موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

ويدلُّ عليه الأخبار الواردة في الاستظهار (١) ، حيث دلّت على أن النّفساء تستظهر بيوم أو يومين أو العشرة أي إلى عشرة أيام ، وهذا لا بمعنى الاستظهار عشرة أيام بعد النقاء ، لأنه ممّا لم يقل به أحد ولا هو محتمل في نفسه ، بل المراد عشرة أيام من أوّل رؤية الدم.

والوجه في دلالتها على أن أكثر النّفاس عشرة أيام أن الاستظهار بمعنى طلب ظهور الحال والاحتياط مع الاحتمال ، فتدل الأخبار على أن النّفاس لا يحتمل في الزائد عن العشرة ، وإلاّ لأمرها عليه‌السلام بالاستظهار بأكثر من العشرة وكان الأمر به إلى العشرة لغواً ، لاحتمال النّفاس في الزائد عليها ، ومن هنا يستكشف أن أكثر النّفاس عشرة أيام.

وهذه الأخبار وإن كانت واردة في ذات العادة إلاّ أن مقتضى الفهم العرفي أنه من باب تطبيق الكلي على الفرد لا تطبيق الحكم على مورده ، كما يدل على ذلك الشهرة الفتوائية أيضاً على ما استدللنا به في جملة من الموارد ، منها الإقامة حيث إن الأخبار الواردة فيها غير قاصرة الدلالة على الوجوب ، إلاّ أنّا رفعنا اليد عن الوجوب لشهرة استحبابها ، إذ لو كانت الإقامة واجبة كيف أمكن خفاؤها على الأصحاب ، بل لانتشر وذاع ، وكذلك نقول في المقام ، لأن الصلاة مما تبتلى به مرات في اليوم ، فلو كانت محرمة على النّفساء زئداً على عشرة أيام لم يكن ذلك خفياً على أصحاب الأئمة والعلماء ولم يكن انتهاؤها إلى عشرة أيام مشهوراً عندهم.

والشهرة الفتوائية وإن لم تكن حجة في نفسها إلاّ أن كون المسألة عامة البلوى متسالماً عليها يدلنا على أن أكثر النّفاس عشرة أيام ، لذا لو كان أكثره زائداً عليها لم يكن يخفى على الأصحاب ، هذا.

ثم إن القول بأن أكثره عشرة أيام هو الموافق للأصل الجاري في المقام لو لم يقم على خلافه دليل ، وذلك لأن مقتضى العمومات والإطلاقات وجوب الصلاة والصيام‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥ ، ٣٨٣ ٣٨٦ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٥ ، ١١.

١٦١

وجواز وطء الزوج زوجته متى شاء ، وقد خرجنا عنهما في النّفساء بمقتضى الأدلّة الدالّة على عدم وجوبهما في حقها وعدم جواز وطيها ، إلاّ أن الأمر في المخصّص مردّد بين الأقل والأكثر ، ومقتضى القاعدة حينئذ أن يؤخذ بالمقدار المتيقن وهو الأقل ويرجع في المقدار الزائد إلى العموم والإطلاقات ، والأقل في المقام هو عشرة أيام لأنه القدر المتيقن الذي يلتزم به جميع المسلمين الخاصة منهم والعامة ، إذ العامة يذهبون إلى أن النّفاس يمتد إلى أربعين يوماً ، وعن الشافعية والمالكية امتداده إلى ستين يوماً ، وعن بعضهم امتداده إلى مدة رؤية الدم على ما في التذكرة (١) ، فعليه يتحد الحيض والنّفاس في طرف الكثرة وهو عشرة أيام.

سرد الأخبار المحددة بثمانية عشر يوماً

وأمّا القول بأن أكثر النّفاس ثمانية عشر يوماً فقد نسب إلى السيد المرتضى وجماعة ، واستدل عليه بالأخبار المتضمِّنة لقصّة أسماء بنت عميس وأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرها بالصلاة والصيام والطواف بعد ثمانية عشر يوماً (٢).

إلاّ أن هذه الأخبار في نفسها قاصرة الدلالة على المدعى ، لأنها تدلّ على أن النّفاس لا يزيد على ثمانية عشر يوماً ، وإلاّ لم يأمرها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالعبادة بعدها ، وأمّا أن أكثر النّفاس ثمانية عشر يوماً فلا تدلّ عليه ، لاحتمال أنها لو سألت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد خمسة عشر يوماً أو أقل أو أكثر أيضاً أمرها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالعبادة ، فمجرد أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك بعد ثمانية عشر يوماً لا دلالة له على أن أكثر النّفاس ذلك.

ويؤيِّد ذلك مرفوعة إبراهيم بن هاشم (٣) ، حيث دلّت على أن أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسماء بنت عميس بالعبادة بعد ثمانية عشر يوماً لم يكن للتحديد وإنما هو‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٢٨ / المسألة ١٠٢ في النّفاس.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٨٤ ٣٨٨ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ٦ ، ٧ ، ١٥ ، ١٩.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٨٤ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ٧.

١٦٢

قضية في واقعة فلو سألته قبل ذلك لأمرها بذلك أيضاً.

إلاّ أنها ضعيفة السند لا تصلح إلاّ للتأييد ، وقد تقدم أن الرواية في نفسها قاصرة الدلالة كانت هناك مرفوعة أم لم تكن.

ونحوها ما رواه العياشي الجوهري الذي اسمه أحمد بن محمد بن عبيد الله في كتاب المسائل (١) ، لأنها دلّت على أن الأخبار المتضمنة لقصة بنت عميس ليست واردة للتحديد ، إلاّ أنها أيضاً ضعيفة السند ، وذلك لعدم توثيق الجوهري ، لأن الشيخ ذكره من دون أن يذكر في حقه مدحاً ولا قدحاً (٢) ، وتعرض له النجاشي وقال إن شيوخنا قد ضعّفوه ، وقال إنه اضطرب في أمره ، وقد أدركته في أواخر عمره وكان صديقاً لي ثم ذكر في آخر كلامه : رحمه‌الله وسامحه (٣).

