المتضمنة للنهي ، وإن لم يكن كذلك في النوع الأوّل.

ويؤكده : ما في ذيل صحيحة علي بن جعفر المتقدمة من قوله عليه‌السلام : « لا » في جواب قوله : « أيصلي بإقامته » فإنّ مرجعه إلى أنّ الإقامة من دون طهارة في حكم العدم كما لا يخفى.

هذا ، وجميع ما ذكرناه في اعتبار الطهارة يجري في اعتبار القيام حرفاً بحرف ، لاشتراك نصوص الموردين في الاشتمال على النوعين المتقدمين ، وستأتي نصوص القيام في موضعه (١) وليس في البين ما يعارضها ما عدا المطلقات التي عرفت لزوم حملها عليها فيتحدان بحسب النتيجة ، وهي اعتبار القيام كالطهارة في الإقامة بمناط واحد.

__________________

(١) في ص ٣٥٠.

٣٤٣

بخلاف الأذان (١).

[١٤٠٣] مسألة ١ : إذا شك في الإتيان بالأذان بعد الدخول في الإقامة لم يعتن به (٢) ، وكذا لو شك في فصل من أحدهما بعد الدخول في الفصل اللاحق (٣).

______________________________________________________

(١) للتصريح في النصوص المتقدمة وغيرها بعدم اعتبار الطهارة فيه.

(٢) وكذا لو شك في الإقامة بعد ما دخل في الصلاة ، وذلك للتنصيص عليهما بالخصوص في صحيحة زرارة « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة ، قال : يمضي ، قلت : رجل شك في الأذان والإقامة وقد كبّر ، قال : يمضي إلى أن قال يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء » (١) مضافاً إلى قاعدة التجاوز بنطاق عام ومنه المقام المستفادة من ذيل الصحيحة وغيرها.

(٣) لقاعدة التجاوز الآنفة الذكر. نعم خصها المحقق النائيني قدس‌سره بالأجزاء المستقلة ، جموداً على الأمثلة المذكورة في الصحيحة المزبورة (٢) ، فلا تشمل أبعاض الأجزاء كآيات الفاتحة أو فصول الإقامة ، إذ العبرة بالمجموع الذي هو جزء برأسه ، ولا عبرة بجزء الجزء ، بل المرجع فيه قاعدة الاشتغال لكونه من الشك في المحل.

ويندفع : بعدم الموجب للتخصيص بعد وجود المقتضي للتعميم وهو الكبرى الكلية المذكورة في ذيل الصحيحة الكاشفة عن أنّ الأمثلة المذكورة في الصدر إنّما هي من باب المثال ، لا سيّما وأنّها مذكورة في كلام السائل ، والعبرة بإطلاق كلام الامام عليه‌السلام الذي لا قصور في شمول إطلاقه للجميع. وتفصيل الكلام في محله (٣).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل ب ٢٣ ح ١.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٧٣.

(٣) مصباح الأُصول ٣ : ٢٩٩.

٣٤٤

ولو شك قبل التجاوز أتى بما شك فيه (١).

______________________________________________________

(١) لأصالة عدم الإتيان بالمأمور به ، المطابقة لقاعدة الاشتغال ، ولقاعدة الشك في المحل المستفادة من مفهوم صحيحة زرارة المتقدمة.

٣٤٥

فصل

[ في مستحبات الأذان والإقامة ]

يستحب فيهما أُمور :

الأول : الاستقبال (١).

______________________________________________________

(١) أمّا في الأذان فيستدل له مضافاً إلى نفي الخلاف ، بل حكاية الإجماع عن غير واحد بمرسلة دعائم الإسلام عن علي عليه‌السلام : « يستقبل المؤذّن القبلة في الأذان والإقامة ، فاذا قال : حي على الصلاة ، حي على الفلاح حوّل وجهه يميناً وشمالاً (١) وهي لمكان ضعف السند لا تصلح إلا للتأييد.

وربما يستدل له ايضاً كما في الجواهر (٢) بإطلاق قوله عليه‌السلام « خير المجالس ما استقبل فيه القبلة » (٣).

وفيه : مضافاً إلى ضعف سندها بالإرسال ، أنّها ناظرة إلى كيفية الجلوس ، ولا ربط لها بالأذان من حيث هو أذان الذي هو محل الكلام. فالعمدة هو التسالم المؤيد بخبر الدعائم ، وهذا المقدار كاف في إثبات الاستحباب هذا.

