موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٣

الشيخ مرتضى البروجردي

السلام ) في الثانية : « ... أحسنت ادفعه عن ذلك وامنعه أشدّ المنع » عن الحمل على الرخصة ، فإنّه لم يكن من الجمع العرفي في شي‌ء ، لما بين اللسانين من التدافع الظاهر ، بل هي كادت تكون صريحة في كون السقوط على سبيل العزيمة.

وربما يجمع بينهما بحمل الثانية على ما بعد التفرق ، وهو أيضاً كما ترى ، لأنّ ظاهر قوله عليه‌السلام في الموثقة : « أدرك الإمام حين سلّم ... » ، إلخ ، إدراكه مقارناً للتسليم ، وهو ملازم لعدم افتراق الصفوف بطبيعة الحال فكيف تحمل على ما بعده.

وهناك وجه ثالث للجمع : وهو أنّ الطائفة الأُولى مختصة بالداخل في المسجد ، والثانية مطلقة من هذه الجهة ، فتحمل على الجماعة المنعقدة في غير المسجد ، فلا تعارض بعد تعدد المورد ، إذ السقوط من أحكام المسجد كما ستعرف.

وربما يورد عليه : بأنّ النسبة بينهما عموم من وجه ، فإنّ الثانية وإن كانت مطلقة من حيث المسجد وغيره ولكنّها خاصة بناوي الجماعة على العكس من الطائفة الأُولى ، فتتعارضان في مادة الاجتماع وهي ناوي الجماعة المنعقدة في المسجد ، والمرجع بعد التساقط إطلاقات الأذان والإقامة.

ويندفع : بأنّ إطلاق الطائفة الأُولى لغير الناوي محل تأمل ، كيف ومادة الاجتماع هي القدر المتيقّن من السقوط ، وإنّما الكلام في الإطلاق وشموله لغير هذا المورد ، فكيف تقع مورداً للتعارض ، بل قد تقدم (١) أنّ موثقتي زيد بن علي وأبي بصير ظاهرتان في ناوي الجماعة.

وعليه فتكون النسبة بين موثقة عمار وبين الطائفة الأُولى نسبة المطلق إلى المقيد ، فتقيّد بها عملاً بصناعة الإطلاق والتقييد فيختص مورد الموثقة بغير المسجد ، وتلك الطائفة بالمسجد ويعمل بما هو ظاهرها من كون السقوط فيه‌

__________________

(١) في ص ٢٩٥.

٣٠١

سواء صلى جماعة إماماً أو مأموماً أو منفرداً (١).

ويشترط في السقوط أُمور : أحدها : كون صلاته وصلاة الجماعة كلتاهما أدائية ، فمع كون إحداهما أو كلتيهما قضائية عن النفس أو عن الغير على وجه التبرع أو الإجارة ، لا يجري الحكم (٢).

______________________________________________________

على سبيل العزيمة حسبما عرفت.

فتحصّل : أنّ الجمع الثالث هو المتعيّن ، وأنّ الصحيح ما هو المشهور من كون السقوط بنحو العزيمة.

(١) ربما ينسب إلى المشهور اختصاص الحكم بمن يريد إقامة الجماعة ثانياً ، ولكنه غير ظاهر ، فانّ نصوص المقام على أقسام :

منها : ما هي مطلقة كموثقة أبي بصير (١) حيث إنّ مقتضى ترك الاستفصال عدم الفرق بين كون الداخل واحداً أو أكثر ، ومع التعدد صلّوا جماعة أو منفردين.

ومنها : ما مورده الجماعة كموثقة زيد بن علي (٢) ، وكان من المتعارف سابقاً تصدي الإمام بنفسه للأذان ، حتى أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان أحياناً يؤذّن بنفسه للصلاة ، ومن ثم قال عليه‌السلام : « ولا يؤذّن ... » إلخ.

ومنها : ما مورده الانفراد كموثقة ابي علي (٣) فان قوله في الذيل : « فان دخلوا فأرادوا أن يصلوا فيه جماعة ... » إلخ كاشف بمقتضى المقابلة عن اختصاص الصدر بالمنفرد.

فتحصّل : أنّ المستفاد من النصوص شمول الحكم لكل من الامام والمأموم والمنفرد كما أثبته في المتن.

(٢) فان نصوص الباب المعتبرة ثلاثة كما تقدم (٤) ، وهي موثقات أبي بصير‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٥ : ٤٣٠ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٥ ح ٢ ، ٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٤١٥ / أبواب الجماعة ب ٦٥ ح ٢.

(٤) في ص ٢٨٩ ، ٢٩٠ ، ٢٩١.

٣٠٢

الثاني : اشتراكهما في الوقت (١) فلو كانت السابقة عصراً وهو يريد أن يصلّي المغرب لا يسقطان.

الثالث : اتحادهما في المكان عرفاً (٢) ، فمع كون إحداهما داخل المسجد والأُخرى على سطحه يشكل السقوط وكذا مع البعد كثيراً (١)

______________________________________________________

وزيد بن علي ، وأبي علي ، والمفهوم من الكل انسباقاً أو انصرافاً إنّ صلاتي الداخل والمدخول كلتاهما صاحبتا الوقت كما لا يخفى ، فلا إطلاق لشي‌ء منها يشمل صلاة القضاء ، فيرجع فيها إلى إطلاقات أدلة الأذان والإقامة بعد سلامتها عمّا يصلح للتقييد.

(١) لعين ما تقدم من الانصراف فلا سقوط مع الاختلاف ، فلو أُقيمت الجماعة في آخر وقت العصر مثلاً وقد شاهدناها في صلاة المرحوم الميرزا محمد تقي الشيرازي قدس‌سره وبعد الفراغ قبل تفرّق الصفوف دخل وقت المغرب فدخل المسجد من يريد أن يصلّيها ، ليس له الاكتفاء بأذان تلك الجماعة وإقامتها ، لما عرفت من عدم الإطلاق في تلك الروايات الثلاث ليشمل صورة الاختلاف في الوقت ، فتبقى إطلاقات الأذان والإقامة بحالها.

