موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

الثاني : هب أن كون التغسيل من وراء الثِّياب معتبر في غير المماثل ، إلاّ أنّ المماثلة وعدمها غير محرزين في المقام للشك في رجولية الخنثى وأُنوثيتها ، وإنّما أثبتنا وجوب تغسيلها بالعلم الإجمالي كما مرّ ومع الشك في الموضوع تجري البراءة عمّا يحتمل شرطيته ، فلا يجب أن يكون التغسيل من وراء الثِّياب.

ثانيهما : أن مقتضى العلم الإجمالي حرمة النظر إلى بدن الخنثى بعد موتها ، ولأجله يعتبر في تغسيلها أن يكون من وراء الثِّياب.

وفيه : أنّ العلم الإجمالي إنّما يقتضي حرمة النظر إلى بدن الخنثى الميِّت ، ولا يقتضي أن يكون تغسيلها من وراء الثِّياب ، فيمكن أن يغسلها في الظلمة أو مع غض عينيه.

فالمتحصل : أن كون تغسيلها من وراء الثِّياب لم يثبت بدليل ، وإنّما اللاّزم أن لا ينظر إلى بدن الخنثى فحسب.

نعم ، لا بدّ من تغسيلها مرّتين ، بأن يغسلها كل من الرجل والمرأة ، وذلك للعلم الإجمالي المتقدِّم من دون اشتراط كون التغسيل من وراء الثِّياب ، لأن في تغسيل الرّجل لها إن كان الخنثى رجلاً واقعاً فهو من تغسيل المماثل ولا يعتبر فيه التغسيل من وراء الثِّياب ، وإن كانت الخنثى امرأة واقعاً فتغسيل الرجل لها باطل ولغو سواء كان من وراء الثِّياب أم لم يكن.

وكذلك الحال في تغسيل المرأة للخنثى ، فلا وجه لاعتبار كون التغسيل من وراء الثِّياب.

[ ثمّ إن ] ظاهر كلماتهم هو الاقتصار على غسل واحد من محارمها ، إلاّ أنّ الصحيح هو الثاني ، وأنّه لا بدّ من تغسيلها مرّتين : تارة يغسلها الرجل وأُخرى تغسلها امرأة من محارمها ، وذلك لأن تغسيل المحارم مشروط بعدم المماثل للميت ، فإذا غسلها رجل منهم فقط مثلاً لم يحرز أنّه مماثل للخنثى ، ومع الشك في صدور التغسيل من مماثلها يجري استصحاب عدم تحقق الغسل المأمور به فيجب أن تغسلها امرأة ثانياً في المثال حتّى يقطع بتحقق الغسل الصحيح المأمور به أعني تغسيل المحرم المماثل للخنثى ـ

٣٦١

[٨٦٣] مسألة ٢ : إذا كان ميت أو عضو من ميت مشتبهاً بين الذكر والأُنثى‌ فيغسله كل من الرجل والمرأة من وراء الثِّياب (١).

[٨٦٤] مسألة ٣ : إذا انحصر المماثل في الكافر أو الكافرة من أهل الكتاب (٢)

______________________________________________________

وقد عرفت أنّ التغسيل لا يعتبر أن يكون من وراء الثِّياب.

إذا اشتبه ميت أو عضوه بين الذّكر والأُنثى‌

(١) المسألة المتقدِّمة وإن تعرّضنا لحكمها إلاّ أنّها ليست مورداً للابتلاء ، بخلاف مسألتنا هذه فإنّها مورد الابتلاء ، وهي ما إذا وجدنا ميتاً قُدّ نصفين أو أكله السبع على نحو لا يتميز النصف الباقي أنّه من رجل أو من أُنثى.

وحكمه حكم المسألة السابقة طابق النعل بالنعل ، فيجب على كل من الرِّجال والنِّساء الأجانب أن يغسله ، للعلم الإجمالي بحرمة النظر إليه أو بوجوب تغسيله. والمحارم لا يجب عليهم ذلك ، إلاّ فيما إذا لم يوجد من يغسله من النِّساء والرّجال الأجانب ، أو وجد ولم يغسله ، ومعه يجب على الرّجال المحارم ونسائهم أن يغسلوه مرّتين كما قدمناه في الخنثى ولا نعيد.

وأظهر من ذلك في الابتلاء ، ما إذا وجدنا عضواً من أعضاء الميِّت ولم يعلم أنّه عضو رجل أو عضو امرأة ، فإنّه يغسله كل من الرّجال والنِّساء على التفصيل المتقدِّم من غير اعتبار كون الغسل من وراء الثِّياب.

انحصار المماثل في الكافر‌

(٢) فهل يجب دفن الميِّت من غير غسل ، أو يغسله المماثل من أهل الكتاب ، أو لا بدّ أن يغسله المسلم ولو كان غير مماثل له؟

لا وجه للاحتمال الأخير ، لما دلّ على أنّ الميِّت إذا لم يوجد المماثل له دفن من غير‌

٣٦٢

غسل ، والمعروف بين الأصحاب أنّه يغسله أهل الكتاب المماثل للميت ، وعن المحقق (١) وجماعة أنّه يدفن من غير غسل.

ويدلُّ على القول المشهور موثقتان واردتان في المسألة ، إحداهما في الرّجل والأُخرى في المرأة ، وقد دلّتا على هذا الحكم صريحاً (٢) ونوقش في الاستدلال بها من وجوه :

منها : أنّ التغسيل واجب عبادي يعتبر فيه قصد التقرّب ولا يتمشّى ذلك من الكفّار ، لاعتقادهم بطلان هذا الدين ، ومع اعتقاد البطلان لا يمكنه التقرّب بالتغسيل.

ومنها : أن من رجال إحدى الموثقتين من هو فطحي المذهب ومن رجال الموثقة الأُخرى من هو زيدي فلا يعتمد على رواياتهم.

