المستشرقون والدّراسات القرآنيّة

الدكتور محمد حسين علي الصّغير

المستشرقون والدّراسات القرآنيّة

المؤلف:

الدكتور محمد حسين علي الصّغير


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المؤرّخ العربي
الطبعة: ١
الصفحات: ١٨٤

الفصل الثالث

ترجمة القرآن

٦١
٦٢

من أبرز جهود المستشرقين عنايتهم الخاصة بترجمة القرآن الكريم إلى أمهات اللغات العالمية ، والترجمة تحتاج إلى ذائقة فنية بارعة ، وأصالة في الفكر ، وإحاطة بصنوف البيان العربي ، إذ ليس من اليسير أن ينبري أفراد أو جماعات ، لغتهم الأصلية هي غير اللغة العربية ، لترجمة أعظم نص عربي ، اتسم ببلاغته الفائقة ، وأقدس كتاب عند المسلمين رأوا إعجازه في نظمه وتأليفه ، وسحره في أسلوبه وجودة تعبيره ، لذا فالترجمة تعني تمرس المترجم بكثير من فنون البيان ، وجملة من أساليب القول ، واضطلاع في اللغة والبلاغة ، وكفاية في المفردات المترادفة والمشتركة والمتضادة. وفي هذا الضوء تعتبر ترجمة القرآن من أعقد الدراسات القرآنية التي تحتاج إلى العلم والصبر والدقة والإحاطة.

وبمعاينة جهود المستشرقين في هذا المجال نجد ترجمة القرآن قد جاءت على نحوين : ترجمة كلية ، وترجمة جزئية ، ولا بد من الوقوف عند هاتين الظاهرتين لاستقراء موضوع الترجمة.

أولا ـ الترجمة الكلية :

لقد حاول كثير من المستشرقين ترجمة القرآن ترجمة كلية من ألفه إلى يائه رغم كل الصعوبات اللغوية والزمنية ، وقد وفق بعضهم في ذلك ، وخاب البعض الآخر ، وباستقراء الموضوع يبدو لنا أن بداية العمل في هذا الشأن ترجع إلى القرن الثاني عشر الميلادي.

١ ـ ففي أوروبا تمت أول ترجمة للقرآن بين عامي ( ١١٤١ م ـ ١١٤٣ م ) ، إلى اللغة اللاتينية بتوجيه وبطلب من الأب : ( بيتروس فينيرا

٦٣

بيليس ) ( بطرس المبجل ) رئيس ( ديركلوني ) بفرنسا ، وكانت مركزا مهما وكان ذلك على أرض أسبانية (١).

ويعتقد الأستاذ ( بلاشير ) أن هذه الترجمة لم تكن أمينة أو كاملة النص (٢).

وقد قام بهذه الترجمة ( روبرت الرتيني ) ، و ( هرمان الدلماشي الألماني ) ، وراهب اسباني عربي ، ولم تنشر هذه الترجمة إلا بعد أربعة قرون (٣).

وقد جاء في خطاب ( بطرس ) المكرم إلى القديس ( برنار ) : قابلت ( روبرت ) وصديقه ( هرمان الدلماطي ) ، بالقرب من ( الأبرو ) في اسبانيا ، وقد صرفتهما عن علم الفلك إلى ترجمة القرآن باللاتينية ، فأتماها عام ١١٤٣ م ، وكانت أول ترجمة للقرآن استعانا فيها باثنين من العرب ، نشرها ( ببلياندر ) في ثلاثة أجزاء في ( بال ) عام ( ١٥٤٣ م ) ، وكانت ( بال ) من أسبق المدن السويسرية إلى نشر ترجمة القرآن ، وقد أنجز ترجمته الثانية الأب ( ماركوس الطليطلي ) بتوجيه من الأسقف ( روديك دي وادا ) ، في القرن الثالث عشر (٤).

٢ ـ ونشر المستشرق الإيطالي ( أريفاين ) أول ترجمة من القرآن إلى الإيطالية ، فلما دخلت الحروف الشرقية إليها ، نشر فيها الساندرو ( باجيني ) أول طبعة من القرآن للنص العربي ، ( البندقية ، ١٥٣٠ م ) (٥). وفي عام ١٥٩٤ م أصدر هنكلمان ترجمته للقرآن (٦).

