موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٣

الشيخ مرتضى البروجردي

ومنها : رواية هشام بن سالم المروية في كامل الزيارات عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال « أتاه رجل فقال له : يا ابن رسول الله هل يزار والدك؟ قال نعم ويصلى عنده ، وقال : يصلى خلفه ولا يتقدم عليه » (١).

أما الرواية الأخيرة فهي ضعيفة السند بعبد الله بن عبد الرحمن الأصم فقد ضعّفه النجاشي صريحاً (٢) ونحن وإن اعتبرنا كلّ من وقع في سلسلة أسانيد كامل الزيارات ، لكنه ما لم يكن معارضاً بتضعيف مثل النجاشي.

وأما سابقتها فقد عرفت ضعفها بالإرسال ، فالعمدة إنما هي الرواية الأُولى ، والكلام فيها يقع تارة من حيث السند ، وأخرى من ناحية الدلالة.

أما السند : فقد يناقش فيه من وجهين :

أحدهما : أنّ الشيخ رواها عن محمد بن أحمد بن داود وطريقه إليه غير مبيّن في المشيخة.

وجوابه : ما ذكره الميرزا الأسترآبادي في منهج المقال (٣) من عدم استقصاء الشيخ جميع طرقه في المشيخة ، بل ذكر جملة منها وأحال الباقي إلى الفهرست ، وطريقه إلى الرجل مذكور في الفهرست وهو صحيح كما نبّه عليه الأردبيلي (٤) وإن اشتبه في عطف المشيخة عليه ، فقال : إنّ طريقه إليه صحيح في الفهرست والمشيخة ، لما عرفت من خلوّ الثاني عنه وكم له نظائر هذا الاشتباه ، فأسند ما في الفهرست إلى المشيخة أو بالعكس ، أو إليهما معاً ، وليس إلاّ في أحدهما. وقد ظفرنا على هذا النوع من اشتباهاته ما يقرب الأربعين مورداً ، والعصمة لأهلها.

هذا ، وقد أجاب الميرزا أيضاً بإمكان استفادة طريقه إليه من ذكر طريقه إلى‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٦٢ / أبواب مكان المصلي ب ٢٦ ح ٧.

(٢) رجال النجاشي : ٢١٧ / ٥٦٦.

(٣) منهج المقال : ٤٠٧ السطر ١٨.

(٤) جامع الرواة ٢ : ٥١٢.

١٠١

أبيه أحمد بن داود ، لوقوع الابن في طريق الأب.

وفيه : ما لا يخفى كما تنظّر هو قدس‌سره فيه ، فانّ غاية ذلك صحة طريقه إلى الرجل بالنسبة إلى ما يرويه من كتاب أبيه ، لا بالنسبة إلى كتاب نفسه الذي هو محل الكلام ، لنقل الرواية عن كتاب نفسه لا عن كتاب أبيه.

ثانيهما : أن الفقيه عليه‌السلام المروي عنه ظاهر في الكاظم عليه‌السلام لكونه من ألقابه ، وبعد ملاحظة تأخر طبقة الحميري عنه عليه‌السلام وعدم إمكان روايته عنه بلا واسطة ، فلا محالة يشتمل السند على السقط فيكون في حكم المرسل.

والإنصاف أن هذه المناقشة في محلها (١) فإن الرواية إما ظاهرة في إرادة الكاظم عليه‌السلام بقرينة قوله : « فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت » حيث إنّ استنساخ الحميري لا يستقيم لو كانت المكاتبة بينه وبين الصاحب عليه‌السلام وكان هو بنفسه صاحب التوقيع ، وإنما يتجه لو كان التوقيع صادراً من الكاظم عليه‌السلام إلى غيره فوصلت إليه فاستنسخ منه نسخة ، وحيث لم يعلم ذلك الغير ففي السند سقط يلحقه بالمرسل.

أو لا أقل من احتمال ذلك ، والترديد بين إرادة الكاظم أو الحجة ( عجل الله فرجه ) فلا جزم بالسند بعد احتمال الإرسال فتسقط عن الاستدلال. هذا ومكاتبات الحميري مع الحجة ( عجل الله فرجه ) استقصوها وليست هذه منها.

__________________

(١) لكنها مبنيّة على أن يكون الفقيه من الألقاب المختصّة بالكاظم عليه‌السلام وليس كذلك ، بل يطلق على الحجة وعلى العسكري عليهما‌السلام كما صرّح به في جامع الرواة [ ٢ : ٤٦١ ] وقد أطلق على العسكري في موارد منها : مكاتبة الصفار المروية في التهذيب ٦ : ٢٥٥ ومكاتبته الأُخرى المروية في ٧ : ٢٢٢ فمن الجائز أن يكون هو المراد في المقام.

وأما القرينة التي من أجلها استظهر ( دام ظله ) إرادة الكاظم عليه‌السلام فمبنية على عود ضمير التكلم في قول : « قرأت ... نسخت » إلى الحميري نفسه ، أما لو عاد إلى الراوي عنه أعني محمد بن أحمد أو والده كما لا يبعد فلا موقع لها كما لا يخفى.

١٠٢

فلا يصغي إلى ما يقال من أنّ الفقيه من ألقاب الحجة عليه‌السلام أيضاً كالكاظم ، أو أنّ المراد معناه الوصفي لا الاسمي ، مستشهداً بظاهر قول الحميري كتبت مؤيداً بالتصريح بصاحب الأمر عليه‌السلام في روايته الأُخرى المتقدمة (١) المروية عن الاحتجاج.

