العقائد الإسلاميّة - ج ١

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الإسلاميّة - ج ١

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-118-4
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٣٧٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

وقال : وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ .

وقال : قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ .

وقال : هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ .

يا هشام ، ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده إلا ليعقلوا عن الله ، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة ، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلاً ، وأكملهم عقلاً أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة .

يا هشام ، إن لله على الناس حجتين : حجة ظاهرة وحجة باطنة ، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم‌السلام وأما الباطنة فالعقول .

يا هشام ، إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره ، ولا يغلب الحرام صبره .

يا هشام ، الصبر على الوحدة علامة قوة العقل ، فمن عقل عن الله اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها ، ورغب فيما عند الله ، وكان الله أنسه في الوحشة ، وصاحبه في الوحدة ، وغناه في العيلة ، ومعزه من غير عشيرة .

يا هشام ، إن الله حكى عن قوم صالحين أنهم قالوا : رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ، حين علموا أن القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها . إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله ، ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه ، ولا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقاً ، وسره لعلانيته موافقاً ، لأن الله تبارك اسمه لم يدل على الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه وناطق عنه .

١٦١
 &

ـ رسائل الشريف المرتضى ج ١ ص ١٢٧

المسألة التاسعة قد سئل رحمه‌الله عن الطريق إلى معرفة الله بمجرد العقل أو من طريق السمع .

الجواب : إن الطريق إلى معرفة الله تعالى هو العقل ، ولا يجوز أن يكون السمع ، لأن السمع لا يكون دليلاً على الشئ إلا بعد معرفة الله وحكمته ، وإنه لا يفعل القبيح ولا يصدق الكذابين ، فكيف يدل السمع على المعرفة . ووجه دلالته مبني على حصول المعارف بالله حتى يصح أن يوجب عليه النظر . ورددنا على من يذهب من أصحابنا إلى أن معرفة الله تستفاد من قول الإمام ، لأن معرفة كون الإمام إماماً مبنية على المعرفة بالله تعالى . . . .

وبينا أن العاقل إذا نشأ بين الناس ، وسمع اختلافهم في الديانات ، وقول كثير منهم أن للعالم صانعاً خلق العقلاء ليعرفوه ، ويستحقوا الثواب على طاعاتهم وأن من فرط في المعرفة استحق العقاب : لا بد من كونه خائفاً من ترك النظر وإهماله ، لأن خوف الضرر وجهه على وجوب كل نظر في دين أو دنيا ، وأنه متى خاف الضرر وجب عليه النظر وقبح منه إهماله والإخلال به .

ـ الرسالة السعدية للعلامة الحلي ص ٥٤

وخامسها : أن معرفة الله تعالى واجبة ، وليس مدرك الوجوب السمع ، لأن معرفة الإيمان يتوقف على معرفة الموجب ، فيستحيل معرفة الإيجاب قبل معرفة الموجب ، فلو أسندت معرفة الموجب به ، دار .

ـ نهج الحق للعلامة الحلي ص ٥١

الحق أن وجوب معرفة الله تعالى مستفاد من العقل وإن كان السمع قد دل عليه بقوله : فاعلم أنه لا إله إلا الله ، لأن شكر المنعم واجب بالضرورة وآثار النعمة علينا ظاهرة ، فيجب أن نشكر فاعلها ، وإنما يحصل بمعرفته ، ولأن معرفة الله تعالى واقعة للخوف الحاصل من الإختلاف ، ودفع الخوف واجب بالضرورة .

١٦٢
 &

وقالت الأشعرية : إن معرفة الله تعالى واجبة بالسمع لا بالعقل فلزمهم ارتكاب الدور المعلوم بالضرورة بطلانه ، لأن معرفة الإيجاب تتوقف على معرفة الموجب فإن من لا نعرفه بشئ من الإعتبارات البتة نعلم بالضرورة أنا لا نعرف أنه أوجب ، فلو استفيدت معرفة الموجب من معرفة الإيجاب لزم الدور المحال !

وأيضاً لو كانت المعرفة إنما تجب بالأمر لكان الأمر بها إما أن يتوجه إلى العارف بالله تعالى أو إلى غير العارف والقسمان باطلان ، فتعليل الإيجاب بالأمر محال . أما بطلان الأول فلأنه يلزم منه تحصيل الحاصل وهو محال . وأما بطلان الثاني : فلأن غير العارف بالله تعالى يستحيل أن يعرف أن الله قد أمره وأن امتثال أمره واجب ، وإذا استحال أن يعرف أن الله تعالى قد أمره وأن امتثال أمره واجب استحال أمره وإلا لزم تكليف ما لا يطاق . وسيأتي بطلانه إن شاء الله تعالى .

لا يحاسب الله الناس إلا على قدر معرفتهم ، وما بيَّن لهم ، وما آتاهم

ـ الكافي ج ١ ص ١٦٢ ـ ١٦٤

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن الله لم ينعم على عبد نعمة إلا وقد ألزمه فيها الحجة من الله ، فمن منَّ الله عليه فجعله قوياً فحجته عليه القيام بما كلفه ، واحتمال من هو دونه ممن هو أضعف منه ، فمن منَّ الله عليه فجعله موسعاً عليه فحجته عليه ماله ، ثم تعاهده الفقراء بعد بنوافله ، ومن منَّ الله عليه فجعله شريفاً في بيته ، جميلاً في صورته ، فحجته عليه أن يحمد الله تعالى على ذلك وأن لا يتطاول على غيره ، فيمنع حقوق الضعفاء لحال شرفه وجماله .

ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحجال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن عبد الأعلى بن أعين قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام من لم يعرف شيئاً هل عليه شئ ؟ قال : لا .

ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن داود بن

١٦٣
 &

فرقد عن أبي الحسن زكريا بن يحيى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ما حجب الله عن العباد فهو موضوع عنهم .

ـ محمد بن يحيى وغيره ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن ابن الطيار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن الله احتج على الناس بما آتاهم وعرفهم .

ـ وبهذا الإسناد ، عن يونس ، عن حماد ، عن عبد الأعلى قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أصلحك الله هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة ؟ قال : فقال : لا ، قلت : فهل كلفوا المعرفة ؟ قال : لا ، على الله البيان : لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ، و لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ، قال : وسألته عن قوله : وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ، قال : حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه .

ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن حمزة بن محمد الطيار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ . قال : حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه . وقال : فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ، قال : بين لها ما تأتي وما تترك ، وقال : إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ، قال : عرفناه ، إما آخذ وإما تارك . وعن قوله : وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ ، قال : عرفناهم فاستحبوا العمى على الهدى وهم يعرفون ؟ وفي رواية : بينا لهم .

ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن علي بن الحكم ، عن أبان الأحمر عن حمزة بن الطيار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أكتب فأملى علي : إن من قولنا أن الله يحتج على العباد بما آتاهم وعرفهم ، ثم أرسل إليهم رسولاً وأنزل عليهم الكتاب فأمر فيه ونهى ، أمر فيه بالصلاة والصيام فنام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصلاة فقال : أنا أنيمك وأنا أوقظك فإذا قمت فصل ليعلموا إذا أصابهم ذلك كيف يصنعون ، ليس كما يقولون إذا نام عنها هلك ، وكذلك الصيام أنا أمرضك وأنا أصحك ، فإذا شفيتك فأقضه .

١٦٤
 &

ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : وكذلك إذا نظرت في جميع الأشياء لم تجد أحداً في ضيق ، ولم تجد أحداً إلا ولله عليه الحجة ولله فيه المشيئة ، ولا أقول : إنهم ما شاؤوا صنعوا ، ثم قال : إن الله يهدي ويضل ، وقال : وما أمروا إلا بدون سعتهم ، وكل شيء أمر الناس به فهم يسعون له ، وكل شئ لا يسعون له فهو موضوع عنهم ، ولكن الناس لا خير فيهم ، ثم تلا عليه‌السلام : لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ ـ فوضع عنهم ـ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ ـ قال : فوضع عنهم لأنهم لا يجدون .

ـ الإعتقادات للصدوق ص ١٦٨

قال الشيخ أبو جعفر رحمه‌الله : إعتقادنا في ذلك أن الله تعالى فطر جميع الخلق على التوحيد وذلك قوله عز وجل : فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا . وقال الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى : وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ . وقال عليه‌السلام : حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه .

وقال في قوله تعالى : فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ، قال : بين لها ما تأتي وما تترك من المعاصي .

وقال في قوله تعالى : إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ، قال : عرفناه إما آخذاً وإما تاركاً .

وفي قوله تعالى : وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ ، قال : وهم يعرفون .

وسئل عن قول الله عز وجل : وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ، قال : نجد الخير ونجد الشر .

وقال عليه‌السلام : ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم .

وقال عليه‌السلام : إن الله تعالى احتج على الناس بما آتاهم وعرفهم .

١٦٥
 &

من أسباب المعرفة وآثارها

ما يورث المعرفة

ـ مستدرك الوسائل ج ٧ ص ٥٠٠

الحسن بن أبي الحسن الديلمي في إرشاد القلوب : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال في ليلة المعراج :

يا رب ما أول العبادة ؟ قال : أول العبادة الصمت والصوم ، قال : يا رب وما ميراث الصوم ؟ قال : يورث الحكمة ، والحكمة تورث المعرفة ، والمعرفة تورث اليقين ، فإذا استيقن العبد لا يبالي كيف أصبح بعسر أم بيسر .

ما تورثه المعرفة

ـ مستدرك الوسائل ج ١١ ص ١٨٥

. . . قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فكر ساعة خير من عبادة سنة ، ولا ينال منزلة التفكر إلا من خصه الله بنور المعرفة والتوحيد .

ما يفسد المعرفة ويطفيء نورها

ـ مستدرك الوسائل ج ١٦ ص ٢١٨

الحسن بن فضل الطبرسي في مكارم الأخلاق : عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : لا تشبعوا فيطفأ نور المعرفة من قلوبكم .

ـ مستدرك الوسائل ج ١٦ ص ٢١٣

القطب الراوندي في لب اللباب : عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه قال : فساد الجسد في كثرة الطعام ، وفساد الزرع في كسب الأثام ، وفساد المعرفة في ترك الصلاة على خير الأنام .

