موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

عليها غسل » (١) وهي أيضاً ضعيفة بإرسالها.

ومنها : صحيحة الحلبي ، قال : « سُئل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج أعليها الغسل إذا أنزل هو ولم تنزل هي؟ قال عليه‌السلام : ليس عليها غسل ، وإن لم ينزل هو فليس عليه غسل » (٢) وهذه الرواية وإن كانت صحيحة بحسب السند إلاّ أن دلالتها مورد للمناقشة :

أمّا أوّلاً : فلأن ظاهر كلمة « ما دون الفرج » هو ما كان تحت الفرج وليس ما تحته إلاّ الفخذان ، ومعنى أنه يصيبها أي أنه يفخّذ فحسب ، وعليه فالصحيحة خارجة عمّا نحن فيه أعني الوطء في دبر المرأة.

وأمّا ثانياً : فلأنا لو سلمنا أن المراد بما دون الفرج ما سوى الفرج لا أنه بمعنى ما هو تحته وأسفله كما قد يستعمل بهذا المعنى أي بمعنى عدا وسوى أيضاً لا يمكننا الاستدلال بها من جهة أن للفرج إطلاقات ، فقد يطلق ويراد منه خصوص القبل في مقابل الدبر ، وقد يطلق ويراد منه الأعم من القبل والدبر والذكر كما قد استعمل بهذا المعنى الأخير أعني الآلة الرجولية في قوله تعالى ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ ) (٣).

والاستدلال بالصحيحة إنما يتمّ إذا أحرزنا أن الفرج فيها قد استعمل بالمعنى الأوّل ، وأما إذا كان المراد به هو المعنى الثاني فلا محالة يتعين في التفخيذ أيضاً ، لأنه الذي سوى الأُمور المذكورة ، وحيث إنا لم نحرز أن المراد منه أي المعنيين فلا محالة تسقط الصحيحة عن قابلية الاعتماد عليها في المسألة.

والأخبار المستدلّ بها على وجوب الاغتسال بالوطء في دبر المرأة من غير إنزال كالأخبار المستدلّ بها على عدم وجوبه ضعيفة السند أو الدلالة ، كما أن الإجماع المدعى في المسألة غير قابل للاعتماد عليه ، لأنه من الإجماع المنقول ولا اعتبار به.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٠٠ / أبواب الجنابة ب ١٢ ح ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ١٩٩ / أبواب الجنابة ب ١١ ح ١.

(٣) المؤمنون ٢٣ : ٥ ، ٦.

٢٦١

فالصحيح أن نستدل على وجوب الغسل بوطء المرأة في دبرها بإطلاق الكتاب والسنّة. أما الكتاب فلقوله تعالى ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) إلخ (١) لأنّ الملامسة كما تصدق بوطئها في قبلها كذلك تصدق بوطئها في دبرها.

وأمّا ما ورد في تفسير الملامسة بالمواقعة في فرج المرأة أعني صحيحة أبي مريم الأنصاري ، قال « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما تقول في الرجل يتوضأ ثمّ يدعو جاريته فتأخذ بيده حتى ينتهي إلى المسجد؟ فإنّ من عندنا يعني السنّة يزعمون أنّها الملامسة ، فقال : لا والله ما بذلك بأس وربّما فعلته وما يعني بهذا أو لامستم النساء إلاّ المواقعة في الفرج » (٢) حيث استدلّ بها على أن سبب الجنابة ووجوب الغسل منحصر بالمواقعة في فرج المرأة فلا يكون وطؤها في دبرها موجباً وسبباً للجنابة. ففيه أن الصحيحة لا دلالة لها على عدم وجوب الغسل بالوطء في دبر المرأة ، وذلك لأن الفرج لم يثبت في لغة العرب أنه بمعنى القبل ، بل الصحيح أنه يستعمل في المعنى الجامع بين القبل والدبر ، بل بينهما وبين الذكر كما في قوله تعالى ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ ) (٣) لأنه بمعنى الذكر فقط هذا.

بل قد ورد في بعض الروايات بمعنى خصوص الدبر كما في موثقة سماعة ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يمس ذكره أو فرجه أو أسفل من ذلك وهو قائم يصلّي يعيد وضوءه؟ فقال : لا بأس بذلك ، إنما هو من جسده » (٤) فإن الفرج فيها بمعنى الدبر ، إذ لا قبل للرجل ، والذكر مذكور بنفسه كما هو واضح. وعليه فلفظة الفرج إما أنها بالمعنى الأعم من القبل والدبر أو لا أقل من إجمالها ومعه لا يمكن الاعتماد على الرواية في تقييد الآية المباركة. وأما الأخبار فهي كالرواية المشتملة على أن إتيان الزوجة يوجب انتقاض الصيام ، فإن الإتيان كما يشمل الوطء في القبل كذلك يشمل الإتيان في الدبر ، هذا كله في وطء المرأة في دبرها.

__________________

(١) النساء ٤ : ٤٣ ، المائدة ٥ : ٦.

(٢) الوسائل ١ : ٢٧١ / أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ٤.

(٣) المؤمنون ٢٣ : ٥ ٦.

(٤) الوسائل ١ : ٢٧٢ / أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ٨.

٢٦٢

حكم وطء الغلام

وأمّا وطء الغلام في دبره فهل يلحقه حكم وطء المرأة فيجب عليه الاغتسال؟ ذهب المشهور إلى ذلك ، بل عن المرتضى دعوى الإجماع على عدم الفرق في وجوب الغسل بالوطء بين وطء المرأة والغلام (١). وخالفهم في تلك المحقق في المعتبر حيث ذهب فيه إلى العدم (٢) ومال إليه في شرائعه وتردّد (٣).

