موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٣

الشيخ مرتضى البروجردي

ويجوز للمرأة الاجتزاء عن الأذان بالتكبير والشهادتين (١)

______________________________________________________

على الفلاح مكان الصلاة خير من النوم » (١).

غير أنّ في سندها عبد الله بن أبي نجران في الوسائل وهكذا في التهذيب (٢) وهو مجهول ، ولكن الظاهر أنّه من غلط النسخة ، وصحيحها عبد الرحمن بن أبي نجران كما ذكره صاحب الوسائل عند تعرضه لصدر هذا الحديث في الباب التاسع عشر من أبواب الأذان والإقامة حديث ٢ ، وكذلك الشيخ في الاستبصار (٣) ، والفيض في الوافي حيث عبّر بالتميمي الذي هو لقب عبد الرحمن على ما ذكره في مقدمة كتابه (٤) ، ولأجله عبّر عنها في الحدائق بالصحيحة (٥) ، وهو الصحيح.

ولكنّ الذي يهوّن الخطب أنّ التكرار بعد عدم قصد الجزئية كما هو المفروض مطابق للقاعدة ، لجواز ذكر الحيّعلات قبل الشروع في الأذان ، وبعد الفراغ عنه للحث على الاجتماع بلا إشكال ، فكذا في الأثناء بعد وضوح عدم بطلانها حتى بكلام الآدمي فضلاً عن مثل ذلك ، فلا حاجة إلى ورود نص بالخصوص.

(١) يدل على الاجتزاء المزبور بعد الفراغ عن أصل المشروعية للنساء كما تقدم (٦) صحيح عبد الله بن سنان قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تؤذّن للصلاة؟ فقال : حسن إن فعلت ، وإن لم تفعل أجزأها أن تكبّر وأن تشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله » (٧).

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٢٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٢ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٣ / ٢٢٤.

(٣) الاستبصار ١ : ٣٠٩ / ١١٤٨.

(٤) الوافي ١ : ٣٦.

(٥) الحدائق ٧ : ٤٢٠.

(٦) في ص ٢٢٥.

(٧) الوسائل ٥ : ٤٠٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٤ ح ١.

٢٦١

بل بالشهادتين (١). وعن الإقامة بالتكبير ، وشهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله (٢).

______________________________________________________

(١) لصحيحة زرارة قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : النساء عليهنّ أذان؟ فقال : إذا شهدت الشهادتين فحسبها » (١).

(٢) لصحيحة أبي مريم الأنصاري قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إقامة المرأة أن تكبّر وتشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله » (٢).

وأبو مريم المزبور اسمه عبد الغفار بن القاسم كما في النجاشي (٣) وهو ثقة ، فما في خاتمة الوسائل (٤) من أنّ اسمه عبد الله بن القاسم وهو مجهول سهو من قلمه الشريف أو من غلط النسّاخ ، هذا.

ويظهر مما رواه الصدوق في العلل جواز الاجتزاء بالشهادتين فقط ، فقد روى بسنده عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قلت له المرأة عليها أذان وإقامة؟ فقال : إن كانت سمعت أذان القبيلة فليس عليها أكثر من الشهادتين » (٥).

وروى في الفقيه مرسلاً قال : « قال الصادق عليه‌السلام ليس على المرأة أذان ولا إقامة إذا سمعت أذان القبيلة ، وتكفيها الشهادتان ولكن إذا أذّنت وأقامت فهو أفضل » (٦) ولا يبعد (٧) أن تكونا رواية واحدة رواها في العلل‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٠٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٤ ح ٢.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٠٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٤ ح ٤.

(٣) رجال النجاشي : ٢٤٦ / ٦٤٩.

(٤) الخاتمة ٣٠ : ٥٢٧‌

(٥) الوسائل ٥ : ٤٠٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٤ ح ٨ ، علل الشرائع : ٣٥٥ / ١.

(٦) الوسائل ٥ : ٤٠٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٤ ح ٥ ، الفقيه ١ : ١٩٤ / ٩٠٩.

(٧) بل هو بعيد جدّاً بعد تعدد المروي عنه.

٢٦٢

ويجوز للمسافر والمستعجل الإتيان بواحد من كل فصل منهما (١).

______________________________________________________

مسنداً وفي الفقيه مرسلاً.

وكيف ما كان فالدلالة وإن كانت تامة لتضمّنها إجزاء الشهادتين عن الإقامة ، وأمّا الأذان فهو ساقط لسماع أذان الغير وهو القبيلة من غير فرق فيه بين الرجل والمرأة كما سيجي‌ء (١) ، لكن السند ضعيف لإرسال الثانية ، ولأنّ في سند الاولى عيسى بن محمّد ولم يوثّق ، ولعله لذلك لم يتعرض له في المتن لفقد الدليل إلا بناءً على قاعدة التسامح.

(١) أمّا في حال السفر فيدل على تقصير الأذان خبر بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : الأذان يقصّر في السفر كما تقصّر الصلاة ، الأذان واحداً واحداً ، والإقامة واحدة » (٢). ولا يبعد أن يراد من الأذان بقرينة الذيل ما يعمّ الإقامة.

ولكنّه ضعيف السند بالقاسم بن عروة فإنّه لم يوثق. نعم قد وثّق في الرسالة الصاغانية المطبوعة المنسوبة إلى الشيخ المفيد (٣) ، ولكنه لم يثبت كون هذا المطبوع له بعد اشتماله على أشياء يطمأن بعدم صدورها منه ، فإنّه وإن كانت له رسالة بهذا الاسم إلا أنّ انطباقها على هذا الموجود غير معلوم ، فلا يسعنا الاعتماد عليه. إذن فالحكم مبني على قاعدة التسامح.

