العقائد الإسلاميّة - ج ١

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الإسلاميّة - ج ١

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-118-4
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٣٧٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

كما توجد في مصادرنا أحاديث أخرى عديدة ، يمكن أن تصل إلى مجموعات أخرى :

ـ كالذي رواه في الكافي ج ١ ص ٣٩٧

علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور ، عن فضل الأعور ، عن أبي عبيدة الحذاء قال : كنا زمان أبي جعفر عليه‌السلام حين قبض نتردد كالغنم لا راعي لها ، فلقينا سالم بن أبي حفصة فقال لي : يا أبا عبيدة من إمامك ؟ فقلت أئمتي آل محمد فقال : هلكت وأهلكت أما سمعت أنا وأنت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية ؟ فقلت : بلى لعمري ، ولقد كان قبل ذلك بثلاث أو نحوها دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فرزق الله المعرفة فقلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن سالماً قال لي كذا وكذا ، قال فقال : يا أبا عبيدة أنه لا يموت منا ميت حتى يخلف من بعده من يعمل بمثل عمله ويسير بسيرته ويدعو إلى ما دعا إليه ، يا أبا عبيدة إنه لم يمنع ما أعطى داود أن أعطى سليمان ، ثم قال : يا أبا عبيدة إذا قام قائم آل محمد عليه‌السلام حكم بحكم داود وسليمان لا يسأل بينة . انتهى . وروى مثله في بصائر الدرجات ص ٢٥٩ ، ونحوه في ص ٥٠٩ وص ٥١٠

ـ والذي رواه في أعلام الدين ص ٤٥٩

وسأله أبو بصير عن قول الله تعالى : وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ، ما عنى بذلك ؟ فقال : معرفة الإمام واجتناب الكبائر ، ومن مات وليس في رقبته بيعة لإمام مات ميتة جاهلية ، ولا يعذر الناس حتى يعرفوا إمامهم ، فمن مات وهو عارف بالإمامة لم يضره تقدم هذا الأمر أو تأخر ، فكان كمن هو مع القائم في فسطاطه . قال : ثم مكث هنيئة ثم قال : لا بل كمن قاتل معه ، ثم قال : لا بل والله كمن استشهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . انتهى . ورواه في بحار الأنوار ج ٢٧ ص ١٢٦ ـ عن أعلام الدين .

تفسير الحديث في مذهب أهل البيت عليهم‌السلام

في هذا الحديث الشريف عناصر ومفاهيم عديدة ، نذكر أهمها :

٣٢١
 &

المفهوم الأول : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بلغ الأمة نظام الإمامة من بعده ، وأنه الطريق الوحيد لضمان عدم الوقوع في الجاهلية . وأن الله تعالى جعل الإمام ركناً عملياً من أركان الإسلام مثل الصلاة والزكاة والحج ، وجعل طاعته فريضة على كل مسلم .

ـ روى في الإمامة والتبصرة ص ٦٣

سعد ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن حماد بن عيسى ، عن إسماعيل بن جعفر : عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فسأله عن الأئمة عليهم‌السلام فسماهم حتى انتهى إلى ابنه ، ثم قال : والأمر هكذا يكون ، والأرض لا تصلح إلا بإمام ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من مات لا يعرف إمامه ، مات ميتة جاهلية . ثلاث مرات .

المفهوم الثاني : أن الأئمة الذين قصدهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هم الأئمة من ذريته عليهم‌السلام فقد أخبره الله تعالى أنهم سيكونون في الأمة في كل عصر مع القرآن لا يفترقان حتى يردا عليه الحوض ، كما ورد في حديث الثقلين الذي صح عند الجميع .

بل روت مصادرنا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد نص في هذا الحديث على أن الأئمة من ذريته ففي مستدرك الوسائل ج ١٨ ص ١٧٦ قال :

أبو الفتح الكراجكي في كنز الفوائد ، عن محمد بن أحمد بن شاذان القمي عن أحمد بن محمد بن عبيد الله بن عياش ، عن محمد بن عمر ، عن الحسن بن عبد الله بن محمد بن العباس الرازي ، عن أبيه ، عن علي بن موسى الرضا ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من مات وليس له إمام من ولدي ، مات ميتة جاهلية ، يؤخذ بما عمل في الجاهلية والإسلام . انتهى . ورواه في تفسير نور الثقلين ج ١ ص ٥٠٣ وص ٥٤٠ وج ٢ ص ٢٨٢ وج ٣ ص ١٩٤ وج ٤ ص ٢٤٠ وتفسير كنز الدقائق ج ٢ ص ٥٩٥ ، وغيرها .

وقد روى جميع المسلمين شهادات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حق علي والحسن والحسين عليهم‌السلام وروى الشيعة شهاداته وشهادات علي والحسنين في حق بقية الأئمة عليهم‌السلام ومن ذلك :

٣٢٢
 &

ـ ما رواه البرقي في المحاسن ص ١٥٥ : عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن بشير العطار ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يوم ندعو كل أناس بإمامهم ، ثم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنى إمامكم ، وكم من إمام يجئ يوم القيامة يلعن أصحابه ويلعنونه ، نحن ذرية محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمنا فاطمة عليها‌السلام وما آتى الله أحداً من المرسلين شيئاً إلا وقد آتاه محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله كما آتى المرسلين من قبله ، ثم تلا : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً .

وروى الطبرسي في أعلام الدين ص ٤٥٩ : عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه‌السلام في قول الله تعالى : وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ، ما عنى بذلك ؟ فقال : معرفة الإمام واجتناب الكبائر ، ومن مات وليس في رقبته بيعة لإمام مات ميتة جاهلية ، ولا يعذر الناس حتى يعرفوا إمامهم .