٣ ـ ثم ترجم القرآن إلى اللغة الألمانية من قبل ( شنيجر النور

__________________

(١) ظ : رودي بارت ، الدراسات العربية والإسلامية : ٩.

(٢) ظ : بلاشير ، القرآن نزوله وتدوينه : ١٥.

(٣) ظ : الموسوعة العربية الميسرة ، مادة : قرآن : ١٣٧٤ ، إشراف : محمد شفيق غربال ، مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر ، القاهرة : ١٩٦٥ م.

(٤) ظ : نجيب العقيقي ، المستشرقون : ١٢٤ و: ٨٧٧.

(٥) المرجع نفسه : ٣٥٧.

(٦) أبو عبد الله الزنجاني ، تأريخ القرآن : ٩١.

٦٤

مبرجي ، ( عام ١٦١٦ م ) ، وأعقبت ذلك ترجمة إلى الفرنسية بقلم ( سيور دوريز ) ( باريس ١٦٤٧ م ) وقد انتفع بهذه الترجمة : الكسندروس ، أحد قساوسة كاريسبروك ، حينما نقلها إلى الانجليزية ( لندن ، ١٦٤٩ م ) (١).

٤ ـ وفي إيطاليا يبدو أن الأب ( دومينيك جرمانوس ) ( ١٥٨٨ م ـ ١٦٧٠ م ) قام بأول ترجمة للقرآن إلى اللاتينية. وكان المستشرق الفرنسي ( مارسل ديفيك ) ( ت : ١٨٨٦ م ) أول من عثر عليها عام ( ١٨٨٣ م ) (٢).

٥ ـ وترجمة ( جرمانوس ) قد سبقت ( ماداتشي ) بثلاثين عاما ، إذ يوجد نص لاتيني للأب ( ماداتشي ) يعود إلى عام ( ١٦٩٨ م ) في ترجمة القرآن ، وقد أفاد من هذه الترجمة ( ج سيل ـ Geo ـ Salee ( الانجليزي ) ( ١٧٣٤ م ـ ١٧٦٤ م ) (٣).

وما تمتاز به ترجمة ماداتشي ( ١٦١٢ م ـ ١٧٠٠ م ) أنه نشر القرآن متنا وترجمة إيطالية أيضا مع شواهد من مصادر عربية لم ينشر معظمها حتى يومنا هذا ( بادوري ، ١٦٩٨ م ) (٤).

٦ ـ وقد قام جورج سيل ( ١٦٩٧ م ـ ١٧٣٦ م ) بترجمة القرآن إلى اللغة الإنكليزية ، وقد نجح في ترجمته ، فذكرها ( فولتير ) في القاموس الفلسفي ، وأعيد طبعها مرارا ، وقد اشتملت على شروح وحواش ومقدمة مسهبة هي في الحقيقة بمثابة مقالة إضافية عن الدين الإسلامي عامة ، حشاها بالإفك واللغو والتجريح ، وقد نقلها إلى العربية : ابن الهاشم العربي ( القاهرة ، ١٩١٣ م ) (٥).

٧ ـ وقد صدرت الترجمة الروسية للقرآن في عام ( ١٧٧٦ م ) بـ ( سنت بطرسبرج ) ( لينينجراد ) (٦).

__________________

(١) الموسوعة العربية الميسرة ، مادة : قرآن.

(٢) نجيب العقيقي ، المستشرقون : ٢٠٠ و: ٣٦١.

(٣) ظ : الموسوعة العربية الميسرة : مادة : قرآن.

(٤) ظ : نجيب العقيقي ، المستشرقون : ٣٦٢.

(٥) المرجع نفسه : ٤٧١.

(٦) الموسوعة العربية الميسرة ، مادة : قرآن.

٦٥

٨ ـ بينما نجد أن أول ترجمة علمية إلى الروسية قام بها ( سابلوكوف ) ( ١٨٠٤ م ـ ١٨٨٠ م ) ( عام ١٨٧٨ م ) ثم تكرر طبعها بين الأعوام ( ١٨٧٩ م ـ ١٨٩٨ م ) (١).

٩ ـ وفي هذه الأثناء توالت ترجمة القرآن ترجمة كلية إلى عدة لغات يمكن الإشارة إليها على الوجه التالي :

أ ـ الترجمة الفرنسية ، سافاراي ( ١٧٨٣ م ) وكازيميرسكي ، ( ١٨٤٠ م ) ، ( ١٨٤١ م ، ١٨٥٧ م ). وقد اشترك المستشرق الفرنسي ( أوكتاف بل ) مع ( سي محمد التيجاني ) في ترجمة القرآن الكريم إلى الفرنسية (٢).

