موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

فصل

[ فيما يتعلّق بالنيّة في تغسيل الميِّت ]

يجب في الغسل نيّة القربة على نحو ما مرّ في الوضوء (١) ،

______________________________________________________

السقط كيف يصنع به؟ فكتب إلى : السقط يدفن بدمه في موضعه » (١) المحمولة على السقط قبل الاستواء وأربعة أشهر ، جمعاً بينها وبين ما دلّ على وجوب تغسيل السقط بعد الاستواء وتكفينه ودفنه ، فهي ضعيفة السند بسهل بن زياد.

فلا دليل على وجوب تغسيل السقط قبل الاستواء وتكفينه ودفنه ، وإن كان الأحوط تكفينه ودفنه للإجماع المنقول والروايتين.

فصل : اعتبار نيّة القربة في تغسيل الميِّت‌

(١) لأنّ الأغسال أُمور عبادية بالارتكاز على ما وصلت إلينا يداً بيد خلفاً عن سلف ، حيث إن وظائف أية ملّة تنقسم إلى قسمين :

قسم يكون المطلوب فيه هو التذلّل والتخضع وإظهار العبودية المعبّر عنه في الفارسية بـ « پرستش » وإن كان فيه غاية أُخرى أيضاً.

وقسم يكون المطلوب فيه هو إتيان العمل بأيّ نحو كان.

والأغسال يعتبر فيها التذلّل والعبودية بالارتكاز ، لوصولها إلينا كذلك يداً بيد وخلفاً عن سلف ، وبهذا فرّقوا بين الغَسل بالفتح والغُسل بالضم فاعتبروا النيّة في الثاني دون الأوّل.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٠٢ / أبواب غسل الميِّت ب ١٢ ح ٥.

٣٢١

ويدلُّ على ذلك ما ورد من أن غسل الميِّت كغسل الجنابة (١) بضميمة ما قدمناه في بحث غسل الجنابة من اعتبار قصد القربة فيه ، وما ذكرناه في بحث الأُصول من أن قصد القربة مأخوذ في متعلق الأمر كغيره من الأجزاء والشرائط (٢) فإنّه بناءً على هذين الأمرين يدل التشبيه في الرواية على أن غسل الميِّت أيضاً يعتبر فيه قصد القربة جزءاً أو شرطاً وهو داخل في حقيقته.

نعم ، بناءً على ما سلكه صاحب الكفاية قدس‌سره من أن قصد القربة غير مأخوذ في متعلق الأمر وإنّما هو واجب عقلي ، لعدم حصول الغرض إلاّ به (٣) لا يستفاد من الرواية أن قصد القربة مأخوذ في غسل الميِّت شرعاً.

وأمّا الاستدلال على اعتبار قصد القربة بقوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (٤) وما ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لا عمل إلاّ بنيّة » و « إنّما الأعمال بالنيّات » و « لكل امرئ ما نوى » (٥) فلا وجه له أصلاً.

أمّا الآية المباركة فلأنّ الضمير فيها يرجع إلى المشركين وأهل الكتاب المذكورين قبل تلك الآية ، وتدل على أنّ الله سبحانه لم يأمرهم بعبادة الوثن أو روح القدس أو غيرهما أي لم يأمرهم بالشرك وإنّما أمرهم أن يعبدوه ، ولا دلالة لها على أنّ التكاليف المتوجهة إلى الأُمم السابقة أو في هذه الشريعة كلّها تعبدية.

كما أنّ الأخبار المتقدِّمة إنّما أُريد منها كما صرّح به في الجهاد أنّ العمل لا يترتب عليه إلاّ ما نواه فاعله ، وأن روح العمل هو النيّة ، فلو نوى المجاهد بجهاده وجه الله فلا يترتب عليه إلاّ رضاه وثوابه ، وإن أُريد به أمر دنيوي لا يترتب عليه إلاّ ذاك‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٤٨٦ / أبواب غسل الميِّت ب ٣.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٦٥ ١٧٢.

(٣) كفاية الأُصول : ٧٢.

(٤) البيّنة ٩٨ : ٥.

(٥) الوسائل ١ : ٤٦ / أبواب مقدمة العبادات ب ٥ وغيره.

٣٢٢

والأقوى كفاية نيّة واحدة (*) للأغسال الثلاثة وإن كان الأحوط تجديدها عند كل غسل (١).

______________________________________________________

الأمر الدنيوي ولا ثواب له ، كما أُشير إليه في قوله تعالى ( نُؤْتِهِ مِنْها ) (٢) ولا دلالة لها على أنّ التكاليف الواردة في الشريعة المقدسة عبادية ، هذا.

وممّا يدلّنا على ذلك أو يؤيّده : أن لازم الاستدلال بالآية والأخبار المتقدِّمة اعتبار قصد القربة في جميع الواجبات الشرعية وهو ممّا لا يمكن الالتزام به ، إذ كيف يمكن أن يقال إن غسل الثوب أو الإنفاق على الزوجة أو ردّ السلام أو غيرها من الواجبات أُمور عبادية يعتبر فيها قصد القربة ، فهذا ممّا لا يمكن القول به للزوم تخصيص الأكثر المستهجن ، لأن أكثر الواجبات توصلية.