ومنها : ما أورده صاحب الحدائق قدس‌سره (٣) من أنّ الموثقتين معارضتان للأخبار الدالّة على نجاسة أهل الكتاب (٤) إذ مع نجاسة أبدانهم يتنجس الماء وبدن الميِّت ، والماء النجس لا يرفع حدثاً ولا يزيل خبثاً.

أمّا المناقشة الأُولى ، ففيها أنّها أشبه شي‌ء بالاجتهاد في مقابل النص بل هو هو بعينه ، وذلك لأن اعتبار قصد التقرب في الواجبات لم يرد فيه دليل عقلي لا يقبل التخصيص ، وإنّما استفيد من الارتكاز وكلمات الأصحاب أي التسالم على أنّ الغسل عبادي وهو أمر قابل للتخصيص ، فيخصص في المقام بالموثقتين ويلتزم فيه بعدم اعتبار قصد التقرّب في التغسيل حينئذ ، فيكون اعتبار النيّة مختصّاً بما إذا كان الغاسل ممّن يتمشّى منه النيّة ، كما هو الحال في غيره كالزكاة إذا أُخذت من الكفار جبراً فإنّها‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٢٦ / في أحكام الأموات.

(٢) الوسائل ٢ : ٥١٥ / أبواب غسل الميِّت ب ١٩ ح ١ ، ٢.

(٣) الحدائق ٣ : ٤٠٣.

(٤) الوسائل ٣ : ٤١٩ / أبواب النجاسات ب ١٤ ، ٢٤ : ٢٠٦ ، ٢١٠ / أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥٢ ، ٥٤.

٣٦٣

أمر عبادي ، فهل يمكن أن يقال : إنّ الكافر لا يتمشى منه قصد القربة فلا يجوز أخذ الزكاة منهم ، بل يلتزم فيه بسقوط ذلك وعدم اعتبار قصد التقرّب ، أو يلتزم بوجوبه ممّن يأخذ الزّكاة كالحاكم أو نائبه.

وفي المقام أيضاً يلتزم اعتباره من المسلم الّذي يأمر الكتابي بالتغسيل ، فانّ الموثقتين واردتان لبيان وظيفة المسلمين وأنّهم يأمرون الكفّار المماثلين بالتغسيل. وكيف كان ، فهذه المناقشة ساقطة وبعد دلالة النص الصريح لا يمكن الخدشة في قباله فإنّه من الاجتهاد في مقابل النص.

أمّا المناقشة الثانية ، فهي إنّما تصح ممّن لا يعتمد على غير الصحاح أي على الموثقات كصاحب المدارك قدس‌سره ولا تتم من مثل المحقق الّذي يعمل بالموثق كما يعمل بالصحيح ، فإن أكثر الرواة بين زيدي أو فطحي أو واقفي أو غير ذلك من الفِرق غير الأنثى عشرية ، وقد أثبتنا في محله أنّ الموثق حجّة كالصحيح.

فالعمدة هي المناقشة الأخيرة ، من أنّ الموثقتين معارضتان للأخبار الدالّة على نجاسة أهل الكتاب ، وهي أكثر وأرجح من الموثقتين.

والوجه في المعارضة : هو ما ثبت من الخارج من أن ماء الغسل لا بدّ وأن يكون طاهراً ، فمع نجاسة المغسّل يتنجس الماء ، والماء المتنجس لا يزيل خبثاً ولا يرفع حدثاً.

وهذه المناقشة لا ترجع إلى محصل ، وذلك لأنّا إن قدمنا الأخبار الدالّة على طهارة أهل الكتاب ولم نعمل بالأخبار الدالّة على نجاستهم وإنّما لم نفت بالطهارة لعدم الاجتراء على مخالفة المشهور وقلنا إن نجاستهم عرضية كما استظهرناه من بعض الأخبار (١) حيث سئل عليه‌السلام عن الأكل في أواني أهل الكتاب فقال : لا ، معلّلاً بأنّهم يشربون فيها الخمر ويطبخون لحم الخنزير أو الميتة فيها أو يأكلونها‌

__________________

(١) الوسائل ٢٤ : ٢١٠ / أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥٤.

٣٦٤

أمر المسلم المرأة الكتابية أو المسلمة الرجل الكتابي أن يغتسل أوّلاً ويغسّل الميِّت بعده (١).

______________________________________________________

فيها ، فإنّهم لو كانوا محكومين بالنجاسة الذاتية لم يصح التعليل بالنجاسة العرضية من جهة شرب الخمر في أوانيهم أو أكل اللحم النجس فيها ، فلا إشكال في البين ، لأنّ الكتابي محكوم بالطهارة حينئذ ، ولعل الأمر بتغسيله قبل تغسيل الميِّت من جهة تطهير بدنه من النجاسة العرضية.

وأمّا إذا قدمنا أخبار النجاسة ولو لعمل المشهور على طبقها وقلنا بنجاسة أهل الكتاب فلا إشكال في المسألة أيضاً ، وذلك لأن ماء الغسل وإن كان يشترط فيه الطهارة إلاّ أن مقتضى الموثقتين أنّ الشرط هو الطهارة قبل التغسيل ، وأمّا إذا تنجس الماء بنفس تغسيل الميِّت أو ما هو مقدمة له فلا يكون ذلك مانعاً عن ارتفاع الحدث والخبث الناشئ من جهة كونه ميتة وإن طرأت عليه النجاسة العرضية حينئذ. ولا مانع من العمل بالموثقتين ولو في موردهما ، لصحّة سندهما وصراحة دلالتهما على ذلك.