وهل المراد أنه اضطرب في دينه أو في حديثه؟ العبارة ساكتة عنه.

وذكر الشيخ قدس‌سره أنه اختل ، وهل اختل في عقله أو في دينه؟ وهو أمر غير معلوم.

ولا دلالة في ترحم النجاشي على حسنه لو لم يدل « سامحه » على قدحه ، لأن ظاهره أنه ارتكب بعض الأفعال فيدعو الله سبحانه له ليسامحه في تلك الأفعال. إذن فالرواية ضعيفة لا تصلح إلاّ للتأييد ، إلاّ أن تلك الروايات كما عرفت قاصرة الدلالة في أنفسها على المدعى.

نعم ، صحيحة محمد بن مسلم ظاهرة في التحديد حسب المتفاهم العرفي قال « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن النّفساء كم تقعد؟ فقال : إن أسماء بنت عميس أمرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تغتسل لثمان عشرة ، ولا بأس أن‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٨٦ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ١١.

(٢) الفهرست : ٣٣ / الرقم [٩٩]

(٣) رجال النجاشي : ٨٥ / الرقم [٢٠٧].

١٦٣

تستظهر بيوم أو يومين » (١).

وله صحيحة (٢) غيرها لم تشتمل على الأمر بالاستظهار وقصة أسماء ، فإنه لو لم يكن أكثر النّفاس ثمانية عشر يوماً كان ذكره عليه‌السلام قضية أسماء بنت عميس في مقام السؤال عن أكثر النّفاس لغواً ظاهراً ، إلاّ أنها أيضاً لا يمكن الاعتماد عليها ، وذلك :

أمّا أوّلاً : فلاختلاف متن الرواية ، وقد نقلها في الوسائل هكذا « لثمان عشرة » وظاهره ثمان عشرة ليلة ، لأن الأعداد إلى العشرة تذكّر في المؤنث وتؤنّث في المذكّر وهو ممّا لم يقل به أحد من السنّة ، لما سبق من أنهم يرون امتداد النّفاس إلى أربعين أو ستين أو ما دام الدم يُرى ، ولا من الشيعة لأن الذي لا يلتزم بكون أكثر النّفاس عشرة أيام يرى أن أكثره ثمانية عشر يوماً لا ثمان عشرة ليلة ، لأنها إما أن تنقص عن ثمانية عشر يوماً بيوم كما إذا ولدت في الليل ، وإما أن تزيد عن ثمانية عشر يوماً بليلة كما إذا ولدت في النهار.

فلا مناص من حملها على التقية ، لا بمعنى أن الرواية توافق أقوال العامة ، لما عرفت أن العامة بين قائل بالأربعين وقائل بالستين وقائل بما دامت ترى الدم ، فالأربعون هو المتسالم عليه فيما بينهم.

بل حملها على التقيّة بمعنى أن الامام عليه‌السلام لم يبين الحكم الواقعي تقيّة لمخالفته العامّة ، وإنما ذكر قصة أسماء بنت عميس لأنها على ما يظهر من الأخبار كانت مسلمة عندهم ، فلم يكن في ذكرها بأس ومحذور. وفي الوافي نقلها هكذا « ثمانية عشر » (٣) وهي وإن التزم بها بعضهم كما تقدم إلاّ أنها ساقطة عن الاعتبار من جهة اختلاف نسخ الحديث وكونه مشبوهاً لعدم العلم بأن المروي هذا أو ذاك ، فلا مناص من حمل الأخبار الدالة على التقيّة.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٨٧ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ١٥.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٨٦ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ١٢.

(٣) الوافي ٦ : ٤٨١.

١٦٤

وأمّا ثانياً : فلاشتمالها على الأمر بالاستظهار بيوم أو يومين ، وقد تقدّم أن الاستظهار معناه طلب ظهور الحال والاحتياط مع الاحتمال ، فالصحيحة تدلّ حينئذ على أن النّفاس يمكن استمراره إلى عشرين يوماً ، وهو مما لا قائل به فلا بد من حملها على التقية. فالصحيح أن أكثر النّفاس عشرة أيام ، هذا.

على أن الصحيحة مشتملة على عقدين إيجابي وسلبي ، وهي إنما تنظر إلى عقدها الإيجابي ، وهو كون أكثر النّفاس ثمانية عشر يوماً ، وتدلّ بالالتزام على العقد السلبي وهو عدم كون أكثره أقل من ثمانية عشر ، وهذا خلاف الأخبار الواردة لبيان أن النّفاس أكثره عشرة ، حيث دلت ابتداء على أنه لا يكون أكثر من عشرة أيام ، ودلت بالالتزام على أن أكثره عشرة.

وكيف كان فالصحيحة لو كانت بصدد بيان الحكم الواقعي للزم تخصيصها بذات العادة ، لدلالة الأخبار على أنها ترجع إلى عادتها كما مر ، وهي آبية عن التخصيص بذلك ، لأن ذوات العادة من النساء كما قالوا أكثر من غيرهن ، ومعه كيف يمكن حمل الصحيحة الواردة لبيان أكثر النّفاس على غير الغالب من النساء ولا تكون متعرضة للغالب منهن وهي في مقام البيان ، وهذا يؤيد حملها على التقية أيضاً.

ومن الأخبار الدالّة على تحديد أكثر النّفاس بثمانية عشر يوماً صحيحة أُخرى لمحمد بن مسلم قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام كم تقعد النّفساء حتى تصلِّي؟ قال : ثماني عشرة ، سبع عشرة ثم تغتسل وتحتشي وتصلِّي » (١).

