موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

وإن انتقلت من الأعلى إلى الأدنى استمرت على عملها لصلاة واحدة ثم تعمل عمل الأدنى ، فلو تبدلت الكثيرة متوسطة قبل الزوال أو بعده قبل صلاة الظهر تعمل للظهر عمل الكثيرة فتتوضأ (*) وتغتسل وتصلِّي ، لكن للعصر والعشاءين يكفي الوضوء وإن أخرت العصر عن الظهر أو العشاء عن المغرب. نعم لو لم تغتسل للظهر عصياناً أو نسياناً يجب عليها للعصر إذا لم يبق إلاّ وقتها ، وإلاّ فيجب إعادة الظهر بعد الغسل ، وإن لم تغتسل لها فللمغرب وإن لم تغتسل لها فللعشاء إذا ضاق الوقت وبقي مقدار إتيان العشاء.

______________________________________________________

وأمّا إذا تبدلت في أثناء عملها من الوضوء والصلاة ولو في آخر جزء من الصلاة فهل يجب عليها استئناف صلاتها والإتيان بها مع الغسل أو لا يجب؟

لا ينبغي الإشكال في أن ما دلّ على وجوب التوضؤ في حق المرأة المستحاضة لكل صلاة (٢) إنما هو مقيد بما إذا كانت الاستحاضة قليلة ، فإذا ارتفعت وتبدّلت إلى الكثيرة لا يكفي الوضوء في صلاتها ولو في المقدار الباقي منها ، بل يشملها إطلاق ما دلّ على وجوب الغسل لكل صلاتين (٣) ، ومعه لا بدّ من استئناف صلاتها فتأتي بها مع الغسل أو مع الغسل والوضوء. هذا كله فيما إذا كان الوقت واسعاً للإعادة والاغتسال.

وأمّا إذا كان الوقت ضيقاً فإن كانت متمكنة من التيمم والصلاة فوظيفتها التيمم والصلاة لأجل ضيق الوقت ، وإن لم يسع الوقت للغسل ولا للتيمم فذكر الماتن قدس‌سره أنها تستمر في عملها وتقضي بعد ذلك على الأحوط.

ولم يظهر لنا وجه ذلك ، لأن المرأة بعد ما تبدلت استحاضتها كثيرة ووجب عليها الغسل لكل صلاتين ولم تتمكن من الغسل ولا من التيمم فهي فاقدة للطهورين‌

__________________

(*) على الأحوط الأولى.

(١) الوسائل ٢ : ٣٧١ و ٣٧٤ و ٣٧٥ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١ ، ٧ ، ٩.

(٢) نفس الباب.

١٢١

والوضوء الذي أتت به قبل تبدل استحاضتها ليس بطهور في حقها ، وبناؤه قدس‌سره في فاقد الطهورين على سقوط الصلاة عنه كما هو الصحيح ، وعلى ذلك لا يجب على المرأة أن تستمر في عملها بل لها أن ترفع اليد عن عملها وتقضيها بعد ذلك.

ومعه فالصحيح أن يعكس الأمر ويقول : تستمر على عملها على الأحوط ، وتقضيها خارج الوقت على الأقوى ، لا ما صنعه هنا ، هذا كلّه في تبدّل القليلة بالكثيرة.

الصورة الثانية : وهي ما إذا تبدّلت القليلة بالمتوسطة ، فقد يكون قبل إتيانها بشي‌ء من وظائفها ، ومعه يجب عليها أن تأتي بأعمال المتوسطة ، لارتفاع القليلة وشمول أدلّة المتوسطة لها.

وقد يكون بعد الإتيان بأعمالها ، ولا تجب معه الإعادة بوجه.

وإما أن تتبدل في الأثناء ، ومعه يجب أن ترفع اليد عن عملها وتستأنف غسلاً ووضوءاً ، ولا تكتفي بالوضوء الذي أتت به قبل التبدل ، حيث إن مقتضى الأخبار أنها بنفسها مقتضية للوضوء ، فلا يمكنها الاكتفاء بالوضوء السابق بوجه ، ومع ضيق الوقت الكلام هو الكلام في الكثيرة بعينه.

الصورة الثالثة : وهي ما إذا تبدلت المتوسطة بالكثيرة ، ففي صورة تقدّم ذلك على أعمالها وتأخره عنها لا إشكال ولا كلام.

وأمّا إذا تبدلت في الأثناء فيجب عليها أن ترفع اليد عن عملها وتستأنفها مع الغسل ، كما هو مقتضى إطلاق ما ورد في الكثيرة.

توضيح الكلام في الصور الثلاث

وتوضيح الكلام في جميع الصور الثلاث : أن القليلة إذا تبدلت بالكثيرة قبل العمل أو في أثنائه ، فإن كانت أتت بالوضوء فيحكم ببطلانه بحدوث الاستحاضة الكثيرة فإن قلنا في الكثيرة بوجوب الوضوء فلا بد من إتيانها بالغسل والوضوء ، وليس لها‌

١٢٢

الاكتفاء بوضوئها السابق ، لأنّ ظاهر الدليل أن الكثيرة بنفسها سبب للغسل والوضوء فلا بدّ من أن تأتي بهما بعد التبدل ، وعلى القول بعدم وجوب الوضوء في الكثيرة تأتي بالغسل فقط.

وأمّا إذا لم تتوضأ قبل التبدل فهل يجب بعد التبدل أن تغتسل للكثيرة وتتوضأ من جهة تحقق القليلة قبل ذلك ، وهي حدث موجب للوضوء ولا مسقط عنه أو لا يجب؟

الظاهر عدم الوجوب ، وذلك لأن القليلة وإن كانت سبباً للوضوء إلاّ أنّا ذكرنا في محلِّه (١) أن كل غسل يغني عن الوضوء ، فالغسل للكثيرة يكفي عن الوضوء.