ونظير المقام تطهير المتنجس بالماء القليل بناءً على نجاسة الغسالة فإنّه إذا وصل إلى المتنجس يتنجس قبل الانفصال عنه ، ومع نجاسته يحصل التطهير ، مع أن طهارة الماء شرط في التطهير به ، فمنه يظهر أنّ المانع هو النجاسة بغير التطهير وقبله وأمّا النجاسة الحاصلة بنفس التطهير فهي غير مانعة عن التطهير بالماء القليل.

إذن لا إشكال في المسألة ، والمناقشات في قبال الموثقتين من قبيل الاجتهاد في مقابل النص.

فالصحيح أنّ المماثل إذا انحصر في أهل الكتاب لا يدفن من غير غسل وإنّما يغسله الكتابي المماثل له.

اغتسال الكتابي قبل أن يغسّل المسلم‌

(١) الظاهر أنّ الأصحاب حملوا ذلك على الغسل المتعارف أعني غسل الرأس ثمّ‌

٣٦٥

والآمر ينوي النيّة (١) وإن أمكن أن لا يمسّ الماء وبدن الميِّت تعين (*) (٢) كما أنّه لو أمكن التغسيل في الكرّ أو الجاري تعيّن‌

______________________________________________________

الطرف الأيمن ثمّ الطرف الأيسر وكأن هذا أحد الأغسال الواجبة في الشرع ، وهو الغسل لتغسيل الميِّت.

لكن الظاهر أنّ الاغتسال كما هو معناه في اللّغة بمعنى تنظيف البدن وغسله المعبّر عنه في الفارسية بـ « شستشو » إذ ليس للاغتسال حقيقة شرعية ولا متشرعية وإنّما هو باقٍ على معناه اللّغوي.

آمر الكتابي ينوي النيّة‌

(١) قدّمنا الإشارة إلى ذلك ، إلاّ أنّه أمر محتمل مبني على الاحتياط ، إذ لم يقم دليل على وجوبه ، وإنّما احتملناه من جهة أنّ الموثقتين واردتان لبيان الوظيفة المقررة على المسلمين وما هو مفرّغ لذمّتهم ، وهو أمر الكتابي بالتغسيل والاغتسال ، ولو بمناسبة أنّ الكتابي لا داعي لديه للإقدام على ذلك ، إلاّ أن يأمره المسلمون ولو باستئجاره عليه ، وحيث إنّ العمل يصدر من الآمر بالتسبيب فناسب أن ينوي هو القربة ، إلاّ أنّه مبني على الاحتياط والاحتمال كما مرّ ولا دليل على وجوبه.

الكتابي لا يمسّ الماء وبدن الميِّت‌

(٢) بأن يلبس ما يمنع عن وصول الماء إلى يديه ولا يمس بدن الكتابي كاللاستيك المتداول في عصرنا ، والوجه في تعينه أنّه مع التمكّن من العمل بدليل اشتراط الطّهارة في ماء الغسل لا موجب لرفع اليد عنه ، ومنه يظهر وجه التعيّن فيما لو أمكن التغسيل في الكرّ أو الجاري فلا نطيل.

__________________

(*) على الأحوط فيه وفيما بعده.

٣٦٦

ولو وجد المماثل بعد ذلك أعاد (١).

______________________________________________________

لو وجد المماثل بعد تغسيل الكتابي‌

(١) إذا انحصر المماثل في الكافر واغتسل وغسل الميِّت المسلم ، فهل يترتب عليه الآثار المترتبة على تغسيل الميِّت ، أو أنّه لا يترتب عليه ، لأنّه بدل اضطراري؟

فيه جهتان من البحث قد اختلطت إحداهما بالأُخرى في كلمات بعض الأكابر :

الاولى : أنّ الكتابي إذا غسل الميِّت فيما كان المماثل منحصراً فيه لا يجب غسل المسّ إذا مسّه أحد بعد ذلك ، وذلك لأن التغسيل الصادر من الكتابي وإن كان بدلاً عن تغسيل المسلم إلاّ أنّ الطبيعة المأمور بها هي الطبيعة في كليهما ، ولا فرق بين تغسيل الكافر والمسلم إلاّ في الفاعل وحسب ، ومع اتحاد الطبيعة لا وجه لغسل المسّ إذا مسّ بعد ذلك ، لأنّ الأخبار الدالّة على أنّه لا غسل مع المسّ بعد التغسيل (١) تقتضي بإطلاقها عدم وجوب الغسل حينئذ ، لأنّ المسّ بعد التغسيل.

ولا يقاس هذا بما إذا لم يمكن تغسيل الميِّت فيمم بدلاً عنه ، لأن مسّه بعد التيمم يوجب الغسل ، وذلك لأنّ البدل طبيعة أُخرى مغايرة لطبيعة المبدل منه ، وإنّما هو بدل في رفع الحدث عن الميِّت بحيث يجوز أن يدفن بذلك.

وأمّا أنّ المسّ بعده مسّ بعد الغسل فلا ، بل يصدق أنّه مسّ الميِّت قبل تغسيله فيجب عليه غسل المسّ لا محالة.

الجهة الثانية : إذا غسله الكتابي في مفروض المسألة ثمّ وجد مسلم مماثل للميت قبل أن يدفن وجب إعادة الغسل ، وذلك لأن تغسيل الكتابي وجواز الاقتصار عليه بدل اضطراري ، وهو مشروط بعدم وجود المسلم المماثل للميت ما دام لم ينقض وقت الغسل ، وهو واجب موسّع يستمر وقته إلى الدفن ، فإذا وجد المسلم المماثل قبل أن‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٩٥ / أبواب غسل المسّ ب ٣.

٣٦٧

وإذا انحصر في المخالف فكذلك (١) لكن لا يحتاج إلى اغتساله قبل التغسيل وهو مقدم على الكتابي على تقدير وجوده.

______________________________________________________

يدفن الميِّت ظهر أنّ الشرط في جواز تغسيل الكتابي لم يكن متحققاً فلا بدّ من أن يغسل ثانياً.