أضف إلى ذلك : أنّ غاية ما يستفاد من أدلة السقوط فرض أذان المدخول أذاناً للداخل ، فاذا كان الأذان المزبور لا يجزئ للمدخول بالإضافة إلى صلاة المغرب لعدم مشروعية الأذان قبل دخول الوقت ، فكيف يجزئ غيره.

(٢) فلا سقوط مع التعدد لانصراف النصوص عنه ، ولكنه إنما يتجه في مثل داخل المسجد وسطحه حيث إنّ إنشاء السطوح في المساجد لم يكن متعارفاً في العصور السابقة ، وإنّما حدثت أخيراً ، ولا ريب أنّ المنسبق من الموثقات المتقدمة المنزّلة على المتعارف في تلك الأزمنة إنّما هو أرض المسجد التي انعقدت فيها الجماعة ، فالداخل عليها يسقط عنه الأذان والإقامة لا الداخل‌

__________________

(١) الاشكال فيه ضعيف ، ولا يبعد السقوط معه.

٣٠٣

الرابع : أن تكون صلاة الجماعة السابقة مع الأذان والإقامة ، فلو كانوا تاركين لا يسقطان عن الداخلين (١). وإن كان تركهم من جهة اكتفائهم بالسماع من الغير (٢).

______________________________________________________

على سطحها ، بل المحكّم حينئذ إطلاقات الأدلة ، فاعتبار الاتحاد في المكان بهذا المعنى صحيح.

وأمّا اعتباره بمعنى عدم البعد المفرط مع فرض وحدة المسجد فغير واضح ، فان علياً عليه‌السلام صلى في مسجد الكوفة وهو من أعظم المساجد وأكبرها في عصره عليه‌السلام وقد أمر الرجلين الداخلين كما في موثقة زيد بن علي (١) بأن يصليا بلا أذان ولا إقامة ، من غير تخصيص بالمكان الذي صلى هو فيه. ومن الجائز أنّهما صليا في زاوية بعيدة ، بل إنّ موثقة أبي علي (٢) صرّحت بأنّهم يقومون في ناحية المسجد ، الظاهرة في كونها غير الناحية التي أُقيمت الجماعة فيها ، وبطبيعة الحال يكون البعد كثيراً.

إذن فاعتبار وحدة المكان بهذا المعنى لا دليل عليه.

(١) لقصور الأدلة عن الشمول لذلك ، أمّا موثقة أبي بصير فلورودها في الجماعة التي أُذّن لها وأُقيم كما هو صريح قوله عليه‌السلام فيها : « ... صلّى بأذانهم وإقامتهم ... » إلخ (٣).

وأمّا موثقتا زيد بن علي وأبي علي (٤) فلعدم إطلاقٍ فيهما يشمل الجماعة الفاقدة لهما لو لم يكن المنسبق منهما خصوص الواجدة باعتبار ما يفهم منهما من أنّ العلة في السقوط الاجتزاء بأذان الجماعة المنتهية وإقامتها كما لا يخفى.

(٢) لأنّ منصرف الموثقة الجماعة المشتملة عليهما دون المكتفية ، وأمّا الموثقتان فقد عرفت حالهما ، وباقي النصوص لا اعتبار بها.

__________________

(١) ، (٢) المتقدمة في ص ٢٩٠ ، ٢٩١.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٣٠ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٥ ح ٢.

(٤) المتقدمتان في ص ٢٩٠ ، ٢٩١.

٣٠٤

الخامس : أن تكون صلاتهم صحيحة (١) ، فلو كان الامام فاسقاً مع علم المأمومين لا يجري الحكم ، وكذا لو كان البطلان من جهة أُخرى.

السادس : أن يكون في المسجد ، فجريان الحكم في الأمكنة الأُخرى محل إشكال (١) (٢) وحيث إنّ الأقوى كون السقوط على وجه الرخصة فكلّ مورد شك في شمول الحكم له الأحوط أن يأتي بهما ، كما لو شك في صدق التفرق (٢) وعدمه أو صدق اتحاد المكان وعدمه ، أو كون صلاة الجماعة أدائية أولا ، أو أنّهم أذّنوا وأقاموا لصلاتهم أم لا.

______________________________________________________

(١) فلا أثر للباطلة بأيّ سبب كان ، لوضوح خروجها عن منصرف النصوص.

نعم ، لا يبعد الاكتفاء فيما إذا استند البطلان إلى فقد شرط الايمان بل هو الأظهر ، نظراً إلى ما هو المعلوم خارجاً من عدم انعقاد الجماعة للشيعة في الجوامع العامة في عصر صدور هذه النصوص ، وإنّما كان المتصدي لها غيرهم ، فيظهر من ذلك أنّ العبرة بجماعة المسلمين من غير اختصاص بطائفة خاصة.

(٢) بل الأظهر اختصاص الحكم بالمسجد ، لاختصاص نصوص الباب به ما عدا خبر أبي بصير (١) الضعيف ولا عبرة به ، بل قد عرفت فيما سبق (٢) أنّ ذلك كان مقتضى الجمع بين تلك النصوص وبين موثقة عمار الدالة على عدم السقوط ، فحملناها على غير المساجد وكانت نتيجة الجمع اختصاص السقوط بالمساجد.

__________________

(١) الأظهر اختصاص الحكم بالمسجد.

(٢) الظاهر عدم السقوط في جميع الموارد المزبورة إلا إذا شك في التفرق وعدمه وكانت الشبهة موضوعية.