ويدلُّ على تقصير الإقامة رواية نعمان الرازي قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : يجزئك من الإقامة طاق طاق في السفر » (٤) ولكنّ الرازي لم تثبت وثاقته إلا بناءً على ما ذكره المفيد من أنّ أصحاب‌

__________________

(١) في ص ٣٠٧.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٢٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ٢.

(٣) المسائل الصاغانية ( مصنفات الشيخ المفيد ٣ ) : ٧٢.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٢٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ٥.

٢٦٣

الصادق عليه‌السلام كلّهم ثقات (١) ، وهو كما ترى.

وربما يستدل له برواية بريد بن معاوية المتقدمة ، بناءً على أن يكون متنها ما أثبته في الحدائق (٢) من قوله : « والإقامة واحدة واحدة ».

ولكنه لم يثبت ، فانّ الموجود في الوسائل والوافي (٣) ما عرفت من ذكر كلمة « واحدة » مرّة واحدة ، أي إنّ الإقامة في السفر والحضر بشكل واحد. فلا تقصير فيها ، وإنّما هو في الأذان فقط. مضافاً إلى ما عرفت من ضعف السند.

نعم ، يمكن أن يستدل له ببعض المطلقات كصحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : الأذان مثنى مثنى ، والإقامة واحدة واحدة » (٤) ، بناءً على أنّ القدر المتيقن منها حال السفر والعجلة. وقد حملها الشيخ على ذلك (٥).

وأمّا في حال الاستعجال فيدل على التقصير في الأذان صحيحة أبي عبيدة الحذاء قال : « رأيت أبا جعفر عليه‌السلام يكبّر واحدة واحدة في الأذان ، فقلت له : لم تكبّر واحدة واحدة؟ فقال : لا بأس به إذا كنت مستعجلاً » (٦) بناءً على أنّ المراد من التكبير ما يشمل بقية الفصول بقرينة قوله : « واحدة واحدة » إذ التكرار في الواحدة لا يكون إلا بلحاظ سائر الفصول.

وأمّا التقصير في الإقامة فلم يرد فيه نص خاص ، إلا أن يستدل له بإطلاق صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة آنفاً حسبما عرفت.

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ١٧٩.

(٢) الحدائق ٧ : ٤٠٥.

(٣) الوافي ٧ : ٥٧٩ / ٦٦٢٩.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٢٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٢ ، ذيل ح ٢١٥.

(٦) الوسائل ٥ : ٤٢٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ٤.

٢٦٤

كما يجوز ترك الأذان والاكتفاء بالإقامة (١). بل الاكتفاء بالأذان فقط (١) (٢).

______________________________________________________

(١) لجملة من النصوص : منها : صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه‌السلام : أنّه « قال : يجزئ في السفر إقامة بغير أذان » (١).

وروايته الأُخرى وإن كانت ضعيفة السند بعلي بن السندي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سمعته يقول : يقصّر الأذان في السفر كما تقصّر الصلاة ، تجزئ إقامة واحدة » (٢).

وصحيحة محمد بن مسلم والفضيل بن يسار عن أحدهما عليه‌السلام « قال : يجزئك إقامة في السفر » (٣).

ويظهر من هذه النصوص اشتمال السفر على خصوصية تستوجب الاجتزاء بالإقامة ، وإلا فيجوز ذلك في الحضر أيضاً ، كما نطقت به صحيحة الحلبي « عن الرجل هل يجزئه في الحضر إقامة ليس معها أذان؟ قال : نعم لا بأس به » (٤). هذا كله في حال السفر. وأمّا في حال الاستعجال فلم يرد فيه نص ما عدا رواية أبي بصير عن أحدهما عليه‌السلام في حديث « قال : إن كنت وحدك تبادر أمراً تخاف أن يفوتك تجزئك إقامة ، إلا الفجر والمغرب فإنه ينبغي أن تؤذّن فيهما وتقيم ... » إلخ (٥).

ولكنها مضافاً إلى أنها أخص من المدعى ، ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة.

(٢) هذا لم نقف على مستنده ، لا في المسافر ولا في المستعجل ولا في غيرهما من سائر الحالات ، إذ لم ترد في ذلك ولا رواية ضعيفة ، والمنسبق من نصوص الأذان للصلاة اختصاص المشروعية بصورة الاقتران بالإقامة ، وأمّا الإتيان به‌

__________________

(١) لم نقف على مستنده ، ولا بأس بالإتيان به رجاءً‌

(١) الوسائل ٥ : ٣٨٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ١.

(٢) ، (٣) الوسائل ٥ : ٣٨٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ٩ ، ٧.

(٤) الوسائل ٥ : ٣٨٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ٣.

(٥) الوسائل ٥ : ٣٨٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ٧.

٢٦٥

ويكره الترجيع على نحو لا يكون غناء وإلا فيحرم (١) وتكرار الشهادتين جهراً بعد قولهما سرّاً أو جهراً (٢) بل لا يبعد كراهة مطلق تكرار واحد من الفصول إلا للإعلام.

______________________________________________________

منفرداً ومنعزلاً عنها فلا دليل على مشروعيته حينئذ حتى في الحاضر غير المستعجل.