ودعوى : أنّ الطبيعة واحدة فيترتب على تغسيل الكتابي ما كان يترتب على تغسيل المسلم فلا يجب إعادة غسله.

مندفعة بأن وحدة الطبيعة إنّما تفيد في الحكم بعدم وجوب غسل المسّ بعد تغسيل الكتابي ، ولا تفيد في الحكم بعدم وجوب إعادته. لما مرّ من أن جوازه مشروط بعدم المسلم المماثل ما دام الوقت باقياً ، فإذا وجد انكشف عدم جواز تغسيل الكتابي من الابتداء.

إذا انحصر المماثل في المخالف‌

(١) وذلك لأنّ النص وإن كان مختصّاً بأهل الكتاب إلاّ أن تغسيل الكافر إذا جاز عند الانحصار جاز تغسيل المسلم المخالف بطريق أولى ، لأنّه ليس في البعد عن الحق أولى من الكتابي ، هذا.

وقد فرّع على ذلك كما في المتن أن مماثل الميِّت إذا انحصر بالكتابي والمخالف فالمخالف مقدّم على الكتابي للأولوية.

أقول : الأمر وإن كان كما ذكر ، إلاّ أنّه لا حاجة إلى الاستدلال بالأولوية ، لأنّ الموثقتين المتقدِّمتين (١) بنفسهما تدلاّن على تقدم المخالف على أهل الكتاب وعدم جواز الاقتصار على تغسيلهم مع وجوده ، وذلك لاشتمالهما على أنّ المرأة المسلمة تموت وليس‌

__________________

(١) في ص ٣٦٣.

٣٦٨

[٨٦٥] مسألة ٤ : إذا لم يكن مماثل حتّى الكتابي والكتابية سقط الغسل‌ (١).

______________________________________________________

معها امرأة مسلمة ، أو أنّ الرجل المسلم يموت وليس معه رجل مسلم ، ومن الظاهر أنّ المسلم أعم من المخالف والموافق ، فمع وجود المسلم ولو كان مخالفاً لا تصل النوبة إلى الكفّار.

سقوط الغسل إذا لم يكن مماثل‌

(١) للأخبار الدالّة على ذلك (١) وهذا هو المشهور بين الأصحاب وعن الشيخين (٢) والحلبي (٣) وغيرهم وجوب التغسيل على غير المماثل من وراء الثِّياب من غير لمس ونظر.

ويستدل على ذلك بجملة من الأخبار ، وهي خمس روايات ما بين قاصرة السند أو الدلالة أو كليهما :

منها : رواية زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه‌السلام قال : « إذا مات الرّجل في السفر مع النِّساء ليس فيهنّ امرأته ولا ذو محرم من نسائه ، قال : يؤزرنه إلى ركبتيه ويصببن عليه الماء صباً ولا ينظرن إلى عورته ولا يلمسنه بأيديهنّ » (٤). وهي وإن كانت صريحة الدلالة على المراد إلاّ أن في سندها الحسين بن علوان وهو عامي لم يوثق (٥).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٢٠ / أبواب غسل الميِّت ب ٢١.

(٢) المقنعة : ٨٧ / ب ١٣ ، لكن الشيخ في كتبه حكم بسقوط الغسل ، راجع التهذيب ١ : ٤٤١ / ذيل الرقم [١٤٢٥] ، المبسوط ١ : ١٧٥ ، الخلاف ١ : ٦٩٨ / المسألة [٤٨٥] ، نعم في موضع من التهذيب يُستفاد منه ما في المتن ، راجع التهذيب ١ : ٣٤٣.

(٣) الكافي في الفقه : ٢٣٧ / في أحكام الجنائز.

(٤) الوسائل ٢ : ٥٢٣ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٢ ح ٣ ، وتقدّم أنّ الحسين ثقة.

(٥) بل وثّقه في معجم رجال الحديث ٧ : ٣٤.

٣٦٩

ومنها : رواية جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام « في رجل مات ومعه نسوة ليس معهنّ رجل ، قال : يصببن عليه الماء من خلف الثوب ويلففنه في أكفانه من تحت الصّدر ويصلين عليه صفاً ، ويدخلنه قبره. والمرأة تموت مع الرّجال ليس معهم امرأة؟ قال : يصبون الماء من خلف الثوب ويلفونها في أكفانها ويصلّون ويدفنون » (١). وهي أيضاً من حيث الدلالة واضحة إلاّ أنّها من حيث السند ضعيفة بعمرو بن شمر وغيره من الرواة.

ومنها : رواية أبي سعيد قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا ماتت المرأة مع قوم ليس لها فيهم محرم يصبون عليها الماء صباً ، ورجل مات مع نسوة ليس فيهن له محرم فقال أبو حنيفة : يصببن الماء عليه صباً ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام بل يحل لهن أن يمسسن منه ما كان يحل لهن أن ينظرن منه إليه وهو حي ، فإذا بلغن الموضع الّذي لا يحل لهن النظر إليه ولا مسّه وهو حي صببن الماء عليه صباً » (٢) وهي ظاهرة الدلالة على المدّعى إلاّ أنّها ضعيفة السند بحسن بن خرزاد ، لأنّه غير موثق أو مهمل كما يمكن الخدشة فيها بغيره من الرواة.

ومنها : رواية أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « لا يغسل الرّجل المرأة إلاّ أن لا توجد امرأة » (٣). وهي ضعيفة السند بمحمّد بن سنان وقاصرة الدلالة على المدّعى ، وذلك لأن دلالتها على جواز تغسيل غير المحارم بالإطلاق ، حيث استفيد من الاستثناء فيها أنّ المرأة أي المماثل إذا لم توجد فالرجل له أن يغسل المرأة الأجنبية ، ولم يصرح بأنّ الرّجل من غير المحارم فدلالتها على المدّعى بالإطلاق. والأخبار المتقدِّمة الدالّة على أنّ المرأة لا يغسلها إلاّ المرأة وأنّ الميِّت إذا لم يوجد له مماثل أو ذو رحم يدفن من غير غسل تقيد إطلاق هذه الرواية بما إذا كان الرجل من المحارم.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٢٤ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٢ ح ٥.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٢٥ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٢ ح ١٠. وفي نسخة « أبي بصير » بدل « أبي سعيد ».