المفهوم الثالث : أن هذا الحديث الثابت المتواتر ، يؤيد نفي أهل البيت وشيعتهم للروايات القائلة بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يوص بشئ في أمر الخلافة ، لأنه يدل على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أرسى نظام الإمامة وعين أشخاصه من ذريته ، كما أمره الله تعالى ، وهو في هذا الحديث يوجه الأمة إلى ضرورة معرفة الإمام في كل عصر ، فإن تعبير ( لا يعرف إمام زمانه ) يدل على أن مشكلة وجود الإمام في كل زمان محلولة في الإسلام بتكفل الله تعالى ببقاء ذرية نبيه إلى يوم القيامة واختياره إماماً منهم في كل عصر ، وإنما هي مشكلة المسلمين في أن يعرفوا إمام زمانهم ويبايعوه !

والمتأمل في الحديث الشريف يرى أن اختيار الله تعالى محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله للنبوة واختيار آله من بعده للإمامة ، منسجم مع سنة الله تعالى في الأنبياء السابقين وذرياتهم ، وبالتالي فالحديث بعيد كل البعد عن عالم اختيار الناس لأنفسهم بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعيدٌ عن منطق تقسيم الأمر بين بني هاشم الذين كانت لهم النبوة ، وبين قبائل قريش الذين ينبغي أن تكون لهم الخلافة مناوبةً أو مغالبةً كما قالوا . . . . إلى آخر المنطق القرشي القبلي الذي ظهر في مرض النبي ويوم وفاته ، وانتصر في

٣٢٣
 &

السقيفة في فترة انشغال أهل البيت بجنازة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ! وسيطر على الحكم في تاريخنا الإسلامي إلى أن انتهى على يد العثمانيين بأسوأ نهاية !

المفهوم الرابع : أن المسلم في كل عصر لا يتم إسلامه حتى يبايع الإمام من ذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يعتقد به ويعترف بما له من حق الطاعة بأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله . فالذي لا يعرف الإمام يكون فيه نوع من الجهل والجاهلية ، وإن مات على ذلك مات على نوع من الجاهلية .

المفهوم الخامس : أن أهل بيت النبي صلى الله عليه وعليهم هم امتحان الأمة بعد نبيها ، فهم ميزان الإسلام والجاهلية ، وهم ميزان الإيمان والنفاق ، وهم ميزان الوفاء للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإطاعته بعد رحيله أو عصيانه . وقد وردت أحاديث كثيرة في مصادر الطرفين تنص على هذه المفاهيم الإسلامية وتؤكدها وتؤيدها .

من ذلك ما روته مصادر الطرفين وصححه علماء الحديث ، من أن بغض علي عليه‌السلام علامة على النفاق وعدم الإيمان بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ـ فقد روى أحمد في مسنده ج ١ ص ٩٥ وص ١٢٨ وص ٢٩٢ عن زر بن حبيش عن علي رضي‌الله‌عنه قال عهد إليَّ النبي صلی الله عليه وسلم أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق . ورواه الترمذي في سننه ج ٥ ص ٣٠٦ ، وقال الترمذي في سننه ج ٥ ص ٢٩٨ :

حدثنا قتيبة أخبرنا جعفر بن سليمان ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري قال : إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب . هذا حديث غريب . وقد تكلم شعبة في أبي هارون العبدي ، وقد روى هذا عن الأعمش عن أبي صالح عن سعيد .

ـ وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٣٢

وعن جابر بن عبد الله قال : والله ما كنا نعرف منافقينا على عهد رسول الله صلی الله عليه وسلم إلا ببغضهم علياً . رواه الطبراني في الأوسط والبزار بنحوه ، إلا أنه قال ما كنا نعرف منافقينا معشر الأنصار ، بأسانيد كلها ضعيفة ( . . . . ) .

٣٢٤
 &

وعن ابن عباس قال : نظر رسول الله صلی الله عليه وسلم إلى علي فقال : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ، من أحبك فقد أحبني ومن أبغضك فقد أبغضني ، وحبيبي حبيب الله وبغيضي بغيض الله ، ويل لمن أبغضك بعدي . رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات إلا أن في ترجمة أبي الأزهر أحمد بن الأزهر النيسابوري أن معمراً كان له ابن أخ رافضي فأدخل هذا الحديث في كتبه ، وكان معمر مهيباً لا يراجع وسمعه عبد الرزاق . وعن عمران بن الحصين أن رسول الله صلی الله عليه وسلم قال لعلي : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق . رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه محمد بن كثير الكوفي حرق أحمد حديثه وضعفه الجمهور ووثقه ابن معين ، وعثمان بن هشام لم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات ( . . . . ) .

ـ وروى في كنز العمال ج ١٣ ص ١٠٦

عن أبي ذر قال : ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلی الله عليه وسلم إلا بثلاث : بتكذيبهم الله ورسوله ، والتخلف عن الصلاة وببغضهم علي بن أبي طالب . خط ، في المتفق .

ـ وروى الحاكم في المستدرك ج ٣ ص ١٢٨

. . . عن ابن عباس رضي الله عنهما قال نظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي فقال : يا علي أنت سيد في الدنيا ، سيد في الآخرة ، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله ، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله ، والويل لمن أبغضك بعدي . صحيح على شرط الشيخين ، وأبو الأزهر بإجماعهم ثقة ، وإذا تفرد الثقة بحديث فهو على أصلهم صحيح .