١٦٦
 &

خطر ضلال الأمم بعد المعرفة

كان نبينا يخاف على أمته الضلال بعد المعرفة

ـ الكافي ج ٢ ص ٧٩

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاث أخافهن على أمتي من بعدي : الضلالة بعد المعرفة ، ومضلات الفتن ، وشهوة البطن والفرج . انتهى . ورواه في وسائل الشيعة ج ١١ ص ١٩٨ وفي مستدرك الوسائل ج ١١ ص ٢٧٦ وفي مسند الإمام زيد ص ٤٩٤

ـ أمالي المفيد ص ١١١

قال : أخبرني أبو حفص عمر بن محمد الصيرفي قال : حدثنا علي بن مهرويه القزويني قال : حدثنا داود بن سليمان الغاري قال : حدثنا الرضا علي بن موسى قال : حدثني موسى بن جعفر قال : حدثني أبي جعفر بن محمد قال : حدثني أبي محمد بن علي قال : حدثني علي بن الحسين قال : حدثني أبي الحسين بن علي قال : حدثني أبي أمير المؤمنين علي بن طالب عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاثة أخافهن على أمتي : الضلالة بعد المعرفة ، ومضلات الفتن ، وشهوة الفرج والبطن .

وقد روت هذا المعنى مصادر إخواننا السنة ، ففي مسند أحمد ج ٤ ص ٤٢٠

عن أبي برزة الأسلمي قال أبو الأشهب لا أعلمه إلا عن النبي صلی الله عليه وسلم قال : إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الفتن . وفي رواية ومضلات الهوى . انتهى . ورواه في مجمع الزوائد ج ٧ ص ٣٠٥ وقال : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح . ورواه في كنز العمال ج ١٦ ص ٤٥

وضع المعرفة في بني اسرائيل بعد موسى

ـ العهد القديم ج ٢ ص ٢٨٢

الإصحاح الرابع ١ إسمعوا قول الرب يا بني اسرائيل . إن للرب محاكمة مع سكان

١٦٧
 &

الأرض لأنه لا أمانة ولا إحسان ولا معرفة الله في الأرض . ٢ لعنٌ وكذبٌ وقتل وسرقة وفسق . يعتنفون ودماء تلحق دماء . . . .

قد هلك شعبي من عدم المعرفة . لأنك أنت رفضت المعرفة أرفضك أنا حتى لاتكهن لي . ولأنك نسيت شريعة إلهك أنسى أنا أيضاً بنيك .

ـ العهد القديم ص ٢٥٤

الإصحاح الخامس والعشرون ١ وأقام إسرائيل في شطيم وابتدأ الشعب يزنون مع بنات موآب . ٢ فدعون الشعب إلى ذبائح آلهتهن فأكل الشعب وسجدوا لآلهتهن . ٣ وتعلق إسرائيل ببعل فغور . فحمي غضب الرب على إسرائيل .

ـ العهد القديم ص ٢٩٦

الإصحاح الحادي عشر ١ فأحبب الرب إلۤهك واحفظ حقوقه وفرائضه وأحكامه ووصاياه كل الأيام . ٢ واعلموا اليوم أني لست أريد بنيكم الذين لم يعرفوا ولا رأوا تأديب الرب إلۤهكم عظمته ويده الشديدة وذراعه الرفيعة . ٣ وآياته وصنائعة التي عملها في مصر بفرعون ملك مصر وبكل أرضه . ٤ والتي عملها بجيش مصر بخيلهم ومراكبهم حيث أطاف مياه بحر سوف على وجوههم حين سعوا وراءكم فأبادهم الرب إلى هذا اليوم . ٥ والتي عملها لكم في البرية حتى جئتم إلى هذا المكان . ٦ والتي عملها بداثان وأبيرام ابني الياب ابن راوبين اللذين فتحت الأرض فاها وابتلعتهما مع بيوتهما وخيامهما وكل الموجودات التابعة لهما في وسط كل إسرائيل . . . . ٢٧ البركة إذا سمعتم لوصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها اليوم . ٢٨ واللعنة إذا لم تسمعوا لوصايا الرب إلهكم وزغتم عن الطريق التي أنا أوصيكم بها اليوم ، لتذهبوا وراء آلهة أخرى لم تعرفوها .

ـ العهد القديم ص ٣٠٠

الإصحاح الثالث عشر ١ إذا قام في وسطك نبي أو حالم حلماً وأعطاك آية أو

١٦٨
 &

أعجوبة ٢ ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التي كلمك عنها قائلاً لنذهب وراء آلهة أخرى لم نعرفها ونعبدها ٣ فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم ، لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم . . . .

وإذا أغواك سراً أخوك ابن أمك أو ابنك أو ابنتك أو امرأة حضنك أو صاحبك الذي مثل نفسك قائلاً : نذهب ونعبد آلهة أخرى لم تعرفها أنت ولا آباؤك ٧ من آلهة الشعوب الذين حولك القريبين منك أو البعيدين عنك من أقصاء الأرض إلى أقصائها ٨ فلا ترض منه ولا تسمع لا ولا تشفق عينك عليه ولا ترق له ولا تستره . . . .

قد خرج أناس بنو لئيم من وسطك وطوحوا سكان مدينتهم قائلين : نذهب ونعبد آلهة أخرى لم تعرفوها .