(٣) الوسائل ٢ : ٥٢٥ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٢ ح ٧.

٣٧٠

ومنها : معتبرة عبد الله بن سنان قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : المرأة إذا ماتت مع الرّجال فلم يجدوا امرأة تغسلها غسّلها بعض الرجال من وراء الثوب ، ويستحب أن يلف على يديه خرقة » (١). وهي من حيث السند لا بأس بها إلاّ أنّها قاصرة الدلالة ، فإن دلالتها بالإطلاق ، لعدم التصريح فيها بأنّ الرّجل من غير ذي الرحم فتقيد بالأخبار الدالّة على عدم جواز تغسيل الأجنبي وغير المماثل للميت وتختص بالرجل من المحارم.

بل في نفس الرواية قرينة على إرادة المحارم دون غيرها ، وهو قوله عليه‌السلام « ويستحب أن يلف على يديه خرقة » لأن ذلك إنّما هو في المحارم. وأمّا الأجانب فاللف واجب عليهم ، لحرمة مسّ بدن الأجنبية ، هذا.

على أن تلك الأخبار مضافاً إلى معارضتها مع الأخبار الدالّة على أنّ الميِّت يدفن كما هو ولا يغسله الأجنبي غير المماثل له (٢) معارضة في مواردها بصحيحة داود بن فرقد « قال مضى صاحب لنا يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تموت مع رجال ليس فيهم ذو محرم هل يغسلونها وعليها ثيابها؟ فقال : إذن يدخل ذلك عليهم أي يعاب عليهم ولكن يغسلون كفيها » (٣) لأنّها كما ترى واردة في نفس موارد الأخبار المذكورة ، وهي ما إذا لم يوجد مماثل ولا ذو رحم للميت وأراد الأجنبي غير المماثل تغسيل الميِّت من وراء الثِّياب ، وقد دلّت على أنّه لا يغسل ولا من وراء الثِّياب ، وإنّما يغسل كفيها.

ولا تنافي هذه الصحيحة الأخبار الناهية عن تغسيل الميِّت إذا لم يوجد له مماثل ولا ذو رحم وأنّه يدفن كما هو ، وذلك لأنّ النهي في تلك الأخبار قد ورد مورد توهّم الوجوب فلا يدل إلاّ على عدم الوجوب ، كما أنّ الأمر في هذه الصحيحة قد ورد مورد توهّم الحظر ، لأن قوله عليه‌السلام « إذن يدخل ذلك عليهم » أي يعابون على‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٢٥ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٢ ح ٩.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٢٠ ٥٢٥ / أبواب غسل الميِّت ب ٢١ ، ٢٢.

(٣) الوسائل ٢ : ٥٢٣ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٢ ح ٢.

٣٧١

ذلك ، دلّ على أنّ الميِّت لا يغسل حينئذ ، وربما كان يتوهّم من ذلك أنّه لا يغسل حتّى كفيها ، فدفعه عليه‌السلام بقوله : « ولكن يغسلون كفيها » أي لا يُعاب ذلك عليهم فهو أيضاً لا يدل على الوجوب ، بل الأمر فيها محمول على الاستحباب.

الطوائف المعارضة من الأخبار

ثمّ إن في المقام طوائف من الأخبار دلّت على خلاف ما ذكرناه ولم ينقل من الأصحاب قائل بمضمونها.

منها : ما دلّ على أنّ الميِّت إذا لم يجد له مماثل ولا ذو رحم وجب على الأجنبي غير المماثل تغسيل مواضع التيمم فحسب كرواية مفضل بن عمر ، قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ما تقول في المرأة تكون في السفر مع الرّجال ليس فيهم لها ذو محرم ولا معهم امرأة فتموت المرأة ما يصنع بها؟ قال : يغسل منها ما أوجب الله عليه التيمم ولا تمس ولا يكشف لها شيئاً من محاسنها الّتي أمر الله بسترها قلت : فكيف يصنع بها؟ قال : يغسل بطن كفيها ثمّ يغسل وجهها ثمّ يغسل ظهر كفّيها » (١) وهي ضعيفة السند بعبد الرّحمن بن سالم فلا يعتمد عليها.

ومنها : ما دلّ على وجوب تيمم الميِّت حينئذ كما في رواية زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه‌السلام قال « أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفر فقالوا : إن امرأة توفّيت معنا وليس معها ذو محرم ، فقال : كيف صنعتم بها؟ فقالوا : صببنا عليها الماء صباً ، فقال : أما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها؟ فقالوا : لا ، فقال : أفلا يمموها » (٢) حيث دلّت على وجوب تيمم الميِّت في مفروض السؤال.

وقد نقل القول بوجوب التيمم وقتئذ عن أبي حنيفة ، والرواية في سندها الحسين ابن علوان وهو عامي لم يوثق (٣).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٢٢ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٢٤ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٢ ح ٤.

(٣) وثّقه في معجم رجال الحديث ٧ : ٣٤.

٣٧٢

لكن الأحوط تغسيل غير المماثل من غير لمس ونظر من وراء الثِّياب ثمّ تنشيف بدنه قبل التكفين لاحتمال بقاء نجاسته (١).

______________________________________________________

ومنها : ما دلّ على أنّ الميِّت يغسل مواضع الوضوء منه كما في رواية أبي بصير قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة ماتت في سفر وليس معها نساء ولا ذو محرم فقال : « يغسل منها موضع الوضوء ويصلِّي عليها وتدفن » (١). وهي ضعيفة السند بعبد الرّحمن بن سالم ومحمّد بن أسلم الحلبي.