ـ وروى الحاكم في ج ٣ ص ١٣٥

. . . سمعت عمار بن ياسر رضي‌الله‌عنه يقول سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي : يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك ، وويل لمن أبغضك وكذب فيك . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

٣٢٥
 &

ـ وروى الحاكم في ج ٣ ص ١٤٢ ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخبر علياً بأن الأمة ستغدر به من بعده ! فقال : عن حيان الأسدي سمعت علياً يقول قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الأمة ستغدر بك بعدي ، وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي . من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني ، وإن هذه ستخضب من هذا يعني لحيته من رأسه . صحيح . انتهى .

بل روى الشيعة والسنة إخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن مبغض علي عليه‌السلام ( يموت ميتة جاهلية ) فقد روى الصدوق في علل الشرائع ج ١ ص ١٥٧ :

حدثني الحسين بن يحيى بن ضريس ، عن معاوية بن صالح بن ضريس البجلي قال : حدثنا أبو عوانة قال : حدثنا محمد بن يزيد وهشام الزراعي قال : حدثني عبد الله بن ميمون الطهوي قال : حدثنا ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال بينا أنا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في نخيل المدينة وهو يطلب علياً عليه‌السلام إذا انتهى إلى حايط فاطلع فيه فنظر إلى علي وهو يعمل في الأرض وقد اغْبَارَّ ، فقال : ما ألوم الناس أن يكنوك أبا تراب ، فلقد رأيت علياً تمعر وجهه وتغير لونه واشتد ذلك عليه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ألا أرضيك يا علي ؟ قال : نعم يا رسول الله ، فأخذ بيده فقال : أنت أخي ووزيري وخليفتي في أهلي تقضي ديني وتبرئ ذمتي ، من أحبك في حياة مني فقد قضى له بالجنة ، ومن أحبك في حياة منك بعدي ختم الله له بالأمن والإيمان ، ومن أحبك بعدك ولم يرك ختم الله له بالأمن والإيمان وآمنه يوم الفزع الأكبر ، ومن مات وهو يبغضك يا علي مات ميتة جاهلية يحاسبه الله عز وجل بما عمل في الإسلام . وروى نحوه في ص ١٤٤ ، وروى نحوه المغربي في شرح الأخبار ج ١ ص ١١٣ ، وقال في ص ١٥٧ : وبآخر عن علي صلوات الله عليه ، أنه قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله أمرني أن أدنيك فلا أقصيك ، وأن أعلمك فلا أجفوك ، وحق علي أطيع ربي عز وجل ، وحق عليك أن تعي . يا علي من مات وهو يحبك كتب الله له بالأمن والأمان ما طلعت شمس وما غربت ، ومن مات وهو يبغضك مات ميتة الجاهلية وحوسب بعمله في الإسلام .

٣٢٦
 &

انتهى . وروى في ج ٢ ص ٤٧ : يا علي إنه من أبغضك في حياتي وبعد موتي مات ميتة جاهلية ، وحوسب بعمله في الإسلام . يا علي أنت معي في الجنة . انتهى . وروى نحوه في مستدرك الوسائل ج ١٨ ص ١٨١ وص ١٨٧ وص ١٨٢ وفيه ( من مات لا يعرف إمام دهره . . )

ـ وروى محمد بن سليمان في مناقب أمير المؤمنين ج ١ ص ٣٢٠ ، وروى نحوه في ج ٢ ص ٤٨٦ فقال :

محمد بن منصور عن أبي هشام الرفاعي محمد بن يزيد ، عن عبد الله بن ميمون الطهوي ، عن ليث عن مجاهد : عن ابن عمر قال : بينا أنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في نخل بالمدينة وهو يطلب علياً إذ انتهى إلى حائط فاطلع فيه فنظر إلى علي وهو يعمل في الأرض وقد أغبار فقال له : ما ألوم الناس أن يكنوك بأبي تراب . قال ابن عمر : فلقد رأيت علياً تمعر وجهه وتغير لونه واشتد ذلك عليه فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا أرضيك يا علي ؟ قال : بلى يا رسول الله ، قال : أنت أخي ووزيري وخليفتي في أهلي ، تقضي ديني وتبرئ ذمتي . من أحبك في حياة مني فقد قضى نحبه ، ومن أحبك في حياة منك بعدي فقد ختم الله له بالأمن والإيمان ، ومن أحبك بعدك ولم يرك ختم الله له بالأمن والإيمان وآمنه يوم الفزع الأكبر . ومن مات وهو يبغضك يا علي مات ميتة جاهلية يهودياً أو نصرانياً ، ويحاسبه الله بما عمل في الإسلام . ثم قال ابن عمر : لقد سماه الله في أكثر من ثلاثين آية سماه فيها كلها مؤمناً .

وقال في هامشه : هذا الحديث ـ أو قريب منه سند ومتناً ـ رواه الحافظ الطبراني في الحديث : ١٠٠ أو ما حوله من مسند عبد الله بن عمر من كتاب المعجم الكبير : ج ٣ من المخطوطة الورق ٢٠ / ب .

ـ ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٢١ ، وتوقف في صحته ، قال : رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه . وقال عن رواية أخرى له : رواه أبو يعلى وفيه زكريا الإصبهاني وهو ضعيف . وقال عن رواية ثالثة له في ج ٩ ص ١١١ : رواه الطبراني في

٣٢٧
 &

الكبير والأوسط وفيه حامد بن آدم المروزي وهو كذاب . وقال عن رواية رابعة له : رواه الطبراني في الأوسط وفيه أشعث ابن عم الحسن بن صالح وهو ضعيف ولم أعرفه . انتهى . وقد رأيت تضعيفه للأحاديث المتقدمة التي صححها الحاكم على شرط الشيخين وعلى شرطه !