فإن الرواية الأخيرة ضعيفة السند فلا يعبأ بها ، والفقيه لم يعهد إطلاقه على الحجة عليه‌السلام ، ولفظة « كتبت » إنما تكشف عن إرادته عليه‌السلام لو علم أنّ قائلها هو الحميري ، ولم يثبت ، لما عرفت آنفاً من استظهار أنّه غيره ، أو لا أقل من الاحتمال ، فكيف يستدل بها على إرادة الحجة عليه‌السلام فالأقوى ضعف سند الرواية من جهة احتمال الإرسال لو لم يطمأن به كما عرفت.

وأما من حيث الدلالة : فمحتملات الرواية ثلاثة :

الأوّل : أن يكون المراد من قوله عليه‌السلام ، ويجعله الامام تنزيل القبر منزلة الامام عليه‌السلام وفرضه كأنه هو ، فكما لا يتقدم عليه عليه‌السلام فكذا على قبره.

وهذا كما ترى ، فانّ الجعل والفرض لا يترتب عليه أثر ولا يغيّر الواقع عما هو عليه ، فان القبر إن لم يجز التقدم عليه لا يحتاج إلى الفرض والتنزيل ، وإلاّ فمجرد الفرض لا يوجب إجراء حكم الامام عليه‌السلام عليه ، فلا يكون التعبير على هذا التفسير سَلِساً ، بل لا يخلو من الركاكة كما لا يخفى. على أن التقدم على الامام عليه‌السلام في نفسه لا حرمة فيه ما لم يستلزم الهتك المنفي في المقام.

الثاني : أن يراد من ذلك تنزيل القبر الشريف منزلة إمام الجماعة ، فكما لا يتقدم المأموم على الامام فكذا المصلي لا يتقدّم على القبر.

__________________

(١) في ص ١٠٠.

١٠٣

الثامن : أن لا يكون نجساً نجاسة متعدية (١) إلى الثوب أو البدن ، وأما إذا لم تكن متعدية فلا مانع إلا مكان الجبهة ، فإنه يجب طهارته وإن لم تكن‌

______________________________________________________

وهذا يتلو سابقه في الركاكة وعدم السلاسة ، وإن استقام معه التعليل ، أعني قوله عليه‌السلام : « لأن الإمام لا يتقدم » لعدم جواز التقدم على إمام الجماعة ، وذلك لما عرفت من أنّ الجعل لا يؤثر في صيرورة القبر بمنزلة الإمام كي تترتب عليه الأحكام ، فان ذلك تابع لواقعه ولا مدخل للجعل والفرض في ذلك كما هو ظاهر.

الثالث : وهو المتعيّن ، أن يكون الإمام في قوله : « ويجعله الأمام » بفتح الهمزة ، بمعنى القدّام ، وتكون الجملة تأكيداً لسابقتها ، وهي قوله : « فإنها خلفه » والمراد أنه يصلي خلف القبر الشريف ، ويجعل القبر قدّامه وأمامه ، وبهذا يتحفظ على سلاسة الكلام ، فإن مراعاة كيفية وضع القبر ونسبته إلى موقف المصلي باختياره وتابع لجعله ، فيمكنه جعل القبر خلفه أو قدّامه أو عن يمينه أو شماله ، فأمر عليه‌السلام بجعله قدّامه معللاً بأن الامام عليه‌السلام لا يتقدم عليه ، وحيث إنّ التعليل حكم تأدبي قطعاً ، لعدم المحذور في التقدم على شخص الامام عليه‌السلام فضلاً عن قبره ، إذ لم يعهد أنه عليه‌السلام عند مشيه في الطريق كان الناس يقفون على جانبيه حتى يتعدى ، ولا يمشون قدّامه ، فهو محمول على الكراهة ، فلا يتضمن الإلزام والمنع.

فالأقوى ما عليه المشهور من الالتزام بالكراهة دون الحرمة ، بناء على التسامح في أدلة السنن وجريانه في المكروهات ، لما عرفت من ضعف سند الخبر كغيره مما سبق.

هذا مع عدم الحائل ، أما معه الرافع لسوء الأدب فلا كراهة ايضاً ، ولا يكفي فيه الشبابيك والصندوق والثوب ووجهه ظاهر.

(١) من الظاهر أنّ مرجع ذلك إلى شرطية طهارة البدن واللباس ، وليس‌

١٠٤

نجاسته متعدية ، لكن الأحوط طهارة ما عدا مكان الجبهة أيضاً مطلقاً ، خصوصاً إذا كانت عليه عين النجاسة.

التاسع : أن لا يكون محل السجدة أعلى أو أسفل من موضع القدم بأزيد من أربع أصابع مضمومات على ما سيجي‌ء في باب السجدة (١).

العاشر : أن لا يصلي الرجل والمرأة في مكان واحد ، بحيث تكون المرأة مقدّمة على الرجل أو مساوية له (٢).

______________________________________________________

شرطاً آخر معتبراً في نفس المكان. نعم تعتبر الطهارة في خصوص المسجد ، أعني مكان الجبهة ، وسيجي‌ء البحث حوله في مبحث السجود إن شاء الله تعالى.

(١) سيجي‌ء البحث عنه مفصلاً في باب السجدة عند تعرض الماتن له إن شاء الله تعالى.

(٢) نسب إلى غير واحد من المتقدمين ، بل إلى المشهور بينهم المنع عن صلاة الرجل والمرأة في مكان واحد مع تقدم المرأة أو كونها بحذاء الرجل.

وحكي عن غير واحد من المتأخرين بل عامتهم عدا النادر كما في مصباح الفقيه (١) القول بالجواز مع الكراهة ، وعن الجعفي التفصيل بين ما إذا كان البعد بينهما أقل من عظم الذراع أي الشبر فالمنع ، وإن كان بقدره أو أكثر فالكراهة (٢).