كفاية نيّة واحدة عن الأغسال الثلاثة‌

(١) وقع الكلام في أنّ الأغسال الثلاثة الواجبة في غسل الميِّت ، أعني الغسل بالسدر والغسل بالكافور والغسل بالماء القراح عمل وعبادة واحدة ليكتفى فيها بنيّة واحدة أو أنّها عبادات متعددة فتجب النيّة لكل واحد من الأغسال؟

فقد يقال : كما في المتن إنّها عمل واحد استظهاراً من الأمر الواحد المتعلق بالأغسال الثلاثة ، حيث أُمر بها بأمر واحد ، ومن ثمة ذكر قدس‌سره أنّ الأقوى كفاية النيّة الواحدة في الجميع ، هذا.

والصحيح أنّ هذا النزاع لا يرجع إلى محصل ، لأنّه مبني على أن تكون النيّة بمعنى الاخطار بالقلب فيتكلّم حينئذ في أنّه يجب إخطار الغسل مرّة واحدة أو ثلاث مرّات.

__________________

(*) لا أثر للنزاع في كفايتها بعد كون النيّة عبارة عن الداعي ولزوم استناد صدور كل جزء من أجزاء الواجب إليها.

(١) آل عمران ٣ : ١٤٥ ، الشورى ٤٢ : ٢٠.

٣٢٣

ولو اشترك اثنان يجب على كل منهما النيّة (١) ولو كان أحدهما معيناً والآخر مغسلاً وجب على المغسل النيّة (٢) وإن كان الأحوط نيّة المعين أيضاً. ولا يلزم اتحاد المغسل فيجوز توزيع الثلاثة على ثلاثة (٣).

______________________________________________________

وأمّا بناءً على ما هو الصحيح من أنّ النيّة بمعنى الإتيان بالعمل بداعٍ إلهي ، أي بداعٍ مضاف إلى الله سبحانه فلا معنى لهذا النزاع أصلاً ، لأن وجود الداعي الإلهي إذا كان معتبراً في العبادية فلا يفرق في ذلك بين الحدوث والبقاء ، لاعتبار بقاء هذه الإضافة إلى آخر أجزاء العمل ، ومعه يعتبر في جميع تلك الأغسال إضافتها إلى الله سبحانه بنحو من أنحائها حتّى بقاءً ، سواء قلنا إنّها عمل واحد أو أعمال متعددة.

(١) لأن كلاًّ منهما يأتي بشي‌ء من الواجب العبادي فلو لم ينو أحدهما القربة لم يأت بواجبه.

المعين لا يعتبر فيه النيّة‌

(٢) وفيه : أنّ الإعانة خارجة عن الغسل المأمور به ولا يعتبر في الإعانة النيّة بوجه ، نعم لو نوى بها القربة ترتب عليه الثواب ، لأنّه عمل لا بدّ منه في الخارج وقد قصد به القربة ، ومن هنا يظهر أن قوله « وإن كان الأحوط نيّة المعين أيضاً » ممّا لا وجه له.

المغسل لا يعتبر فيه الوحدة‌

(٣) لأنّ الأمر إنّما تعلّق بطبيعي المكلّفين ولم يتعلّق بشخص دون شخص ، ولا يقاس ذلك بالصلاة على الميِّت ، وذلك للعلم الخارجي بأنّها لا بدّ من أن تصدر عن مكلّف واحد ، ولما ورد من أن أوّلها التكبيرة وآخرها التسليمة (١) فهي عمل واحد غير قابل للتبعيض بأن يأتي بعض ببعضها ويأتي بعض آخر ببعضها الآخر ، وهذا‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤١٥ / أبواب التسليم ب ١ ح ١.

٣٢٤

بل يجوز في الغسل الواحد التوزيع مع مراعاة الترتيب (١) ويجب حينئذ النيّة على كل منهم (٢).

فصل

[ في اعتبار المماثلة بين المغسل والميِّت ]

تجب المماثلة بين الغاسل والميِّت في الذكورية والأُنوثية (٣)

______________________________________________________

بخلاف المقام ، لأن مقتضى الإطلاق بعد فرض الواجب كفائياً جواز صدورها من أشخاص متعددين.

(١) لعين ما مرّ ، ولعدم قيام الدليل على لزوم كونه صادراً عن مغسل واحد كما في الصلاة.

(٢) لأن كل واحد منهم يأتي بالغسل الواحد أو ببعضه وهو واجب عبادي.

فصل : اعتبار المماثلة بين الغاسل والميِّت‌

(٣) لجملة من الأخبار المعتبرة الدالّة على أنّ الميِّت إذا لم يكن عنده من يماثله أو من محارمه ولو من النِّساء وانحصر من عنده بغير المماثل من غير محارمه دفنه غير المماثل من غير تغسيل (١) هذا.

وقد نسب إلى الشيخين والحلبي ومن المتأخّرين إلى صاحب المفاتيح وجوب التغسيل حينئذ من فوق اللّباس (٢) وعن ابن زهرة أنّ الغسل أحوط (٣) بل عن‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٢٠ / أبواب غسل الميِّت ب ٢١ ، ٥٣٢ / ب ٢٤ ح ١٢.

(٢) نسبه إليهم في الجواهر ٤ : ٦٨ / باب غسل الميِّت وراجع التهذيب ١ : ٤٤١ / ذيل الرقم [١٤٢٥] ، المبسوط ١ : ١٧٥ ، الخلاف ١ : ٦٩٨ / المسألة [٤٨٥] ( لكن في جميعها حكم الشيخ بترك الغسل ) ، نعم يستفاد وجوب الغسل من وراء الثياب من موضع آخر من التهذيب ١ : ٣٤٣ ، المقنعة ٨٧ / ب ١٣ ، الكافي في الفقه : ٢٣٧ / في أحكام الجنائز ، المفاتيح ٢ : ١٦٣.