واستدلّ على وجوب الغسل بوطء الغلام بالإجماع تارة ، وأُخرى بالروايتين المتقدّمتين الواردتين في ملازمة وجوب الحد مع وجوب الغسل (٤) ، وحيث إنّ وطء الغلام موجب الحد فلا محالة يكون موجباً للاغتسال. وثالثة بإطلاق الأخبار الواردة في أنّ الغسل يجب مع الإدخال أو الإيلاج ونحوهما (٥) ، لأنّ الإدخال يصدق على الإدخال في دبر الغلام أيضاً. ورابعة بحسنة الحضرمي أو صحيحه المروية عن الكافي عن الصادق عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من جامع غلاماً جاء جنباً يوم القيامة لا يُنقيه ماء الدنيا » (٦) نظراً إلى دلالتها على أن الجنابة كما تتحقق بوطء المرأة كذلك تتحقق بوطء الغلام ، بل الجنابة الحاصلة بوطئه أقوى وآكد من غيرها ، حيث إنها لا ترتفع بماء الدنيا وإنما ترتفع بنار الجحيم أو ماء الحميم.

ولا يمكن المساعدة على شي‌ء من هذه الوجوه. أما الإجماع فلأنه من المنقول ولا اعتبار عندنا بالإجماعات المنقولة ، ولا سيما إجماعات السيِّد المرتضى قدس‌سره.

وأمّا الاستدلال بالروايتين الواردتين في وجوب الغسل عند وجوب الحد فلما‌

__________________

(١) كما حكاه عنه في المختلف ١ : ١٦٦.

(٢) المعتبر ١ : ١٨١.

(٣) الشرائع ١ : ٢٦.

(٤) تقدّم ذكرهما في ص ٢٥٧ ٢٥٨.

(٥) الوسائل ٢ : ١٨٢ / أبواب الجنابة ب ٦ ، ٧.

(٦) الوسائل ٢٠ : ٣٢٩ / أبواب النكاح المحرّم ب ١٧ ح ١. الكافي ٥ : ٥٤٤ / ٢.

٢٦٣

من غير فرق بين الواطئ والموطوء (١)

______________________________________________________

أسلفنا من أنهما غير ناظرتين إلى أن الحد إذا وجب وجب معه الغسل ، كيف فإن الحد له أسباب كثيرة لا يجب معها الغسل في غير الزنا أو اللواط على الكلام ، وإلاّ فقذف المرأة يوجب الحد ولا يوجب الغسل وكذلك غيره من الأسباب الموجبة للحد ، بل نظرهما إلى أنّ موضوع وجوب الغسل ووجوب الحد في خصوص وطء المرأة أمر واحد ، فهما متلازمان في وطء المرأة لا مطلقاً فلا يمكن الاستدلال على وجوبه بوجوب مطلق الحد كما لا يخفى.

وأمّا الاستدلال بالمطلقات الدالّة على أن الغسل إنما يجب مع الإدخال والإيلاج ففيه : أن تلك الأخبار إنما وردت لبيان الكميّة أو الكيفية الموجبة للجنابة ، وقد دلّت على أنها تتحقق بمطلق الإدخال دون التفخيذ وغيره ، وأما أن متعلق الإدخال أي شي‌ء مرأة أو غلام فهي غير ناظرة إليه حتى يتمسك بإطلاقها.

وأمّا رواية الكافي فهي أيضاً كسابقتها ، لأن الجنابة التي لا ترتفع بالاغتسال بماء الدنيا خارجة عن الجنابة المصطلح عليها التي رتبت عليها أحكام من وجوب الغسل وحرمة المكث في المساجد ونحوهما ، فهي جنابة واقعية وأمر مغاير مع الجنابة المصطلح عليها ، للقطع بأن واطئ الغلام إذا اغتسل لصحت منه الصلاة وغيرها مما يشترط فيه الطّهارة من الحدث ، فلا دلالة للرواية على أن الجنابة المصطلح عليها تتحقق في حق واطئ الغلام. فالإنصاف أنه لا دليل على وجوب الغسل عند وطء الغلام ، ومن هنا ذهب المحقق إلى نفيه في المعتبر ، ومعه لا مناص من الاحتياط والجمع بين المحتملات ، مثلاً إذا كان متطهراً قبل وطء الغلام فوطئه فيكتفي بالاغتسال ، وأما إذا كان محدثاً قبله فبعد الوطء يجمع بين الوضوء والغسل للاحتياط.

(١) وذلك للارتكاز العرفي ، فإن الجنابة أمر واحد ونسبته إلى الواطئ والموطوء متساوية بحسب الارتكاز.

٢٦٤

والرّجل والامرأة (*) (١) والصّغير والكبير (٢) والحيّ والميِّت (٣) والاختيار والاضطرار (٤) في النوم أو اليقظة حتى لو أدخلت حشفة طفل رضيع فإنّهما يجنبان ، وكذا لو أدخلت ذكر ميت أو أدخل في ميت ، والأحوط في وطء البهائم من غير إنزال الجمع بين الغسل والوضوء (٥) إن كان سابقاً محدثاً بالأصغر‌

______________________________________________________

(١) كما عرفت تفصيله.

(٢) الأخبار الواردة في المسألة وإن كانت مشتملة على لفظة المرأة غالباً وهي لا تشمل غير البالغة إلاّ أنه يوجد في بينها ما يكون بإطلاقه شاملاً لغير البالغة أيضاً ، وذلك كما ورد من أنه إذا مس أو أتى بكراً فقد وجب عليه الغسل (٢) ، فإنّ البكر كما يصدق على البالغة كذلك يصدق على غير البالغة.

(٣) وذلك لأن الميت يصدق عليه المرأة عند العرف ، فلو جامع امرأة ميتة يصدق عرفاً أنه جامع امرأة ، وإن كانت الامرأة بحسب العقل مختصّة بغير الميت ، لأن الميت جماد ، ومع ذلك لا حاجة لنا إلى الاستصحاب كما عن الجواهر (٣) حتى يستشكل فيه بأنه من الاستصحاب التعليقي‌

(٤) كل ذلك للإطلاق.

حكم وطء البهائم في فرجها‌

(٥) هل الوطء في فرج البهيمة يلحق بالوطء في الآدمي فيوجب الغسل والجنابة؟ قد يقال بذلك ، نظراً إلى ما ربّما يلوح من كلام السيِّد المرتضى قدس‌سره من أن وجوب الغسل في وطء البهيمة إجماعي بيننا ، حيث حكي عنه أن الأصحاب يوجبون الغسل بالإيلاج في فرج البهيمة (٤). ولما ورد من ملازمة وجوب الحدّ مع‌

__________________

(*) فيه إشكال ، فلا يترك الاحتياط للواطئ والموطوء فيما إذا كان الموطوء ذكراً بالجمع بين الوضوء والغسل فيما إذا كانا محدثين بالحدث الأصغر.

