موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٣

الشيخ مرتضى البروجردي

الخارجي تراب مثلاً أم غيره مما يقطع بعدم صحة السجود عليه ، فلا ريب أنّ المرجع حينئذ قاعدة الاشتغال ، لكون المفهوم وما تعلّق به الوجوب مبيناً على الفرض فلا شك في مقام الجعل ، وإنمّا الشك في انطباقه على الموجود الخارجي ، فلا بدّ من تحصيل القطع بالفراغ بعد العلم بالتكليف ، ولا يتحقق إلا بالسجود على متيقن الأرضية ، وهذا ظاهر.

الجهة الثانية : قد عرفت أنّ الموضوع لوجوب السجود هو عنوان الأرض ، فكل ما صدق عليه اسم الأرض جاز السجود عليه ، سواء أكان من المعادن أم غيرها ، إذ لم يؤخذ في مفهوم المعدن خروجه عن اسم الأرض لا لغة ولا عرفاً ، كما أنّ عنوان المعدن لم يؤخذ موضوعاً لجواز السجود ولا لعدمه في شي‌ءٍ من الروايات حتى الضعيفة كي يتكلّم في تحقيق هذا المفهوم سعة وضيقاً.

وبالجملة : الحكم دائر نفياً وإثباتاً مدار صدق اسم الأرض ، فمهما صدق العنوان جاز السجود عليه ، وإن صدق عليه اسم المعدن أيضا ، وإلا فلا ، وقد عرفت حكم الشك آنفاً.

الجهة الثالثة : في تحقيق حال الأمور المذكورة في المتن من أمثلة المعدن ، وأنها هل تصدق عليها اسم الأرض كي يصح السجود عليها كما عرفت أو لا؟

أمّا الذهب والفضة فلا ارتياب في عدم صحة السجود عليهما ، لخروجهما عن اسم الأرض ونباتها ، ضرورة أنّهما ليسا من الأرض ، وإنّما هما فلزّان مخصوصان يتكوّنان في الأرض بقدرته تعالى ، وإن كانت موادّهما متخذة من نفس الأرض على كلام فيه ، لذهاب جملة من متأخري الفلاسفة إلى كونهما بسائط بالذات مباينة مع الأرض في حقائقها وماهيتها.

وكيف كان ، فلا ريب في عدم صدق الأرض عليهما كنباتها.

وأما العقيق والفيروزج ونحوهما من الأحجار الكريمة ، ففي خروجها عن‌

١٤١

اسم الأرض تأمل بل منع ، إذ لا نرى فرقاً بينها وبين بقية الأحجار كالحصاة ونحوها في صدق اسم الأرض عليها ، غايته أنّها تشتمل على صفات خاصة من الصفاء والجلاء واللون الخاص الموجب لرغبة العقلاء إليها ، وبذل المال بإزائها ، وبذلك أصبحت من الأحجار الكريمة. مع أنّ هذه الصفات ربما توجد بمثلها بل فوقها في غيرها من سائر الأحجار كبعض الحصيات الواقعة في قعر الأنهار ، أو كبعض أنواع الزجاج ، ومع ذلك لا تعدّ كريمة ولا يرغب فيها العقلاء.

وبالجملة : اتصاف تلك الأحجار بكونها كريمة وشرائها بأغلى الثمن لعلّة لا نعرفها ، لا يستوجب خروجها عن صدق اسم الأرض. وقد نقل أنّ بعض أراضي إفريقيا كلها عقيق ، فهل ترى فرقاً بينها وبين سائر الأماكن من بقية بقاع الأرض في صدق اسم الأرض عليها.

هذا ومع التنزل فلا أقلّ من الشك واحتمال صدق الأرض عليها وقد عرفت في الجهة الاولى أنّ المرجع عند الشك في موارد الشبهة المفهومية أصالة البراءة ، فتقيّد المسجد بعدم كونه من هذه الأحجار مشكوك يدفع بالأصل.

وعليه فالأقوى خلافاً للمشهور ومنهم الماتن جواز السجود عليها ، وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه ، حذراً عن مخالفة المشهور ، وقد يتفق أنّ السجود عليها مقتضى الاحتياط كما لا يخفى.

وأما القير والزفت والظاهر اتحادهما وعدم الفرق إلا بلحاظ حالتي الميعان وعدمه ، فالمائع يعبّر عنه بالزفت ، والجامد بالقير ، وقد يطلق عليه القار كما في بعض الأخبار الآتية فلو كنّا نحن ومقتضى القاعدة ، مع الغض عن الأخبار الخاصة الواردة في المقام ، لم يكن مجال للترديد في عدم جواز السجود عليها ، لخروجها عن اسم الأرض بالضرورة ، فإنّها مادة سوداء تتكون داخل الأرض تستخرج منها وينتفع بها بعد العلاج في طلي السفن وتعبيد الطرق ونحوها ، وكذا عن نباتها ، وإن أطلق عليها النبات في بعض‌

١٤٢

الأخبار الآتية لكنه مأوّل كما ستعرف.

إلا أن هناك أخباراً خاصة صحيحة السند قد دلت صريحاً على الجواز وبإزائها ما يعارضها ، فلا بد من النظر فيها وعلاجها.

فنقول : روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : « سأل المعلى بن خنيس أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده ، عن السجود على القفر وعلى القير ، فقال : لا بأس به » (١) ، ورواه الصدوق أيضاً بسنده الصحيح عن المعلى بن خنيس (٢).

وفي صحيحته الأُخرى : « أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة على القار ، فقال : لا بأس به » (٣).

وفي صحيحته الثالثة قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في السفينة إلى أن قال ـ : يصلي على القير والقفر ويسجد عليه » (٤). وكون مورد الأخيرة السفينة لا قرينة فيه على إرادة حال الضرورة كما ادعاه صاحب الوسائل لعدم الملازمة بينهما ، لجواز التمكن مما يصح السجود عليه حينئذ من خشبة ونحوها.