وهناك ترجمة فرنسية للقرآن الكريم تمتاز بالضبط والدقة للأستاذ إدوارد مونتير ، وقد تحدث عنها الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي بما نصه : « كنت طالعت في مجلة المنار مقالا للأمير شكيب أرسلان عن ترجمة فرنسوية حديثة للقرآن الكريم ، وضعها الأستاذ إدوارد مونتيه. وقد قال عنها :

أنها أدق الترجمات التي ظهرت حتى الآن وقد نقل عنها إلى العربية مقدمة هذه الترجمة. وهي في تأريخ القرآن وتأريخ سيدنا رسول الله ، وقد نشرت في المنار.

فاقتنيت هذه الترجمة. فوجدتها قد أوفت على الغاية في الدقة والعناية. وقد ذيلها المترجم بفهرس لمواد القرآن مفصل أتم تفصيل » (٣).

وقد قام الأستاذ بلاشير المولود : (١٩٠٠) بترجمة القرآن ترجمة جديدة إلى الفرنسية في ثلاثة أجزاء ( باريس ١٩٤٧ م ـ ١٩٥٢ م ).

ب ـ الترجمة الألمانية ، بويسن ( ١٧٧٣ م ) ، ثم حققها وأعادها چ. قاهل؟؟؟ ( ١٨٢٨ م ) ، ول. أوهلمان ( ١٨٤٠ م ـ ١٨٥٣ م ).

__________________

(١) ظ : نجيب العقيقي ، المرجع السابق : ٩٣٧.

(٢) المرجع نفسه : ٢٦٣.

(٣) محمد فؤاد عبد الباقي ، تفصيل آيات القرآن الكريم مقدمة الطبعة الثانية : ٨ ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ١٩٦٩ م.

٦٦

ولا شك أن أجود الترجمات هي ترجمة الأستاذ فلوجل ( ١٩٤١ م ).

يقول المستشرق الألماني المعاصر رودي بارت : « وقد ظهرت بين عامي ( ١٩٦٣ م ـ ١٩٦٦ م ) ترجمة كاملة للقرآن بقلمي هي ثمرة اشتغال عميق بالنص القرآني استمرت سنوات طويلة ، وتقصد هذه الترجمة إلى المساعدة على فهم القرآن فهما تأريخيا ، فهي تضع الأجزاء المختلفة على النحو الذي اعتقد أنها عنيت به عند ما نطق بها النبي العربي. وكثيرا ما تتصف بالإيجاز والاقتضاب ، وتضع هذه الاضافات بين أقواس حتى يفرق بينها وبين النص الأصلي » (١).

ج ـ الترجمة الانجليزية. وقد ترجم ج. م. روديل القرآن إلى الانجليزية عام ( ١٨٦١ م ) ، وتمتاز هذه الترجمة بأن السور فيها مرتبة بحسب ترتيبها التأريخي على ما يدعي ، وصدرت بعدها ترجمة ف. ه. بالمو ، اكسفورد ، ( ١٨٨٠ م ) (٢).

وقد جاء مارمادوك وليم بكثول ( ١٨٧٥ ـ ١٩٣٦ ) وأعلن إسلامه ، وقضى ثلاث سنوات في ترجمة معاني القرآن ، قصد بعدها مصر لمراجعة ترجمته مع بعض العلماء ، وتعد ترجمته من خيرة الترجمات ، ( ١٩٣٠ م ) (٣).

وريتشارد بل ، وهو من رجال الدين في بريطانيا ، قد صرف سنين كثيرة في دراسة القرآن ، وترجمته له ( ١٩٣٧ م ـ ١٩٤١ م ) وإن لم يعرها الناس اهتمامهم ، إلا أن جل غرضه منها تحليل السور المتفرقة بوضع قوانين النقد الأدبي لها كما هي الحال في التواليف الغربية للأدب العالي (٤).

ومما لا شك فيه أن الجهود الانجليزية المتأخرة في الترجمة لها

__________________

(١) رودي بارت ، المرجع السابق : ١١٩.

(٢) ظ : الموسوعة العربية الميسرة : مادة : قرآن.

(٣) ظ : نجيب العقيقي ، المستشرقون : ٦٩٣.

