موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

عليها غسل » (١).

ومنها : صحيحة عمر بن أُذينة ، قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المرأة تحتلم في المنام فتهريق الماء الأعظم ، قال : ليس عليها غسل » (٢).

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم ، قال « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : كيف جعل على المرأة إذا رأت في النوم أن الرجل يجامعها في فرجها الغسل ، ولم يجعل عليها الغسل إذا جامعها دون الفرج في اليقظة فأمنت؟ قال : لأنها رأت في منامها أن الرجل يجامعها في فرجها فوجب عليها الغسل والآخر إنما جامعها دون الفرج فلم يجب عليها الغسل لأنه لم يدخله ، ولو كان أدخله في اليقظة وجب عليها الغسل ، أمنت أو لم تمن » (٣). وملخص هذه الرواية أن محمّد بن مسلم قد سلم الحكمين أعني الحكم بوجوب الغسل على المرأة فيما إذا رأت في المنام أن الرجل يواقعها وإن لم تنزل والحكم بعدم وجوب الغسل عليها فيما إذا أمنت في اليقظة من غير المجامعة وسأل عن وجهه وقد أجابه عليه‌السلام بما حاصله أن وجوب الغسل حكم مترتب على المواقعة والجماع من غير فرق بين تحققهما في الخارج وبين تحققهما في المنام ولم يترتب على الإنزال لا في اليقظة ولا في المنام ، فقد جعلت المناط مجرّد المواقعة دون الإنزال. إلى غير ذلك من الأخبار (٤).

وهذه الطائفة معارضة مع الطائفة المتقدّمة. والكلام في وجه المعالجة بينهما ، فان بنينا على ما بنى عليه المشهور من أن الرواية بلغت من الصحّة ما بلغت إذا أعرض عنها المشهور سقطت عن الاعتبار ، فلا مناص من الأخذ بالطائفة الأُولى الدالّة على عدم الفرق في وجوب الغسل بالإنزال بين المرأة والرجل ، وذلك لإعراض الأصحاب عن الطائفة الثانية ، ولم ينسب العمل بها إلى أحد من أصحابنا ، وحيث إن الإعراض‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ١٩١ / أبواب الجنابة ب ٧ ح ٢٠.

(٢) الوسائل ٢ : ١٩١ / أبواب الجنابة ب ٧ ح ٢١.

(٣) الوسائل ٢ : ١٩١ / أبواب الجنابة ب ٧ ح ١٩.

(٤) كصحيحة عمر بن يزيد : الوسائل ٢ : ١٩٠ / أبواب الجنابة ب ٧ ح ١٨.

٢٤١

يوجب سقوط الرواية عن الاعتبار فتبقى الطائفة الاولى من غير معارض.

وأمّا إذا بنينا على ما سلكناه من أن إعراض المشهور عن رواية صحيحة لا يوجب سقوطها عن الاعتبار فأيضاً لا بدّ من تقديم الطائفة الأُولى على الثانية وذلك إمّا لأن الطائفة الثانية موافقة للعامة على ما نسبه إليهم في الوسائل ولو في زمان صدور الرواية ، لاحتمال أن يكون العامّة في تلك الأزمنة قائلين بعدم وجوب الغسل على المرأة بالإنزال. وإما لأنها أشبه بفتاواهم ، فإن قوله عليه‌السلام في رواية عبيد ابن زرارة : إن الله وضع الاغتسال من الجنابة على الرجال ، وقال ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) ، ولم يقل ذلك لهنّ. ممّا لا يمكن إسناده إلى الإمام ، كيف وجميع الأحكام والخطابات الواردة في الكتاب أو أغلبها متوجهة إلى الرِّجال ، ولازم ذلك عدم تكليفهنّ بشي‌ء مما كلف به الرجال.

على أنها فرضت أن المرأة تجنب بالإمناء حيث قال : « على المرأة غسل من جنابتها » وإنما دلّت على عدم وجوب الغسل في حقها ، وهو كما ترى مما لا يمكن التفوه به ، إذ كيف تكون المرأة جنباً ولا يجب عليها الغسل؟ وكذلك تعليله عليه‌السلام في صحيحة محمّد بن مسلم من أن الغسل إنما يجب بالمواقعة سواء كانت في الخارج أم في المنام ، فان الغسل وإن كان يجب بالمواقعة إلاّ أنها إنما تسببه فيما إذا تحققت في الخارج ، وأمّا تخيّل المواقعة في المنام فلا تكون موجبة للغسل أبداً. وهل ترى أن من رأى في المنام أنه قتل أحداً يجب أن يعطي الدية ويقتص منه؟ وكذا إذا رأت في المنام أنها حاضت حيث لا يجب عليها الغسل بذلك ، فهذا أشبه بفتاوى الناس ، وما أشبه بأحكامهم فهو مردود وغير مقبول ، لأن ما أشبه قول الناس ففيه التقيّة كما في الخبر (١).