وربما يستفاد من بعض النصوص وجوب الاستقبال حال التشهد ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « سألته عن الرجل‌

__________________

(١) الدعائم ١ : ١٤٤.

(٢) الجواهر ٩ : ٩٣.

(٣) الوسائل ١٢ : ١٠٩ / أبواب أحكام العشرة ب ٧٦ ح ٣.

٣٤٦

يؤذّن وهو يمشي ، أو على ظهر دابته أو على غير طهور ، فقال : نعم إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس » (١).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قلت له : يؤذّن الرجل وهو على غير القبلة ، قال : إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس » (٢) فانّ مقتضى مفهوم الشرط ثبوت البأس إذا لم يكن مستقبلاً حال التشهد.

إلا أنّه لا بد من حملهما على الأفضلية ، بقرينة صحيحة زرارة المتقدمة (٣) المفصّلة بين الأذان والإقامة ، والمصرّحة في الأول بقوله عليه‌السلام « أينما توجهت » الظاهر في عدم اعتبار الاستقبال في شي‌ء من فصول الأذان ، بعد وضوح امتناع حملها على ما عدا التشهد ، لمنافاته مع المقابلة بينه وبين الإقامة الظاهرة في أنّ طرف المقابلة تمام الأذان بجميع فصوله لا خصوص ما عدا التشهد ، وإلا كان الأحرى التقابل بين فصول الأذان أنفسها ، لا بينه وبين الإقامة كما لا يخفى.

فتكون نتيجة الجمع أفضلية مراعاة الاستقبال في التشهد وآكديته من بقية الفصول.

وأمّا في الإقامة ، فيستدل تارة بخبر الدعائم وقد عرفت ما فيه.

وأُخرى : بالنصوص المتضمّنة لتنزيل الإقامة منزلة الصلاة ، وأنّ الداخل فيها كالداخل فيها ، كرواية سليمان بن صالح عن أبي عبد الله عليه‌السلام « .. وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة ، فإنّه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة » (٤) ورواية يونس الشيباني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « ... إذا أقمت‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٠٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ٧.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٥٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٤٧ ح ١.

(٣) في ص ٣٤١.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٠٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ١٢.

٣٤٧

الصلاة فأقم مترسلاً فإنّك في الصلاة » (١) ورواية أبي هارون المكفوف قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا أبا هارون الإقامة من الصلاة ، فإذا أقمت فلا تتكلم ولا تؤم بيدك » (٢).

وفيه : مضافاً إلى ضعف سند الجميع ما عدا الأخير بناءً على المختار من وثاقة رجال الكامل كما تقدم (٣) أنّها قاصرة الدلالة ، إذ بعد تعذر المعنى الحقيقي ، ضرورة أنّ الصلاة أوّلها التكبير وآخرها التسليم ، فكيف تكون الإقامة جزءاً من الصلاة والمقيم داخلاً فيها ، فلا جرم يراد منها التنزيل ، وحيث إنّه لا يكون من جميع الجهات قطعاً ، إذ يعتبر في الصلاة ما لا يعتبر في الإقامة بالضرورة كعدم الوقوع في الحرير والنجس وغير المأكول ونحو ذلك ، فلا بد وأن يراد التنزيل من بعض الجهات ، والمتيقن بل المنصرف منها ما هو المذكور في تلك النصوص من التمكن أي الاستقرار وعدم التكلم وعدم الإيماء باليد والترسل ، ولا تشمل سائر الجهات التي منها الاستقبال لتدل على استحبابه فيها.

ومما يكشف عن عدم عموم التنزيل زائداً على ما عرفت : جواز التكلم أثناء الإقامة وإن كان مكروهاً ، بل حتى بعدها من دون كراهة فيما يتعلق بتسوية الصفوف ، مع عدم جوازه أثناء الصلاة إطلاقاً ، فإذا لم يكن تنزيل حتى بلحاظ التكلم المذكور في الخبر إلا باعتبار الاشتراك في جامع المرجوحية ، فما ظنك بالاستقبال الذي لم يذكر فيه.

نعم ، لا بأس بالاستدلال بصحيحة زرارة المتقدمة (٤) المفصّلة بين الأذان والإقامة ، حيث إنّ ظاهر المقابلة الأمر بالاستقبال كالقيام والطهارة في الاقامة ،

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٠٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ٩.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٩٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ١٢.