(٤) المرجع نفسه : ٥٢٨.

٦٧

قيمتها الفنية ، إذ لم يكتف بترجمة القرآن إلى الانجليزية بل تعدت ذلك إلى اللغات الإقليمية ، فقد ترجم المسلم الانجليزي خالد شلدريك القرآن ، إلى لغة الإسبرانتو عام ( ١٩١٤ م ) (١).

وقد كان البروفسور أ. ج. آربري المولود ( ١٩٠٥ م ) دقيقا حينما اعتبر ترجمته للقرآن تفسيرا لفظيا فسماها : القرآن مفسرا ، وقد طبع في نيويورك ( ١٩٥٥ م ) ولندن ( ١٩٥٩ م ).

د ـ الترجمة السويدية ، وقد نقل المستشرق السويدي تورنبرج ( ١٨٠٧ م ـ ١٨٧٧ م ) القرآن إلى السويدية ، وطبع في لوند ، (١٨٧٤) ، وأعقبه ستر ستين السويدي ( ١٨٦٦ م ـ ١٩٥٣ م ) بترجمته إلى السويدية ، وطبع في استوكهلم ( ١٩١٧ م ) (٢).

هـ ـ الترجمة الهندية ، وقد قام المستشرق الهولندي الأستاذفت ( ١٨١٤ م ـ ١٨٩٥ م ) بترجمة القرآن إلى اللغة الهندية (٣).

و ـ الترجمة الهولندية ، قام المستشرق الهولندي كرامرز ( ١٨٩١ م ـ ١٨١٥ م ) بنشر ترجمة القرآن إلى الهولندية ، أمستردام ـ بروكسل ، ( ١٩٥٦ م ) (٤).

ز ـ الترجمة الإيطالية المتأخرة ، قام المستشرق الإيطالي برانكلي بترجمة القرآن من العربية إلى الإيطالية ، ترجمة حرفية ، روما ( ١٩١٣ م ) ونشر فراكاسي ، القرآن متنا وترجمة إيطالية في (٣٥٩) صفحة خلا المقدمة ، ميلانو ، ( ١٩١٤ م ) ، وأعقبهما الأستاذ بونللي ( ١٨٦٥ م ـ ١٩٤٧ م ) بترجمة القرآن ترجمة حرفية بالإيطالية مع التفسير في (٥٢٤) صفحة وطبع مرتين ، الأولى : نابولي ، ( ١٩٢٩ م ) ، والثانية : ميلانو ، ( ١٩٤٠ م ) (٥).

__________________

(١) ظ : الموسوعة العربية الميسرة : مادة : قرآن.

(٢) ظ : نجيب العقيقي ، المستشرقون : ٨٩٧.

(٣) المرجع نفسه : ٦٦٢.

(٤) المرجع نفسه : ٦٧١.

(٥) المرجع نفسه : ٣٨٣.

٦٨

ولعلنا بما تقدم قد استقصينا الحديث عن أغلب وأشهر الترجمات القرآنية الكلية ، ويستحسن الرجوع بالإضافة إلى ما سبق إلى ما ذكره شفلي في تأريخ القرآن في هذا المجال ، وإلى قائمة بروكلمان في أحدث الترجمات للقرآن (١).

ثانيا ـ الترجمة الجزئية :

أ ـ هناك جهود متناثرة في ترجمة القرآن جزئيا ، باقتطاف بعض سوره ، وإخضاعها إلى الترجمة في لغات شتى ؛ ففي حروب بولونيا مع الأتراك اقتنى اندراي أكولوتوس ( ١٦٥٤ م ـ ١٧٠٤ م ) نسخة من القرآن بترجمتين تركية وفارسية فترجمها ، ولكنه لم يوفق إلى نشرها فاكتفى بنماذج منها ، مرفقا كل نص عربي بترجمة فارسية وتركية ولاتينية بعنوان : نصوص من القرآن مترجمة إلى أربع لغات ، برلين ، ( ١٧٠١ م ) (٢).

ب ـ وقد ترجم القرآن جزئيا البركازيميرسكي البولوني ( ١٨٠٨ م ـ ١٨٨٧ م ) إلى الفرنسية ترجمة تعوزها بعض الأمانة العلمية وفهم البلاغة العربية (٣).

