موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٨٠٥] مسألة ١٩ : يجوز للمستحاضة قضاء الفوائت مع الوضوء والغسل وسائر الأعمال لكل صلاة‌ ، ويحتمل جواز اكتفائها بالغسل للصلوات الأدائية لكنّه مشكل (١) والأحوط ترك القضاء (*) إلى النقاء.

______________________________________________________

وأمّا الإجماع على أن المستحاضة إذا أتت بوظائفها فهي بحكم الطاهرة فقد قدّمنا (٢) ما فيه ، وذكرنا أن المراد به أنها بحكم الطاهرة بالإضافة إلى صلاتها ، بمعنى أن الدم الخارج منها بعد الإتيان بوظائفها لا يكون حدثاً ناقضاً لصلاتها وطهارتها في حال الصلاة ، وأمّا أنها بحكم الطاهرة بالإضافة إلى كل فعل مشروط بالطهارة فهو محتاج إلى الدليل.

وغاية ما يمكن استفادته من الأخبار أن تلك الأفعال منها موجبة لاستباحة الصلاة في حقها ، وعليه فالمس المستحب في نفسه مورد الإشكال في حقها.

نعم ، ذهب الأصحاب قدس‌سرهم إلى جواز مسّ المستحاضة إذا أتت بوظائفها وأرسلوه إرسال المسلّمات ، فإن ثبت وتم إجماعهم فهو ، وإن لم يثبت فالاحتياط اللاّزم يقتضي تركها المسّ المندوب بلا فرق بين أقسام الاستحاضة.

جواز القضاء للمستحاضة‌

(١) يقع الكلام في ذلك من جهتين :

الجهة الاولى : في مشروعية القضاء في حقها أو أنها تصبر حتى يرتفع حدث الاستحاضة.

الظاهر عدم مشروعية القضاء في حقها ، لما استفدناه من الأخبار من أن الاستحاضة حدث وإن جاز لها الفرائض بعد اغتسالها مرة أو ثلاث مرات ، بمعنى أن الدم الخارج عنها حال غسلها أو بعده أو في أثناء الصلاة لا يكون ناقضاً لطهارتها ، إلاّ أنها محدثة‌

__________________

(*) لا يترك الاحتياط بل لا يبعد أن يكون ذلك هو الأظهر.

(١) في ص ١٢٩.

١٤١

كصاحب السلس ، ومن هنا وجب عليها أن تتوضأ أو تغتسل للصلوات الآتية وإن لم تحدث في أثنائها بحدث آخر ، ومع الحدث كيف يسوغ لها القضاء.

وبعبارة اخرى : إن صلاة المستحاضة اضطرارية من جهة عدم طهارتها من الحدث ، والقضاء واجب موسع له أفراد اختيارية ، فكيف تأتي بالفرد الاضطراري مع التمكّن من الأفراد الاختيارية ، ولا سيما في المستحاضة المبتلاة بنجاسة البدن غالباً وصلاتها اضطرارية من هذه الجهة أيضاً ، مع أنه لم يقم دليل على عدم مانعية دم الاستحاضة في قضائها ، فلا بد من أن تصبر حتى ترتفع استحاضتها.

الجهة الثانية : لو بنينا على عدم مشروعية القضاء في حقها إلاّ أن الوقت ضاق ولو لأجل اطمئنانها أو ظنّها بالموت بعد ذلك بحيث لا تتمكن من الصلاة الاختيارية بوجه فطهارتها لصلاة القضاء ما هي؟ احتمل الماتن وجهين في المسألة :

أحدهما : أن تأتي بقضاء الفوائت مع الوظائف المقررة للمستحاضة ، فكما أنها إذا اغتسلت وأتت بباقي وظائفها المتقدمة كتبديل القطنة جازت الفرائض اليومية لها كذلك جاز لها قضاء ما فاتها من الصلوات ، لأن الأغسال طهارة في حقها.

وثانيهما : أن تأتي بالقضاء بالوضوء والغسل مستقلّين ، فكما أنها تغتسل لفرائضها الأدائية كذلك تغتسل غسلاً على حدة وتأتي بالقضاء.

أمّا الاحتمال الأوّل فيدفعه أن غسلها للفرائض إنما يستباح به الصلاة فحسب ، ولا يكون موجباً لطهارتها حتى يصح منها القضاء ، بل هي محدثة مع اغتسالها ومن ثمة لا بدّ أن تتوضأ أو تغتسل للصلاة الثانية والثالثة.

ولا وجه لتوهّم كون الغسل موجباً لطهارتها سوى الإجماع المتقدِّم (١) من أن المستحاضة إذا أتت بوظائفها فهي بحكم الطاهرة ، إلاّ أنك عرفت أن معناه أنها طاهرة بالإضافة إلى صلواتها الفرائض الأدائية ، وأن الدم الخارج منها أثناء غسلها أو بعده أو أثناء صلاتها لا يكون ناقضاً لصلاتها ، لا أنها بحكم الطاهرة بالإضافة إلى كل فعل مشروط بالطهارة.

__________________

(١) في ص ١٢٩.

١٤٢

[٨٠٦] مسألة ٢٠ : المستحاضة تجب عليها صلاة الآيات‌ (١) وتفعل لها (*) كما تفعل لليومية (٢) ، ولا تجمع بينهما بغسل وإن اتفقت في وقتها.

______________________________________________________

كيف وقد مرّ أنها مكلفة بالوضوء والاغتسال لصلواتها الثانية والثالثة ، فهذا الوجه لا دليل عليه وبذلك يترجح الوجه الثاني وهو أن يقال :

إن الغسل كما أنه طهارة في حقها بالإضافة إلى صلواتها الأدائية فهو طهارة بالإضافة إلى صلواتها القضائية أيضاً ، لأنها فرائض ، غاية الأمر أنها قضائية ، فتغتسل للقضاء وتقضي صلواتها ، إلاّ أنه أيضاً مما لا يمكن المساعدة عليه ، لعدم قيام الدليل على أن الغسل طهارة في حق المستحاضة وإنما دلّت الأخبار على أن غسلها طهارة لفرائضها الأدائية وحسب ، فلم يقم دليل على وجوب الغسل في حقها للقضاء ، بل مقتضى عموم موثقة سماعة وغيرها « تتوضأ لكل صلاة » (٢) أن طهارتها للصلاة إنما هي الوضوء ، فإن القضاء أيضاً صلاة فتتوضأ لها وتأتي بالقضاء ، ومن هنا قلنا إنها تأتي بالنوافل مع الوضوء لكل نافلة.