والاستدلال بهذه الصحيحة أفحش من سابقتها ، لأن النّفساء على هذه الصحيحة مخيرة بين القعود ثمان عشرة ليلة والقعود سبع عشرة ليلة ، فإذا فرضنا أنها ولدت في الليل كان آخر أيام نفاسها في اليوم السادس عشر ، وهذا مما لم يلتزم به أحد ، فلا مناص من حملها على التقية كسابقتها ، مضافاً إلى لزوم محذور تخصيصها بذات العادة كما مرّ في الصحيحة المتقدمة.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٨٦ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ١٢.

١٦٥

ومنها : صحيحة ابن سنان قال « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : تقعد النّفساء سبع عشرة ليلة ، فإن رأت دماً صنعت كما تصنع المستحاضة » (١) وقد ظهر الجواب عنها بما قدمناه في الصحيحتين المتقدمتين فلا نعيده.

ومنها : مرسلة الصدوق قدس‌سره « وقد روي أنه صار حد قعود النّفساء عن الصلاة ثمانية عشر يوماً ، لأن أقل أيام الحيض ثلاثة أيام وأكثرها عشرة أيام وأوسطها خمسة أيام ، فجعل الله عز وجل للنفساء أقل الحيض وأوسطه وأكثره » (٢).

وهي مضافاً إلى إرسالها سخيفة التعليل ، لأن كون أكثر الحيض وأوسطه وأقله ثمانية عشر يوماً أجنبي عن أكثر النّفاس ، فبأيّ وجه كان أكثره مجموع الأعداد المذكورة في الحيض ولم يكن غيره.

على أن وسط الحيض ليس خمسة أيام ، إذ ما بين الثلاثة والعشرة سبعة ، فوسط الحيض ستة أيام ونصف المركبة من الثلاثة التي هي أقل الحيض ونصف السبعة التي هي بين الثلاثة والعشرة ، ولا يمكن الحكم بأن وسط الحيض خمسة أيام ، لأن الحيض ليس محسوباً من اليوم الأول بل من اليوم الرابع وبعد الثلاثة ، فهذه قرينة تلوح منها التقيّة.

ومنها : مرسلة المقنع قال « روي أنها تقعد ثمانية عشر يوماً » (٣) ، وهي ليست رواية أُخرى غير الأخبار المتقدمة الواردة في المسألة على ما نظن ، بل المطمأن به أنها ليست رواية أُخرى ، ثم على تقدير كونها رواية مستقلة فهي ساقطة عن الاعتبار لإرسالها.

ومنها : رواية حنان بن سدير قال « قلت لأي علة أُعطيت النّفساء ثمانية عشر يوماً؟ ... » وذكر نحو المرسلة المتقدمة عن الصدوق (٤).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٨٧ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ١٤.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٨٩ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ٢٢.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٩٠ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ٢٦.

(٤) الوسائل ٢ : ٣٩٠ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ٢٣.

١٦٦

وقد ظهر الجواب عنها مما قدمناه في المرسلة مضافاً إلى أنها ضعيفة السند بالحسين ابن الوليد ، ويمكن المناقشة في سندها بغير ذلك أيضاً فليراجع.

ومنها : ما في كتاب الرضا عليه‌السلام إلى المأمون « قال : والنّفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوماً ، فإن طهرت قبل ذلك صلّت ، وإن لم تطهر حتى تجاوز ثمانية عشر يوماً اغتسلت وعملت بما تعمل المستحاضة » (١).

وقد تقدّم أن القرينة على التقية فيها موجودة ، وهي كون السائل هو المأمون ، فلا مناص من حملها على التقية.

وفي بعض الأخبار أن النّفساء لا تقعد أكثر من عشرين يوماً إلاّ أن تطهر قبل ذلك ، فإن لم تطهر قبل العشرين اغتسلت واحتشت وعملت عمل المستحاضة (٢).

وهي أيضاً مما لم يقل بمضمونها أحد من العامة والخاصة ، فلا مناص من حملها على التقيّة. مضافاً إلى ضعف سندها ، لأنها مروية عن الصدوق بإسناده عن الأعمش وطريقه إليه لم يعلم أنه صحيح أو ضعيف ، هذا.

سرد الأخبار المحددة بثلاثين يوماً فصاعداً

ثم إنه ورد في جملة من الروايات أن النّفساء تقعد ثلاثين يوماً أو أربعين أو خمسين أو ما بينهما.

منها : مرسلة المقنع قال « وقد روي أنها تقعد ما بين أربعين يوماً إلى خمسين يوماً » (٣).

وهي ضعيفة السند بإرسالها ، ولا قائل بمضمونها من الأصحاب ، ويحتمل التورية فيها بإرادة عشرة أيام ، لأن ما بين الأربعين يوماً إلى الخمسين هو عشرة أيام كما ذكره‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٩٠ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ٢٤.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٩٠ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ٢٥.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٩١ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ٢٨.

١٦٧

صاحب الوسائل قدس‌سره في الرواية الآتية ولا بعد فيه.

ومنها : رواية محمد بن يحيى الخثعمي قال « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن النّفساء ، فقال : كما كانت تكون مع ما مضى من أولادها وما جرّبت ، قلت : فلم تلد فيما مضى ، قال : بين الأربعين إلى الخمسين » (١) ، وقد فصّلت بين ذات العادة وغيرها إلاّ أنها قابلة للتورية كما مر ، ولا قائل بمضمونها من أصحابنا. مضافاً إلى ضعف سندها بالقاسم بن محمد.

ومنها : ما رواه حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام قال : « النّفساء تقعد أربعين يوماً ، فإن طهرت ، وإلاّ اغتسلت وصلّت ويأتيها زوجها وكانت بمنزلة المستحاضة تصوم وتصلِّي » (٢).

وهي كسابقتها محمولة على التقيّة ، إذ لا قائل بها من أصحابنا.

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : تقعد النّفساء إذا لم ينقطع عنها الدم ثلاثين أو أربعين يوماً إلى خمسين » (٣).

وهي وإن كانت صحيحة سنداً إلاّ أنها موافقة لمذهب العامة من جهة الأربعين والخمسين ، فلا مناص من حملها على التقية كغيرها.