(١) كما في موثقة ابن يقطين ، الوسائل ٢ : ١٨٣ / أبواب الجنابة ب ٦ ح ٣.

(٢) الجواهر ٣ : ٢٧.

(٣) المختلف ١ : ١٦٨.

٢٦٥

والوطء في دبر الخنثى موجب للجنابة (*) دون قبلها (١) إلاّ مع الانزال فيجب الغسل عليه دونها إلاّ أن تنزل هي أيضاً.

______________________________________________________

مع وجوب الغسل.

وفيه : أن الإجماع لا يمكن الاعتماد عليه لعدم العلم بتحققه ، لأن المشهور بينهم كما في الحدائق عدم وجوب الغسل بوطء البهيمة (٢) ، ومعه كيف يكون وجوب الغسل إجماعياً عندهم. وأما حديث الملازمة بين وجوب الحد ووجوب الغسل فقد عرفت أن المراد بها خصوص التلازم بين حدّ الزنا ووجوب الاغتسال ، لاتحاد موضوعهما الذي هو المس أو الإدخال والإتيان ، ولا تلازم بين مطلق الحد ووجوب الاغتسال كما مر.

وأما المطلقات الآمرة بالغسل عند الإدخال والإيلاج فقد عرفت أن المراد بها بيان الكميّة المسببة لوجوب الغسل وأنه إنما يجب مع الإدخال لا بالتفخيذ والملامسة والمس ، وأما متعلق الإدخال فلا تعرض له في المطلقات حتى يتمسك بإطلاقاتها. وبالجملة : إن المتبع هو الدليل ولا دليل على وجوب الغسل بوطء البهائم ، فالاحتياط أن يغتسل بوطئها ويتوضأ كما قدمناه في وطء دبر الغلام.

وطء الخنثى في دبرها‌

(١) بناء على وجوب الغسل بالإدخال في الدبر ، فإنه عليه يجب الغسل بوطء الخنثى في دبرها لأنه إما امرأة وإما رجل ، وعلى كلا التقديرين يجب الغسل بالوطء في دبرها. وأما قبلها فلا لاحتمال أن يكون مذكراً والقبل عضو زائد كالثقبة الخارجية ، والإدخال في مطلق الثقبة غير موجب للغسل كما هو ظاهر. هذا إذا قلنا بوجوب‌

__________________

(*) بناءً على ما تقدّم الأحوط الجمع بين الوضوء والغسل فيما إذا كان محدثاً بالأصغر سابقا.

(١) الحدائق ٣ : ١٢.

٢٦٦

ولو أدخلت الخنثى في الرجل أو الأُنثى مع عدم الإنزال لا يجب الغسل على الواطئ ولا على الموطوء (١) وإذا دخل الرجل بالخنثى والخنثى بالأُنثى وجب الغسل على الخنثى دون الرجل والأُنثى (٢).

[٦٤١] مسألة ١ : إذا رأى في ثوبه منياً وعلم أنه منه ولم يغتسل بعده وجب عليه الغسل (٣) وقضاء ما تيقن من الصلوات التي صلاها بعد خروجه وأمّا الصلوات التي يحتمل سبق الخروج عليها فلا يجب قضاؤها (٤)

______________________________________________________

الغسل في الدبر حتى في الذكر.

(١) لاحتمال أن تكون أُنثى وآلته الرجولية عضو زائد لا يجب الغسل بايلاجه.

(٢) أما وجوب الغسل على الخنثى فلأنها إما رجل فقد وطئ الأُنثى فوجب عليها الغسل ، وإمّا أنها أُنثى فقد وطئها الرجل. وأما عدم وجوب الغسل على الرجل والأُنثى فلاحتمال أن تكون الخنثى في الأوّل مذكراً وآلته الأُنوثية عضو زائد ، وفي الثاني مؤنثاً وآلتها الرجولية عضو زائد.

(٣) لفرض علمه بجنابته.

(٤) لاستصحاب عدم خروج المني حين تلك الصلوات ، وهو المعبر عنه بأصالة تأخر الحادث ، ومع الغض عن الاستصحاب مقتضى أصالة البراءة عدم وجوب القضاء أيضاً ، لأنه بأمر جديد ومع الشك في توجهه إليه أصالة البراءة تقضي بعدم الوجوب.

وأما دعوى الحكم بصحّة تلك الصلوات وعدم وجوب قضائها لقاعدة الفراغ الحاكمة بصحّتها ، ففيه ما ذكرناه غير مرّة من أن القاعدة أمارة أو شبهها ، ويعتبر في كونها أمارة احتمال الالتفات إلى أجزاء العمل وشرائطه حال الامتثال حتى يكون إتيانه بتمامه لأجل أنه أذكر. وأما مع العلم بغفلته حال العمل واحتمال الصحّة لمجرد احتمال الصدفة الاتفاقية فلا تجري فيه القاعدة ولا تكون لها أمارية حينئذ ، والأمر في‌

٢٦٧

وإذا شكّ في أنّ هذا المني منه أو من غيره لا يجب عليه الغسل (*) (١) وإن كان أحوط خصوصاً إذا كان الثوب مختصّاً به.

______________________________________________________

المقام كذلك ، لأن المفروض عدم التفات المصلي إلى جنابته حال الصلاة وإنما التفت إليها بعدها فهي خارجة عن موارد قاعدة الفراغ.

(١) لعدم علمه بجنابته. والعلم الإجمالي بجنابته أو بجنابة غيره غير مؤثر في حقه إذ لا أثر لجنابة الغير بالإضافة إليه ، اللهمّ إلاّ أن تكون جنابة الغير مورداً لابتلائه بأن أمكن ابتلاؤه به ، كما إذا أمكن استئجاره لكنس المسجد ، فان الاستئجار له كما يأتي يشترط فيه عدم جنابة الأجير ، واستئجار الجنب للكنس تسبيب لدخول الجنب ومكثه في المسجد وهو حرام ، فإذا كان الأمر كذلك فله علم إجمالي بتوجه أحد التكليفين إليه فإما أنه يجب الغسل عليه وإما أنه يحرم أن يستأجر غيره.