ـ العهد القديم ص ١٩٦

وقال الرب من أجل أن بنات صهيون يتشامخن ويمشين ممدودات الأعناق وغامزات بعيونهن وخاطرات في مشيهن ويخشخشن بأرجلهن . ١٧ يصلع السيد هامة بنات صهيون ويعرى الرب عورتهن . ١٨ ينزع السيد في ذلك اليوم زينة الخلاخيل والضفائر والأهلة . ١٩ والحلق والأساور والبراقع . ٢٠ والعصائب والسلاسل والمناطق وحناجر الشمامات والأحراز . ٢١ والخواتم وخزائم الأنف . ٢٢ والثياب المزخرفة والعطف والأردية والأكياس . ٢٣ والمرائي والقمصان والعمائم والأزر . ٢٤ فيكون عوض الطيب عفونة ، وعوض المنطقة حبل ، وعوض الجدائل قرعة ، وعوض الديباج زنار مسح ، وعوض الجمال كي .

إتهامهم نبيهم موسى بأنه لم يعرف الله تعالى

ـ العهد القديم ١٤٢

وقال موسى للرب أنظر ، أنت قائل لي أصعد هذا الشعب ، وأنت لم تعرفني من

١٦٩
 &

ترسل معي ، وأنت قد قلت عرفتك باسمك ، ووجدت أيضاً نعمة في عيني ، ١٣ فالآن إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك فعلمني طريقك حتى أعرفك لكي أجد نعمة في عينيك .

بولس يصف فساد الناس في عصره وبعدهم عن المعرفة

ـ العهد الجديد ص ٢٤٦

الإصحاح الأول ٢١ لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإلۤه بل حمقوا في أفكارهم وأظلم قلبهم الغبي . ٢٢ وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء . ٢٣ وأبدلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الإنسان الذي يفنى والطيور والدواب والزحافات . . . .

وكذلك الذكور أيضاً تاركين استعمال الأنثى الطبيعي اشتعلوا بشهوتهم بعضهم لبعض فاعلين الفحشاء ذكوراً بذكور ونائلين في أنفسهم جزاء ضلالهم المحق . ٢٨ وكما لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض ليفعلوا ما لا يليق . ٢٩ مملوئين من كل إثم وزناً وشر وطمع وخبث ، مشحونين حسداً وقتلاً وخصاماً ومكراً وسوءاً . ٣٠ نمامين مفترين مبغضين لله ، ثالبين متعظمين مدعين مبتدعين شروراً ، غير طائعين للوالدين . ٣١ بلا فهم ولا عهد ولا حنو ولا رضى ولا رحمة . ٣٢ الذين إذ عرفوا حكم الله أن الذين يعملون مثل هذه يستوجبون الموت لا يفعلونها فقط ، بل أيضاً يسرون بالذين يعملون .

المعرفة التي دعا إليها بولس الذي نَصَّر النصارى

ـ العهد الجديد ص ٣٨١

رسالة بطرس الرسول الثانية الإصحاح الأول . ١ سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله إلى الذين نالوا معنا إيماناً ثميناً مساوياً لنا ببر إلۤهنا والمخلص يسوع المسيح . ٢ لتكثر لكم النعمة والسلام بمعرفة الله ويسوع ربنا . ٣ كما أن قدرته الإلۤهية

١٧٠
 &

قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة . ٤ اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة ، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلۤهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة . . . . لأن هذه إذا كانت فيكم وكثرت تُصَيِّركم لا متكاسلين ولا غير مثمرين لمعرفة ربنا يسوع المسيح . . . .

ـ العهد الجديد ص ٣٨٩

الإصحاح الرابع ١ أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم . ٢ بهذا تعرفون روح الله . كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله . ٣ وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فليس من الله . . . . نحن من الله فمن يعرف الله يسمع لنا ومن ليس من الله لا يسمع لنا . من هذا نعرف روح الحق وروح الضلال .

ونحن قد عرفنا وصدقنا المحبة التي لله فينا . الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه .

ـ العهد الجديد ص ٣٩٠

الإصحاح الخامس ١ كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من الله ، وكل من يحب الوالد يحب المولود منه أيضاً . ٢ بهذا نعرف إننا نحب أولاد الله إذا أحببنا الله وحفظنا وصاياه . . . . ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق ، ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح ، هذا هو الإلۤه الحق والحياة الأبدية . ٢١ أيها الأولاد إحفظوا أنفسكم من الأصنام .

متى اخترع المسيحيون التثليث بعد التوحيد

ـ قاموس الكتاب المقدس ص ٢٣٢

الثالوث الأقدس ( تثليث ) عرف قانون الإيمان هذه العقيدة بالقول ( نؤمن بإلۤه واحد الأب والإبن والروح القدس إلۤه واحد جوهر واحد متساوين في القدرة والمجد ) .

١٧١
 &

في طبيعة هذا الإلۤه الواحد تظهر ثلاثة خواص أزلية ، يعلنها الكتاب في صورة شخصيات ( أقانيم ) متساوية . ومعرفتنا بهذه الشخصية المثلثة الأقانيم ليست إلا حقاً سماوياً أعلنه لنا الكتاب في العهد القديم بصورة غير واضحة المعالم ، لكنه قدمه في العهد الجديد واضحاً ، ويمكن أن نلخص العقيدة في هذه النقاط الست التالية :

١ ـ الكتاب المقدس يقدم لنا ثلاث شخصيات يعتبرهم شخص الله .

٢ ـ هؤلاء الثلاثة يصفهم الكتاب بطريقة تجعلهم شخصيات متميزة الواحدة عن الأخرى .

٣ ـ هذا التثليث في طبيعة الله ليس موقتاً أو ظاهرياً بل أبدي وحقيقي .