(٣) الغنية : ١٠٢ / كتاب الصلاة.

٣٢٥

فلا يجوز تغسيل الرجل للمرأة ولا العكس ولو كان من فوق اللّباس ولم يلزم لمس أو نظر إلاّ في‌ موارد :

أحدها : الطفل الّذي لا يزيد سنه عن ثلاث سنين‌ فيجوز لكل منهما تغسيل مخالفه (١)

______________________________________________________

المفاتيح تغسيله مع وجوب غضّ البصر على المغسل لئلاّ يقع نظره على بدن الميِّت الأجنبي غير المماثل (١).

وهذا ممّا لا دليل عليه سوى جملة من الأخبار الواردة في أن من عند الميِّت إذا انحصر بغير المماثل وغير المحارم غسله غير المماثل من فوق اللباس (٢) إلاّ أن هذه الروايات ضعيفة السند بأجمعها ولا يعارض بها الأخبار المعتبرة المتقدِّمة. على أنّا لو أغمضنا عن سندها لم يكن مناص من حملها على الاستحباب ، لأنّه مقتضى الجمع العرفي بينهما ، حيث إنّ الأمر بدفن الميِّت من غير غسل أو النهي عن تغسيله حينئذ نصان صريحان في جواز الدفن من غير غسل ، ومعه يحمل الأمر بغسله من فوق الثياب على الاستحباب. والأمر والنهي لا ينافيان استحباب الغسل من فوق الثياب لأنّ النهي ورد في مقام توهم الوجوب ، لوجوب تغسيل الموتى ، والأمر ورد في مقام توهّم الحظر ، لحرمة دفن الميِّت من غير غسل ، وهما ظاهران في الجواز دون الحرمة والوجوب ، والجواز يجتمع مع الاستحباب.

الموارد المستثناة عن اعتبار المماثلة :

الطفل والطفلة :

(١) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين : أحدهما : الصبي وثانيهما : الصبية.

__________________

(١) لم يوجد في كتابه وجوب غضّ البصر والصحيح : ( بل عن الحلبي ).

(٢) الوسائل ٢ : ٥٢٢ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٢.

٣٢٦

أمّا المقام الأوّل : فقد ادّعوا الإجماع على عدم اعتبار المماثلة بين الغاسل والميِّت في محل الكلام وهو الصبي الّذي لا يزيد سنه عن ثلاث سنين والعبرة في ذلك بزمان الموت دون الاغتسال ، بمعنى أن يكون قد عاش حياً ثلاث سنين وإن وقع غسله بعد ثلاث سنين.

وهذا هو الصحيح ، وذلك لإطلاق الأدلّة الدالّة على وجوب تغسيل الأموات ، وعدم تقييدها بما إذا كان الغاسل مماثلاً للميت ، ولا مزاحم لهذا الإطلاق ، فإنّ الأخبار المتقدِّمة الدالّة على أنّ الرجل أو المرأة إذا مات ولم يكن عنده من يماثله يدفن كما هو بثيابه من غير غسل ، مختصّة بالرجل والمرأة ، وهما غير شاملين للصبي والصبية في مفروض الكلام ، لأن غاية ما هناك أن نتعدى منهما إلى المميز من الصبي والصبية بمناسبة الحكم والموضوع ، وأمّا غير المميز منهما كما هو مفروض المسألة ، أعني الصبي أو الصبية غير المتجاوزين عن ثلاث سنوات فلا ، فالإطلاق غير مزاحم.

ويدلُّ على ذلك صريحاً موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنّه سئل عن الصبي تغسله امرأة؟ قال : إنّما يغسل الصبيان النِّساء » (١) حيث دلّت على أن غسل النِّساء للصبيان أمر متعارف عادي.

وأمّا المقام الثاني : فالأمر فيه أيضاً كذلك ، لأن مقتضى الإطلاق عدم اعتبار المماثلة بين الغاسل والصبية كالصبي ، والأخبار الدالّة على اعتبار المماثلة غير شاملة للصبي والصبية كما تقدم فالاطلاقات لا مزاحم لها.

إلاّ أنّه ربما يقال باعتبار المماثلة في الصبية دون الصبي لوجهين :

أحدهما : ما عن المعتبر من أنّ الأصل حرمة النظر ، أي حرمة نظر الأجنبي إلى الصبية (٢).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٢٧ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٣ ح ٢.

(٢) المعتبر ١ : ٣٢٤ / في أحكام الأموات.

٣٢٧

ولو مع التجرّد ومع وجود المماثل وإن كان الأحوط الاقتصار على صورة فقد المماثل.

______________________________________________________

وفيه : أنّه إن أُريد من ذلك أنّ الرجل الأجنبي يحرم عليه النظر إلى بدن الصبية حتّى وجهها وكفيها وغيرهما سوى عورتها فهو مقطوع الخلاف ، للسيرة القطعية الجارية على جواز ذلك ، بل جواز نظر الرجل إلى الصبية غير المميزة من المسائل المتسالم عليها بينهم.

وإن أُريد منه أنّ الرجل يحرم عليه النظر إلى عورة الصبية ولمسها ، فيندفع بأنّه على تقدير ثبوته لا ملازمة بين حرمته وعدم جواز تغسيله ، لإمكان التغسيل من غير نظر ولا لمس.

وقد يستدل (١) على اعتبار المماثلة وعدم جواز تغسيل الرجل للصبية بموثقة عمار المتقدِّمة حيث ورد في ذيلها : « وعن الصبية تموت ولا تصاب امرأة تغسلها ، قال عليه‌السلام : يغسلها رجل أولى الناس بها » (٢) لدلالتها على أن حكم الصبية حكم المرأة في أنّه إذا لم يوجد المماثل يغسلها الرجل من ذوي الأرحام ولا يجوز أن يغسلها الأجنبي.