نعم ، لا بأس بالاكتفاء به رجاءً كما جاء في تعليقة الأُستاذ ( دام ظله ).

(١) أمّا الحرمة لدى البلوغ حدّ الغناء فلا شبهة فيها في المقام.

وأمّا دون البلوغ هذا الحد فلا دليل على الكراهة عدا ما في الفقه الرضوي حيث إنّه بعد ذكر فصول الأذان وعددها « قال : ليس فيها ترجيع ولا تردد » (١) بناءً على تفسيره بترجيع الصوت كما احتمله في البحار (٢) في قبال من فسّره بتكرار التكبير والشهادتين كما ستسمع ، وكيف ما كان ، فبما أنّ الفقه الرضوي لا نعتمد عليه فالحكم المزبور غير ثابت إلا على قاعدة التسامح وشمولها للمكروهات.

(٢) لا شبهة في عدم جواز التكرار مطلقاً ، إذا كان بقصد الجزئية والمشروعية فإنه تشريع محرم ، كما لا ينبغي الشك في الجواز إذا كان بقصد الاعلام ، لكونه مطابقاً لمقتضى القاعدة كما تقدم ، مضافاً إلى خبر أبي بصير الوارد في تكرار بعض الفصول وإن كان ضعيف السند حسبما سبق (٣).

وأمّا من دون أيّ القصدين فقد يقال بالكراهة ، بل في الحدائق (٤) عن العلامة دعوى الإجماع عليها ، إمّا لمفهوم القضية الشرطية في خبر أبي بصير المزبور ، أو لتفسير الترجيع المذكور في الفقه الرضوي المتقدّم آنفاً بذلك ، ولكن‌

__________________

(١) المستدرك ٤ : ٤٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ١ ، فقه الرضا : ٩٦.

(٢) البحار ٨١ : ١٥٠.

(٣) في ص ٢٦٠.

(٤) الحدائق ٧ : ٤١٧.

٢٦٦

[١٣٩٣] مسألة ١ : يسقط الأذان في موارد (١) : أحدها : أذان عصر يوم الجمعة إذا جمعت مع الجمعة أو الظهر (١).

______________________________________________________

التفسير لم يثبت. مضافاً إلى ضعف سند الخبرين. فالحكم إذن مبني على قاعدة التسامح لو قلنا بها وبانسحابها إلى المكروهات.

(١) على المشهور ، بل عن الغنية (١) والسرائر (٢) والمنتهى (٣) دعوى الإجماع عليه ، ويستدل له بوجوه :

أحدها : الإجماع.

وفيه : مضافاً إلى أنّه منقول وليس بحجة ، أنّ دعواه موهونة ، والصغرى ممنوعة ، فإن ابن إدريس الحاكي للإجماع خص السقوط بمن صلى الجمعة دون الظهر ، ومثله ابن البراج (٤) ومال إليه في الجواهر (٥) بل عن جماعة كالمحقق الأردبيلي (٦) وصاحب المدارك (٧) والمفيد في المقنعة على ما حكاه عنه في المدارك (٨) المنع عن السقوط مطلقاً ، وإن كانت نسخة المقنعة التي بأيدينا خالية عن ذلك ، إذ الموجود فيها هكذا : ثم قم وأقم لصلاة العصر (٩).

__________________

(١) الظاهر سقوط الأذان في عصر عرفة وعشاء المزدلفة حال الجمع على نحو العزيمة ، وأمّا في غيرهما من الموارد المذكورة فلم يثبت السقوط ولو بعنوان الجمع ، وقد مرّ حكم المسلوس والمستحاضة.

(١) الغنية : ٩١.

(٢) السرائر ١ : ٣٠٥.

(٣) المنتهي ٤ : ٤١٩.

(٤) المهذب ١ : ١٠٢.

(٥) الجواهر ٩ : ٣٠.

(٦) مجمع الفائدة ٢ : ١٦٥.

(٧) المدارك ٣ : ٢٦٤.

(٨) المدارك ٣ : ٢٦٤.

(٩) المقنعة : ١٦٢ [ ولكن الموجود فيه ثم قم فأذن للعصر وأقم ... ].

٢٦٧

وكيف ما كان فالإجماع غير ثابت ، بل غايته الشهرة الفتوائية ولا اعتبار بها.

ثانيها : موثقة حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه‌السلام « قال : الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة » (١).

ونوقش في سندها بأنّ حفصاً عامي المذهب كما عن الشيخ في العدة (٢) والكشي في رجاله (٣).

وفيه : أنّ ذلك لا يقدح بوثاقته التي شهد بها الشيخ في كتاب العدة ، حيث صرح بأنّ الأصحاب قد عملوا برواياته ، فانّ الظاهر من ذلك أنّ العمل من أجل وثاقته في نفسه لا لمجرد التعبد بذلك.

فما هو المشهور من زمن صاحب المدارك من تضعيفه كأنه في غير محله. وأمّا السند إلى حفص ، فهو وإن كان ضعيفاً في طريق الكليني بمحمّد بن الحسين (٤). ولكنه صحيح في طريق الشيخ ، فلا ينبغي الخدش في السند.