وأمّا من جهة نجاسة بدنها فلا بد من تقليلها بالمقدار الممكن ، وهذا لا فرق فيه بين المستحاضة وغيرها ، ومن هنا يظهر الحال في حكم المسألة الآتية أيضاً.

وجوب صلاة الآيات على المستحاضة‌

(١) لإطلاق أدلّة وجوبها (٣) ، وليست هي كالحائض غير مكلفة بالفرائض وغيرها.

(٢) كما ذكره في قضائها ، نظراً إلى أن الغسل طهارة لفرائضها وصلاتها ، وصلاة الآيات أيضاً طهارتها الاغتسال.

__________________

(*) وجوب الغسل لها مبنيّ على الاحتياط.

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٤ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٦ وكذا ٣٧١ / ح ١.

(٢) الوسائل ٧ : ٤٨٣ ٤٨٧ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١ ، ٢.

١٤٣

[٨٠٧] مسألة ٢١ : إذا أحدثت بالأصغر في أثناء الغسل لا يضر بغسلها‌ على الأقوى (١) ، لكن يجب عليها الوضوء بعده وإن توضأت قبله.

______________________________________________________

ويدفعه ما تقدّم من أن الغسل لم يقم دليل على كونه طهارة للمستحاضة ، بل مقتضى إطلاق الموثقة المتقدِّمة (١) كفاية الوضوء لصلاتها ، وصلاة الآيات صلاة فتتوضأ لها وتأتي بها.

الحدث الأصغر في أثناء غسلها‌

(١) والوجه فيما أفاده أن الوضوء والغسل في حق المستحاضة وإن كانا موجبين لطهارتها بالإضافة إلى صلاتها ، وهما يرفعان حدثها للصلاة ، إلاّ أنه لا يحتمل أن يكون وضوءها السابق على اغتسالها على تقدير كونها تتوضأ قبله موجباً لارتفاع حدثها الأصغر الواقع بعده في أثناء غسلها ، إذ الوضوء إنما يرفع الأثر الحادث قبله لا بعده ، ولذا ورد « إذا بلت فتوضأ » (٢) ، فلا بد من أن ترفعه بالوضوء بعد اغتسالها ، ولم يقم دليل على كون الحدث الأصغر ناقضاً لغسلها ، فيتم غسلها في مفروض الكلام وتأتي بالوضوء بعده من جهة البول الواقع في أثناء غسلها.

ولا ينافي ما ذكرناه في المقام من أن الحدث الأصغر الواقع في أثناء غسل الاستحاضة غير ناقض له ، لما قدمناه في غسل الجنابة (٣) من أن الجنب لو أحدث بالأصغر في أثنائه بطل غسله ولا بدّ من استئنافه ، وذلك لقيام الدليل على انتقاض غسل الجنابة بالحدث الأصغر في أثنائه ، بخلاف غسل الاستحاضة ، والدليل كما أسلفناه قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (٤) ،

__________________

(١) آنفاً.

(٢) الوسائل ١ : ٢٤٨ / أبواب نواقض الوضوء ب ٢ و ...

(٣) في شرح العروة ٧ : ١٩.

(٤) المائدة ٥ : ٦.

١٤٤

[٨٠٨] مسألة ٢٢ : إذا أجنبت في أثناء الغسل أو مست ميتاً استأنفت غسلاً واحداً لهما‌ ، ويجوز لها إتمام غسلها واستئنافه لأحد الحدثين إذا لم يناف المبادرة إلى الصلاة بعد غسل الاستحاضة (١) ،

______________________________________________________

لأنه يدل على أن المحدث على قسمين : جنب وغير جنب ، فإن كان جنباً وجب عليه أن يغتسل ، وإن كان غير جنب وجب عليه أن يتوضأ ، فكل محدث ليس جنباً يجب عليه أن يتوضأ ، وقد خرجنا عنه في غسل مسّ الميِّت والحيض والاستحاضة ونحوها بالدليل الذي دلّ على أنهم لا بدّ أن يغتسلوا.

وبما أن الجنابة ترتفع بعد انتهاء الغسل فلو أحدث بالأصغر في أثنائه صدق أنه بالفعل محدث بالجنابة ، فيشمله إطلاق الآية المباركة ( فَاطَّهَّرُوا ) ، وظاهره إيجاد الغسل واستئنافه ، والاحتياط بالتوضؤ بعد غسل الجنابة حينئذ لا بأس به ، إلاّ أنه مع كون الغسل ترتيبياً ضعيف كما مر في محله.

وهذا بخلاف غسل الاستحاضة لعدم تقييد دليلها بعدم الحدث الأصغر في أثنائه ، بل ورد الأمر بالاغتسال لها (١) مطلقاً كانت محدثة بالأصغر أم لا ، وعليه فلها أن تتم غسلها ، وهو صحيح ، غاية الأمر أنها حيث أحدثت بالأصغر وهو موجب للوضوء لا بدّ أن تتوضأ بعد غسلها ، لأنه مقتضى الجمع بين ما دلّ على حدثية البول في أثناء الاغتسال وما دلّ على صحة غسلها من الاستحاضة. وإن ذهب الماتن في غسل الجنابة أيضاً إلى عدم انتقاضه بالحدث الأصغر الواقع في أثنائه كالمقام ، ولكن ما أفاده في المقام متين دون ما ذكره في غسل الجنابة.

لو أجنبت المستحاضة أثناء غسلها‌

(١) وذلك لأن المأمور به في حقها هو الغسل المتعقب بالصلاة ، ومع إتمامها غسل الاستحاضة واستئنافها بعده غسلاً للجنابة أو المسّ ينفصل غسل الاستحاضة عن‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١.