هذا على أن في نفس الأخبار الواردة في القليلة دلالة على عدم وجوب الوضوء في المقام ، وذلك لأنها علقت وجوب الوضوء عند كل صلاة على عدم تجاوز الدم وعدم ثقبه ، وأمّا مع التجاوز ولو بعد ساعات فوظيفتها الاغتسال لكل صلاتين دون الوضوء ، وذلك لأن كل كثيرة مسبوقة لا محالة بالقلّة ، لأن الطفرة على ما يقولون مستحيلة ، أو لو كانت ممكنة فهي غير واقعة خارجاً ، أفهل يحتمل وجوب الوضوء للقليلة في جميع الاستحاضات الكثيرة.

وليس هذا إلاّ من جهة أن وجوب الوضوء للقليلة مقيد بأن لا يتجاوز دمها الكرسف ، ورواية ابن نُعيم صريحة في ذلك ، حيث ورد فيها ما مضمونه : أنها تنظر ما بين المغرب وبينها إن كان الدم يسيل ... إلخ (٢) فلاحظ.

وأمّا إذا تبدّلت القليلة بالمتوسطة قبل العمل أو في أثنائه ، فإن توضأت قبل ذلك فوضوءها باطل ليس لها الاكتفاء به ، لأن المتوسطة بنفسها مقتضية للغسل والوضوء.

وأمّا إذا لم تأت بالوضوء قبل ذلك فلا إشكال في أنها تغتسل وتتوضأ وهو كاف عن الوضوء للقليلة.

أو لو قلنا بأن المتوسطة سبب مستقل للوضوء وهو لا يكفي عن غيره ، فنقول إن وجوبه في القليلة كما عرفت مغيّا بعدم ثقب الدم وقد ثقب ، فلا يجب الوضوء للقليلة.

__________________

(١) في شرح العروة ٧ : ٤٠٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧٤ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٧.

١٢٣

وأمّا إذا تبدّلت المتوسطة بالكثيرة ، فإن اغتسلت وتوضأت فلا بدّ من الحكم ببطلانهما بالتبدّل وحدوث الكثيرة ، وليس لها أن تكتفي بهما لأن الكثيرة بنفسها سبب مستقل للغسل والوضوء على تقدير القول بوجوب الوضوء فيها.

وأمّا إذا لم تأت بالوضوء ، فإن قلنا إن الكثيرة يجب فيها الوضوء لكل صلاة فلا يظهر فرق بينها وبين المتوسطة في الصلاة الأُولى بعد التبدّل بالكثيرة ، لأنها لا بدّ أن تغتسل وتتوضأ ، كانت متوسطة أم كثيرة.

نعم إنما يظهر الأثر بينهما في الصلوات غيرها ، فعلى الكثيرة يجب أن تغتسل لكل صلاتين ، وعلى المتوسطة تكتفي بالوضوء فقط.

وأمّا إذا قلنا بعدم وجوب الوضوء في الكثيرة فهل يجب عليها أن تتوضأ أيضاً لتحقق سببها وهو المتوسطة ولا مسقط له ، والكثيرة ليست مقتضية لعدم الوضوء بل لا اقتضاء لها بوجوبه؟

الصحيح عدم وجوب الوضوء لوجهين :

أحدهما : أن مقتضى الأدلّة الواردة في وجوب الغسل والوضوء في المتوسطة (١) وإن كان وجوبهما حتى فيما إذا تبدّلت بالكثيرة ، لإطلاقها من حيث تقدّمها أو تأخّرها بالكثيرة وعدمه ، كما أن مقتضى إطلاق ما ورد في وجوب الغسل لكل صلاتين عند تجاوز دمها الكرسف (٢) وجوب الغسل في حقها لكل صلاتين فحسب ، سواء سبقتها المتوسطة أم لم تسبقها.

وهذان الإطلاقان متدافعان ، لأنّ مقتضى الأوّل وجوب الوضوء ومقتضى الثاني عدمه ، وبعد التساقط لا بدّ من الرجوع إلى عموم العام وهو يدل على إغناء كل غسل عن الوضوء.

وثانيهما : أن نفس ما ورد في وجوب الغسل والوضوء على المتوسطة والغسل في‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١.

(٢) نفس المصدر.

١٢٤

[٨٠٢] مسألة ١٦ : يجب على المستحاضة المتوسطة والكثيرة إذا انقطع عنها بالمرّة الغسل‌ للانقطاع إلاّ إذا فرض عدم خروج الدم منها من حين الشروع في غسلها السابق للصلاة السابقة (١).

______________________________________________________

الكثيرة يدلّنا على عدم وجوب الوضوء في الكثيرة ، لأن وجوب الوضوء في المتوسطة مقيد بعدم تجاوز الدم عن الكرسف ولو فيما بينها وبين المغرب ، ومع التجاوز لا يجب الوضوء.

وتوضيحه : أن كل كثيرة مسبوقة بالتوسط لا محالة ، فعدم وجوب الوضوء في جميع موارد الكثيرة إنما هو من جهة أنه مقيد بعدم تجاوز الدم ، والأخبار الواردة في الكثيرة (١) إنما دلّت على وجوب الغسل فقط ولم يتعرّض لوجوب الوضوء بوجه ، ومعه يحكم بعدم وجوب الوضوء على المستحاضة ، هذا كله في صورة التبدل من الأدنى إلى الأعلى ، ومنه ظهر الحال في الصور الآتية فلاحظ.

الصورة الرابعة : وهي ما إذا تبدّلت من الأعلى إلى الأدنى ، فإن الكثيرة إذا تبدّلت بالمتوسطة ليس لها الاكتفاء بالغسل الواحد مع الوضوء ، بل لا بدّ لها من الإتيان بوظائف الكثيرة ، لصدق أنها امرأة تجاوز دمها الكرسف ، والاستحاضة الكثيرة آناً ما كافية في ثبوت أحكامها.

الصورة الخامسة والسادسة : ما إذا تبدلت الكثيرة أو المتوسطة إلى القليلة ، فإنه لا بدّ من إتيان وظيفتي المتوسطة أو الكثيرة ، لكفاية صدق كون المرأة ممّن ثقب دمها أو تجاوز دمها الكرسف آناً ما في ترتب أحكامها.