ويردّه : أنّ المراد بأولى الناس بها إمّا هو الأولوية العرفية أعني من يلي أمرها لأنّ الطفل بهذا السن لا يتمكّن من إدارة شؤونه من المأكل والمشرب والمنكح وغيرها ولا سيما الصبية فيحتاج إلى من يدير أمره وشؤونه وهو أولى الناس به عرفاً.

وإمّا أن يراد به الأولوية في الإرث ، كما هو الحال في الصلاة عليه والدفن وغيرهما على ما تقدم من أنّهما هي لأولى الناس بالميت من حيث الإرث.

وعلى كلا التقديرين لا دلالة لها على اعتبار كون الرجل المغسل للصبية محرماً‌

__________________

(١) هذا هو الوجه الثاني.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٢٧ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٣ ح ٢.

٣٢٨

لأنّ الأولوية في الإرث لا تستلزم المحرمية ، بل مقتضى إطلاقها عدم اعتبار كون الرجل من المحارم.

ولعلّ الوجه في تقييد الرجل في الرواية بكونه أولى الناس بها عدم جريان العادة على تغسيل الرجال ومباشرتهم لتنظيف الأطفال ، وإنّما جرت العادة على تغسيل المرأة الصبي والصبية ، فتراهن يصحبن الصبي أو الصبية معهن إلى الحمامات ويغسلنهم دون الرجال ، ومن ثمة قيدت الرجل بكونه أولى الناس بها وممّن يتصدى لأمر الصبية وشؤونها.

هذا كلّه في أصل عدم اعتبار المماثلة بين الغاسل والصبي والصبية.

التقييد بعدم زيادة السن عن ثلاث

وأمّا تقييد ذلك بما إذا لم يزد سنهما على ثلاث سنوات ، فهو المشهور بين الأصحاب وقد ورد ذلك في رواية أبي نمير : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام حدثني عن الصبي إلى كم تغسله النِّساء؟ فقال عليه‌السلام : إلى ثلاث سنين » (١) وهي وإن كانت واردة في الصبي إلاّ أنّها تدل على عدم جواز تغسيل الرجل الصبية بعد ثلاث سنين بطريق أولى.

ولا يمكن المساعدة على ذلك بوجه ، لضعف الرواية بأبي نمير ، إذ لم يوثق ولم يمدح في الرجال. ودعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور على طبقها ، يردها ما مرّ غير مرّة وإن رواها المشايخ الثلاثة (٢).

وعليه فالتحديد بثلاث سنين إن كان إجماعياً فهو وإلاّ فهو حكم مشهوري لا مثبت له. فلا فرق في عدم اعتبار المماثلة بين الغاسل والصبي والصبية قبل ثلاث سنين وبعدها إلى زمان التمييز ، هذا.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٢٦ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٣ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ١٦٠ / ١ ، الفقيه ١ : ٩٤ / ٤٣١ ، التهذيب ١ : ٣٤١ / ٩٩٨.

٣٢٩

وعن المقنعة (١) والمراسم (٢) تحديد ذلك في الصبي لا في الصبية بما إذا كان ابن خمس سنين ، وأمّا إذا زاد سنه على ذلك فلا يجوز للنِّساء أن يغسلنه بل يدفنه بثيابه.

وهذا ممّا لم نقف له على مدرك ، نعم نقله الصدوق عن شيخه محمّد بن الحسن بن الوليد في جامعه بالإضافة إلى الصبية فحسب ونقل حديثاً بهذا المعنى ناسباً له إلى الحلبي.

وفي الوسائل عن الشهيد في الذكرى أنّ الصدوق رواه مسنداً (٣) عن الحلبي عن الصادق عليه‌السلام في كتاب مدينة العلم (٤).

إلاّ أن شيئاً من ذلك لا يصلح للاستدلال به.

أمّا ما ذكره شيخ الصدوق في جامعه فهو فتوى منه ولا اعتبار بها في حقّنا.

وأمّا ما نسبه إلى الحلبي فلعدم العثور على سنده ، وكذا الحال فيما نقله الشهيد عن الصدوق في مدينة العلم من الرواية المسندة إذ لا علم لنا بسند ذاك الحديث.

فالصحيح عدم الاعتبار بالتحديد بثلاث أو بخمس سنين ، وثبوت الحكم في حق الصبي والصبية غير المميزين ، لأن مقتضى الإطلاقات عدم اعتبار المماثلة بين الغاسل والميِّت ، وإنّما التزمنا بها للأخبار المتقدِّمة وهي مختصّة بالرجل والمرأة ، إلاّ أن مناسبة الحكم والموضوع يقتضي إلحاق المميز من الصبي والصبية بهما باعتبار المماثلة فيه دون غير المميز منهما.

__________________

(١) المقنعة : ٨٧ / باب تلقين المحتضرين ( لكنّه حكم في الزائد عن الخمس بالغسل في الثياب ).

(٢) المراسم : ٥٠ / باب غسل الميِّت ( لكنّه حكم في الزائد عن الخمس بالغسل في الثياب ).

(٣) الوسائل ٢ : ٥٢٨ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٣ ح ٤.

(٤) وهو كتاب لم نره ولم نر من رآه ، لأنّه كتاب قد فقد.