بقي الكلام في شي‌ء‌

وهو أن صاحب الحدائق قدس‌سره تعرض للمسألة المتقدّمة وعنونها بما إذا نام أحد ولم ير في منامه أنه احتلم ثمّ وجد بعد الانتباه في ثوبه أو على بدنه منياً وقال : الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب ( رضوان الله عليهم ) في أنه يجب عليه الغسل للعلم بتحقق الجنابة بذلك. وذكر أن كثيراً من الأصحاب عبروا في هذا المقام بأن واجد المني على جسده أو ثوبه المختص به يغتسل ، ومن الظاهر بُعده عن مورد الأخبار المتعلقة بهذه المسألة. ونقل من الروايات موثقتين لسماعة ففي إحداهما : « سألته عن الرجل يرى في ثوبه المني بعد ما يصبح ولم يكن رأى في منامه أنه قد احتلم ، قال : فليغتسل وليغسل ثوبه ويعيد صلاته ». وفي ثانيتهما : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينام ولم ير في نومه أنه احتلم فيجد في ثوبه أو على فخذه الماء هل عليه غسل؟ قال : نعم » (٢).

__________________

(*) فيه تفصيل نذكره في المسألة الثالثة.

(١) الوسائل ٢ : ١٩٨ / أبواب الجنابة ب ١٠ ح ٢ ، ١.

٢٦٨

ثمّ نقل عن الشيخ قدس‌سره (١) أنه في مقام الجمع بين هاتين الموثقتين وبين ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « عن الرجل يصيب في ثوبه منياً ولم يعلم أنه احتلم ، قال : ليغسل ما وجد بثوبه وليتوضأ » (٢) حمل الأخيرة على ما إذا شاركه في الثوب غيره جمعاً بين الروايات ، وعقبه بأن الأقرب في الجمع بين الموثقتين وهذه الرواية حمل الموثقتين على من وجد المني بعد النوم بغير فصل مدّة بحيث يحصل له العلم أو الظن الغالب باستناد المني إليه لا إلى غيره ، وحمل الرواية على وجدانه المني في الثوب في الجملة من غير تعقبه للنوم على الوجه المتقدِّم (٣).

ولا يخفى أن واجد المني في ثوبه بحسب الأغلب عالم بأنه منه ، ومعه يجب عليه الغسل وقضاء الصلوات التي علم بإتيانها بعد خروجه كما ذكره الماتن قدس‌سره وأما إذا لم يحصل له القطع بذلك واحتمل أنه من غيره فلا موجب وقتئذ للحكم عليه بوجوب الاغتسال ، والأصل يقتضي عدم خروج المني منه. والعلم الإجمالي بجنابته أو غيره غير منجز إلاّ أن يكون الطرف الآخر مورداً لابتلائه كما عرفت ، وأما مع عدم كونه مورداً للابتلاء فلا موجب عليه للاغتسال.

والاستدلال على وجوب الغسل في تلك الصورة بالموثقتين بمكان من الغرابة ، لأن السؤال فيهما ليس عن وجدان المني في الثوب مع احتمال كونه مستنداً إلى الغير ، وإنما السؤال فيهما عن أن خروج المني باستقلاله موجب للغسل أو لا بدّ من أن يرى النائم في منامه أنه قد احتلم حتى يجب عليه الغسل. وبعبارة اخرى : أن سماعة احتمل أن يكون للرؤية في المنام موضوعية في وجوب الغسل وأجابه الإمام بأن الموضوع في ذلك مجرد خروج المني رأى في المنام احتلامه أو لم يره ، وبذلك يرتفع التنافي بينهما وبين ما رواه أبو بصير فلا حاجة إلى ما ذكره الشيخ أو صاحب الحدائق قدس‌سره فإنه ليس من الجمع العرفي بينهما ، بل الصحيح في الجمع بينهما ما ذكرناه من أن‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٦٨.

(٢) الوسائل ٢ : ١٩٨ / أبواب الجنابة ب ١٠ ح ٣.

(٣) الحدائق ٣ : ٢٢ / المسألة الرابعة.

٢٦٩

وإذا علم أنه منه ولكن لم يعلم أنه من جنابة سابقة اغتسل منها أو جنابة أُخرى لم يغتسل لها لا يجب عليه الغسل أيضاً (*) ، لكنّه أحوط (١).

______________________________________________________

الموثقتين إنما وردتا في صورة العلم بأن المني منه لا في صورة التردد والشك ، إذ لا مناسبة لوجود مني الغير على فخذه إلاّ أنه سأل عن وجوب الغسل حينئذ لاحتمال أن يكون لرؤية الاحتلام موضوعية في وجوبه. وأما ما رواه أبو بصير فهي واردة فيما نحن فيه أعني الشك في أن المني منه أو من غيره ، وقد حكم عليه‌السلام بعدم وجوب الغسل حينئذ كما هو مقتضى الأصل. فالصحيح ما أفاده الماتن قدس‌سره من عدم وجوب الغسل في المسألة.

إذا علم بالجنابة ولم يعلم أنها ممّا اغتسل منه‌

(١) قد تعرضنا لهذه المسألة في بحث الأُصول (٢) وسمّيناها بالقسم الرابع من أقسام الاستصحاب الكلي ، وقلنا إنه يغاير القسم الثالث منها بأن في القسم الثالث يعلم بزوال ما حدث قطعاً ويشك في قيام فرد آخر مقامه مقارناً لارتفاع الفرد الأوّل أو بعده ، وأمّا في هذا القسم فلا علم له بارتفاع ما حدث ، لأنه يحتمل أن تكون الجنابة التي علم بتحققها حين خروج المني المشاهد في ثوبه باقية بأن تكون الجنابة جنابة اخرى غير الجنابة التي اغتسل منها ، كما يحتمل ارتفاعها لاحتمال أنها هي الجنابة التي اغتسل منها. كما أنه يغاير القسم الثاني من حيث إنه ليس هناك شك في بقاء ما حدث لأن أحد الفردين المحتملين مشكوك الحدوث من الابتداء وأحدهما الآخر مقطوع الارتفاع ، وهذا بخلاف المقام حيث إن ما علمنا بحدوثه أعني طبيعي الجنابة الحاصلة بخروج المني المشاهد نحتمل بقاءه ولا علم بارتفاعه فهو قسم مستقل ، ولا‌

__________________

(*) الظاهر وجوبه لمعارضة الاستصحابين ، ولا بدّ من ضمّ الوضوء إليه إذا أحدث بالأصغر بعد الغسل.