وجوب الغسل للانقطاع‌

(١) قد لا يخرج عن المستحاضة حال غسلها وصلاتها دم ، ولا إشكال في أنها‌

__________________

(١) نفس المصدر.

١٢٥

بغسلها تصير طاهرة ولا يجب عليها بعد ذلك شي‌ء.

وقد يخرج الدم حال غسلها أو بعده أو حال صلاتها ، وفي مثله لا بدّ لها من أن تغتسل للانقطاع إذا انقطع بعد الصلاة ، وذلك لما استفدناه من الأخبار من أن دم الاستحاضة حدث ، وإنما خرجنا عمّا دلّ على ناقضية الحدث بالإضافة إلى حال الصلاة والاغتسال ، وأمّا بعدهما فهو حدث لا بدّ من الاغتسال له.

مضافاً إلى صحيحة ابن نعيم حيث علقت عدم وجوب الغسل عليها بما إذا لم تطرح الكرسف عنها ، وقال « فإن طرحت الكرسف عنها فسال الدم وجب عليها الغسل » (١) ولو كان ذلك في أثناء غسلها أو صلاتها ، وهي صريحة في المدعى حيث صرحت بأنها إذا رأت الدم فيما بينها وبين المغرب أيضاً وجب عليها الوضوء إن لم يسل والغسل إن سال.

وتدلّ عليه المطلقات الواردة في المقام كموثقة سَماعة (٢) وغيرها من أن الدم إذا ثقب الكرسف أو تجاوز عنه وجب عليها الاغتسال مرة أو لكل صلاتين ، فإن إطلاقها يشمل ما إذا كان ذلك في أثناء غسلها وصلاتها.

فالمتحصل : أن المستحاضة لا بدّ لها من الاغتسال للانقطاع ، وليس لها الاكتفاء بغسلها الذي خرج دم في أثنائه أو بعده أو أثناء صلاتها ، لعدم حصول الطهارة لها بذلك مطلقاً ، وإلاّ لم تكن حاجة إلى الوضوء لكل صلاة أو الغسل لكل صلاتين بعد ذلك ، هذا كله في المتوسطة والكثيرة.

ومنه يظهر الحال في القليلة وأنها إذا لم يخرج منها دم في أثناء وضوئها وصلاتها فلا تحتاج إلى وضوء بعد ذلك ، وأمّا إذا خرج في أثنائهما وانقطع بعد ذلك فلا بد لها من أن تتوضأ للصلاة التي بعدها ، لما عرفت من عدم ارتفاع حدثها بما أتت به من الوضوء.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٤ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٧.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧٤ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٦.

١٢٦

المناقشة في كلام المشهور

ويمكن أن يقال إن الحكم بوجوب الغسل للانقطاع وإن كان هو المشهور إلاّ أنه مورد المناقشة في المتوسطة ، وذلك لقصور المقتضي ، حيث إن غاية ما تدلّ عليه الأخبار الواردة في المقام أن حدوث المتوسطة موجب للغسل الواحد في حقها ، والمفروض إنها أتت بوظيفتها واغتسلت ، وأمّا أنها إذا انقطعت ثم عادت أيضاً موجبة للحدث والاغتسال فهو محتاج إلى الدليل ولا يكاد يستفاد من الأخبار ، وبعبارة اخرى إن حدوث دم الاستحاضة المتوسطة هو الذي يستفاد من الأخبار كونه موجباً للاغتسال دون بقائه.

وعليه لا يمكن الاستدلال على وجوب الغسل للانقطاع بالإطلاقات ، كما لا مجال للتشبث بالصحيحة المتقدمة ، لأنها أجنبية عما نحن فيه ، حيث إنها تدل على أن طروء دم الاستحاضة وحدوثه فيما بينها وبين المغرب موجب للاغتسال في حقها. وأمّا أنه إذا انقطع ثم عاد أيضاً موجب للاغتسال فهي أجنبية عن ذلك رأساً.

وعليه ففي الاستحاضة المتوسطة إذا اغتسلت وصلّت ثم عاد دمها لا يجب عليها الغسل للانقطاع لأنه بلا موجب ، حيث إنها أتت بما هو وظيفة المستحاضة المتوسطة أعني الغسل الواحد ليومها وليلتها ، فلا يجب عليها الغسل ثانياً للانقطاع. كيف فلو لم ينقطع دمها لم يجب عليها غسل آخر ، فكيف بما إذا انقطع ثم عاد.

نعم ، يجب عليها بعد عود دمها أن تتوضأ للصلوات الآتية ، لإطلاق ما دلّ على أن المستحاضة المتوسطة يجب عليها الوضوء لكل صلاة ، وبما أنها رأت الدم بصفة المتوسطة فهي مستحاضة متوسطة يجب عليها الوضوء للصلوات الآتية ، هذا كله في المتوسطة.

بل يمكن أن يقال إن الأمر في الكثيرة أيضاً كذلك بالإضافة إلى الصلاة الثانية فيما إذا أرادت أن تجمع بين الصلاتين فاغتسلت وصلّت إحداهما ثم عاد الدم ، فلا يجب عليها أن تغتسل للثانية ، وذلك لإطلاق ما دلّ على كفاية الغسل الواحد في الكثيرة لصلاتين (١) ، والمفروض أنها اغتسلت فيكفيها ذلك الغسل بالإضافة لهما.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١.

١٢٧

[٨٠٣] مسألة ١٧ : المستحاضة القليلة كما يجب عليها تجديد الوضوء لكل صلاة ما دامت مستمرّة ، كذلك يجب عليها تجديده لكل مشروط بالطّهارة كالطواف الواجب ومسّ كتابة القرآن إن وجب (١) ،

______________________________________________________

نعم ، يجب عليها غسل آخر بالإضافة إلى باقي الصلوات ، لما دلّت عليه صحيحة ابن نعيم (١) وغيرها من أنها إذا سال دمها بينها وبين المغرب اغتسلت ، فإنها شاملة للمقام ، حيث إن المفروض سيلان دمها بعد الظهرين ، فهي مستحاضة بالكثيرة يجب أن تغتسل لكل صلاتين أو لكل صلاة.