ـ ولكن الهندي رواه ووثقه ، قال في كنز العمال ج ١١ ص ٦١٠ وج ١٣ ص ١٥٩ :

عن علي قال : طلبني رسول الله صلی الله عليه وسلم فوجدني في جدول نائماً فقال : قم ما ألوم الناس يسمونك أبا تراب ، قال فرآني كأني وجدت في نفسي من ذلك : قم والله لأرضينك ! أنت أخي وأبو ولدي ، تقاتل عن سنتي وتبرئ ذمتي ، من مات في عهدي فهو كنز الله ، ومن مات في عهدك فقد قضى نحبه ، ومن مات بحبك بعد موتك ختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت ، ومن مات يبغضك مات ميتة جاهلية وحوسب بما عمل في الإسلام . ع ، قال البوصيري : رواته ثقات . انتهى .

المفهوم السادس : أن معنى ( مات ميتة جاهلية ) يتفاوت حسب حالة الشخص فقد روى في الكافي ج ١ ص ٣٧٧ . . . . عن الحارث بن المغيرة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ؟ قال : نعم ، قلت جاهلية جهلاء أو جاهلية لا يعرف إمامه ؟ قال جاهلية كفر ونفاق وضلال . ونحوه في المحاسن ص ١٥٥ ونحوه في الإمامة والتبصرة ٨٢ عن الإمام الباقر عليه‌السلام وفي رواية منها ( مات ميتة جاهلية كفر وشرك وضلال ) .

ـ وروى الصدوق في كمال الدين ج ٢ ص ٤١٣ : عن سليم بن قيس الهلالي . . . . عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية . . . . وإن سلمان قال : يا رسول الله إنك قلت من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية ، من هذا الإمام ؟ قال : من أوصيائي يا سلمان ، فمن مات من أمتي وليس له إمام منهم يعرفه فهي ميتة جاهلية ، فإن جهله وعاداه فهو مشرك ، وإن جهله ولم يعاده ولم يوال له عدواً فهو

٣٢٨
 &

جاهل وليس بمشرك . انتهى . ونحوه في ص ٦٦٨ .

وهذا الحكم النبوي غير عجيب ، وإن بدا شديداً ، لأن الجميع رووا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله من أبغض أهل البيت عليهم‌السلام أو نصب لهم العداوة فهو كافر . ولا يتسع المجال لاستعراض حكم الناصبي والنواصب في مصادر فقه الطرفين . ولذلك فإن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مات ميتة جاهلية ، وقوله في هذا الحديث : فإن جهله وعاداه فهو مشرك ، منسجم مع آية المودة في القربى ، وما رواه الجميع في تفسيرها . أما إذا كان موقف المسلم الجهل بأهل البيت عليهم‌السلام بدون موقف عدائي منهم . . فلا يكون ناصبياً . وفي الحديث الذي وثقه البوصيري دلالة مهمة على أن محب علي عليه‌السلام يموت على الإسلام ولا يحاسب بما عمل في الإسلام ، وأن مبغضه يموت على جاهلية ويحاسب بما عمل في الجاهلية وفي الإسلام ! ! فيكون علي عليه السلام ميزاناً لجميع الأمة مع رسول الله صلی الله عليه وآله .

تفسير الشيعة الزيدية للحديث

ـ مسند زيد بن علي ص ٣٦١

حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي ( ع م ) قال : من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية إذا كان الإمام عدلاً براً تقياً .

ـ الأحكام في الحلال والحرام ج ٢ ص ٤٦٦

تقريب القول فيما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية .

قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه : إذا كان في عصر هذا الإنسان إمام قائم زكي ، تقي ، علم ، نقي ، فلم يعرفه ولم ينصره وتركه وخذله ومات على ذلك مات ميتة جاهلية ، فإذا لم يكن إمام ظاهر معروف باسمه مفهوم بقيامه ، فالإمام الرسول والقرآن وأمير المؤمنين ، وممن كان على سيرته وفي صفته من ولده .

٣٢٩
 &

فتجب معرفة ما ذكرنا على جميع الأنام إذا لم يعلم في الأرض في ذلك العصر إمام ، ويجب عليهم أن يعلموا أن هذا الأمر في ولد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خاصاً دون غيرهم ، وأنه لا يعدم في كل عصر حجة لله يظهر منهم إمام يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فإذا علم كلما ذكرنا وكان الأمر عنده على ما شرحنا ثم مات فقد نجا من الميتة الجاهلية ومات على الميتة الملية ، ومن جهل ذلك ولم يقل به ولم يعتقده فقد خرج من الميتة الملية ومات على الميتة الجاهلية . هذا تفسير الحديث ومعناه .

الفرق بين صيغ الحديث في مصادرنا ومصادر إخواننا

روت مصادر إخواننا السنة هذا الحديث بشكل واسع وصيغ متعددة ، وفي بعضها لفظة : إمام كما في مصادرنا ، وفي أكثر صيغه حلت محلها لفظة : أمير . وقد خلت صيغه عندهم تقريباً من مادة معرفة الإمام وحلت محلها بيعة الإمام أو الأمير .

ونلاحظ وجود عناصر جديدة في رواياتهم ، منها أن يكون ذلك الإمام إمام جماعة ، والمقصود به الذي يستطيع أن يسيطر على أكثرية الناس في منطقته ، مهما كان أسلوبه في السيطرة ، فهو في مصطلح إخواننا إمام جماعة ، ومن يعارضه إمام فرقة .

ومنها ، حرمة نكث بيعته والخروج عليه .

ومنها ، أنه لا يشترط فيه أي شروط إلا أن يكون من قبائل قريش ، ويسيطر على أكثرية الناس في بلده ، أو أكثرية الأمة . .