ومنها : ما دلّ على أنّ الميِّت في مفروض المسألة يغسل كفاه وهو رواية جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « سئل عن المرأة تموت وليس معها محرم ، قال : يغسل كفيها » (٢) وهي ضعيفة السند بعمرو بن شمر.

وصحيحة داود بن فرقد المتقدِّمة حيث قال : « ولكن يغسلون كفيها » (٣) وهي وإن كانت صحيحة السند إلاّ أنّ الأمر بغسل الكفين فيها ورد مورد توهّم الحظر كما تقدم تقريبه فلا يدل على الوجوب وغاية الأمر حملها على الاستحباب.

وهذه الروايات كما عرفت لا يمكن أن تعارض الأخبار المتقدِّمة المعتبرة الدالّة على أنّ الميِّت في مفروض الكلام يدفن كما هو ، لضعف أسنادها وعدم العامل بمضمونها ، فالصحيح ما ذهب إليه المشهور من سقوط الغسل حينئذ.

احتياط الماتن خلاف الاحتياط‌

(١) الاحتياط في كلام الماتن وإن كان استحباباً كما ترى ، إلاّ أنّ الظاهر أنّه على‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٢٥ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٢ ح ٦ ومحمّد بن أسلم الحلبي موجود في أسناد كامل الزيارات.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٢٥ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٢ ح ٨.

(٣) الوسائل ٢ : ٥٢٣ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٢ ح ٢.

٣٧٣

[٨٦٦] مسألة ٥ : يشترط في المغسّل أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً اثني عشرياً‌ (١). فلا يجزئ تغسيل الصبي وإن كان مميِّزاً وقلنا بصحّة عباداته على الأحوط ، وإن كان لا يبعد كفايته (*) مع العلم بإتيانه على الوجه الصحيح ، ولا تغسيل الكافر إلاّ إذا كان كتابياً في الصورة المتقدِّمة. ويشترط أن يكون عارفاً بمسائل الغسل كما أنّه يشترط المماثلة إلاّ في الصور المتقدِّمة.

______________________________________________________

خلاف الاحتياط ، لأنّ صحيحة داود بن فرقد المتقدِّمة دلّت على أن في تغسيل الرجال الأجانب المرأة عاراً وعيباً يدخل عليهم وأن فيه حزازة ، فالتغسيل حينئذ خلاف الاحتياط.

الشرائط المعتبرة في المغسل‌

(١) أمّا اشتراط الإسلام والإيمان فلم يرد في اعتبارهما دليل ، وإنّما اشترطا من جهة ما دلّ على بطلان عبادة المخالف فضلاً عن الكافر المنكر للنبوّة.

وأمّا العقل والبلوغ فلعدم توجّه الأمر إلى المجنون والصبي ، لوضوح أنّ التكليف بالتغسيل كبقيّة التكاليف مختص بالبالغين.

وظاهر المتن كغيره أنّ الاجتزاء بتغسيل الصبي مبني على القول بشرعية عبادات الصبي ، فإن قلنا بأنّها تمرينية فلا يجتزأ بتغسيله ، وإن قلنا إنّها شرعية يكفي تغسيله في سقوط التكليف عن المكلّفين ، هذا.

ولا يخفى أنّه بناءً على أن عبادات الصبي تمرينية وإن كان الأمر كما ذكر ، إلاّ أنّه بناءً على كونها شرعية أيضاً لا يمكن المساعدة على الاجتزاء بتغسيله ، وذلك لأن هناك مرحلتين :

__________________

(*) بل هي بعيدة.

٣٧٤

إحداهما : أن عبادات الصبي شرعية ، بمعنى أنّ الأمر بها هل توجه إلى غير المكلّفين كما توجّه إلى البالغين ، وغاية الأمر انتفاء الإلزام في حق غير البالغين ولا وجوب في حقّهم فالعبادات مشروعة راجحة في حقّهم ، أو أنّه لا أمر بالعبادة في حقّ الصبيان؟.

وقد ذكرنا غير مرّة أنّ الصحيح شرعية عبادات الصبي ، للأمر المتوجّه إلى أوليائهم على أن يأمروا صبيانهم بالصلاة ونحوها من العبادات.

وثانيهما : أنّه بعد الفراغ عن شرعية عبادات الصبي هل تكون عبادته مسقطة للأمر المتوجّه إلى البالغين أو أنّها غير مسقطة لها؟

وهذه مسألة أُخرى غير المسألة المتقدِّمة ، وظاهر أن مسقطية عمل غير البالغ ولو كان شرعياً عن البالغ يحتاج إلى دليل ، والأمر في المقام كذلك ، لأنّ الأمر بتغسيل الميِّت خاص بالمكلفين ، والصبيان خارجون عن دائرة التكليف ، ومقتضى إطلاق الأمر في المكلّفين وعدم تقييده بما إذا لم يغسل الصبيان ، عدم سقوطه عنهم بتغسيل غير المكلّفين ، اللهمّ إلاّ أن يقوم عليه دليل ، ولا دليل عليه.