(١) المتقدم في ص ٢٩٠.

(٢) المتقدمة في ص ٣٠١.

٣٠٥

نعم لو شك في صحة صلاتهم حمل على الصحة (١).

______________________________________________________

(١) أما إذا كان منشأ الشك عدم إحراز صحة الصلاة ، فلا شبهة في البناء عليها استناداً إلى أصالة الصحة ، فيحكم بالسقوط وهذا واضح.

وأمّا إذا كان المنشأ غير ذلك ، فان كانت الشبهة حكمية كما لو شك في أنّ العبرة بتفرق البعض أو الجميع ، فالمرجع عمومات التشريع ، للزوم الاقتصار في المخصص المنفصل المجمل الدائر بين الأقل والأكثر على المقدار المتيقن والرجوع فيما عداه إلى عموم العام فيحكم بعدم السقوط.

وإن كانت موضوعية كالشك في حصول التفرق لظلمة ونحوها ، فان كان هناك أصل موضوعي يحرز به عنوان المخصص كأصالة بقاء الاجتماع وعدم عروض التفرقة ، حكم بالسقوط ، أو يحرز به عدمه كأصالة عدم الأذان والإقامة للجماعة المنتهية ، حكم بعدم السقوط.

وإن لم يكن ثمة أصل موضوعي ، كما لو شك في أنّ الجماعة كانت لصلاة أدائية أم قضائية. فبناءً على جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية ، كان المتبع أصالة عدم الاتصاف بكونها أدائية فينتفي أثرها وهو السقوط ويحكم بعدمه ، ولا تعارض بالمثل ، لعدم ترتب الأثر كما لا يخفى. وبناء على عدم الجريان كان مقتضى الاحتياط الإتيان بهما ، غاية الأمر بعنوان الرجاء على العزيمة ، وبنيّة جزميّة على الرخصة.

ومنه تعرف أنّ توهّم اختصاص الاحتياط بالرخصة ، وعدم جريانه على القول بالعزيمة فاسد ، لوضوح أنّ الحرمة على العزيمة تشريعية لا ذاتية ، وهي منتفية لدى قصد الرجاء ، فانّ ذكر الله حسن على كل حال.

وبالجملة : لا مانع من الاحتياط على كلا المبنيين ، فعلى الترخيص يقصد الأمر الجزمي وإن لم يدر أنّه بمرتبته القويّة لو لم يكن سقوط أو الضعيفة لو كان ، نظير الاحتياط في موارد الدوران بين الوجوب والاستحباب ، وعلى العزيمة لا سبيل للجزم لفرض عدم إحراز الأمر وإنما يأتي به رجاء وبداعي‌

٣٠٦

الثالث : من موارد سقوطهما : إذا سمع الشخص أذان غيره أو إقامته (١).

______________________________________________________

احتماله.

فتحصّل : أنّه لا سقوط في شي‌ء من موارد الشبهة إلا في الشك في التفرق بشبهة موضوعية ، وكذا في الشك في الصحة الذي عرفته أوّلاً فلاحظ.

(١) ويستدل له بجملة من النصوص :

منها : ما ورد من أنّ علياً عليه‌السلام كان يؤذّن ويقيم غيره ، وكان يقيم وقد أذّن غيره ، وورد مثل ذلك عن الصادق عليه‌السلام أيضاً (١).

وفيه : مضافاً إلى ضعف سندهما بالإرسال ، أنّ الدلالة قاصرة ، فإنهما ناظرتان إلى صلاة الجماعة ، وأنّه لا يعتبر أن يكون المؤذّن والمقيم هو الامام ، بل يكتفى بأذان الغير وإقامته كما تقدم (٢) ، وقد ورد أيضاً أنّه ربما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتي بهما ، وربما كان بلال ، فلا ربط لهما بمحل الكلام من الاجتزاء بالسماع بما هو سماع حتى إذا كان منفرداً كما لا يخفى.

ومنها : النصوص المتضمنة أنّه لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم (٣) بدعوى أنّ إطلاقها يدل على الاجتزاء حتى في حق السامع.

ولكنك خبير بعدم ارتباطها أيضاً بالمقام ، فإنّها بصدد بيان عدم اعتبار البلوغ في صحة الأذان من غير نظر إلى اجتزاء الغير به بوجه.

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه ... » الحديث (٤) بدعوى ظهور قوله عليه‌السلام « تصلي بأذانه » في الاجتزاء بسماع أذان الغير.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٣٨ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣١ ح ٣ ، ١.

(٢) في ص ٢٨٥ وما بعدها.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٤٠ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٢.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٣٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٠ ح ١.

٣٠٧

وقد استدل بها صاحب الحدائق (١) قائلاً إنّ أكثر الأصحاب لم يستدلوا بها وكأنه متفرد في ذلك.

ويندفع : بأنّ أقصى ما تدل عليه أنّ الموارد التي يجتزأ فيها بأذان الغير لو كان فيها نقص أتمه المصلي بنفسه ، من غير نظر إلى تعيين تلك الموارد ، بل هي مفروضة الوجود ، والاجتزاء فيها أمر مفروغ عنه وثابت من الخارج ، ومن الجائز أن يكون المراد صلاة الجماعة فلا إطلاق لها يتمسك به لمطلق السماع حتى مع الانفراد.

وبعبارة اخرى : للأذان نسبتان ، نسبة إلى المؤذّن ونسبة إلى السامع ، والظاهر من الصحيحة أنّ المجزي إنما هو الأذان باعتبار صدوره لا باعتبار سماعه لقوله عليه‌السلام : « إذا أذّن مؤذّن » ولم يقل إذا سمعت أذان مؤذّن ، فلا جرم تختص بأذان الجماعة ، حيث إنّه يجزئ أذان الامام وإن لم يسمعه المأموم وبالعكس ، فاذا نقص شي‌ء من أذان أحدهما أتمّه الآخر ، فلا ربط لها بالاجتزاء من حيث السماع الذي هو محل الكلام ، ولعله لأجله لم يستدل بها الأكثرون كما سمعته من صاحب الحدائق.