وعليه فلا يجب غسل آخر للانقطاع وإن كان ذلك هو المشهور بينهم وهو الأحوط ، وإن كان الأقوى ما ذكرناه.

وجوب الوضوء في القليلة لكل مشروط بالطهارة‌

(١) وقع الكلام في أن المستحاضة القليلة إذا توضأت لصلاتها فهل يكفي ذلك للطواف والمسّ الواجبين حتى نتكلّم في المستحبين منهما ويأتي حكم المبحث؟.

المشهور بينهم بل ادعي التسالم عليه عدم حاجتها إلى الوضوء الجديد لهما بعد ما توضأت لصلاتها ، وذكروا أن المستحاضة إذا أتت بوظائفها فهي طاهرة.

وخالف في ذلك صاحب الموجز وشارحه [ و ] كاشف الغطاء (٢) ، حيث ذهبوا إلى وجوب التعدّد في الوضوء إذا تعدّد المسّ أو الطواف ، وأن وضوء المستحاضة لصلاتها لا يكفي فيهما ، ومن هنا احتاط الماتن قدس‌سره وقال : « وليس لها الاكتفاء بوضوء واحد للجميع على الأحوط ».

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٤ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٧.

(٢) نقله عنهما في المستمسك ٣ : ٤٢٠ / وظيفة المستحاضة القليلة. وراجع كشف الالتباس عن موجز أبي العباس ١ : ٢٤٥ ، كشف الغطاء : ١٤٠ السطر ٤.

١٢٨

وما أفاده هو الأحوط بل هو الأظهر ، وذلك لعدم إحراز كون الإجماع المدعى في المسألة إجماعاً تعبدياً وصل إلينا يداً بيد حتى يكشف عن قول الامام عليه‌السلام بل يحتمل كونه مستنداً إلى استنباطاتهم واجتهاداتهم ، ولا أقل من احتمال استنادهم في ذلك إلى عدم تعرض الأخبار لوجوب الوضوء على المستحاضة حينئذ للطواف أو المسّ مع ورودها في مقام البيان. فالإجماع على تقدير تحققه ساقط لا اعتبار به.

على أن الإجماع غير محقق ، لوجود المخالف في المسألة.

وثالثاً : أن ما حكي عنهم من أن المستحاضة إذا فعلت ذلك كانت بحكم الطاهرة مجهول المراد ، فإنه يحتمل أُموراً.

المحتملات في أن المستحاضة بحكم الطاهرة

الأوّل : وهو أظهر الاحتمالات ، أن المستحاضة إذا أتت بوظائفها فهي بحكم الطاهرة بالإضافة إلى صلاتها ، وذلك دفعاً لما ربما يتوهم من أن الدم الخارج منها أثناء صلاتها مانع عن صلاتها ، ومعنى ذلك أن المرأة طاهرة حينئذ وكأن الدم لم يخرج أصلاً.

وعلى هذا لا يستفاد منه عدم حاجتها إلى الوضوء بالنسبة إلى الطواف أو المسّ.

الثاني : أن يقال إن المرأة إذا أتت بوظائفها فهي طاهرة إلاّ أن طهارتها مؤقتة بما إذا كانت مشتغلة بأعمالها التي منها الصلاة ، بحمل كلمة « إذا » على التوقيت دون الاشتراط.

وهذا ذهب إليه المحقق الهمداني قدس‌سره وذكر أن معنى تلك الجملة أنها طاهرة ما دامت مشغولة بصلاتها ، واستدلّ عليه بأنها لو كانت طاهرة مطلقاً لم يكن وجه لما ذهب إليه المشهور من أن صحة صوم المستحاضة مشترطة باغتسالها قبل الفجر ، وذلك لأنها قد اغتسلت للعشاءين وأتت بوظيفتها وهي طاهرة ، فلما ذا أوجبوا الغسل عليها قبل الفجر لصحة صوم الغد (١).

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٣٢٧ السطر ١٨.

١٢٩

وما أفاده قدس‌سره وإن كان لا بأس به إلاّ أن حمل « إذا » على التوقيت خلاف الظاهر ، بل لا بدّ من حمله على الاشتراط ، فمعناه أنها إذا عملت بوظائفها فهي طاهرة بالإضافة إلى صلاتها وحسب.

وكيف كان فالأظهر هو الاحتمال الأول ، والثاني دونه في الظهور.

الثالث : أن يراد به أن كل امرأة مستحاضة أتت بوظائفها فهي طاهرة مطلقاً بالنسبة إلى جميع الأعمال المشروطة بالطهارة ، فلا يجب على المستحاضة بعد توضئها للصلاة أن تتوضأ للطواف أو المسّ. وهذا مجرد احتمال لا دليل مثبت له.

فالمتحصل : أن قولهم « إذا فعلت وظائفها كانت بحكم الطاهرة » غير ظاهر المراد والإجماع على تقدير تحققه عليه لا يثمر شيئاً ، فالمقدار المتيقن الثابت أن المستحاضة إذا أتت بوظائفها فهي بالإضافة إلى صلاتها طاهرة ، وأن الدم الخارج حال الوضوء أو بعده أو أثناء الصلاة غير مضر ، ووضوءها كاف بالنسبة إلى صلاتها.

وأمّا غيرها من الأفعال المشروطة بالطهارة فنحن ومقتضى القاعدة ، وهي تقتضي الوضوء للطواف والمسّ الواجبين ، لعدم العلم بكفاية وضوئها حتى لغير صلاتها ، ومع الشك في الكفاية لا بدّ من الإتيان بالوضوء ، حيث إن احتمال عدم وجوب الطواف والمسّ على المستحاضة مقطوع العدم ، لأن حالها حال سائر النساء ، كيف والطواف واجب على الحائض ، غايته إذا لم تتمكن منه استنابت فكيف بالمستحاضة.

كما أن احتمال عدم شرطية الطهارة لهما كذلك ، إذ لا مخصص لأدلة شرطية الطهارة لهما ، ومع وجوبهما على المستحاضة وهما مشروطان بالطهارة ولا دليل على كفاية الوضوء للفريضة عنهما ، فمقتضى القاعدة هو أن تأتي بالوضوء لأجلهما.