ثمّ لو أغمضنا عن ذلك فالطائفتان متعارضتان ، لمنافاة وجوب الغسل على المرأة مع عدم وجوبه عليها فلا بدّ من الحكم بتساقطها والرجوع إلى المطلقات ، وهي تدلّ‌

__________________

(١) راجع ما رواه عبيد بن زرارة ، الوسائل ٢٧ : ١٢٣ / أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ٤٦.

٢٤٢

وإن كان بمقدار رأس أبرة (١)

______________________________________________________

على أنّ غسل الجنابة إنما يجب بخروج الماء الأكبر أو الأعظم (١) ومقتضى إطلاقه عدم الفرق في ذلك بين الرجال والنساء.

ودعوى أن الطائفة الثانية صريحة في عدم وجوب غسل الجنابة على المرأة بالإنزال وظاهرة في حرمته عليها كما أن الطائفة الأُولى صريحة في استحباب الغسل عليها بالإنزال وظاهرة في وجوبه عليها فترفع اليد عن ظهور كل منهما بصريح الآخر ونتيجته الحكم باستحباب الغسل عليها بإنزالها فلا تصل النوبة إلى التساقط والرجوع إلى الإطلاقات. مندفعة : بأن الجمع بين المتعارضين بذلك مخصوص بالأحكام التكليفية ولا يأتي في الأوامر والنواهي الإرشاديتين والأمر في المقام كذلك ، لأن الأمر بغسلها إرشاد إلى مانعية جنابتها عن الصلاة كما أن النهي عنه إرشاد إلى عدم مانعية جنابتها عن الصلاة ، ومن الظاهر أن كون الجنابة مانعة وغير مانعة أمران متنافيان ومعه لا بدّ من الحكم بتساقطهما والرجوع إلى المطلقات كما ذكرناه.

عدم الفرق في خروج المني بين قلّته وكثرته‌

(١) لا فرق في خروج المني الموجب لغسل الجنابة بين قلّته وكثرته ، وذلك لإطلاقات الأخبار حيث دلّت على أن المدار في وجوب غسل الجنابة على خروج الماء الأكبر أو الأعظم أو الإنزال أو الإمناء ، فكلّما صدق شي‌ء من هذه العناوين وجب الغسل قليلاً كان الخارج أم كثيرا.

__________________

(١) كما في موثقتي عنبسة الوسائل ٢ : ١٨٧ / أبواب الجنابة ب ٧ ح ٦ ، ١١. وموثقة الحسين بن أبي العلاء الوسائل ٢ / ١٩٦ ب ٩ ح ١ ففيها ورد : الماء الأكبر. وتقدّمت قريباً صحيحة عمر بن أُذينة الدالّة على عدم وجوب الغسل على المرأة وفيها ورد : الماء الأعظم.

٢٤٣

سواء كان بالوطء أو بغيره (١)

______________________________________________________

وقد يقال : إن صحيحة معاوية بن عمّار تدلّ على عدم وجوب الغسل عند قلّة الخارج من المني حيث قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل احتلم فلما انتبه وجد بللاً قليلاً ، قال عليه‌السلام : ليس بشي‌ء إلاّ أن يكون مريضاً فإنه يضعف فعليه الغسل » (١) وهي كالصريح في أن البلل القليل الذي وجده المحتلم ليس بشي‌ء موجب للغسل.