١٤٥

وإذا حدثت الكبرى في أثناء غسل المتوسطة استأنفت للكبرى (١).

______________________________________________________

الصلاة فلا يكون مشروطاً ومأموراً به في حقها ، فما أفاده قدس‌سره من هذه الجهة متين.

إلاّ أنها إذا أتمت ما بيدها من غسل الاستحاضة غفلة أو جهلاً بالحكم ، فإن كان الغسل الذي تأتي به بعده غسل الجنابة فلا إشكال في أنه يغني عن كل غسل ، فلو صلّت بعده فكأنها صلّت بعد غسل الاستحاضة فهو متصل بالصلاة.

وإن كان غسل مسّ الميِّت فهو مبني على ما تقدم من النزاع في أن كل غسل يغني عن كل غسل ، فإن قلنا به كما هو الصحيح فهو ، وإلاّ فإن قلنا بعدم إغنائه مطلقاً أو فيما إذا لم ينو بقية الأغسال أي يقع في الخارج ما نواه ، فلا بدّ للمستحاضة بعد ما أتمت ما بيدها من الغسل واغتسالها بعده لأجل المسّ أن تغتسل للاستحاضة ثانياً ، لفرض أنها اغتسلت للمس من غير أن تنوي غسل الاستحاضة أيضاً ، وتصلِّي بعده حتى لا ينفصل الغسل عن صلاتها.

(١) ولا تكون مخيرة بين إتمامه ثم استئناف الغسل للكبرى وبين رفع اليد عنه وإتيانها الغسل للكبرى كما كانت مخيرة بينهما في الفرع السابق ، وذلك لأن الموضوع في المقام قد تبدل ، وبه يتبدل حكمه ، حيث إن المتوسطة موضوع وحكمه الغسل مرة واحدة ليومها وليلتها ، والكثيرة موضوع آخر وحكمها ثلاثة أغسال أو خمسة ، فإذا تبدلت المتوسطة بالكثيرة فقد تبدل موضوع بموضوع آخر ، ومع ارتفاع الموضوع يرتفع حكمه ، فالغسل المأتي به للمتوسطة غير مأمور به إذ لا موضوع له ، فلا بد من الاغتسال رأساً للكثيرة ، لتحقق موضوع الغسل والحكم تابع لفعلية الموضوع لا محالة.

وهذا بخلاف الفرع السابق ، لأن الموضوع من التوسط أو الكثرة كان فيه بحاله وإن حدثت الجنابة في أثنائه ، فإن الجنابة حدث آخر فتغتسل منه أيضاً.

١٤٦

[٨٠٩] مسألة ٢٣ : قد يجب على صاحبة الكثيرة بل المتوسطة أيضاً خمسة أغسال‌ (١) كما إذا رأت (*) أحد الدمين قبل صلاة الفجر ثم انقطع ثم رأته قبل صلاة الظهر ثم انقطع ثم رأته عند العصر ثم انقطع ، وهكذا بالنسبة إلى المغرب والعشاء.

______________________________________________________

قد تجب على المستحاضة خمسة أغسال‌

(١) وهذا غير ما قدمناه من أن الكثيرة على تقدير تفريق صلواتها يجب عليها أغسال خمسة ، لأن ذلك مختص بالكثيرة ، وكلامه في المقام أعم منها ومن المتوسطة كما أوضحه في المتن ، بأن رأت أحد الدمين من المتوسط أو الكثير قبل الفجر واغتسلت له وصلّت ، ثم انقطع وعاد ثانياً قبل صلاة الظهر واغتسلت له وصلّت الظهر ، ثم انقطع وعاد قبل صلاة العصر ، وهكذا في المغرب والعشاء.

وليعلم أن انقطاع الدم قد يفرض بعد الصلاة وقبل خروج الوقت في زمان يسع الصلاة مع الطهارة ، وفي هذه الصورة لا إشكال في أنها يجب أن تعيد صلاتها وغسلها كما تقدم في حكم الفترة الواسعة ، إلاّ أنه خارج عن محل الكلام ، لأنه ليس من باب وجوب الأغسال خمس مرات ، بل من جهة انكشاف بطلان غسلها وصلاتها السابقين ، لكشف الانقطاع عن عدم كونهما مأموراً بهما وكونها مصلية عن طهر ، لأن ما أتت به كان صلاة اضطرارية ، ومع التمكّن من الفرد الاختياري لا أمر بالاضطراري بلا فرق في ذلك بين المتوسطة والكثيرة وبين أن تغتسل غسلاً واحداً أو غسلين وصلّت صلاة واحدة أو صلاتين كما في الظهرين والعشاءين ، فهذه الصورة خارجة عن محل الكلام.

فالمراد بالانقطاع في كلام الماتن لا بدّ أن يراد انقطاع الدم في الوقت مع عدم كون الزمان واسعاً للصلاة مع الطهارة ، كما إذا رأت الدم قبل صلاة الفجر واغتسلت‌

__________________

(*) الحكم بوجوب خمسة أغسال في هذا الفرض مبنيّ على الاحتياط.

١٤٧

وصلّت فانقطع قبيل طلوع الشمس بزمان لا يسع الصلاة والطهارة معاً ، ثم عاد قبل صلاة الظهر واغتسلت وصلّت فانقطع قبل خروج وقتها بزمان غير واسع ، وهكذا في العصر والمغرب والعشاء.

أو يراد به الانقطاع بعد الوقت ، كما إذا رأته قبل صلاة الفجر واغتسلت وصلّت وبعد طلوع الشمس انقطع ثم عاد قبل صلاة الظهر وانقطع بعد خروج وقتها وهكذا.

وإما أن يراد به الانقطاع قبل العمل ، كما إذا رأته قبل الفجر على صفة التوسط أو الكثرة وانقطع قبل صلاة الفجر ، وهكذا في الظهر وغيره حيث يجب عليها في تلك الفروض خمسة أغسال للانحلال ، فإن كل دم تراه فينقطع موضوع مستقل يجب معه الغسل ، هذا.

