موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٣

الشيخ مرتضى البروجردي

وأورد عليهما في المدارك (١) على ما نقله في الحدائق (٢) بضعف السند والدلالة ، وقد تعجب صاحب الحدائق قدس‌سره من تضعيف الأُولى ، بأنّها إما صحيحة أو حسنة بإبراهيم بن هاشم ، وقد وصف صاحب المدارك رواية زرارة الآنفة الذكر قبل هذه الرواية بالصحة ، مع أنّ في سندها أيضاً إبراهيم بن هاشم ، فكيف ضعّف هذه الرواية (٣).

أقول : تعجّبه قدس‌سره في محله ، ولكن يظهر من تخصيص النقاش بالأُولى موافقته معه في تضعيف الثانية ، ولا وجه له ، فإنّها وإن كانت ضعيفة على مسلك صاحب المدارك ، لأنّ في الطريق جملة من الفطحية إلا أنّهم بأجمعهم ثقات. وصاحب الحدائق يعمل بالموثقات.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي التأمل في صحة الروايتين سنداً.

وأمّا من حيث الدلالة فمناقشته قدس‌سره في محله ، فإنّ الأُولى ناظرة إلى المطابقة من حيث القصر والتمام لا إلى سائر الأحكام لتشمل الأذان والإقامة كما هو واضح.

وأمّا الثانية : فالمفروض فيها المفروغية عن مشروعية الأذان للثانية في نفسه ، وإنّما السؤال عن أجزاء الأذان للأُولى عنه ، وأين هذا من محل الكلام ، حيث يكون مشروعية الأذان للفائتة غير المسبوقة بمثلها أوّل الكلام.

وبعبارة اخرى : مورد الموثقة الإعادة في الوقت أو في خارجه بعد الوجود الأوّل ، وأنّ الأذان السابق المشروع فعله لا يجزئ عن اللاحق ، بل الذي يعاد إمّا وجوباً أو استحباباً ولو لأجل انعقاد الجماعة يعاد بجميع متعلقاته التي منها الأذان ، وأين هذا من محل الكلام الذي فرض فيه عدم الإتيان بالعمل في ظرفه رأساً وإنما يؤتى به في خارج الوقت ابتداءً ، فإنّ مشروعية الأذان لمثل ذلك لا تستفاد من الموثقة بوجه ، هذا.

__________________

(١) المدارك ٣ : ٢٦٢.

(٢) ، (٣) الحدائق ٧ : ٣٧٢ ، ٣٧٥.

٢٨١

وربما يستدل له بإطلاق قوله عليه‌السلام في ذيل موثقة عمار قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا بدّ للمريض أن يؤذّن إلى أن قال ـ : لأنّه لا صلاة إلا بأذان وإقامة » (١) حيث دلت على نفي ماهية الصلاة عن الفاقدة للأذان والإقامة حتى القضاء بمقتضى الإطلاق ، غاية الأمر حملها على نفي الكمال بعد تعذّر إرادة الحقيقة.

وهي كما ترى واردة في المريض ، فما ذكره المحقق الهمداني قدس‌سره (٢) من ورودها في الناسي كأنّه سهو من قلمه الشريف.

وكيف ما كان ، فقد ناقش المحقق المزبور قدس‌سره بمنع الإطلاق وإلا لزم تخصيص الأكثر المستهجن ، لخروج صلاة الآيات والأموات والنوافل ونحوها ، فليس المنفي ماهية الصلاة على الإطلاق ، بل قسم خاص منها ، وهو ما كانت مشروعية الأذان والإقامة له معهودة لدى المتشرعة ، والمتيقن منها الصلوات اليومية الأدائية ، فيشكل شمولها للقضاء (٣).

وفيه : أنّ الإطلاق منزّل على الفرد الشائع المبتلى به لعامة الناس ، وهي الصلوات اليومية ، لندرة الابتلاء بصلاة الآيات ، وخروج صلاة الأموات عن حقيقة الصلاة ، وإنّما هي ذكر ودعاء ، فلا يكون التنزيل المزبور من تخصيص الأكثر ، بل كأنّه عبّر من الأوّل باليومية ، وعليه فلا قصور في شمول الإطلاق للأداء والقضاء ، لاتحاد المناط بعد كون كليهما محلا للابتلاء ومن الأفراد الشائعة التي ينصرف إليها الإطلاق.

وبالجملة : فلا مانع من الاستدلال بإطلاق هذه الموثقة كإطلاق موثقته الأُخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إذا قمت إلى صلاة فريضة فأذّن‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٤٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٥ ح ٢.

(٢) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٠٧ السطر ٨.

(٣) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٠٧ السطر ٢٥.

٢٨٢

وأقم » (١) فإنّ الفريضة التي هي الموضوع للحكم مطلق تشمل الأداء والقضاء. فإطلاق هاتين الموثقتين مضافاً إلى النصين المتقدمين (٢) ، أعني صحيحتي زرارة ومحمد بن مسلم يقتضي مشروعية الأذان لقضاء الرواتب اليومية كأدائها.

وأمّا الأمر الثاني : فعن غير واحد منهم المحقق في الشرائع (٣) أنّ السقوط في المقام على سبيل الرخصة ، بل نسب ذلك إلى المشهور ، بل ربما يدعى الإجماع عليه ، وخالفهم جماعة منهم صاحب الحدائق (٤) فذهبوا إلى أنّه عزيمة ، وهو الصواب ، إذ هو المنسبق من مستند السقوط ، أعني الصحيحتين المتقدمتين (٥) الدالتين عليه ، فانّ الظاهر من قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة « ... ثم صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة » أنّ الصلوات التالية مقيّدة بالإقامة خاصة ، غاية الأمر أنّ التقييد من باب الندب لا الحتم ، بعد البناء على عدم الوجوب في الأداء فضلاً عن القضاء. إذن فلا أمر بالأذان لما عدا الصلاة الأُولى رأساً.