والعمدة في المقام روايتان :

إحداهما : معتبرة أبي مريم الأنصاري قال : « صلى بنا أبو جعفر عليه‌السلام في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة إلى أن قال ـ : فقال : وإنّي مررت بجعفر وهو يؤذّن ويقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك » (٢).

والسند معتبر ، فإنّ أبا مريم وهو عبد الغفار بن القاسم ثقة والراوي عنه وهو صالح بن عقبة من رجال كامل الزيارات (٣) ، كما أنّ الدلالة واضحة ، وسيأتي (٤) إن شاء الله تعالى أنّ الكلام أثناء الإقامة يوجب استحباب إعادتها.

__________________

(١) الحدائق ٧ : ٤٣٠.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٣٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٠ ح ٢.

(٣) ولكنه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة فلا يشمله التوثيق.

(٤) في ص ٣٥٣.

٣٠٨

فإنه يسقط عنه سقوطاً على وجه الرخصة (١) بمعنى أنّه يجوز له أن يكتفي بما سمع.

______________________________________________________

ثانيتهما : موثقة عمرو بن خالد عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « كنّا معه فسمع إقامة جار له بالصلاة ، فقال : قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان ولا إقامة ، قال : ويجزئكم أذان جاركم » (١) وهي واضحة الدلالة وقد تقدم الكلام (٢) حول اعتبار السند فلاحظ.

(١) كما اختاره جمع من المتأخرين ، خلافاً للشيخ في المبسوط (٣) وصاحب المستند (٤) من أنّه على وجه العزيمة ، ويستدل لهما بوجهين :

أحدهما : قوله عليه‌السلام في موثقة عمرو بن خالد : « يجزئكم أذان جاركم » بدعوى أنّ معنى الإجزاء سقوط الأمر ، فإذا سقط فلا أمر بالأذان ، ومعه كان الإتيان به تشريعاً محرّماً ، وهو مساوق للعزيمة.

وفيه : أنّ معنى الإجزاء الاكتفاء لا السقوط ، وقد استعمل في ذلك في جملة من الموارد مثل ما ورد من أنّ المسافر تجزئه الإقامة ، وأنّ المرأة يجزئها أن تكبّر وأن تشهد أن لا إله إلا الله ، ونحو ذلك مما يعلم أنّ السقوط ترخيص محض مع بقاء الأمر بحاله. نعم قد استعمل في مبحث الإجزاء بمعنى إسقاط الإعادة والقضاء ، ولكنه أنكره غير واحد من المتأخرين ، منهم صاحب الكفاية (٥) نظراً إلى أنّ الاسقاط المزبور من آثار الإجزاء لا نفسه ، فانّ معناه مجرد الاكتفاء بما أتى به كما عرفت ، ومن المعلوم أنّ الاكتفاء ظاهر في الترخيص.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٣٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٠ ح ٣.

(٢) في ص ٢٨٧.

(٣) لم نجده في المبسوط ولكن حكاه عنه في المستند ٤ : ٥٢٨.

(٤) المستند ٤ : ٥٢٨.

(٥) كفاية الأُصول : ٨٢.

٣٠٩

إماماً كان الآتي بهما أو مأموماً أو منفرداً (١).

______________________________________________________

ثانيهما : أنّ مرجع الاجتزاء بالسماع إلى التخصيص في عمومات التشريع وبدلية الأذان المسموع عن الأذان الموظف ، وبعد خروج مورد التخصيص عن الإطلاقات الأوّلية لم يبق أمر بالنسبة إليه ، لفرض تقيد الأمر بهما بغير صورة السماع ، ومعه كان السقوط طبعاً على وجه العزيمة.

ويندفع بأنّ تلك الإطلاقات على ضربين :

أحدهما : ما هو ظاهر في الوجوب كقوله : لا صلاة إلا بأذان وإقامة.

ثانيهما : ما هو ظاهر في الاستحباب كقوله : إن تركته فلا تتركه في المغرب ، ونحو ذلك مما تقدم.

ونصوص المقام وإن لم يكن بدّ من الالتزام بكونها على سبيل التخصيص بالإضافة إلى القسم الأوّل ، بداهة امتناع اجتماع الوجوب ونفي حقيقة الصلاة عن الفاقدة للأذان والإقامة مع الترخيص في الترك والاجتزاء بالفاقدة لهما. إلا أنّه بالإضافة إلى القسم الثاني لا مقتضي لارتكاب التخصيص المستلزم لسقوط الأمر ، لجواز بقائه بالمرتبة الضعيفة ، فيكون الأذان مستحباً مع السماع وعدمه ، غايته أنّه في الثاني آكد ويكون الاجزاء في مورد السماع إجزاءً عن تأكد الاستحباب لا عن أصله. ومعه كان السقوط على وجه الرخصة لا العزيمة. فما اختاره في المتن هو الصحيح.

(١) للإطلاق في معتبرتي أبي مريم وعمرو بن خالد المتقدمتين (١) فانّ مورد الاولى وإن كان هو المنفرد لاستبعاد انعقاد جماعتين إحداهما للباقر والأُخرى للصادق في عرض واحد ، كاستبعاد اقتدائه عليه‌السلام بغير أبيه ، إلا أنّ قوله عليه‌السلام : « وإنّي مررت بجعفر ... » إلخ الذي هو بمثابة التعليل من غير تقييد بحالتي الانفراد أو الجماعة يستدعي التعميم.