٣٣٠

الثاني : الزّوج والزّوجة‌ فيجوز لكل منهما تغسيل الآخر ولو مع وجود المماثل ومع التجرّد (١)

______________________________________________________

من الموارد المستثناة : الزّوج والزّوجة‌

(١) هذا هو المشهور بين الأصحاب أو الأشهر ، وعن الشيخ في التهذيبين (١) وابن زهرة في الغنية (٢) والحلبي (٣) اختصاص الحكم بصورة الاضطرار ، وعدم جواز تغسيل كل منهما الآخر إلاّ مع عدم المماثل ، والكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :

أحدهما : في جواز تغسيل كل منهما الآخر في الجملة.

وثانيهما : بعد ثبوت أصل الجواز هل هو مطلق أو أنّه يجوز من وراء الثوب أو الدرع.

أمّا المقام الأوّل : فلا إشكال في جواز تغسيل كل من الزوج والزوجة صاحبه ولو مع وجود المماثل ، ويدلُّ عليه الأخبار الكثيرة :

منها : صحيحة عبد الله بن سنان قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل أيصلح له أن ينظر إلى امرأته حين تموت أو يغسلها (٤) فقال : لا بأس بذلك إنّما يفعل ذلك أهل المرأة كراهية أن ينظر زوجها إلى شي‌ء يكرهونه منها » (٥).

ومنها : ما عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سئل عن الرجل يغسل امرأته؟ قال : نعم ، من وراء الثوب لا ينظر إلى شعرها ولا إلى شي‌ء منها‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٤٠ / ١٤٢١ ، الاستبصار ١ : ١٩٩ / ٧٠٢.

(٢) الغنية : ١٠٢ / الفصل الثامن عشر من كتاب الصلاة.

(٣) الكافي في الفقه : ٢٣٧ / في أحكام الجنائز.

(٤) سقطت هنا جملة من الرواية وهي « إن لم يكن عندها من يغسّلها؟ وعن المرأة ، هل تنظر إلى مثل ذلك من زوجها حين يموت ... ».

(٥) الوسائل ٢ : ٥٢٨ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٤ ح ١.

٣٣١

وإن كان الأحوط الاقتصار على صورة فقد المماثل وكونه من وراء الثياب‌

______________________________________________________

والمرأة تغسل زوجها ، لأنّه إذا مات كانت في عدّة منه ، وإذا ماتت هي فقد انقضت عدّتها » (١) وعلل عدم نظر الزوج إلى زوجته في بعضها الآخر بأنّه ممّا يكرهه أهل المرأة كما مرّ في الصحيحة المتقدِّمة.

ومنها : غير ذلك من الأخبار المصرّحة بالجواز.

وأمّا الأخبار المستدل بها على عدم جواز ذلك إلاّ مع الاضطرار :

فمنها : ما دلّ على أنّ الرجل لا يغسل المرأة إلاّ أن لا توجد امرأة كما في رواية أبي حمزة (٢) وغيرها (٣).

وفيه : أن ما دلّ على ذلك مطلق وغير مختص بالزوج والزوجة ، فعلى تقدير اعتبار سنده لا بدّ من الخروج عنها بما دلّ على جواز تغسيل كل من الزوج والزوجة صاحبه وهو ظاهر.

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يموت وليس معه إلاّ النِّساء ، قال : تغسله امرأته ، لأنّها منه في عدّة وإذا ماتت لم يغسلها لأنّه ليس منها في عدّة » (٤) حيث دلّت على عدم جواز تغسيل الزوج زوجته.

والجواب عنها : أنّها وإن كانت معتبرة بحسب السند إلاّ أنّه لا مناص من حملها على التقيّة ، لما قيل من ذهاب بعض العامّة إلى ذلك (٥) ، لدلالة الأخبار الكثيرة المتقدِّمة‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٣٢ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٤ ح ١١.

(٢) الوسائل ٢ : ٥١٩ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٠ ح ١٠.

(٣) كما فيما رواه أبو بصير قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام يغسل الزوج امرأته في السفر والمرأة زوجها في السفر إذا لم يكن معهم رجل » الوسائل ٢ : ٥٣٣ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٤ ح ١٤.

(٤) الوسائل ٢ : ٥٣٣ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٤ ح ١٣.

(٥) المغني ٢ : ٣٩٤ ، المجموع ٥ : ١٥٠.

٣٣٢

على الجواز ، وقد اشتمل بعضها على هذا التعليل أو التعليل بأن ذلك ممّا يكرهه أهل الزوجة ، فان ذلك تعليل بالأمر الخارجي ولا تدل على عدم الجواز شرعاً ، بل يستفاد منها الجواز ، وإنّما المنع من جهة أمر آخر ليس راجعاً إلى الشرع ، كيف وقد ورد في بعضها أنّ الزوج أحق بزوجته حتّى يضعها في قبرها ، ومع التصريح بالجواز لا بدّ من حمل الصحيحة على التقيّة ، أو تحمل الصحيحة على الأفضلية جمعاً بينها وبين صحيحة الحلبي.

ومنها : الأخبار الواردة في أن فاطمة عليها‌السلام غسّلها عليّ عليه‌السلام لأنّها كانت صدّيقة والصدّيقة لا يغسلها إلاّ صدّيق (١).