وكيف كان ، فلا خلاف بين الأصحاب في ارتفاع الحكم منعاً أو كراهة مع وجود الحائل أو الفصل بمقدار عشرة أذرع ، ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار فإنها على طوائف ثلاث.

الاولى : ما تضمنت المنع مطلقاً ، وهي عدة أخبار فيها الصحاح والموثقات :

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ١٧٨ السطر ٦.

(٢) [ حكى عنه في الذكرى ٣ : ٨٢ المقطع الأوّل فقط ].

١٠٥

منها : صحيحة إدريس بن عبد الله القمي قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلي وبحياله امرأة قائمة على فراشها جنباً ، فقال : إن كانت قاعدة فلا يضرك وإن كانت تصلي فلا » (١).

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن المرأة تصلي عند الرجل ، فقال : لا تصلي المرأة بحيال الرجل إلاّ أن يكون قدامها ولو بصدره » (٢).

وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « أنه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلي وبين يديه امرأة تصلي ، قال : إن كانت تصلي خلفه فلا بأس ، وإن كانت تصيب ثوبه » (٣).

وصحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليه‌السلام قال : « سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعاً ، قال : لا ولكن يصلي الرجل فإذا فرغ صلت المرأة » (٤) ونحوها غيرها.

الثانية : ما تضمنت الجواز مطلقاً :

منها : ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن علي بن فضال عمّن أخبره عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يصلي والمرأة تصلي بحذاه ، قال : لا بأس » (٥) وهذه الرواية كما ترى مرسلة لا يعتمد عليها ولا جابر لها بعد ما عرفت من كون المسألة خلافية ، بل كون المشهور بين القدماء هو المنع. مع أنّ كبرى الانجبار ممنوعة كما مرّ غير مرّة.

وإنما تعرضنا لها دفعاً لما قد يتوهم من صحتها من جهة كونها من روايات بني فضال الذين قال العسكري عليه‌السلام في كتبهم : « خذوا ما رووا‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٢١ / أبواب مكان المصلي ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ١٢٧ / أبواب مكان المصلي ب ٦ ح ٢ ، ٤.

(٣) الوسائل ٥ : ١٢٧ / أبواب مكان المصلي ب ٦ ح ٢ ، ٤.

(٤) الوسائل ٥ : ١٢٤ / أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ٢.

(٥) الوسائل ٥ : ١٢٥ / أبواب مكان المصلى ب ٥ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٢٣٢ / ٩١٢.

١٠٦

وذروا ما رأوا » وأوّل من صدرت عنه هذه الدعوى على الظاهر هو شيخنا الأنصاري قدس‌سره حيث نقل في أول صفحة من مبحث الجماعة رواية مرسلة في طريقها علي بن فضال ، وحكم بصحتها لما ذكر (١) ، وتبعه فيها جمع ممن تأخر عنه.

وفيه أوّلاً : أنّ الرواية في نفسها ضعيفة السند ، فإنها مروية عن عبد الله الكوفي خادم الشيخ حسين بن روح ، « قال : سئل الشيخ يعني أبا القاسم عن كتب ابن أبي العزاقر أي الشلمغاني بعد ما ذمّ وخرجت فيه اللعنة ، فقيل له : فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملاء؟ فقال : أقول فيها ما قال أبو محمد الحسن ابن علي عليه‌السلام وقد سئل عن كتب بني فضال فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟ فقال عليه‌السلام : خذوا منها بما رووا وذروا ما رأوا » (٢) وعبد الله الكوفي مهمل في كتب الرجال.

وثانياً : مع الغض عن السند فغاية ما تقتضيه الرواية توثيق بني فضال بأنفسهم وأنّ انحراف عقيدتهم لا يضرّ بوثاقتهم كما كانوا عليه حال استقامتهم من الأخذ برواياتهم ، ومن الظاهر أنّ هذا لا يقتضي تصحيح كل خبر كانوا في طريقه حتى لو رووه مرسلاً عن مجهول بحيث يكونون أعظم شأناً من مثل زرارة ومحمد بن مسلم وأضرابهما من الثقات الذين لا يعمل بمراسيلهم حتى نفس بني فضال حال استقامتهم ، إذ لا يحتمل أن يكون انحرافهم موجباً لارتفاع شأنهم عن حال الاستقامة حتى يقتضي الأخذ بمراسيلهم.

وبالجملة : فلا ينبغي التشكيك في ضعف سند الخبر وعدم اعتباره.

__________________

(١) لم نعثر عليه في مبحث الجماعة وإنمّا وجدناه في مبحث المواقيت أول كتاب الصلاة ١ : ٣٦.

(٢) الغيبة : ٣٨٩ / ٣٥٥ ، الوسائل ٢٧ : ١٠٢ / أبواب صفات القاضي ب ٨ ح ٧٩.

١٠٧

ومنها : صحيح جميل (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه « قال : لا بأس أن تصلي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض ، وكان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتى يسجد » (٢).

ونوقش فيه : باضطراب المتن ، لعدم ارتباط التعليل بمورد الخبر ، وعدم انطباقه عليه ، إذ لا كلام في جواز صلاة الرجل وبين يديه أو بحذائه امرأة نائمة أو قائمة في غير صلاة. كما دل عليه غير واحد من الأخبار ، فالاستشهاد بقصة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع عائشة وهي مضطجعة لا سيما وهي حائض ، وذكرها في مقام التعليل لجواز صلاة الرجل والمرأة بحذاء الآخر ، مما لا يناسبه ولا يلائمه.

ومن هنا استظهر في الوافي على ما في الحدائق حصول التصحيف في الخبر ، وأنّ الصواب في العبارة « أنه لا بأس أن تضطجع المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ... إلخ » (٣).