٤ ـ هذا التثليث لا يعني ثلاثة آلهة بل إن هذه الشخصيات الثلاث جوهر واحد .

٥ ـ الشخصيات الثلاث الأب والإبن والروح القدس متساوون .

٦ ـ ولا يوجد تناقض في هذه العقيدة ، بل بالأحرى أنها تقدم لنا المفتاح لفهم باقي العقائد المسيحية . ولقد كانت هذه الحقيقة متضمنة في تعليم المسيح ( يو : ٩ ـ ١٤١ : ١ ويو ١٤ : ٢٦ ويو ١٥ : ٢٦ )

وقد تمسكت الكنيسة بما جاء واضحاً في مت ٢٨ : ١٩ ، وتحدث الرسل مقدمين هذه الحقيقة في ٢ كو ١٣ : ١٤ و ١ بط ١ : ٢ و ١ يو ٥ : ٧

ولا نستطيع أن نغفل منظر معمودية المسيح وفيه يسمع صوت الأب واضحاً موجهاً إلى المسيح ، ويستقر الروح القدس على رأس المسيح الإبن في شكل حمامة ( مت ٣ : ١٦ و ١٧ ومر ١ : ١٠ و ١١ ولو ٣ : ٢١ و ٢٢ ويو ١ : ٣٢ و ٣٣ ) .

ولقد كان يقين الكنيسة وإيمانها بلاهوت المسيح هو الدافع الحتمي لها لتصوغ حقيقة التثليث في قالب يجعلها المحور الذي تدور حوله كل معرفة المسيحيين بالله في تلك البيئة اليهودية أو الوثنية وتقوم عليه .

والكلمة نفسها ( التثليث أو الثالوث ) لم ترد في الكتاب المقدس ، ويظن أن أول

١٧٢
 &

من صاغها واخترعها واستعملها هو ترتليان في القرن الثاني للميلاد . ثم ظهر سبيليوس ببدعته في منتصف القرن الثالث وحاول أن يفسر العقيدة بالقول : إن التثليث ليس أمراً حقيقياً لله لكنه مجرد إعلان خارجي ، فهو حادث موقت وليس أبدياً . ثم ظهرت بدعة إريوس الذي نادى بأن الأب وحده هو الأزلي بينما الإبن والروح القدس مخلوقان متميزان عن سائر الخليقة .

وأخيراً ظهر إثناسيوس داحضاً هذه النظريات وواضعاً أساس العقيدة السليمة التي قبلها واعتمدها مجمع نيقية في عام ٣٢٥ ميلادية .

ولقد تبلور قانون الإيمان الإثناسيوسي على يد اغسطينوس في القرن الخامس ، وصار القانون عقيدة الكنيسة الفعلية من ذلك التاريخ إلى يومنا هذا .

متى تجب المعرفة على الإنسان

في أي سن يجب التفكير والمعرفة

ـ رسائل الشهيد الثاني ج ٢ ص ١٣٥

إعلم أن المتكلمين حددوا وقت التكليف بالمعرفة بالتمكن من العلم بالمسائل الأصولية ، حيث قالوا في باب التكليف أن المكلف يشترط كونه قادراً على ما كلف به مميزاً بينه وبين غيره مما لم يكلف به متمكناً من العلم بما كلف به ، إذ التكليف بدون ذلك محال . وظاهر أن هذا لا يتوقف على تحقق البلوغ الشرعي بإحدى العلامات المذكورة في كتب الفروع ، بل قد يكون قبل ذلك بسنتين أو بعده كذلك ، بحسب مراتب الإدراك قوة وضعفاً . وذكر بعض فقهائنا أن وقت التكليف بالمعارف الإلۤهية هو وقت التكليف بالأعمال الشرعية ، إلا أنه يجب أولاً بعد تحقق البلوغ والعقل المسارعة إلى تحصيل المعارف قبل الإتيان بالأعمال .

١٧٣
 &

أقول : هذا غير جيد ، لأنه يلزم منه أن يكون الإناث أكمل من الذكور ، لأن الأنثى تخاطب بالعبادات عند كمال التسع إذا كانت عاقلة ، فتخاطب بالمعرفة أيضاً عند ذلك ، والصبي لا يبلغ عند كمال التسع بالإحتلام ولا بالإنبات على ما جرت به العادة ، فلا يخاطب بالمعرفة وإن كان مميزاً عاقلاً لعدم خطابه بالعبادات ، فتكون أكمل منه استعداداً للمعارف ، وهو بعيد عن مدارك العقل والنقل . ومن ثم ذهب بعض العلماء إلى وجوب المعرفة على من بلغ عشراً عاقلاً ، ونسب ذلك إلى الشيخ أبي جعفر الطوسي قدس‌سره وأيضاً هذا لا يوافق ما هو الحق من أن معرفة الله تعالى واجبة عقلاً لا سمعاً ، لأنا لو قلنا إن المعرفة لا تجب إلا بعد تحقق البلوغ الشرعي الذي هو مناط وجوب العبادات الشرعية ، لكنا قد أوجبنا المعرفة بالشرع لا بالعقل ، لأن البلوغ المذكور إنما علم من الشرع ، وليس في العقل ما يدل على أن وجوب المعرفة إنما يكون عند البلوغ المذكور ، فلو وجبت عنده لكان الوجوب معلوماً من الشرع ، لا من العقل .