وفيها ما رواه مفضل بن عمر : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام من غسّل فاطمة عليها‌السلام؟ قال : ذاك أمير المؤمنين عليه‌السلام فكأنما استضقت ( استفظعت ) ذلك من قوله ، فقال لي : كأنّك ضقت ممّا أخبرتك به؟ فقلت : قد كان ذلك جعلت فداك ، فقال : لا تضيقنّ فإنّها صدّيقة لم يكن يغسلها إلاّ صدّيق ... » (٢). لدلالتها على أنّ الرجل لا يجوز له أن يغسل زوجته إلاّ في مقام الضرورة وعدم المماثل ، حيث استعظم الراوي تغسيل الإمام عليه‌السلام لفاطمة عليها‌السلام وهو كاشف عن عدم جواز تغسيل الرجل زوجته ، وأجابه عليه‌السلام بأن ذلك لكونها صديقة وحيث لم توجد في النِّساء صدِّيقة فغسّلها أمير المؤمنين عليه‌السلام لأنّه صدّيق.

ولا يخفى أن تلك الروايات لا دلالة لها على كراهة تغسيل الزوج زوجته فضلاً عن الحرمة ، وذلك لأنّ الراوي لم يستعظم ذلك من جهة علمه بحرمته ، وذلك لأن أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يكن يرتكب أمراً غير مشروع ، وإنّما كان مستنداً إلى عظمة مقامه وعدم مناسبته له ، لأنّه عليه‌السلام لم يكن غسّل إلى ذلك الزمان سوى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتغسيل الأموات ولا سيما المرأة لم يكن مناسباً‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٣٠ ٥٣٤ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٤ ح ٦ ، ١٥ ، ١٦ ، ١٧ وغيرها.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٣٠ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٤ ح ٦.

٣٣٣

لمقامه ، فانّ النِّساء إنّما يغسلهن النِّساء دون الرّجال فاستعظم ذلك. وأجاب عليه‌السلام بأنّه لمكانة فاطمة عليها‌السلام لأنّها صدِّيقة والصدِّيقة لا يغسلها إلاّ صدِّيق.

ومنها : رواية أبي بصير قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام يغسل الزوج امرأته في السفر والمرأة زوجها في السفر إذا لم يكن معهم رجل » (١) لدلالتها على اعتبار المماثلة مع الاختيار.

ويدفعها : أنّها ضعيفة السند بقاسم بن محمّد الجوهري (٢) فلا يمكن الاعتماد عليها بوجه.

فتحصل : أنّه لا إشكال في جواز تغسيل كل من الزوج والزوجة صاحبه في الجملة. هذا كلّه بالإضافة إلى المقام الأوّل.

عدم اشتراط كون تغسيلهما من فوق الثياب

أمّا المقام الثاني : وهو أن تغسيل كل من الزوج والزوجة صاحبه هل يشترط أن يكون من فوق الثياب أو الدرع الّذي هو بمعنى القميص في المقام أو يجوز أن يغسل كل منهما الآخر ولو مجرداً؟

ذهب المشهور كما عن المسالك (٣) وأكثر العلماء كما عن المختلف (٤) إلى اعتبار كون الغسل من فوق الثياب والدرع لئلاّ يقع نظر كل منهما إلى بدن الآخر وعورته ، وعن الشيخ قدس‌سره في الاستبصار (٥) التفصيل بين تغسيل الزوج زوجته فيعتبر وتغسيل الزوجة زوجها فلا يعتبر.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٣٣ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٤ ح ١٤.

(٢) تقدم غير مرّة ان قاسم بن محمّد الجوهري ممّن وقع في أسانيد كامل الزيارات ومعه لا يبقى أيّ ضعف في السند.

(٣) المسالك ١ : ٨١ / أحكام الأموات.

(٤) المختلف ١ : ٢٤٥ / غسل الأموات.

(٥) الإستبصار ١ : ١٩٨ / ٦٩٧.

٣٣٤

وتفصيل الكلام في ذلك يقع في مقامين :

تغسيل الزّوجة زوجها أحدهما :

في تغسيل الزوجة زوجها ، وحاصل الكلام فيه : أنّا لم نعثر على دليل يدل على اعتبار كون ذلك من فوق الثياب ، بل صحيحة عبد الله بن سنان (١) وغيرها من الأخبار المشتملة على التفصيل بين الزوج والزوجة في جواز النظر إلى بدن الآخر بعد الموت عللت بأنّ الزوجة في عدّة من زوجها ، فلها أن تنظر إلى بدنه ، والزوج ليس في عدّة من زوجته فليس له أن ينظر إلى بدنها بعد الموت ، فتدل على جواز نظر الزوجة إلى بدن زوجها الميِّت وتغسيلها له ولو مجرّداً.

نعم ، رواية عبد الرّحمن بن أبي عبد الله قال « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يموت وليس عنده من يغسله إلاّ النِّساء هل تغسله النِّساء؟ فقال عليه‌السلام « تغسله امرأته أو ذات محرم وتصب عليه النِّساء الماء صبّاً من فوق الثياب » (٢) بناء على رجوع القيد « من فوق الثياب » إلى كل من « تغسله امرأته » و « ذات محرم » فالرواية مشعرة باعتبار كون الغسل من فوق الثياب.

إلاّ أنّ الرواية مضافاً إلى ضعف سندها قاصرة الدلالة ، لأنّ القيد كما يحتمل رجوعه إلى كل من « تغسله امرأته » و « ذات محرم » كذلك يحتمل رجوعه إلى تغسيل ذات المحرم فقط.

وقد ورد في بعض الأخبار أن ذات المحرم تغسل الميِّت من فوق الثياب (٣).

وعلى الجملة : لا يعتبر في تغسيل الزوجة زوجها أن يكون التغسيل من فوق الثياب.

__________________

(١) المتقدِّمة في المقام الأوّل في ص ٣٣١.