وفيه : أنّ الصحيحة لا دلالة لها على المدعى ، لأن الحلم بمعنى النوم ، فالمراد من أنه احتلم أنه رأى في منامه شيئاً بأن رأى أنه يواقع زوجته أو امرأة أُخرى ، وليس بالمعنى المصطلح عليه عندنا أعني خروج المني منه وهو في المنام أو غيره ، وعليه فليس في الصحيحة ما يدلّ على أن المني القليل غير موجب لشي‌ء وإنما هي واردة في البلل المشتبه ، وقد دلّت على أن البلل المشتبه إذا كان قليلاً لا يوجب الاغتسال لأن قلّته كالقرينة على عدم كونه منياً ، حيث إنه لو كان منياً لخرج على النمط المتعارف لا على وجه القلّة إلاّ في المريض ، لأنه لضعفه قد يخرج منه شي‌ء قليل من المني فيجب عليه الاغتسال. ولو لا ذكر أن المريض يضعف لم يكن يحتمل التفصيل في خروج البلل القليل بين السليم والمريض بالحكم بعدم وجوب الغسل في الأوّل ووجوبه في الثاني إلاّ أن ذكر الضعف قرينة على المراد وأن المريض لمكان ضعفه قد يخرج عنه المني القليل وأنه ليس كالسليم. فالمتحصل أنه لا فرق في وجوب الغسل بخروج المني بين قلّته وكثرته.

خروج المني بالوطء أو بغيره سيّان‌

(١) لأنّ المدار على صدق الإنزال والإمناء وخروج الماء الأكبر فيجب الغسل عند صدق أحد هذه العناوين كما عرفت ، سواء كان بالوطء أو بغيره.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ١٩٤ / أبواب الجنابة ب ٨ ح ٢.

٢٤٤

مع الشهوة أو بدونها (*) (١)

______________________________________________________

كان الخروج مع الشهوة أم بدونها‌

(١) الكلام في اعتبار الشهوة في وجوب الغسل بخروج المني تارة يقع في الرجال وأُخرى في النساء. أما بالإضافة إلى الرجال فقد ورد في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام على ما رواه الشيخ قدس‌سره أنه « سأله عن الرجل يلعب مع المرأة ويقبِّلها فيخرج منه المني فما عليه؟ قال : إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر لخروجه فعليه الغسل ، وإن كان إنما هو شي‌ء لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس » (٢) وهي كما ترى قيّدت وجوب الغسل على الرجل بما إذا خرج منه المني عن شهوة. وقد حملها صاحب الحدائق (٣) وكذا صاحب الوسائل قدس‌سرهما على التقيّة لموافقتهما لمذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد (٤) وهم من أشهر فقهائهم.

وفيه : أن الحمل على التقيّة يتوقف على وجود المعارض للرواية حيث إن مخالفة العامّة من المرجحات ، وأما الرواية المعتبرة من غير أن يكون لها معارض فمما لا يمكن رفع اليد عنها بحملها على التقيّة والأمر في المقام كذلك ، لأن الصحيحة غير معارضة بشي‌ء ، حيث لم يرد في شي‌ء من رواياتنا أن الرجل إذا خرج منه المني عن غير شهوة أيضاً يوجب الجنابة وغسلها ، وليس في البين سوى الإطلاقات وأن الغسل من الماء الأكبر (٥) ومقتضى القاعدة تخصيص المطلقات بالصحيحة ولا موجب لحملها على التقيّة أبدا.

وعن صاحب المنتقى أن المني في الصحيحة إنما أُطلق على البلل المشتبه الذي ظنّه السائل منياً فأطلق المني على ما ظنّ أنه مني ، فهو استعمال على طبق خياله وعقيدته‌

__________________

(*) في تحقق الجنابة بخروج المني من المرأة بغير شهوة إشكال ، فالاحتياط لا يترك.

(١) الوسائل ٢ : ١٩٤ / أبواب الجنابة ب ٨ ح ١.

(٢) الحدائق ٣ : ٢٠.

(٣) المبسوط ١ : ٦٧ ، بدائع الصنائع ١ : ٣٧ ، المغني لابن قدامة ١ : ٢٣١.

(٤) مرّ في ذيل ص ٢٤٣.

٢٤٥

لا أن الخارج كان منياً يقيناً (١) ، وعليه فالصحيحة خارجة عن محل الكلام وناظرة إلى أن البلل المشتبه إنما يوجب الغسل ، ويحمل على كونه منياً فيما إذا خرج عن شهوة ، فهو كالقرينة على أن البلل مني لا أن ما علمنا بكونه منياً لا يوجب الغسل إلاّ إذا خرج عن شهوة.