لا يقال : العقل إنما دل على وجوب المعرفة في الجملة دون تحديد وقته ، والشرع إنما دل على تحديد وقت الوجوب وهو غير الوجوب ، فلا يلزم كون الوجوب شرعياً .

لأنا نقول : لا نسلم أن في الشرع ما يدل على تحديد وقت وجوب المعرفة أيضاً ، بل إنما دل على تحديد وقت العبادات فقط ، نعم دل الشرع على تقدم المعرفة على العبادات في الجملة ، وهو أعم من تعيين وقت التقدم ، فلا يدل عليه .

وأيضاً لا معنى لكون العقل يدل على وجوب المعرفة في الجملة من دون اطلاعه على وقت الوجوب ، إذ لا ريب أنه يلزم من الحكم بوجوبها كونها واجبة في وقت الحكم .

والحاصل : أنه لا يمكن العلم بوجوبها إلا بعد العلم بوقت وجوبها ، فالوقت كما أنه ظرف لها فهو ظرف للوجوب أيضاً . وتوضيحه : أن العبد متى لاحظ هذه النعم عليه وعلم أن هناك منعماً أنعم بها عليه ، أوجب على نفسه شكره عليها في ذلك الوقت ، خوفاً من أن يسلبه إياها لو لم يشكره ، وحيث أنه لم يعرفه بعد يوجب على

١٧٤
 &

نفسه النظر في معرفته في ذلك الوقت ليمكنه شكره ، فقد علم أنه يلزم من وجوب المعرفة بالعقل معرفة وقتها أيضاً .

نعم ما ذكروه إنما يتم على مذهب الأشاعرة ، حيث أن وجوب المعرفة عندهم سمعي .

فإن قلت : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ ، فيه دلالة على تحديد وقت وجوب المعرفة بالبلوغ الشرعي ، لأن رفع القلم كناية عن رفع التكليف وعدم جريانه عليه إلى الغاية المذكورة ، فقبلها لا يكون مكلفاً بشئ ، سواء كان قد عقل أم لا .

قلت : لا نسلم دلالته على ذلك ، بل إن دل فإنما يدل على أن البلوغ الشرعي غاية لرفع التكليف مطلقاً . وإن كان عقلياً ، فيبقى الدليل الدال على كون التكليف بالمعرفة عقلياً سالماً عن المعارض ، فإنه يستلزم تحديد وقت وجوب المعرفة بكمال العقل ، كما تقدمت الإشارة إليه .

والحاصل : أن عموم رفع القلم مخصص بالدليل العقلي ، وقد عرف العقل الذي هو مناط التكاليف الشرعية بأنه قوة للنفس بها تستعد للعلوم والإدراكات ، وهو المعني بقولهم غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات ، وهذا التفسير اختاره المحقق الطوسي رحمه‌الله وجماعة .

ـ مجمع الفائدة والبرهان ج ١٠ ص ٤٠٩

المراهق إذا أسلم حكم بإسلامه ، فإن ارتد بعد ذلك يحكم بارتداده وإن لم يتب قتل . . . .

وقال أبو حنيفة : يصح إسلامه وهو مكلف بالإسلام ، وإليه ذهب بعض أصحابنا ، لأنه يمكنه معرفة التوحيد بالنظر والإستدلال ، فصح منه كالبالغ ، ونقل الشيخ عن أصحابه أنهم حكموا بإسلام علي عليه‌السلام وهو غير بالغ وحكم بإسلامه بالإجماع . والإستدلال بالرواية مشكل ، لعدم ظهور الصحة والدلالة على هذا المطلب ، وما نقل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام مما لا يقاس عليه غيره ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام ليسوا

١٧٥
 &

من قبيل سائر الناس ، ولهذا حكموا بكون الحجة صلوات الله وسلامه عليه إماماً مع كونه ابن خمس سنين .

نعم الحكم بإسلام المراهق غير بعيد لعموم من قال : لا إلۤه إلا الله محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو مسلم ، وقاتلوهم حتى يقولوا لا إلۤه إلا الله ، وأمثاله كثيرة . ولأنهم إذا قدروا على الإستدلال وفهموا أدلة وجود الواجب والتوحيد وما يتوقف عليه ، ووجوب المعرفة والنظر في المعرفة ، يمكن أن يجب عليهم ذلك ، لأن دليل وجوب المعرفة عقلي ، فكل من يعرف ذلك يدخل تحته ، ولا خصوصية له بالبالغ ، ولا استثناء في الأدلة العقلية ، فلا يبعد تكليفهم ، بل يمكن أن يجب ذلك ، فإذا أوجب عليهم يجب أن يصح منهم ، بل يلزم من الحكم بالصحة وجوبه أيضاً ، ويترتب عليه الأحكام . . . . وقد أجمعوا على عدم وجوب الفروع عليهم وعدم تكليفهم بها ، ولهذا صرح بعض العلماء بأن الواجبات الأصولية العقلية تجب على الصغير قبل بلوغه دون الفرعية . والظاهر أن ضابطة القدرة على الفهم والأخذ والإستدلال على وجه مقنع ، ففي كل من وجب فيه ذلك يصح ويمكن أن يجب عليه ذلك المقدار ، ومن لم يوجد فيه ذلك لم يجب . وقال في الدروس ، وهو لما قاله الشيخ قريب ولا شك أنه أحوط ، وما استدل به الشيخ مؤيد فقوله قريب .