(٣) ولكن الراوي وهو المكفوف ، وكذا صالح بن عقبة لم يكونا من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة ، فلا يشملهما التوثيق.

(٤) في ص ٣٤١.

٣٤٨

الثاني : القيام (١) (١).

______________________________________________________

بل من أجل ذلك ذهب جماعة كالمفيد (١) والسيد (٢) وصاحب الحدائق (٣) إلى الوجوب واعتبار ذلك في الإقامة.

ولكنه لا وجه له ، إذ لا يصلح الأمر المزبور لتقييد إطلاقات الإقامة ، لما هو المقرّر في محله من عدم حمل المطلق على المقيد في باب المستحبات ، بل يحافظ على الإطلاق ، ويحمل المقيد على أفضل الأفراد (٤). وإنّما يتجه لو ورد نهي عنها بدونه كما كان كذلك في الطهارة والقيام حسبما تقدم ، ولم يرد مثل ذلك في المقام ، فلا مناص من الالتزام بالاستحباب.

وتؤيد عدم الوجوب رواية علي بن جعفر عليه‌السلام أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل يفتتح الأذان والإقامة وهو على غير القبلة ثم استقبل القبلة قال : لا بأس » (٥) وإن كانت ضعيفة السند بعبد الله ابن الحسن.

هذا والمحقق الهمداني قدس‌سره نسب إليه رواية أُخرى دلت على اعتبار الاستقبال في التشهد (٦) ، ولم نعثر عليها لا في الوسائل ولا في قرب الاسناد ، ولعله سهو من قلمه الشريف.

(١) أمّا في الأذان فاستحبابه مورد للإجماع المدعى في كلمات غير واحد ، وتدل عليه أيضاً رواية حمران قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الأذان‌

__________________

(١) بل الظاهر اعتباره في الإقامة كاعتبار الطهارة فيها.

(١) المقنعة : ٩٩.

(٢) جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٣٠.

(٣) الحدائق ٧ : ٣٤٥.

(٤) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٣٨٤.

(٥) الوسائل ٥ : ٤٥٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ٤٧ ح ٢.

(٦) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٢٢ السطر ١٧.

٣٤٩

الثالث : الطهارة في الأذان (١).

______________________________________________________

جالساً ، قال : لا يؤذّن جالساً إلا راكب أو مريض » (١) المحمولة على الاستحباب جمعاً بينها وبين صحيحة زرارة « تؤذّن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد قائماً أو قاعداً ... إلخ » (٢) لكن الرواية ضعيفة السند بمحمد بن سنان ، والعمدة هو الإجماع.

وأمّا في الإقامة فقد عرفت اعتبار القيام فيها كالطهارة ، ولا موجب للتفكيك الذي صنعه في المتن بعد وحدة المناط ، فقد تضمّنت جملة من النصوص النهي عن الإقامة في غير حال القيام كصحيحة محمد بن مسلم قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يؤذّن الرجل وهو قاعد ، قال : نعم ، ولا يقيم إلا وهو قائم » (٣).

وموثقة أبي بصير : « ... ولا تقم وأنت راكب أو جالس إلا من علة ... » إلخ (٤) وغيرهما ، ولا معارض لها حتى رواية ضعيفة ، وظاهرها كما ترى اعتبار القيام ، وبذلك يقيّد إطلاقات الإقامة ، ولا سبيل للحمل على أفضل الأفراد بعد أن كان التقييد بلسان النهي على حذو ما تقدم في اعتبار الطهارة ، من غير فرق ما عدا أكثرية النصوص فيها التي هي غير فارقة كما هو ظاهر.

(١) العمدة في المقام هو التسالم والإجماع المحكي عن جماعة ، وأمّا النصوص المستشهد بها لذلك كالمرسل المروي في كتب الفروع « لا تؤذّن إلاّ وأنت طاهر » (٥) والنبويّ المروي في كنز العمال : « حق وسنة أن لا يؤذّن أحد إلا وهو‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٠٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ١١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٠١ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ١.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٠٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ٥.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٠٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ٨.

(٥) ذكره في المعتبر ٢ : ١٢٧ ، الا أنّ فيه : إلا متطهراً.