نعم ، هي قاصرة الدلالة ، لابتنائها على تفسير الأذان الثالث بأذان العصر ، إمّا باعتبار كونه ثالثاً لأذاني الفجر والظهر ، أو لكونه ثالثاً للأذان لصلاة الظهر والإقامة لها. وإمّا بناءً على تفسيره بالأذان الثاني للظهر الذي قيل إنّه ابتدعه عثمان أو معاوية لبعد داره عن المسجد والتعبير بالثالث لأحد الاعتبارين المزبورين. ويعضده التعبير بالبدعة كما لا يخفى ، فتكون الموثقة حينئذ أجنبية عن محل الكلام.

ثالثها : النصوص الكثيرة الدالة على الاكتفاء بأذان وإقامتين لدى الجمع بين صلاتين المستفاد منها كبرى كلية ، وهي سقوط الأذان للصلاة الثانية لدى‌

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٤٠٠ / أبواب صلاة الجمعة ب ٤٩ ح ١.

(٢) عدة الأصول ١ : ٥٦ السطر ١٢.

(٣) رجال الكشي : ٣٩٠ / ٧٣٣.

(٤) الظاهر أنّ المراد به هو محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الثقة فلاحظ.

٢٦٨

الجمع ، وقد تعرّض الفقهاء لهذه الكبرى وجعلوها برأسها من المسقطات ، ومن العجيب إهمال الماتن قدس‌سره لها.

وحيث لا نافلة بين الظهرين يوم الجمعة فلا جرم يجمع بين الصلاتين وبذلك يندرج المقام تحت تلك الكبرى ، فمن تلك النصوص :

صحيحة رهط منهم الفضيل وزرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين » (١).

وصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام « أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علّة بأذان واحد وإقامتين » (٢).

وما رواه الكليني بإسناده عن صفوان الجمال قال : « صلى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام الظهر والعصر عند ما زالت الشمس بأذان وإقامتين ، وقال : إنّي على حاجة فتنفّلوا » (٣).

ونحوها غيرها ، وفي جملة منها تعليل الحكم بإرادة التخفيف عن الأُمّة والتوسيع عليهم.

وفيه : أنّه لم يظهر من تلك النصوص سقوط الأذان عن الاستحباب بحيث يستوجب تخصيصاً في دليل مشروعيته ، وإنّما هو لأجل التخفيف والتوسيع كما سمعته من النصوص ، فمن الجائز بقاء الاستحباب على حاله ، وإنّما لم يعمل به لأنّ البدار والاستعجال لصلاة العصر أفضل لمصلحة تقتضيه كالتسهيل على الأُمة ، أو الحاجة المهمة التي أُشير إليها في رواية صفوان ، فيكون من باب تقديم الأرجح على الراجح ، لا من باب التخصيص ، فالكبرى المزبورة غير ثابتة.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٤٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٢٠ / أبواب المواقيت ب ٣٢ ح ١.

(٣) الوسائل ٤ : ٢١٩ / أبواب المواقيت ب ٣١ ح ٢ ، الكافي ٣ : ٢٨٧ / ٥.

٢٦٩

وأمّا مع التفريق فلا يسقط (١).

______________________________________________________

رابعها : استقرار سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والمعصومين عليهم‌السلام على ترك الأذان لصلاة العصر يوم الجمعة لدى الجمع ، فإنّه لو لم يكن ساقطاً وكان مشروعاً لصدر منهم ولنقل إلينا بطبيعة الحال ، فمن الالتزام بالمطروحية يستكشف عدم المشروعية ، وقد اختار صاحب الجواهر هذا الوجه لكن مع الاختصاص بما إذا صلى الجمعة دون الظهر ، لاختصاص السيرة الجارية بذلك.

وفيه : أنّ السيرة وإن كانت مستقرة إلا أنّ الجزم بنشئها عن عدم المشروعية غير واضح ، لجواز كون الأذان مشروعاً في نفسه وراجحاً ، ولكن الإسراع في تقديم صلاة العصر وتفريغ الذمة عنها رعاية لحال ضعفاء المأمومين حيث لا نافلة يشتغلون بها ، أو لغير ذلك من العناوين الراجحة الحاصلة بترك الأذان المسبوق بأذان يمكن الاكتفاء به أرحج ، فكان الالتزام بالترك لأجل أفضليّة التسريع في الجمع ، فاذا لم يرد الإسراع وأخّر ولو في الجملة بقي الأذان على استحبابه.

وبعبارة اخرى : الأذان للعصر راجح والاستعجال لها أرجح ، فمن ثمّ التزم به الأئمة عليهم‌السلام فإنّ السيرة عمل لا لسان له. وأما ما يقال : من جريان سيرتهم عليهم‌السلام على ترك الأذان في جميع موارد الجمع بين الصلاتين حتى الاختياري منه ، ففيه : منعه أوّلاً ، وعلى تقدير تسليمه يجرى فيه ما عرفته آنفاً.

وقد تحصّل من جميع ما تقدم : أنّ ما اختاره صاحب المدارك تبعاً للمحقق الأردبيلي من عدم السقوط لدى الجمع مطلقاً ، سواء أكان في عصر الجمعة أم غيرها ، وسواء صلى صلاة الجمعة أم الظهر ، هو الصحيح ، فلا مجال معه للبحث عن أنّه بنحو الرخصة أو العزيمة.

(١) لقصور المقتضي للسقوط ، إذ هو إمّا الإجماع ، والمتيقن منه صورة الجمع ولا سيّما مع تصريح جماعة كثيرة من المجمعين بذلك ، أو السيرة وموردها‌

٢٧٠

الثاني : أذان عصر يوم عرفة إذا جمعت مع الظهر لا مع التفريق.