وفي صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : القير من نبات الأرض » (٥) وقد عرفت أنّ القير ليس من نبات الأرض بالضرورة ، فلا بدّ من التأويل ، والمراد أنّه بمنزلة النبات بنحو الحكومة في جواز السجود عليه كقوله : الفقاع خمر ، فيشترك مع النبات في حكمها تعبداً.

وروى الشيخ بإسناده عن إبراهيم بن ميمون « أنه قال لأبي عبد الله عليه‌السلام في حديث ـ : نسجد ( فأسجد ) على ما في السفينة وعلى القير؟ قال :

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٥٤ / أبواب ما يسجد عليه ب ٦ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ / ١٢٢٤‌

(٢) الفقيه ١ : ١٧٥ / ٨٢٨.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٥٤ / أبواب ما يسجد عليه ب ٦ ح ٥ ، ٦.

(٤) الوسائل ٥ : ٣٥٤ / أبواب ما يسجد عليه ب ٦ ح ٥ ، ٦.

(٥) الوسائل ٥ : ٣٥٥ / أبواب ما يسجد عليه ب ٦ ح ٨.

١٤٣

لا بأس » (١) لكن الرواية ضعيفة السند من جهة ضعف طريق الشيخ (٢) إلى إبراهيم بن ميمون. مضافاً إلى عدم ثبوت وثاقة الرجل في نفسه.

والعمدة إنما هي الروايات السابقة الصحيحة سنداً والصريحة دلالة. وبإزائها رواية محمد بن عمرو بن سعيد عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام « قال : لا تسجد على القير ولا على القفر ، ولا على الصاروج » (٣) لكن الرواية ضعيفة السند من جهة علي بن إسماعيل السندي الواقع في الطريق فإنه لم يوثق ، نعم وثقه نصر بن الصباح (٤) ، لكن نصراً في نفسه ضعيف فلا عبرة بتوثيقه ، فهذه الرواية لا تصلح للمعارضة مع الروايات السابقة.

وإنما الصالح لها هي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قلت له : أسجد على الزفت يعني القير؟ فقال لا ، ولا على الثوب الكرسف ، ولا على الصوف ، ولا على شي‌ء من الحيوان ، ولا على طعام ، ولا على شي‌ء من ثمار الأرض ، ولا على شي‌ء من الرياش » (٥) فلا بد من العلاج.

وقد جمع بينهما بحمل الطائفة السابقة على مورد الضرورة أو موارد التقية ، لكنه كما ترى جمع تبرّعي لا شاهد عليه.

وربما يجمع بحمل الرواية الأخيرة على الكراهة ، وهو أيضا يتلو سابقه في الضعف لما تقدم قريباً (٦) من أنّ هذا النوع من الجمع إنما يستقيم فيما إذا اختلفت الدلالتان في الظهور قوة وضعفاً فكانت إحداهما ظاهرة والأخرى نصاً أو‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٥٥ / أبواب ما يسجد عليه ب ٦ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٩٨ / ٩٠٨.

(٢) ولكنها مروية بطريق الصدوق أيضاً [ الفقيه ١ : ٢٩١ / ١٣٢٤ ] وطريقه إليه صحيح لاحظ المعجم ١ : ٢٨٣ / ٣٢١.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٥٣ / أبواب ما يسجد عليه ب ٦ ح ١.

(٤) رجال الكشي : ٥٩٨ / ١١١٩.

(٥) الوسائل ٥ : ٣٤٦ / أبواب ما يسجد عليه ب ٢ ح ١.

(٦) في ص ١٣١.

١٤٤

أظهر ، فيرفع اليد عن الظهور بنصوصية الأُخرى أو أظهريتها ، بحيث لو اجتمعتا واقترنتا في دليل واحد لم تكونا من المتناقضين ، بل كان إحداهما قرينة صالحة للتصرف في الأُخرى كقوله : لا تفعل كذا ، مع قوله : لا بأس في ارتكابه ، أو قوله : افعل كذا ، مع قوله : لا بأس بتركه ، حيث إنّ النهي أو الأمر ظاهر في الحرمة أو الوجوب ، ونفي البأس صريح في الجواز ، فيرفع اليد عن الظهور بالنص ، ويحمل على الكراهة أو الاستحباب.

ومن الواضح أنّ هذا الضابط غير منطبق على المقام ، فانّ الروايات السابقة وإن كانت صريحة في الجواز ، للتصريح فيها بنفي البأس ، لكنّ الرواية الأخيرة أعني صحيحة زرارة المعارضة أيضاً صريحة في عدم الجواز ، فإنها وإن كانت بلسان النهي الظاهر في المنع إلا أن قرينة وقوعه في مقام التحديد تجعله كالنص فيه ، بشهادة عطف غيره من سائر ما لا يصح السجود عليه من ثوب الكرسف والصوف وشي‌ء من الحيوان والطعام ونحوها عليه ، فذكر القير في سياقها وعدّه من جملة الموارد المقطوع عدم جواز السجود عليها الكاشف عن كونه عليه‌السلام في مقام التحديد ، قرينة واضحة على إرادة المنع من النهي ، فهو صريح في عدم الجواز ، وقد عرفت أنّ صحيحة زرارة صريحة في الجواز ، فهما بمثابة التعبير ب : يجوز ، ولا يجوز ولا شك أنّ مثلهما من المتعارضين لدى العرف ، لورود النفي والإثبات على موضوع واحد ، بحيث لو جمع بينهما في دليل واحد عدّا من المتناقضين ، لتكافئهما في الصراحة وعدم صلاحية أحدهما للتصرف في الآخر ، فالحمل على الكراهة لا مسرح له في المقام كما هو ظاهر.