وأوضح منها : قوله عليه‌السلام في الثانية : « يجزئكم أذان جاركم » فان‌

__________________

(١) في ص ٣٠٨. ٣٠٩.

٣١٠

وكذا في السامع (١) ، لكن بشرط أن لا يكون ناقصاً وأن يسمع تمام الفصول (٢) ومع فرض النقصان يجوز له أن يتم (١) ما نقصه القائل ويكتفي به (٣).

______________________________________________________

إطلاقها يشمل الامام والمأموم والمنفرد.

(١) فانّ المعتبرتين وإن وردتا في الجماعة وموردهما الامام ويتبعه المأموم ، فلا يشملان المنفرد ، ولا المأموم الذي لم يسمع إمامه ولم يؤذّن ، إلا أنّه يظهر من التعليل عدم الخصوصية لشخص دون آخر ، وإنّما العبرة بسماع الأذان والإقامة وعدم التكلم ، فيشمل الامام والمأموم والمنفرد بمناط واحد.

(٢) لظهور دليل الاجتزاء بالسماع في الأذان والإقامة التأمين مع سماع الفصول بأجمعها ، فالنقص في المسموع أو في السماع خارج عن منصرف النصوص على تأمل في الثاني ستعرفه.

(٣) ربما يستدل له بصحيحة ابن سنان المتقدمة (١).

وفيه : ما عرفت من أنّ موردها الاجتزاء بنفس الأذان لا بسماعه ، فيختص بصلاة الجماعة حيث تقدم (٢) أنّ في الأذان نسبتين ، نسبة إلى القائل والموجد ، ونسبة إلى السامع ، والملحوظ في الصحيحة هي النسبة الإيجادية من غير نظر إلى حيثية السماع بوجه ، ومن ثم قال عليه‌السلام : « وأنت تريد أن تصلي بأذانه » ولم يقل بسماع أذانه. وهذا من مختصات صلاة الجماعة ، حيث يكفي صدور الأذان من أحدهم عن الباقين فيصلّون بأذانه وإن لم يسمعوه. إذن فتتميم النقص الذي تضمنته الصحيحة ناظر إلى هذه الصورة.

أمّا من يكتفي بمجرد السماع الذي هو محل الكلام فلا دليل فيه على جواز التتميم ، بل لو نقص البعض استأنف الأذان من الأصل ، لما عرفت من ظهور دليله في سماع الأذان الكامل دون الناقص لنسيان ونحوه.

__________________

(١) فيه إشكال بل منع ، وكذا إذا لم يسمع بعض الأذان أو الإقامة.

(١) في ص ٣٠٧.

(٢) في ص ٣٠٨.

٣١١

وكذا إذا لم يسمع التمام يجوز له أن يأتي بالبقية (١) ويكتفي به.

______________________________________________________

(١) قيل إنّ هذا يفهم من صحيح ابن سنان أيضاً ، وقد عرفت ما فيه فلا دليل على تتميم النقص.

والذي ينبغي أن يقال في المقام : إنّ القدر المتيقن من أدلّة السماع وإن كان هو سماع تمام الفصول ، لكن الاختصاص به كما سبق عن الماتن محل إشكال ، إذ لا يستفاد من المعتبرتين أكثر من مسقطية السماع (١) في الجملة. بل إنّ معتبرة أبي مريم لعلها ظاهرة في كفاية سماع البعض ، لأنّ سماع تمام فصول الأذان والإقامة حال المرور في غاية البعد ، ولو كان فهو من الندرة بمكان (٢). ألا ترى أنّه لو قيل مررت بزيد وهو يقرأ القرآن ، لم ينسبق إلى الأذهان إلا سماع بعض ما يقرأ. ويعضده ما ذكره الفقهاء في باب حد الترخص من كفاية سماع بعض فصول الأذان في حصول الحد.

__________________

إنّا لله وإنّا إليه راجعون

فوجئت وأنا أُعدّ هذه البحوث للطبع بخطب عظيم وكارثة مدهشة ، وهي ارتحال سماحة سيدنا الأُستاذ ( قدس‌سره العزيز ) إلى الفردوس الأعلى ، فأذهلني وقع المصاب وأدهشني عظم الرزية وما حلّ بالأُمة الإسلامية من ثلمة لا يسدها شي‌ء ، فانّا لله وإنّا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

لقد خدم فقيدنا الراحل الإسلام والمسلمين بما يزيد على ثلاثة أرباع القرن وربّى ثلة كبيرة من الفقهاء والمجتهدين ، جيلاً بعد جيل وطبقة بعد اخرى وفيهم من تصدى زمام الفتوى في العصر الراهن ، وآثاره العلمية والعملية في غاية الكثرة ولا تحصيها هذه الوجيزة ، وقد ترجم نفسه بنفسه في معجم رجاله ٢٣ : ٢٠ / ١٤٧٢٧. وكانت ولادته في ١٥ رجب سنة ١٣١٧ الهجرية القمرية ووفاته في يوم السبت الثامن من شهر صفر سنة ١٤١٣ ، فبلغ عمره الشريف ستة وتسعين عاما ، أسأل الله العلي القدير أن يتغمّده برحمته الواسعة ، وأن يلهم الأُمّة الإسلامية والجوامع العلمية الصبر والسلوان إنّه سميع مجيب.

(٢) هذا إذا أُريد من المرور المشي السريع. أمّا المتعارف ولا سيما البطي‌ء منه ولعله الأنسب بحال أبي جعفر عليه‌السلام حيث يحكى انّه كان بديناً ثقيل الجسم ، فسماع تمام الفصول حينئذ لا بعد فيه فلاحظ.