وفيه : ما لا يخفى ، فإن الرواية مذكورة في جميع كتب الحديث بصورة « تصلي » كما أثبتناها دون « تضطجع » فالرواية إذن تامة سنداً ودلالة ، وإنما الكلام في ربط التعليل بالحكم.

ويمكن توجيهه بناء على المشهور بين المتأخرين من الجواز عن كراهة بأن التقدم لو كان مانعاً فإنما هو من جهة وجود المرأة بين يدي الرجل من غير خصوصية لصلاتها ، وحيث قد ثبت صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعائشة بين يديه ، فلا مانع إذن من تقدمها عليه ، وإن كانت تفترق حالة الصلاة عن غيرها من حيث الكراهة وعدمها بمقتضى نصوص التفصيل والجمع بين الأخبار.

__________________

(١) المراد به جميل بن دراج وقد تقدم الكلام في سنده [ في هامش ص ٨٨ ].

(٢) الوسائل ٥ : ١٢٢ / أبواب مكان المصلي ب ٤ ح ٤.

(٣) الحدائق ٧ : ١٧٨ ، الوافي ٧ : ٤٨٠ / ٦٣٩٩.

١٠٨

نعم ، مفاد التعليل جواز التقدم وهو غير المحاذاة المذكورة في صدر الصحيحة ، ولكن جوازه يدل على جوازها بطريق أولى.

وكيف ما كان ، فلو سلّم فغايته تشويش الصحيحة من هذه الناحية وهو غير ضائر بما هو محل الاستشهاد بعد صراحتها فيه كما لا يخفى.

ومنها : صحيحة الفضيل عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : إنما سميت بكة ، لأنه تبك فيها الرجال والنساء ، والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن يسارك ومعك ولا بأس بذلك ، وإنما يكره في سائر البلدان » (١) بناء على عدم الفصل بين مكة وغيرها جوازاً ومنعاً ، وإن ثبت الفصل كراهة بمقتضى نفس هذه الصحيحة بعد حمل الكراهة الواردة فيها على الكراهة المصطلحة. إذن فتكون الصحيحة صريحة في الجواز ، وبذلك يحمل المنع في الطائفة الأولى المفصّلة بين حالتي صلاة المرأة وعدمها على الكراهة ، فترتفع المنافاة بينها وبين الطائفة الثانية.

الطائفة الثالثة : ما تضمّنت التفصيل ، ففي موثقة عمار إناطة الجواز بالفصل بينهما بمقدار عشرة أذرع « عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلي وبين يديه امرأة تصلي؟ قال : لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع ، وإن كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك ، فان كانت تصلي خلفه فلا بأس ... » إلخ (٢).

فلو كنا نحن وهذه الموثقة لأخذنا بها وحكمنا بهذا التفصيل ، إلاّ أنّ هناك روايات اخرى تضمّنت تحديد الفصل بمقدار شبر واحد ، وأنّه إذا كانت الفاصلة بهذا المقدار صحت الصلاة ، وإن كانت دونه بطلت.

ومقتضى الجمع العرفي بينها وبين الموثقة الالتزام بالكراهة فيما إذا كان الفصل‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٢٦ / أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ١٠.

(٢) الوسائل ٥ : ١٢٨ / أبواب مكان المصلي ب ٧ ح ١.

١٠٩

عشرة أذرع فما دون ، والمنع لو كان أقل من الشبر. وهذا القول وإن كان شاذاً ولم يلتزم به إلاّ الجعفي كما سبق (١) إلاّ أنَّ نتيجة الجمع بين الأخبار هو ذلك.

ودعوى اختلاف ألسنة الروايات في بيان الحدّ ، ففي بعضها التحديد بموضع رحل ، وفي آخر بعظم الذراع أو ما لا يتخطى ، وفي ثالث بالشبر أو الذراع ، وفي رابع بعشرة أذرع ، وهذا الاختلاف كاشف عن اختلاف مراتب الكراهة حتى بالنسبة إلى الشبر ، لاتحاد السياق.

مدفوعة : بأنّ التحديد بالشبر الذي هو أقل تلك المراتب صريح في المانعية فيما دون هذا الحد من غير معارض ، وفي عدم المانعية في نفس هذا الحد فما فوق ، فيحمل ما دلّ على المنع في ذلك على الكراهة حسب اختلاف مراتبها من حيث قلة الفصل وكثرته ، وإليك تلك الأخبار :

فمنها : صحيحة معاوية بن وهب (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنه سأله عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد ، قال : إذا كان بينهما قدر شبر صلت بحذاه وحدها وهو وحده ولا بأس » (٣).

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : إذا كان بينها وبينه ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعداً فلا بأس » (٤) وعظم الذراع قريب من شبر.

وما رواه الشيخ بإسناده عن أبي بصير ليث المرادي قال : « سألته عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد ، المرأة عن يمين الرجل بحذاه قال : لا ، إلاّ أن يكون بينهما شبر أو ذراع » (٥) ولكن في السند الحسن الصيقل ، وفيه‌

__________________

(١) في ص ١٠٥.

(٢) في طريق الصدوق إلى معاوية بن وهب محمد بن علي ما جيلويه ولم يوثق [ راجع الفقيه ٤ ( المشيخة ) : ٣١ ].

(٣) ، (٤) الوسائل ٥ : ١٢٥ / أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ٧ ، ٨.

(٥) الوسائل ٥ : ١٢٤ / أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ٣.

١١٠

كلام ، بل هو مجهول على الأظهر.

وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « سألته عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلي بحذاه في الزاوية الأُخرى ، قال : لا ينبغي ذلك ، فإن كان بينهما شبر أجزأه يعني إذا كان الرجل متقدّماً للمرأة بشبر » (١) هكذا رواها في التهذيب (٢) ولعل التفسير من الشيخ نفسه لا من الراوي كما يعضده خلو رواية الكافي (٣) عنه ، غير أنه يشكل على هذا باستبعاد كون الفاصلة بين زاويتي الحجرة بمقدار الشبر ، بل امتناعه عادة. ومن هنا يتقوى ما في نسخة الكافي من روايتها بصورة « ستر » بالسين المهملة والتاء المثناة من فوق بدلاً عن « شبر » (٤) فتكون الصحيحة عندئذ أجنبية عن محل الكلام وناظرة إلى اعتبار الستار بين الرجل والمرأة لدى صلاتهما بحيال الآخر ، ومطابقة مع ما رواه ابن إدريس بإسناده عن محمد الحلبي الواردة بنفس هذا المضمون (٥).

وكيف ما كان ، فكلمة « لا ينبغي » ظاهرة في الحرمة دون الكراهة المصطلحة كما مر غير مرّة.

والعمدة هما الروايتان الأولتان ، ومقتضى الجمع العرفي بينهما وبين بقية الروايات هو الالتزام بمقالة الجعفي من المنع فيما دون الشبر ، والجواز عن كراهة فيه فما فوق إلى عشر اذرع حسب اختلاف المراتب.

والمتلخص من جميع ما ذكرناه : أنّ المعتبر لدى اجتماع الرجل والمرأة للصلاة في مكان واحد تأخر المرأة وتقدّم الرجل ولو بصدره ، فان تقدّمت عليه ولم‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٢٣ / أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٣٠ / ٩٠٥.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٨ / ٤.

(٤) [ الموجود في نسخة الكافي المطبوعة هو « شبر » لا « ستر » ].

(٥) الوسائل ٥ : ١٣٠ / أبواب مكان المصلي ب ٨ ح ٣ ، السرائر ٣ ( المستطرفات ) : ٥٥٥.

١١١

إلا مع الحائل ، أو البعد عشرة أذرع بذراع اليد على الأحوط ، وإن كان الأقوى كراهته (١) إلا مع أحد الأمرين (١).

______________________________________________________

يكن فصل بمقدار شبر بطلت الصلاة ، وإن بلغ الشبر ولم يزد على عشرة أذرع ثبتت الكراهة ، وإن زاد عليها فلا كراهة.

(١) ذكر في المتن أُموراً أربعة يرتفع بها المنع أو الكراهة :

الأول : وجود الحائل ، ولا خلاف في زوال الحكم معه وإن كان الفصل بينهما أقل من الشبر ، سواء أكان الحائل قصيراً أم طويلاً. وتقتضيه جملة من النصوص :

منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام « في المرأة تصلي عند الرجل ، قال إذا كان بينهما حاجز فلا بأس » (١).

وصحيحة ابن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام في حديث قال : « سألته عن الرجل يصلي في مسجد حيطانه كوى كله قبلته وجانباه وامرأته تصلي حياله يراها ولا تراه قال : لا بأس » (٢).

وخبره الآخر عنه عليه‌السلام المروي في قرب الاسناد وإن كان ضعيفاً لمكان عبد الله بن الحسن قال : « سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في مسجد قصير الحائط وامرأة قائمة تصلي وهو يراها وتراه ، قال : إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس » (٣).

ومقتضى الإطلاق في صحيح ابن مسلم عدم الفرق بين كون الحاجز ساتراً أي مانعاً عن المشاهدة أم لا ، كما لو كان زجاجة ونحوها.

نعم مقتضى خبر الحلبي الذي رواه ابن إدريس عن نوادر البزنطي اعتبار‌

__________________

(١) هذا إذا كان بينهما فصل بمقدار الشبر ، وإلا فالأظهر عدم الجواز.

(١) الوسائل ٥ : ١٢٩ / أبواب مكان المصلي ب ٨ ح ٢ ، ١.

(٢) الوسائل ٥ : ١٢٩ / أبواب مكان المصلي ب ٨ ح ٢ ، ١.

(٣) الوسائل ٥ : ١٣٠ / أبواب مكان المصلي ب ٨ ح ٤ ، قرب الاسناد : ٢٠٧ / ٨٠٥.

١١٢

الأول ، قال : « سألته عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة وابنته أو امرأته تصلي بحذائه في الزاوية الأُخرى ، قال : لا ينبغي ذلك إلاّ أن يكون بينهما ستر ، فان كان بينهما ستر أجزأه » (١).

لكن الخبر ضعيف السند من جهة المفضل. مضافاً إلى ضعف طريق ابن إدريس إلى النوادر ، وإن كنا نعتمد عليه سابقاً.

الثاني : البعد عشرة أذرع فصاعداً بلا خلاف. وهذا إن قام عليه إجماع تعبدي فهو المستند ، وإلاّ فتتميمه بالدليل مشكل ، لحصره في خبرين : أحدهما : قاصر سنداً ، وهي رواية علي بن جعفر قال : « سألته عن الرجل يصلي ضحى وأمامه امرأة تصلي ، بينهما عشرة أذرع ، قال : لا بأس ليمض في صلاته » (٢) فإنه ضعيف بعبد الله بن الحسن. والآخر : دلالة ، وهي موثقة عمار : « لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع ... » إلخ (٣) فإنها ظاهرة في لزوم كون البعد أكثر من العشرة ، فلا تكفي العشرة نفسها.

ودعوى أنّ المراد من مثل هذا التعبير العشرة فما زاد ، نظير قوله تعالى ( فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ) (٤) حيث يراد اثنتان فما زاد بقرينة البنت الواحدة التي قوبلت مع هذه الجملة في صدر الآية ، وإلاّ لزم عدم التعرض لحكم الثنتين ، وهو بعيد عن سياقها.