الثالث : أذان العشاء في ليلة المزدلفة مع الجمع أيضاً لا مع التفريق (١).

______________________________________________________

أيضاً ذلك ، إذ لم تثبت مع التفريق ، فيرجع حينئذ إلى إطلاقات المشروعية.

(١) على المشهور ، بل إجماعاً كما عن غير واحد ، وقد دلت عليه جملة من النصوص بعضها تضمّن الحكم في كلا الموردين ، أعني عصر عرفة وعشاء المزدلفة ، كصحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام « قال : السنّة في الأذان يوم عرفة أن يؤذّن ويقيم للظهر ثم يصلي ، ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان ، وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة » المؤيدة بمرسلة الصدوق (١).

وبعضها يختص بالعشاء في المزدلفة ، كصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : صلاة المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين ، ولا تصلّ بينهما شيئاً ، وقال : هكذا صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٢).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا تصلّ المغرب حتى تأتي جمعاً فصلّ بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان وإقامتين » الحديث (٣).

وهذا الحكم في الجملة مما لا إشكال فيه ، وإنّما الكلام في جهات :

الاولى : لا إشكال في اختصاص الحكم في عشاء ليلة المزدلفة بمن كان فيها لاختصاص النصوص بذلك ، وهل الحكم في عصر عرفة أيضاً كذلك ، فيختص بمن كان في عرفات ، أو أنّه من أحكام هذا اليوم وإن لم يكن فيها؟

المشهور هو الأوّل ، ولكنه قد يقال بالثاني ، نظراً إلى الإطلاق في صحيح ابن سنان ، إذ الموضوع فيها يوم عرفة لا من كان بعرفة ، فهو من أحكام الزمان لا المكان.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٤٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٦ ح ١ ، ٣ ، الفقيه ١ : ١٨٦ / ٨٨٥.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٥ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٤ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ١.

٢٧١

ويندفع أولاً : بأنّ فاعل « يؤذّن ويقيم » في قوله : « السنة في الأذان ... » إلخ ضمير يعود إلى غائب معهود ، وليس هو بمقتضى سياق الكلام إلا الحاج ، إذ لو أُريد به مطلق المصلي لكان الأحرى بمقتضى قانون المحاورة توجيه العبارة بصورة الخطاب لا الغياب بأن يقول عليه‌السلام : تؤذّن وتقيم ... إلخ بدل « يؤذّن ويقيم » كما لا يخفى فاذا كان الفاعل هو الحاج اختص الحكم بمن في عرفة بطبيعة الحال.

وثانياً : أنّ عطف عشاء المزدلفة في ذيل العبارة كاشف بمقتضى اتحاد السياق عن أنّ الحكمين من سنخ واحد وأنّهما معاً من خواص المكان ، فما عليه المشهور هو الأصح.

الثانية : هل الحكم بالسقوط خاصّ بصورة الجمع بين الظهرين أو العشاءين أو يعمّ صورة التفريق؟

الظاهر هو الأوّل ، فإنّه المنصرف والمنسبق من نصوص المقام المعتضد بالتصريح به في مرسلة الصدوق ، ولا سيّما وأنّ الجمع هو الوظيفة المقررة في هذين الموردين.

الثالثة : هل السقوط في المقام رخصة أو عزيمة؟

الظاهر هو الثاني لقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان : « السنة في الأذان ... » إلخ ، الظاهر في أنّ خلافه مخالف للسنّة المساوق للتشريع ، فلا جرم يكون السقوط على سبيل العزيمة ، إذ هو بمثابة الأذان لغير الصلوات اليومية الذي لم تجر عليه السنة ، وسيتعرض الماتن لهذه الجهة بنطاق عام بعد حين فانتظر.

الرابعة : ظاهر صحيحة منصور المتقدمة عدم مشروعية التنفل بين العشاءين ، وكذا معتبرة عنبسة بن مصعب (١) لكن ظاهر صحيحة أبان بن‌

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٥ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ٤.

٢٧٢

الرابع : العصر والعشاء للمستحاضة التي تجمعهما مع الظهر والمغرب (١).

الخامس : المسلوس (٢)

______________________________________________________

تغلب (١) هو الجواز ، ومقتضى الجمع بقاء الاستحباب والمشروعية بمرتبة ضعيفة.

(١) لم يرد نص خاص في المقام وإن ادعاه في الجواهر (٢) فانّا لم نقف عليه ، ولا يبعد أن يكون سهواً من قلمه الشريف ، وإنّما الوارد في نصوص المستحاضة أنّها تجمع بين الظهرين بغسل ، وبين العشاءين بغسل.

إذن فالقول بالسقوط يبتني على أحد أمرين :

إمّا دعوى أنّه من أحكام الجمع في كافة موارده ومنه المقام كما عوّل عليها في الحدائق (٣) ، ولكن هذه الكلية لم يتعرض إليها الماتن ، وقد سبق أنّه لا دليل عليها.

أو دعوى أنّ فعل الأذان للثانية موجب للتأخير ، ولا بد للمستحاضة من التعجيل جموداً على المقدار المتيقن من العفو عن هذا الدم ، فانّ الثابت هو المقدار الخارج في صورة العجلة دون الزائد عليه.

وفيه : أنّ المدار على الاستعجال العرفي لا الدقي. فهذا المقدار غير ضائر بصدق الجمع ، إذ لا يلزمها الاقتصار على الواجبات ، ولا مانع من الإتيان بنبذ من السنن المتعارفة المتعلقة بالصلاة التي من أظهرها الأذان ، وإلا لما ساغ الإتيان بالأذان للأُولى أيضاً.