وفي بعضها أنها تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط ، كما في رواية علي بن يقطين قال « سألت أبا الحسن الماضي عليه‌السلام عن النّفساء وكم يجب عليها ترك الصلاة؟ قال تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط إلى ثلاثين يوماً ، فإذا رقّ وكانت صفرة اغتسلت وصلّت إن شاء الله » (٤).

وهي موافقة لبعض أقوال العامة ، ولا قائل بمضمونها من أصحابنا ولا المشهور من الجمهور ، فلا بدّ من حملها على التقيّة ، مضافاً إلى المناقشة في سندها فليراجع ، لعدم‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٨٨ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ١٨.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٨٨ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ١٧.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٨٧ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ١٣.

(٤) الوسائل ٢ : ٣٨٧ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ١٦.

١٦٨

وإن كان الأولى مراعاة الاحتياط بعدها أو بعد العادة إلى ثمانية عشر يوماً من الولادة (*) واللّيلة الأخيرة خارجة (١).

وأمّا الليلة الاولى إن ولدت في الليل فهي جزء من النّفاس وإن لم تكن محسوبة من العشرة ، ولو اتفقت الولادة في وسط النهار يلفّق من اليوم الحادي عشر لا من ليلته (٢) ، وابتداء الحساب بعد تمامية الولادة وإن طالت ، لا من حين الشروع وإن كان إجراء الأحكام من حين الشروع إذا رأت الدم إلى تمام العشرة من حين تمام الولادة (٣).

______________________________________________________

ثبوت وثاقة أحمد بن محمد بن يحيى.

إلى هنا تحصل وتلخص أن أكثر النّفاس عشرة أيام وإن كان الاحتياط إلى ثمانية عشر يوماً في محله.

خروج الليلة الأخيرة‌

(١) أيام العادة أو عشرة أيام في النّفساء إنما تحتسب من اليوم ، والليلة الأُولى إذا ولدت فيها ، وكذا الليلة الأخيرة أعني ليلة الحادي عشرة ، أو ليلة اليوم السابع إذا كانت عادتها ستة أيام خارجتان عن الحساب ، وذلك لأن المدار على الأيام ، أي أيام العادة أو عشرة أيام ، إلاّ أن بين الليلتين فرقاً وهو أن الدم في الليلة الأُولى نفاس ، لأنه دم الولادة ، أمّا في الليلة الأخيرة فهو دم استحاضة لا يترتب عليه أحكام النّفاس.

(٢) لأن المدار كما عرفت على اليوم ولا اعتبار بالليلة.

(٣) الكلام في ذلك يقع في جهتين :

__________________

(*) احتساب العشرة أو الثمانية عشر يوماً من زمان الولادة محل إشكال ، إذ من المحتمل أن يكون مبدأ الحساب أوّل زمان رؤية الدم وعليه لا يترك الاحتياط فيما إذا انفصلت رؤية الدم عن الولادة.

١٦٩

احتساب أيام النّفاس بعد تمامية الولادة

الجهة الأُولى : أن المرأة إذا ولدت ولم تتم ولادتها ، كما إذا خرج رأس الولد ورأت الدم إلاّ أنه لم يخرج بتمامه ، لا إشكال في أن الدم المرئي حالئذ نفاس كما قدّمناه وإن لم يكن الدم المرئي قبل الولادة نفاساً ، حيث إنه مستند إلى الولادة ، فترتّب عليه أحكامه ، إلاّ أن عشرة أيام أو أيام العادة لا تحسب إلاّ بعد تمامية الولادة ، لا من حين الأخذ بالشروع ، وذلك للاعتبار المطابق للواقع وللأخبار.

أمّا الاعتبار فهو أنّا لو فرضنا أن الولد خرج رأسه ولم يخرج تمامه إلى سبعة أيام وهي أيام عادتها فوضعته بعد سبعة أيام ، فهل يمكن أن يقال إن المرأة لا نفاس لها حينئذ لأن أيام عادتها قد انقضت أو أنها تعتبر نفساء بعد ذلك؟

لا سبيل إلى الأول بوجه ، فلا بدّ من أن تحسب العشرة أو أيام العادة بعد الولادة وإن كان الدم المرئي محكوماً بكونه نفاساً من أثناء الولادة.

وأمّا الأخبار (١) فلأنها دلت على أن النّفساء تقعد أيام عادتها أو عشرة أيام فالحكم بالقعود مترتِّب على النّفساء ، والنّفساء هي المرأة التي تلد ، ولا تصدق المرأة الوالدة إلاّ بعد تماميتها ، وأمّا قبلها فلا يقال إنها ولدت حتى تكون نفساء ويترتب عليها القعود أيام عادتها أو عشرة أيام.

وأمّا الحكم سابقاً بأن قوله في موثقة عمار « ما لم تلد » (٢) أعمّ من الأخذ بالولادة فهو مستند إلى مناسبة الحكم والموضوع والقرينة الموجودة في الرواية ، وهي كونه مقابلاً للدم الخارج قبل الولادة ، لا أن معنى تلد هو الأعم ، فعشرة أيام تحسب بعد الولادة لا من حين الأخذ بها وكذلك أيام العادة.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٨١ و ٣٨٢ / أبواب النّفاس ب ١ و ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٩٢ / أبواب النّفاس ب ٤ ح ١ و ٣.

١٧٠

إذا تأخّرت رؤية الدم عن الولادة

الجهة الثانية : أن رؤية الدم إذا تأخرت عن الولادة ، كما إذا ولدت ولم تر دماً إلاّ بعد يوم أو يومين ، لا يبعد أن يكون مبدأ العشرة أو أيام العادة زمان رؤية الدم دون الولادة ، بل هذا هو الظاهر.

وذلك لأن الأحكام المستفادة من الأخبار إنما هي مترتبة على رؤية الدم في النّفاس المستند إلى الولادة ، فالموضوع لها مركّب من الولادة والدم المستند إليها ، ومن هنا قدمنا أن الولادة المجرّدة عن الدم لا يترتب عليها أثر ، فإذا رأت الدم حكم عليها بآثار النّفاس وتحسب العشرة من ذلك الوقت.