ودعوى أنّ الصحيحة في مقام التخفيف والتسهيل فلا تدل على أزيد من الترخيص ، مدفوعة بأنّه أوّل الكلام ، بل ظاهرها أنّها في مقام بيان كيفية التصدي للقضاء ، وأنّ النهج الذي بيّنه عليه‌السلام من اختصاص الأذان بالأُولى هي الوظيفة المقرّرة في هذه المرحلة لمن أراد تفريغ ذمته عن قضاء فوائته ، ولا دليل على كونه عليه‌السلام في مقام التسهيل.

وأوضح منها صحيحة ابن مسلم حيث ورد فيها « ... ويقيم بعد ذلك في كل صلاة فيصلي بغير أذان حتى يقضي صلاته » فقد صرّحت بتقييد الصلوات التالية بعدم اقترانها بالأذان ، وظاهر التقييد انحصار الوظيفة في ذلك المساوق‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٩٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٤.

(٢) في ص ٢٨٠ ، ٢٧٩.

(٣) الشرائع ١ : ٨٩.

(٤) الحدائق ٧ : ٣٨٢.

(٥) في ص ٢٧٩ ، ٢٨٠.

٢٨٣

[١٣٩٥] مسألة ٣ : يسقط الأذان والإقامة في موارد : أحدها : الداخل في الجماعة التي أذّنوا لها وأقاموا (١) وإن لم يسمعهما ولم يكن حاضراً حينهما وكان مسبوقاً (١).

______________________________________________________

لكون السقوط على سبيل العزيمة ، وبذلك يقيّد إطلاقات المشروعية بطبيعة الحال ، فلا دليل إذن على مشروعية الأذان لغير الصلاة الأُولى.

بقي الكلام في المراد من الصلاة الأُولى المشار إليها في الصحيحتين ، وهل المراد هي الأُولى فواتاً ، لتدل على لزوم رعاية الترتيب في قضاء الفوائت ، أو الأُولى قضاء وإن خالف الترتيب في الفوت؟ المشهور هو الأوّل ، ومن ثمّ التزموا بمراعاة الترتيب ، ولكنه غير واضح ، لاحتياجه إلى مزيد عناية لا شاهد عليها ، بل المفهوم عنها عرفاً أنّ الفوائت التي يتصدى لقضائها بما أنّها تدريجية الحصول وتقع الواحدة منها تلو الأُخرى ، فيؤذّن القاضي ويقيم للأُولى منها ويقتصر على الإقامة فيما عداها ، ولو فرغ من هذا المجلس وتصدى للباقي في مجلس آخر فكذلك.

وعليه فالمراد من الاولى في قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة « فابدأ بأوّلهنّ » الأوّليّة في مجلس القضاء لا في ظرف الفوات ليعتبر الترتيب ، كما أنّ المراد منها مقدمات الاولى لا نفسها ، إذ لا أذان بعد الشروع ، فهي نظير قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ... ) إلخ (١) فكما أنّ المراد هناك القيام إلى ما يشمل مقدّمات الصلاة ، فكذلك البدأة في المقام ومن ثمّ فرّع عليه‌السلام الأذان على البدأة بفاء التفريع فقال عليه‌السلام « فأذّن لها » ولم يقل وأذّن. وعلى ما ذكرنا جرت السيرة وارتكز في الأذهان من أنّ الأذان لكل مجلس والإقامة لكل صلاة.

(١) هذه المسألة وإن أهملها الأكثرون وقلّ المتعرضون فلم يحررها المحقق في‌

__________________

(١) أو التي سمع الامام فيها الأذان والإقامة.

(١) المائدة ٥ : ٦.

٢٨٤

الشرائع وغيره ، بل خلت عن النص الخاص ، إلا أنّها مع ذلك ممّا لا شبهة فيها ولا إشكال ، ولعله لذلك عرضها الإهمال إيكالاً على وضوحها وجلائها ، فقد استقرت عليها السيرة القطعية العملية خلفاً عن سلف ، وقد حكي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يجتزئ بأذان بلال أو إقامة غيره وإن لم يسمعهما (١).

ويمكن استفاده الحكم من عدّة من الروايات المتفرقة :

منها : النصوص الواردة في المورد الثاني الناطقة بسقوط الأذان والإقامة عمّن دخل المسجد ، وقد فرغت الجماعة قبل تفرّق الصفوف ، (٢) فإنها تدل على السقوط بالإضافة إلى الداخل في الجماعة بطريق أولى. وكذا ما دل على السقوط في من أدرك الإمام في التشهد الأخير قبل تسليمه (٣) حيث يظهر منها أنّ من أدرك الجماعة فلا أذان عليه ولا إقامة.

ومنها : ما دلّ على عدم السقوط في من يصلي خلف من لا يقتدى به كرواية محمد بن عذافر عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : أذّن خلف من قرأت خلفه » (٤) فإنّها تدل بالمفهوم على السقوط لدى صحة الاقتداء.

ومنها : ما سيأتي في المورد الثالث من النصوص الدالة على السقوط في من دخل المسجد وقد أُقيمت الجماعة وإن لم يدخل معهم ، فإنّها تدل على السقوط لدى الدخول بطريق أولى.

ومنها : موثقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : « سئل عن الرجل يؤذّن ويقيم ليصلي وحده فيجي‌ء رجل آخر فيقول له : نصلي‌

__________________

(١) [ لم نعثر على الحاكي ولا على هذا المضمون في الروايات ولكن ربما يستفاد الحكم مما رواه في الوسائل ٥ : ٤٣٨ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣١ ح ٢ ].