والوجه فيما ذكرناه : أن الطواف والمسّ أمران تبتلي بهما النساء ذوات الدم ، فلو لم تجب على المستحاضة أو لم تشترط في طوافهنّ الطهارة لأُشير إليه في شي‌ء من الأخبار لا محالة.

بقي الكلام في أن المستحاضة بالإضافة إلى صلاة الطواف هل تحتاج إلى وضوء لها أو أن وضوءها لصلاتها كاف لصلاة الطواف أيضاً.

١٣٠

وليس لها الاكتفاء بوضوء واحد للجميع على الأحوط وإن كان ذلك الوضوء للصلاة ، فيجب عليها تكراره بتكرارها حتى في المسّ يجب عليها ذلك لكل مسّ على الأحوط (١) ، نعم لا يجب عليها الوضوء لدخول المساجد والمكث فيها ، بل ولو تركت الوضوء للصلاة أيضاً.

______________________________________________________

لم أر من تعرّض لهذه المسألة ، ولكن ظهر حكمها ممّا بيناه آنفاً ، وحاصله : أن الوضوء لما لم يقم دليل على كفايته لغير صلاتها الفريضة فمقتضى القاعدة أن تتوضأ لغيرها من الأعمال المشروطة بالطهارة من الطواف والمسّ وصلاة الطواف وغيرها مضافاً إلى عموم قوله عليه‌السلام « فلتتوضأ لكل صلاة » (١) فإنه شامل لصلاة الطواف وغيرها.

تكرار الوضوء لكل مسّ‌

(١) بل هذا هو الظاهر ، وذلك لأن مقتضى قوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (٢) أن كل مسّ لا بدّ أن يقع قبله وضوء وطهارة ، غاية الأمر أنّا علمنا أن وضوء غير المستحاضة للصلاة أو لغيرها يكفي لمسه ما دام لم ينتقض ، كما يكفي لغير المسّ ممّا يشترط فيه الطهارة.

وأمّا وضوء المستحاضة فلا دليل على كونه كذلك ، لدلالة الأخبار المتقدمة على أن المستحاضة لا بدّ أن تتوضأ لكل صلاة ، فإذن يشك في كفاية وضوئها للمس أوّلاً لمسها ثانياً ، ومع الشك في كفاية وضوء المستحاضة للمس لمسها ثانياً لا بدّ من الرجوع إلى إطلاق النهي عن مسّ الكتاب على غير طهر ، وقد عرفت أنه يقتضي وقوع كل مسّ عن وضوء قبله ، وعليه يجب أن يتعدّد وضوء المستحاضة بتعدّد المسّ.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧١ ، ٣٧٤ ، ٣٧٥ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١ ، ٧ ، ٩.

(٢) الواقعة ٥٦ : ٧٩.

١٣١

[٨٠٤] مسألة ١٨ : المستحاضة الكثيرة والمتوسطة إذا عملت بما عليها جاز لها جميع ما يشترط فيه الطهارة‌ حتى دخول المساجد والمكث فيها وقراءة العزائم ومسّ كتابة القرآن (*) ، ويجوز وطؤها ، وإذا أخلّت بشي‌ء من الأعمال حتى تغيير القطنة بطلت صلاتها ، وأمّا المذكورات سوى المسّ فتتوقف على الغسل فقط ، فلو أخلت بالأغسال الصلاتية لا يجوز لها الدخول والمكث والوطء وقراءة العزائم على الأحوط ، ولا يجب لها الغسل مستقلا بعد الأغسال الصلاتية وإن كان أحوط. نعم إذا أرادت شيئاً من ذلك قبل الوقت وجب عليها الغسل مستقلا على الأحوط (١).

______________________________________________________

نعم ، لو قلنا بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية لأمكن في المقام أن يقال باستصحاب أثر الطهارة المتيقنة للمس أوّلاً عند مسها ثانياً وثالثاً ، للشك في بقائها وارتفاعها ، إلاّ أنّا لا نقول به في الأحكام.

إذا عملت المستحاضة بوظيفتها‌

(١) ذهب الماتن قدس‌سره تبعاً لجماعة إلى أن المستحاضة المتوسطة أو الكثيرة إذا أتت بغسلها جاز لها جميع ما يشترط فيه الطهارة من الدخول في المسجدين والمكث في المساجد وقراءة العزائم والوطء وغيرها وإن أخلت بغير الاغتسال كتغيير القطنة ، وذلك لأنه شرط في الصلاة دون غيرها.

وأمّا إذا أخلت بالأغسال فلا يجوز لها شي‌ء من ذلك. بل ذكر قدس‌سره أن زوجها إذا أراد الوطء قبل وقت الصلاة وجب عليها الاغتسال للوطء.

__________________

(*) في جوازه إشكال والأحوط تركه حتى بعد الغسل أو الوضوء ، ولا يبعد جواز قراءتها العزائم ودخولها المسجد والمكث فيه بل وطؤها أيضاً ولو لم تعمل بما عليها ، وإن كانت رعاية الاحتياط أولى في الجميع ، نعم بعد الغسل لصلاة يجوز وطؤها إلى زمان الأمر بالغسل ثانياً بلا إشكال.

١٣٢

جهات الكلام في المسألة

والكلام في هذه المسألة يقع من جهات :

الجهة الاولى : في اشتراط جواز وطء المستحاضة باغتسالها وعدمه.

الجهة الثانية : في اشتراط قراءتها العزائم به أي بالاغتسال.

الجهة الثالثة : في اشتراطه في جواز دخولها المسجدين والمكث في المساجد.

الجهة الرابعة : في اشتراط الغسل لمسّها الكتاب العزيز وعدمه.

أمّا الجهة الأُولى : فمقتضى الأخبار المتقدمة في جواز وطء الحائض بعد انقطاع دمها (١) أن الوطء للزوجة إنما يحرم ما دام الحيض باقياً ، فإذا انقطع دم الحيض منها وصارت طاهرة منه جاز وطؤها وإن كانت مستحاضة بالمتوسطة أو الكثيرة ، ولا دلالة في تلكم الروايات على اشتراط وطء المستحاضة باغتسالها.