وكذا أيام عادتها ، لدلالة الأخبار على أن النّفساء تقعد أيام عادتها ، فإذا فرضنا عادتها ستة أيام ورأت الدم بعد الولادة بيومين فاحتسبت الستة من حين ولادتها فمعناه الحكم بقعودها من حين الولادة مع أنها لم تر دماً ، وظاهر القعود أيام العادة هو قعودها بمقدار العادة من أيام الدم.

وأمّا ما ورد في رواية مالك بن أعين عن أبي جعفر عليه‌السلام « إذا مضى لها منذ يوم وضعت بمقدار أيام عدة حيضها ثم تستظهر بيوم فلا بأس بعدُ أن يغشاها زوجها » (١) فهو ظاهر في أن مبدأ الحساب حين الولادة لا الدم ، إلاّ أنها مروية عن طريق الشيخ إلى ابن فضال ، وهو لم يوثق فلا يعتمد عليها (٢).

مضافاً إلى المناقشة في دلالتها ، حيث دلّت الأخبار على أن النّفساء تقعد أيام عادتها أو عشرة أيام (٣) ، وظاهرها القعود مع رؤية الدم ، فالحكم بقعودها من دون رؤية الدم خلاف الظاهر لا يصار إليه.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٩٥ / أبواب النّفاس ب ٧ ح ١.

(٢) كذا أفاده أوّلاً ، ولكنه عدل عن ذلك وبنى على اعتبار طريقه إليه كما مرّ [ في الجزء ٧ ص ٧٠ ] مضافاً إلى أن في هذه الرواية بخصوصها طريق معتبر آخر للشيخ إلى علي بن الحسن بن فضال يظهر من المراجعة إلى التهذيب.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٨١ و ٣٨٢ / أبواب النّفاس ب ١ و ٣.

١٧١

[٨١١] مسألة ٢ : إذا انقطع دمها على العشرة أو قبلها فكل ما رأته نفاس‌ سواء رأت تمام العشرة أو البعض الأوّل أو البعض الأخير أو الوسط أو الطرفين أو يوماً ويوماً لا ، وفي الطّهر المتخلّل بين الدم تحتاط بالجمع (*) (١)

______________________________________________________

على أن الولادة من دون دم يوماً أو أكثر أمر نادر ولم نسمع بها في أمثال زماننا فبهذين الأمرين تكون الرواية ظاهرة في التولد مع الدم أو تحمل عليه لا محالة.

إذا انقطع دمها على العشرة أو قبلها‌

(١) قد عرفت أن الدم الذي تراه المرأة أيام عادتها بعد الولادة أو إلى عشرة أيام نفاس ، ويترتب عليه أحكامه بلا فرق في ذلك بين استمراره وعدمه.

وإنما الكلام في النقاء المتخلّل وأنها إذا رأت يوماً وطهرت يوماً وهكذا ، فهل يكون الطّهر المتخلّل بحكم النّفاس أو أنها إذا رأت الدم حكم بنفاسه ، وإذا طهرت فهي بحكم الطاهرة.

لعلّ المشهور بينهم أن النقاء المتخلل بحكم النّفاس ، نظراً إلى إطلاق ما دلّ على أن أقلّ الطّهر عشرة أيام ، فإذا كان أقل فهو بحكم الحيض في الحيض والنّفاس في النّفاس.

والصحيح أن الأمر ليس كذلك ، إذ لم نعثر على رواية تدلّ على أن أقل الطّهر عشرة أيام مطلقاً ، وإنما استفدنا ذلك في الحيض من مثل قوله عليه‌السلام : ما تراه المرأة قبيل العشرة فهو من الحيضة الأُولى ، وما تراه بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة (٢) ومما يدل على أن أكثر الحيض عشرة أيام (٣) وغير ذلك مما قدمناه في محلِّه.

__________________

(*) الظاهر أنّ النقاء المتخلّل بحكم النّفاس كما في الحيض.

(١) الوسائل ٢ : ٢٩٦ / أبواب الحيض ب ١٠ ح ١١ ، ٢٩٨ / ب ١١ ح ٣ ، ٢٩٩ / ب ١٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٩٣ / أبواب الحيض ب ١٠.

١٧٢

بين أعمال النّفساء والطّاهر ، ولا فرق في ذلك بين ذات العادة العشرة أو أقل وغير ذات العادة.

______________________________________________________

لدلالته على أن الحيض لا يتحقق إلاّ بعد الطّهر بعشرة أيام ، وأمّا في غيره كالحيض والنّفاس أو في النفاسين فلا دليل على أن أقل الطّهر بينهما عشرة أيام ، بل يمكن أن تلد أحد التوأمين وتنقضي مدة نفاسها كخمسة أيام مثلاً وبعد ذلك بيوم تلد الآخر.

وأمّا ما ورد في رواية يونس من قوله عليه‌السلام « ولا يكون الطّهر أقل من عشرة أيام » (١) فهي إنما وردت في الحائض ، ومن ثمة فرعت عليه قوله عليه‌السلام « فإذا حاضت المرأة وكان حيضها خمسة أيام ثم انقطع الدم اغتسلت وصلّت ، فإن رأت بعد ذلك الدم ولم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام فذلك من الحيض ».

على أنها ضعيفة بالإرسال ، وهي غير مرسلته الطويلة التي اعتمدنا عليها في بحوث الحيض.

فالصحيح أن يستدل على ذلك بالمطلقات الدالة على أن النّفساء تقعد أيامها التي كانت تقعد فيها في حيضها أو أيام قرئها (٢) ، فإن مقتضى هذه المطلقات أن النّفساء لا بدّ من أن تقعد سبعة أيام مثلاً من يوم رأت الدم إذا كانت عادتها في الحيض سبعة أيام.