ولكن لا يمكن المساعدة عليه.

وذلك أمّا أوّلاً : فلإطلاق ما دلّ على وجوب غسل واحد للاستحاضة المتوسطة لأوّل صلاة بعده ليومها وليلتها ، وثلاثة أغسال للكثيرة على تقدير جمعها بين الصلوات ، فإنه مطلق من حيث انقطاع الدم واستمراره.

وأمّا ثانياً : فلأن انقطاع دم الاستحاضة لا يمكن أن يكون أشد حكماً من استمراره حسب المرتكز العرفي ، بمعنى أن كون الانقطاع موجباً للغسل دون الاستمرار على خلاف المرتكز العرفي ، فكيف يمكن أن يقال إن دم الاستحاضة المتوسطة لو استمر في جريانه فلا يجب إلاّ غسل واحد ، وأمّا إذا انقطع ثم عاد فيجب خمسة أغسال ، أو إنه إذا استمر في الكثيرة يجب ثلاثة أغسال مع الجمع بين الصلوات ، وأمّا مع الانقطاع فيجب خمسة أغسال ، لأنه خلاف المرتكز العرفي.

على أنّا ذكرنا أن استمرار دم الاستحاضة بحيث لا ينقطع ولو دقيقة قليل جدّاً أو لا يتّفق أصلاً ، فإن الانقطاع أمر عادي للنساء ولا يجري منهن الدم دائماً ، ومع ذلك لم تؤمر المستحاضة إلاّ بغسل واحد أو بثلاثة ، فلو كان الانقطاع موجباً للغسل لكان اللاّزم وجوب الغسل على المستحاضة متعدداً بعدد الانقطاع ، فما أفاده الماتن قدس‌سره من وجوب خمسة أغسال مبني على الاحتياط ولا دليل عليه.

١٤٨

ويقوم التيمم مقامه إذا لم تتمكن منه (١) ، ففي الفرض المزبور عليها خمسة تيممات ، وإن لم تتمكن من الوضوء أيضاً فعشرة ، كما أن في غير هذه إذا كانت وظيفتها التيمم ففي القليلة خمسة تيممات ، وفي المتوسطة ستة ، وفي الكثيرة ثمانية إذا جمعت بين الصلاتين ، وإلاّ فعشرة.

______________________________________________________

بدليّة التيمم عن طهارتها المائية‌

(١) لدليل بدلية التيمم عن الغسل والوضوء ، وعليه ففي القليلة لو لم تتمكن من الوضوء يجب عليها التيمم بدلاً عنه لكل صلاة ، وفي المتوسطة يجب عليها التيمم مرة بدلاً عن غسلها وتتوضأ لكل صلاة إن تمكنت ، وإلاّ تيممت لكل صلاة بدلاً عن وضوئها ، فيكون الواجب في حقها مع العجز عن الغسل والوضوء ستة تيممات. وفي الكثيرة تجب ثلاثة تيممات بدلاً عن ثلاثة أغسال على تقدير جمعها بين الصلوات ، كما تجب خمسة تيممات على تقدير التفريق بينها.

هذا فيما إذا لم نوجب عليها الوضوء لكل صلاة ، نظراً إلى عدم تعرضهم له في الأخبار وهي في مقام البيان ، ومع سكوتها عن وجوب الوضوء عليها نستكشف عدم وجوبه في حقها وكانت متطهرة.

وأمّا إذا قلنا بوجوب الوضوء في حقها لكل صلاة أو أنها أحدثت بالصغرى بأن نامت أو بالت فيجب عليها خمسة تيممات اخرى بدلاً عن خمسة وضوءات.

ولا ينافيه ما بنينا عليه من أن كل غسل ومنه غسل الاستحاضة الكثيرة يغني عن الوضوء ، بحيث لو كانت الكثيرة متمكنة من الغسل لم يجب عليها إلاّ خمسة أغسال على تقدير التفريق من غير حاجة إلى خمسة وضوءات أو تيممات ، والتيمم بدل عن ذلك الغسل ، فلما ذا تجب عليها خمسة تيممات اخرى بدلاً عن الوضوء.

والوجه في عدم التنافي أن أدلّة البدلية (١) دلّت على أن التيمم أو التراب طهور‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٨٥ / أبواب التيمم ب ٢٣ ، ٢٤.

١٤٩

فصل

في النّفاس

وهو دم يخرج مع ظهور أول جزء من الولد أو بعده قبل انقضاء عشرة أيام (*) من حين الولادة ،

______________________________________________________

ويكفيك عشر سنين ، ومعناه أنه بدل عن الغسل في الطهارة وحسب ، وأمّا إذا كان للغسل أثر آخر غير الطهارة كالاغناء عن الوضوء فلا دليل على كون التيمم قائماً مقامه في ذلك الأثر ، فيجب على المستحاضة عشرة تيممات خمسة بدلاً عن الوضوءات الخمسة وخمسة اخرى بدلاً عن الأغسال الخمسة في فرض تفريقها بين الصلوات أو على تقدير صحة ما أفاده الماتن قدس‌سره في فروض المتن من وجوب خمسة أغسال ، هذا تمام الكلام في الاستحاضة.

فصل في النّفاس

النّفاس في اللغة بمعنى الولادة (٢) ، إما لأنه مأخوذ من النّفس بمعنى الدم ، أو لأنه من النَّفْس بمعنى الشخص ، لأن بالولادة يخرج شخص عن آخر حيواني أو إنساني ، إلاّ أنه بحسب الاصطلاح اسم لنفس الدم لا الولادة ، وهذا هو الموافق لما يستفاد من الأخبار التي دلت على أن الأحكام الآتية مترتبة على الدم لا عليها (٣).

والكلام يقع في جهات :

__________________

(*) إذا كان الفصل بين خروج الدم والولادة معتدّاً به ولم يعلم استناد الدم إلى الولادة فالحكم بكونه نفاساً لا يخلو عن إشكال.

(١) المنجد : ٨٢٦ مادّة نفس.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٨١ و ٣٨٢ / أبواب النّفاس ب ١ ، ٣.