قال في التذكرة : غير المميز والمجنون لا يصح إسلامهما مباشرة إجماعاً ولا يحكم بإسلامهما إلا بالتبعية لغيره . فيريد بهما من لا قدرة له على الإستدلال ، ولا يفهم وجوب المعرفة ونحوه ، وجنون المجنون أخرجه عن الفهم والقدرة على الإستفهام والإستدلال مثل غير المميز ، وأما إذا كان لهم فهم مستقل لا يبعد اعتباره حينئذ وإجراء الأحكام في حقه عليه ، فتأمل .

حكم الإنسان في مرحلة التفكير والبحث

ـ رسائل الشهيد الثاني ج ٢ ص ١٣٣

المبحث الثالث في أن الإنسان في زمان مهلة النظر . . . . هل هو كافر أو مؤمن ؟

١٧٦
 &

جزم السيد الشريف المرتضى رضي‌الله‌عنه بكفره ، واستشكل بعضهم . والظاهر أن محل النزاع في من لم يسبق منه اعتقاد ما يوجب الكفر ، فإنه في زمان طلب الحق بالنظر فيه مع بقاء ذلك الإعتقاد لا ريب في كفره . بل النزاع في من هو في أول مراتب التكليف إذا وجه نفسه للنظر في تحقيق الحق ليعتقده ولم يكن معتقداً لما يوجب الكفر بل هو متردد حتى يرجح عنده شيء فيعتقده . وكذا من سبق له اعتقاد ما يوجب الكفر رجع عنه إلى الشك بسبب نظره في تحقيق الحق ولما يترجح عنده الحق ، فهذان هل هما كافران في مدة النظر أم لا ؟

أقول : ما تقدم من تعريف الكفر بأنه عدم الإيمان مما من شأنه أن يكون مؤمناً يقتضي الحكم بكفرهما حالة النظر ، لصدق عدم الإيمان عليهما في تلك الحالة ، وهذا مشكل جداً ، لأنه يقتضي الحكم بكفر كل أحد أول كمال عقله الذي هو أول وقت التكليف بالمعرفة ، لأنه أول وقت إمكان النظر ، إذ النظر قبله لا عبرة به ، ويقتضي أن يكون من أدركه الموت في تلك الحالة مخلداً في جهنم . ولا يخفى بعد ذلك عن حكمة الله تعالى وعدله ، ولزوم : إما تكليف ما لا يطاق إن عذبه على ترك الإيمان ، حيث لم يمض له وقت يمكن تحصيله فيه قبل الموت كما هو المفروض ، أو الظلم الصرف إن لم يقدر على ذلك ، تعالى الله عن ذلك ، إذ لم يسبق له إعتقاد ما يوجب الكفر كما هو المفروض أيضاً ، ليكون التعذيب عليه .

ويلزم من ذلك القدح في صحة تعريف الكفر بذلك . اللهم إلا أن يقال : إن مثل هذا النوع من الكفر لا يعذب صاحبه ، لكن لا يلزم منه القدح في الإجماع على أن كل كافر مخلد في النار ، وليس بعيداً التزام ذلك ، وأن يكون المراد من الكافر المخلد من كان كفره عن اعتقاد ، فيكون الإجماع مخصوصاً بمن عدا الأول .

إن قلت : إن لم يكن هذا الشخص من أهل النار ، يلزم أن يكون من أهل الجنة ، إذ لا واسطة بينهما في الآخرة على المذهب الحق ، فيلزم أن يخلد في الجنة من لا إيمان له أصلاً كما هو المفروض ، وهو مخالف لما انعقد عليه الإجماع من أن غير المؤمن لا يدخل الجنة .

١٧٧
 &

قلت : يجوز أن يكون إدخاله الجنة تفضلاً من الله تعالى كالأطفال ، ويكون الإجماع مخصوصاً بمن كلف الإيمان ومضت عليه مدة كان يمكنه تحصيله فيها فقصر .

وأقول أيضاً : الذي يقتضيه النظر إن هذا الشخص لا يحكم عليه بكفر ولا بإيمان في زمان النظر حقيقة بل تبعاً كالأطفال ، فإنه لم يتحقق له التكليف التام ليخرج عن حكم الأطفال ، فهو باق على ذلك إلى أن يمضي عليه زمان يمكن فيه النظر الموصل إلى الإيمان ، لكن هذا لا يتم في من لم يسبق له كفر ، كمن هو في أول بلوغه . أما من سبق له اعتقاد الكفر ثم رجع عنه إلى الشك ، فيتم فيه .

تجب المعرفة بالتفكير ولا يصح فيها التقليد

ـ الإقتصاد للشيخ الطوسي ص ٩

الطريق إلى معرفة الأشياء أربعة لا خامس لها :

أولها ، أن يعلم الشئ ضرورة لكونه مركوزاً في العقول ، كالعلم بأن الإثنين أكثر من واحد ، وأن الجسم الواحد لا يكون في مكانين في حالة واحدة ، وأن الجسمين لا يكونان مكان واحد في حالة واحدة ، والشئ لا يخلو من أن يكون ثابتاً أو منفياً ، وغير ذلك مما هو مركوز في العقول .

والثاني ، أن يعلم من جهة الإدراك إذا أدرك وارتفع اللبس ، كالعلم بالمشاهدات والمدركات بسائر الحواس .

والثالث ، أن يعلم بالأخبار كالعلم بالبلدان والوقائع وأخبار الملوك وغير ذلك .