٣٥٠

وأمّا الإقامة فقد عرفت أنّ الأحوط بل لا يخلو عن قوة اعتبارها فيها (١) ، بل الأحوط اعتبار الاستقبال والقيام أيضاً فيها ، وإن كان الأقوى الاستحباب.

الرابع : عدم التكلم في أثنائهما (٢) ، بل يكره بعد قد قامت الصلاة للمقيم ، بل لغيره أيضاً في صلاة الجماعة ، إلا في تقديم إمام بل مطلق ما يتعلق بالصلاة كتسوية صف ونحوه ، بل يستحب له إعادتها حينئذ.

______________________________________________________

طاهر » (١) وخبر الدعائم : « لا بأس أن يؤذّن الرجل على غير طهر ويكون على طهر أفضل » (٢) فكلها ضعيفة السند لا يصح التعويل عليها.

نعم ، يمكن الاستئناس لذلك من النصوص المتقدمة المرخصة للأذان بلا طهارة ، نظراً إلى أنّه لمّا كان عبادة ومن مقدمات الصلاة بل على أعتابها ، كان المرتكز في الأذهان اعتبار الطهارة فيه ، بل لعل العمل الخارجي كان ولا يزال مستقراً عليه ، حيث إنّ المتعارف تحصيل الطهارة ثم التصدي للأذان والإقامة لا تخلّلها بينهما. فالاعتبار المزبور مركوز في أذهان المتشرعة وأعمالهم.

وعليه فالنصوص المرخّصة الآنفة الذكر ناظرة إلى نفي الوجوب الذي ربما يستطرق احتماله على أساس ذاك الارتكاز مع إمضاء ما ارتكز من أصل الطلب وإبقائه على حاله.

(١) وقد عرفت في الشرط السابع من الفصل السابق أنّ الاعتبار هو الأقوى وكذلك اعتبار القيام ، وأنّ التفكيك بينهما كما صنعه في المتن غير ظاهر فلاحظ ولا نعيد.

(٢) أمّا في الأذان فعمدة المستند هو التسالم والإجماع المدعى في كلمات بعضهم ، ولعله كاف في الاستحباب ، وإلا فلا نص معتبر يصلح للاستدلال به ما عدا موثقة سماعة قال : « سألته عن المؤذّن أيتكلم وهو يؤذّن؟ قال : لا بأس‌

__________________

(١) كنز العمال ٨ : ٣٤٣ / ٢٣١٨٠.

(٢) المستدرك ٤ : ٢٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٨ ح ٢ ، الدعائم ١ : ١٤٦.

٣٥١

الخامس : الاستقرار في الإقامة.

السادس : الجزم في أواخر فصولهما مع التأني في الأذان. والحدر في الإقامة على وجه لا ينافي قاعدة الوقف.

السابع : الإفصاح بالألف والهاء من لفظ الجلالة في آخر كل فصل هو فيه.

الثامن : وضع الإصبعين في الأذنين في الأذان.

التاسع : مدّ الصوت في الأذان ورفعه. ويستحب الرفع في الإقامة أيضاً إلا أنّه دون الأذان.

العاشر : الفصل بين الأذان والإقامة بصلاة ركعتين ، أو خطوة ، أو قعدة ، أو سجدة ، أو ذكر ، أو دعاء ، أو سكوت بل أو تكلم لكن في غير الغداة ، بل لا يبعد كراهته فيها.

[١٤٠٤] مسألة ١ : لو اختار السجدة يستحب أن يقول في سجوده : ربّ سجدت لك خاضعاً خاشعاً ، أو يقول : لا إله إلا أنت سجدت لك خاضعاً خاشعاً. ولو اختار القعدة يستحب أن يقول اللهم اجعل قلبي بارّاً ورزقي دارّاً وعملي سارّاً واجعل لي عند قبر نبيك قراراً ومستقراً. ولو اختار الخطوة أن يقول : بالله استفتح وبمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أستنجح وأتوجه ، اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد واجعلني بهم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين.

______________________________________________________

حين يفرغ من أذانه » (١) الدالة على ثبوت البأس الذي أقلّه الكراهة قبل الفراغ ، والتي مقتضاها كراهة التكلم ، لا استحباب تركه كما في عبارة المتن وغيره.

ولكنه يتوقف على أن يكون متن الرواية كما ذكر ، وأمّا على النسخة الأُخرى المشتملة على كلمة « حتى » بدل « حين » فالأمر بالعكس ، إذ مفادها حينئذ استمرار نفي البأس إلى نهاية الأذان ، وحيث إنّ نسخ الوسائل كالتهذيب‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٩٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٦.