بلا فرق في ذلك بين استمرار دمها في تلك الأيام من غير انقطاع وبين انقطاعه في الوسط يوماً أو أقل أو أكثر ، وذلك لأن انقطاع الدم في أيام العادة ثم عوده لو لم يكن أكثريّاً في النساء فلا أقل من كونه أمراً متعارفاً فلا محالة تشمله الإطلاقات ولا سيما فيما إذا كانت مدة الانقطاع قليلة كما بين الطلوعين ونحوه.

ففي النقاء المتخلّل بين النّفاس أيضاً لا بدّ من أن تعمل عمل النّفساء بمقتضى‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٩٩ / أبواب الحيض ب ١٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٨١ / أبواب النّفاس ب ١ ، ٣.

١٧٣

وإن لم تر دماً في العشرة فلا نفاس لها (١) ، وإن رأت في العشرة وتجاوزها فإن كانت ذات عادة في الحيض أخذت بعادتها سواء كانت عشرة أو أقل وعملت بعدها عمل المستحاضة وإن كان الأحوط الجمع إلى ثمانية عشر كما مرّ. وإن لم تكن ذات عادة كالمبتدئة والمضطربة فنفاسها عشرة (١) أيام ، وتعمل بعدها عمل المستحاضة مع استحباب الاحتياط المذكور (٢).

______________________________________________________

الإطلاقات. هذا في النّفساء ذات العادة ، فإذا كان النقاء المتخلل بحكم النّفاس في ذات العادة كان الحكم كذلك في غير ذات العادة ، لعدم الفرق بينهما من حيث النقاء.

لا نفاس لها إذا لم تر دماً في العشرة‌

(١) أمّا على مسلكه قدس‌سره من أن مبدأ الحساب في العشرة وفي أيام العادة هو الولادة ، فلأن أيام النّفاس قد انقضت ورأت الدم بعد العشرة فلا نفاس لها.

وأمّا بناء على أن مبدأ الحساب زمان رؤية الدم كما هو الصحيح ، لأن الأحكام مترتبة على رؤيته ولا أثر للولادة المجردة فلأن الأحكام مترتبة على رؤية دم النّفاس أي الدم المستند إلى الولادة ، ومن المطمأن به أن الدم الخارج بعد الولادة بعشرة أيام غير مستند إلى الولادة ، وإنما يستند إلى الاستحاضة وغيرها ، ولا أقل من الشك في استناده إلى الولادة ، ومعه لا يحكم عليه بالأحكام المترتبة على النّفاس.

إذا تجاوز دمها عن العشرة‌

(٢) وذلك أمّا في ذات العادة فللأخبار الدالّة على أن النّفساء تقعد أيامها التي كانت تقعد فيها في حيضها ، أو أيام قرئها (٢) ، وهذا ظاهر.

__________________

(*) الأحوط لغير ذات العادة أن تأخذ بعادة أرحامها ثمّ تحتاط إلى العشرة.

(١) الوسائل ٢ : ٣٨١ و ٣٨٢ / أبواب النّفاس ب ١ و ٣.

١٧٤

وأمّا غير ذات العادة كما إذا ولدت من غير أن ترى الحيض وإن كان بعيداً أو ترى الحيض إلاّ أنها غير مستقرة العادة فنفاسها عشرة أيام.

والحكم في غير ذات العادة بأن نفاسها عشرة أيام مع أنه لم يرد في شي‌ء من النصوص والأخبار المتقدِّمة دلّت على أن الزائد عن العشرة ليس بنفاس ولم تدلّ على أن نفاس غير ذات العادة عشرة أيام إنما هو من جهة أن المطلقات الواردة في أن النّفساء تترك صلاتها وصيامها (١) قد أثبتت الحكم على عنوان النّفساء من غير أن تحدّد النّفساء بشي‌ء ، واللاّزم حينئذ الرجوع في تعيين موضوع النّفساء إلى العرف ولا إشكال في صدقه على المرأة إلى عشرة أيام ، والعشرة هي القدر المتيقن بين جميع المسلمين كما مرّ.

بل لولا الأخبار الواردة في التحديد وأن النّفاس لا يزيد على العشرة كنّا نرجع إلى الصدق العرفي في الزائد عن العشرة أيضاً ، فإن النّفساء يصدق على الوالدة إلى شهر بل إلى شهرين إذا استمر دمها ، وإنما لا يرجع إليه في الزائد للأخبار المحددة. وحيث لا تحديد في غير الزائد فلا مناص من الرجوع إلى العرف ، فالحكم بالنفاس إلى عشرة أيام لا يحتاج إلى دليل ، فإذا تحققت الصغرى بالصدق العرفي انضمت إليها الكبرى المتقدمة ، وبهما يحكم بأن النّفاس في غير ذات العادة عشرة أيام.

وعلى الجملة : إن الحكم بالنفاس إلى عشرة لا يحتاج إلى دليل ، وإنما المحتاج إلى الدليل هو الحكم به فيما زاد على العشرة وإن كان الأحوط هو الجمع إلى ثمانية عشر يوماً كما مرّ.

هذا بحسب الفتوى ، والأحوط في غير ذات العادة أن ترجع إلى عادة نسائها من أُمّها أو أُختها ثم تحتاط إلى العشرة.

والوجه في ذلك : رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : النّفساء إذا ابتليت بأيام كثيرة مكثت مثل أيامها التي كانت تجلس قبل ذلك ، فاستظهرت بمثل‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٨١ ، ٣٨٢ ، ٣٩٤ / أبواب النّفاس ب ١ ، ٣ ، ٦ وغيرها.

١٧٥

ثلثي أيامها ثم تغتسل وتحتشي وتصنع كما تصنع المستحاضة ، وإن كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت جلست بمثل أيام أُمّها أو أُختها أو خالتها واستظهرت بثلثي ذلك ثم صنعت كما تصنع المستحاضة ، تحتشي وتغتسل » (١).