ج ـ وقد ترجم عدة فصول من القرآن إلى الاسبانية المستشرق السويدي سترستين ، ونشرها في مجلة العالم الشرقي ( ١٩١١ م ) (٤).

د ـ وقد نقل المستشرق الدانماركي ( بول ـ Bull ) عدة أجزاء من القرآن إلى الدانماركية فأظهر في ذلك سعة اطلاع على الإسلام (٥).

هـ ـ وقد أورد الأستاذ بروكلمان قائمة ببعض الترجمات الجزئية تلحظ بالشكل التالي :

__________________

(١) ظ : كارل بروكلمان ، تأريخ الأدب العربي : ١ / ١٤٢.

(٢) ظ : نجيب العقيقي ، المستشرقون : ٨٢١.

(٣) المرجع نفسه : ٨٢٤.

(٤) المرجع نفسه : ٨٩٧.

(٥) ظ : بروكلمان ، تأريخ الأدب العربي : ١ / ١٤٢.

٦٩

الانجليزية

M. Alc

لاهور ١٩٢٨ م

الفرنسية

لاماس

١٩٣٠ م

الانجليزية

Gr. Sarwar

لندن ١٩٣١ م. لا هور ١٩٣٥ م

التشيكية

أ. ر. نيكل

براغ ١٩٣٤ م (١)

وفي هذا القدر مما ذكرناه حول ترجمة القرآن الكلية والجزئية نكون قد ألقينا مزيدا من الضوء على أجواء هذه الظاهرة.

__________________

(١) المرجع نفسه : ١ / ١٤٢+ الموسوعة العربية الميسرة : مادة : قرآن.

٧٠

الفصل الرابع

التحقيق والفهرسة والتدوين

٧١
٧٢

من معالم جهود المستشرقين البارزة في مجالات الدراسات القرآنية : نشر جملة نفيسة من الكتب ، وتحقيق طائفة من المصادر التي تبحث في القراءة والتفسير وعلوم القرآن ، وقد جاءت هذه الذخائر محققة في أغلبها على الوجه الأكمل ، مما يكشف لنا عن صدق المعاناة ، والصبر والجلد والأناة ، في إيصال النص للمتلقي كما تركه مؤلفه ، وكما كتبه مصنفه ، ولم يكتف بهذا عند المستشرقين ، بل توج العمل التحقيقي بفهارس وملاحق تنير أمام القارئ الطريق في الافادة من النصوص.

أ ـ التحقيق :

والحق أن المانيا قد سبقت في هذا المجال سبقا مجليا ، فنشرت لنا من التراث القرآني على يد علمائها ، ما نحن بحاجة ماسة إليه ، وقد تكفل القرن التاسع عشر بتأصيل هذا الجهد الاستشراقي ، وإعطاء ثماره يانعة.

لقد قرر المجمع العلمي البافاري في ميونخ جمع المصادر الخاصة بالقرآن الكريم وعلومه ، وضبط قراءاته لنشرها ، فتولى الأستاذ براجشتريسر ( ١٨٨٦ م ـ ١٩٣٣ م ) هذه المهمة الفريدة ، وعاونه في بعضها الأستاذ أوتو بريتسل ( ١٨٩٣ م ـ ١٩٤١ م ). فقد انتدب المجمع المذكور بريتسل بعد وفاة براجشتريسر لاستكمال هذا الجهد ، فبادر من فوره إلى تصوير تلك المصادر والمصاحف تصويرا شمسيا في عدة نسخ لتيسير الاطلاع عليها في ميونخ ، والحصول على صور منها ، ثم تدوين كل آية من القرآن الكريم في لوح خاص ، يحوي متنوع الرسم في مختلف المصاحف ، مع بيان قراءاتها ومتعدد تفاسيرها.

٧٣

وقد انجلت هذه المهمة الخاصة عن نشر هذه الطائفة من المصادر في القراءة والتدوين وعلوم القرآن على الوجه الآتي :

١ ـ كتاب التيسير في القراءات السبع : لأبي عمر وعثمان بن سعيد الداني.

٢ ـ كتاب المقنع في رسم مصاحف الأمصار ، من كتاب النقط : للداني.

٣ ـ كتاب مختصر الشواذ : لابن خالويه : المكتبة الإسلامية ، مجلد ٧ ، ١٩٣٤ م.

٤ ـ كتاب المحتسب لابن جنّي : وقد طبع بحروف لاتينية ، منشورات المجمع العلمي البافاري ، ميونخ ، ١٩٣٣ م.