ومن هنا لا يعفى عن الدم إذا كان بقدر الدرهم ، للمنع عما زاد عليه الشامل لنفس المقدار كما صرح به في الجواهر (٥).

يدفعها : أنّا لم نتحققها وعهدتها على مدعيها ، وإرادتها من الآية لمكان القرينة كما عرفت لا يقتضي التعدي إلى مثل المقام العاري عنها ، وشمول‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٣٠ / أبواب مكان المصلي ب ٨ ح ٣ ، السرائر ٣ ( المستطرفات ) ٥٥٥.

(٢) ، (٣) الوسائل ٥ : ١٢٨ / أبواب مكان المصلي ب ٧ ح ٢ ، ١.

(٤) النساء ٤ : ١١.

(٥) الجواهر ٦ : ١١٠.

١١٣

والمدار على الصلاة الصحيحة (١) لولا المحاذاة أو التقدم دون الفاسدة لفقد شرط أو وجود مانع (١).

______________________________________________________

المنع لمقدار الدرهم ممنوع ، بل الظاهر شمول العفو له كما مرّ في محله (١).

وبالجملة : دعوى الظهور لأمثال هذا التعبير فيما ذكر قول بلا دليل ، فالاكتفاء بالعشرة مشكل جدّاً ما لم يقم الإجماع عليه.

الثالث : تأخر المرأة مكاناً بمجرد الصدق ، أي الصدق العرفي ، فلا يكفي الدقي بأن رسم خط من موقفهما فكانت المرأة متأخرة بمقدار إصبع أو إصبعين مع صدق المحاذاة العرفية.

وبالجملة : فمع صدق التأخر عرفاً لا ينبغي الإشكال في ارتفاع الحكم ، لعدم انطباق العناوين المأخوذة في لسان الأخبار من كون الرجل بحيال المرأة أو بحذائها أو كونها بين يديه ، أو عن يمينه أو شماله. فلا موضوع للمانعية أو الكراهة.

ومنه يظهر الحال في الرابع وهو ما إذا اختلف المكانان من حيث العلو والانخفاض ، فكان أحدهما في مكان عال على وجه لا يصدق معه التقدم أو المحاذاة عرفاً وإن لم يبلغ الفصل عشرة أذرع.

نعم إذا كان الارتفاع قليلاً بحيث لم يضرّ بصدق التقدم أو المحاذاة العرفية شمله الحكم فإذا كان بمقدار الشبر بطل على المختار ، وإلاّ كان مكروهاً ، ولا يهمّنا تشخيص المعيار في الصدق المزبور ، فإنّ الأمر في الكراهة هيّن.

(١) فلا أثر للصلاة الفاسدة في المنع أو الكراهة.

ويستدل له تارة : بأنّ الصلاة كغيرها من ألفاظ العبادات موضوعة للصحيح منه فلا تعم الفاسدة ، وحيث يمتنع إرادة الصحيح فعلاً من جميع‌

__________________

(١) بل على مطلق ما يصدق عليه الصلاة ولو كانت فاسدة.

(١) [ مرّ في شرح العروة ٣ : ٤٠٣ شمول المنع لمقدار الدرهم لا العفو ].

١١٤

الجهات بعد فرض تعلق النهي ، فلا محالة يراد منها الصحيحة من غير ناحية تعلق النهي نظير قوله عليه‌السلام : « دعي الصلاة أيام أقرائك » (١).

وفيه : أنّ التحقيق أنها كألفاظ المعاملات أسامٍ للجامع بين الصحيح والفاسد كما حقق في الأُصول (٢).

وأُخرى : بالانصراف إلى الصحيحة وإن كان الوضع للأعم.

ويندفع : بأنَّ الانصراف بدوي لا يعبأ به ، فإنّ منشأه إن كانت الغلبة خارجاً ، فمع تسليمها ولعل الأمر بالعكس إنما تنفع لو كانت الأفراد الفاسدة قليلة في مقابل الصحيحة ، وليس كذلك بالضرورة ، لا سيما بعد ملاحظة صلوات أهل البوادي والقرى وجملة من النساء ، وكثير من العوام غير المبالين بالأحكام ، فليست هذه نادرة قبالها ، بل غايته أنّ الأفراد الصحيحة أكثر من الفاسدة ، ومثله لا يوجب الانصراف. على أنه لو سلّم أيضاً فإنما يجدي لو كانت الغلبة بمثابة توجب انس الذهن بحيث لا ينسبق إليه غيرها لدى الإطلاق ، وليس كذلك في المقام كما لا يخفى. وإن كانت كثرة الاستعمال في الصحيح ، فهو كما ترى ، فإن الاستعمال في الفاسد ، وكذا في الجامع بينهما ليس بقليل قبال الاستعمال في الصحيح.

فالإنصاف : عدم الفرق بين الصلاة الصحيحة والفاسدة في ترتب الأثر لو لم يقم إجماع على الاختصاص بالأُولى. على أنه لو كان فهو معلوم المدرك أو محتملة ، فلا يكون تعبدياً ، فالأقوى شمول الحكم لهما ، مع فرض صدق الصلاة عليه بأن لا يكون الفساد من جهة فقد الأركان المقوّمة لصدق اسم الصلاة كالطهارة أو الركوع والسجود ، وإلاّ فلا أثر له لخروجه عن حقيقة الصلاة وعدم صدق اسمها عليه ، وكذا لو كانت مثل صلاة الميت التي ليست هي من حقيقة الصلاة في شي‌ء.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٧ / أبواب الحيض ب ٧ ح ٢.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ١ : ١٤٠.