(٢) الوسائل ٨ : ٤١٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٥.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٩٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٦.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٤٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٤ ح ٢.

٢٨٥

جماعة ، هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ قال : لا ، ولكن يؤذّن ويقيم » (١).

فإنها تدل بوضوح على أنّ الاكتفاء بأذان الامام وإقامته أمر مفروغ عنه عند السائل والمسؤول عليه‌السلام وإنما سئل عن تطبيق ذلك على ما لو أذّن وأقام ليصلي وحده ثم بدا له في الجماعة.

وبالجملة : فالحكم في الجملة مما لا غبار عليه ، وإنّما الكلام في أمرين :

أحدهما : هل السقوط خاص بالمأموم كما هو ظاهر عبارة المتن أو أنّه يشمل الامام؟

الظاهر هو الثاني ، لجريان السيرة بالإضافة إلى الامام أيضاً كالمأموم ، لكن المتيقن منها هو الأذان ، فلو حضر الامام بعد الأذان للصلاة فقد استقرت السيرة على اجتزائه به وعدم إعادته ، بل قد يظهر ذلك من بعض النصوص الآتية ، وأمّا الحضور بعد الإقامة فلم يعلم جريانها على الاجتزاء بها ، ولكنه يستفاد ذلك من بعض النصوص.

منها : موثقة السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم‌السلام « أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا دخل المسجد وبلال يقيم الصلاة جلس » (٢) دلت بمفهومها على أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل بعد فراغ بلال من الإقامة كان لا يجلس بل يشرع في الصلاة مكتفياً بإقامة بلال ، فيستفاد منها أنّ إمام الجماعة إذا حضرها وقد أُقيم لها يجتزئ بها ولا يعيدها.

ومنها : معتبرة حفص بن سالم « أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة أيقوم الناس على أرجلهم أو يجلسون حتى يجي‌ء إمامهم؟ قال : لا ، بل يقومون على أرجلهم ، فإن جاء إمامهم وإلا فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم » (٣).

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٣٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٣٨ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣١ ح ٢.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٧٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٢ ح ١.

٢٨٦

وهي كما ترى واضحة الدلالة على أنّ الامام إذا جاء بعد الانتهاء من الأذان والإقامة يكتفي بهما ولا يعيد ، كما أنّها معتبرة سنداً ، فان الصدوق رواها بطريقين كلاهما معتبر (١) ، كما أنّها معتبرة في طريق الشيخ أيضاً (٢) ، غير أنّه قدس‌سره كناه في التهذيب بأبي الوليد كما في الوسائل ، والموجود في مشيخة الفقيه (٣) وكذا في كتب الرجال أبو ولاد ، ولعلّ ما في التهذيب سهو من قلمه الشريف أو من النسّاخ ، هذا.

وربما يستدل لذلك بروايات اخرى ولكنها ضعيفة إما سنداً أو دلالة ، ولا حاجة إلى التعرض إليها وفيما ذكرناه كفاية.

ثانيهما : ظاهر عبارة المتن اختصاص السقوط بالجماعة التي أُذّن وأُقيم لها ، فلا يشمل الاقتداء بإمام اكتفى بسماعهما من الغير من دون سماع المأمومين ، ولكن التقييد غير ظاهر ، بل لو سمعهما الامام من شخص آخر ولو كان منفرداً واكتفى بهما فأقام الجماعة سقطا عنه وعن المأمومين ، لما رواه الشيخ بإسناده عن سعد عن أبي الجوزاء المنبه بن عبد الله عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : كنّا معه فسمع إقامة جار له بالصلاة ، فقال : قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان ولا إقامة ، قال : ويجزئكم أذان جاركم » (٤).

فانّ تخصيص السماع بالإمام عليه‌السلام يكشف عن أنّ الراوي ومن معه لم يسمعوا ذلك الأذان ، وإلا لقال فسمعنا بدل قوله « فسمع » فهي إذن واضحة الدلالة ، كما أنّها معتبرة السند ، فإنّ أبا الجوزاء وإن كان عامي المذهب ولكنه‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٢ / ١١٣٧ [ ولكن لم نعثر إلا على طريق واحد ].

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٥ / ١١٤٣.

(٣) الفقيه ٤ ( المشيخة ) : ٦٣.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٣٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٠ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٨٥ / ١١٤١.

٢٨٧

بل مشروعية الإتيان بهما في هذه الصورة لا تخلو عن إشكال (١)

______________________________________________________

وثقه النجاشي (١) ، وكذلك الحسين بن علوان (٢) فإنّ الظاهر أنّ التوثيق المذكور في عبارته يعود إليه ، لأنه المعنون والمترجم له ، لا إلى أخيه الحسن الذي ذكره في ضمن ترجمته بنحو الجملة المعترضة. ومع تسليم إجمال العبارة من هذه الناحية فيكفينا ما ذكره ابن عقدة حيث قال : إن الحسن أوثق من أخيه الحسين (٣) ، فإنه يفهم منه اشتراكهما في الوثاقة وإن كان الحسن أوثق.

أمّا عمرو بن خالد فقد ذكر الكشي أنّ ابن فضال قد وثّقه (٤) ، مضافاً إلى وقوعه في أسناد كامل الزيارات ، وطريق الشيخ إلى سعد معتبر ، فالرواية إذن موثقة.

وتدل عليه أيضاً : معتبرة أبي مريم الأنصاري قال : « صلى بنا أبو جعفر عليه‌السلام في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة إلى أن قال فقال : وإنّي مررت بجعفر وهو يؤذّن ويقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك » (٥) فان صالح بن عقبة الواقع في السند وإن لم يوثق صريحاً ، ولكنه من رجال كامل الزيارات (٦) فالسند تام كما أنّ الدلالة واضحة.