٣٥٢

[١٤٠٥] مسألة ٢ : يستحب لمن سمع المؤذّن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله ، أن يقول : وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أكتفي بها عن كل من أبى وجحد وأُعين بها من أقرّ وشهد.

[١٤٠٦] مسألة ٣ : يستحب في المنصوب للأذان أن يكون عدلاً رفيع الصوت مبصراً بصيراً بمعرفة الأوقات ، وأن يكون على مرتفع منارة أو غيرها.

______________________________________________________

مختلفة ولا مرجح فلا سبيل للاستناد إليها.

وأمّا في الإقامة فالنصوص الواردة مختلفة.

فمنها : ما تضمنت المنع في الجماعة كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه « قال : إذا أُقيمت الصلاة حرم الكلام على الامام وأهل المسجد إلا في تقديم إمام » (١).

وموثقة سماعة قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا قام ( أقام ) المؤذّن الصلاة فقد حرم الكلام إلا أن يكون القوم ليس يعرف لهم إمام » (٢).

وصحيحة (٣) ابن أبي عمير قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتكلم في الإقامة قال : نعم ، فاذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلا أن يكونوا قد اجتمعوا من شتى وليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم ببعض ( لبعض ) تقدّم يا فلان » (٤).

ومنها : ما تضمّنت المنع في المنفرد كمعتبرة أبي هارون المكفوف (٥) قال :

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٩٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٩٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٥.

(٣) [ الرواية ضعيفة من جهة ابن أبي عمير فإنه غير المعروف الثقة ].

(٤) الوسائل ٥ : ٣٩٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٧.

(٥) لا توثيق له إلا لكونه من رجال الكامل لكنه من المشايخ مع الواسطة.

٣٥٣

« قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا أبا هارون الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلم ، ولا تؤم بيدك » (١).

وصحيحة محمد بن مسلم قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تتكلم إذا أقمت الصلاة ، فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة » (٢) وهذه ظاهرة في الحرمة الوضعية ، كما أنّ الثلاثة الأُول ظاهرة في الحرمة التكليفية. وأمّا رواية المكفوف فهي صالحة لكل منها كما لا يخفى.

ومنها : ما تضمنت الجواز كخبر محمد الحلبي قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتكلم في أذانه أو في إقامته ، فقال لا بأس » (٣).

وخبر الحسن بن شهاب قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا بأس أن يتكلم الرجل وهو يقيم الصلاة وبعد ما يقيم إن شاء » (٤) لكن الأُولى ضعيفة بمحمد بن سنان ، والثانية بابن شهاب فإنه لم يوثق. والعمدة صحيحة حماد بن عثمان قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتكلم بعد ما يقيم الصلاة ، قال : نعم » (٥).

والجمع العرفي يستدعي حمل النصوص المانعة على الكراهة بقرينة المجوّزة لصراحتها في الجواز ، وظهور الاولى في المنع ، فيرفع اليد عن الظاهر بالنص كما هو الضابط المطرد في أمثال المقام ، غاية الأمر أنّ الكراهة بعد قول قد قامت الصلاة أشد ، لما ورد في بعضها من تخصيص التحريم بذلك ، هذا.

وربما يجمع بينها بوجوه أُخر :

منها : حمل المانعة على صلاة الجماعة ، والمجوّزة على المنفرد.

وفيه : أنّ بعض النصوص المانعة وارد في خصوص المنفرد كما عرفت فلا يتجه الجمع في مثل ذلك.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٩٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ١٢.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٩٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٣.

(٣) ، (٤) ، (٥) الوسائل ٥ : ٣٩٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٨ ، ١٠ ، ٩.

٣٥٤

ومنها : حمل المانعة على الكلام الأجنبي غير المرتبط بالصلاة ، والمجوّزة على المرتبط.

وفيه : أنّ بعض المانعة كرواية المكفوف آبية عن ذلك ، ضرورة أنّ مقتضى تنزيل الإقامة منزلة الصلاة المنع عن مطلق التكلم كنفس الصلاة ، فالتخصيص بصنف لا ينسجم مع هذا التنزيل الذي هو بمثابة التعليل كما لا يخفى.