(١) مصباح الأُصول ٣ : ١٠٤ ١١٨.

٢٧٠

[٦٤٢] مسألة ٢ : إذا علم بجنابة وغسل ولم يعلم السابق منهما وجب عليه الغسل (*) إلاّ إذا علم زمان الغسل دون الجنابة فيمكن استصحاب الطّهارة (**) حينئذ (١).

______________________________________________________

مانع من الرجوع فيه إلى استصحاب بقاء الطبيعي المحتمل انطباقه على ما اغتسل منه وما لم يغتسل فيجب عليه غسل الجنابة حينئذ.

إذا لم يعلم السابق من الغسل والجنابة‌

(١) هذا يبتني على ما سلكه جملة من الأعلام ومنهم الماتن قدس‌سره من عدم جريان الاستصحاب فيما جهل تأريخه من الحادثين ، فان الاستصحاب حينئذ يجري في بقاء الغسل والطّهارة من غير معارض فلا يجب عليه الغسل ولا الوضوء ، لكونه محكوماً بالطّهارة بالاستصحاب.

وأمّا بناء على ما سلكناه من عدم الفرق بين ما علم تأريخه وما جهل تأريخه من الحادثين فإما أن لا يجري الاستصحاب في شي‌ء من الجنابة والطّهارة كما على مسلك صاحب الكفاية قدس‌سره (٣) وإما أن يجريا ويتساقطا بالمعارضة ومعه لا بدّ من الرجوع إلى أصل آخر وهو أصالة الاشتغال ، حيث يحتمل جنابته ولا يقطع بفراغ ذمّته إذا صلّى والحال هذه إلاّ أن يغتسل ، إلاّ أن غسله هذا لا يغني عن الوضوء لعدم العلم بكونه غسل جنابة ، لاحتمال عدم جنابته ومعه يضمّ إليه الوضوء أيضاً من باب الاحتياط فيما إذا لم يكن متوضئاً سابقاً ، وأما مع طهارته السابقة فلا حاجة إلى ضمّ الوضوء إلى الاغتسال.

__________________

(*) هذا فيما إذا لم يصدر منه حدث أصغر ، وإلاّ وجب عليه الجمع بين الوضوء والغسل.

(**) لا يمكن ذلك لمعارضته باستصحاب الجنابة المجهول تاريخها على ما حققناه في محله.

(١) كفاية الأُصول : ٤٢١ وما بعدها.

٢٧١

[٦٤٣] مسألة ٣ : في الجنابة الدائرة بين شخصين لا يجب الغسل على واحد (*) منهما (١)

______________________________________________________

وأمّا إذا كان تأريخ الجنابة معلوماً دون تأريخ الطّهارة والغسل فإنه بناء على مسلك الماتن ومن حذا حذوه يجري استصحاب الجنابة من غير معارض ، لعدم جريان الأصل فيما جهل تأريخه ، ومعه يجب عليه الغسل وهو يغني عن الوضوء لأنه غسل جنابة بمقتضى استصحاب بقاء الجنابة. وأما على مسلكنا فحكمه حكم صورة الجهل بتأريخ كلا الحادثين ، فإمّا أن يجري الاستصحابان ويتساقطا بالمعارضة ، وإمّا أن لا يجري شي‌ء منهما في نفسه فيرجع إلى أصالة الاشتغال ويجب عليه الغسل ويضمّ إليه الوضوء أيضاً احتياطا.

الجنابة الدائرة بين شخصين‌

(١) لعدم العلم بجنابته ، واستصحاب طهارته يقضي بعدمها. والعلم الإجمالي بجنابة نفسه أو غيره غير منجز ، إذ يشترط في تنجيزه أن يكون العلم الإجمالي متعلقاً بتكليف نفس المكلّف ، وأما المتعلق بتكليفه أو تكليف غيره فلا يترتب عليه أي أثر اللهمّ إلاّ أن تكون جنابة الغير ممّا ينتهي إليه ابتلاؤه كما إذا كان ذلك الغير قابلاً للاستئجار لكنس المسجد لأنه حمال مثلاً ، فإنه يعلم حينئذ بتوجه أحد التكليفين إليه ، لأنه إما أن يجب عليه غسل الجنابة إذا كان هو الجنب وإما أن يحرم عليه استئجار الطرف الآخر لكنس المسجد إذا كان الجنب هو الغير ، وذلك لحرمة التسبيب إلى دخول الجنب في المسجد واستئجاره تسبيب كما تأتي الإشارة إليه.

__________________

(*) إذا كانت جنابة أحدهما موضوعاً لحكم متوجه إلى الآخر كعدم جواز استئجاره لدخول المسجد ونحوه فمقتضى العلم الإجمالي وجوب الغسل عليه ، فلا بدّ من الجمع بين الطهارتين.

٢٧٢

والظنّ كالشكّ (١) وإن كان الأحوط فيه (*) مراعاة الاحتياط (٢) ، فلو ظنّ أحدهما أنه الجنب دون الآخر اغتسل وتوضأ إن كان مسبوقاً بالأصغر.

[٦٤٤] مسألة ٤ : إذا دارت الجنابة بين شخصين لا يجوز لأحدهما الاقتداء بالآخر للعلم الإجمالي بجنابته أو جنابة إمامه (٣)

______________________________________________________

(١) لعدم اعتباره.