حيث دلّت على أن المبتدئة ترجع إلى عادة نسائها ، إلاّ أنها غير قابلة للاستدلال بها على الوجوب ، لضعف سندها بيعقوب الأحمر وبعدم توثيق سند الشيخ إلى علي بن حسن بن فضال (٢) ، ومدلولها يشتمل على أمرين لا يلتزم بهما المشهور ، بل لا قائل بأحدهما من أصحابنا فيما نعلم.

أحدهما : اشتمالها على أنها تستظهر بثلثي أيامها ، فإنّه قد يستلزم زيادة نفاسها على عشرة أيّام كما إذا كانت عادتها تسعة أيام ، فإنها إذا انضمت إلى الستّة الّتي هي ثلثا أيامها كانت أيام نفاسها خمسة عشر يوماً ، وهو خلاف المشهور كما مرّ.

وثانيهما : اشتمالها على أنّها ترجع إلى أيام عادتها في النّفاس لا في الحيض ، حيث قال « وإن كانت لا تعرف أيام نفاسها ... » لدلالته على أنّ المراد بالأيام في الرواية هو أيام النّفاس دون الحيض ، وهو مما لا قائل به فيما نعلم وإن كان ظاهر صاحب الوسائل أنّه يقول به.

وقد ورد ذلك في رواية محمّد بن يحيى الخثعمي قال « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن النّفساء ، فقال : كما كانت تكون مع ما مضى من أولادها وما جرّبت قلت : فلم تلد فيما مضى ، قال : بين الأربعين إلى الخمسين » (٣).

إلاّ أنّها ضعيفة السند بالقاسم بن محمّد الجوهري (٤) ولأجله احتطنا برجوع غير ذات العادة إلى عادة نسائها ثمّ الاحتياط بالجمع إلى العشرة.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٨٩ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ٢٠.

(٢) وقد عرفت الكلام في ذلك قريباً في الصفحة ١٧١.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٨٨ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ١٨.

(٤) وقد عدل عن ذلك ( دام ظلّه ) أخيراً وبنى على وثاقة كل من وقع في أسانيد كامل الزيارات ، والقاسم بن محمّد الجوهري كذلك.

١٧٦

[٨١٢] مسألة ٣ : صاحبة العادة إذا لم تر في العادة أصلاً (١) ورأت بعدها وتجاوز العشرة لا نفاس لها‌ (*) على الأقوى (٢) ،

______________________________________________________

صاحبة العادة إذا لم تر في العادة‌

(١) ذات العادة إذا ولدت قد ترى الدم بعدد أيامها أو زائداً عليها من غير تجاوزه العشرة ، وقد يتجاوز دمها العشرة.

فإن رأته بعدد أيامها أو زائداً من غير تجاوز العشرة فتأخذ الجميع نفاساً بمقتضى الأخبار المتقدمة ، وإذا تجاوز العشرة رجعت إلى عادتها وتجعله في أيامها نفاساً وفي الزائد استحاضة كما تقدم.

وقد ترى ذات العادة الدم في بعض عادتها لا في تمامها ، وهذا قد يكون من الطرف الأوّل وقد يكون من الأخير :

أمّا إذا رأت الدم في أوّل عادتها فانقطع ثمّ عاد بعد ذلك ، فإن عاد بعد العشرة فلا إشكال في أنّ الدم العائد ليس بنفاس ، لأنّه دم رأته ذات العادة بعد عادتها وبعد عشرة أيام ، وإنّما النّفاس هو الدم الأوّل فقط لأنّه دم رأته في أيامها.

وأمّا إذا عاد قبل انقضاء عادتها وبعده لكن قبل العشرة فكلا الدمين نفاس ، لأنّهما دمان رأت ذات العادة أحدهما في عادتها والآخر قبل العشرة فهما نفاس ، والحكم في النقاء المتخلل بينهما ما قدمناه فلا نعيد ، وهذا لعله ظاهر ولم يتعرض له الماتن قدس‌سره.

وأمّا إذا رأت الدم في البعض الآخر من عادتها فيأتي الكلام عليه بعد التعليقة الآتية إن شاء الله.

(٢) مع العلم باستناد الدم إلى الولادة ، وهذه المسألة مبتنية على الخلاف في أن‌

__________________

(*) فيه إشكال فلا يترك الاحتياط في تمام زمان رؤية الدم إذا لم يتجاوز العشرة ، وإلاّ فبمقدار العادة ، وبذلك يظهر الحال في بقية هذه المسألة.

١٧٧

وإن كان الأحوط الجمع إلى العشرة بل إلى الثمانية عشر مع الاستمرار إليها ، وإن رأت بعض العادة (١)

______________________________________________________

حساب مبدأ العشرة أو أيام العادة من زمان الولادة أو زمان رؤية الدم.

فعلى مسلك المصنف قدس‌سره من أنّهما يحسبان من يوم الولادة فالأمر كما أفاده ، لأنّه دم رأته المرأة بعد أيام عادتها وبعد العشرة وقد تجاوز أيام نفاسها ورجوع ذات العادة إلى عادتها عند تجاوز دمها العشرة إنّما هو فيما إذا رأت الدم في عادتها وتجاوز العشرة ، دون ما إذا لم تر في عادتها دماً وإنّما رأته بعدها.

وأمّا بناءً على ما قويناه من أنّهما يحسبان من يوم رؤية الدم فلا فرق بين تجاوز الدم العشرة من الولادة وعدمه ، فإنّ المدار على مضي العشرة أو أيام العادة بعد زمان الدم ولو تجاوز العشرة أو أيام العادة بعد الولادة ، لأنّها لا أثر لها ، والأثر مترتب على أيام العادة أو العشرة بعد زمان الدم ، والمفروض عدم تجاوزهما وكون الدم مستنداً إلى الولادة على الفرض ، فما رأته ذات العادة بعد أيامها من الولادة وتجاوز العشرة أيضاً نفاس إذا لم يتجاوزهما من زمان رؤية الدم.