وعليه لو فرضنا أن المرأة لا تصلِّي أو أنها تصلِّي من غير غسل لجهلها أو لغير ذلك فلا مانع من إتيان زوجها لها.

وليس في قبال هذه الأخبار سوى موثقة لسماعة « وإن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل » (٢) ، واستدل بها على أن وطء المستحاضة لا بدّ أن يكون بعد الاغتسال حملاً لقوله عليه‌السلام « حين تغتسل » على معنى بعد الاغتسال ، والموثقة مروية بطريقين ، والجملة المذكورة وردت في أحد الطريقين دون الآخر ، وهو الذي نقله عنه صاحب الوسائل في الباب الأول من الجنابة في الحديث الثالث (٣).

إلاّ أن حمل قوله عليه‌السلام « حين تغتسل » على ما بعد الاغتسال خلاف ظاهر الحديث جدّاً ولا وجه للالتزام به ، فالاستدلال بها ممّا لا وجه له.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٢٥ / أبواب الحيض ب ٢٧.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧٤ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٦.

(٣) الوسائل ٢ : ١٧٣ / أبواب الجنابة ب ١ ح ٣.

١٣٣

وبما أن الالتزام بظاهر الموثقة غير ممكن ، لأنها إنما تدل على جواز وطء المستحاضة حال الاغتسال أو في الآن المتصل بغسلها ، ولا يمكن الالتزام به ، لأنه غير مراد قطعاً ، فإن لازمه الحكم بعدم جواز وطء المستحاضة بعد حال اغتسالها ، وهذا ممّا لا يمكن التفوّه به ولا سيما في المتوسطة التي اغتسلت قبل الفجر ولا يجب عليها إلاّ الغسل مرّة واحدة ، لأن الموثقة مشتملة على حكم المتوسطة والكثيرة أيضاً ، وكيف يمكن الالتزام بعدم جواز وطء المستحاضة المتوسطة وإن اغتسلت قبل ذلك.

فلا مناص من حملها على محمل أقرب من حملها على ما بعد الاغتسال ، وهو أن يقال إن الرواية وردت إرشاداً إلى أمر غير شرعي ، وأن المراد بالجملة المذكورة هو ما قبل الاغتسال لئلاّ يجب على المرأة اغتسالان ، بل يأتيها زوجها قبل غسلها حتى يكفيها غسل واحد ، فالموثقة وردت للإرشاد إلى أن غسل الجنابة يغني عن غسل الاستحاضة ، وأن المرأة يأتيها زوجها قبل اغتسالها حتى لا يتكرر الاغتسال في حقها.

وهذا وإن كان خلاف ظاهر الحديث إلاّ أنه أقرب المحامل ، وعليه لا معارض للأخبار الدالّة على جواز وطء المستحاضة وإن لم تغتسل (١) ، لا سيما أن بعضها مشتمل على قوله « إذا شاء » (٢) ، فالاغتسال غير معتبر في وطء المستحاضة.

أمّا الجهة الثانية والثالثة : فالأمر فيهما أيضاً كذلك ، حيث لم يقم دليل على حرمة قراءة العزائم أو الدخول في المسجدين أو المكث في المساجد على المستحاضة حتى تغتسل ، وإنما دلّت الأخبار على حرمة تلكم الأُمور على الحائض وحسب (٣) ، فدعوى أن هذه الأُمور يعتبر الاغتسال لها في حق المستحاضة تحتاج إلى دليل.

نعم ، ذهب جماعة إلى حرمة تلك الأفعال على المستحاضة ما لم تغتسل لصلاتها أو لتلك الأفعال ، وقد حكى شيخنا الأنصاري قدس‌سره عن المصابيح أنه قد تحقق‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧١ ، ٣٧٩ / أبواب الاستحاضة ب ١ ، ٣ ، ٣١٧ / أبواب الحيض ب ٢٤ ح ١ ، ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧٢ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٤.

(٣) تقدّم ذكرها في البحث عن أحكام الحائض في شرح العروة ٧ : ٣٤١ وما بعدها.

١٣٤

أن مذهب الأصحاب تحريم دخول المساجد وقراءة العزائم على المستحاضة قبل الغسل ، واستظهر من ذلك الإجماع على توقف الأُمور المذكورة على غسلها (١).

وفيه : أن دعواهم للإجماع في المسألة لم تثبت أوّلاً.

وثانياً : أنه من الإجماع المنقول.

وثالثاً : أنه ظاهر البطلان لو كان مراد صاحب المصابيح هو الإجماع ، بل هو مقطوع الخلاف لذهاب جملة من الأصحاب كالشيخ (٢) والعلاّمة (٣) والأردبيلي (٤) وصاحبي المدارك (٥) والذخيرة (٦) إلى الجواز وعدم توقفها على الاغتسال ، ومعه كيف يمكن دعوى الإجماع في المسألة.

نعم ، قد يقال إن الحرمة وتوقف الأفعال المذكورة على الاغتسال مقتضى الاستصحاب فيما إذا كانت الاستحاضة مسبوقة بالحيض ، لحرمتها على الحائض فتستصحب.

المناقشات في التمسك بالاستصحاب في المقام

ولكن فيه وجوه من المناقشات وذلك :

أوّلاً : لأنه من الاستصحاب في الشبهات الحكمية وقد مرّ منّا المناقشة في جريانه مراراً.

وثانياً : فلو أغمضنا عن ذلك فالاستصحاب لا يجري في خصوص المقام لعدم اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة ، لأن الحيض والاستحاضة متقابلان في الأخبار‌

__________________

(١) كتاب الطهارة : ٢٦١ السطر ٢٥ / في الاستحاضة.

(٢) النهاية : ٢٩ ، المبسوط ١ : ٦٧ / في الاستحاضة ( لكن في الثاني خلاف لنقل المصنف ).

(٣) المنتهي ٢ : ٤١٦ ، التذكرة ١ : ٢٩١ / في الاستحاضة ( لكن في كليهما خلاف لنقل المصنف ).