إذن فلا دليل على السقوط في المقام والمتبع حينئذ إطلاقات المشروعية.

(٢) لصحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه « قال : إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان حين الصلاة أخذ كيساً وجعل فيه قطناً ثم‌

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٥ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ٥.

(٢) الجواهر ٩ : ٣٤.

(٣) الحدائق ٧ : ٣٨٤.

٢٧٣

علّقه عليه وأدخل ذكره فيه ثم صلى ، يجمع بين صلاتين الظهر والعصر ، يؤخّر الظهر ويعجّل العصر بأذان وإقامتين ، ويؤخّر المغرب ويعجّل العشاء بأذان وإقامتين » (١).

والدلالة واضحة ، كما أنّ السند تام ، وإنّما الكلام في أنّ السقوط هل هو على نحو الرخصة أو العزيمة؟

ذهب صاحب الحدائق إلى الثاني مصرّاً عليه بدعوى أنّ العبادة توقيفية ، وبعد تقييد إطلاقات المشروعية بهذه الصحيحة لم يبق ثمة أمر بالأذان ، وبدونه يكون الإتيان به تشريعاً محرّماً ، فكيف يصح القول بأنّ السقوط على سبيل الرخصة ، بل هو بدعة وكل بدعة ضلالة (٢).

ويندفع : بأنّ التقييد إنّما يتجه لو دلت الصحيحة على لزوم الجمع ووجوبه ، وليس كذلك ، بل مفادها الترخيص فيه لحكمة التسهيل والتخفيف ، وإلا لما جاز التفريق بين الصلاتين بوضوءين مع جوازه بالضرورة.

وبالجملة : غاية ما يستفاد من الصحيحة أنّ الاكتفاء بوضوء واحد خاص بما إذا لم يتخلل بينه وبين الصلاتين غير أذان وإقامتين ، فالأذان الثاني لا يترتب عليه إلا عدم الطهورية لا عدم المشروعية ، فدعواه العزيمة لا سيّما مع الإصرار عليها غريبة.

ومثلها في الغرابة ما أصرّ عليه أيضاً من الالتزام بالسقوط في جميع موارد الجمع ، مدّعياً أنّ ذلك من آثاره وأحكامه حتى في الجمع بين الظهرين والعشاءين في عرفات ومزدلفة ، فانّ ذلك عار عن الدليل ومجرد استحسان محض ، والمعصومون عليهم‌السلام وإن كانوا ملتزمين بذلك ، إلا أنّك عرفت أنّ الالتزام عمل ولا لسان له ، فلا يكشف عن السقوط ، ومن الجائز مشروعية الأذان في نفسه وإن كان الترك لغاية أُخرى أفضل.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٩٧ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٩ ح ١.

(٢) الحدائق ٧ : ٣٨٢.

٢٧٤

ونحوه (١) في بعض الأحوال التي يجمع بين الصلاتين ، كما إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين بوضوء واحد. ويتحقق التفريق بطول الزمان بين الصلاتين (٢) ، لا بمجرد قراءة تسبيح الزهراء أو التعقيب والفصل القليل ، بل لا يحصل بمجرد فعل النافلة مع عدم طول الفصل.

______________________________________________________

(١) كالمبطون والمسلوس سلس الريح ، ولكن إلحاقهما بالمسلوس بالبول الذي هو مورد النص يتوقف على أحد أمرين : إمّا دعوى أنّ السقوط من أحكام مطلق الجمع بين الصلاتين ، وقد عرفت ما فيها ، والماتن أيضاً لم يلتزم بها لعدم تعرضه إليها.

أو دعوى إلغاء خصوصية المورد ، وعهدتها على مدّعيها ، فإنّها وإن كانت محتملة من النص ، لكنّها لم تبلغ حدّ الظهور العرفي بحيث يمكن التعويل عليه. إذن فلم يثبت السقوط فيما عدا مورد النص ممّن يستمرّ به الحدث.

(٢) اختلفت كلمات الفقهاء ( قدّس الله أسرارهم ) في تفسير التفريق الذي به يزول عنوان الجمع المعلّق عليه سقوط الأذان في موارد الجمع على القول به ، وفي الظهرين والعشاءين في عرفات ومزدلفة على ما هو ظاهر النص كما تقدم.

فعن جماعة منهم السيد الماتن قدس‌سره أنّه عبارة عن الفصل الطويل بين الصلاتين بمثابة لا يصدق عرفاً عنوان الجمع بينهما وإيقاعهما في زمان واحد ، فلا يصدق التفريق بمجرد التعقيب أو التسبيح ونحوهما ممّا يعدّ من توابع الصلاة الاولى ، بل ولا بمجرد فعل النافلة ونحوه مما لا يستوعب إلا فصلاً قليلاً.

وعن جماعة آخرين : تفسيره بفعلهما في وقتيهما في قبال الجمع الذي هو عبارة عن فعل الفريضتين معاً في وقت إحداهما ، كالاتيان بالعصر في وقت فضيلة الظهر أو بالعكس ، وهكذا في العشاءين.

وعن ثالث : أنّ العبرة بتخلل النافلة بينهما ، فان تنفّل فقد فرّق وإلا فقد جمع.