ومنها ، أنه لا يجوز لغير قريش أن تتصدى لحكم المسلمين أو تطمع فيه ، كما أن الصراع القبلي بين قبائل قريش على الخلافة حرام . . . . إلى آخر الإضافات التي تعكس الخلاف الدموي على الخلافة ومحاولة فرقائه بإسناد مواقفهم بتطوير هذا الحديث وغيره ! كما روت مصادر إخواننا تطبيقات الصحابة والتابعين لهذا

٣٣٠
 &

الحديث ، خاصة عبد الله بن عمر ، وأبي سعيد الخدري .

والسبب في سعة روايته عندهم أن أصل الحديث كان مشهوراً ، وكانت السلطة تحتاج إليه ـ بشرط تحريفه ومصادرته ـ ليكون شعاراً لإثبات شرعيتها ثم لتحريم الخروج عليها ، ولذلك كثر توظيفه لمصلحة الحاكم حتى لو كان في أول أمره خارجاً على الشرعية وتسلط على المسلمين بالقهر والغلبة ، فقد استشهد بهذا الحديث معاوية بن أبي سفيان ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٥ ص ٢١٨ : عن معاوية قال : قال رسول الله صلی الله عليه وسلم : من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية . وفي رواية من مات وليس من عنقه بيعة مات ميتة جاهلية . انتهى .

ولكن مهما كانت الفروقات في صيغ الحديث ، ففيه عنصران ثابتان عند الطرفين ، وهما أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تحدث عن نظام الحكم من بعده . وأنه تحدث عن الإمام ونظام الإمامة ولم يتحدث عن نظام الخلافة .

وهذه الحقيقة رأس خيط في الإعتقاد بأن الله تعالى قد اختار نوع نظام الحكم للأمة بعد نبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله ووضع له آلية ، وأن هذا الحديث إحدى مفردات هذه الآلية التي وصلت إلينا باتفاق جميع الأطراف !

ومن السهل أن نتعقل معنى الحديث أو صيغة الحكم الإسلامي على مذهب أهل البيت عليهم‌السلام وأن الله تعالى اختار ذرية نبيه للإمامة من بعده ، وضَمِن بقدرته استمرار وجود إمام منهم في كل عصر ، وكلف الأمة بمعرفته وبيعته ، وجعل خاتمهم الإمام المهدي الموعود عليه‌السلام الذي يظهر سبحانه على يده دينه على الدين كله ، ويملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، على حد تعبير جده المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأما على مذهب إخواننا السنة فمن المشكل أن يتعقل الإنسان أن مشروع الله تعالى لخاتم الأديان هو نظام الخلافة الذي بدأ يوم وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في السقيفة ، وامتد في تاريخ الأمة صراعات متصلة على الخلافة وأمواجاً من الإنقسامات والدماء ، حتى انتهى بسقوط الخلافة العثمانية ، واستسلام الأمة استسلاماً ذليلاً لأعدائها الغربيين ! !

٣٣١
 &

روايات إخواننا التي وردت فيها لفظة إمام

ـ روى أحمد في مسنده ج ٤ ص ٩٦

عن عاصم عن أبي صالح ، عن معاوية ، قال قال رسول الله صلی الله عليه وسلم : من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية .

ـ وروى الطيالسي في مسنده ص ١٢٥٩

حدثنا أبو داود قال : حدثنا خارجة بن مصعب ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلی الله عليه وسلم يقول : من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية ، ومن نزع يداً من طاعة جاء يوم القيامة لا حجة له .

ـ وروى ابن حبان في صحيحه ج ٧ ص ٤٩

عن معاوية ، قال : قال رسول الله صلی الله عليه وسلم : من مات وليس له مات ميتة جاهلية . وقال ابن حبان : قوله صلی الله عليه وسلم : مات ميتة الجاهلية معناه : من مات ولم يعتقد أن له إماماً يدعو الناس إلى طاعة الله حتى يكون قوام الإسلام به عند الحوادث والنوازل ، مقتنعاً في الإنقياد على من ليس نعته ما وصفنا ، مات ميتة جاهلية .

ـ وروى الطبراني في معجمه الكبير ج ١٠ ص ٣٥٠

حدثنا الحسن بن جرير الصوري ، ثنا أبو الجماهر ، ثنا خليد بن دعلج ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عباس قال قال رسول الله صلی الله عليه وسلم : من فارق جماعة المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، ومن مات ليس عليه إمام فميتته جاهلية ، ومن مات تحت راية عمية يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتلته جاهلية .

ـ وروى الحاكم في المستدرك ج ١ ص ١١٧

. . من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجعه . وقال : من مات وليس عليه إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلية .

٣٣٢
 &

ـ وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٥ ص ٢١٨ ـ ٢١٩

عن معاوية قال : قال رسول الله صلی الله عليه وسلم من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية . وفي رواية من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية . رواه الطبراني وإسنادهما ضعيف . انتهى . ولكنه مال الى تصحيحه في ج ٥ ص ٢٢٥

وعن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلی الله عليه وسلم : ألا إن الجنة لا تحل لعاص ، ومن لقي الله ناكثاً بيعته لقيه وهو أجذم ، ومن خرج من الجماعة قيد شبر متعمداً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، ومن مات ليس لإمام جماعة عليه طاعة مات ميتة جاهلية . رواه الطبراني وفيه عمرو بن واقد وهو متروك .