٥ ـ غاية النهاية في طبقات القراء ، لابن الجزري ، المكتبة الإسلامية ، مجلد ٨ ، ( ١٩٣٣ م ـ ١٩٣٥ م ) ثم بالقاهرة.

٦ ـ كتاب معاني القرآن للفراء النحوي.

٧ ـ كتاب الإيضاح في الوقف والابتداء لأبي بكر الأنباري : إسلاميكا ، ٦ ، ٢٣٤ ، ثم طبع بالقاهرة للمكتبة ـ الإسلامية (١).

٨ ـ ويبدو أن براجشتريسر وبريتسل ، كانا على جانب كبير من الاهتمام بدراسة القرآن الكريم ، ونشر ما يتعلق بآثاره ، فقد اشتركا في نشر الجزء الثالث من تأريخ النص القرآني لنولدكه.

٩ ـ ولقد نشر بريتسل بمعاونة إيزني : فصائل القرآن ـ وآدابه ، لأبي عبيد القاسم بن سلام.

١٠ ـ ومما تجدر الإشارة إليه إنّ لبريتسل بحوثا تتعلق في مخطوطات نادرة بعلوم القرآن ، وتحقيقات في أهمية هذه الكتب ، ووصفا لمحتوياتها ، وتعليقات على مناهجها.

__________________

(١) ظ : ترجمة بريتسل ، بقلم : سبيتالر ، المجلة الشرقية الألمانية ، ١٩٤٢ م + المستشرقون : ٧٥٩.

٧٤

فله في مجلّة إسلاميكا :

أ ـ كتاب معاني القرآن لابن منظور ( ٦ / ١٦ ).

ب ـ كتاب تعليل القراءات السبع للشيرازي ( ٦ / ١٧ ).

ج ـ كتاب المشتبه في القرآن للكسائي ( ٦ / ٢٤ ).

* * *

ونضيف إلى ما تقدم حصره بالاشارة إلى أهم معالم النشر والتحقيق لجملة من المستشرقين من مختلف الجنسيات والهويات ، ويتراوح ضبطها بين الدقة ، وبين القبول بوجه حسن كالآتي :

١ ـ المستشرق الألماني فرايتاج ( ١٧٨٨ م ـ ١٨٦١ م ) حقق ونشر بمجهوده :

أسرار التأويل وأنوار التنزيل للبيضاوي ، ليبزيج ، ١٨٤٥.

٢ ـ المستشرق الانكليزي وليم ناسوليز ( ١٨٢٥ م ـ ١٨٨٩ م ) حقق طيلة أربع سنوات : ( ١٨٥٦ م ـ ١٨٥٩ م ) ، الكشاف لجاد الله الزمخشري في ٤٨٥ صفحة.

٣ ـ المستشرق النمساوي شبرنجر ( ١٨١٣ م ـ ١٨٩٣ م ) ، حقق ونشر : الاتقان في علوم القرآن ، لجلال الدين السيوطي.

٤ ـ المستشرق الانكليزي السير وليم موير ( ١٨١٩ م ـ ١٩٠٥ م ) حقق كتاب : شهادة القرآن لكتب أنبياء الرحمن ، نشر ( ١٩٦٠ م ).

٥ ـ المستشرق المريكي آرثر جفري ، قام بتحقيق ونشر :

١ ـ كتاب المصاحف للسجستاني ( مؤسسة دي خويه ، ليدن ، ١٩٣٧ م ).

٢ ـ مقدمتان في علوم القرآن ، لابن عطية ومجهول ، طبع في دار الصاوي ، القاهرة ، ١٩٧٢ م.

إن هذه القوائم المتقدمة لا تمثل كل نتاج المستشرقين في عالم التحقيق ، بل تمثل أبرز الأعمال وأهمها من خلال استقرائنا فحسب.

٧٥

ب ـ الفهرسة :

وأما فهرسة القرآن الكريم فقد ظهرت بشكلها البدائي في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر حينما وضع المستشرق الانكليزي وليم بدويل ( ١٥٦١ م ـ ١٦٣٢ م ) فهرسا للقرآن باللغة التركية ، مع تعداد تفاسير القرآن ، وطبع في ليدن ، ( ١٦١٥ م ) (١).