(٢) الوسائل ٢ : ٥١٧ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٠ ح ٤.

(٣) الوسائل ٢ : ٥١٩ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٠ ح ٩.

٣٣٥

تغسيل الزّوج زوجته

وثانيهما : في تغسيل الزوج زوجته ، وهل يعتبر فيه أن يكون تغسيله من فوق الثياب أو لا يعتبر؟.

الصحيح عدم اعتباره وجواز تغسيله لها مجردة ، وذلك لأنّ الأخبار المشتملة على أنّ الزوج يغسل زوجته من فوق الثياب لا يستفاد منها أن كون التغسيل من فوق الثياب شرط تعبّدي في جواز التغسيل وصحّته ، بل يستفاد من جملة من الأخبار أن ذلك من جهة أن لا يقع نظره على زوجته بعد موتها ، لأنّ المرأة أسوأ منظراً حين تموت ، وهذا كما في صحيحة الكناني (١) وغيرها (٢).

فالأمر بكون الغسل من فوق الثياب من جهة أنّ النظر إليهن مستنكر ، لا من جهة أنّه شرط تعبّدي ، فلو غسلها في ظلمة أو كان أعمى لم يعتبر في تغسيله أن يكون من فوق الثياب.

بل يستفاد منها أن استنكار النظر إلى الزوجة بعد موتها إنّما هو لأمرٍ خارجي ، لا أنّه أمر مكروه أو مبغوض شرعاً ، وذلك لدلالتها على أن ذلك لكراهية أهل الزوجة ذلك ، ولعدم رضاهم بنظر الزوج إلى زوجته حينئذ.

فعليه ما ذكره جملة من الأصحاب من جواز تغسيل كل من الزوج والزوجة صاحبه ولو مجرداً هو الصحيح.

إلاّ أنّ الأفضل أن يكون تغسيل الزوج زوجته من فوق الثياب.

وأمّا ما ورد في بعض الأخبار من أنّ الزوجة في عدّة من زوجها بعد الموت وليس الزوج في عدّة من زوجته (٣) فلا بدّ من حمله على أنّه ليس في عدّة منها بمرتبة ، لا انّ‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٣٢ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٤ ح ١٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٣١ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٤ ح ٧.

(٣) الوسائل ٢ : ٥٣٢ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٤ ح ١١ ، ١٣.

٣٣٦

ويجوز لكل منهما النظر إلى عورة الآخر وإن كان يكره (١).

______________________________________________________

العلقة الزوجية منقطعة بينهما مطلقاً. وإلاّ فلو كان الزوج أجنبياً عن زوجته بالمرة فكيف ساغ له أن يغسلها من فوق الثياب والدرع كما في الأخبار لأنّ الأجنبي لا يجوز أن يغسل الأجنبية ولو من فوق الثياب ، وكيف جاز له أن ينظر إلى وجهها وكفيها وشعرها ، مع أن صحيحة الحلبي صريحة في جوازه (١).

بل نفس الأخبار الدالّة على جواز تغسيلها من فوق الثياب والدرع دالّة على بقاء علقة الزوجية وجواز نظر الزوج إلى زوجته بعد الموت ، لأنّ القميص والدرع إنّما يستران من فوق المنكب إلى الركبة أو إلى الرجل ، ويبقى الرأس والرقبة مكشوفين وكذا تبقى يدها من الذراع إلى آخر كفها وكذا رجلاها مكشوفة ، فكيف جاز له أن ينظر إليها.

وغاية ما يمكن استفادته من الأخبار أنّ الزوج والزوجة يجوز لكل منهما أن يغسل الآخر ، وإن كان الأفضل تغسيل الزوج زوجته فوق الثياب.

جواز نظر كل من الزّوجين إلى عورة الآخر‌

(١) وقع الكلام في أنّ الزوج والزوجة هل يجوز لكل منهما النظر إلى عورة الآخر بعد الموت أو لا يجوز؟

قد يقال بالجواز للإطلاقات أعني ما دلّ على أنّ الزوج يغسل زوجته والزوجة تغسل زوجها بعد حمل ما دلّ على التغسيل مع الدرع أو الثوب أو بإلقاء الخرقة على الاستحباب.

وقد يقال بعدم الجواز ، نظراً إلى انقطاع علقة الزوجية بالموت ، فلا يجوز لكل منهما النظر إلى عورة الآخر ، لأنّه من النظر إلى عورة الأجنبية.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٣٢ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٤ ح ١١.

٣٣٧

ولكن الصحيح هو الجواز على كراهيةٍ ، وذلك أمّا بالإضافة إلى الزوجة ونظرها إلى عورة زوجها الميِّت فلأنه لم يرد المنع عن نظر الزوجة إلى عورة زوجها بعد الموت إلاّ في رواية زيد الشحام : « ... وإن كان له فيهن امرأة فليغسل في قميص من غير أن تنظر إلى عورته » (١) أي إلى عورة الزوج ، وهي وإن كانت دالّة على المنع عن النظر إلاّ أنّها ضعيفة السند بأبي جميلة مفضل بن صالح وهو غير موثق في الرجال.

على أنّ الأخبار الواردة في جواز تغسيل الزوجة زوجها معللة بأنّها منه في عدّة صريحة الدلالة على بقاء علقة الزوجية بينهما ، ومعها يجوز أن تنظر إلى عورة زوجها لا محالة ، فبالاضافة إلى الزوجة لا إشكال في جواز نظرها إلى عورة زوجها.