(٢) لم يعلم لهذا الاحتياط وجه صحيح ، حيث إنه إن كان مستنداً إلى احتمال حجيّة الظن واعتباره فنحن نقطع بعدم حجيّته ولا نحتمل اعتباره ليجب الاحتياط وإن كان الاحتياط من جهة احتمال جنابته في الواقع فهو وإن كان في محلِّه لأنّ إدراك الواقع حسن إلاّ أنه لا يختص بالظن بالجنابة ، لأن الشاك في جنابته أيضاً مورد للاحتياط حتى يدرك الواقع ، فتخصيص الاحتياط بخصوص الظان بالجنابة بلا وجه.

عند دوران الجنابة بين شخصين لا يجوز ائتمام أحدهما بالآخر‌

(٣) إن بنينا على أن المدار في صحّة الاقتداء على كون صلاة الإمام صحيحة عند نفسه فلا إشكال في جواز اقتداء أحد الشخصين اللذين علم جنابة أحدهما بالآخر وذلك لاستصحاب طهارة نفسه ، بل يجوز الاقتداء مع العلم التفصيلي ببطلان صلاة الإمام فيما إذا كانت صلاته صحيحة عند نفسه.

وأما إذا لم نبن عليه وقلنا بعدم كفاية الصحّة عند الإمام كما هو الصحيح ، حيث لم يدلّ دليل على جواز الاقتداء بالصلاة الباطلة ، ولا إطلاق في دليل جواز الاقتداء ليشمل المقام ، فلا يجوز لمن علم ببطلان صلاة أحد أن يقتدي به ، كما لا فرق في العلم ببطلان الصلاة بين العلم التفصيلي والعلم الإجمالي به كما في المقام ، وذلك لعلمه ببطلان صلاة نفسه أو صلاة إمامه ، وهذا العلم الإجمالي يولد العلم التفصيلي ببطلان صلاة‌

__________________

(*) لا يختص حسن الاحتياط بصورة حصول الظن بل يجري مع الشك أيضا.

٢٧٣

نفسه إمّا لبطلانها في نفسها وإمّا لبطلان صلاة إمامه.

نعم هناك مسألة أُخرى نتعرض إليها في أحكام الجماعة إن شاء الله تعالى ، وهي ما إذا اعتقد المأموم صحّة صلاة أحد فائتم به في الصلاة وبعد الفراغ عنها ظهر أن الإمام نسي جنابته أو النجاسة في ثوبه أو بدنه فانكشف بطلان صلاته لأن النسيان ليس بعذر. هذا في الشبهات الموضوعية ، وكذا الحال في الشبهات الحكمية كما إذا رأى الامام وجوب الانحناء بالمقدار الميسور لمن لا يتمكّن من الرّكوع والمأموم رأى كفاية الإيماء إليه من غير انحناء وعمل كل بوظيفته وعلم بذلك المأموم بعد الصلاة وهكذا ، فهل يجب على المأموم أن يعيد صلاته؟ لا يجب عليه الإعادة قطعاً إذا لم يخل بوظيفة المنفرد. وعدم اشتمال صلاته على القراءة لا يوجب البطلان لعدم تركها متعمداً ، وإنما تركها بحسبان صحّة صلاة الجماعة و « لا تُعاد الصلاة إلاّ من خمسة » (١) وليست القراءة منها. وأما إذا أخل بوظيفة المنفرد كما إذا رفع رأسه من الركوع باعتقاد أن الإمام رفع رأسه ورأى أن الإمام بعد راكع فتابعه وركع ثانياً فهل تجب عليه الإعادة أو لا تجب؟ يأتي عليه الكلام في أحكام الجماعة إن شاء الله (٢).

كما نتكلّم هناك في أن النص الوارد في عدم وجوب القضاء على من ائتم بإمام مدّة أو في صلاة واحدة ثمّ علم أنه كان يهودياً وقد جامل المسلمين ، حيث ورد عدم وجوب القضاء على المأموم حينئذ ، هل يمكن التعدِّي عنه إلى ما إذا اعتقد المأموم صحّة صلاة إمامه وانكشف كونها باطلة في الواقع من دون أن يكون الإمام يهودياً أو لا يمكن التعدِّي؟

والغرض أن صحّة الاقتداء وعدمها عند علم المأموم واعتقاده بصحّة صلاة الإمام وانكشاف بطلانها بعد الصلاة مسألة ، وصحّة الاقتداء مع علم المأموم أو اعتقاده ببطلان صلاة الإمام فيما إذا كانت صحيحة في حق نفس الإمام أو عنده مسألة أُخرى فلا تشتبه ، والكلام في المقام في المسألة الثانية دون الاولى.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨. وغيرها من الموارد.

(٢) في المسألة [١٩٥٦].

٢٧٤

ولو دارت بين ثلاثة يجوز لواحد أو الاثنين (*) منهم الاقتداء (١) بالثالث لعدم العلم حينئذ. ولا يجوز لثالث علم إجمالاً بجنابة أحد الاثنين (٢)

______________________________________________________

حكم الائتمام عند دوران الجنابة بين ثلاثة‌

(١) بناء على عدم صحّة الاقتداء مع العلم ببطلان صلاة الإمام تفصيلاً أو إجمالاً لا يمكن الحكم بجواز اقتداء أحد الثلاثة المرددة بينهم الجنابة بالاثنين الآخرين ، أو أحدهم أو الاثنين منهم بالثالث ، لعلمه الإجمالي إما ببطلان صلاته أو بطلان صلاة أحد الإمامين المولد للعلم التفصيلي ببطلان صلاة نفسه أو ببطلان صلاة أحد الثلاثة فالصلاة خلف كل منهم في نفسه صلاة مع العلم الإجمالي ببطلان صلاة الإمام. والعجب من الماتن قدس‌سره حيث إنه مع التفاته إلى وجود العلم الإجمالي بالبطلان ولذا حكم في ذيل المسألة بعدم جواز اقتداء الثالث الذي علم إجمالاً بجنابة أحد الاثنين أو أحد الثلاثة بواحد منهما أو منهم حكم بجواز الاقتداء في المقام وغفل عن العلم الإجمالي بالبطلان.