وعن أبي الدرداء قال قام فينا رسول الله صلی الله عليه وسلم فقال : ألا إن الجنة لا تحل لعاص ، من لقي الله وهو ناكث بيعته يوم القيامة لقيه وهو أجذم ، ومن خرج من الطاعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، ومن أصبح ليس لأمير جماعة عليه طاعة بعثه الله يوم القيامة من ميتة جاهلية ، ولو أعذر عبد أسنه الناس يوم القيامة . رواه الطبراني وعمر بن رويبة وهو متروك .

ـ وروى النووي في المجموع ج ١٩ ص ١٩٠

حديث مسلم الآتي وقال : وأخرجه عن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر بمعنى حديث نافع ، وأخرجه الحاكم عن ابن عمر بلفظ : من خرج من الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجعه ، ومن مات وليس عليه إمام جماعة فإن ميتته ميتة جاهلية . وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ : من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فميتته جاهلية . انتهى . ورواه البيهقي في سننه ج ٨ ص ١٥٦

ـ وروى في كنز العمال ج ١ ص ١٠٣ : من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية . حم ، طب ، عن معاوية .

ـ وروى في كنز العمال ج ١ ص ٢٠٧ ـ ٢٠٨

من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقه الإسلام من عنقه حتى يراجعه .

٣٣٣
 &

ومن مات وليس عليه إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلية . ك ، عن ابن عمر .

من فارق المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، ومن مات ليس عليه إمام فميتته ميتة الجاهلية ، ومن مات تحت راية عمية يدعو إلى عصيبة أو ينصر عصيبة فقتلته جاهلية . طب .

من فارق جماعة المسلمين شبراً أخرج من عنقه ربقة الإسلام ، والمخالفين بألويتهم يتناولونها يوم القيامة من وراء ظهورهم ، ومن مات من غير إمام جماعة مات ميتة جاهلية . ك ، عن ابن عمر .

ـ وفي كنز العمال أيضاً ج ٦ ص ٦٥

من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية ، ومن نزع يداً من طاعة جاء يوم القيامة لا حجة له . ط ، حل ، عن ابن عمر .

رواياتهم التي فيها لفظ طاعة

ـ روى ابن أبي شيبة في مصنفه ج ١٥ ص ٣٨

حدثنا علي بن حفص ، عن شريك ، عن عاصم ، عن عبد الله بن عامر ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلی الله عليه وسلم : من مات ولا طاعة عليه مات ميتة جاهلية ، ومن خلعها بعد عقده إياها فلا حجة له .

ـ وروى أحمد في مسنده ج ٣ ص ٤٤٦

عن عبد الله بن عامر ، يعني ابن ربيعة عن أبيه قال قال رسول الله صلی الله عليه وسلم : من مات وليست عليه طاعة مات ميتة جاهلية ، فإن خلعها من بعد عقدها في عنقه لقي الله تبارك وتعالى وليست له حجة . وقال قال الحسن : بعد عقده إياها في عنقه .

ـ وروى البخاري في تاريخه ج ٦ ص ٤٤٥ ، أوله ، كما في ابن أبي شيبة .

ـ ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٢٣ وقال : رواه أحمد ، وأبو يعلي ، والبزار ، والطبراني . وروى نحوه في ج ٢ ص ٢٥٢ . . وغيرهم . . . . وغيرهم .

٣٣٤
 &

رواياتهم التي توجب طاعة الحاكم الجائر

وهي كثيرة جداً في مصادر إخواننا ، وقد وصل فيها التحذير إلى حد اعتبار الثائر على الحاكم الجائر خارجاً عن الإسلام ، باغياً ، واجب القتل ، مهدور الدم ، يموت موتة جاهلية وأنه كافر مخلد في النار ، لكنه إذا انتصر صار حاكماً شرعياً واجب الطاعة ، وصار الخارج عليه ملعوناً كما كان هو ملعوناً قبل ساعة . . وهكذا تصنع السياسة ومخالفة الرسول ! !

ـ روى مسلم في صحيحه ج ٦ ص ٢١

عن أبي هريرة عن النبي صلی الله عليه وسلم أنه قال : من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية .

ـ وروى مسلم في ج ٦ ص ٢٢

عن الحسن بن الربيع ، عن حماد قال : من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه ، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية . . . . انتهى . وروى نحوه ابن ماجة ج ٢ ص ١٣٠٢

ـ وروى الحاكم في المستدرك ج ١ ص ١١٨

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من فارق الجماعة فمات ، مات موتة جاهلية . انتهى . وروى نحوه أحمد في مسنده ج ٢ ص ٩٣ وص ١٢٣ وص ١٥٤ وص ٢٩٦ وص ٣٠٦ وص ٤٨٨ وج ٣ ص ٤٤٥ و ٤٤٦

ـ وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٥ ص ٢١٨

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سيليكم بعدي ولاة ، فيليكم البر ببره والفاجر بفجوره ، فاسمعوا لهم . انتهى . والنسائي ج ٧ ص ١٢٣ والدارمي ج ٢ ص ٢٤١ والبيهقي في سننه ج ٨ ص ١٥٧ والهيثمي في مجمع الزوائد ج ١ ص ٣٢٤ وج ٦ ص ٢٨٦ وكنز العمال ج ٣ ص ٥٠٩ وج ٦ ص ٥٢ وابن حزم في المحلى ج ٩ ص ٣٥٩ . . وغيرهم . . وغيرهم . .