١٥٠

الجهة الأُولى : الولادة المجردة عن الدم.

الجهة الثانية : في الدم الخارج قبل الولادة الواجد لصفات الحيض.

الجهة الثالثة : الدم الخارج بعد الولادة.

الجهة الرابعة : الدم الخارج مع الولادة.

أمّا الجهة الأُولى : فالظاهر أنه لا أثر للولادة المجردة عن الدم ، لما عرفت من أن الأحكام في النّفاس من سقوط الصلاة والصيام إنما هي مترتبة على الدم ، ولا أثر للولادة المجرّدة عن الدم وإن قيل إنها اتفقت في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأن امرأة ولدت من غير دم ، نعم لها أثر آخر أجنبي عن المقام ، وهو انقضاء العدة بتحققها وإن لم يكن معها دم.

وأمّا الجهة الثانية أعني الدم الخارج قبل الولادة إذا كان واجداً للصفات ، فقد يتخلل بينه وبين الولادة والنّفاس أقل الطّهر وهو عشرة أيام ، فهو محكوم بالحيضية بقاعدة الإمكان القياسي ، لما تقدّم (١) من إمكان الحيض في الحامل وأنها قد ترى الحيض ، وهذا لا كلام فيه.

إنما الكلام فيما إذا لم يتخلل أقل الطّهر بين الدم والولادة ، فهل يحكم بحيضيته أم لا يحكم؟

قد يقال إنه ليس بحيض ، لاعتبار تخلل أقل الطّهر بينه وبين النّفاس ، ويستدل عليه بوجوه :

منها : إطلاق كلماتهم والنصوص (٢) من أن الطّهر لا يكون أقل من عشرة أيام ، فإذا لم يتحقق أقلّه بين الحيض والنّفاس فإما أن لا يكون الثاني نفاساً أو لا يكون الأوّل حيضاً ، وحيث إن الثاني نفاس بالوجدان لخروجه بالولادة أو بعدها فيستكشف أن الأوّل ليس بحيض.

__________________

(١) في شرح العروة ٧ : ٧٩.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٩٧ / أبواب الحيض ب ١١.

١٥١

ومنها : أن النّفاس حيض محتبس ، كما يستفاد من الأخبار (١) فحكمه حكمه ، فكما يعتبر تخلّل أقل الطّهر بين الحيضتين يعتبر أقلّه بين النّفاس والحيض.

ومنها : صحيحة عبد الله بن المغيرة الدالّة على أن النّفساء إذا رأت الدم بعد ثلاثين يوماً من نفاسها حكم بكونه حيضاً معلّلة بأن أيام عادتها وطهرها قد انقضت (٢) فكما يعتبر في حيضية الدم المتأخر عن الولادة أن يتخلل بينه وبين النّفاس أقل الطّهر بمقتضى الصحيحة ، كذلك يعتبر تخلّله بينهما في الدم السابق على الولادة ، لعدم القول بالفصل.

ومنها : النصوص الواردة في المقام ، وعمدتها موثقة عمار المروية عن الصادق عليه‌السلام « في المرأة يصيبها الطلق أياماً أو يومين فترى الصفرة أو دماً ، قال : تصلِّي ما لم تلد ، فإن غلبها الوجع ففاتتها صلاة لم تقدر أن تصلِّيها من الوجع فعليها قضاء تلك الصلاة بعد ما تطهر » (٣).

حيث دلّت على أن الدم المرئي قبل الولادة ليس بحيض مع كونه واجداً للصفات لقوله « دماً أو صفرة » ولا تسقط بسببه الصلاة عن المرأة ، هذا.

ولكن شيئاً من تلك الأدلّة لا تتم :

أمّا إطلاق النصوص وكلمات الأصحاب فهي وإن كانت كما ادعيت إلاّ أن أقل الطّهر الذي هو عشرة أيام إنما يعتبر بين حيضتين لا بين حيض ونفاس ، أو بين نفاسين كما يتّفق في التوأمين فتلد أحدهما في يوم وبعد أيام تلد الثاني من غير تخلل أقل الطّهر بينهما ، ولم يقم دليل على اعتبار أقل الطّهر بين مطلق الحدثين.

وأمّا دعوى أن الحيض والنّفاس واحد ، لأن النّفاس حيض محتبس ففيه أن بعض الأخبار وإن دلّت على أن الله سبحانه يحبس الدم في رحم المرأة رزقاً للولد إلاّ أنه لا‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٣٣ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٣ ، ١٤.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٩٣ / أبواب النّفاس ب ٥ ح ١.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٩١ / أبواب النّفاس ب ٤ ح ١.

١٥٢

دلالة في شي‌ء من الأخبار على أن أحكام الحيض مترتبة على النّفاس ، ومنها اعتبار تخلل أقل الطّهر بين النفاسين بل بين الحيض والنّفاس ، لأنّهما موضوعان متغايران لدى العرف والمتشرعة ولكل منهما أحكام خاصّة لا يقاس أحدهما بالآخر.

وأمّا صحيحة ابن المغيرة فهي وإن دلّت على اعتبار التخلّل بأقلّ الطّهر بين النّفاس والدم المتأخر عنه ونلتزم به في المتأخِّر لدلالة الدليل ، إلاّ أنها لا تدلّ على اعتبار ذلك في الدم المتقدِّم على الولادة ، وإسراء حكم المتأخر إلى المتقدِّم قياس ، ولم يقم إجماع على اتحادهما ، فدعوى عدم القول بالفصل ساقطة جزماً.

وأمّا النصوص التي عمدتها موثقة عمار فهي أخص من المدعى ، لاختصاصها بأيام الطلق أي أيام أخذ الوجع بالمرأة للولادة ، وقد دلت على أن الدم المرئي في تلك الأيام ليس بحيض ، والقرينة قائمة على أن الدم حينئذ مقدمة للولادة وليس حيضاً ، وأين هذا من محل الكلام وهو الدم المرئي قبل طلقها وقبل تخلل أقل الطّهر بينه وبين النّفاس.

