موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٣

الشيخ مرتضى البروجردي

لكن إذا كان الفضاء الواقع فيه السقف مغصوباً أو كان الفضاء الفوقاني الذي يقع فيه بدن المصلي مغصوباً بطلت في الصورتين (١) (١).

______________________________________________________

أما في الفرض الأخير فلا ينبغي الإشكال في الصحة ، فإن مجرد وجود قطعة مغصوبة من الأرض مسامتة للسقف من دون مساس له بها لا موجب لتوهم الحكم بالبطلان من أجلها ، فإنّ حالها حال من صلى في غرفة مباحة مثلاً وفيها شي‌ء مغصوب من كتاب ونحوه.

وأما في الفرض الأول فربما يقال بالصحة أيضاً من جهة منع صدق التصرف في الغصب ، بل غايته الانتفاع به ولا دليل على حرمة الانتفاع بمال الغير ما لم يتحقق معه التصرف ، لاختصاص الأدلة بالثاني دون الأول.

لكنه كما ترى ، فانّ مجرد الانتفاع وإن لم يكن حراماً كالاصطلاء بنار الغير ، أو الاستضاءة بنوره ، أو الاستظلال بجداره ، أو النظر أو الشم ونحو ذلك مما قامت السيرة القطعية على جوازها ، لكن المتحقق في المقام زائداً على ذلك هو عنوان التصرف ، ضرورة أنّ الاعتماد على السقف المعتمد على المكان المغصوب تصرّف في ذاك المكان لكونه اعتماداً عليه ، والاعتماد في أمثال المقام من أظهر أنحاء التصرف ، غايته أنه مع الواسطة لا بدونها ، وقد مرّ قريباً عدم الفرق في صدقه بين كونه مع الواسطة أو بدونها. فالإنصاف أنّ منع صدق التصرف في مثل المقام مكابرة ظاهرة. وعليه فتبطل الصلاة بلحاظ حال السجود ، لتقومه بالوضع والاعتماد المتحد مع الغصب ، فانّ الاعتماد الحاصل حال السجود بعينه تصرّف في المكان المغصوب الواقع تحت السقف كما عرفت. فما أُفيد من التفصيل في المتن هو الصحيح.

(١) تعرّض قدس‌سره لفرعين :

أحدهما : ما إذا كان الفضاء الواقع فيه السقف ، أي الفضاء المتخلل بين الطابق الفوقاني والطابق التحتاني مغصوباً مع إباحة نفس الطابقين.

__________________

(١) يظهر حكم ذلك ممّا تقدّم.

٢١

[١٣٢١] مسألة ٣ : إذا كان المكان مباحاً وكان عليه سقف مغصوب فان كان التصرف في ذلك المكان يعدّ تصرفاً في السقف بطلت الصلاة فيه (١) وإلا فلا ، فلو صلى في قبة سقفها أو جدرانها مغصوب ، وكان بحيث لا يمكنه الصلاة فيها إن لم يكن سقف أو جدار ، أو كان عسراً وحرجاً كما في شدة الحرّ وشدة البرد بطلت الصلاة ، وإن لم يعدّ تصرفاً فيه فلا ، ومما ذكرنا ظهر حال الصلاة تحت الخيمة المغصوبة ، فإنها تبطل إذا عدّت تصرّفاً في الخيمة ، بل تبطل على هذا إذا كانت أطنابها أو مساميرها غصباً كما هو الغالب ، إذ في الغالب يعدّ تصرّفاً فيها ، وإلا فلا (١).

______________________________________________________

ثانيهما : ما إذا كان موقف المصلي مباحاً إلا أنّ الفضاء الفوقاني الذي يشغله بدن المصلي الواقع فوق سطح الموقف مغصوب وقد حكم قدس‌سره بالبطلان في كلتا الصورتين ، وكأنه لصدق التصرف في الفضاء في الأول ، وللاتحاد مع الغصب في الثاني ، لكن الظاهر الصحة فيهما كما يعلم وجهه مما مرّ ، لمنع صدق التصرف في الأول بعد عدم الاعتماد إلا على السقف المعتمد على الأرض المباحة على الفرض ، لا على الفضاء المغصوب ، فان الاعتماد عليها لا عليه كما لا يخفى.

وأما الثاني : فلأن المناط في بطلان الصلاة اتحادها مع الغصب في السجود خاصة كما عرفت ، ولا اتحاد فيه بعد فرض إباحة سطح المكان الذي يقع عليه السجود ويعتمد عليه ، وإن كان الفضاء الذي يشغله البدن مغصوباً ، نعم بناءً على التعدي من السجود إلى بقية الأجزاء الصلاتية ، ودعوى الاتحاد في جميعها المبني على القول بالامتناع ، كان الحكم بالبطلان في محلّه ، لكنه خلاف التحقيق.

(١) فصّل قدس‌سره في من صلى تحت سقف مغصوب أو خيمة مغصوبة‌

__________________

(١) الأظهر صحة الصلاة في جميع الصور المذكورة في المتن.

٢٢

[١٣٢٢] مسألة ٤ : تبطل الصلاة على الدابة المغصوبة (١) (١) بل وكذا إذا كان رحلها أو سرجها أو وطاؤها غصباً ، بل ولو كان المغصوب نعلها.

______________________________________________________

مع إباحة نفس المكان والفضاء بين ما إذا عدّ ذلك تصرفاً في السقف أو الخيمة عرفاً ، كما لو كان بحيث لا يمكنه الصلاة إلاّ تحت السقف أو الخيمة لشدة الحر أو البرد ونحوهما مما يوجب العسر أو الحرج في إيقاع الصلاة خارج ذاك المكان ، فيحكم بالبطلان وإلا فالصحة ، وكذا الحال في أطناب الخيمة أو مساميرها لو كانت مغصوبة.

ويتوجه عليه أوّلاً : منع الصغرى ، لعدم صدق التصرف ، ومجرد التوقف المزبور وعدم التمكن من الصلاة إلا تحته لا يحققه ، بل غايته الانتفاع بالغصب كما لو لم يتمكن من الصلاة إلا في ظل جدار الغير ولا دليل على حرمة الانتفاع بمال الغير بما هو انتفاع ، فان المحرّم بحسب الأدلة ليس إلا أحد عناوين ثلاثة : إما إتلاف مال الغير ، أو الاستيلاء عليه ، أو التصرف فيه ، والصلاة تحت السقف لم يكن في شي‌ء منها ، وإنما هو انتفاع بحت ولم يقم دليل على حرمته بما هو كما عرفت.