٣٣٥
 &

مدرسة البخاري في تفسير هذا الحديث

لعل أكثر هذا الروايات صراحة في التأكيد على حرمة الخروج على الحاكم ، تلك التي تحذر المسلمين من موتة الجاهلية إذا هم لم يطيعوه ويتحملوا منه مهما كانت أعماله مكروهة ، وقد اقتصر البخاري في صحيحه على هذه الروايات فلم يرو شيئاً في التحذير من ميتة الجاهلية غيرها ! ولأن إطاعة الحاكم عنده ولو كان جائراً هي الضمان الوحيد لعدم رجوع المسلم إلى الجاهلية ، قال في صحيحه ج ٨ ص ٨٧ :

. . . . عن أبي رجاء عن ابن عباس عن النبي صلی الله وسلم قال : من كره من أميره شيئاً فليصبر ، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية . ورواه أيضاً في نفس الصفحة بعدة روايات . ورواه أيضاً في ج ٨ ص ١٠٥ ورواه مسلم في صحيحه ج ٦ ص ٢١ والبيهقي في سننه ج ٨ ص ١٥٦ ـ ١٥٧ وج ١٠ ص ٢٣٤ وأحمد في مسنده ج ١ ص ٢٩٧ وص ٣١٠ ونحوه في ج ٢ ص ٧٠ وص ٩٣ وص ١٢٣ وص ٤٤٥ وفي ج ٣ ص ٤٤٦

ـ وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٥ ص ٢١٩ اعلاناً من الله ورسوله ببراءة ذمة المسلمين عند الله تعالى في طاعتهم لحكام الجور ، قال :

عن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله صلی الله عليه وسلم قال : أطيعوا أمراءكم مهما كان ، فإن أمروكم بشئ مما جئتكم به فإنهم يؤجرون عليه وتؤجرون بطاعتهم ، وأن أمروكم بشئ مما لم آتكم به فإنه عليهم وأنتم منه براء ، ذلكم بأنكم إذا لقيتم الله قلتم ربنا لا ظلم فيقول لا ظلم ، فتقولون ربنا أرسلت إلينا رسلاً فأطعناهم بإذنك واستخلفت علينا خلفاء فأطعناهم بإذنك ، وأمرت علينا أمراء فأطعناهم بإذنك ، فيقول صدقهم هو عليهم وأنتم منه براء . رواه الطبراني وفيه إسحق بن إبراهيم بن زبريق وثقه أبو حاتم وضعفه النسائي ، وبقية رجاله ثقات . انتهى .

والفرية الكبرى في هذا الحديث أن الحاكم الجائر قد استخلفه الله تعالى على عباده وأمرهم بطاعته مهما عصى الله تعالى ( واستخلفت علينا خلفاء فأطعناهم بإذنك ) بل ادعى واضع الحديث أن ذلك يشمل عمال الحاكم وموظفيه أيضاً

٣٣٦
 &

( وأمرت علينا أمراء فأطعناهم بإذنك ) !

ومن العجيب أن مخالفي أهل البيت عليهم‌السلام يستكثرون أن يكون الله عز وجل اختار لهذه الأمة اثني عشر إماماً بعد نبيها من ذريته ، وقد صحت رواياته عند الطرفين ، ولا يستكثرون ما في مصادرهم وعقائدهم من الإفتراء على الله تعالى بأنه اختار كل الحكام والطغاة والمفسدين في الأرض بل والكفار المستعمرين أئمة وحكاماً وأمر المسلمين بطاعتهم ! !

عبد الله بن عمر يطبق تفسير إخواننا للحديث

من أبرز من روي عنه حديث الميتة الجاهلية عبد الله بن عمر ، وقد اقترنت روايته بقصة عبد الله مع الحديث وتطبيقاته له في حياته التي امتدت إلى زمن الحجاج الثقفي وخلافة عبد الملك بن مروان ، وقد ذكرت مصادر الحديث والتاريخ والفقه أن عبد الله بن عمر كان يعارض كل تحرك ضد الحاكم مهما فسق وطغى بحجة هذا الحديث ، لأن المهم برأيه أن يكون في عنق المسلم بيعة لأحد ، أي أحد ، وأن لا ينام على فراشه ليلة إلا والبيعة في عنقه ، حتى لا يموت موتة جاهلية ! !

ـ روى مسلم صحيحه ج ٦ ص ٢٢

عن زيد بن محمد عن نافع قال : جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية فقال : إطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة ، فقال : إني لم آتك لأجلس ، أتيتك لأحدثك حديثاً سمعت رسول الله صلی الله عليه وسلم يقوله ، سمعت رسول الله صلی الله عليه وسلم يقول : من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية .

ـ وروى ابن سعد في الطبقات ج ٥ ص ١٤٤

عن أمية بن محمد بن عبد الله بن مطيع ، أن عبد الله بن مطيع أراد أن يفر من المدينة ليالي فتنة يزيد بن معاوية ، فسمع بذلك عبد الله بن عمر فخرج إليه حتى

٣٣٧
 &

جاءه قال : أين تريد يا بن عم ؟ فقال : لا أعطيهم طاعة أبداً ، فقال : يا بن عم ، لا تفعل فإني أشهد أني سمعت رسول الله صلی الله عليه وسلم يقول : من مات ولا بيعة عليه مات ميتة جاهلية . انتهى . وروى نحوه أحمد في مسنده ج ٣ ص ١٤٧٨ ـ ١٤٧٩ : عن عبد الله بن عمر . وروى نحوه الحاكم في المستدرك ج ١ ص ٧٧ وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين . وقد حدث به الحجاج بن محمد أيضاً عن الليث ولم يخرجاه . ورواه الطبراني الأوسط ج ١ ص ١٧٥ ـ كما في ابن سعد . . ورواه غيرهم . .