فعلى ذلك نفصّل في الدم المرئي قبل الولادة بين أيام الطلق وغيرها ، ونحكم بعدم الحيضية في أيام الطلق للنصوص ، ونحكم بالحيضية في غيرها لقاعدة الإمكان القياسي.

ثم إنه أولى بالحكم بالحيضيّة ما إذا رأت الدم في أيام عادتها ثم انقطع ثم نفست ، فإنه محكوم بالحيضية وإن لم يكن واجداً للصفات ، لما دلّ على أن ما تراه المرأة من الدم في أيام عادتها فهو حيض (١).

وأولى من ذلك ما إذا كان مجموع الدم المرئي قبل النّفاس والنقاء بعده والدم في النّفاس غير زائد على العشرة ، كما إذا رأت الدم ثلاثة أيام بصفة الحيض ثم انقطع يوماً ثم ولدت ونفست خمسة أيام ، وذلك لأنه دم واحد ، والنقاء المتخلل بينه أيضاً بحكم الحيض حتى بناء على اعتبار تخلل أقل الطّهر بين الحيض والنّفاس ، لاختصاص ذلك بصورة تعدّد الدمين ، وأمّا الدم الواحد كمثالنا فلا يعتبر فيه ذلك ، بل النقاء في أثنائه‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٨ / أبواب الحيض ب ٤.

١٥٣

بحكم الحيض كما مرّ.

وأمّا الجهة الثالثة أعني الدم الخارج بعد الولادة فلا شبهة في أنه دم النّفاس ، وهو القدر المتيقن منه فيترتب عليه أحكامه ، وهذا مما لا كلام فيه ، وإنما الكلام فيما إذا تأخّر الدم عن الولادة بأن انقطع ثم عاد فهل يحكم بكونه نفاساً أو لا يحكم؟

المعروف أن الدم الذي تراه المرأة بعد الولادة نفاس فيما إذا خرج فيما بين الولادة وعشرة أيام ، وأمّا بعد العشرة فهو ليس بنفاس وإنما هو حيض إذا كان واجداً للصفات ، وهذا لا دليل عليه.

والظاهر أن منشأ حكمهم هذا هو ما دلّ على أن أكثر النّفاس عشرة أيام (١) ، وبذلك حكموا على الدم المرئي بعد العشرة من الولادة بأنه ليس نفاساً لأن أكثره عشرة أيام ، وهو مبني على احتساب العشرة من زمن الولادة.

ولا يمكن المساعدة عليه ، لأن احتساب أكثر النّفاس الذي هو عشرة أيام على المشهور أو ثمانية عشر كما قيل إنما هو من زمان رؤية الدم لا الولادة ، إذ النّفاس اسم للدم دون الولادة ، فإذا رأت الدم بعد الولادة بيوم أو نصف يوم فإن الدم المرئي حينئذ دم نفاس فتحسب العشرة من ذلك الوقت فتتم العشرة بعد إحدى عشر يوماً من الولادة ، والدم الذي رأته في اليوم العاشر من الولادة دم قبيل العشرة.

وعلى هذا لا فرق بين الدم المرئي بعد العشرة من الولادة وقبلها ، لأنه إن علم أنه مستند إلى النّفاس فهو نفاس في كلتا الصورتين ، وإن كانت نفاسية الدم بعد العشرة بعيداً ، لبعد انقطاع النّفاس وعوده إلى أكثر من عشرة أيام.

وإذا لم يعلم استناده إلى النّفاس أو شك في كونه منه حكم بعدم كونه نفاساً في كلتا الصورتين ، لأنهما بعد العشرة من رؤية الدم فلا عبرة بكون الدم قبل العشرة أو بعدها بل المدار على كون الدم مستنداً إلى النّفاس.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٨٢ / أبواب النّفاس ب ٣.

١٥٤

وأمّا الجهة الرابعة والدم الخارج في أثناء الولادة ، لأنّها قد تطول بأن يخرج رأس الولد ولا يخرج بدنه إلى ساعة أو يوم أو أقل أو أكثر ويخرج الدم في تلك المدّة ، فهل هو من النّفاس أو أنه مختص بالخارج بعد الولادة؟

المشهور عدم الفرق بين الخارج في أثناء الولادة وبعدها ، وهذا هو الصحيح لما ورد في موثقة عمار المتقدمة من قوله عليه‌السلام « تصلِّي ما لم تلد » (١) ، لأنه بمعنى ما لم تأخذ بالولادة لا ما لم تفرغ منها ، لأنها بعد ما أخذت بالولادة يصدق أنها ولدت ولكنه لم يتم ، هذا هو الذي يقتضيه مناسبة الحكم والموضوع ، لأنها مقتضى إرادة ذلك منه ، لأن قوله « ما لم تلد » بيان لحكم الدم الذي تراه بعد الولادة ، فهو في مقابل الدم الذي تراه قبلها ، والمقابل له هو الدم الذي تراه المرأة بعد الأخذ بالولادة وبعد إتمامها لا خصوص ما بعد إتمامها ، فالرواية بمناسبة الحكم والموضوع ظاهرة في إرادة الأخذ بالولادة.

وعلى الجملة : إن الرواية جعلت الدم على قسمين ، أعني الدم الخارج قبل الولادة والدم الخارج بعد الولادة ، والثاني في مقابل الأول يعم الدم الخارج في أثناء الولادة وما يخرج بعدها.

وما في كلمات بعضهم من أن النّفاس هو الخارج عقيب الولادة ، لا يراد منه الدم الخارج بعد تمامية الولادة ، بل يحمل على إرادة الخارج عقيب الأخذ بالولادة وإن لم تتم ، إذ معه يصدق أن المرأة ولدت ولكنه لم تتم الولادة.

وقد دلّت على ذلك صريحاً موثقة السكوني (٢) ورواية رزيق (٣) إلاّ أنها لضعفها سنداً غير قابلة للاستدلال بها في المقام ، نعم نجعلها مؤيدة للمدعى.