(١) هذه هي الصورة الثانية من الصورتين المتقدمتين ، أعني ما إذا رأت ذات العادة الدم في البعض الآخر من أيامها وتجاوز العشرة.

وقد ذكر الماتن قدس‌سره أنّها تأخذ بما رأته في البعض الآخر من أيامها نفاساً وتكمل عدد أيامها بعده إلى العشرة. مثلاً إذا كانت عادتها سبعة ورأت الدم من اليوم الثاني من الولادة وتجاوز العشرة جعلت اليوم الثامن أيضاً نفاساً ، لأنّه به يكمل عدد أيامها ، فلو رأت الدم من اليوم الثالث جعلت اليوم التاسع نفاساً ، ولو رأته من اليوم الرابع جعلت اليوم العاشر نفاساً ، وأمّا إذا رأته من اليوم الخامس فتجعل نفاسها إلى العشرة ولا تكمل عدد أيامها من اليوم الحادي عشر.

١٧٨

ولم تر البعض من الطرف الأوّل وتجاوز العشرة أتمتها بما بعدها إلى العشرة دون ما بعدها ، فلو كانت عادتها سبعة ولم تر إلى اليوم الثامن فلا نفاس لها ، وإن لم تر اليوم الأوّل جعلت الثامن أيضاً نفاساً وإن لم تر اليوم الثاني أيضاً فنفاسها إلى التاسع ، وإن لم تر إلى الرابع أو الخامس أو السادس فنفاسها إلى العشرة ولا تأخذ التتمّة من الحادي عشر فصاعداً. لكن الأحوط الجمع فيما بعد العادة إلى العشرة بل إلى الثمانية عشر مع الاستمرار إليها.

______________________________________________________

وهذا الّذي أفاده لا يتم على مسلكنا ولا على مسلكه قدس‌سره ، أمّا على مسلكنا لا يتم ، فلمّا تقدّم من أنّ المدار على زمان رؤية الدم ، ومنه تحسب أيام العادة أو العشرة لا من يوم الولادة ، وعليه فقد رأت الدم في مجموع أيام عادتها في المثال لا في بعضها الآخر ، وهذا ظاهر.

وأمّا على مسلكه قدس‌سره لا يتم ، فلأن لازمه الاقتصار في النفاسية على ما رأته في البعض الآخر من عادتها ولا موجب للإكمال إلى العشرة ، إذ بانقضاء عدد أيامها من يوم الولادة تنقضي عادتها ، والدم الّذي رأته المرأة بعد عادتها مع التجاوز عن العشرة لا يحسب نفاساً كما مرّ.

وإن جعل قدس‌سره المبدأ هو اليوم الّذي رأت فيه الدم فلما ذا لم يحكم بالتكميل بعد العشرة أيضاً؟ إذ على ذلك لم تنقض أيام عادتها ، فلا بدّ من إكمالها بعد العشرة أيضاً ، فالجمع بين الإكمال إلى العشرة وعدمه بعد العشرة غير ممكن على مسلكه قدس‌سره.

نعم ، هناك شي‌ء وعليه اعتمد الماتن قدس‌سره فيما أفاده من غير إشكال ، وهو أن مبدأ الحساب في العشرة هو زمان الولادة ، وأمّا في أيام العادة فالمبدأ هو زمان رؤية الدم استظهاراً من الأخبار الدالّة على أن النّفساء تقعد أيامها أي من زمان‌

١٧٩

ظهور الدم (١) ، وعليه يتم ما أفاده من الحكم بالتتميم إلى العشرة وعدمه بعد العشرة.

ولكن يرد عليه أوّلاً : أنّه على ذلك لا بدّ من الحكم بالنفاس فيما إذا رأت ذات العادة بعد أيامها من الولادة إلى العشرة ، مع أنّه حكم قدس‌سره في المسألة السابقة بأنّها إذا رأته بعد أيامها من الولادة وتجاوز العشرة لا نفاس لها ، لأنّ المبدأ إنّما هو زمان رؤية الدم على الفرض ، ولم تنقض عشرة أيام من زمان رؤية الدم.

وثانياً : أنّ الدليل على أنّ النّفاس لا يزيد على عشرة أيام هو بعينه الدليل الّذي دلّ على أن ذات العادة تقعد أيامها وقرأها ، وذلك لما قدمناه من أنّه لا دليل على عدم كون النّفاس زائداً على العشرة إلاّ ما ورد من أن ذات العادة تقعد أيامها وتستظهر بيوم أو يومين أو بعشرة (٢) ، لدلالتها على أنّ النّفاس لا يزيد على عشرة أيام.

وهذه الأخبار واردة في ذات العادة الّتي تقعد أيامها ، والمفروض أن مبدأ حسابها يوم رأت فيه الدم ، ومع الوحدة في الدليل كيف يمكن جعل مبدأ الحساب في ذات العادة من يوم رؤية الدم وجعل منتهى العشرة من يوم الولادة ، إذ ربما يكون أيام عادتها الّتي مبدؤها يوم رؤية الدم مع ما تقدمه من أيام الولادة زائداً على العشرة ، كما إذا رأت الدم في اليوم الرابع من عادتها وكانت عادتها سبعة أيام ، لأنّها إذا احتسبت من يوم الدم بالإضافة إلى عادتها ومن يوم الولادة بالإضافة إلى عشرة أيام ، لكان المجموع إحدى عشر يوماً مع أن أكثر النّفاس عشرة أيام.

وعلى الجملة مع وحدة الدليل كيف يصح التفكيك في مبدأ الحساب بين العشرة وأيام العادة؟ اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ الإجماع قائم على عدم النّفاس بعد العشرة من الولادة بخلاف أيام العادة.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٨١ ، ٣٨٢ / أبواب النّفاس ب ١ ، ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥ ، ٣٨٣ ، ٣٨٤ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٥.

١٨٠