٢٧٥

وعن رابع : اعتبار الفصل الطويل عرفاً مع إلحاق التنفّل به تعبداً ، فمع تخلل النافلة يصدق التفريق للنص وإن لم يتحقق الفصل المعتد به.

والصحيح هو الوجه الأوّل ، فإنّه المنسبق إلى الذهن والمتبادر إلى الفهم من اللفظين : الجمع والتفريق لدى الإطلاق كما لا يخفي.

وأمّا الوجه الثاني ، فيردّه مضافاً إلى أنه خلاف الانسباق العرفي كما عرفت ، أنّ لازمه صدق التفريق فيما لو أتى بالظهر في آخر وقت فضيلتها متصلة بالعصر في أوّل وقتها وهو كما ترى.

وأمّا الوجهان الأخيران فمبنيّان على الاعتداد بالنصوص الدالة على حصول التفريق بالنافلة ، مع أنّها مخدوشة فإنّها روايات ثلاث :

الاولى : ما رواه الكليني بإسناده عن محمد بن حكيم قال : « سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوّع ، فاذا كان بينهما تطوّع فلا جمع » (١).

الثانية : روايته الأُخرى عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « سمعته يقول : إذا جمعت بين صلاتين فلا تطوّع بينهما » (٢).

الثالثة : موثقة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عليه‌السلام « قال : رأيت أبي وجدّي القاسم بن محمد يجمعان مع الأئمة المغرب والعشاء في الليلة المطيرة ، ولا يصلّيان بينهما شيئاً » (٣).

أمّا الأُولى : فهي ضعيفة السند ، لأنّ محمد بن موسى الواقع في الطريق مردد بين الملقب بـ « خوراء » الثقة ، وبين الهمداني الضعيف ، كما أنّ من يروي عنه هذا الرجل مردد أيضاً حسب اختلاف النسخة بين محمد بن عيسى الثقة ، وبين علي بن عيسى ، ولم يوثق ، أضف إلى ذلك أنّ محمد بن حكيم بنفسه لا توثيق له (٤).

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٤ : ٢٢٤ / أبواب المواقيت ب ٣٣ ح ٣ ، ٢ ، الكافي ٣ : ٢٨٧ / ٤.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٢٥ / أبواب المواقيت ب ٣٣ ح ٤.

(٤) ولكنه ممدوح لاحظ المعجم ١٧ : ٣٦ / ١٠٦٤٧.

٢٧٦

وأمّا الثانية : فكذلك ، إذ مضافاً إلى ما عرفت من ضعف الراوي بنفسه ، قد اشتمل السند على سلمة بن الخطاب وهو وإن ورد في أسناد كامل الزيارات ولكنه معارض بتضعيف النجاشي (١) له صريحاً ، وكذلك العلامة (٢) وابن الغضائري (٣) ، والعمدة هو الأوّل. وأمّا الحسين بن يوسف فهو من رجال كامل الزيارات.

وبالجملة : فالروايتان كلتاهما ضعيفتان سنداً ولم يتضح وجه لتعبير صاحب الحدائق (٤) عن الأُولى بالموثقة.

على أنّهما قاصرتان دلالة أيضاً ، نظراً إلى أنّهما قد تضمّنتا تنزيل الجمع المقرون بالتطوع منزلة التفريق ، وله أثران كل منهما يصلح أن يكون التنزيل بلحاظه أحدهما عدم سقوط الأذان ، والثاني استحبابه في نفسه ، حيث إنّه يستحب إيقاع كل صلاة في وقت فضيلتها وهو أمر مرغوب فيه عند الشارع ، وقد دلت النصوص الكثيرة أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يفرّق بين الصلاتين ، فكان الناس ينصرفون إلى بيوتهم ثم يرجعون لإقامة الصلاة الثانية ، فدلّت هذه على حصول التفريق بتخلل النافلة من دون حاجة إلى الصبر وانتظار دخول الوقت كما هو المتعارف في عصرنا بالإضافة إلى العشاءين ، فيكون مفادها مفاد ما في غير واحد من الأخبار من أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل الوقتان ، ولا يمنعك إلا سبحتك وهي النافلة. وقد ذكرنا في مبحث الأوقات أنّ التحديد بالقدم والقدمين أو الذراع والذراعين إشارة إلى ذلك (٥).

وكيف ما كان : فلم يعلم أنّ التنزيل في الروايتين بلحاظ أيّ من الأثرين ،

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٨٧ / ٤٩٨.

(٢) الخلاصة : ٣٥٤ / ١٤٠٢.

(٣) مجمع الرجال ٣ : ١٥٢.

(٤) الحدائق ٧ : ٣٧٩.

(٥) شرح العروة ١١ : ١٥٦.

٢٧٧

ولعله بلحاظ الثاني الذي هو أظهر الأثرين وأبرزهما كما لا يخفى ، فتكونان حينئذ أجنبيتين عن محل الكلام.

وأمّا الثالثة : فهي أجنبية عن محل الكلام بالكلية ، إذ ليس مفادها ما عدا أنّه عليه‌السلام هو وجدّه جمعا بين الصلاتين في ليلة مطيرة ولم يتنفلا بينهما ، وأمّا أنّ التنفّل هل هو قادح في الجمع أو لا ، فلا إيعاز إلى ذلك فضلاً عن الدلالة ، فإنّها حكاية فعل مجمل العنوان كما لا يخفى.

والمتحصل : أنّه لم ينهض ما يدل على أنّ الإتيان بالنافلة بمجرده يستوجب التفريق المنافي للجمع المحكوم بسقوط الأذان معه على القول به.