٣١٢

لكن بشرط مراعاة الترتيب (١) ولو سمع أحدهما لم يجزئ للآخر (٢) والظاهر أنه لو سمع الإقامة فقط فأتى بالأذان لا يكتفي بسماع الإقامة لفوات الترتيب حينئذ بين الأذان والإقامة.

الرابع : إذا حكى أذان الغير أو إقامته فانّ له أن يكتفي بحكايتهما (١) (٣).

______________________________________________________

نعم ، سماع تمام الأذان حال المرور بما أنّه مقرون بارتفاع الصوت نوعاً ما أمر ممكن ، أمّا بضميمة الإقامة كما هو مورد المعتبرة فكلا. وحيث إنّ ظاهرها أنّه عليه‌السلام كان مشغولاً بهما حال المرور لا أنّه ابتدأ وشرع ، والمفهوم من ذلك عرفاً أنّه عليه‌السلام مرّ في أواسط الأذان أو أواخر ثم سمع بعض فصول الإقامة ، فلا جرم كان المسموع ملفّقاً من بعض منهما. ونتيجة ذلك كفاية سماع بعض الفصول في السقوط.

والمتحصل : أنّه لا دليل على اعتبار سماع جميع الفصول ، بل يكفي سماع البعض من غير حاجة إلى التتميم ، فالمقتضي لسماع التمام قاصر في حدّ نفسه ، ومع التسليم ولزوم سماع الجميع فلا دليل على التتميم لدى سماع البعض ، لاختصاصه بغير المقام.

نعم ، بما أنّ السقوط على سبيل الرخصة فله أن لا يكتفي بسماع البعض ويستأنف الأذان بنفسه من أوّله.

(١) لإطلاق دليله بعد وضوح عدم معارضته بنصوص المقام الساكتة عن هذه الجهة.

(٢) إذ لا دليل على الاجزاء ، فالمتبع إطلاق دليل الآخر.

(٣) يقع الكلام تارة في استحباب الحكاية ، وأُخرى في الكفاية. فهنا جهتان :

أمّا الجهة الاولى : فلا ينبغي التأمل في الاستحباب ، لدلالة جملة من‌

__________________

(١) فيما إذا قصد بها التوصل إلى الصلاة لا مطلقاً.

٣١٣

النصوص المعتبرة عليه ، معللاً في بعضها بأنّها ذكر الله وهو حسن على كل حال.

فمنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا سمع المؤذّن يؤذّن قال مثل ما يقوله في كل شي‌ء » (١).

ومنها : صحيحته الأُخرى عنه عليه‌السلام « أنه قال له : يا محمد بن مسلم لا تدعنّ ذكر الله عز وجل على كل حال ، ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عز وجل ، وقل كما يقول المؤذّن » (٢).

ومنها : صحيحة زرارة قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما أقول إذا سمعت الأذان؟ قال : اذكر الله مع كل ذاكر » (٣).

ونحوها غيرها مما دل على الاستحباب في جميع الأحوال حتّى لدى التخلّي ، بل في بعضها أنه يزيد في الرزق (٤) وإن كان السند مخدوشاً.

وكيف ما كان ، فلا إشكال كما لا خلاف في الاستحباب ، بل عليه الإجماع في غير واحد من الكلمات.

وأمّا الجهة الثانية : أعني الكفاية والاجتزاء بالحكاية ، فلم يرد فيها نص حتى رواية ضعيفة ، فلا بد إذن من الجري على طبق القاعدة.

فنقول : إن كان المحكي مجرد اللفظ من دون قصد المعنى لا تفصيلاً ولا إجمالاً ، فاستحباب مثل هذه الحكاية فضلاً عن الكفاية محل تأمل بل منع ، ضرورة أنّها لا تعدو عن كونها مجرد لقلقة اللسان ، ومثلها لا يكون مصداقاً لذكر الله المشار إليه في تلك النصوص ، فكيف يكون مشمولاً لها.

وإن كان المحكي هو المعنى ولو على سبيل الإجمال كما لعله الغالب في من لم‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٥ : ٤٥٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ٤٥ ح ١ ، ٢.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٥٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٤٥ ح ٥.

(٤) الوسائل ١ : ٣١٤ / أبواب أحكام الخلوة ب ٨ ح ٣.

٣١٤

[١٣٩٦] مسألة ٤ : يستحب حكاية الأذان عند سماعه (١) سواء كان أذان الإعلام أو أذان الإعظام (٢) أي أذان الصلاة جماعة أو فرادى مكروهاً (٣) كان أو مستحباً ، نعم لا يستحب حكاية الأذان المحرّم (٤).

______________________________________________________

يحسن اللغة العربية ، حيث إنّهم يأتون بتلك الألفاظ ويقصدونها على ما هي عليها من المعاني ، وحينئذ فتارة يقصد بها الحاكي مجرد ذكر الله ، وأُخرى أذان الصلاة.

فعلى الأوّل ، فإن بنينا على السقوط بمطلق السماع ولو بغير قصد التوصل إلى الصلاة ثم قصدها ، قلنا به في المقام أيضاً ، بيد أنّ السقوط حينئذ يكون بالسماع لا بالحكاية لسبقه عليها بطبيعة الحال ، فيكون الأثر مستنداً إلى أسبق العلل.

وإن بنينا على اختصاصه بالقصد المزبور كما ربما يظهر من المتن وهو الصحيح ، وسيجي‌ء البحث حوله ، فلا سقوط.

وعلى الثاني ، كفى وليس عليه الأذان مرّة أُخرى ، إلا أنّ التعبير حينئذ بالسقوط كما ترى ، إذ المفروض أنّه أتى بأذان تام حاو لكلّ ما يعتبر فيه ، غير أنّه جعل فصول أذانه تبعاً للغير ومقرونة بالحكاية عنه ، ومن البيّن عدم اشتراط الأذان بالاستقلال وعدم متابعة الغير لإطلاق الدليل. إذن فالمتجه التفصيل على النهج الذي عرفت.