(١) فكأنّه قدس‌سره يرى أنّ السقوط بنحو العزيمة لا الرخصة.

وربما يستدل له بقوله عليه‌السلام في رواية معاوية بن شريح المشار إليها فيما سبق « ... ليس عليه أذان ولا إقامة » (٧).

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٢١ / ١١٢٩.

(٢) رجال النجاشي : ٥٢ / ١١٦.

(٣) الخلاصة : ٣٣٨ / ١٣٣٧.

(٤) رجال الكشي : ٢٣١ / ٤١٩.

(٥) الوسائل ٥ : ٤٣٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٠ ح ٢.

(٦) فيه وفي من قبله كلام قد تكرر.

(٧) الوسائل ٨ : ٣٩٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٦.

٢٨٨

الثاني : الداخل في المسجد للصلاة (١)

______________________________________________________

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند فان ابن شريح لم يوثق ، أنّها قاصرة الدلالة ، إذ فرق واضح بين قولنا : ليس عليه وقولنا : ليس له ، والذي يدل على نفي المشروعية المساوق للعزيمة هو الثاني. أمّا الأوّل فمفاده نفي اللزوم المحمول على نفي تأكد الاستحباب فينتج الترخيص في الترك الراجع إلى المستحب غير المؤكد.

ولكن الصواب مع ذلك أنّ السقوط عزيمة ، لا لما ذكر ، بل لأجل أنّه لو كان رخصة وساغ الإتيان خارجاً لصدر عن أحد المعصومين أو أصحابهم التابعين ولو مرّة واحدة ، ولنقل إلينا بطبيعة الحال ، فالالتزام البات والامتناع الأكيد منهم من أوضح الأدلة على عدم المشروعية كما لا يخفى.

(١) على المشهور ، بل في الجواهر (١) يمكن تحصيل الإجماع عليه ويستدل له بجملة من النصوص.

منها : موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قلت له : الرجل يدخل المسجد وقد صلى القوم أيؤذّن ويقيم؟ قال : إن كان قد دخل ولم يتفرق الصف صلى بأذانهم وإقامتهم ، وإن كان تفرق الصف أذّن وأقام » (٢).

وقد ناقش صاحب المدارك في سندها باشتراك أبي بصير بين الموثق وغيره (٣).

ويندفع : بما حققه المتأخرون من انصرافه لدى الإطلاق إلى أحد شخصين مشهورين : ليث المرادي ، ويحيى بن القاسم ، وكل منهما موثق. نعم ربما تطلق هذه الكنية على غير الثقة لكنه يحتاج إلى القرينة لعدم كونه معروفاً‌

__________________

(١) الجواهر ٩ : ٤١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٣٠ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٥ ح ٢.

(٣) المدارك ٣ : ٢٦٧.

٢٨٩

ولا مشهوراً ، ومن ثم ينصرف اللفظ عنه عند الإطلاق.

ومنها : موثقة زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه‌السلام قال : « دخل رجلان المسجد وقد صلى الناس فقال لهما علي عليه‌السلام : إن شئتما فليؤم أحدكما صاحبه ولا يؤذّن ولا يقيم » (١).

وهاتان الموثقتان هما العمدة في المقام ، وهناك روايات اخرى لا يخلو أسنادها عن ضعف أو بحث.

منها : رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « أنه كان يقول : إذا دخل رجل المسجد وقد صلى أهله فلا يؤذّننّ ولا يقيمنّ ولا يتطوع حتى يبدأ بصلاة الفريضة ولا يخرج منه إلى غيره حتى يصلي فيه » (٢) فانّ في السند بنان بن محمد ولم يوثق (٣).

نعم ، حاول الوحيد في التعليقة لتوثيقه بأنّه روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى ، ولم يستثن ابن الوليد روايته ، قال : وفيه إشعار بالاعتماد عليه بل لا يبعد الحكم بوثاقته (٤) وقد تبعه الصدوق في ذلك (٥). ولكنّا ذكرنا غير مرّة أنّ مجرد الاعتماد لا يكشف عن التوثيق ، ولعلهما يبنيان على أصالة العدالة كالعلامة ، وقد ذكر الصدوق في مقدمة الفقيه (٦) أنّه يعتمد على كتابه مع عدم كشفه عن توثيق جميع رواته.

ومنها : رواية أبي بصير قال : « سألته عن الرجل ينتهي إلى الامام حين‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٣٠ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٥ ح ٣.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٣١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٥ ح ٤.

(٣) هو عبد الله بن محمد بن عيسى وكان ثقة عند سيدنا الأُستاذ ( دام ظله ) سابقاً لوقوعه في أسناد كامل الزيارات وإن عدل عنه أخيراً.

(٤) تعليقة الوحيد البهبهاني : ٧٢.

(٥) رجال النجاشي : ٣٤٨ / ٩٣٩ ، ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى.

(٦) الفقيه ١ : ٤.

٢٩٠

يسلّم ، قال : ليس عليه أن يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم فإن وجدهم قد تفرّقوا أعاد الأذان » (١).

فان السند قد اشتمل على صالح بن سعيد كما في الكافي (٢) ولم يوثق ، أو خالد بن سعيد كما في التهذيب (٣) وقد وثقه النجاشي (٤) فاما أن يقدم نسخة الكافي لكونه أضبط ، أو لا أقل من تساوي الاحتمالين فلم تثبت وثاقة الراوي. ويظهر من الوسائل (٥) أنّ نسخ الكافي مختلفة ، بل قيل إنّ نسخ التهذيب أيضاً مختلفة.