وقد يقال : إنّ الطائفة السابقة وإن كانت صحيحة السند صريحة الدلالة إلا أن إعراض المشهور عنها يسقطها عن الحجية ، فان السند كلما ازداد قوة ازداد بالاعراض وهناً ، فتبقى صحيحة زرارة الصريحة في المنع سليمة عن المعارض.

وفيه أوّلاً : منع الكبرى ، لما ذكرناه في الأُصول (١) من أنّ الاعراض لا‌

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٢٠١ وما بعدها.

١٤٥

وكذا ما خرج عن اسم النبات كالرماد والفحم ونحوهما. ولا على المأكول والملبوس كالخبز والقطن والكتان ونحوها (١).

______________________________________________________

يستوجب الوهن ولا يسقط الخبر الصحيح عن الحجية ، كما أنّ العمل لا ينجبر به الضعف ، فالإعراض والعمل لا يؤثّران في السند قوة ولا ضعفاً ، وتمام الكلام في محله.

وثانياً : منع الصغرى ، لعدم ثبوت الاعراض ، إذ من الجائز إنّ عدم عملهم بها من جهة ابتلائها بالمعارض وهي صحيحة زرارة وترجيحه عليها لجهة من الجهات ، لا لأجل الاعراض عن السند لخلل فيه ، فان الاعراض إنما يوجب الوهن إذا كان الخبر في نفسه صالحاً للعمل ، لسلامته عن المعارض كما لا يخفى.

فالصحيح في طريقة الجمع : حمل الصحاح المتقدّمة (١) على صدورها تقية ، لموافقتها للعامة ، فيرجّح صحيح زرارة عليها بمخالفته لهم.

مضافاً إلى موافقته لعموم السنة ، وهي الأخبار المانعة عن السجود على ما عدا الأرض ونباتها ، حيث إنّ القير ليس في شي‌ء منهما كما عرفت ، فيجعل العموم مرجّحاً ثانياً للصحيح ، أو لا أقل من جعله مرجعاً بعد تساقط المتعارضين.

فالأقوى عدم جواز السجود على القير والزفت كما عليه المشهور بل لم ينقل الخلاف عن أحد ، استناداً بعد العمومات إلى صحيح زرارة ، بعد دفع معارضه ، المؤيد برواية محمد بن عمرو بن سعيد المتقدمة (٢).

(١) أمّا الرماد ، فلا شك في عدم جواز السجود عليه ، فانّ أصله وإن كان‌

__________________

(١) في ص ١٤٣.

(٢) في ص ١٤٤.

١٤٦

من النبات كالخشب ، والمادة المشتركة المعبّر عنها بالهيولى وإن كانت محفوظة ، إلا أنّه قد استحال وتبدلت صورته النوعية وانتقل إلى حقيقة أُخرى ، فهو بالفعل مباين مع أصله ذاتاً وصفة ، ولذا لو كان نجساً سابقاً يحكم بطهارته من جهة الاستحالة ، لانعدام الموضوع السابق وحدوث موضوع جديد ، فلا يصدق عليه فعلاً عنوان الأرض ولا نبتها ، فيشمله عموم المنع ، وهذا ظاهر جدّاً.

وأما الفحم ، فهو وإن كان يفترق عن الرماد في عدم تحقق الاستحالة في مورده ولذا لا يحكم بطهارة الحطب المتنجس بصيرورته فحماً لعدم تغيّره عما هو عليه بحسب الذات كما في الرماد ، إلا أنه مع ذلك لا يصح السجود عليه ، لتغيّر وصفه المقوّم لعدّه من النبات في نظر العرف.

وبالجملة : تغيّر الوصف العنواني لا يستوجب تبدّلاً في الصورة النوعية وانقلاباً في الذات والماهية الذي هو مناط الاستحالة ، ولذا لا يطهر الماء المتنجس بصيرورته ثلجاً ، فإنه ماء منجمد لا حقيقة أُخرى ، فالذات باقية غايته أنّ صفة الميعان المقوّمة لهذا العنوان قد تغيّرت وتبدّلت ، ولذا ترتفع الأحكام المترتبة على العنوان بزواله ، كالاعتصام المترتب على الكر من الماء ، فانّ موضع الملاقاة ينفعل عند صيرورة الكرّ منه ثلجاً ، لعدم صدق الماء حينئذ عنواناً وإن لم ينعدم ذاتاً.

وعليه فلا منافاة بين بقاء النجاسة وعدم جواز السجود عند صيرورة الحطب فحماً ، إذ العبرة في الأوّل ببقاء الذات في نظر العرف وعدم التبدل إلى حقيقة أُخرى ، فلا يحكم بالطهارة إلا عند الاستحالة وانقلاب الموضوع ذاتاً وصفة ، بحيث يعدّ موضوعاً جديداً مبايناً مع أصله ، وليس الفحم كذلك ، لبقاء ذات الحطب بحاله ، فإنه خشب محترق. وأمّا في الثاني فمناطه تبدل وصفه المقوّم ، وحيث إنّ الفحم لا يتصف فعلاً بصفة الحطبيّة لا يعدّ من النبات ، وإن كانت الذات باقية فلا يصح السجود عليه.

١٤٧

ويجوز السجود على جميع الأحجار إذا لم تكن من المعادن (١).

[١٣٤٩] مسألة ١ : لا يجوز السجود (١) في حال الاختيار على الخزف والآجر والنورة والجص المطبوخين ، وقبل الطبخ لا بأس به (٢).

______________________________________________________

(١) قد عرفت أنّ المدار على صدق اسم الأرض ، والمعدنية لا تنافي الصدق المزبور.

(٢) منع قدس‌سره عن السجود على الخزف والآجر ، وكذا النورة والجص المطبوخين دون غير المطبوخ.

أمّا الجواز في غير المطبوخ منهما فلا غبار عليه ، فانّ أرض الجص وحجر النورة قسم من الأحجار والأراضي ، فلا فرق بينهما وبين غيرهما في اشتراك الجميع في صدق اسم الأرض ، ومجرد الانتفاع الخاص منهما المفقود في غيرهما لا يوجب سلب العنوان ولا يخرجهما عن صدق اسم الأرض ، فيشملهما الإطلاق ، وهذا ظاهر.