(١) كما عرفت.

(٢) لإطلاق النصوص ، وكذا فيما بعده من غير فرق في الجماعة بين الامام والمأموم.

(٣) بمعنى قلة الثواب كما في سائر العبادات المكروهة ، والمراد به موارد السقوط عن رخصة ، حيث تكون مرتبة الاستحباب أضعف فيها من غيرها.

(٤) أي الأذان غير المشروع ، كالأذان قبل دخول الوقت ، أو في موارد السقوط عزيمة ، هذا.

٣١٥

والمراد بالحكاية أن يقول مثل ما قال المؤذّن (١) عند السماع من غير فصل معتد به (٢) وكذا يستحب حكاية الإقامة أيضاً (٣).

______________________________________________________

ولا ينبغي الإشكال في الاستحباب فيما إذا كانت الحكاية بقصد مطلق الذكر ، فانّ ذكر الله حسن على كل حال ، فيشمله قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة المتقدمة : « اذكر الله مع كل ذاكر » إذ لا قصور في شمول إطلاقه للمحكي المحرّم ، ضرورة أنّ الصادر من الحاكي لم يكن إلا ذكر الله الذي هو حسن في جميع الأحوال حتى في حال صدور المعصية من الغير إما شكراً أو زجراً ، فانّ مقتضى العبودية أن لا ينسى العبد ربه ، ويذكره حيثما كان ، فالأذان المحرّم الصادر من الغير يكون مذكّراً للحاكي.

وبالجملة : فحكاية الأذان المزبور فيما عدا الحيعلات لا ينبغي الشك في رجحانه من باب الذكر المطلق.

وأمّا الحكاية بقصد الأذان بوصفه العنواني ، فلا دليل على استحبابه لانصراف النصوص عنه جزماً ، إذ لا ينبغي التأمل في أنّ موردها الأذان المشروع لا غير.

(١) كما أُشير إليه في النصوص.

(٢) كما هو ظاهر المعية في صحيحة زرارة ، وكذا التفريع بقوله : « ... فاذكر الله » في صحيحة ابن مسلم ، وظهور اداة الشرط في صحيحته الأُخرى في كونها شرطية زمانية ، أي وقت السماع لا بعد فصل معتد به ، فإنه حينئذ أذان مستقل لا حكاية له فلا تشمله النصوص.

(٣) لا ينبغي الارتياب في الاستحباب بعنوان الذكر المطلق فيما عدا الحيعلات الذي هو حسن على كل حال كما تقدم.

وأمّا حكاية الإقامة بوصفها العنواني فلا دليل على استحبابها ، لاختصاص مورد النصوص بالأذان الظاهر فيما يقابل الإقامة ، فإنه وإن يطلق أحياناً على‌

٣١٦

لكن ينبغي إذا قال المقيم « قد قامت الصلاة » أن يقول هو : « اللهم أقمها وأدمها واجعلني من خير صالحي أهلها » (١) والأولى تبديل الحيعلات بالحولقة (٢) بأن يقول « لا حول ولا قوة إلا بالله ».

[١٣٩٧] مسألة ٥ : يجوز حكاية الأذان وهو في الصلاة (٣)

______________________________________________________

ما يشملها ، ولكنه بمعونة القرينة المفقودة في المقام ، بل لعل فيه ما يشهد بالعدم ، فان المنسبق من قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن مسلم : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا سمع ... » (١) إلخ أنّ السماع لم يكن على الدوام ، بل في بعض الأحيان ، وأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في الأوقات التي يسمع يحكي ، وأما الإقامة فهي بمحضره صلى‌الله‌عليه‌وآله دائماً ، فالتعبير المزبور يتناسب مع خصوص الأذان كما لا يخفى.

وأوضح منها صحيحته الأُخرى (٢) ، إذ الإقامة لا نداء فيها وإنّما هو من خواص الأذان حيث يستحب فيه رفع الصوت. نعم أفتى جماعة من الأصحاب باستحباب الحكاية في الإقامة ، ولا بأس به بناءً على قاعدة التسامح وشمولها لفتوى الفقيه ، وكلاهما في حيّز المنع.

(١) هذا لا بأس به من باب الذكر المطلق ، وأمّا التوظيف فلا دليل معتبر عليه ، نعم ورد ذلك في مرسلة دعائم الإسلام (٣) ولا مانع من الالتزام به بناءً على قاعدة التسامح.

(٢) لا دليل عليه عدا مرسل الدعائم (٤) ويجري هنا أيضاً ما عرفت.

(٣) لعدم خروج المحكي عن كونه مصداقاً للذكر فيشمله قوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي : « كلّ ما ذكرت الله عز وجل به والنبي ( صلى‌الله‌عليه‌وآله )

__________________

(١) ، (٢) المتقدمة في ص ٣٠٩.

(٣) المستدرك ٤ : ٥٩ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٤ ح ٦ ، الدعائم ١ : ١٤٥.

(٤) المستدرك ٤ : ٥٨ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٤ ح ٥ ، الدعائم ١ : ١٤٥.

٣١٧

لكن الأقوى حينئذ تبديل الحيعلات بالحولقة (١) ،

[١٣٩٨] مسألة ٦ : يعتبر في السقوط بالسماع عدم الفصل الطويل بينه وبين الصلاة (٢)

______________________________________________________

فهو من الصلاة » (١) فلا بأس به من باب الذكر المطلق ، وأمّا من باب الحكاية بوصفها العنواني ، فالظاهر أنّ الأدلة قاصرة الشمول لحال الصلاة.