وثانياً : منع الكبرى ، إذ ليس كل تصرّف محرّم موجباً للبطلان ما لم يتحد مع الصلاة ولا اتحاد معها في المقام بلحاظ حال السجود الذي هو المعيار في البطلان على المختار كما مرّ غير مرّة ، إذ المفروض إباحة المسجد والتصرف في الخيمة غير متحد معه بالضرورة.

نعم بناء على مسلك الماتن تبعاً للمشهور من كفاية الاتحاد في مطلق الأجزاء دون السجود خاصة اتجه البطلان حينئذ كما لا يخفى.

(١) فإنها كالصلاة على الفرش المغصوب المفروش على الأرض المباحة التي مرّ عدم الفرق بينه وبين نفس الأرض في صدق التصرف في الغصب ، وكذا‌

__________________

(١) إذا كانت السجدة بالإيماء فالحكم بالصحة لا يخلو من قوّة.

٢٣

[١٣٢٣] مسألة ٥ : قد يقال ببطلان الصلاة على الأرض التي تحتها تراب مغصوب ولو بفصل عشرين ذراعاً وعدم بطلانها إذا كان شي‌ء آخر مدفوناً فيها ، والفرق بين الصورتين مشكل ، وكذا الحكم بالبطلان ، لعدم صدق التصرف في ذلك التراب أو الشي‌ء المدفون ، نعم لو توقف الاستقرار والوقوف في ذلك المكان على ذلك التراب أو غيره يصدق التصرف ويوجب البطلان (١).

______________________________________________________

الحال في الرحل أو السرج أو الوطاء ، بل وكذا النعل إذا كان شي‌ء منها مغصوباً كما مرّ من عدم الفرق في الصدق المزبور بين ما كان مع الواسطة أو بدونها.

لكن هذا كله فيما إذا صلى مع السجود مع كون مسجده مغصوباً ، أي يكون معتمداً في سجدته على الشي‌ء المغصوب ، وأما لو صلى مومئاً أو كان مسجده بالخصوص مباحاً فلا وجه للبطلان حينئذ ، لما مرّ غير مرّة من أنّ المدار في الفساد هو الاتحاد ، نعم بناء على التعميم كما هو المشهور اتجه البطلان على الإطلاق.

(١) حكى قدس‌سره عن بعض التفصيل بين التراب المغصوب الواقع تحت الأرض المباحة ولو بفصل عشرين ذراعاً ، وبين ما إذا كان مغصوب آخر مدفوناً فيها فحكم بالبطلان في الأول دون الثاني.

واعترض قدس‌سره عليه بعدم الفرق بين الصورتين وأن الحكم هو الصحة فيهما ، لمنع صدق التصرف إلا إذا توقف الاستقرار والوقوف في ذلك المكان على وجودهما بحيث صدق معه التصرف فيهما ، فالحكم حينئذ البطلان في كلتا الصورتين.

وما أفاده قدس‌سره في محلّه ، فانّ مجرّد وجود التراب تحت الأرض من دون توقف الاستقرار عليه بحيث كان وجوده كعدمه لا يحقق صدق التصرف بالاعتماد ولو مع الواسطة كما هو الحال في المدفون بعينه ، فالحال فيهما كما لو‌

٢٤

[١٣٢٤] مسألة ٦ : إذا صلى في سفينة مغصوبة بطلت (١) وقد يقال بالبطلان إذا كان لوح منها غصباً ، وهو مشكل على إطلاقه ، بل يختص البطلان بما إذا توقف (١) الانتفاع بالسفينة على ذلك اللوح.

______________________________________________________

كان تحت الأرض خالياً عن كل منهما لفرض التساوي بين الوجود والعدم ، وحصول الاستقرار في ذاك المكان على كل حال. نعم لو كان الوقوف والاستقرار منوطاً به صدق معه التصرف المزبور واتجه البطلان حينئذ من دون فرق أيضاً بين الصورتين.

لكن البطلان مختص بصدق التصرف المزبور حالة السجود خاصة ، وإلا كما لو صلى مومئاً أو لم يكن في سجوده معتمداً على ذلك التراب أو المدفون صحت صلاته حينئذ كما مرّ مراراً.

(١) إذ لا فرق بينها وبين الأرض المغصوبة في صدق التصرف فيجري فيها ما يجري فيها ، فان قلنا هناك بالبطلان على الإطلاق للالتزام بالامتناع كما هو المشهور ، قلنا به في المقام أيضاً ، وإن خصصناه بذات السجود وحكمنا بالصحة للفاقدة له مع الإيماء إليه للالتزام بالجواز وعدم حصول الاتحاد في أجزاء الصلاة ما عدا السجود كما هو المختار ، جرى ذلك هنا أيضاً كما هو ظاهر ، هذا فيما إذا كانت السفينة كلها مغصوبة.

وأما إذا كان لوح منها مغصوباً فقد حكى في المتن عن بعضٍ القول بالبطلان ، ثم استشكل في إطلاقه وخصّه بما إذا توقف الانتفاع بالسفينة على ذلك اللوح ، ولعله يريد صدق التصرف حينئذ وإن كان خلاف ظاهر العبارة.

وكيف كان فقد ظهر مما مرّ الحكم بالصحة حتى في هذه الصورة إذا لم يسجد على ذاك اللوح ، والحكم بالبطلان لو سجد عليه ولو في غير هذه الصورة فالعبرة به لا بصدق الانتفاع.

__________________

(١) بل يختص بما إذا كان اللوح مسجداً.

٢٥

[١٣٢٥] مسألة ٧ : ربما يقال ببطلان الصلاة على دابة خيط جرحها بخيط مغصوب وهذا أيضاً مشكل. لأن الخيط يعدّ تالفاً (١) ويشتغل ذمة الغاصب بالعوض إلا إذا أمكن ردّ الخيط إلى مالكه مع بقاء ماليته (١).