وأمّا هما بعد الطبخ ، وكذا الخزف والآجر ، فالظاهر أيضاً جواز السجود على الجميع ، فانّ عروض الطبخ لا يستوجب الخروج عن صدق اسم الأرض ، غايته أنّه حجر محترق أو طين محترق قد تغيّر بالعلاج بعض أوصافه ، فهو كاللحم المطبوخ ، فكما أنّ الطبخ لا يغيّر حقيقة اللحم ولا يوجب سلب الاسم ، فكذا الطبخ العارض على هذه الأُمور.

وبالجملة : فصدق عنوان الأرضية المأخوذ موضوعاً لجواز السجود على هذه الأُمور ، وصدقه على غيرها كالتراب وسائر الأحجار كالصخر ونحوه على حدّ سواء فيشمله الإطلاق ، وعليه فجواز السجود عليها على طبق القاعدة.

__________________

(١) على الأحوط ، والأظهر جواز السجود على الجميع.

١٤٨

[١٣٥٠] مسألة ٢ : لا يجوز السجود على البلّور والزجاجة (١).

______________________________________________________

ويدل عليه مضافاً إلى ذلك : صحيح الحسن بن محبوب قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الجص توقد عليه العذرة وعظام الموتى ثم يجصّص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب عليه‌السلام إليّ بخطه : أن الماء والنار قد طهّراه » (١) فان التعليل المذكور في الجواب وإن كان لا يخلو من غموض وإشكال كما لا يخفى ، وسنتعرض له إن شاء الله تعالى مستقصى في مبحث السجود عند التكلّم عن اعتبار طهارة المسجد (٢) لانحصار المستند في هذه الصحيحة ، إلا أنّها صريحة في مفروغية جواز السجود على الجص في حد نفسه ، وأنّ ذلك كان أمراً مغروساً في ذهن السائل ، وقد أقرّه الإمام عليه‌السلام على ذلك ، وإنّما دعته إلى السؤال شبهة النجاسة ، فغايته إجمال الجواب عن هذه الشبهة ، وهو غير قادح في ظهورها ، بل صراحتها فيما نحن بصدده من صلاحية الجص للسجود عليه في حدّ نفسه كما هو ظاهر.

(١) لعدم كونهما من الأرض ولا من نباتها ، وإن كانت مادتهما متخذة من الأرض من رمل ونحوه ، لكنها قد استحالت وتبدّلت صورتها النوعية ، فهما بالفعل متباينان مع الأصل خارجان عن مفهوم الأرض.

ويؤيد الحكم في الزجاج : خبر محمد بن الحسين : « إنَّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي عليه‌السلام يسأله عن الصلاة على الزجاج ، قال : فلمّا نفذ كتابي إليه تفكّرت وقلت : هو مما أنبتت الأرض ، وما كان لي أن أسأل عنه ، قال : فكتب إليّ : لا تصلّ على الزجاج ، وإن حدثتك نفسك أنّهُ مما أنبتت الأرض ، ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان » (٣).

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٥٨ / أبواب ما يسجد عليه ب ١٠ ح ١.

(٢) قبل المسألة [١٦٠٩] التاسع من واجبات السجود.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٦٠ / أبواب ما يسجد عليه ب ١٢ ح ١.

١٤٩

ورواه في كشف الغمة نقلاً من كتاب الدلائل لعبد الله بن جعفر الحميري في دلائل علي بن محمد العسكري عليه‌السلام قال : وكتب إليه محمد بن الحسن ابن مصعب يسأله ، وذكر مثله إلا أنّه قال : « فإنه من الرمل والملح ، والملح سبخ » (١).

ورواه الصدوق في العلل بسنده عن السياري مثله (٢).

ويقع الكلام في الرواية تارة من حيث السند وأُخرى من ناحية الدلالة.

أما السند : فالظاهر أنه مرسل ، وإن عبّر عنه غير واحد بالصحيح ، لأنّ محمد بن الحسين يروي أنّ بعض الأصحاب كاتب الهادي عليه‌السلام وهو مجهول ، وهذا بمجرّده وإن لم يكن قادحاً إذا كان محمد بن الحسين بنفسه شاهد خط الامام عليه‌السلام فحكى كتابته وروى عن شخصه عليه‌السلام بلا واسطة ، وإن كان المكاتب مجهولاً ، لكنه في المقام ليس كذلك لأنّ مرجع الضمير في قوله : « قال : فكتب إلى » هو بعض الأصحاب (٣) فهو الذي شاهد الخط الشريف دون الراوي عنه ، فمحمد بن الحسين لم يشهد بمقتضى حكايته إلا بأصل المكاتبة لا بكتابة الامام عليه‌السلام وإنما يرويها عن مكاتب مجهول لا نعرفه ، فيكون في حكم المرسل.

نعم ، قد صرح باسم المكاتب في رواية كشف الغمة نقلاً عن كتاب الدلائل وأنه محمد بن الحسن بن مصعب كما عرفت ، إلا أنّ طرق مؤلف كشف الغمة إلى كتاب الدلائل غير معتبر. مضافاً إلى أنّ الرجل بنفسه مجهول. وأما الطريق‌

__________________

(١) كشف الغمة ٢ : ٣٨٤.

(٢) علل الشرائع : ٣٤٢ / ٥ الباب ٤٢.

(٣) هذا بناء على نسخة الكافي [ الكافي ٣ : ٣٣٢ / ١٤ ] وأمّا في التهذيب فالعبارة هكذا : « قال : فكتب إليه » ج ٢ ص ٣٠٤ وبناء عليها فالمرجع هو محمد بن الحسين ، ومعه لا تكون الرواية مرسلة ، لكنّ الشأن في صحتها ، وحيث لم تثبت فتكون مرددة بين الإرسال والإسناد فلا تصلح للاعتماد.