وكيف ما كان ، فلم يثبت اعتبار الرواية بعد عدم احتمال تعددها كما لا يخفى.

ومنها : رواية ابي علي قال : « كنّا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فأتاه رجل فقال : « جعلت فداك صليت في المسجد الفجر فانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فأذّن فمنعناه ودفعناه عن ذلك ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أحسنت ادفعه عن ذلك وامنعه أشدّ المنع. فقلت : فان دخلوا فأرادوا أن يصلوا فيه جماعة ، قال : يقومون في ناحية المسجد ولا يبدو بهم إمام » (٦).

وقد ناقش صاحب المدارك في سندها بجهالة أبي علي (٧).

وأُجيب عنه بوجوه : أحدها : أنّ الراوي عنه في طريق الصدوق هو محمد‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٢٩ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٥ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٤ / ١٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٧٧ / ١١٠٠.

(٤) رجال النجاشي : ١٤٩ / ٣٨٧.

(٥) لا يخفي أنّ صاحب الوسائل أسند هذه الرواية إلى الشيخ تارة بإسناده عن الكليني وأُخرى عن علي بن إبراهيم ، لكن الموجود في التهذيب هو الاسناد الثاني فقط كما نبّه عليه المعلق ، ولعله سهو من قلمه الشريف أو سقط من التهذيب.

(٦) الوسائل ٨ : ٤١٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٥ ح ٢ [ في نسخة : ولا يبدر ].

(٧) المدارك ٣ : ٢٦٧.

٢٩١

ابن أبي عمير (١) ، وحيث إنّه لا يروي إلا عن الثقة فروايته عنه توثيق له ، فاذا صح طريق الصدوق صح طريق الشيخ ايضاً (٢) ، إذ يثبت أنّ أبا علي الذي يروي عنه الحسين بن سعيد ثقة بتوثيق ابن أبي عمير إيّاه عملاً.

وفيه أوّلاً : ما ذكرناه في محله من أنّ الكلية المدعاة من أنّ ابن أبي عمير لا يروي إلا عن الثقة لا أساس لها ، فقد عثرنا على روايته عن غير الثقة في غير مورد.

وثانياً : مع التسليم ، فتطبيق أبي علي الذي يروي عنه ابن أبي عمير على من يروي عنه الحسين بن سعيد لا شاهد عليه ، فإنّ الأوّل مقيد بالحراني ، والثاني مطلق ، ولعل المراد به الخزاز. بل هو الظاهر لرواية الحسين بن سعيد عنه في غير هذا المورد ولا توثيق له.

ثانيها : ما ذكره في الجواهر (٣) تارة من انجبار الضعف بعمل الأصحاب ، وفيه ما لا يخفى. وأُخرى : بأنّ في طريق الصدوق ابن أبي عمير ، وفي طريق الشيخ الحسين بن سعيد ، وكلاهما من أصحاب الإجماع.

ويردّه : مضافاً إلى وضوح أنّ الحسين بن سعيد لم يكن من أصحاب الإجماع ، ولعله سهو من قلمه الشريف ، ما ذكرناه في محله (٤) من أنّ المراد من الإجماع المزبور الذي ادّعاه الكشي أنّ هؤلاء الجماعة يصدقون فيما يدّعون ويعتمد على ما يقولون ، لجلالة قدرهم ورفعة شأنهم ، فيصح ما صح عنهم بأنفسهم لا عمّن يروون عنه ليدل على توثيقه أيضاً. وعلى تقدير إرادته فهو إجماع منقول لا يعوّل عليه.

ثالثها : ما ذكره في الجواهر (٥) أيضاً من احتمال أن يكون أبو علي الحراني هو‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٦ / ١٢١٥.

(٢) التهذيب ٣ : ٥٥ / ١٩٠.

(٣) الجواهر ٩ : ٤٢.

(٤) معجم رجال الحديث ١ : ٥٧.

(٥) الجواهر ٩ : ٤٢.

٢٩٢

سلام بن عمرو الثقة.

وأُورد عليه : بأنّ الموثق هو سلاّم بن أبي عَمرة لا سلام بن عمرو. على أنّه لم يثبت أنّ كنيته أبو علي.

أقول : الظاهر أنّ الرجلين شخص واحد وأنّه مكنى بأبي علي.

أمّا الاتحاد فلأجل أنّ الشيخ لم يتعرض في الفهرست لسلاّم بن أبي عَمرة ، وإنّما تعرّض لسلام بن عمرو الخراساني (١) وذكر طريقه إليه ولم يوثقه ، بالعكس من النجاشي حيث إنّه تعرّض للاوّل (٢) دون الثاني ، وذكر طريقه إليه بعد أن وثقه. وطريق كل منهما هو بعينه الطريق الذي ذكره الآخر ، فمن عدم تعرض كل منهما لما تعرض إليه الآخر مع وحدة الطريق يستكشف الاتحاد وأنّ نسخة الفهرست إمّا محرّفة ، لأنّ النجاشي أضبط ، أو أنّ أبا عمرة اسمه عمرو فذكر الشيخ اسمه ، والنجاشي كنيته ، وإلا فما هو وجه الإهمال مع التزامهما بذكر كل من له كتاب ، فبعد الاتحاد يكون الرجل موثقاً بتوثيق النجاشي.

وأمّا أنّ كنيته أبو علي فيظهر مما ورد في الجزء الأوّل من أُصول الكافي في كتاب الحجة حيث قال : عدّة من أصحابنا عن الحسين بن الحسن بن يزيد عن بدر عن أبيه قال : حدثني سلام أبو علي الخراساني ... إلخ (٣) ، فإنّ من الواضح انّ المراد به هو الرجل المبحوث عنه وقد كنّاه بأبي علي ، فيعلم أنّ كنيته ذلك ، وقد ترجمه النجاشي بعنوان الخراساني ووثقه. إذن فما احتمله في الجواهر أمر قابل للتصديق ، بل هو الصحيح من حيث وثاقة سلام بن عمرو وتكنيته بأبي علي.