ائتمام العالم بجنابة أحد الاثنين بأحدهما‌

(٢) تقدّم أنّ الإمام إذا علم ببطلان صلاة نفسه تفصيلاً أو علم ببطلانها على نحو الإجمال ، وكان العلم الإجمالي منجزاً في حقه بأن كانت جنابة الآخر موضوعاً لأثر شرعي بالنسبة إليه كما إذا أمكن استئجاره لكنس المسجد ، فإن الإمام يعلم حينئذ بتوجه أحد التكليفين إليه ، فإمّا أن يجب عليه الغسل إذا كان هو الجنب وإمّا أن يحرم عليه استئجار الآخر لكنس المسجد إذا كان الجنب هو الآخر لم يجز للمأموم أن يقتدي به لبطلان صلاة الإمام تفصيلاً أو إجمالاً وإن لم يكن علم تفصيلي للمأموم بذلك ولا علم إجمالي له.

__________________

(*) لا يجوز ذلك لعلم كل منهم بعدم جواز الاقتداء بواحد من الآخرين.

٢٧٥

أو أحد الثلاثة الاقتداء بواحد منهما أو منهم إذا كانا أو كانوا محل الابتلاء له (١) وكانوا عدولاً عنده (٢) ، وإلاّ فلا مانع. والمناط علم المقتدي بجنابة أحدهما لا علمهما ، فلو اعتقد كل منهما عدم جنابته وكون الجنب هو الآخر أو لا جنابة لواحد منهما وكان المقتدي عالماً كفى في عدم الجواز ، كما أنه لو لم يعلم المقتدي إجمالاً بجنابة أحدهما وكانا عالمين بذلك لا يضر باقتدائه (٣).

[٦٤٥] مسألة ٥ : إذا خرج المني بصورة الدم وجب الغسل أيضاً بعد العلم بكونه منيا (٤).

______________________________________________________

وكذا لا يجوز للمأموم أن يقتدي بالإمام فيما إذا كان للمأموم علم تفصيلي ببطلان صلاة الإمام أو علم إجمالي ببطلانها كما إذا علم بجنابة أحد شخصين عادلين ، فإنه لا يجوز أن يقتدي بواحد منهما للعلم الإجمالي ببطلان صلاتهما ، فصلاة كل منهما باطلة عنده بقاعدة الاشتغال. وإن لم يكن للإمام علم تفصيلي ببطلان صلاته ولا علم إجمالي له ، أو كان ولكنه لم يكن منجزاً ، كما إذا لم تكن جنابة الآخر موضوعاً لأثر شرعي بالإضافة إليه ، فصحّة الاقتداء موقوفة على أن تكون صلاة الإمام صحيحة عند نفسه وعند المأموم ، ومع بطلانها عندهما أو عند أحدهما لا يجوز الاقتداء لعدم جواز الاقتداء في الصلاة الباطلة.

(١) بأن تكون جنابتهما موضوعاً لأثر شرعي بالإضافة إليه.

(٢) وأما مع الفسق فلا تمس جنابتهما إليه ولا يكونان مورداً لابتلائه.

(٣) فيما إذا لم يكن علمهما الإجمالي منجزاً كما إذا لم تكن جنابتهما موضوعاً لأثر بالإضافة إلى المأموم ، لعدم كون العلم منجزاً وقتئذ ، وإلاّ فلا يجوز الاقتداء بهما كما قدّمنا.

إذا خرج المني بصورة الدم‌

(٤) لأن الحكم بوجوب الغسل إنما علق على خروج المني ، وأمّا اللّون فلا عبرة به‌

٢٧٦

[٦٤٦] مسألة ٦ : المرأة تحتلم كالرجل (١) ولو خرج منها المني حينئذ وجب عليها الغسل ، والقول بعدم احتلامهن ضعيف.

[٦٤٧] مسألة ٧ : إذا تحرك المني في النوم عن محله بالاحتلام ولم يخرج إلى خارج لا يجب الغسل (٢) كما مرّ ، فاذا كان بعد دخول الوقت ولم يكن عنده ماء للغسل هل يجب عليه حبسه عن الخروج أو لا (٣)

______________________________________________________

بوجه ، وقد عرفت أن الأوصاف المشخصة للمنيّ هي الخروج بدفق وشهوة وفتور وأمّا اللّون فلا موضوعية له في شي‌ء ، فقد يتفق خروجه بصورة الدم كما في من كثر إنزاله فيجب عليه الغسل إذا صدق عليه المني. ولا يضره صدق عنوان الدم عليه أيضاً ، إذ لا يعتبر في وجوب الغسل عدم صدق غير المني عليه ، بل اللاّزم أن يصدق عليه المني صدق عليه عنوان آخر أم لم يصدق.

المرأة تحتلم‌

(١) دلّت على ذلك الأخبار المتقدِّمة ، كما دلّت على أنها إذا أنزلت وجب عليها الغسل ، فليراجع (١).

تحرّك المني عن محلِّه من دون الخروج‌

(٢) لأن وجوب الغسل يترتب على الإمناء والإنزال ، وتوقف صدقهما على الخروج ظاهر. ويتفرع على ذلك ما أشار إليه بقوله : فإذا كان بعد دخول الوقت.

(٣) تبتني هذه المسألة على المسألة الآتية في حكم إجناب النفس بالاختيار مع عدم التمكّن من الاغتسال ، ونبين هناك أن وجوب الحبس هو المتعيّن فيما إذا لم يكن موجباً للإضرار.

__________________

(١) ص ٢٤٠.

٢٧٧

الأقوى عدم الوجوب (*) وإن لم يتضرّر به ، بل مع التضرّر يحرم ذلك (**) ، فبعد خروجه يتيمم للصلاة. نعم لو توقّف إتيان الصلاة في الوقت على حبسه بأن لم يتمكّن من الغسل ولم يكن عنده ما يتيمم به وكان على وضوء ، بأن كان تحرّك المني في حال اليقظة ولم يكن في حبسه ضرر عليه لا يبعد وجوبه فإنه على التقادير المفروضة لو لم يحبسه لم يتمكن من الصلاة في الوقت ولو حبسه يكون متمكنا (١).