١١٥

والأولى في الحائل (١) كونه مانعاً عن المشاهدة (١) ، وإن كان لا يبعد كفايته مطلقاً ، كما أنّ الكراهة أو الحرمة مختصة بمن شرع في الصلاة لاحقاً (٢) (٢) إذا كانا مختلفين في الشروع ، ومع تقارنهما تعمّهما. وترتفع أيضاً بتأخر المرأة مكاناً بمجرد الصدق ، وإن كان الأولى تأخرها عنه في جميع حالات الصلاة بأن يكون مسجدها وراء موقفه كما أنّ الظاهر ارتفاعها أيضاً بكون أحدهما في موضع عال على وجه لا يصدق معه التقدم أو المحاذاة ، وإن لم يبلغ عشرة أذرع.

______________________________________________________

(١) لخبر الحلبي المتقدم (١) الذي تضمن التعبير بالستر الظاهر فيما يكون مانعاً عن المشاهدة ، لكن عرفت ضعفه. مع احتمال أن تكون النسخة الشبر بالمعجمة دون الستر ، فيكون خارجاً عما نحن فيه ، فالمتبع إطلاق صحيح ابن مسلم المتقدم (٢) وغيره من الاجتزاء بمطلق الحاجز ، كان ساتراً أم لا.

(٢) كما عن غير واحد ، فلا تعمّهما إلاّ مع التقارن ، لكن الأقوى خلافه (٣) فيعم الحكم السابق كاللاحق كما عن جمع آخرين بل المشهور على ما ادعاه بعضهم ، بل في الحدائق (٤) وعن جامع المقاصد (٥) نسبته إلى إطلاق كلام الأصحاب.

والوجه فيه : أنّ الوارد في النصوص المنع تحريماً أو تنزيهاً على الخلاف‌

__________________

(١) وإن كان قصيراً أو مشتملاً على النوافذ.

(٢) بل هي عامّة للسابق أيضاً.

(١) في ص ١١٢.

(٢) في ص ١١٢.

(٣) كما أُشير إليه في تعليقته الشريفة ، وخلوّ الطبعة الأخيرة عن ذلك مبني على الغفلة دون العدول كما صرح ( دام ظله ) بذلك.

(٤) الحدائق ٧ : ١٨٧.

(٥) جامع المقاصد ٢ : ١٢١.

١١٦

المتقدم عن أن يصلي الرجل وبحذائه امرأة تصلي أو بالعكس ، والمحتملات في كلمة « يصلي » في الموردين أُمور ثلاثة :

فإما أن يراد بهما الشروع ، أو التلبس ، أو بالاختلاف بأن يراد منها في أحدهما الشروع وفي الآخر التلبس.

أما الأخير فمضافاً إلى مخالفته لاتحاد السياق يلزمه قصور النصوص عن التعرض لصورة الاقتران ، وهو كما ترى ، وأما الأوّل فلازمه الاختصاص بصورة الاقتران وهو مضافاً إلى أنه من حمل المطلق على الفرد النادر كما لا يخفى ، لا مقتضي له ، ضرورة أنّ صيغة المضارع موضوعة لمطلق التلبس لا لخصوص حالة الشروع ، فانّ قولنا : زيد يخطب مثلاً ، صادق عند تلبسه بالمبدإ ، سواء أكان حين شروعه أم بعده ما لم يفرغ.

ومنه تعرف تعيّن الوجه الثاني ، وعليه فيكون المتحصّل من النصوص أنّ تلبس الرجل أو المرأة بالصلاة مشروط بعدم تلبس الآخر بها ، فلا فرق بين صورتي التقارن والتعاقب ، كما لا فرق بين السابق واللاحق ، لصدق العنوان المزبور ، أي « أن الرجل يصلي وبحياله امرأة تصلي » في جميع التقادير ، لاتحاد مناط الصدق وهو مطلق التلبس في الكل من غير اختصاص بصورة دون اخرى.

وإن شئت فقل : إنّ مناط المنع هو المحاذاة ونسبتها إلى السابق واللاحق والمقارن نسبة واحدة ، فلا جرم تتحقق الكراهة أو المانعية بالإضافة إلى الجميع ولو بقاءً.

ودعوى : أنّ الصلاة اللاحقة كيف تؤثّر في إبطال السابقة ، وكيف يبطل العمل الصحيح بفعل الغير.

مدفوعة : بأنه مجرد استبعاد محض ولا ينبغي الاستيحاش منه بعد مساعدة الدليل الذي نميل معه حيث يميل.

على أنّه يمكن دفعه من أصله ، بأنّ الموجب للبطلان هو بقاؤه في هذا‌

١١٧

المكان ، حيث أوجب تحقيق المحاذاة المانعة عن صحة الصلاة أو عن كمالها ، وعلى تقدير استناد البطلان إلى فعل الغير لعجز هذا عن النقل والتحويل بعد التلبس بالصلاة ، فلا ضير في الالتزام به وإن نشأ عن فعل الغير حسبما سمعت ، بعد الاشتراك في صدق عنوان الاجتماع في الموقف المنهي عنه.

وبالجملة : سبق الانعقاد لا يمنع من طروء الفساد إذا اقتضاه الدليل ، والاستبعاد المزعوم استبعاد لغير البعيد بعد ظهور الأدلة فيه ، فلا مناص من رفع اليد والإتيان بها في مكان آخر ، هذا.

وربما يستدل لاختصاص البطلان باللاحقة بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : « سألته عن إمام كان في الظهر فقامت امرأته بحياله تصلي وهي تحسب أنها العصر ، هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر؟ قال : لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة » (١) حيث دلت على اختصاص الفساد بصلاة المرأة ، وأنها لا تستوجب فساد صلاة القوم السابقة عليها.