ومنها : حمل المانعة على ما بعد قد قامت الصلاة ، والمجوّزة على ما قبلها بشهادة صحيحة ابن أبي عمير المفصّلة بينهما.

وفيه : أنّ كلتا الطائفتين آبية عن هذا الحمل. إمّا المجوّزة فلمنافاتها مع صحيحة حماد الصريحة في الجواز بعد الفصل المزبور الذي هو المراد من قوله : « بعد ما يقيم الصلاة » كما لعله واضح.

وأمّا المانعة فلمنافاتها مع التنزيل الوارد في رواية المكفوف كما عرفت آنفاً ، ضرورة أنّ مورد التنزيل تمام الإقامة لا بعضها.

ومنها : حمل المانعة على الحكم الوضعي أعني البطلان ، والمجوّزة على التكليفي بشهادة صحيحة محمد بن مسلم المصرّحة بالإعادة.

وفيه : أنّه أردأ الوجوه وأبعدها ، ضرورة ظهور السؤال في صحيحة حماد الواردة في المجوّزة في كونه عن الصحة والفساد لا عن مجرد الجواز التكليفي فإنّه في غاية البعد ، كما أنّ حمل التحريم الوارد في المانعة على الوضع بعيد غايته ، بل الظاهر من قولهم عليهم‌السلام « حرم الكلام » إرادة الحرمة التكليفية ، غايته أنّها تحمل على الكراهة بقرينة صحيحة حماد الصريحة في الجواز حسبما عرفت.

والمتحصّل من جميع ما تقدم : أنّ ما عليه المشهور من الجمع بالحمل على الكراهة على اختلاف مراتبها قبل قول قد قامت الصلاة وبعده هو الصواب ، مع نوع تسامح في التعبير باستحباب الترك أو كراهة الفعل حسبما عرفت.

ثم إنّ السيد الماتن قدس‌سره تعرّض لنبذ من المستحبات وهي‌

٣٥٥

[١٤٠٧] مسألة ٤ : من ترك الأذان أو الإقامة أو كليهما عمداً حتى أحرم للصلاة لم يجز له قطعها لتداركهما (١) (١). نعم ، إذا كان عن نسيان جاز له القطع ما لم يركع (٢) (٢)

______________________________________________________

لوضوحها لا حاجة إلى التعرض لها ، والأحرى أن نطوي الكلام عنها ونصرفه في الأهم.

(١) كما عليه غير واحد ، بناءً على المشهور من حرمة قطع الفريضة ، لوضوح عدم جواز ارتكاب المحرم لإدراك المستحب كوضوح اختصاص النصوص الآتية بصورة النسيان وعدم شمولها للعامد. فالحكم مطابق للقاعدة.

وكذا على المختار من كراهة القطع وإن كان تركه أحوط إذ تقع المزاحمة حينئذ بين ترك المكروه وبين درك المستحب ، ولا ينبغي الشك في أنّ ترك القطع أهم لاحتمال حرمته الواقعية ، وأنّ ما عليه المشهور هو الصواب. فلا مناص من تقديم تركه على ما يحتمل فيه الحرمة وإن تضمّن الفضيلة لاستقلال العقل بتقديم ما لا يحتمل معه المفسدة على ما يحتمل وإن كان مقروناً بالمثوبة.

(٢) على المشهور ، للنص الصحيح الذي بمقتضاه يخرج عمّا عرفته من مقتضى القاعدة ، وهو صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذّن وتقيم ثم ذكرت قبل أن تركع فانصرف وأذّن وأقم واستفتح الصلاة ، وإن كنت قد ركعت فأتمّ على صلاتك » (١).

ولكن بإزائه طوائف من الأخبار :

أوّلها : ما تضمّن المضي في الصلاة إذا تذكر بعد الدخول فيها كصحيحة زرارة قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل نسي الأذان والإقامة‌

__________________

(١) على الأحوط.

(٢) لا يبعد جواز القطع بعد الركوع أيضاً حتى فيما لو نسي الإقامة وحدها.

(١) الوسائل ٥ : ٤٣٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٣.

٣٥٦

حتى دخل في الصلاة ، قال : فليمض في صلاته فإنّما الأذان سنّة » (١).

وصحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة ، قال : ليس عليه شي‌ء » (٢).