[١٣٢٦] مسألة ٨ : المحبوس في المكان المغصوب يصلي فيه قائماً (٢) مع الركوع والسجود إذا لم يستلزم تصرفاً زائداً على الكون فيه على الوجه المتعارف كما هو الغالب ، وأما إذا استلزم تصرفاً زائداً فيترك ذلك الزائد ويصلي بما أمكن من غير استلزام.

______________________________________________________

على أنه بمجرده لا حرمة فيه ما لم يتحقق معه التصرف إلا أن يريد منه ذلك كما أشرنا إليه.

(١) أما إذا عدّ الخيط تالفاً بحيث انتقل الضمان إلى القيمة فلا ينبغي الإشكال في الصحة لعدم بقاءٍ للعين على الفرض ، فلا موضوع للغصب كي يتحقق التصرف فيه ويبحث عن اتحاده مع الصلاة وعدمه.

وأما مع بقائه وإمكان الردّ على ما هو عليه من المالية فالظاهر أيضاً هو الصحة ، إذ لا تعدّ الصلاة على الدابة بل ولا الكون عليها تصرّفاً في ذلك الخيط بل ولا انتفاعاً به ، إذ ليس هناك نفع يعود إلى الراكب وإن انتفعت به الدابة ، فوجوده وعدمه بالنسبة إليه على حدّ سواء ، وليس نظير الاستظلال بجدار الغير أو الاستضاءة بنوره كما لا يخفى.

(٢) فإنه بعد اضطراره إلى إشغال الفضاء بالمقدار المعادل لحجم بدنه وإيقاع ثقله على الأرض بما يعادل وزنه وعدم اختلاف ذلك كمّاً ولا كيفاً باختلاف الطوارئ والهيئات ، من القيام والقعود والركوع والسجود والاضطجاع والاستلقاء وغيرها من سائر الأنحاء ، بل هو في جميع تلك الحالات على حد سواء ، ولم يختص اضطراره بأحد تلك الأكوان كما هو المفروض فلا محالة‌

__________________

(١) وعلى تقدير عدم عدّه من التالف تصحّ الصلاة أيضاً.

٢٦

يتخير عقلاً بين الجميع لتساوي نسبة الغصب إلى الكل وعدم زيادة بعضها على بعض بشي‌ء.

ونتيجة ذلك وجوب الإتيان بصلاة المختار المشتملة على الركوع والسجود ، لعدم المانع عنها بعد استكشاف العقل بمقتضى الاضطرار المتعلق بجامع الكون في المكان المغصوب الترخيص العام لجميع تلك الافعال.

نعم ، هذا فيما إذا لم تستلزم تلك الصلاة تصرفاً زائداً على ما يقتضيه الكون في ذلك المكان ، وإلا كما لو حبس في قبة بعضها مفروش واستلزم الصلاة على غير المفروش منها السجود على الفرش المغصوب انتقل حينئذٍ إلى الصلاة إيماءً وسقطت الصلاة الاختيارية ، إذ السجود على الفرش تصرف زائد على ما تقتضيه طبيعة الكون في ذاك المكان الذي هو مصبّ الاضطرار دون التصرف في الفرش ، والضرورات تقدّر بقدرها.

وعلى الجملة : في فرض عدم استلزام الصلاة الاختيارية تصرّفاً زائداً على البقاء في المحبس وجبت وتعيّنت لما عرفت من أنّ الجسم لا يشغل من الفضاء أكثر من حجمه ، ولا يستوجب ثقلاً على الأرض أكثر من وزنه ، واختلاف الطوارئ والهيئات كيف ما اتفقت لا يؤثر فرقاً في شي‌ء من هاتين الجهتين بحكم العقل الكاشف عن أنّ الترخيص الشرعي في البقاء في ذلك المكان بمناط الاضطرار بعينه ترخيص في تلك الأفعال وإحداث تلك الهيئات بعد إذعانه بأنها من لوازم الوجود ولا تعدّ من التصرف الزائد.

فإن قلت : هذا إنما يستقيم بالإضافة إلى التصرف في الفضاء وأما بلحاظ التصرف في الأرض نفسها فكلاّ ، بداهة أنّ المصلي في حال القيام لا يتصرف في نفس الأرض إلا بمقدار موضع قدميه ، وأما في حال الجلوس فيتسع التصرف بمقدار مجلسه وبطبيعة الحال يكون الاتساع حال السجود أكثر ، وهذه تصرفات زائدة على ما يقتضيه طبع الكون في المكان الذي تعلق به الاضطرار. وبعبارة اخرى إشغال الفضاء لا يتغير عما هو عليه في شي‌ء من الأحوال‌

٢٧

وأما المضطر إلى الصلاة في المكان المغصوب فلا إشكال في صحة صلاته (١)

______________________________________________________

بالبرهان المتقدم ، وأما إشغال الأرض فتغيره بذلك غير قابل للإنكار.

قلت : التصرف في الأرض الذي هو أمر في قبال الاستيلاء والإتلاف كما مرّ لا نعقل له معنى عدا إشغال الفضاء المجاور لها الذي لا يختلف الحال فيه ولا يتغير عما هو عليه باختلاف الطوارئ ، والهيئات باعتراف الخصم ، وأما مجرّد المماسة مع سطح الأرض فهي وإن اختلفت سعة وضيقاً ولم تكن من لوازم الكون كما ذكر لكنها بما هي مماسة لا تعدّ تصرفاً في الأرض بالضرورة وإلاّ لزم على المحبوس اختيار الوقوف على الجلوس مهما أمكن ، بل اختيار الوقوف على إحدى قدميه بقدر الإمكان تقليلاً للمماسة ، وليس كذلك قطعاً كما لا قائل به أصلاً.

وبالجملة : المتصرف في الأرض يتحقق معه أُمور ثلاثة : إشغال الفضاء ، وكون ثقله على الأرض ، ومماستها ، ومحقق التصرف هما الأوّلان ، والمفروض عدم تغيرهما عما هما عليه باختلاف الهيئات كما ذكر ، وأما الأخير فهو بمعزل عن الدخل في صدق التصرف كما لا يخفى.