ويدفعه : أن حمل لفظة المني على خلاف ظاهرها يحتاج إلى دليل ، ولا دليل عليه فلا مناص من حملها على ما هو ظاهرها أعني المني دون البلل ، وعليه فمقتضى القاعدة الالتزام بمفاد الصحيحة وتخصيص المطلقات بها. والذي يسهل الخطب أن الموجود في الصحيحة على رواية قرب الإسناد (٢) وكتاب علي بن جعفر (٣) على ما رواه صاحب الوسائل قدس‌سره كلمة « الشي‌ء » بدل « المني » وعليه فالصحيحة واردة في البلل المشتبه دون المني ، ورواية قرب الإسناد وكتاب علي بن جعفر لو لم تكن هي الصحيحة لأجل وقوع الاشتباه في روايات الشيخ على ما شاهدنا كثيراً فلا أقل من عدم ثبوت رواية الشيخ ، وعليه فمقتضى الإطلاقات وجوب الغسل بخروج الماء الأكبر مطلقاً سواء خرج مع الشهوة أم بدونها. هذا كله في الرجال.

وأمّا في النساء فقد ورد في جملة من الأخبار تقييد وجوب الغسل عليها بالإنزال والإمناء بما إذا خرج عن شهوة ، ففي صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري قال : « سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل يلمس فرج جاريته حتى تنزل الماء من غير أن يباشر ، يعبث بها بيده حتى تنزل ، قال : إذا أنزلت من شهوة فعليها الغسل » (٤) وبمضمونها رواية محمّد بن الفضيل (٥) وغيرها (٦) حيث اعتبر في الإنزال الموجب‌

__________________

(١) منتقى الجمان ١ : ١٧٢.

(٢) قرب الاسناد : ١٨١ / ٦٧٠.

(٣) مسائل علي بن جعفر : ١٥٧ / ٢٣٠.

(٤) الوسائل ٢ : ١٨٦ / أبواب الجنابة ب ٧ ح ٢.

(٥) الوسائل ٢ : ١٨٧ / أبواب الجنابة ب ٧ ح ٤.

(٦) كصحيحة معاوية بن حكيم ورواية يحيى بن أبي طلحة ، الوسائل ٢ : ١٨٩ / أبواب الجنابة ب ٧ ح ١٤ ، ١٥.

٢٤٦

جامعاً للصفات أو فاقداً لها مع العلم بكونه منياً (١) ، وفي حكمه الرطوبة المشتبهة الخارجة بعد الغسل مع عدم الاستبراء بالبول (٢) ، ولا فرق بين خروجه من المخرج المعتاد أو غيره (٣).

______________________________________________________

للغسل أن يكون عن شهوة.

ومقتضى القاعدة تخصيص المطلقات بهذه الأخبار والحكم باعتبار الشهوة في وجوب الغسل على المرأة بخروج المني دون الرجال ، إلاّ أنه يشكل من جهة مخالفة المشهور ، لعدم التزامهم باعتبار الشهوة في خصوص المرأة دون الرجال ، ولو لا ذلك لكان المتعين تخصيص المطلقات بهذه الأخبار في خصوص النساء دون الرجال.

(١) وذلك لأن الصفات الواردة في الأخبار من الخروج بالدفع أو الفتور أو الخروج عن شهوة إنما تعتبر في تميز المني وتشخيصه عند الاشتباه كما في البلل المشتبه وأمّا مع العلم بأن الخارج مني فلا يعتبر فيه شي‌ء من الصفات لصدق الماء الأكبر أو الإنزال والإمناء عليه.

البلل المشتبه بحكم المني‌

(٢) كما يأتي في محلِّه (١) ونبيّن هناك أن الشارع جعل الغلبة فيها أمارة على كون الخارج منياً ، لأنه إذا خرج منه البلل بعد خروج المني منه وقبل أن يبول فغالب الظن أنه من بقايا المني في المجرى.

الخروج من المخرج المعتاد وغيره سيان‌

(٣) كما لا فرق في غير المعتاد بين أن يكون عاديا له وبين ما إذا لم يكن ، وذلك لأن المدار في الحكم بوجوب الاغتسال إنما هو صدق أحد عناوين الإنزال والإمناء وخروج الماء الأكبر ونحوها ، سواء كان الإنزال من المخرج العادي أو من غيره ، وسواء كان معتاداً له أم لم يكن وهذا كما إذا كانت على بدنه ثقبة يخرج منها المني ، نعم إذا لم‌

__________________

(١) في المسألة [٦٨٦].