وعبد الله بن مطيع الذي ذهب إليه عبد الله بن عمر لينصحه بالتسليم هو الذي اختاره أهل المدينة أميراً عليهم عندما ثاروا على ظلم بني أمية وطردوهم من المدينة ، فأرسل يزيد جيشاً من الشام لغزو مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وجرت بين أهلها بقيادة ابن مطيع وبين جيش يزيد معركة الحرة المشهورة التي استشهد فيها مئات ممن بقي من الأنصار والمهاجرين ، واستباح على أثرها جيش يزيد المدينة ، وعاث فيها فساداً وتعدياً على الحرمات والأعراض ، وأخذوا البيعة من أهلها وختموهم في أعناقهم على أنهم عبيد أقنان ليزيد !

قال الذهبي في تاريخ الإسلام ج ٦ ص ٣١٤ : وعن إسحاق بن يزيد قال : رأيت أنساً رضي‌الله‌عنه مختوماً في عنقه ، ختمه الحجاج ، أراد أن يذله بذلك . . . . وقال عمر بن عبد العزيز : لو تخابثت الأمم وجئنا بالحجاج لغلبناهم . . . . وقال عاصم بن أبي النجود ما بقيت لله حرمة إلا وقد انتهكها الحجاج ! انتهى .

ولا بد أن يكون هذا الختم في زمن الحجاج ختماً آخر ختمه بنو أمية في أعناق أهل المدينة ! !

ـ وقال الذهبي في ج ٥ ص ٢٧٤

جمع ابن عمر بنيه وأهله ، وقال : أما بعد فإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله وإني سمعت رسول الله صلی الله عليه وسلم يقول : إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامه يقال هذه غدرة فلان . . . . فلا يخلعن منكم أحد يزيد .

٣٣٨
 &

ـ وقال الشاطبي في الإعتصام ٢ ص ١٢٨ ـ ٢٩

عن نافع قال : لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع بن عمر حشده وولده وقال : إني سمعت رسول الله يقول : لينصب لكل غادر لواء يوم القيامة . وإنا قد بايعنا هذا الرجل وإني لا أعلم أحداً منكم خلعه ولا تابع في هذا الأمر ، إلا كانت الفيصل بيني وبينه .

قال ابن العربي : وقد قال ابن الخياط إن بيعة عبد الله ليزيد كانت كرهاً ، وأين يزيد من ابن عمر ؟ ولكن رأى بدينه وعلمه التسليم لأمر الله والفرار عن التعرض لفتنة فيها من ذهاب الأموال والأنفس ما لا يخفى .

ـ وقال النووي في شرح مسلم ج ٦ ص ٢٢

. . . ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية . . . . في هذا دليل على مذهب عبد الله بن عمر كمذهب الأكثرين في منع القيام على الإمام وخلعه إذا حدث فسقه .

ـ وقال الشاطبي في الإعتصام ج ٢ ص ١٢٨

قيل ليحيى بن يحيى : البيعة مكروهة ؟ قال لا ، قيل له : فإن كانوا أئمة جور ؟ فقال : قد بايع ابن عمر لعبد الملك بن مروان ، وبالسيف أخذ الملك !

ـ وقال ابن حزم في المحلى ج ١ ص ٤٥ ـ ٤٦

مسألة . . . . ومن بات ليلة وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية . . . . عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلی الله عليه وسلم : من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية .

ـ وقال ابن باز في فتاويه ج ٤ ص ٣٠٣

في صحيح البخاري : أن عبد الله بن عمر كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف الثقفي وكذا أنس بن مالك وكان الحجاج فاسقاً ظالماً . انتهى .

٣٣٩
 &

ـ ولكن النووي ادعى أن بيعة ابن عمر لعبد الملك كانت أيضاً خوفاً وتقية من بني أمية ، قال في شرح مسلم ٨ جزء ١٦ ص ٩٨ :

. . . قوله رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة المدينة فجعلت قريش تمر عليه والناس حتى مر عليه عبد الله بن عمر فوقف عليه فقال : السلام عليك أبا حبيب . فيه استحباب السلام على الميت في قبره وغيره وتكرير السلام ثلاثاً . وفيه منقبة لابن عمر لقوله الحق في الملأ وعدم اكتراثه بالحجاج ، لأنه يعلم أنه يبلغه مقامه عليه وقوله وثناؤه عليه ، فلم يمنعه ذلك أن يقول الحق ويشهد لابن الزبير بما يعلمه فيه من الخير وبطلان ما أشاع عنه الحجاج من قوله إنه عدو الله وظالم . . ومذهب أهل الحق أن ابن الزبير كان مظلوماً وأن الحجاج ورفقته كانوا خوارج عليه .

وامتنع عبد الله بن عمر عن بيعة عليٍّ ، ثم ندم

ـ قال المسعودي في مروج الذهب ج ٢ ص ٣٦١

وقعد عن بيعة علي جماعة عثمانية لم يروا إلا الخروج عن الأمر ، منهم سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر ، وبايع ( عبد الله بن عمر ) يزيد بعد ذلك ، والحجاج لعبد الملك بن مروان .

ـ وقال ابن الأثير في أسد الغابة ج ٢ ص ٢٢٩ ـ ٢٢٨

ولم يقاتل في شئ من الفتن ولم يشهد مع علي شيئاً من حروبه حين أشكلت عليه ، ثم كان بعد ذلك يندم على ترك القتال معه . أخبرنا القاضي أبو غانم محمد بن هبة الله ابن محمد بن أبي جرادة . . . . حدثنا عبد الله بن حبيب أخبرني أبي قال قال ابن عمر حين حضره الموت : ما أجد في نفسي من الدنيا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية ، أخرجه أبو عمر ، وزاد فيه مع علي .

ـ وقال ابن عبد البر في الإستيعاب ج ١ ص ـ ٧٧

وصح عن عبد الله بن عمر من وجوه أنه قال : ما آسى على شئ كما آسى أني لم

٣٤٠