والذي يكشف عن ذلك : أنه لو ركب على الدابة المغصوبة في الأرض المباحة فإن التصرف المحقق للغصب حينئذ إنما هو بجعل ثقله على الدابّة الذي لا يختلف الحال فيه بكونه قائماً عليها أو جالساً أو ساجداً أو نائماً. وأما المماسة فهي وإن اختلفت سعة وضيقاً باختلاف هذه الأفعال لكنها لا تعدّ عرفاً تصرفاً زائداً على الكون عليها بحيث يكون ممنوعاً عن السجود مثلاً زائداً على الكون لزعم أنه إحداث لمماسة زائدة.

والمتحصل من جميع ما ذكر : وجوب الصلاة على المحبوس اختياراً فيما إذا لم يلزم منها تصرف زائد لإباحة السجود له حينئذ ، وإلا فإيماءً.

(١) ربما يقال بعدم الفرق بين المضطر والمحبوس ، إذ الثاني من مصاديق‌

٢٨

[١٣٢٧] مسألة ٩ : إذا اعتقد الغصبية وصلى فتبين الخلاف فان لم يحصل منه قصد القربة بطلت ، وإلا صحت (١).

______________________________________________________

الأول فلا موجب لتخصيص نفي الاشكال في الصحة بالأول ، بل هما واحد إشكالاً ووضوحاً.

أقول : الفرق هو أن المحبوس لم يكن مضطراً إلا إلى الكون في المكان المغصوب ولم يتعلق اضطرار من الجائر بالإضافة إلى الصلاة ، وحيث إن الصلاة لا تسقط بحال فهو بطبيعة الحال مضطر إلى جامع الصلاة الأعم من الاختيارية والاضطرارية ، وحكمه ما مرّ من لزوم اختيار الاولى لو لم تستلزم تصرفاً زائداً ، وإلا فالثانية.

وأما المضطر فمفروض كلامه قدس‌سره أنه مضطر إلى الصلاة في المكان المغصوب لا مجرد البقاء فيه كما في المحبوس ، فكان هناك جائر أجبره على الصلاة بحيث لا يمكنه التخلف عنه ، وظاهره أنّ متعلق الإجبار والاضطرار هي الصلاة الاختيارية ذات الركوع والسجود دون الأعم منها ومن الاضطرارية ، فلو أجبره الظالم على الصلاة الاختيارية أو أُقيمت هناك جماعة من قبل أبناء العامة بحيث لا يمكنه التخلف عنهم ، فلا إشكال حينئذ في صحة مثل هذه الصلاة وإن استلزمت تصرفاً زائداً في الغصب ، لارتفاع حرمته لدى الاضطرار حتى واقعاً ، ومعه لا وجه للحكم بالبطلان كما لو صلى فيه حال النسيان ، لانحصار المانع في الحرمة المفروض سقوطها.

(١) فصّل قدس‌سره حينئذ بين ما إذا لم يحصل منه قصد القربة فتبطل من أجل فقد الشرط ، أعني قصد التقرب المعتبر في تحقق العبادة ، وبين ما إذا حصل وتمشّى منه القصد فالصحة.

وما أفاده قدس‌سره هو الصحيح ، إذ لا مقتضي للبطلان في الثاني بعد حصول القصد وعدم ارتكاب الغصب ، فان المعتبر في صحة العبادة أمران :

٢٩

صلاحية الفعل لأن يتقرب به ، وحصوله بداع قربي ، وكلا الركنين متحقق في المقام.

أما الأول : فلأن المفروض عدم غصبية المكان بحسب الواقع ، واعتقادها لا يغيّر الواقع عما هو عليه ، فلا تقصر الصلاة في هذا المكان عن غيره في صلاحيتها لأن يتقرّب بها.

وأما الثاني : فلأنه المفروض ، إنما الشأن في كيفية تمشّي قصد القربة بعد اعتقاد الغصبية والالتفات إلى الحكم والموضوع.

ويمكن فرضه فيما إذا كان جاهلاً بالحكم الوضعي أعني الفساد فلم يعلم ببطلان الصلاة في الدار المغصوبة ، وإن كان عالماً بالحكم التكليفي وموضوعه.

وقد يقال بالبطلان وإن تمشى منه القصد وحصلت النية ، من جهة أن الفعل المتجرّى به قبيح يستحق عليه العقاب ، فهو حرام بالعنوان الثانوي ، وإن لم يكن كذلك بعنوانه الأولي ، وصدوره منه مبغوض لا محالة ، ولا فرق في عدم إمكان التقرب بالمبغوض ، وعدم كون الحرام مصداقاً للواجب ، بين ما كان كذلك بعنوانه الأوّلي أو الثانوي لوحدة المناط.

وفيه : أنّ هذا وجيه بناء على القول بحرمة التجري شرعاً زائداً على قبحه عقلاً ، لكنه بمعزل عن التحقيق كما فصّلنا القول فيه في الأُصول. (١) وملخّصه : أن تعلق القطع بالشي‌ء لا يوجب تغيره عما هو عليه ، ولا يحدث فيه مصلحة أو مفسدة كي يستكشف منه الحكم الشرعي ، لقيام الملاكات بالموضوعات الواقعية عُلم بها أم جهل ، والقطع طريق بحت وليس بنفسه موضوعاً للحكم ، فلا يقاس بمثل الهتك المتضمن للمفسدة المستتبعة للحكم الذي متى انطبق على موضوع يحدث فيه مفسدة أو يوجب قلب صلاحه إلى الفساد.

نعم ، إنّ هذا الفعل المتجرّى به مضافاً إلى كشفه عن القبح الفاعلي وأنه خبيث الباطن سيّ‌ء السريرة يتصف بالقبح الفعلي بحكم العقل ، فإنه بنفسه‌

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٢٢.

٣٠

مصداق الطغيان على المولى ، والخروج عن زيّ الرقية ومراسم العبودية وتجاسر وتعد عليه ، ولا يشك العقل في قبح هذه العناوين بمحققاتها ، بعين الملاك الذي يدركه في المعصية الحقيقيّة ، إذ لا فرق بينها وبين التجري ، من هذه الجهة أصلاً ، لعدم صلوح المصادفة للواقع وعدمها التي هي أمر خارج عن الاختيار لأن يكون فارقاً بين البابين.