[٦٤٨] مسألة ٨ : يجوز للشخص إجناب نفسه ولو لم يقدر على الغسل وكان بعد دخول الوقت (٢)

______________________________________________________

(١) إذا توقفت صلاته في الوقت مع الطّهارة على حبسه خروج المني لأنه لو خرج لم يتمكّن من الغسل ولا من التيمم كما إذا كان في بادية لا يوجد فيها التراب لوجود الثلج مثلاً يجب عليه حبسه ، لأن تركه تفويت للواجب في وقته اختياراً وهو حرام ، اللهمّ إلاّ أن يكون في الحبس ضرر عليه فلا يجب الحبس حينئذ فيقضي صلاته خارج الوقت.

إجناب النفس بالاختيار مع العجز عن الاغتسال‌

(٢) مقتضى القاعدة عدم جواز الإجناب بالاختيار بعد الوقت إذا كان عاجزاً من الغسل ، وذلك لأن التيمم وظيفة العاجز من الماء في مجموع الوقت ، والمفروض في المقام أن المكلّف متمكن من الصلاة مع الطّهارة بعد الوقت فلا يشرع له التيمم والحال هذه ، وإجناب نفسه تفويت للواجب بالاختيار وهو غير جائز. ومن هنا ذكر الماتن أن من كان متوضئاً لا يجوز له أن يبطل وضوءه بعد الوقت إذا لم يكن متمكناً من‌

__________________

(*) لا يبعد الوجوب مع الأمن من الضرر.

(**) هذا فيما إذا كان الضرر معتداً به ، وإلاّ فلا يحرم الحبس وإن كان لا يجب أيضا.

٢٧٨

الوضوء على تقدير الحدث ، وكذا لا يجوز له الإهراق بعد الوقت إذا لم يكن له ماء آخر يتوضأ به.

فالمتحصل : أن القاعدة تقتضي عدم جواز الإجناب مع العجز عن الغسل ، لأنه تفويت اختياري للواجب إلاّ أن يقوم دليل على الجواز ، والدليل إنما قام على الجواز في خصوص إتيان الأهل دون بقية أسباب الجنابة ، وهو موثقة أو صحيحة إسحاق ابن عمار عن الصادق عليه‌السلام : « عن الرجل يكون معه أهله في السفر لا يجد الماء أيأتي أهله؟ قال عليه‌السلام : ما أُحب أن يفعل إلاّ أن يخاف على نفسه ، قال قلت : فيطلب بذلك اللذة أو يكون شبقاً إلى النساء ، فقال عليه‌السلام : إن الشبق الذي لا يتمكّن من حفظ نفسه إلاّ بصعوبة يخاف على نفسه ، قال قلت : طلب بذلك اللّذّة ، قال عليه‌السلام : هو حلال ... » (١) حيث دلّت على جواز إتيان الأهل في السفر وإن كان عاجزاً عن الغسل عند الخوف على النفس أو إرادة اللذة. ولا مسوغ للتعدي عن موردها إلى بقية أسباب الجنابة بوجه ، لأن النص إنما ورد في مورد خاص ، فمن كان عالماً باحتلامه على تقدير المنام مع العجز عن الغسل على تقدير جنابته لا يجوز له المنام إلاّ أن يكون تركه ضرريّاً في حقه.

نعم لا يحتمل موضوعية في ذلك للسفر بأن يكون الحكم مختصاً بالسفر دون الحضر ، ولعل تقييد الموضوع بالسفر من جهة أن الغالب في السفر عدم التمكن من الماء ، فلا موضوعية للسفر. كما أنه يمكن أن يقال : إن الأهل أيضاً لا موضوعية له وأن المملوكة أيضاً كالزوجة ، وأما التعدي عن الجماع إلى غيره من أسباب الجنابة فهو ممّا لا مسوغ له. فتحصل أن إجناب النفس بالاختيار غير جائز بعد دخول الوقت إلاّ في مورد النص. من هذا يظهر الحال في المسألة المتقدّمة ، فإن ترك حبس المني بعد دخول الوقت بالاختيار تفويت للواجب وهو حرام فلا مناص من حبس المني إلاّ أن يكون المكلّف متضرراً بذلك.

__________________

(١) الوسائل ٢٠ : ١٠٩ / أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ب ٥٠ ح ١.

٢٧٩

نعم إذا لم يتمكّن من التيمم أيضاً لا يجوز ذلك ، وأما في الوضوء فلا يجوز لمن كان متوضئاً ولم يتمكّن من الوضوء لو أحدث أن يبطل وضوءه إذا كان بعد دخول الوقت ، ففرق في ذلك بين الجنابة والحدث الأصغر ، والفارق النص (*) (١).

[٦٤٩] مسألة ٩ : إذا شكّ في أنه هل حصل الدخول أم لا لم يجب عليه الغسل (٢) وكذا لو شكّ في أنّ المدخول فيه فرج أو دبر أو غيرهما فإنّه لا يجب عليه الغسل.

[٦٥٠] مسألة ١٠ : لا فرق في كون إدخال تمام الذكر أو الحشفة موجباً للجنابة بين أن يكون مجرّداً أو ملفوفاً بوصلة أو غيرها إلاّ أن يكون بمقدار لا يصدق عليه الجماع (٣).

______________________________________________________

(١) النص لم يرد في عدم جواز التفويت في الوضوء وإنما ورد في جوازه في الجماع مع الزوجة أو المملوكة فحسب ، فلا دليل على جواز الإجناب في غير مورده ، فحال الغسل حال الوضوء.

إذا شكّ في الدخول‌

(٢) للشك في تحقق الجنابة والأصل عدمها. وكذلك الحال فيما إذا شكّ في أن المدخول به فرج أو دبر أو غيرهما.

لا فرق بين كون الآلة مجردة أو ملفوفة‌

(٣) في المسألة عدّة احتمالات :

الأوّل : أن يقال بعدم وجوب الغسل حينئذ مطلقاً ، نظراً إلى أن موضوع وجوب‌

__________________

(*) النص مختص بإتيان الأهل ، ومقتضى القاعدة في غيره من أسباب الجنابة عدم الجواز.

٢٨٠