أما فهرسة القرآن بإطارها العلمي المنظم فقد بدأت في أوائل القرن التاسع عشر ، وقد تأصلت ـ فيما وصل إلينا ـ عند المستشرق الألماني الأستاذ جوستاف فلوجل ( ١٨٠٢ م ـ ١٩٧٠ م ) حينما ألّف أول معجم مفهرس للقرآن الكريم في اللغة العربية ، عني بألفاظ القرآن ومفرداته وأسماه :

( نجوم الفرقان في أطراف القرآن ) وطبع لأول مرة عام ( ١٨٤٢ م ) في ليبزيج ، وقد كان هذا الكتاب نواة صالحة ، بل أساسا محكما ، اعتمد عليه محمد فؤاد عبد الباقي في وضع : ( المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ) فتعقب عليه ما فاته ، واستدرك فيه ما خفي عليه من وجه الصواب (٢). لقد كان عمل الأستاذ فلوجل من أعمال المستشرقين الجليلة حتى أننا لم نجد مثله في فهرسة مواد القرآن وألفاظه ، حتى إذا جاء المستشرق الألماني مالير ( ١٨٥٧ م ـ ١٩٤٥ م ) وجدناه قد استند على معجم فلوجل ، فألف ( دليل القرآن ) وقد جمع فيه مفرداته وأفعاله حتى حروف الجر والعطف ، وقد رقمت فيه السور والآيات لهذه الغاية ، وطبع للمرة الثانية في باريس ( ١٩٢٥ م ).

ولقد قام المستشرق الفرنسي ( جول لابوم ) بوضع ( تفصيل آيات القرآن الكريم ) باللغة الفرنسية ، وذلك بترتيب الآيات الخاصة بالموضوع الواحد في فصل واحد ، فكأنه قد فرق القرآن نجوما بحسب موضوعاته فجمعها موضوعا موضوعا ، ولقد قام الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي

__________________

(١) ظ : نجيب العقيقي ، المستشرقون : ٤٦٥.

(٢) ظ : محمد فؤاد عبد الباقي ، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ، المقدّمة ، مطبعة دار الكتب المصرية ، ١٩٤٥ م.

٧٦

صاحب المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم بترجمة هذا العمل الجليل إلى اللغة العربية بإشارة من السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار ، وقضى في ترجمتها سبعة شهور كاملة ، كان نهايتها يوم ( ٨ مارس سنة ١٩٢٤ م ) وطبعت عدة مرات ، ولقد ذيّلها بعد نفاد الطبعة الأولى بفهرس تفصيلي وضعه المستشرق الفرنسي الأستاذ ادوار مونتيه وسماه بالمستدرك بعد أن نقله إلى العربية أيضا ، وقد وفّر الأستاذ عبد الباقي رحمه‌الله للباحثين فرصة كبيرة حينما ترجم هذين العملين الخالدين ، فكان أحدهما مكملا للآخر وان لم يستوعبا مواد القرآن وموضوعاته ولا آياته بعامة.

بل ندت بعض الآيات في بعض الأبواب التي بلغت العشرات ثم قسمت إلى مئات المفردات من الموضوعات القرآنية. ولقد طبع التفصيل والمستدرك حديثا طبعة أنيقة ومنقحة بتاريخ ١٧ / ٣ / ١٩٦٩ بدار الكتاب العربي في بيروت وعليها اعتمدنا في وصفنا لها.

وهناك بحث عن مفردات القرآن للمستشرق الأمريكي تشارلز توادي المولود ١٨٦٣ م ، نشر في مجلة عالم الإسلام ١٩٣٩.

ولما كان عمل الأستاذ فلوجل ومالير من بعده متكاملا إلى حد كبير ، فقد رأينا جهود المستشرقين في الفهرسة تنصب في قناة أخرى تمثل اتجاها يدور حول فهرسة ما ألف في القرآن تارة ، وفي قرائه تارة أخرى ، وتقتصر ثالثة على فهرسة بعض كتب التفسير بما يعتبر عملا « ببلغرافيا » محضا.

١ ـ فمن النوع الأول ما قام به المستشرق الانكليزي ( ستوري ) المولود ١٨٨٨ م فقد وضع فهرسا حاصا بأدب القرآن لمكتبة ديوان الهند في لندن في ٤٥٠ صفحة ، وطبع في كمبريدج عام ١٩٣٠ م.