لكن الشأن في تطبيقه على أبي علي الموجود في سند هذه الرواية ، حيث إنّه‌

__________________

(١) الفهرست : ٨٢ / ٣٣٩ [ ولكنه لم يصفه بالخراساني وانّما وصفه به النجاشي ].

(٢) رجال النجاشي : ١٨٩ / ٥٠٢.

(٣) الكافي ١ : ٤٠٠ / ٦.

٢٩٣

يلقب بالحراني ، وذاك بالخراساني كما سمعته من النجاشي ، ولا يحتمل الاتحاد ، فانّ حران من بلاد العرب ومنها ابن تيمية ، وخراسان من بلاد إيران ، فأين الحراني من الخراساني ، ولعل الأمر قد التبس على صاحب الجواهر ، لما بينهما من التقارب كتباً ولفظاً ، هذا في طريق الصدوق.

وأمّا في طريق الشيخ فلا يحتمل أن يراد من أبي علي الذي يروي عنه الحسين بن سعيد الخراساني المزبور ، فإنّه من أصحاب الباقر عليه‌السلام وإن أدرك الصادق أيضاً ، كما ذكره النجاشي ، فكيف يروي عنه الحسين بن سعيد الذي هو من أصحاب الهادي عليه‌السلام. نعم روى أحياناً عن بعض أصحاب الصادق ، أمّا الذي هو من أصحاب الباقر عليه‌السلام فروايته عنه بعيد غايته ، لاختلاف الطبقة ، بل المراد كما سبق هو الخزاز ، لرواية الحسين ابن سعيد عنه في غير هذا المورد ولا توثيق له.

فتحصّل : أنّ ما احتمله في الجواهر لا يمكن المساعدة عليه ، بل الصحيح جهالة الراوي كما ذكره صاحب المدارك.

أجل ، إنّ الرجل ، أعني أبا علي الحراني ، موجود في أسناد كامل الزيارات فيحكم بوثاقته (١) لهذه الجهة ، فتكون الروايات المعتبرة الواردة في المقام بضميمة الموثقتين المتقدمتين ثلاثاً.

تنبيه : قال صاحب الوسائل : في خاتمة الكتاب ما لفظه : سلام بن أبي عمرة الخراساني ثقة روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام قاله النجاشي ونقله العلامة (٢).

ولكنك سمعت من النجاشي أنّه روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، ولم يذكر أحد روايته عن أبي الحسن عليه‌السلام فما ذكره قدس‌سره من عطف أبي الحسن لعلّه سهو من قلمه الشريف.

__________________

(١) حسب الرأي السابق.

(٢) الخاتمة ٣٠ : ٣٨٤.

٢٩٤

منفرداً أو جماعة (١).

______________________________________________________

(١) كما عن جماعة من الأصحاب استناداً إلى الإطلاق في جملة من نصوص الباب. واختصاص بعضها كرواية أبي بصير المتقدمة (١) بمريد الجماعة لا يستوجب التقييد ، إذ مضافاً إلى ضعف سندها ، وإلى أنّ القيد مذكور في كلام السائل فلا مفهوم له ، أنّهما مثبتان فلا تعارض ليرتكب التقييد.

ودعوى انصراف المطلقات إلى مريد الجماعة لمكان الغلبة ، مدفوعة بأنّ الغلبة في الوجود لا تستوجب الانصراف ما لم تبلغ حدّ الغلبة في الاستعمال كما تقرّر في محله (٢). وهذا كله واضح. وإنّما الكلام في أنّه هل يوجد في نصوص الباب إطلاق يمكن الركون إليه؟

أمّا رواية أبي بصير الآنفة الذكر فهي واردة في قاصد الجماعة لقوله : « سألته عن الرجل ينتهي إلى الامام ... » إلخ وقد عرفت حالها.

وأمّا موثقته المتقدمة (٣) فلا يبعد أن تكون أيضاً خاصة بذلك ولا أقلّ من عدم انعقاد الإطلاق لها ، فانّ المنسبق من قوله : « الرجل يدخل المسجد وقد صلى القوم ... » إلخ أنّه لولا فراغهم من الصلاة لدخل معهم فسأل عن حكم الأذان فيما لو انقضت الجماعة فلم يدركها ، ومثله قاصد للجماعة بطبيعة الحال. ونحوها موثقة زيد بن علي (٤) ، فانّ المستفاد من قوله عليه‌السلام « فليؤم أحدكما صاحبه » أنّهما كانا مريدين للجماعة فتأخّرا ولم يدركا ، فمن ثمّ أمرهما بعقدها فيما بينهما إن شاءا.

وقد رواها في الوسائل في باب ٦٥ من صلاة الجماعة حديث ٣ هكذا « ...

__________________

(١) في ص ٢٩٠.

(٢) محاضرات في أصول الفقه ٥ : ٣٧٢ ٣٧٣.

(٣) في ص ٢٨٩.

(٤) المتقدمة في ص ٢٩٠.

٢٩٥

وقد أُقيمت الجماعة حال اشتغالهم (١) ولم يدخل معهم ، أو بعد فراغهم مع عدم تفرق الصفوف (٢).

______________________________________________________

وقد صلى علي بالناس ... » إلخ (١) ، وحينئذ فالأمر أوضح ، لأنّ إمام الجماعة إذا كان علياً عليه‌السلام وهو خليفة الوقت فكل من يدخل المسجد فهو يريد الجماعة خلفه بطبيعة الحال.