١٥٠

[١٣٥١] مسألة ٣ : يجوز على الطين الأرمني والمختوم (١).

______________________________________________________

الثالث الذي ذكره الصدوق كما مرّ فهو أيضاً ضعيف من أجل السياري ، وبالجملة : فالرواية ضعيفة السند بطرقها.

وأمّا الدلالة : فالمراد بقوله عليه‌السلام : « وهما ممسوخان » استحالة الملح والرمل وخروجهما عن حقيقتهما ، إما بمجرد المزج المحقق لحدوث طبيعة ثالثة أو عند صيرورتهما زجاجاً.

وعلى أيّ حال فالزجاجة فعلاً ليست من الأرض وإن كان بعض موادّها وهو الرمل أرضاً بحسب الأصل ، كما أنّها ليست من نباتها لا قبل الاستحالة ولا بعدها ، ولا ندري ما ذا تخيله السائل حيث حدثته نفسه أنّه مما أنبتت الأرض.

وأما قوله في رواية كشف الغمة « فإنه من الرمل والملح ، والملح سبخ » فالمراد أنّ الملح الذي هو من أجزاء الزجاج ليس من الأرض ولا النبات ، حيث إنّه سبخ ، وهو عبارة عما يعلو على الأرض عند نزيز المياه (١) المعبّر عنه بالفارسية بـ ( شوره ) فهو وإن كان يخرج من الأرض عند كونها ذات نزّ ، ولعله بهذا الاعتبار تخيل السائل أنّه مما أنبتت الأرض ، لكنه في الحقيقة ليس من الأرض ولا نبتها ، فلا يجوز السجود على الزجاج المتخذ منه ، وكيف كان فالرواية صريحة في المنع عن السجود فتكون مؤيّدةً للبطلان.

(١) الأوّل طين أحمر ينتفع به ، والثاني طين أبيض كان يستعمل سابقاً وقد أدركناه بدل الصابون ينظّف به البدن. وعلى أيّ حال فهما كسائر أقسام الطين من مصاديق الأرض ، واللون الخاص أو الانتفاع المخصوص لا يخرجهما عن صدق اسم الأرض.

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ٢٦١.

١٥١

[١٣٥٢] مسألة ٤ : في جواز السجدة على العقاقير والأدوية مثل لسان الثور وعنب الثعلب والخبة وأصل السوس وأصل الهندباء إشكال (١) ، بل المنع لا يخلو عن قوّة. نعم لا بأس بما لا يؤكل منها شائعاً ولو في حال المرض ، وإن كان يؤكل نادراً عند المخمصة أو مثلها (١).

[١٣٥٣] مسألة ٥ : لا بأس بالسجود على مأكولات الحيوانات كالتبن والعلف (٢).

______________________________________________________

(١) استشكل بل منع قدس‌سره عن السجود على الأدوية والعقاقير التي ذكرها في المتن ، وكأنّه لصدق المأكول عليها ولو في حال التداوي.

لكن الظاهر الجواز ، لعدم كون هذه الأمور بنفسها من المأكول ، بل إنَّ بعضها كأصل السوس مثل الخشب غير قابل للأكل أبداً. وإنّما ينتفع بها بصبّ الماء عليها وغليانه ، فيتأثر منها ويكتسب من مجاورتها رائحة خاصة وأثراً مخصوصاً ، فيشرب نفس الماء ويتداوى به ، وتطرح تلك الأجرام بعد ما صارت كالثفل كما في الشاي ، فالمأكول ليس هذه الأدوية بل الماء بعد إجراء العملية ، فهي من مصاديق النبات غير المأكول ، فيعمها دليل جواز السجود عليها.

وما ذكره في المتن من نفي البأس عمّا لا يؤكل منها شائعاً ولو حال المرض ، وإن كان ربما يؤكل نادراً كما في المخمصة والاضطرار ونحوهما وإن كان صواباً ، لانصراف المأكول المأخوذ موضوعاً للمنع إلى الشائع المتعارف ، فلا عبرة بالشاذ النادر الذي يتفق أحياناً لجهة عارضية كما لا يخفى ، لكنّه أجنبيّ عما نحن فيه وغير مرتبط بالمقام بعد ما عرفت من عدم كون هذه الأمور مأكولاً أصلاً لا شائعاً ولا نادراً.

(٢) لانصراف قوله عليه‌السلام : « إلا ما أُكل » إلى مأكول الإنسان بلا‌

__________________

(١) والأظهر هو الجواز.

١٥٢

[١٣٥٤] مسألة ٦ : لا يجوز السجود (١) على ورق الشاي ولا على القهوة وفي جوازها على الترياك إشكال (١).

______________________________________________________

إشكال ، خصوصاً بعد ملاحظة اقترانه بما لبس. ويؤكده : قوله عليه‌السلام في صحيحة هشام بن الحكم المتقدمة في صدر المبحث (١) « لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون » (٢).

(١) منع قدس‌سره عن السجود على ورق الشاي والقهوة ، واستشكل في الترياك.

أما في القهوة ، فالمنع في محلّه ، فإنّها بنفسها بعد سحقها وصنعها بالكيفية الخاصة تؤكل إما منفرداً أو مع السكر ، فيصدق عليها أنّها نبات مأكول ، الموضوع لعدم جواز السجود.

ومنه تعرف أنّ منعه في الشاي في غير محله ، لافتراقه عن القهوة في عدم كونه مأكولاً بنفسه ، بل يهدر فيصبّ عليه الماء وبعد التأثر منه واكتساب اللون والرائحة الخاصة الحاصلين من المجاورة يشرب ويطرح الثفل كما تقدّم في العقاقير والأدوية ، من دون فرق بين الشاي الأخضر المتداول استعماله في بلاد أفغان وپاكستان وفي بعض نقاط إيران ، وبين الأسود منه الرائج عندنا.