(٤) لاحظ مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٦٤.

(٥) المدارك ٢ : ٣٧ / في أحكام المستحاضة ( لكنه لم يقل بالجواز إلاّ في دخول المساجد ).

(٦) الذخيرة : ٧٦ / في الاستحاضة ( لكنه لم يصرح بالجواز إلاّ في دخول المساجد ).

١٣٥

والحرمة قد ثبتت في حق الحائض ، وبعد انقطاع الحيض وارتفاعه ارتفعت الحرمة الثابتة لأجله لا محالة ، والمستحاضة موضوع ثان آخر نشك في حرمة تلك الأفعال في حقها بحيث لو قلنا فيها بالحرمة لكانت حرمة مغايرة لتلك الحرمة الثابتة على الحائض.

وممّا يؤيد ذلك أنّا لم نر ولم نسمع من أحد يحكم بوجوب الكفّارة في وطء المستحاضة ولو مع القول بحرمته في حقها ما لم تغتسل ، مع أن القائل بوجوب الكفّارة في وطء الحائض موجود.

فهذا يدلّنا على أن الحرمة على تقدير القول بها في المستحاضة هي حرمة أُخرى غير الحرمة الثابتة في حق الحائض ، ومع عدم اتحاد القضيتين لا مجرى للاستصحاب.

وثالثاً : لو أغمضنا عن ذلك فمقتضى إطلاق الآية الكريمة والروايات جواز وطء المستحاضة من دون حاجة إلى الاغتسال ، وذلك لقوله تعالى ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ) (١) أو « يطّهرن » بالتشديد ، فإن للغاية مفهوماً ، فتدل على عدم الحرمة بعد انقطاع الدم أو الاغتسال من الحيض. وفي حالة الاستحاضة يجوز وطؤها بمقتضى الآية المباركة.

كما أن مقتضى الأخبار (٢) ذلك ، بل بعضها عام ويدلُّ على أن المستحاضة يأتيها بعلها إذا شاء (٣).

ومن الظاهر أن مع وجود الإطلاق والدليل الاجتهادي لا مجال للتمسّك بالاستصحاب.

ورابعاً : أن الاستصحاب لو جرى فإنما يختص بما إذا حدثت الاستحاضة قبل غسل الحيض أو في أثنائه ، وأمّا إذا حدثت بعد الاغتسال من الحيض فمقتضى الاستصحاب جواز وطئها لا حرمته ، وذلك لأن الأزمنة ثلاثة :

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٢٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧١ ، ٣٧٩ / أبواب الاستحاضة ب ١ ، ٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٧٢ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٤.

١٣٦

أحدها : زمان القطع بالحرمة ، وهو ما قبل اغتسالها.

وثانيها : زمان القطع بالجواز ، وهو ما بعد اغتسالها.

وثالثها : زمان الشك في الحرمة وهو زمان حدوث الاستحاضة ، ومع تخلل اليقين بالجواز بين اليقين بالحرمة والشك فيها لا مجال لاستصحاب الحرمة بوجه ، هذا.

بل لو قلنا بجواز الوطء بعد الانقطاع وقبل الاغتسال يلزم في استصحاب الحرمة أن تكون الاستحاضة متصلة بدم الحيض ، إذ مع الفصل كما إذا حدثت في زمن اغتسالها أو بعده يتخلّل زمان القطع بالجواز بين زماني القطع بالحرمة والشك في الجواز ، وهذا في الأحكام المترتبة على انقطاع الدم كما في الوطء والطلاق دون ما يترتب على الغسل كدخول المسجدين ونحو ذلك.

فالمتحصل : أنه لا وجه للقول بتوقف الأفعال المذكورة في حق المستحاضة على الاغتسال ، لأنه محتاج إلى دليل ولا دليل عليه ، هذا.

وعن الوسيلة التفصيل بين الكعبة فلا يجوز للمستحاضة دخولها وبين سائر المساجد حتى المسجدين فيجوز (١) ، إلاّ أنه ممّا لم نقف له على مستند سوى مرسلة يونس بن يعقوب عمّن حدّثه عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : المستحاضة تطوف بالبيت وتصلِّي ولا تدخل الكعبة » (٢) ، وهي لضعفها وإرسالها لا يمكن الاعتماد عليها.

وهذا كلّه في غير الطواف والمسّ.

أمّا الطواف فمقتضى الأخبار المطلقة الدالة على وجوب الطواف أو استحبابه جوازه على المستحاضة من دون حاجة إلى الاغتسال ، كما أن ذلك مقتضى النصوص الخاصّة الواردة في أن المستحاضة لها أن تطوف بالبيت ، ومن جملتها خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المستحاضة أيطؤها زوجها؟ وهل‌

__________________

(١) الوسيلة : ٦١ / في أحكام المستحاضة.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٦٢ / أبواب الطواف ب ٩١ ح ٢.

١٣٧

تطوف بالبيت؟ قال عليه‌السلام : تقعد قرأها ... وكل شي‌ء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها ولتطف بالبيت » (١).

وقد ذكر صاحب الحدائق قدس‌سره أنها صحيحة السند (٢) ، وهي تدلّ على الملازمة بين استحلال الصلاة في حقها وجواز الوطء والطواف ، وحينئذ لا بدّ من ملاحظة معنى الاستحلال وهل المراد به المشروعية ، أعني الحلية الشأنية والطبعية كما هو الظاهر ، أو أن المراد به الحلية الفعلية؟

وعلى الأوّل تدل على جواز الوطء والطواف من غير غسل ، لحلية الصلاة ومشروعيتها في حق المستحاضة من غير حاجة إلى غسلها ، لأنّ الغسل ممّا لا يتوقف عليه أمرها وتكليفها بالصلاة ، وإنما له مدخلية في صحة صلاتها ، وبعبارة اخرى الغسل ليس من شروط أمرها بالصلاة وتكليفها بها ، وإنما هو شرط من شروط المأمور به أعني الصلاة.