وهناك بحث في هذا المجال للمستشرق الألماني الأستاذ هلموت ريتر ، عن القرآن والحديث في مكتبات استانبول نشره في مجلة الإسلام الألمانية ١٩٢٨ م.

٢ ـ ومن النوع الثاني ما قام به الأستاذ براجشتريسر في وضع معجم

٧٧

لقراء القرآن مع تراجمهم ، وكان ذلك بحثا رقّي به صاحبه إلى درجة الاستاذية عام ١٩١٢ م.

ومن الجدير بالذكر في هذا المجال ، أن نجد بريتسل قد صنف كتابا عن ( مراجع القرآن وعلومه ) ، ورسالة في ( تأريخ علم قراءة القرآن ) ، والكتابان مرجعان في فهرسة مراجع القرآن وقراءاته (١).

٣ ـ ومن النوع الثالث ما حققه المستشرق الألماني هوسلاتير إذ وضع فهرسا لتفسير الطبري ( ستراسبورج ـ ١٩١٢ م ).

وترجم جوزيف شاخت مقتطفات منه ، ليدن ١٩٣٠ م (٧٨) (٢).

* * *

ج ـ التدوين :

وفي مجال التدوين وحفظ النصوص نجد أن في مكتبة باريس الوطنية ١٦٥٤ قد تجمعت قطع من القرآن على الرق من القرون الثاني والثالث والرابع للهجرة (٣).

وبإشراف المجمع العلمي البافاري في ميونيخ تم تدوين كل آية من القرآن الكريم في لوح خاص يحوي ، متنوع الرسم في متعدد المصاحف مع بيان قراءاتها وتنوع تفاسيرها (٤).

وهناك بحث عن هذا الموضوع بعنوان ( صحائف القرآن ) للمستشرق الأمريكي : كورما رازومي ( ١٧٨٨ م ـ ١٩٤٧ م ) تراه في نشرة المتحف الفني في بوسطن ١٩٢٠.

وهناك جهد تدويني من نوع خاص يدور حول فهرسة المخطوطات المتعلقة بالقرآن أو تفاسير أو علومه ، ويمثل هذه الظاهرة اثنان من المستشرقين :

__________________

(١) ظ : نجيب العقيقي ، المستشرقون : ٧٦٠.

(٢) المرجع نفسه : ٧٢٩.

(٣) المرجع نفسه : ١٥٦.

(٤) المرجع نفسه : ٦٩١.

٧٨

١ ـ فيراتشكو فسكايا ، ( ولدت ١٨٨٤ م ) ، زوجة المستشرق الروسي كراتشكوفسكي ، فقد بحثت بأصالة عن نوادر مخطوطات القرآن من القرن السادس عشر ، وقد كتب الأستاذ أمين الخولي عن هذا الجهد في بحثه الذي مثل به الجمهورية العربية المتحدة في مؤتمر المستشرقين الدولي الخامس والعشرين ، فقال : « قدمت السيدة كراتشكوفسكي بحثا عن نوادر مخطوطات القرآن الكريم في القرن السادس عشر الميلادي ، وإني أشك في أن كثيرين من أئمة المسلمين يعرفون شيئا عن هذه المخطوطات ، وأظن أن هذه مسألة لا يمكن التساهل في تقديرها » (١).

٢ ـ الأستاذ كارل بروكلمان ( ١٨٦٨ م ـ ١٩٥٦ م ) الذي لخص لنا في صورة إجمالية أسماء من ألف بالقراءات ، مستعينا بما كتبه براجشتريسر في كتابه : ( تأريخ القرآن ) ، وما جاء في الفهرس ، وما اطلع عليه هو شخصيا ، ثم تدرج تأريخيا بإعطاء جدول بأبرز المفسرين ما بين القرن الأول الهجري حتى نهاية القرن الرابع الهجري ، مبتدئا بابن عباس ( ت : ٦٩ ه‍ ـ ٧٠ ه‍ ) ومنتهيا بتفسير القرآن ، لأبي الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم (٢).

* * *

__________________

(١) أمين الخولي ، مجلة الشبان المسلمين ، القاهرة ، عدد ديسمبر ١٩٦٠ م.

(٢) ظ : بروكلمان ، تأريخ الأدب العربي : ٤ / ١ ـ ١٩ ، ترجمة د. يعقوب بكرود. رمضان عبد التواب.

دار المعارف بمصر ، القاهرة ١٩٧٧ م.

٧٩
٨٠