الوظيفة فيما لو غسل المخالفَ مخالف مثله استدراك :

أنّا قدمنا سابقاً أن تغسيل الميِّت واجب على جميع المسلمين ، بلا فرق في الميِّت بين الاثني عشري وغيره من الفرق غير المحكوم بكفرهم ، وعليه فيقع الكلام في أنّ الميِّت المخالف إذا غسله مخالف مثله فهل يجب على الاثني عشري أن يعيد تغسيله ، لبطلان عمل المخالف فتغسيله كعدم التغسيل ، أو أنّه إذا علم عدم تمكّنه من التغسيل بعد تغسيله وجب عليه المبادرة إلى تغسيله أوّلاً ولو بالتماس واستدعاء ونحوهما ، أو لا يجب الإعادة ولا المبادرة حينئذ؟

والصحيح هو الأخير ، وهذا لا لقاعدة الإلزام حيث ورد أن من دان بدين قوم‌

٣٧٥

فصل

[ في موارد سقوط غسل الميِّت ]

قد عرفت سابقاً وجوب تغسيل كل مسلم لكن يستثني من ذلك طائفتان : إحداهما : الشهيد المقتول في المعركة عند الجهاد مع الإمام عليه‌السلام أو نائبه الخاص‌. ويلحق به كل من قتل في حفظ بيضة الإسلام في حال الغيبة (١).

______________________________________________________

لزمته أحكامهم (١) ، أو ألزموهم بما التزموا به على أنفسهم (٢) فان تلك القاعدة إنّما تجري فيما إذا كان المورد قابلاً للإلزام كما في الورثة إذا اعتقدوا الإرث للعصبة وأعطوه للاثني عشري مثلاً لأنّه من عصبتهم ، فإنّه يجوز له أخذه إلزاماً لهم بما التزموا به على أنفسهم ، وقد ورد في الإرث بخصوصه. أو أنّ المخالف إذا طلّق زوجته بما هو باطل عند الاثني عشري (٣).

المستثنى الأوّل : مَن قُتل في حفظ البيضة

(١) كما إذا هجم الكفّار على بلاد المسلمين ودافع المسلمون عن بلادهم حفظاً لبيضة الإسلام ، فإنّ المقتول حينئذ مقتول في سبيل الله ولا يجب تغسيله وإن لم يكن ذلك في الجهاد ، لأنّه دفاع كما هو ظاهر.

ثمّ إنّ الوجه في ذلك ليس هو الأخبار الواردة في الشهيد ، لاحتمال اختصاص ذلك‌

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ٧٤ / أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٠ ح ١٠ ، ١١.

(٢) الوسائل ٢٦ : ٣١٩ / أبواب ميراث المجوس ب ٣ ح ٢ ، ٢٢ : ٧٣ / أبواب مقدّمات الطلاق ب ٣٠ ح ٥ ، ٦ وغيرها.

(٣) قد سقط من العبارة الدليل على المطلب فلا تغفل.

٣٧٦

بمن قتل في الجهاد ، ولا رواية أبي خالد قال : « اغسل كل الموتى : الغريق وأكيل السبع وكل شي‌ء إلاّ ما قتل بين الصفين ، فان كان به رمق غسل وإلاّ فلا » (١) ، بدعوى أن إطلاق « من قتل بين الصفين » يشمل المقتول في الدفاع عن بيضة الإسلام أيضاً ، وذلك لأنّها بحسب الدلالة وإن كانت ظاهرة إلاّ أنّها مقطوعة ، ويحتمل أنّها من أبي خالد نفسه.

وليست الرواية مضمرة كما في كلام المحقق الهمداني (٢) قدس‌سره ولعلّ التعبير به من جهة قوله « قال » فان مرجع الضمير فيه غير مذكور في الرواية.

بل لصحيحة أبان بن تغلب وحسنته ، ففي الأُولى منهما قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الّذي يقتل في سبيل الله أيغسل ويكفّن ويحنّط؟ قال : يدفن كما هو في ثيابه إلاّ أن يكون به رمق ( فان كان به رمق ) ثمّ مات فإنّه يغسل ويكفن ويحنط ويصلّى عليه ، لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى على حمزة وكفّنه وحنّطه ، لأنّه كان قد جُرِّد » (٣).

وفي الثانية منها قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : الّذي يقتل في سبيل الله يدفن في ثيابه ولا يغسل إلاّ أن يدركه المسلمون وبه رمق ثمّ يموت بعد ، فإنّه يغسل ويكفن ويحنط ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفّن حمزة في ثيابه ولم يغسله ولكنه صلّى عليه » (٤).

وصدر الروايتين وإن كان يشمل مطلق من قتل في سبيل الله كالمقتول في سبيل الأمر بالمعروف أو في الدفاع عن نفسه ، إلاّ أن ذيلهما يدلاّن على اختصاص الحكم‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٠٦ / أبواب غسل الميِّت ب ١٤ ح ٣ وهي ضعيفة أيضاً بعلي بن معبد وعبد الله بن الدهقان وكذا بأبي خالد.

(٢) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٣٦٧ السطر ٢١.

(٣) الوسائل ٢ : ٥٠٩ / أبواب غسل الميِّت ب ١٤ ح ٧.

(٤) الوسائل ٢ : ٥١٠ / أبواب غسل الميِّت ب ١٤ ح ٩.

٣٧٧

من غير فرق بين الحر والعبد ، والمقتول بالحديد أو غيره عمداً أو خطأً ، رجلاً كان أو امرأة أو صبياً أو مجنوناً (١)

______________________________________________________

بمن قتل بين الصفوف وفي المعركة للجهاد أو للدفاع لقوله عليه‌السلام « إلاّ أن يدركه المسلمون وبه رمق » فإنّه ظاهر في المعركة ، ولا سيما بملاحظة التعليل بأن رسول الله صلّى على حمزة ، لأنّه كالصريح في الاختصاص.

تعميم الحكم لجميع المقتولين‌

(١) لإطلاق قوله عليه‌السلام « الّذي يقتل في سبيل الله » المؤيد ذلك في الأطفال بما ورد من قتل بعض الصبيان في بدر وأُحد وكربلاء ، ولم ينقل عن أحد تغسيلهم هذا.

وعن شيخنا الأنصاري قدس‌سره المناقشة في شمول الحكم لغير من كان الجهاد راجحاً في حقّه كالمجانين والصبيان حيث حكي عنه أنّ الظاهر من حسنة أبان وصحيحته المقتول في سبيل الله ، فيختص بمن كان الجهاد راجحاً في حقّه أو جوهد به كما إذا توقف دفع العدو على الاستعانة بالأطفال (١).