نعم ، إنّ رواية السكوني (٢) مطلقة ، ولكنها ضعيفة السند كما عرفت ، والعمدة رواية أبي علي (٣) فإنّ إطلاقها لمريد الجماعة وغيره ولو من أجل ترك الاستفصال غير قابل للإنكار ، وقد عرفت أنّها معتبرة عندنا لوقوع أبي علي في أسناد كامل الزيارات.

نعم ، من لا يرى اعتبارها كما عن جماعة لا بد لهم من اختصاص الحكم بمريد الجماعة ، لفقد مستند يعوّل عليه في الحكم بالإطلاق حسبما عرفت.

(١) مورد نصوص الباب دخول المسجد بعد انتهاء الجماعة.

وأما حال الاشتغال فلم يرد نص فيه على السقوط ، وحينئذ فان بنينا على تعميمه لغير مريد الجماعة ثبت في المقام بالأولوية ، لأنّ غير المريد لو حكم عليه بالسقوط بمجرد إدراك الصفوف ، فمع إدراك الجماعة نفسها بطريق اولى وإن بنينا على الاختصاص فلا مقتضي له ، وقد عرفت أنّ الأظهر هو الأوّل.

(٢) مقتضى الإطلاق في موثقة زيد بن علي عدم الفرق في السقوط بين تفرّق الصفوف وعدمه ، إلا أن يقال إنّها حكاية عن قضية خارجية ، ولعل الصفوف كانت باقية وغير متفرقة ، فلا إطلاق لها من هذه الجهة.

وكيف ما كان ، فعلى تقدير انعقاد الإطلاق فهو مقيّد بموثقة أبي بصير‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤١٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٥ ح ٣.

(٢) المتقدمة في ص ٢٩٠.

(٣) المتقدمة في ص ٢٩١.

٢٩٦

المصرّحة بالتفصيل وإناطة السقوط بعدم التفرق.

وهل العبرة بتفرّق الصفوف بأجمعها بحيث لا تبقى هيئة للجماعة عرفاً ، فلو ذهب نصفهم مثلاً ، لم يصدق التفرق ، لبقاء الهيئة العرفية وقيامها بالنصف الباقي ، أو أنّه يكفي التفرق في الجملة ولو بذهاب بعضهم؟

ربما يشهد للثاني إطلاق موثقة أبي بصير (١) لظهورها في أنّ العبرة بتفرّق الصف الحاصل ولو بخروج البعض ، لكن الأظهر حسبما هو المنسبق إلى الذهن في أمثال المقام من الإناطة بالصدق العرفي هو الأوّل ، كما قد تشهد به موثقة أبي على حيث دلت على عدم حصول التفرق بخروج البعض واشتغال البعض الآخر بالتعقيب ، وبها ترفع اليد عن الإطلاق المزبور.

وكيف ما كان ، فعلى تقدير الترديد في المراد من التفرق فاللازم الاقتصار على المقدار المتيقن من السقوط ، والرجوع فيما عداه إلى إطلاقات الأذان والإقامة على ما هو الشأن في كل مخصص منفصل مجمل دائر بين الأقل والأكثر ، هذا.

ويظهر مما ورد في كتاب زيد النرسي خلاف ما ذكرناه ، فقد روى عن عبيد ابن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إذا أدركت الجماعة وقد انصرف القوم ووجدت الامام مكانه وأهل المسجد قبل أن ينصرفوا ، أجزأ أذانهم وإقامتهم ، فاستفتح الصلاة لنفسك ، وإذا وافيتهم وقد انصرفوا عن صلاتهم وهم جلوس أجزأ إقامة بغير أذان ، وإن وجدتهم وقد تفرّقوا وخرج بعضهم عن المسجد فأذّن وأقم لنفسك » (٢).

حيث تضمنت تقسيم مُدرك الجماعة بعد الانصراف إلى حالات ثلاث : فتارة يدركها والإمام جالس والقوم لم يتفرقوا ، وأُخرى حال جلوس القوم ، وثالثة بعد تفرّقهم وخروج بعضهم عن المسجد.

__________________

(١) المتقدّمة في ص ٢٨٩.

(٢) المستدرك ٤ : ٤٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٢ ح ١.

٢٩٧

ففي الاولى لا يؤذّن ولا يقيم ، وفي الثانية يقيم فقط ، وفي الثالثة يؤذّن ويقيم.

وينبغي التكلم أوّلاً حول سند الرواية واعتبار الكتاب ، وثانياً في مدى دلالتها.

أمّا السند فزيد النرسي لم يرد فيه توثيق صريح ، ولكنه من رجال كامل الزيارات ، فلأجله يحكم بوثاقته (١).

وأمّا كتابه فقد رواه النجاشي عن أحمد بن علي بن نوح عن الصفواني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير (٢) ، فالطريق إليه معتبر. كما أنّ الشيخ يرويه عن ابن ابي عمير ، وقد ذكر عند ترجمته طريقه إلى جميع كتبه ورواياته (٣) ، والطريق صحيح. فما ذكره الأردبيلي من إرسال الطريق غفلة منه قدس‌سره (٤).

وذكر ابن الغضائري أنّ كتاب زيد النرسي من الكتب القديمة وأنّه روي عن ابن أبي عمير (٥) ، وحيث إنّا لا نعتمد على كتاب ابن الغضائري فالعمدة ما سمعته من الشيخ والنجاشي.

إذن فما ذكره ابن الوليد وتبعه الصدوق (٦) من أنّ الكتاب موضوع وضعه محمد بن موسى الهمداني مما لا ينبغي الإصغاء إليه. ومن ثمّ قال ابن الغضائري : ولقد غلط أبو جعفر أي الصدوق في هذا القول فإنّي رأيت كتبهما زيد النرسي وزيد الزراد مسموعة من محمد بن ابي عمير.