والرابع ، أن يعلم بالنظر والإستدلال .

والعلم بالله تعالى ليس بحاصل من الوجه الأول ، لأن ما يعلم ضرورة لا يختلف العقلاء فيه بل يتفقون عليه ، ولذلك لا يختلفون في أن الواحد لا يكون أكثر من اثنين ، وأن الشبر لا يطابق الذراع . والعلم بالله فيه خلاف بين العقلاء فكيف يجوز أن

١٧٨
 &

يكون ضرورياً .

وليس الإدراك أيضاً طريق العلم بمعرفة الله تعالى ، لأنه تعالى ليس بمدرك بشئ من الحواس على ما سنبينه فيما بعد ، ولو كان مدركاً محسوساً لأدركناه مع صحة حواسنا وارتفاع الموانع المعقولة .

والخبر أيضاً لا يمكن أن يكون طريقاً إلى معرفته ، لأن الخبر الذي يوجب العلم هو ما كان مستنداً إلى مشاهدة وإدراك ، كالبلدان والوقائع وغير ذلك ، وقد بينا أنه ليس بمدرك ، والخبر الذي لا يستند إلى الإدراك لا يوجب العلم . ألا ترى أن جميع المسلمين يخبرون من خالفهم بصدق محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يحصل لمخالفيهم العلم به لأن ذلك طريقه الدليل ، وكذلك جميع الموحدين يخبرون الملحدة بحدوث العالم فلا يحصل لهم العلم به لأن ذلك طريقه الدليل .

فإذا بطل أن يكون طريق معرفته الضرورة أو المشاهدة أو الخبر ، لم يبق إلا أن يكون طريقة النظر .

فإن قيل : أين أنتم عن تقليد المتقدمين ؟

قلنا : التقليد إن أريد به قبول قول الغير من غير حجة وهو حقيقة التقليد فذلك قبيح في العقول ، لأن فيه إقداماً على ما لا يأمن كون ما يعتقده عند التقليد جهلاً لتعريه من الدليل ، والإقدام على ذلك قبيح في العقول ، ولأنه ليس في العقول أن تقليد الموحد أولى من تقليد الملحد إذا رفعنا النظر والبحث عن أوهامنا ولا يجوز أن يتساوى الحق والباطل .

فإن قيل : نقلد المحق دون المبطل .

قلنا : العلم بكونه محقاً لا يمكن حصوله إلا بالنظر ، لأنا إن علمناه بتقليد آخر أدى إلى التسلسل ، وإن علمناه بدليل فالدليل الدال على وجوب القبول منه يخرجه عن باب التقليد ، ولذلك لم يكن أحدنا مقلداً للنبي أو المعصوم فيما نقبله منه لقيام الدليل على صحة ما يقوله .

١٧٩
 &

وليس يمكن أن يقال : نقلد الأكثر ونرجع إليهم ، وذلك لأن الاكثر قد يكونون على ضلال بل ذلك هو المعتاد المعروف ، ألا ترى أن الفرق المبطلة بالإضافة إلى الفرق المحقة جزء من كل وقليل من كثير .

ولا يمكن أن يعتبر أيضاً بالزهد والورع ، لأن مثل ذلك يتفق في المبطلين ، فلذلك ترى رهبان النصارى على غاية العبادة ورفض الدنيا مع أنهم على باطل فعلم بذلك أجمع فساد التقليد .

فإن قيل : هذا القول يؤدي إلى تضليل أكثر الخلق وتكفيرهم ، لأن أكثر من تعنون من العقلاء لا يعرفون ما يقولونه ، من الفقهاء والأدباء والرؤساء والتجار وجمهور العوام ، ولا يهتدون إلى ما يقولونه ، وإنما يختص بذلك طائفة يسيرة من المتكلمين ، وجميع من خالفهم يبدعهم في ذلك ، ويؤدي إلى تكفير الصحابة والتابعين وأهل الأمصار ، لأنه معلوم أن أحداً من الصحابة والتابعين لم يتكلم فيما تكلم فيه المتكلمون ولا سمع منه حرف واحد ولا نقل عنهم شئ منه ، فكيف يقال بمذهب يؤدي إلى تكفير أكثر الأمة وتضليلها ، وهذا باب ينبغي أن يزهد فيه ويرغب عنه .

قيل : هذا غلط فاحش وظن بعيد ، وسوء ظن بمن أوجب النظر المؤدي إلى معرفة الله ، ولسنا نريد بالنظر المناظرة والمحاجة والمخاصمة والمحاورة التي يتداولها المتكلمون ويجرى بينهم ، فإن جميع ذلك صناعة فيها فضيلة وإن لم تكن واجبة ، وإنما أوجبنا النظر الذي هو الفكر في الأدلة الموصلة إلى توحيد الله تعالى وعدله ومعرفة نبيه وصحة ما جاء به ، وكيف يكون ذلك منهياً عنه أو غير واجب والنبي عليه‌السلام لم يوجب القبول منه على أحد إلا بعد إظهار الأعلام والمعجزة من القرآن وغيره ، ولم يقل لأحد إنه يجب عليك القبول من غير آية ولا دلالة . وكذلك تضمن القرآن من أوله إلى آخره التنبيه على الأدلة ووجوب النظر ، قال الله تعالى : أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ . وقال : أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ . وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ . وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ . وَإِلَى

١٨٠