٢٤٧

والمعتبر خروجه إلى خارج البدن ، فلو تحرّك من محلِّه ولم يخرج لم يوجب الجنابة (١) ، وأن يكون منه فلو خرج من المرأة مني الرجل لا يوجب جنابتها (٢) إلاّ مع العلم باختلاطه بمنيها ،

______________________________________________________

يصدق عليه الإنزال أو الإمناء بحسب المتفاهم العرفي لم يجب عليه الاغتسال ، كما إذا استخرج منيه بشي‌ء من الآلات الطبيّة فإنه لا يقال إنه أنزل وأمنى ، وأما في غير ذلك من الموارد فمقتضى الإطلاق وجوب الاغتسال كما عرفت.

(١) حيث لا يصدق عليه الإمناء والإنزال أو خروج الماء الأكبر ، وقد عرفت أن هذه العناوين هي الموضوع للحكم بوجوب غسل الجنابة.

حكم خروج مني الرّجل من المرأة‌

(٢) وذلك مضافاً إلى عدم المقتضي لوجوب الغسل حينئذ لعدم صدق الإنزال والإمناء بخروج المني الداخل إلى فرجها من الخارج فان ظاهر الإمناء هو إخراج مني نفسه لا مني غيره ، تدلّ عليه جملة من الأخبار.

منها : صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي‌ء ، قال : يعيد الغسل ، قلت : فالمرأة يخرج منها شي‌ء بعد الغسل ، قال : لا تعيد ، قلت : فما الفرق بينهما؟ قال : لأن ما يخرج من المرأة إنما هو من ماء الرجل » (١).

ومنها : صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تغتسل من الجنابة ثمّ ترى نطفة الرجل بعد ذلك هل عليها غسل؟ فقال : لا » (٢) ومنها غير ذلك من الأخبار (٣).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٠١ / أبواب الجنابة ب ١٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٠٢ / أبواب الجنابة ب ١٣ ح ٣.

(٣) كالروايات الدالّة على أن موجب الغسل هو الماء الأكبر ، وتقدّم ذكر جملة منها في تعليقة ص ٢٤٣.

٢٤٨

وإذا شكّ في خارج أنه مني أم لا اختبر بالصفات من الدّفق والفتور والشّهوة (١) ، فمع اجتماع هذه الصفات يحكم بكونه منياً وإن لم يعلم بذلك ، ومع عدم اجتماعها

______________________________________________________

عند الشك يختبر الخارج بالصفات‌

(١) في هذه المسألة جهات من الكلام :

الجهة الاولى : في أنه إذا شك في أن الخارج مني أو غيره هل يجب الفحص والاختبار أو يبني على العدم من غير فحص؟ الصحيح هو الثاني ، لأن الشبهة موضوعية ولا يجب الفحص في الشبهات الموضوعية على ما تقدّم في محلِّه (١) فلا مانع من استصحاب عدم خروج المني أو استصحاب بقاء طهارته. هذا إذا دار أمر الخارج بين المني والوذي وكان متطهراً قبل خروجه فإنه لا مانع حينئذ من استصحاب بقاء طهارته.

وأما إذا دار أمره بين المني والبول فلا يجري فيه الاستصحاب ، للعلم الإجمالي بانتقاض طهارته إما بالحدث الأكبر أو الأصغر ، وحينئذ تبتني المسألة على أن الامتثال الإجمالي والاحتياط هل هو في مرتبة متأخرة من الامتثال التفصيلي فمع التمكن منه لا مساغ للاحتياط ، أو أنهما في مرتبة واحدة ولا مانع من الاحتياط مع التمكن من الامتثال التفصيلي ، فعلى الأوّل يجب عليه الاختبار ليعلم أنه بول أو مني وأمّا على الثاني فله أن يحتاط من غير أن يجب عليه الفحص والاختبار.

الجهة الثانية : إذا قلنا بوجوب الاختبار عند الشك في أن الخارج مني أو غيره فلا بدّ من أن يختبر بالصفات الواردة في الأخبار من الدفق والفتور والشهوة كما في صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة ، حيث قال : « إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر لخروجه فعليه الغسل » (٢).

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٥١٠.

(٢) تقدّم ذكرها في ص ٢٤٥.

٢٤٩

ولو بفقد واحد منها لا يحكم به إلاّ إذا حصل العلم. وفي المرأة والمريض يكفي اجتماع (*) صفتين وهما الشّهوة والفتور.