إلا أنّ هذا القبح العقلي لا يمكن أن يستكشف منه الحكم الشرعي بقاعدة الملازمة حتى يثبت بها حرمة الفعل المتجرّى به بالعنوان الثانوي كما ادّعي ، فان مورد القاعدة ما إذا كان الحكم العقلي واقعاً في سلسلة علل الأحكام لا ما إذا كان متأخراً عن الحكم الشرعي وواقعاً في طوله كما في المقام ، حيث إنّ حكم العقل بالقبح المزبور إنما هو بعد فرض ثبوت حكم من قبل الشارع كي تكون مخالفته طغياناً عليه وخروجاً عن زيّ الرقية كما هو الحال في المعصية الحقيقية ، غايته أنّ الحكم المفروض اعتقادي في المقام وواقعي في ذاك الباب وهو غير فارق كما لا يخفى.

فكما أنّ حكم العقل بقبح المعصية يستحيل أن يستتبع حكماً شرعياً وإلا لتسلسل ، إذ ذاك الحكم أيضاً يحكم العقل بقبح عصيانه فيستتبع حكماً شرعياً آخر وله أيضاً معصية أُخرى فيستتبع حكماً آخر وهلمّ جرّا ، فكذا في المقام حرفاً بحرف وطابق النعل بالنعل ، وتمام الكلام في محله.

وعليه فالفعل المتجرّى به باق على ما كان عليه من الجواز بالمعنى الأعم (١) ،

__________________

(١) ليت شعري بعد الاعتراف باتصاف الفعل المتجرّى به بالقبح الفعلي وكونه مصداقاً للطغيان المساوق للمبغوضية الفعلية كيف يمكن اتصافه بالعبادة ، وهل يكون المبغوض محبوباً والمبعّد مقرّباً ، وهل المناط في امتناع اجتماع الأمر والنهي الذي يبنى ( دام ظله ) عليه شي‌ء غير هذا. وعلى الجملة : ما يكون بالحمل الشائع مصداقاً للطغيان وموجباً للخروج عن زيّ الرقية والعبودية ، لا بد وأن يكون مبعّداً ، ومعه لا يعقل أن يكون مقرّبا. ومنه تعرف أنّ الحكم بالبطلان في المقام لا يبتني على استكشاف الحكم الشرعي ليناقش فيه بما

٣١

وأما إذا اعتقد الإباحة فتبين الغصبية فهي صحيحة من غير إشكال (١) (١).

[١٣٢٨] مسألة ١٠ : الأقوى صحة صلاة الجاهل بالحكم الشرعي (٢) وهي الحرمة (٢) وإن كان الأحوط البطلان خصوصاً في الجاهل المقصّر.

______________________________________________________

ولم يكن مصداقاً للحرام حتى بعنوان آخر ، فلا مانع من إمكان التقرب به واتصافه بالعبادية بعد صلوحه لها والإتيان به بداعٍ قربي كما هو المفروض.

(١) حكم قدس‌سره حينئذ بالصحة من غير اشكال ، وهو كذلك فيما إذا قطع بعدم الغصبية أو نسيها أو غفل عنها ، والجامع عدم احتمال الخلاف بحيث تكون الحرمة ساقطة حينئذ حتى واقعاً من جهة امتناع توجيه الخطاب اليه ، كما لعله منصرف كلام الماتن أو ظاهره لمكان التعبير بالاعتقاد فإن الصلاة حينئذ صحيحة بلا إشكال إلا في بعض الصور وهو ما إذا كان الناسي هو الغاصب كما مر لعدم المانع عنها لانحصاره بكون التصرف حراماً ولو واقعاً كي يمتنع أن يكون مصداقاً للواجب والمفروض عدمه كما عرفت.

وأما إذا كان ملتفتاً إلى الغصبية ومحتملاً لها ، بحيث كان الخطاب الواقعي شاملاً له وأمكن توجيهه إليه ولو بجعل الاحتياط الوجوبي أو الاستحبابي ، فالأظهر حينئذ البطلان كما مرّ غير مرّة ، فإن غاية ما يترتب على جهله العذري ارتفاع العقاب ، وإلا فالحرمة الواقعية بحالها وإن ثبتت الحلية ظاهراً ، ومن الواضح امتناع كون الحرام مصداقاً للواجب وعدم كون المبعد مقرّباً.

(٢) أفتى قدس‌سره أوّلاً بصحة صلاة الجاهل بالحكم أعني الحرمة ثم احتاط قدس‌سره أخيراً بالاحتياط الاستحبابي بالإعادة سيّما في الجاهل‌

__________________

أفاده ( دام ظله ).

ودعوى أنّ المناط في الامتناع هو كون المبغوض الشرعي محبوباً لا مطلق المبغوض ولو عقلاً ، غير واضحة.

(١) تقدم الاشكال بل المنع في بعض صوره.

(٢) حكمه حكم الجاهل بالموضوع ، وقد تقدّم.

٣٢

[١٣٢٩] مسألة ١١ : الأرض المغصوبة المجهول مالكها لا يجوز التصرف فيها ولو بالصلاة ، ويرجع أمرها إلى الحاكم الشرعي (١) ، وكذا إذا غصب آلات وأدوات من الآجر ونحوه وعمر بها داراً أو غيرها ثم جهل المالك ، فإنه لا يجوز التصرف ويجب الرجوع إلى الحاكم الشرعي (١).

______________________________________________________

المقصّر.

وهذا كما ترى من غرائب الكلام ، ضرورة أنّ الجاهل المقصّر لا خلاف كما لا إشكال في إلحاقه بالعامد ، لتنجز الواقع عليه بعد عدم كون جهله عذراً له ، فالتصرف الصادر منه زائداً على استحقاقه العقاب عليه متصف بالحرمة الفعلية من جهة تمامية البيان وتقصيره في الفحص والسؤال كما يتفق كثيراً في بعض مسائل الإرث ، وقد صرح هو قدس‌سره بنفسه بالإلحاق المزبور في غير مورد من كلماته مما مرّ ويأتي.