ويمكن الاعتذار عن ابن الوليد بأنّ الكتاب لم يصل اليه إلا من طريق الهمداني المزبور ، وحيث إنّه ضعيف فتخيل أنّه وضعه من عند نفسه ، وقد‌

__________________

(١) حسب الرأي السابق وقد عدل ( دام ظله ) عنه.

(٢) رجال النجاشي : ١٧٤ / ٤٦٠.

(٣) الفهرست : ١٤٢ / ٦٠٧.

(٤) جامع الرواة ٢ : ٤٩٤.

(٥) حكى عنه في الخلاصة : ٣٤٧ / ١٣٧٧.

(٦) حكاه عنهما الشيخ في الفهرست : ٧١ / ٢٨٩ ، ٢٩٠.

٢٩٨

وصل إلى الشيخ والنجاشي بطريق آخر معتبر كما عرفت.

إلا أنّه لا يعذر في دعواه الجزم بالوضع وإن انحصر الطريق فيه ، بداهة جواز صدور الصدق من الضعيف ، إلا مع العلم بكذبه في ذلك وأنى له ذلك.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي الشك في اعتبار الكتاب ، غير أنّ الذي يوقعنا في الريب أنّ الكتاب نادر وعزيز الوجود ، ولذا لم يصل إلى ابن الوليد والصدوق بطريق معتبر كما سمعت ، فهو إذن لم يكن من الكتب المشهورة المعروفة.

وعليه فلا ندري أنّ ما رواه الشيخ النوري في مستدركة هل هو مأخوذ من نفس الكتاب أو من غيره ، ولا سيما بعد ما تداول في الأعصار المتأخرة من الاكتفاء بمجرد الإجازة في الرواية ، بخلاف ما كان متعارفاً في العصور القديمة من قراءة الكتاب بأجمعه على الأُستاد ، أو قراءته على من يأخذه عنه فيرويه عنه قراءة لا إجازة ليتأكد على التمامية والصيانة عن النقص أو الزيادة.

إذن فغاية ما يثبت لدينا من رواية النوري عن كتاب النرسي أنّه قد وجد كتاباً يسمى بذلك وهو مجاز في النقل ، وهذا المقدار لا يجدي في المطلوب كما لا يخفى ، هذا من حيث السند.

وأمّا من ناحية الدلالة فهي مضطربة المتن كما اعترف به غير واحد ، لعدم وضوح الفرق بين الصورتين الأُوليين موضوعاً بعد اشتراكهما في عدم التفرق ، فكيف افترقا حكماً ، فحكم بسقوط الأذان والإقامة تارة ، وسقوط خصوص الأول اخرى.

وملخص الكلام : أنّ الرواية لا يمكن الاعتماد عليها لاضطراب متنها وضعف سندها ، فإنّ النرسي وكتابه وإن كانا معتبرين إلا أنّ الطريق إليه مقطوع. مضافاً إلى أنّها رواية شاذة ومعارضة بالروايات المشهورة القاضية بسقوط الأذان والإقامة معاً في تلك الحالة حسبما عرفت.

بقي شي‌ء لم يتعرض إليه في المتن (١) : وهو أنّه هل الجماعة المنعقدة‌

__________________

(١) [ بل تعرّض لما يشمله في الشرط الرابع ص ٣٠٤ ].

٢٩٩

فإنهما يسقطان ، لكن على وجه الرخصة لا العزيمة (١) على الأقوى (١) ،

______________________________________________________

ثانياً المجتزئة بأذان الأُولى كالأُولى في سقوط الأذان عمّن ورد عليهم أو لا؟

اختار المحقق الهمداني الأول فعمّم الحكم لمطلق الجماعة (١).

ولكنه غير واضح لخروج الثانية عن مورد الأخبار ، فإن منصرفها الجماعة المشتملة على الأذان والإقامة دون المجتزئة فلا إطلاق.

نعم ، قد تضمّن ذيل موثقة أبي علي (٢) انعقاد جماعة ثانية مجتزئة ، لكنه لم يفرض الورود عليها. ودعوى أنّها لدى الاجتزاء تكون كالأُولى في كون صلاتهم بأذان وإقامة كما ترى ، إذ المتيقن من الاجتزاء سقوطهما عنهم لا ترتيب سائر الأحكام ليشمل السقوط عن الداخل عليهم.

إذن فاطلاقات الأذان والإقامة هي المحكّم بعد سلامتها عمّا يصلح للتقييد.

(١) نظراً إلى أنّه مقتضى الجمع بين موثقتي زيد بن علي وأبي علي المتقدمتين (٣) الظاهرتين في نفي المشروعية ، وبين موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « في الرجل أدرك الإمام حين سلّم ، قال : عليه أن يؤذّن ويقيم ويفتتح الصلاة » (٤) المؤيدة برواية معاوية بن شريح المتقدمة : « ... ومن أدركه وقد سلّم فعليه الأذان والإقامة » (٥) الصريحتين في المشروعية ، فترفع اليد عن ظهور الاولى بصراحة الثانية ، ويلتزم بكون السقوط على سبيل الرخصة كما اختاره جماعة.

ولكنه كما ترى بعيد غايته ، ضرورة إباء لسان الموثقتين ولا سيّما قوله ( عليه‌

__________________

(١) فيه إشكال ، ولا يبعد أن يكون السقوط عزيمة.

(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢١١ السطر ٢٢.

(٢) المتقدمة في ص ٢٩١.

(٣) في ص ٢٩٠ ، ٢٩١.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٣١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٥ ح ٥.

(٥) الوسائل ٨ : ٣٩٣ / أبواب الجماعة ب ٤٩ ح ٦.

٣٠٠