______________________________________________________

والظاهر أن الشارع إنما اعتبر هذه الصفات في الاختبار من جهة أنها صفات غالبية لا تنفك عن المني ، فهي أمارات كون الخارج منياً لا أن الطريق منحصر بها فلو علم أو اطمأن بالمني من سائر الأوصاف كاللون والرائحة الكريهة ونحوهما أيضاً وجب عليه الغسل كما ذهب إليه جماعة من الفقهاء ، وكذا فيما إذا حصل له العلم بذلك عن اجتماع صفتين من الأوصاف الثلاثة. وعلى الجملة المدار على العلم بكون الخارج منياً ، وإذا لم يكن فالمتبع هو الصفات الغالبية وهي الدفق والشهوة والفتور.

ثمّ إن الكلام في ذلك قد يقع في الرجل السليم وأُخرى في المريض وثالثة في المرأة.

أما بالإضافة إلى الرجل الصحيح فقد عرفت أن مقتضى صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة الحكم بالاغتسال عند اجتماع الأوصاف الثلاثة ، والظاهر أن الفترة والشهوة متلازمتان كما يدلّ عليه ذيل الصحيحة ، حيث قال : « وإن كان إنما هو شي‌ء لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس » مع أن انتفاء أحد الأوصاف الثلاثة يكفي في الحكم بعدم وجوب الاغتسال ، لأنه إنما ترتب على وجود الأوصاف الثلاثة فلا حاجة إلى انتفاء كليهما ، فنفيهما معاً يكشف عن تلازمهما كما هو كذلك خارجاً. وعليه فالمدار في الرجل الصحيح على الدفق والشهوة. ويدلُّ على ذلك أيضاً صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قلت له : الرجل يرى في المنام ويجد الشهوة فيستيقظ فينظر فلا يجد شيئاً ثمّ يمكث الهون بعد فيخرج ، قال : إن كان مريضاً فليغتسل وإن لم يكن مريضاً فلا شي‌ء عليه ، قلت : فما فرق بينهما؟ قال : لأن الرجل إذا كان صحيحاً جاء الماء بدفقة قويّة وإن كان مريضاً لم يجي‌ء إلاّ بعد » (٢) وفي رواية‌

__________________

(*) كفايته في خصوص المرأة لا تخلو من إشكال ، فالاحتياط لا يترك.

(١) الوسائل ٢ : ١٩٥ / أبواب الجنابة ب ٨ ح ٣.

٢٥٠

الثاني : الجماع وإن لم ينزل ولو بإدخال الحشفة أو مقدارها من مقطوعها (*) (١)

______________________________________________________

الكليني يدفقه بقوّة (٢). وهي تدلّنا على أن الرجل الصحيح كما هو محل كلامنا إنما يخرج ماؤه بدفق وقوّة ، كما أنه يخرج بشهوة كما في الصحيحة المتقدّمة. فأمارة المني في الرجل الصحيح هي الدفق والخروج بشهوة.

وأمّا المرأة فلم يرد في اعتبار الدفق في منيها رواية ، وإنما الأخبار دلّت على أن ما يخرج من فرجها إذا كان خارجاً بشهوة يجب عليها الغسل ، ففي صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري قال : « سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل يلمس فرج جاريته حتى تنزل الماء من غير أن يباشر ، يعبث بها بيده حتى تنزل ، قال : إذا أنزلت من شهوة فعليها الغسل » (٣) وهكذا في غيرها (٤) بل لم يعتبر الدفق في المرأة ولو اتفاقاً. وعليه فالصفة التي يختبر بها مني المرأة إنما هي خروجه بشهوة ، ولا يعتبر فيها صفة أُخرى غيرها.

وأمّا الرجل المريض فهو أيضاً لا يعتبر فيه الخروج عن دفق كما دلّت عليه صحيحة ابن أبي يعفور المتقدِّمة ، فلا يعتبر في الرجل المريض والمرأة إلاّ الشهوة الملازمة مع الفتور ، ولا يعتبر فيهما الدفق ، وإنما يختص ذلك بالرجل الصحيح كما مر.