والذي ينبغي أن يقال : إنّ سقوط الأذان تارة يكون لأجل الجمع وأُخرى لجهات اخرى.

أمّا الجمع : فقد عرفت أنّ كبرى السقوط تحت هذا العنوان لا دليل عليها وإن ذهب إليها المشهور ، فلا مجال للبحث عن أنّ تخلل النافلة قادح أم لا.

وأمّا المسلوس فقد تقدم أنّ سقوط الأذان فيه رخصة لا عزيمة ، ومعه لا جدوى للبحث عن قدح تخلل النافلة وعدمه كما لا يخفى. وإنّما تظهر النتيجة فيما إذا كان السقوط على سبيل العزيمة كما في عرفات ومزدلفة حيث نطقت صحيحة ابن سنان بجريان السنّة على سقوط الأذان حسبما تقدّم (١) لكنّ الغالب في عرفات سقوط النافلة ، لكون الحاج مسافراً ، ووضوح سقوط نوافل الظهرين في السفر.

وأمّا لو كان حاضراً فتنفّل أو تنفّل بين العشاءين في المزدلفة ، فهل يكون هذا التخلل قادحاً في سقوط الأذان؟

مقتضى إطلاق صحيح ابن سنان المشار إليه هو العدم ، إذ لم يؤخذ فيه عنوان الجمع كي يتوهم انثلامه بالتنفل ، بل المأخوذ فيه القيام إلى الثانية بعد‌

__________________

(١) في ص ٢٧١.

٢٧٨

والأقوى أنّ السقوط في الموارد المذكورة رخصة لا عزيمة (١) وإن كان الأحوط الترك ، خصوصاً في الثلاثة الأُولى.

[١٣٩٤] مسألة ٢ : لا يتأكد الأذان لمن أراد إتيان فوائت في دور واحد لما عدا الصلاة الأُولى (٢) ، فله أن يؤذّن للأُولى منها ويأتي بالبواقي بالإقامة وحدها لكل صلاة.

______________________________________________________

الاولى ، ولا شبهة في صدق هذا العنوان ولو تنّفل ، ولا سيّما إذا تنفّل جالساً ، إذ النافلة تعدّ من توابع الاولى ، فلا تقدح في صدق المبادرة إلى الثانية عرفاً والقيام إليها.

يبقى الكلام في أنّ التنفّل المزبور هل هو مشروع في المزدلفة؟ فإنّ النصوص في ذلك متعارضة ، ومقتضى قوله عليه‌السلام في صحيحة منصور : « ولا تصلّ بينهما شيئاً » (١) هو العدم ، لكن صريح صحيحة أبان (٢) هو الجواز.

ويمكن الجمع بحمل الاولى على نفي التأكيد ، حيث إنّ المقام مقام توهم تأكد الاستحباب كما لا يخفى ، ومع التعارض والتساقط فالمرجع إطلاقات الأمر بالتنفل بين العشاءين.

(١) بل قد عرفت اختلاف الحال فيها ، وأنّه في المورد الثاني والثالث عزيمة وفي الخامس رخصة ، وفي غيرها لم يثبت السقوط من أصله فلاحظ.

(٢) هذا الحكم في الجملة مما لا كلام فيه ، وقد نطقت به جملة من النصوص كصحيحة محمد بن مسلم قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلى الصلوات وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ، ثم ذكر بعد ذلك ، قال : يتطهر ويؤذّن ويقيم في أوّلهنّ ثم يصلي ويقيم بعد ذلك في كل صلاة فيصلي بغير أذان حتى يقضي صلاته (٣).

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ١٤ : ١٥ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ٣ ، ٥.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٥٤ / أبواب قضاء الصلوات ب ١ ح ٣.

٢٧٩

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : إذا نسيت الصلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها وأقم ثم صلّها ثم صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة » (١) ونحوهما غيرهما.

فأصل الحكم مما لا إشكال فيه ، وإنما الكلام في أمرين :

أحدهما : في أنّه مع الغض عن هذه النصوص فهل هناك دليل على مشروعية الأذان لصلاة القضاء ، أو أنّ المقتضي في نفسه قاصر ويختص المشروعية بالصلوات الأدائية فلا يشرع للقضاء ، كما لم يشرع لجملة أُخرى من الصلوات كالآيات والأموات ونحوهما؟

ثانيهما : أنّه بعد الفراغ عن المشروعية فهل السقوط في المقام رخصة أو أنّه عزيمة؟

أمّا الأمر الأوّل : فقد استدل العلامة في المنتهي (٢) لمشروعية الأذان في الفوائت بروايتين :

إحداهما : قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة ؛ « ... يقضي ما فاته كما فاته ... » إلخ (٣) فانّ مقتضى المماثلة التساوي بين القضاء والأداء في كافة الأحكام التي منها استحباب الأذان والإقامة.

ثانيتهما : ما رواه الشيخ بإسناده عن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سئل عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة؟ قال : نعم » (٤) بعد وضوح أنّ الإعادة في لسان الأخبار أعمّ من معناها الاصطلاحي فتشمل القضاء.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٥٤ / أبواب قضاء الصلوات ب ١ ح ٤.

(٢) المنتهي ٤ : ٤١٦.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٦٨ / أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ١.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٧٠ / أبواب قضاء الصلوات ب ٨ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٦٧ / ٣٦٧.

٢٨٠