وبالجملة : ورق الشاي لا يعدّ من المأكول لا بحسب استعداده في نفسه ولا باعتبار إعداد الناس لذلك ، فلا يقاس بورق القهوة للفرق في كيفية الاستعمال كما عرفت. فالأقوى جواز السجود عليه ما لم يلوّن كثيراً بمثابة يعدّ اللون جرماً حائلاً بينه وبين الجبهة ، فهو في حدّ نفسه لا بأس بالسجود عليه.

__________________

(١) الأظهر جوازه على ورق الشاي ، وعدم جوازه على القهوة والترياك.

(١) في ص ١٢٩.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٤٣ / أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ١.

١٥٣

[١٣٥٥] مسألة ٧ : لا يجوز على الجوز واللوز (١) ، نعم يجوز على قشرهما بعد الانفصال (١) ، وكذا نوى المشمش والبندق والفستق.

______________________________________________________

وأما الترياك ، فليس الوجه في استشكاله قدس‌سره احتمال كونه من المأكول ، لعدم كونه منه قطعاً ، كيف وهو من السمومات ، وأكل القليل منه أحياناً كحبّة وأقل لأجل التداوي لا يجعله منه ، واعتياد الشاذ من أفراد الناس بأكله لا يوجب عدّه منه ، فانّ بعض الدراويش معتادون بأكل سمّ الفار كما قيل ، مع أنّه ليس من المأكول قطعاً ، كما أنّ بعض الناس معتادون بأكل الطين أو الجص مع أنّهما لا يعدّان بذلك من المأكول كي لا يصح السجود عليهما بالضرورة. فليس هذا الاحتمال منشأ للإشكال.

بل الوجه فيه : احتمال عدم كونه من النبات ، وهو المتعيّن ، فانّ ما تنبته الأرض إنما هو الخشخاش ، وأمّا الترياك فهو شي‌ء يتخذ منه شبه العصير ، فتستخرج من الخشخاش مادة تشبه الحليب وتغلى ثم تجرى عليها عملية خاصة فتتشكل منها هذه الطبيعة التي لا يصدق عليها فعلاً لا عنوان الأرض ولا نباتها ، وإن كان أصلها متخذاً من الثاني كما في بقية الأمور المستحالة من أحدهما. وعلى هذا فينبغي القطع بعدم جواز السجود عليه.

والمتحصّل مما ذكرناه : جواز السجود على ورق الشاي لكونه نباتاً غير مأكول ، وعدم جوازه على القهوة والترياك. أمّا الأوّل ، فلكونه مما يؤكل ، وأمّا الثاني ، فلعدم كونه من الأرض ولا من نبتها.

(١) الوجه في المنع أحد أمرين :

الأوّل : عدّ القشر من توابع اللب عرفاً حال الاتصال ، فكأنّهما من حيث المجموع يعدّان من المأكول في نظر العرف ، وإن كان أحدهما بمنزلة الوعاء‌

__________________

(١) لا يبعد الجواز حال الاتصال أيضاً ، وكذا الحال في النوى ، والاحتياط لا ينبغي تركه.

١٥٤

للآخر ، فيصدق السجود على المأكول وإن لم تلاصق الجبهة إلا القشر الذي ليس منه لو لا التبعية ، ولذا يجوز السجود عليه حال الانفصال بلا إشكال.

لكنه كما ترى ممنوع جدّاً ، فانّ القشر في مثل اللوز أو الجوز موجود مستقل بحياله في مقابل اللب ، حتى في نظر العرف بحيث لو سئلوا عمّا هو المأكول من هذا المجموع لما ترددوا في أن القشر الذي ربما يكون في الصلابة أشدّ من الخشب ليس منه ، وإنما المأكول اللب فقط والتبعية في الوجود لا تستدعي التبعية في صدق المأكولية ولو بضرب من المسامحة كما لا يخفى.

نعم ، لو سلّمنا التبعية فحكمنا بالمنع حال الاتصال لا مجال له بعد الانفصال بتوهم الاستصحاب ، إذ فيه بعد الغض عن عدم جريانه في الشبهات الحكمية أنّ الموضوع متعدد ، فانّ القشر إنّما كان يمنع عن السجود عليه لكونه من مصاديق المأكول ولو تبعاً على الفرض وإلا فهو من حيث إنّه قشر لم يكن موضوعاً للحكم قطعاً ، وبعد الانفصال قد زال العنوان وارتفع الموضوع لعدم كونه حينئذ مصداقاً للمأكول حتى تبعاً ، فإثبات الحكم بعدئذ من أسرائه من موضوع إلى موضوع آخر كما هو واضح.

الثاني : التمسك بإطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة المتقدمة قريباً : « ولا على شي‌ء من ثمار الأرض » (١) بدعوى صدق الثمر على كل من القشر واللب ، فيشمله إطلاق المنع وإن لم يكن من المأكول.

وفيه : أنّ لازم ذلك المنع عن القشر حتى بعد الانفصال ، بل عن عدّة من الثمار غير المأكولة كثمر الشوك ونحوه ، مع أن الأصحاب لم يلتزموا بذلك ، ولا ينبغي أن يلتزموا به لتقييد موضوع المنع في غير واحد من الأخبار بالمأكول بقوله عليه‌السلام : « إلا ما أُكل أو لبس » (٢). فلا بد من تقييد الثمر‌

__________________

(١) في ص ١٤٤.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٤٣ / أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ١.

١٥٥

[١٣٥٦] مسألة ٨ : يجوز على نخالة الحنطة (١) والشعير وقشر الأرز (١).