وعليه فلا ريب في البطلان في الجاهل المقصّر ، وإنما الخلاف في الجاهل القاصر الذي لتوهم الصحة فيه مجال كما عليه المشهور ، بدعوى أنه حيث كان معذوراً في ارتكابه لعدم تنجز الواقع عليه بعد وجود المؤمّن الدافع لاحتمال العقاب ، فلا يصدر عنه بصفة المبغوضية ، فلا مانع من صحته ووقوعه عبادة ، وإن ناقشنا في هذه المقالة مراراً وقلنا إن غاية ما يترتب على العذر رفع استحقاق العقاب وإلا فالمبغوضية والنهي الواقعي باقيان على حالهما ، والحرام يمتنع أن يكون مصداقاً للواجب تنجّز أم لا.

وكيف كان ، فمورد الخلاف هو القاصر فقط ، واحتياطه بالإعادة إنما يتجه فيه بعد اختيار مسلك المشهور. وأما المقصّر فالبطلان فيه متعين اتفاقاً ، فلا وجه لتعميم الاحتياط بالنسبة إليه كما هو ظاهر.

(١) ذكر قدس‌سره أنه لا يجوز التصرف في الأرض المغصوبة المجهول‌

__________________

(١) على الأحوط.

٣٣

مالكها ، وكذا آلاتها وأدواتها من الآجر ونحوه إذا كانت مغصوبة ولم يعرف لها مالك ، وذلك لإطلاق دليل المنع عن التصرف في مال الغير من دون إذنه الشامل لصورتي معلومية المالك ومجهوليته.

وذكر قدس‌سره أنه يجب الرجوع حينئذ إلى الحاكم الشرعي الذي هو ولي الغائب والاستئذان منه.

أقول : وجوب الرجوع إلى الحاكم في مثل المقام مبني على ثبوت الولاية المطلقة للفقيه وهو في حيّز المنع ، لقصور الأدلة عن إثبات ذلك كما تعرضنا له في بحث المكاسب (١).

نعم ، يجب الرجوع إليه في كل مورد كان مقتضى الأصل أو الدليل عدم جواز التصرف فيه ، وقد علمنا من الخارج عدم رضا الشارع باهماله والإعراض عنه ، ووجوب التصدي له والقيام به حسبة ، وهذا هو المعبّر عنه بالأُمور الحِسبية ، كما لو كان مال الغير في معرض التلف من غرق أو حرق ونحوهما ، وكما في أموال الأيتام والقاصرين الّذين لم يكن لهم قيّم وولي ، فإنه يجوز أو يجب التصرف والتصدي له ، فينقلب حينئذ مقتضى الأصل الأوّلي إلى الثانوي.

إلا أنّ المتيقن منه ما إذا كان ذلك بإذن الحاكم الشرعي ، لأن الواجب القيام إليه كفايةً ، ومن الجائز اختصاص ذلك بالحاكم ، لاحتمال ثبوت الولاية المطلقة له ، فيدور الأمر بين الاختصاص به أو التعميم له ولغيره ، فيكون من باب الدوران بين التعيين والتخيير ، والمتيقن من الخروج عن مقتضى الأصل الأولي إنما هو بالنسبة إلى الحاكم ، وأما غيره فحيث لا دليل عليه فيبقى تحت الأصل ، ونتيجة ذلك اختصاص التصرف به أو أن يكون باذنه ، فلا يجوز للغير التصدي من دون الرجوع إليه.

__________________

(١) مصباح الفقاهة ٥ : ٣٤.

٣٤

[١٣٣٠] مسألة ١٢ : الدار المشتركة لا يجوز لواحد من الشركاء التصرف فيها إلا بإذن الباقين (١).

[١٣٣١] مسألة ١٣ : إذا اشترى داراً من المال غير المزكّى أو غير المخمّس (٢) يكون بالنسبة إلى مقدار الزكاة أو الخمس فضولياً (١) ، فإن أمضاه الحاكم ولاية على الطائفتين من الفقراء والسادات يكون لهم ، فيجب عليه أن يشتري هذا المقدار من الحاكم ، وإذا لم يمض بطل وتكون باقية على ملك المالك الأول.

______________________________________________________

هذا في غير مجهول المالك ، وأما فيه فلا حاجة للرجوع إليه (١) بعد عموم ما دل على أن المال المجهول مالكه يتصدق به عن صاحبه ويتصرف فيه ، الشامل بإطلاقه للمقام أعني المغصوب ، فإنه إذن من المالك الحقيقي وهو الله تعالى ، فيخرج عن موضوع التصرف في مال الغير بغير إذنه ، لتحقق الاذن كما عرفت ، فلا حاجة إلى الاستئذان من الحاكم. نعم لا ريب أنه أحوط.

(١) لما دل على المنع من التصرف في مال الغير بغير إذنه الشامل بإطلاقه للمال المشاع وغيره.

(٢) مفروض الكلام ما إذا اشترى الدار بعين المال الذي فيه الزكاة أو الخمس بحيث كان نفس المال طرفاً للإضافة في مقام المعاملة ثمناً أو مثمناً ، وأما إذا اشتراها بثمن كلي في ذمته وفي مقام التسليم والوفاء أداه من ذاك المال فلا إشكال حينئذ في الصحة كما لا يخفى.

__________________

(١) الظاهر هو الفرق بين الخمس والزكاة ، فان المال المشترى بما لم يخمّس ينتقل الخمس إليه في مورد التحليل بلا حاجة إلى إمضاء الحاكم ، وأمّا المشترى بما لم يزك فالحكم فيه كما في المتن ، إلا أنّ للمشتري تصحيح البيع بأداء الزكاة من ماله الآخر بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم.

(١) وقد بنى ( دام ظله ) على ذلك في بحث المكاسب أيضاً [ مصباح الفقاهة ١ : ٥٢٢ ] ولكنه عدل عنه في كتاب الخمس واحتاط لزوماً بالاستئذان من الحاكم الشرعي ، لاحظ الخمس من كتابنا [ الخامس ممّا يجب فيه الخمس ، بعد المسألة ٢٩٠٣ ].

٣٥

ويقع الكلام تارة : في المال غير المزكى وأُخرى غير المخمس فهنا مقامان :

أما المقام الأول : فالظاهر من نصوص الباب التي منها قوله عليه‌السلام : ما أنبتته الأرض ففيه الزكاة (١) أنّ الزكاة متعلق بنفس العين ، وإن اختلفوا في أنّ ذلك بنحو الكلي في المعيّن أو الإشاعة وحصول الشركة في العين ، أو الاشتراك في المالية.