وهذه المناقشة وإن كانت موجهة ، لأنّ المكلّفين من الرّجال مأمورون بالجهاد والدفاع فالمقتول منهم قد قتل في سبيل الله ، كما أنّ الأطفال أو النِّساء إذا أستعين بهم في القتال كذلك ، حيث إنّ المقتول قد قتل في الجهاد المأمور به ، لقتلهم في الإعانة له. وأمّا إذا فرضنا أنّ الطفل أو المرأة أو المجنون خرج إلى المعركة من عنده من غير توقف الدفاع أو الجهاد على الاستعانة به فلا يصدق أنّه مقتول في سبيل الله ، إذ لا أمر بدفاعه أو جهاده ، وإنّما قتل من غير أمر.

إلاّ أنّه يمكن القول بأن مقتضى الروايتين أن مجرد القتل في المعركة الّتي أُقيمت‌

__________________

(١) كتاب الطّهارة : ٣٠٤ السطر ٢٥ / في تكفين الأموات.

٣٧٨

إذا كان الجهاد واجباً عليهم (١) ، فلا يجب تغسيلهم ، بل يدفنون كذلك بثيابهم إلاّ إذا كانوا عراة فيكفّنون ويدفنون (٢).

______________________________________________________

لإعلاء كلمة الإسلام موجب لسقوط التغسيل مطلقاً ، كان مقاتلة المقتول أيضاً بأمر من الشارع أم لم يكن ، وذلك لإطلاق قوله عليه‌السلام : « الّذي يقتل في سبيل الله » فانّ المفروض أنّ الجهاد أو الدفاع إنّما هو في سبيل الله ، فالقتل فيه يكفي في سقوط الغسل ، لصدق أنّه مقتول في سبيل الله ولم يقتل في سبيل غير الله.

(١) وذلك لحرمة تعريض النفس على القتل ، إلاّ أن يجب كما في الجهاد والدفاع فالجواز في ذلك مساوق للوجوب ، لأنّه إذا جاز وجب وإذا لم يجب حرم ، ومع التحريم لا يحتمل سقوط التغسيل ، فالتقييد فيما إذا كان الجهاد واجباً من جهة أنّ المورد يقتضي ذلك ، لا لأنّه مدلول لدليل خاص.

العراة يجب تكفينهم في المعركة‌

(٢) هذه المسألة لا تناسب المقام ، لأنّ الكلام في التغسيل وسقوطه ، والمناسب تأخيرها إلى مبحث التكفين ، ويتعرّض هناك لموارد عدم وجوبه ، ويستثنى منه العراة من الشهداء فإنّهم يجب تكفينهم.

ثم إنّ الوجه في ذلك هو الإطلاقات الدالّة على أن تكفين كل مسلم واجب ، وقد خرجنا عنها في الشهيد ومن قتل في سبيل الله حيث ورد أنه يدفن بثيابه وقد فرض فيه الثياب. وأما من لم يكن له ثياب من القتلى في سبيل الله فهو غير مشمول للأخبار ، فلا محالة يبقى تحت المطلقات ، هذا.

وقد يستدل عليه كما في الحدائق (١) وغيره بصحيحة أبان بن تغلب المتقدِّمة الدالّة على أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفن حمزة لأنه كان قد جُرّد (٢).

__________________

(١) الحدائق ٣ : ٤١٩ / الموضع السابع.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٠٩ / أبواب غسل الميّت ب ١٤ ح ٧.

٣٧٩

ويشترط فيه أن يكون (*) خروج روحه قبل إخراجه من المعركة ، أو بعد إخراجه مع بقاء الحرب وخروج روحه بعد الإخراج بلا فصل ، وأمّا إذا خرجت روحه بعد انقضاء الحرب فيجب تغسيله وتكفينه (١).

______________________________________________________

وأورد عليه في الحدائق بأن الصحيحة معارضة بصحيحة زرارة وإسماعيل بن جابر من أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفن حمزة بثيابه وردّاه بردائه (٢) فلا يمكن الاستدلال بها على وجوب التكفين في العراة.

ثم جمع بينهما بحمل الصحيحة المتقدِّمة على أنه جُرّد من بعض أثوابه فجعل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الرداء قائماً مقام ما جرّد منه. وهذا الجمع كما ترى ليس من الجمع العرفي في شي‌ء ، فالأخبار متعارضة والصحيح في الاستدلال ما ذكرناه.

شرطية كون الموت في المعركة‌

(١) ذكر جماعة منهم المحقق قدس‌سره (٣) أن سقوط الغسل عمن قتل في سبيل الله مشروط بما إذا وقع القتل في المعركة والحرب قائمة ولم تنقض ، بلا فرق في ذلك بين أن يدركه المسلمون وهو حي وبين أن لا يدركه المسلمون كذلك ، فان الدرك وعدمه لا اعتبار بهما في المقام ، وإنما المدار على القتل في المعركة والحرب لم تنقض وأما إذا أُخرج من المعركة فمات أو أنه مات بعد ما وضعت ( الْحَرْبُ أَوْزارَها ) فلا بدّ من تغسيله وتكفينه.

وزاد الماتن على ذلك ما إذا خرج من المعركة ومات بعد ذلك بلا فصل يعتدّ به عرفاً.

وشي‌ء مما ذكره الجماعة والماتن قدس‌سرهم لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأن‌

__________________

(*) بل يشترط فيه أن لا يدركه المسلمون وفيه قوّة الحياة.

(١) الوسائل ٢ : ٥٠٩ / أبواب غسل الميِّت ب ١٤ ح ٨.

(٢) المعتبر ١ : ٣١١ / في أحكام الأموات.

٣٨٠