______________________________________________________

في هذه الصحيحة بذلك غير الصادق على القشر كما عرفت ، وغاية ما هناك أن يلتزم بكون النسبة بينهما عموماً من وجه ، لأنّ الصحيحة دلّت على المنع عن الثمر مأكولاً كان أم لا ، وتلك الأخبار دلّت على الجواز في النبات غير المأكول ثمراً كان كالشوك وقشر الجوز واللوز ، أم غير ثمر كالحشيش ، فيتعارضان في مادة الاجتماع وهو الثمر غير المأكول كقشر الجوز واللوز ، وبعد التساقط يرجع إلى عموم ما دلّ على جواز السجود على الأرض وما أنبتته ، ولا ريب أنّ القشر من نبات الأرض.

ومع الغض عنه والانتهاء إلى الأصل العملي فالمرجع أصالة البراءة عن تقيد المسجد بعدم كونه من القشر المشتمل على لبّ الجوز أو اللوز ، للشك في هذا التقييد زائداً على المقدار المتيقن فيدفع بالأصل كما مرّ التعرّض له سابقاً (١).

فتحصل : أن الأقوى جواز السجود على القشر المزبور ، من غير فرق بين حالتي الاتصال والانفصال ، وإن كان الأحوط تركه في الأوّل.

ومن جميع ما ذكرناه يظهر الحال في نوى المشمش والبندق والفستق فلاحظ.

(١) هذا مشكل جدّاً ، لتعارف أكلها ولو تبعاً ، بل قلّما يتفق خلوص دقيق الحنطة والشعير عن النخالة ، وكذا الأرز عن القشر ، بل إنّ البشر كان مدة مديدة من الزمن يأكل هذه الحبوب بقشورها قبل اختراع المطاحن والمكائن ، وعدم كونها مستقلة في الأكل ومقصودة بالأصل لا يقدح ، فانّ كثيراً من النباتات المأكولة لا تكاد تؤكل مستقلة ، بل بعد الضم بشي‌ء آخر من خبز ونحوه كما في اليقطين والباذنجان والفلفل ونحوها مما لا شك في عدم‌

__________________

(١) جواز السجود على المذكورات لا يخلو من إشكال.

(١) في ص ١٣٨ ، ١٣٩.

١٥٦

[١٣٥٧] مسألة ٩ : لا بأس بالسجدة على نوى التمر ، وكذا على ورق الأشجار وقشورها ، وكذا سعف النخل (١).

[١٣٥٨] مسألة ١٠ : لا بأس بالسجدة على ورق العنب بعد اليبس ، وقبله مشكل (١) (٢).

______________________________________________________

جواز السجود عليها.

فالأقوى عدم جواز السجود على النخالة وقشر الأرز لعدّها من المأكول.

(١) لعدّ الجميع من نبات الأرض غير المأكول كما هو ظاهر.

(٢) قد عرفت أنّ الأخبار قد دلّت على جواز السجود على الأرض ونباتها إلا ما أُكل أو لبس. والمراد بالاستثناء ليس ما أُكل أو لبس بشخصه ، فإنّه وإن أمكن فرضه في الملبوس ، لكنه غير ممكن في المأكول ، إذ لو فرض أكل شخصه خارجاً فقد انعدم فلا موضوع كي يمنع عن السجود عليه.

كما أنّ المراد ليس ما أُكل فرد من نوعه أو جنسه في الخارج ، للقطع بعدم مدخلية الأكل الخارجي في الحكم وإلا لانتقض ببعض الأثمار المستحدثة التي لم يكن منها عين ولا أثر في عصر صدور هذه الأخبار كالطماطة والبرتقال ، أو لو فرض العثور على بعض الفواكه في بعض الجزر البعيدة التي يقطع بعدم وصول البشر إليها ، وعدم أكل أحد منها لا شخصاً ولا نوعاً ، فإنه لا ريب في عدم جواز السجود عليها حتى أوّل زمان الاستكشاف ، مع أنّ فرداً من هذه الطبيعة لم يكن مأكولاً بعد في الخارج حسب الفرض.

فلا مناص من أن يكون المراد ما هو قابل للأكل في حد ذاته ويعدّ من مأكول الإنسان ، سواء أتحقق الأكل الخارجي لفرد منه أم لا ، بحيث لو قسّم نبات الأرض إلى المأكول وغيره وسئل عن أنّ هذا النبات من أيّ القسمين لُاجيب بأنه من قسم المأكول.

__________________

(١) هذا في أوان أكله ، وأمّا بعده فلا مانع من السجود عليه.

١٥٧

فالمراد مما أُكل في هذه الأخبار ما كان قابلاً وصالحاً في حدّ نفسه للأكل ، سواء أتوقف ذلك على العلاج والإتيان بمقدمات من طبخ ونحوه أم لا ، لصدق القابلية على التقديرين كما لا يخفى.

ويكشف عن هذا التعميم عطف الملبوس على المأكول في هذه الأخبار ، فإنّ المأكول من النباتات وإن لم يحتج بعض مصاديقه إلى العلاج كأصناف الفواكه ، إلا أنّ الملبوس منها يحتاج إليه دائماً من نسج أو غزل ونحوهما ، فوحدة السياق تكشف عن أنّ المراد ما هو الأعم من القسمين.

ثم إنّ القابلية المزبورة التي هي الموضوع للمنع في هذه الأخبار بالبيان المتقدم بما أنّها من العناوين الاشتقاقية ، والظاهر من أمثالها لزوم التلبس بالمبدإ والاتّصاف به فعلاً دون ما كان أو سيكون ، فيدور الحكم نفياً وإثباتاً حدوثاً وبقاءً مدار العنوان الاشتقاقي والوصف العنواني ، فما كان بالفعل واجداً لقابلية الأكل أو اللبس ولو بمعونة العلاج كما عرفت لم يجز السجود عليه ، وما كان فاقداً لها سواء اتصف بها سابقاً ثم زال أم لا ، وسواء يتصف به لاحقاً أم لا ، جاز السجود عليه ، فالمنع يدور مدار التلبس بالقابلية فعلاً كما هو الشأن في بقية العناوين الاشتقاقية المأخوذة موضوعاً لحكم من الأحكام كعدالة زيد ، وعلم عمرو ، وكرية الماء وأمثالها.