المؤيدتين برواية زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قلت له : رجل ينسى الأذان والإقامة حتى يكبّر ، قال : يمضي على صلاته ولا يعيد » (٣) فإنّها غير نقيّة السند ، لاشتماله على من هو مردد حسب اختلاف النسخة بين أبي جميلة الذي هو المفضل بن صالح ولم يوثق وبين ابن جبلة الذي هو عبد الله بن جبلة الثقة ، ومن ثم لا تصلح إلا للتأييد.

وربما يجمع بينها وبين صحيح الحلبي بحملها على ما بعد الركوع.

ويندفع بابائها عن ذلك ، لظهورها في أنّ الموضوع للمضي مجرد الدخول في الصلاة وافتتاحها ، فكيف تحمل على ما بعد الركوع ، ولا سيّما مع التعليل في بعضها بأنّ الأذان سنّة ، المقتضي للتعميم بين ما بعد الركوع وما قبله لاتحاد المناط ، والأمر في رواية زرارة أوضح كما لا يخفى ، لجعل المدار على مجرد التكبير ، فكيف يلغى ويجعل الاعتبار بالركوع.

فالصحيح أن يقال : إنّ صحيح الحلبي ظاهر في وجوب الانصراف ، وهذه صريحة في جواز المضي ، فترفع اليد عن الظاهر بالنص ويحمل على الاستحباب.

ثانيها : رواية زكريا بن آدم قال : « قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : جعلت فداك كنت في صلاتي فذكرت في الركعة الثانية وأنا في القراءة أنّي لم أُقم فكيف أصنع؟ قال : اسكت موضع قراءتك وقل : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، ثم امض في قراءتك وصلاتك ، وقد تمّت صلاتك » (٤).

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٥ : ٤٣٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ١ ، ٢.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٣٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٧.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٣٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٦.

٣٥٧

فقد يقال بأنها مخصصة لما دلّ على البطلان بكلام الآدمي ، كما أنّها معارضة لصحيح الحلبي.

وفيه : أنّها ضعيفة السند بإسحاق بن آدم فإنه مهمل ، وكذا بأبي العباس فإنه مجهول ، فلا تنهض لا للتخصيص ولا للمعارضة.

ثالثها : رواية نعمان الرازي قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام وسأله أبو عبيدة الحذاء عن حديث رجل نسي أن يؤذّن ويقيم حتى كبّر ودخل في الصلاة ، قال : إن كان دخل المسجد ومن نيته أن يؤذّن ويقيم فليمض في صلاته ولا ينصرف » (١).

فقد يقال إنّها توجب تقييد صحيح الحلبي واختصاص الانصراف بما إذا لم يكن من نيّته الأذان والإقامة. أمّا لو نواهما حينما دخل المسجد فلا انصراف ، بل يمضي ويكتفي بالنية عن العمل ، وكأنه لقولهم عليهم‌السلام « إنّما الأعمال بالنيات » (٢).

ويندفع مضافاً إلى ضعف السند إذ لم يوثق الرازي بقصور الدلالة ، فإنّ دخول المسجد بعد وضوح عدم خصوصية فيه كناية عن كونه بانياً على الأذان والإقامة قبل بضع دقائق من الدخول في الصلاة ، ومن البيّن أنّ غالب المصلين كذلك. فالحمل على الناسي غير الناوي حمل للمطلق على الفرد النادر كما لا يخفى.

رابعها : النصوص المفصّلة بين ما إذا كان التذكر قبل الشروع في القراءة فينصرف ، وما كان بعده فيمضي.

منها : رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : في الرجل ينسى الأذان والإقامة حتى يدخل في الصلاة ، قال : إن كان ذكر قبل أن يقرأ فليصلّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وليقم وإن كان قد قرأ فليتم صلاته » (٣).

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٣٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٨.

(٢) الوسائل ١ : ٤٨ / أبواب مقدمة العبادات ب ٥ ح ١٠.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٣٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٤.

٣٥٨

وفيه : أنّها ضعيفة السند وإن عبّر عنها صاحب الحدائق (١) وغيره ممّن تأخر عنه بالصحيحة لجهالة (٢) طريق الشيخ إلى محمد بن إسماعيل الواقع في السند ، وإن كان هو ثقة في نفسه (٣) وما ذكره السيد التفريشي (٤) من صحة الطريق غير واضح.