وعلى أي حال فظاهر الأصحاب الاتفاق عليه كما يساعده ظواهر النصوص ، بل إنّ في بعضها التصريح بالشركة كما ورد إن الله تعالى شرّك الفقراء مع الأغنياء في أموالهم (٢) فليس ذلك حقاً ثابتاً في الذمة كما في الدين ، بل الحق ثابت في العين نفسها بأحد الأنحاء الثلاثة.

وعليه فلو اشترى بما فيه الزكاة شيئاً ، فبما أنّ مقدار الزكاة باقٍ بعد على ملك الفقراء ، فقد اشترى المبيع بالمال المشترك بينه وبين غيره ، فيتوقف نفوذ البيع الذي هو فضولي بالنسبة إليه على إذنه ، وبما أنّ المالك هو كلي الفقير دون المعيّن كي يعتبر إذنه ، إذ لم يدفع إليه بعد حتى يملكه ، فلا بدّ من الاستجازة من الحاكم الشرعي الذي هو ولي عليهم ، فإن أجاز وأمضى صحّ البيع في الجميع ، وانتقلت الشركة بينه وبين الفقراء من المال الزكوي إلى بدله وهو الدار مثلاً ، وإذا اشترى بعد ذلك حصتهم من الحاكم صار جميع الدار ملكاً له. وأما إذا لم يمض الحاكم ولم يجز البيع بطل بذلك المقدار وبقي على ملك المالك الأول ، هذا.

ويمكنه التخلّص بوجه آخر لا حاجة معه إلى الاستجازة من الحاكم ، وهو أن يؤدّي الزكاة من مال آخر ، إذ لا يعتبر أداؤها من نفس العين وإن كانت متعلقة بها ، كما تدل عليه صريحاً صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل لم يزك إبله أو شاته عامين فباعها ، على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال : نعم تؤخذ منه زكاتها ويتبع بها‌

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٦٧ / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١١ ح ٤. ( نقل بالمضمون ).

(٢) الوسائل ٩ : ٢١٩ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤ ح ٤. ( نقل بالمضمون ).

٣٦

البائع أو يؤدي زكاتها البائع » (١) فان قوله عليه‌السلام « أو يؤدي ... » إلخ صريح في جواز الأداء من غير المال.

وعليه فبعد الأداء وسقوط الزكاة يملك المال بأجمعه وقد وقع عليه عقد قبل ذلك ، فيدخل في كبرى من باع شيئاً ثم ملك ، والأقوى صحته وإن توقف على إجازته كما تعرضنا له في محله (٢).

وأما المقام الثاني : أعني الشراء بمال فيه الخمس ، أو بيع ما فيه الخمس ، والضابط التصرف في المال غير المخمّس بجعله ثمناً أو مثمناً ، أو غير البيع من سائر التصرفات الناقلة من الهبة أو غيرها لاتحاد المناط في الجميع ، فالكلام يقع تارة : من حيث الحكم التكليفي ، وأُخرى : من حيث الحكم الوضعي ، أعني نفوذ المعاملة في المقدار المعادل للخمس وعدمه.

أما الجهة الأُولى : فالظاهر الحرمة ، فإن الخمس كالزكاة متعلق بالعين ، فالمقدار المعادل له ملك للغير ، فيشمله إطلاق ما دل على المنع من التصرف في ملك الغير الشامل للمشترك وغيره ، فالبيع بنفسه أعني إنشاء العقد وإن لم يكن تصرفاً ، إلا أنّ ما يستتبعه من التسليم الخارجي والوفاء والأداء مصداق للتصرف في مال الغير من دون إذنه فيحرم ، ولا فرق بين الخمس والزكاة من هذه الجهة كما لا يخفى لعين ما ذكر. وقد وردت بذلك نصوص كثيرة وفيها المعتبرة حتى أنّ صاحب الوسائل عقد لعدم جواز التصرف في الخمس باباً مستقلا (٣).

وأما الجهة الثانية : فالمشهور عدم نفوذ المعاملة ووقوعها فضولياً فيما يعادل الخمس كما ذكره في المتن فتحتاج إلى إجازة الحاكم ، فإن أمضاها ولاية على السادات وقع لهم فيجب شراء هذا المقدار من الحاكم ، وإلا بطل وبقيت الدار‌

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٢٧ / أبواب زكاة الأنعام ب ١٢ ح ١.

(٢) ربما يظهر من المحاضرات في الفقه الجعفري ٢ : ٤١١ ٤١٢ خلافه.

(٣) الوسائل ٩ : ٥٣٧ / أبواب الأنفال ب ٣.

٣٧

المشتراة بهذا المال مثلاً على ملك المالك الأول في مقدار الخمس ، فهو والزكاة سيّان من هذه الجهة.

لكن الظاهر صحة المعاملة من دون احتياج إلى مراجعة الحاكم الشرعي ، وذلك لمكان أخبار التحليل ، وأنهم عليهم‌السلام أباحوا لشيعتهم التصرف فيما يصل إليهم مما فيه حقوقهم عليهم‌السلام تفضلاً عليهم وإرفاقاً بهم ، كي لا يقعوا في كلفة وضيق من حيث المناكح والمساكن والمتاجر ، فإنه لو كان حقهم فيه يشكل أمر النكاح (١) لو جعل صداقاً. بل لو تزوج الأمة أو اشتراها وكانت بنفسها من الغنائم أدى إلى الزنا ، وكذا المسكن للزوم الغصب ، وكذا الاتجار للزوم دفع المشتري الخمس زائداً على الثمن فيقعوا في ضيق وحرج ، ففسحوا عليهم‌السلام لهم المجال ووسّعوا عليهم وأباحوا لشيعتهم كل ما يقع في أيديهم مما فيه الخمس ، وقد نطقت بذلك جملة وافرة من النصوص وفي بعضها بعد ما سأله السائل بقوله : « جعلت فداك تقع في أيدينا الأموال والأرباح وتجارات نعلم أنّ حقك فيها ثابت ، قال عليه‌السلام : ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم » (٢). وقد عقد لها في الوسائل باباً مستقلا (٣).