وأمّا بالإضافة إلى الزوج ونظره إلى عورة زوجته فقد يستدل على حرمته بوجوه :

منها : رواية زيد الشحام المتقدِّمة آنفاً ، لما ورد في صدرها « ... فليغسلها من غير أن ينظر إلى عورتها ... » وهي صريحة الدلالة على المنع ، إلاّ أنّها ضعيفة السند كما مرّ.

ومنها : صحيحة الكناني (٢) لقوله عليه‌السلام فيها : « ولا ينظر إلى عورتها » ومقتضى نهيه عليه‌السلام حرمة النظر إلى عورة الزوجة الميتة.

ويدفعه : أنّها قاصرة الدلالة على المدعى ، لأن ذيل الصحيحة قرينة على أنّ النهي عن النظر إلى الزوجة وعورتها ليس نهياً تعبّدياً ، وإنّما هو لأجل أمر تكويني وهو صيرورة المرأة أسوأ منظراً إذا ماتت وعدم رضى أهلها أن ينظر الرجل إلى ما يكرهون النظر إليه منها ، فلا يستفاد منها حرمة النظر تعبّداً ، وإنّما النهي فيها إرشاد إلى ذلك الأمر التكويني.

ومنها : صحيحة منصور بن حازم قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته أيغسلها؟ قال : نعم وأُمّه وأُخته ونحو هذا ، يلقي‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥١٨ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٠ ح ٧.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٣٢ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٤ ح ١٢.

٣٣٨

ولا فرق في الزوجة بين الحرّة والأمة والدائمة والمنقطعة (١) ،

______________________________________________________

على عورتها خرقة » (١) فإنّ الأمر بإلقاء الخرقة إنّما هو لأجل عدم جواز النظر إلى عورتها.

وفيه : أنّ الصحيحة مجملة ، لأن قوله عليه‌السلام « ويلقي على عورتها خرقة » كما يحتمل رجوعه إلى تغسيل كل من امرأته وأُمّه وأُخته كذلك يحتمل رجوعه إلى تغسيل امّه وأُخته فحسب ، هذا.

على أنّها لو كانت ظاهرة في الأوّل فلا مناص من رفع اليد عن النهي فيها بحمله على الإرشاد إلى الأمر التكويني وسوء منظر المرأة إذا ماتت ، بقرينة صحيحة الكناني وغيرها.

وعليه فالصحيح جواز نظر كل منهما إلى عورة الآخر ، ويؤكّده أصالة البراءة عن حرمة النظر ، لعدم دلالة دليل على حرمة النظر إلى العورة بعد الموت.

تعميم الحكم للمنقطعة‌

(١) لأنّ الحكم إنّما ترتب على الزوجية ، وفي مثله لا يمكن التفرقة بين الدائم والمنقطع ، اللهمّ إلاّ أن يقوم دليل على اختصاصه بالدائم ، والمقام ليس كذلك ، كما هو الحال في سائر الموارد الّتي رتّب فيها الحكم على عنوان الزوجية.

ودعوى انصرافها إلى الدائمة ممّا لا وجه له ، لأنّ الزوجية في الشريعة المقدسة قسمان : دائم ومنقطع ، فمع الإطلاق في لسان الدليل وعدم التقييد بأحدهما لا بدّ من تعميم الحكم لكل منهما.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥١٦ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٠ ح ١.

٣٣٩

بل والمطلقة الرجعية (١).

______________________________________________________

تعميم الحكم للمطلقة الرجعية‌

(١) وقع الكلام بعد ثبوت جواز تغسيل كل من الزوج والزوجة صاحبه في أن هذا يختص بما إذا كانت علقة الزوجية باقية بحالها كما إذا كان قبل الطلاق ، أو يعم ما إذا كان بعد الطلاق وفي زمان العدة ما دامت لم تنقض؟

أمّا إذا كان الطلاق بائنا فلا ينبغي الإشكال في عدم جواز تغسيل كل منهما الآخر لاعتبار المماثلة بين الغاسل والميِّت ، وإنّما خرجنا عنه في خصوص الزوج والزوجة وهما ليسا بزوج وزوجة في عدّة الطلاق البائن ، بل كل منهما أجنبي عن الآخر وهذا ظاهر.

وأمّا إذا كان الطلاق عديا فالمشهور أنّ المرأة في العدّة الرجعية يجوز لها أن تغسل زوجها وبالعكس ، وقد استدلّوا على ذلك بما هو المعروف بين الأصحاب من أنّ المطلقة الرجعية بحكم الزوجة ، وهذا يدل على التنزيل وأنّ المطلقة الرجعية كالزوجة في الأحكام المترتبة عليها إلاّ أن يقوم دليل على الخلاف.

غير أن هذه الجملة ممّا لم ترد في شي‌ء من الأخبار ، ولم تدل رواياتنا على تنزيل المطلقة الرجعية منزلة الزوجة في آثارها ، وإنّما هو كلام مشهور بين الأصحاب.

والّذي ينبغي أن يقال في المقام : إنّ المطلقة الرجعية زوجة حقيقة لا أنّها منزّلة منزلة الزوجة ، وتقريب ذلك : ما ذكرناه غير مرّة من أنّ الإمضاء الشرعي قد لا يكون على وفق ما قصده المنشئ في المعاملات والإيقاعات ، بل الشارع يمضيه مشروطاً بشي‌ء ، وهذا أمر ممكن في نفسه وواقع في جملة من الموارد ، كما في الهبة والصرف والسلم والوقف ، حيث إنّ المنشئ قصد التمليك فيها من حين العقد إلاّ أنّ الشارع أمضاها مشروطة بالقبض والإقباض.

٣٤٠