أقول : أما من حيث السند فلا ينبغي الشك في الصحة ، فإن صاحب الوسائل رواها عن الشيخ في موضعين : أحدهما : في مكان المصلي (٢) ، وهو ضعيف لضعف طريق الشيخ إلى العياشي (٣). مضافاً إلى أنّ في السند جعفر بن محمد وهو مجهول.

ثانيهما : في باب ٥٣ من أبواب صلاة الجماعة حديث ٢ (٤) والظاهر صحته ، لأنّ الشيخ يرويها بإسناده عن علي بن جعفر ، وظاهره بقرينة ما ذكره في آخر‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٣٠ / أبواب مكان المصلي ب ٩ ح ١.

(٢) المصدر المتقدم.

(٣) الفهرست : ١٣٦ / ٥٩٣.

(٤) الوسائل ٨ : ٣٩٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٣ ح ٢.

١١٨

التهذيب (١) من أن من يبدأ به السند فإنما يرويه عن كتابه ، أنه يرويها عن كتابه ، وطريقه إلى الكتاب صحيح.

وأما من ناحية الدلالة ، فالظاهر أنها قاصرة ، لابتنائها على استناد فساد صلاة المرأة إلى المحاذاة ، إذ لو كانت فاسدة في حدّ ذاتها حتى مع الغض عن هذه الجهة فمثلها لا يستوجب فساد الصلاة السابقة ، إلا إذا قلنا إنه يكفي في البطلان مجرد مسمّى الصلاة عرفاً ولو كانت فاسدة مع قطع النظر عن المحاذاة.

ومن الجائز استناد الفساد في المقام إلى أحد أمرين آخرين :

أحدهما : اختلاف فرضها مع فرض الامام ، حيث إنها تقتدي عصرها بظهره ، وقد بنى بعضهم ومنهم الشيخ المفيد في المقنعة على بطلان الجماعة في هذه الصورة لاعتبار المساواة في الفريضة (٢) وقد ذكر الشيخ الطوسي (٣) هذه الرواية في ذيل تلك الفتوى دليلاً عليها.

ثانيهما : عدم تأخرها عن الامام لقيامها حياله ، ويعتبر في صحة الجماعة تأخرها عنه.

ومع تطرق هذين الاحتمالين كيف يمكن الاستشهاد بها على المدعى.

وبالجملة : لم يعلم أنّ الأمر بإعادة المرأة خاصة لأجل الاجتماع المفروض بينها وبين القوم كي تدل الصحيحة على صحة السابقة ، هذا أوّلاً.

وثانياً : مع الغض وتسليم كونها ناظرة إلى جهة المحاذاة كما قد يعضده ضم السؤال عن صحة صلاة القوم ، حيث لا يحتمل فساد صلاتهم من غير هذه الناحية فالحكم بصحة صلاتهم مطلق من حيث البعد وكمية الفصل ، ومن البعيد جدا أن تقف المرأة متصلة بالرجل خصوصاً على ما في‌

__________________

(١) التهذيب ١٠ ( المشيخة ) : ٤.

(٢) [ لم نجد هذا الحكم في المقنعة وإنمّا أضاف الشيخ الطوسي باب أحكام الجماعة في التهذيب وأورد هذه الرواية في هذا الباب ذيل فتوى أخرى ].

(٣) التهذيب ٣ : ٤٩ / ١٧٣.

١١٩

[١٣٤٤] مسألة ٢٦ : لا فرق في الحكم المذكور كراهة أو حرمة بين المحارم وغيرهم والزوج والزوجة وغيرهما (١) وكونهما بالغين أو غير بالغين (١) (٢) أو مختلفين ، بناء على المختار من صحة عبادات الصبي والصبية.

______________________________________________________

بعض نسخ الرواية من ذكر « فقامت امرأة » بدل « فقامت امرأته » الشامل للأجنبية. إذن فلا بد من تنزيلها على ما تقتضيه طبيعة الحال من كون الفصل أكثر من الشبر ، فتصح صلاة القوم حينئذ لفقد المحاذاة القادحة ، وهذا وإن استوجب صحة صلاة المرأة أيضاً من هذه الناحية ، إلا أنه يمكن أن يكون فسادها لجهة أُخرى غير المحاذاة حسبما ذكرناه آنفاً ، بل لا مناص من ذلك بمقتضى افتراض وقوفها بحيال الامام (١).

وعليه فلا يمكن الاستدلال بها على اختصاص البطلان من ناحية المحاذاة بالصلاة المتأخرة ، بل الأقوى ما عرفت من تعميم البطلان أو الكراهة لكلتا الصلاتين ، سواء أكانتا متقارنتين أم متعاقبتين.

(١) لإطلاق النصوص بل التنصيص في بعضها مما اشتمل على التعبير بالزوجة أو البنت فلاحظ.

(٢) خلافاً للمشهور من اختصاص المنع بصلاة البالغ ، وهو الأقوى ، فإن مستند التعميم المذكور في المتن أحد أمرين :

إما دعوى أنّ التعبير بالرجل والمرأة الوارد في النص كناية عن مطلق الذكر والأُنثى من غير خصوصية للبلوغ كما ادعي مثل ذلك في موارد : منها تحريم بنت الموطوء وأُمه وأُخته فيما لو وطئ رجل غلاماً فأوقبه ، حيث حكموا بعدم اختصاص الحكم بما إذا كان الواطئ بالغاً والموطوء صبياً ، بل تنشر الحرمة حتى فيما إذا كانا بالغين أو صبيين.

__________________

(١) الأقوى اختصاص المنع بمحاذاة صلاة البالغ.

(١) لكن مقتضى ذلك بطلان جماعتها دون أصل الصلاة.

١٢٠