وعلى الثاني تدلّ على عدم جواز وطئها وطوافها إلاّ بعد الغسل ، لأن حلية الصلاة فعلاً تتوقف على غسلها ولو لا اغتسالها لم تصح صلاتها.

والظاهر هو الأوّل ، لأنها بصدد بيان أن المستحاضة حكمها حكم باقي المكلفين الذين يشرع في حقهم الصلاة ، وهي ممن من شأنه أن تصح صلاتها ، وليست بصدد بيان أن حكمها يتوقف على صحة صلاتها فعلاً ، وإلاّ فلصحتها وحليتها الفعلية شروط اخرى لا يحتمل دخلها في جواز وطئها أو طوافها كدخول الوقت وطهارة ثوبها وبدنها مع أنه لا يحتمل أن يكون طوافها أو وطؤها مشروطاً بدخول الوقت أو طهارة الثوب والبدن ، وكذلك الوضوء الذي هو شرط في صلاة المستحاضة أي في بعض أقسامها مع أنه غير معتبر في جواز وطئها قطعاً ، فلا يكاد يشك في أن المراد بالحلية هو الحلية الشأنية وأنها مأمورة بالصلاة ، لا الحلية الفعلية أعني صحة صلاتها فعلاً.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٥ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٨.

(٢) الحدائق ٣ : ٢٩٣ / في الاستحاضة.

١٣٨

وأمّا المسّ فيتوقّف على الوضوء والغسل ، ويكفيه الغسل للصّلاة (١) ، نعم إذا أرادت التكرار يجب تكرار الوضوء والغسل على الأحوط ، بل الأحوط ترك المسّ لها مطلقاً.

______________________________________________________

ما هو الشرط لطواف المستحاضة

بقي الكلام في أن الطواف يشترط فيه الطهارة وأن طهارة المستحاضة في الطواف هل هي الوضوء فقط أو الغسل فقط أو الغسل والوضوء معاً؟

ربما يستشعر من عبارة الماتن قدس‌سره أن طهارتها هي الغسل للطواف ، ولكن الصحيح أن المستحاضة يكفيها الوضوء للطواف ولا يعتبر الاغتسال في حقها ، لأن الأخبار دلّت على أن وظيفة المستحاضة هي الغسل مرة واحدة أو ثلاث مرّات ، فلا دليل على وجوب غسل آخر في حقها ولا على مشروعيته.

بل إن مقتضى الأخبار الواردة في اشتراط الطواف بالوضوء إلاّ في الطواف المندوب (١) عدم صحته ممّن لا وضوء له ، نعم علمنا خارجاً أن الجنب ونظيره من المكلفين بالاغتسال يكفيهم الغسل عن الوضوء ، وأمّا المستحاضة فلم يدلّنا دليل على أن غسلها الواحد أو أغسالها كافية عن الوضوء ، لأن غاية ما تدلّ عليه الأخبار أن غسل المستحاضة الواحد أو المكرّر ممّا تستبيح به الصلاة ، وأمّا أنه كغيره من الأغسال في الإغناء عن الوضوء فهو محتاج إلى دليل.

وعليه فمقتضى إطلاق ما دلّ على اشتراط الطواف بالوضوء لزوم التوضؤ للمستحاضة إذا أرادت الطواف ، فحال الطواف حال الصلاة في حقها ، فكما أنها تتوضأ لكل صلاة من غير الفرائض الخمسة فكذا تتوضأ للطواف أيضاً.

ما هو الشرط للمسّ من المستحاضة‌

(١) هذه هي الجهة الرابعة من الكلام ، وحاصله أن المسّ قد يكون واجباً وقد‌

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٧٤ ، ٣٧٦ / أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٢ ، ٣ ، ٧ ، ٨ ، ٩.

١٣٩

يكون مندوباً ، كما تعرّضنا له في المستحاضة القليلة وأوضحنا حكم الواجب (١) وبقي حكم المندوب منه ، ويظهر إن شاء الله أن حكم المسّ المندوب في الاستحاضة القليلة وغيرها على حد سواء.

أمّا المسّ الواجب كما إذا كان المصحف في مكان موجب لهتكه فيجب مسه لرفعه عن ذلك المكان ، فمقتضى الأدلّة التي دلت على اشتراط المسّ بالطهارة والعمدة فيه قوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (٢) بضميمة ما ورد في تفسيرها (٣) ، لأنها بنفسها لا تدلّ على ذلك ، لأنه من المحتمل بل الظاهر من ( الْمُطَهَّرُونَ ) هو مَن طهّرهم الله سبحانه كما في قوله تعالى ( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٤) ، والمراد بالمس فهم الكتاب ودرك حقائقه دون المسّ الظاهري لكتابته ، إلاّ أن الرواية فسّرتها بالمس الظاهري ، وأيضاً دلّت عليه صحيحة أو موثقة أبي بصير قال « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمّن قرأ في المصحف وهو على غير وضوء ( طهر ) ، قال : لا بأس ولا يمس الكتاب » (٥) عدم جواز المسّ للمستحاضة وغيرها ممّن لا طهارة له ، ومقتضى دليل وجوب المسّ وجوبها على المستحاضة ، والجمع بينهما يقتضي الحكم بوجوب الوضوء والمسّ على المستحاضة إذا لم يكن بقاء المصحف في مدة التوضؤ مستلزماً للهتك ، وإلاّ فتمسه من دون وضوء.

وأمّا المسّ المندوب فمقتضى أدلّة اشتراط المسّ بالطهارة عدم جوازه على المستحاضة كما عرفت ، ولا دليل على كفاية وضوئها أو غسلها في الطهارة بالإضافة إلى المسّ المستحب ، ومن هنا لا بد من أن تتوضأ للصلاة الأُخرى أو تغتسل لها كما في الكثيرة.

__________________

(١) راجع ص ١٣١.

(٢) الواقعة ٥٦ : ٧٩.

(٣) الوسائل ١ : ٣٨٤ ، ٣٨٥ / أبواب الوضوء ب ١٢ ح ٣ ، ٥.

(٤) الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٥) الوسائل ١ : ٣٨٣ / أبواب الوضوء ب ١٢ ح ١.

١٤٠