إذا تحقّقتَ المراد من الاستثناء في هذه الأخبار ، تعرف أنّه لا ينبغي الإشكال في عدم جواز السجود على ورق العنب حال كونه رطباً ، لصلاحيته حينئذ للأكل ولو بمعونة الطبخ بحيث يعدّ فعلاً من قسم المأكولات.

كما لا ينبغي الإشكال في الجواز بعد اليبس ، لخروجه بعدئذ عن تلك الصلاحية والاستعداد ، فهو بالفعل غير قابل للأكل في حدّ نفسه وإن كان قابلاً له سابقاً ، وقد عرفت آنفاً دوران الحكم مدار العنوان الاشتقاقي حدوثاً وبقاءً ، بل الحال كذلك قبيل اليبس وأواخر حالات رطوبته بحيث‌

١٥٨

زالت عنه تلك الطراوة فصار خشناً جدّاً ، فإنه أيضاً غير قابل للأكل فعلاً ، لصيرورته كالحشيش لا يأكله إلا الحيوان. وكذا الحال في بعض أقسام التمر الذي يخرج بعد اليبس عن قابلية الأكل ولا يعدّ فعلاً من مأكول الإنسان ، لصيرورته كالخشب كما تعرّضوا له في بحث الزكاة ، فيجوز السجود على جميع ذلك.

هذا فيما إذا كان عدم القابلية من حيث المنتهي بحيث كان الشي‌ء في نفسه قابلاً للأكل فانتهى أمره إلى زوال القابلية كورق العنب بعد اليبس وكالتمر كما عرفت.

وأما إذا كان ذلك من حيث المبدأ عكس الفرض المزبور ، بأن لم يكن في بدء أمره قابلاً للأكل ثم يصير كذلك كالثمرة قبل أوان أكلها التي تعرض لها الماتن في المسألة ١٣ الآتية ، فقد منع قدس‌سره عن السجود عليه ، ولعلّ نظره الشريف إلى أن الممنوع ما كان قابلاً للأكل ولو بالعلاج كما مرّ الذي لا فرق فيه بين مثل الطبخ وبين النضج بالشمس المتوقف على مرور الزمان ، فالقابلية متحققة في كلتا الصورتين.

وهذا كما ترى مشكل جدّاً بل ممنوع ، فانّا وإن عممنا القابلية لما يحتاج إلى العلاج كما عرفت ، إلا أنّه فرق واضح بين ما إذا كانت المعالجة متوقفة على مقدّمات اختيارية مثل الطبخ ونحوه ، وما إذا توقفت على مقدّمات خارجة عن تحت الاختيار كمرور الزمان ومضي وقت يصلح فيه الثمر للنضج ، فانّ القابلية متحققة في الأوّل بالفعل وإن توقف الأكل الخارجي على التصدي لمقدمات ، بخلافه في الثاني فإنّ القابلية لم توجد بعد ولم تتحقق ، لقصورٍ في المقتضي. نعم سيصير قابلاً بعد حين من دون دخل لاختيار المكلف فيه قبال ما لا يصير كذلك أبداً كالحنظل ، فالتمر مثلاً حينما كان بسراً وقبل أن يصير بلحاً وهو المسمى عند العامة بالچمري لا يعدّ من المأكولات ، لفقده فعلاً صلاحية الأكل ، وإنما يستعد له فيما بعد ، فالقابلية مفقودة بالفعل‌

١٥٩

[١٣٥٩] مسألة ١١ : الذي يؤكل في بعض الأوقات دون بعض لا يجوز السجود عليه مطلقاً ، وكذا إذا كان مأكولاً في بعض البلدان دون بعض (١).

______________________________________________________

عن هذا النبات ، وأمّا الحنطة مثلاً الموقوف أكلها على الطبخ فهي بالفعل متصفة بهذه القابلية ، وقد عرفت دوران الحكم مدار هذا العنوان حدوثاً وبقاءً.

نعم ، لو كان الموضوع للمنع مطلق الثمر كما يقتضيه إطلاق قوله عليه‌السلام في صحيح زرارة : « ولا على شي‌ء من ثمار الأرض » (١) اتجه المنع في المقام ، لكن عرفت لزوم تقييده بما دلّ على اختصاص الموضوع بالمأكول ، وأنّه مع الغضّ وتسليم كون النسبة عموماً من وجه فالمرجع بعد التساقط عموم ما دلّ على جواز السجود على مطلق الأرض ونباتها ، ولا أقل من الرجوع إلى أصالة البراءة عن التقيد الزائد على المقدار المعلوم كما تقدم كل ذلك قريباً فلاحظ (٢).

فما أفاده الماتن من المنع عن الثمار قبل أوان أكلها وإن كان أحوط لكنّ الأظهر خلافه كما عرفت.

(١) أمّا ما كان مأكولاً في بعض البلدان دون بعض ، فلا ينبغي الإشكال في عدم جواز السجود عليه مطلقاً ، لصدق كونه من مأكول الإنسان ولو بلحاظ طائفة منهم ، إذ لا يعتبر في صدق هذا العنوان كونه مأكولاً لجميع البشر ، فالشلغم مثلاً وإن تنفّر منه بعض الطباع بل لو لم يؤكل في بعض البلاد ، فإنّه يعدّ من المأكول كالجراد الذي يتنفر عنه أكثر الطباع لكنه واجد لصفة المأكولية عند آخرين ، فاختلاف البلدان لا يؤثّر في الفرق.

والسرّ أنّ الموضوع للحكم مجرد القابلية كما مرّ غير مرّة ، ويكفي في صدق هذا العنوان كونه مأكولاً في بعض البلدان ويأكله بعض أفراد الإنسان ،

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٤٦ / أبواب ما يسجد عليه ب ٢ ح ١.

(٢) في ص ١٣٨.

١٦٠