يبقى الكلام في الولادة الموجبة للنفاس وأنه هل يعتبر فيها خروج الولد تاماً أو لا يعتبر؟

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٩٢ / أبواب النّفاس ب ٤ ح ١ ، ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٩٢ / أبواب النّفاس ب ٤ ح ٢.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٣٤ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٧. وهي ضعيفة برزيق بن العباس الخلقاني.

١٥٥

سواء كان تام الخلقة أو لا كالسقط وإن لم تلج فيه الروح (١). بل ولو كان مضغة (*) أو علقة (٢) بشرط العلم بكونها مبدأ نشوء الإنسان. ولو شهدت أربع قوابل بكونها مبدأ نشوء الإنسان كفى. ولو شكّ في الولادة أو في كون الساقط مبدأ نشوء الإنسان لم يحكم بالنفاس ، ولا يلزم الفحص أيضاً.

______________________________________________________

ما هي الولادة الموجبة للنفاس؟

(١) وذلك لأن الموضوع للأحكام إنما هو النّفاس أو النّفساء أو الولادة كما في موثقة عمار المتقدِّمة (٢) ، وهي صادقة على المرأة عند ما كان الولد ناقص الخلقة وميتاً لصدق أنها ولدت ولداً ميتاً أو ناقص الخلقة ، وبه تترتب أحكام النّفساء عليها.

(٢) وفيه : أن الموضوع للأحكام كما مر هو النّفاس أو النّفساء أو الولادة ، والأولان مترتبان على صدق الولادة ، لأن النّفاس اسم للدم الخارج عند الولادة ، ولا تصدق الولادة على إسقاط المضغة والعلقة ، ولا يقال إنها ولدت.

نعم ، يصح أن يقال إنها أسقطت أو وضعت حملها ، ومن هنا يترتب عليه الحكم بانقضاء العدة عنها لترتبها على وضع الحمل ، إلاّ أنهما ليسا موضوعاً للأحكام.

وأمّا ما عن شيخنا المحقق الهمداني قدس‌سره من أن الموضوع هو وضع الحمل (٣) فهو مما لا دليل عليه ، لعدم وروده في شي‌ء من الأخبار ، وإنما الوارد فيها النّفاس والنّفساء والولادة ، وهو أعرف بما أفاده قدس‌سره.

نعم ، حكي عن العلاّمة قدس‌سره الإجماع على إلحاقهما بالولادة وترتب أحكام النّفاس بإسقاطهما (٤) ، وهو لو تمّ فهو ، وإلاّ فللمناقشة في الحكم بالنّفاس بإسقاطهما‌

__________________

(*) هذا مبنيّ على صدق الولادة معه وإلاّ فالحكم بكونه نفاساً محل إشكال.

(١) في ص ١٥٢ ، المرويّة في الوسائل ٢ : ٣٩١ / أبواب النّفاس ب ٤ ح ١ ، ٣.

(٢) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٣٣٤ السطر ٣٣.

(٣) التذكرة ١ : ٣٢٦ / المسألة ١٠٠ من النّفاس.

١٥٦

وأمّا الدم الخارج قبل ظهور أول جزء من الولد فليس بنفاس. نعم لو كان فيه شرائط الحيض كأن يكون مستمراً من ثلاثة أيام فهو حيض وإن لم يفصل بينه وبين دم النّفاس أقل الطّهر على الأقوى ، خصوصاً إذا كان في عادة الحيض ، أو متصلاً بالنفاس ولم يزد مجموعهما عن عشرة أيام ، كأن ترى قبل الولادة ثلاثة أيام وبعدها سبعة مثلاً ، لكن الأحوط مع عدم الفصل بأقل الطّهر مراعاة الاحتياط خصوصاً في غير الصورتين من كونه في العادة أو متصلاً بدم النّفاس.

[٨١٠] مسألة ١ : ليس لأقل النّفاس حد‌ ، بل يمكن أن يكون مقدار لحظة بين العشرة (١).

______________________________________________________

مجال واسع ، لعدم صدق الولادة عليه ، وتحقّق الإجماع بعيد.

ثم لو قلنا بثبوت الحكم عند إسقاط العلقة التي هي الدم المتكون بعد أربعين يوماً من استقرار النطفة في الرحم كما قيل فضلاً عن المضغة التي هي قطعة لحم تتكون بعد مضي أربعين يوماً على صيرورتها علقة لا بدّ من التعدي إلى إسقاط النطفة أيضاً لصدق وضع الحمل بإسقاطها كما يصدق بحملها أن المرأة حامل.

نعم ، يشترط في ذلك استقرار النطفة في الرحم ، وإلاّ فكل منيّ هو مبدأ نشوء آدمي ، فالمدار في صدق الحامل على المرأة هو أن يكون بعد استقرار المني في رحم المرأة ، فبمجرّد دخول النطفة فيه لا يصيِّرها حاملاً.

لا حد لأقل النّفاس‌

(١) وذلك لإطلاقات الأدلّة (١) ، حيث لم يقيد النّفاس فيها من حيث القلة بوقت فيمكن أن يكون النّفاس لحظة.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٨١ و ٣٨٢ / أبواب النّفاس ب ١ و ٢ و ٣.

١٥٧

ولو لم تر دماً فليس لها نفاس أصلاً ، وكذا لو رأته بعد العشرة من الولادة (١) وأكثره عشرة أيام (٢)

______________________________________________________

وربما يستدل على ذلك برواية أبي بصير عن أبي عبد الله قال « سألته عن النّفساء كم حد نفاسها حتى تجب عليها الصلاة وكيف تصنع؟ قال عليه‌السلام : ليس لها حد » (١) نظراً إلى أنّا استفدنا من الخارج والأخبار أن أكثر النّفاس عشرة أيام ، وبذلك تكون الرواية ناظرة إلى أن النّفاس لا حد له من حيث القلة دون الكثرة وإن كانت في نفسها مطلقة من حيث القلة والكثرة.

وفيه : أن الرواية ضعيفة السند وقاصرة الدلالة على المدعى ، أمّا ضعف سندها فلوقوع مفضّل بن صالح في سندها وقد ضعفه جماعة.