هذا ، والمشهور خصّوا مورد التحليل بمن يستحل الخمس ، فحملوا هذه الأخبار على ما إذا وصل المال إلى الشيعة ممن لا يعتقد بالخمس كأبناء العامة ، دون من يعتقد به ولا يؤديه كفسقة الشيعة ، ولم نعرف وجهاً للتخصيص بعد إطلاق الأخبار. وتمام الكلام في محله (٤).

وبالجملة : لا ريب أنّ الخمس كبقية الأحكام واجب على المخالف والموافق ، بل الكفار أيضاً بناء على تكليفهم بالفروع كالأُصول ، وأنه حق متعلق بالعين‌

__________________

(١) يختص الاشكال بل البطلان بالنكاح المنقطع ولا يجري في الدائم كما لا يخفى.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٤٥ / أبواب الأنفال ب ٤ ح ٦.

(٣) الوسائل ٩ : ٥٤٣ / أبواب الأنفال ب ٤.

(٤) العروة الوثقى ٢ : ١٩٩ / ٢٩٧٩.

٣٨

[١٣٣٢] مسألة ١٤ : من مات وعليه من حقوق الناس كالمظالم أو الزكاة أو الخمس لا يجوز لورثته التصرف في تركته (١) ولو بالصلاة في داره قبل أداء ما عليه من الحقوق (١).

______________________________________________________

كما مرّ يتبعها أينما تحققت وإن انتقلت إلى الغير ، ولازمه بطلان النقل بنسبته لكونه تصرفاً في ملك الغير بغير إذنه ، غير أنهم عليهم‌السلام أباحوا حقهم وأذنوا في هذا التصرف ، ولازمه انتقال الحق من العين إلى العوض لو كان له عوض ، وإلا كما في الهبة غير المعوضة ينتقل إلى ذمة مَن عليه الخمس ، سواء أكان ممن يعتقد به أم لا ، فاذا كان الموافق فضلاً عن المخالف له مال فيه الخمس فاشترى به داراً فمقتضى أخبار التحليل صحة هذا البيع ونفوذه من دون حاجة الى مراجعة الحاكم لصدور الاذن العام ممّن هو المالك لأمر الخمس ، أعني الإمام عليه‌السلام فيملك البائع جميع المال أعني الثمن وينتقل الخمس منه إلى بدله أعني الدار ، ولو نقله بلا عوض كما لو وهب المال صح وانتقل الخمس إلى الذمة.

ويؤيد ما ذكرناه من انتقال الخمس إلى العوض : رواية حارث بن حصيرة الأزدي الواردة في من وجد كنزاً فباعه بغنم ، حيث حكم الامام عليه‌السلام بتعلق الخمس بالغنم (١) والرواية وإن كانت ضعيفة السند لكنها مؤيدة للمطلوب.

(١) ذكر قدس‌سره في هذه المسألة أنه لا يجوز التصرف في تركة مَن مات وعليه من حقوق الناس شي‌ء من المظالم أو الزكاة أو الخمس قبل أداء ما عليه من الحقوق ، وذكر ( قدس سرّه ) في المسألة الآتية أنّ من مات وعليه دين‌

__________________

(١) إذا كان الحق ثابتاً في ذمة الميت فالحكم فيه ما نذكره في الفرع الآتي ، وإن كان ثابتاً في الأعيان فلا يجوز التصرف فيها قبل الأداء أو الاستئذان من الحاكم في غير ما كان الحق من الخمس بل فيه أيضاً على الأحوط.

(١) الوسائل ٩ : ٤٩٧ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٦ ح ١.

٣٩

لا يجوز التصرف فيها مع الاستيعاب ، ومع عدمه يجوز بشرط العلم برضا الديّان أو إذنهم فيه ، وكذا إذا كان بعض الورثة قاصراً أو غائباً.

وغير خفي أنّ المسألتين من وادٍ واحد ، فان المظالم أو الزكاة ونحوهما أيضاً من مصاديق الدين ، والكل بعد الموت متعلق بالعين ، فمناط البحث مشترك في الجميع ، ومعه لا حاجة الى عقد مسألتين وإفراد كل منهما بالذكر ، غاية الأمر أنّ الدائن في باب الخمس والزكاة ونحوهما حيث لم يكن شخصاً خاصاً ، إذ المالك هو الجهة أعني عنوان الفقراء أو السادات ، كان التصرف منوطاً بإذن الحاكم الذي هو ولي عليهم ، وفي باب الدين يكون المالك هو الغريم فيعتبر إذنه بخصوصه ، وهذا لا يكون فارقاً في مناط البحث بين البابين كما لا يخفى.

بل يلحق بها الحج ، فإنه أيضاً من مصاديق الدين وحق من الله تعالى متعلق بعد الموت بالعين يجب إخراجه منها كبقية الديون ، فهو أيضاً داخل في محل البحث.

وتفصيل الكلام في المقام : أنّ الأصحاب ( قدّس الله أسرارهم ) بعد اتّفاقهم على انتقال التركة إلى الورثة بمجرد الموت إذا لم يكن وصية ولا دين ، وعلى انتقال ما زاد عليهما مع وجودهما أو أحدهما ، اختلفوا في انتقالها مع الدين المستوعب وانتقال ما يقابل الدين غير المستوعب على قولين ، نسب كل منهما إلى جماعة كثيرين ، وليس أحدهما مشهوراً بالإضافة إلى الآخر.

أحدهما : الانتقال ، فجميع المال ينتقل إلى الوارث بمجرد موت المورّث ، غايته أنّه متعلق لحق الديان ، وكأنّ مبنى هذا القول امتناع بقاء الملك بلا مالك ، فبعد خروجه عن ملك المورّث بمجرد موته لعدم قابليته للملكية حينئذ ، ينتقل إلى ملك الوارث ، وإلا لزم المحذور المزبور.

ثانيهما : عدم الانتقال فيبقى الكل في فرض الاستغراق وبمقدار الدين على ملك الميت ، ولا يملك الورثة إلا ما زاد عليه ، فتحصل الشركة بينهم وبين الميت في العين ، فالدين مانع عن انتقال مقداره إلى الوارث ، لكنه مانع بقاء ما دام هو‌

٤٠