أوّلاً : لأجل الانصراف ، فانّ المستفاد من الأدلة أنّ المناط في استحباب الحكاية هو انتباه الغافل والاشتغال بذكر الله الذي هو حسن على كل حال ، كما تضمنته تلك النصوص ، فلا تشمل من هو متشاغل بذكر الله ومتوجه إليه بتلبسه بالصلاة ، وكيف يشمل قوله في صحيح ابن مسلم : « وأنت على الخلاء » ، وفي صحيح زرارة « ما أقول ... » إلخ ، مَن هو مشغول بذكر الله. فلا ينبغي الإشكال في انصراف الأخبار عن المقام ونحوه ممن هو مشغول بالعبادة من دعاء أو قرآن ونحوهما.

وثانياً : مع التسليم فهي قاصرة الشمول لخصوص الحيعلات ، لخروجها عن الأذكار وكونها من كلام الآدمي المبطل ، فكيف يكون مثله مشمولاً لها.

ودعوى أنّ إطلاق الاستحباب لفصول الأذان يستوجب ارتكاب التقييد في دليل البطلان ، في غاية السقوط ، ضرورة أنّ الاستحباب لا يقاوم البطلان ليستوجب التقييد ، وإلا لساغ بل استحب التكلم أثناء الصلاة لقضاء حاجة المؤمن أو إنشاد الضالة ، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو كما ترى.

(١) قد عرفت أنّ الأظهر عدم جواز الحيعلات ، وأمّا التبديل المزبور فمستنده مرسلة الدعائم ، ولا بأس به من باب قاعدة التسامح أو مطلق الذكر.

(٢) لقصور المقتضي للسقوط مع الفصل الطويل ، فإنّ معتبرة أبي مريم (٢)

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٢٦ / أبواب التسليم ب ٤ ح ١.

(٢) المتقدمة في ص ٣٠٨.

٣١٨

[١٣٩٩] مسألة ٧ : الظاهر عدم الفرق بين السماع والاستماع (١).

[١٤٠٠] مسألة ٨ : القدر المتيقن من الأذان الأذان المتعلق بالصلاة (٢) فلو سمع الأذان الذي يقال في اذن المولود أو وراء المسافر عند خروجه (٣) إلى السفر ، لا يجزئه.

[١٤٠١] مسألة ٩ : الظاهر عدم الفرق بين أذان الرجل والمرأة (١) (٤).

______________________________________________________

حكاية فعل لا إطلاق له يشمل صورة الفصل ، والقدر المتيقن عدمه ، وموثقة عمرو بن خالد (١) تضمنت فاء التفريع في قوله عليه‌السلام : « فقال : قوموا ... » إلخ ، ومع الغض فهي أيضاً حكاية فعل لا إطلاق له.

ويعضده : أنّ اعتبار عدم الفصل بين الأذان والصلاة يقتضي اعتبار عدمه في السماع الذي هو بدله أيضاً كما لا يخفى.

(١) فانّ القدر المتيقن من الحكم وإن كان هو صورة الاستماع ، لكنّ الوارد في موثقة ابن خالد عنوان السماع الذي هو أعم منه فتكون العبرة به.

(٢) فإنّه المنسبق من نصوص الباب ، ويعضده ذكر الإقامة معه فيها. على أنّها حكاية فعل لا إطلاق له ليشمل غيره كما تقدم.

(٣) يظهر من العبارة المفروغية عن مشروعية هذا الأذان ، وهو وإن اشتهر وشاع ، بل استقر عليه العمل ، ولكنه لم يرد في الأخبار ولا في كلمات علمائنا الأبرار كما نص عليه في الجواهر (٢) ، ولا بأس به من باب الذكر المطلق دون التوظيف.

(٤) فيه إشكال بل منع ، لانصراف النصوص إلى أذان الرجل لا سيما ولم يعهد أذان المرأة جهراً بحيث يسمعها السامع حتى في عصرنا عصر التبرج‌

__________________

(١) في جواز اكتفاء الرجل بأذان المرأة إشكال ، بل منع.

(١) المتقدمة في ص ٣٠٩.

(٢) الجواهر ٩ : ١٤٩.

٣١٩

إلا إذا كان سماعه على الوجه المحرّم أو كان أذان المرأة على الوجه المحرّم (١).

[١٤٠٢] مسألة ١٠ : قد يقال يشترط في السقوط بالسماع أن يكون السامع من الأول قاصداً للصلاة ، فلو لم يكن قاصداً وبعد السماع بنى على الصلاة لم يكف في السقوط ، وله وجه (١) (٢).

______________________________________________________

فكيف بعصر التستر. ومع الغض فلا ينبغي التأمل في أنّ مورد الأخبار هو أذان الرجال ، وأمّا أذان الجار في موثقة عمرو بن خالد (١) فهو حكاية فعل يراد به شخص معهود لا محالة ، ولم تكن العبارة هكذا : أذان الجار لينعقد له الإطلاق ، بل الوارد « جاركم » ولا إطلاق له كما عرفت.

(١) لوضوح انصراف النصوص عن السماع أو الأذان المحرّمين ولا أقل من عدم إطلاق يشملهما.

(٢) وجيه ، إذ لا إطلاق في الأدلة يعوّل عليه ، فانّ العمدة كما تقدم (٢) معتبرة أبي مريم وموثقة ابن خالد وكلتاهما حكايتان عن قضيّتين خارجيتين إحداهما سماع أذان الصادق عليه‌السلام والأُخرى سماع أذان الجار ، والقدر المتيقن منهما لولا الظهور فيه قصد السامع للصلاة لا أنّه بدا له فيها كما لا يخفى.

__________________

(١) بل هو الأوجه.

(١) المتقدمة في ص ٣٠٩.

(٢) في ص ٣٠٨.

٣٢٠