نعم ، طريقه إلى محمد بن إسماعيل بن بزيع صحيح ، لكنه غير مراد في المقام قطعاً ، إذ هو من أصحاب الرضا عليه‌السلام فكيف يروي عنه من هو من مشايخ الكليني ويروي عن الفضل بن شاذان.

هذا ، ومع الغض عن السند فيمكن الجمع بينها وبين صحيح الحلبي بالحمل على اختلاف مراتب الفضل ، بأن يكون الانصراف فيما إذا كان التذكر قبل الركوع أفضل ، وأفضل منه فيما إذا كان قبل الشروع في القراءة فلا تنافي بينهما ، فهي قاصرة عن المعارضة سنداً ودلالة.

ومنها : رواية زيد الشحام التي هي بنفس المضمون (٥) وهي أيضاً ضعيفة السند ، لضعف طريق الصدوق إلى الشحام بأبي جميلة ، والكلام في الدلالة ما عرفت.

ومنها : رواية الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : سألته عن الرجل يستفتح صلاته المكتوبة ثم يذكر أنّه لم يقم قال : فان ذكر أنّه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم يقيم ويصلي ، وإن ذكر بعد ما قرأ بعض السورة فليتمّ صلاته » (٦).

__________________

(١) الحدائق ٧ : ٣٦٨.

(٢) هذه الجهالة لا تقدح بعد أن رواها في الاستبصار ١ : ٣٠٣ / ١١٢٦ عن الكليني مباشرة مضافاً إلى وجودها في الكافي أيضاً [ الكافي ٣ : ٣٠٥ / ١٤ ].

(٣) لا توثيق له ما عدا وقوعه في أسناد كامل الزيارات ، وقد عدل رحمه‌الله عنه أخيراً.

(٤) نقد الرجال ٥ : ٣٤٣.

(٥) الوسائل ٥ : ٤٣٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٩.

(٦) الوسائل ٥ : ٤٣٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٥.

٣٥٩

والكلام في الدلالة ما عرفت ، وأمّا من حيث السند فالظاهر أنّها معتبرة ، إذ ليس فيه من يغمز فيه ما عدا الحسين بن أبي العلاء وهو مضافاً إلى كونه من رجال كامل الزيارات يظهر توثيقه من عبارة النجاشي ، حيث إنّه بعد أن ذكر أنّ أخويه علي وعبد الحميد قال : وكان الحسين أوجههم (١) ، وقد وثق عبد الحميد عند ترجمته (٢). فتدل العبارة على وثاقته أيضاً بناءً على أنّ الذي وثقه هو أخو الحسين. هذا ومع التشكيك لاحتمال كونه رجلاً آخر كما لا يبعد ، فلا أقل من دلالتها على كونه أوجه أخويه من جهة الرواية (٣) كما لا يخفى.

هذا ، وقد فسّر صاحب الحدائق (٤) هذه الطائفة من الأخبار بأنّ المراد من قوله : « وليقم » هو قول : قد قامت الصلاة مرتين ، لا أنّه يقطع الصلاة لتدارك الإقامة ثم يستأنفها ، واستشهد لذلك بخبر زكريا بن آدم المتقدم زاعماً أنّه يكشف الإجمال عن هذه الأخبار وأنّه من حمل المجمل على المفصل ، وأنكر على من حملها على الانصراف والاستئناف قائلاً إنّ ذلك بعيد غاية البعد.

واستغرب منه المحقق الهمداني (٥) قدس‌سره ذلك ، نظراً إلى أنّ مورد الخبر ما إذا كان التذكر في الركعة الثانية ، ومورد هذه النصوص ما إذا كان بعد الافتتاح وقبل الشروع في القراءة ، فأحدهما أجنبي عن الآخر ، فكيف يستشهد به ويجعل شارحاً وكاشفاً للقناع.

وما أفاده قدس‌سره وجيه وصحيح كما لعله ظاهر ، ولعل ذلك يعدّ من غرائب ما صدر من صاحب الحدائق قدس‌سره.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٥٢ / ١١٧.

(٢) رجال النجاشي : ٢٤٦ / ٦٤٧.

(٣) استظهار الأوجهيّة من جهة الرواية غير بيّن ولا مبيّن وقد صرّح قدس‌سره في المعجم بأنّ الموثق رجل آخر المعجم ٦ : ٢٠٠ / ٣٢٧٦ ولم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة.

(٤) الحدائق ٧ : ٣٧٠.

(٥) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢١٦ السطر ٢٤.

٣٦٠