وأمّا قصور دلالتها فلأن ظاهرها إرادة الكثرة والطرف الأخير ، للسؤال فيها عن وجوب الصلاة عليها وأنه متى تجب عليها الصلاة ، وهذا إنما يتم بعد النّفاس ، وأمّا أوّله فمعلوم أنها لا تكلّف بالصلاة ، فظاهرها أنه لا حد له في الكثرة.

وهي مخالفة للأخبار الدالّة على أن أكثره عشرة أيام (٢) ، وورود أن أكثره عشرة في الروايات الأُخرى لا يوجب ظهور تلك الرواية في إرادة نفي التحديد من حيث القلة.

فالصحيح هو الاستدلال بإطلاق الأخبار كما عرفت.

(١) لما يأتي من أن أكثر النّفاس عشرة أيام.

أكثر النّفاس عشرة أيام‌

(٢) يقع الكلام في المقام في ذات العادة تارة ، وفي غير ذات العادة اخرى.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٨٢ / أبواب النّفاس ب ٢. والرواية من جهة مفضّل بن صالح ضعيفة. وأمّا أحمد بن عبدوس فهو واقع في أسناد كامل الزيارات.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٨٢ / أبواب النّفاس ب ٣.

١٥٨

أمّا ذات العادة فقد ترى الدم بمقدار عادتها ، وأُخرى زائداً على عادتها ، والزائد قد يكون زائداً على العشرة وقد لا يكون.

أمّا إذا رأته ذات العادة بمقدار عادتها فلا إشكال في أنه محكوم بكونه نفاساً.

وأمّا إذا زاد عن العشرة فترجع إلى عادتها فتأخذ به والزائد استحاضة كما في الحيض ، وهذان للأخبار الدالّة على أن النّفساء كالحائض في جميع تلك الأحكام والرجوع إلى العادة وغيرها ممّا ذكرناه في المقام (١).

والكلام فيما إذا زاد نفاسها عن عادتها ولم يتجاوز العشرة ، فهل يكون المجموع نفاساً أو ترجع إلى عادتها والزائد استحاضة كما إذا تجاوز الدم عن العشرة؟

قد يقال بالثاني ، لكن المعروف هو الأول وأن المجموع نفاس ، وهذا هو الصحيح.

ويدلُّ عليه ما ورد في الاستظهار من أن ذات العادة إذا تجاوز دمها عادتها فهي تستظهر بيوم أو يومين أو بثلاثة أيام أو بعشرة أي إلى عشرة أيام (٢) ، فهذه كالصريح في أن الدم إلى العشرة نفاس ، لأن معنى الاستظهار تركها الصلاة إلى أن يظهر أن الدم الخارج يتجاوز العشرة حتى ترجع إلى عادتها وتجعل الزائد استحاضة وتقضي ما فاتتها من الصلوات ، وإذا لم يتجاوز العشرة فلا ، فلو لم يكن الدم نفاساً إلى العشرة لم يبق للاستظهار معنى صحيح ، هذا كله في ذات العادة.

وأمّا غير ذات العادة فإن رأت الدم ولم يتجاوز العشرة فمجموعه نفاس ، لأنها كالحائض كما مرّ.

وأمّا إذا تجاوز عنها فهل يحكم بكونه نفاساً؟ وهو يبتني على أن أكثر النّفاس عشرة أيام أو إن أكثره ثمانية عشر يوماً ، وفيه خلاف ، ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار الواردة في ذلك.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥ ، ٣٨٢ / أبواب النّفاس ب ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥ ، ٣٨٣ ٣٨٦ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٥ ، ١١.

١٥٩

ففي جملة منها أن النّفساء تكف عن الصلاة وتقعد ثمانية عشر يوماً أو سبعة عشر يوماً أو سبع عشرة ليلة مستشهداً في بعضها بما حكم به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قضية أسماء بنت عميس ، حيث أمرها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصلاة والصيام والطواف بعد ثمانية عشر يوماً (١).

وهذه الأخبار حملت على غير ذات العادة جمعاً بينها وبين الأخبار الواردة في أن النّفساء تقعد أيام عادتها وتجعل الزائد عن العشرة استحاضة كما في الحيض (٢) ، لأنها تخصص الأخبار المتقدِّمة بغير ذات العادة لا محالة. فينتج الجمع بينهما أن ذات العادة أكثر نفاسها عشرة أيام ، كما أن أكثر الحيض عشرة ، وغير ذات العادة ثمانية عشر يوماً ، إذ لم يرد في غير ذات العادة رواية ولو ضعيفة على خلاف الأخبار الدالة على أن أكثر النّفاس ثمانية عشر يوماً كما ورد في ذات العادة إلاّ مرسلة المفيد قدس‌سره : « روي أنها تقعد ثمانية عشر يوماً » (٣).

وقد ذكر المحقق الهمداني قدس‌سره أن الرواية التي اعتمد عليها مثل الشيخ المفيد لا تقصر عن الروايات التي اعتمد عليها مثل ابن أبي عمير (٤) ، فإذن تعارض الأخبار الدالة على أن أكثر النّفاس ثمانية عشر يوماً.

إلاّ أنّا لا نرى وجهاً لاعتبار هذه المرسلة ، لأنها كبقية المراسيل لا يمكن الاعتماد عليها إذ لم يعلم أن المفيد يروي عن أي شخص. والمظنون بل المطمأن به أنه فتوى المفيد واجتهاد منه قدس‌سره استنبطه من الأخبار ، ومعه كيف تعارض الأخبار المتقدمة ، هذا.

ولكن الصحيح أن أكثر النّفاس عشرة أيام مطلقاً بلا فرق بين ذات العادة وغيرها.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٨٤ ٣٩٠ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ٦ ، ١٢ ، ١٤ ، ١٥ ، ١٩ ، ٢٣ ، ٢٤.

(٢) نفس الباب.

(٣) هذه رواية الصّدوق وليست مخالفة للأخبار ورواية المفيد هي « ... مدّة النّفاس مدّة الحيض وهي عشرة أيّام » الوسائل ٢ : ٣٨٥ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ١٠.

(٤) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٣٣٧ السطر ٣.

١٦٠