السبب الثاني للجنابة وهو الجماع‌

(١) وجوب الغسل بالجماع في الجملة مما لا ريب فيه بين المسلمين ، وإنما الكلام في جهات :

الجهة الاولى : أن الجماع المعبّر عنه بالتقاء الختانين أو الإدخال والإيلاج بنفسه‌

__________________

(*) لا يترك الاحتياط مع صدق الإدخال عرفاً ولو كان الداخل دون ذلك.

(١) الكافي ٣ : ٤٨ / ٤. إلاّ أنّ فيه بدل يدفقه بقوّة « بدفقة وقوّة ».

(٢) الوسائل ٢ : ١٨٦ / أبواب الجنابة ب ٧ ح ٢.

(٣) الوسائل ٢ : ١٨٧ / أبواب الجنابة ب ٧ ح ٤ ، ١٣ ، ١٤ ، ١٥.

٢٥١

مسبب للجنابة ووجوب الغسل وإن لم ينزل بوجه ، وذلك بمقتضى الأخبار الكثيرة الصحاح فضلاً عن غيرها ، ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « سألته متى يجب الغسل على الرجل والمرأة؟ فقال : إذا أدخل وجب الغسل ... » (١) وفي رواية ابن أبي نصر البزنطي صاحب الرضا عليه‌السلام قال : « سألته ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة؟ فقال : إذا أولجه وجب الغسل ... » (٢) ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها ولا ينزل؟ فقالت الأنصار : الماء من الماء ، وقال المهاجرون : إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل ، فقال عمر لعلي عليه‌السلام : ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال علي عليه‌السلام : أتوجبون عليه الحد والرجم ولا توجبون عليه صاعاً من الماء؟ إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل ، فقال عمر : القول ما قال المهاجرون ودعوا ما قالت الأنصار » (٣) ومنها غير ذلك من الأخبار المشتمل بعضها على تلازم الغسل مع الحد والمهر فراجع ، إلى غير ذلك من الأخبار. مضافاً إلى إطلاق الكتاب ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (٤).

وأما ما ورد من أن علياً عليه‌السلام كان لا يرى الغسل إلاّ في الماء الأكبر (٥) فهو لا ينافي وجوب الغسل بالجماع ، وذلك لأن الحصر فيه إنما هو بالإضافة إلى ما يخرج من الإحليل ، فكأنه عليه‌السلام قال : المائع الذي يخرج من الإحليل لا يوجب الغسل إلاّ إذا كان من الماء الأكبر ، وذلك لقرينتين :

إحداهما : سبق ذلك في رواية عنبسة بالمذي حيث قال : « سمعت أبا عبد الله ( عليه‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ١٨٢ / أبواب الجنابة ب ٦ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ١٨٥ / أبواب الجنابة ب ٦ ح ٨.

(٣) الوسائل ٢ : ١٨٤ / أبواب الجنابة ب ٦ ح ٥.

(٤) المائدة ٥ : ٦.

(٥) الوسائل ٢ : ١٨٧ / أبواب الجنابة ب ٧ ح ٦.

٢٥٢

السلام ) يقول : كان علي لا يرى في المذي وضوءاً ولا غسلاً ما أصاب الثوب منه إلاّ في الماء الأكبر » (١) فإن ذكر المذي قرينة واضحة على أن الحصر إنما هو بالإضافة إلى ما يخرج من الإحليل لا بالإضافة إلى كل ما هو سبب للجنابة والغسل.

وثانيتهما : إتيانه بالصفة والموصوف حيث قيد الماء بكونه أكبر ، فمنه يظهر أنه في قبال الماء الأصغر الذي هو كل مائع غير المني ، إذ لو كان مراده حصر سبب الجنابة والغسل بالمني فقط لكان من الأولى والأخصر أن يقول : إلاّ في المني. فلا موجب للإطالة والإتيان بالصفة وموصوفها إلاّ التنبيه على أن الحصر إضافي وبالنسبة إلى المائعات الخارجة من الإحليل الذي هو الماء غير الأكبر.

الجهة الثانية من جهات البحث‌

الجهة الثانية : أنه لو كنا والصحاح الواردة في وجوب الغسل بالإدخال والإيلاج لكنا قلنا بوجوب الغسل إما من مطلق الإدخال والإيلاج ولو كان أقل من مقدار الحشفة ، وإما من خصوص الإدخال المتعارف أعني إدخال جميع الآلة كما هو المناسب مع الإيلاج ولم نكتف في وجوبه بإدخال الحشفة ، إلاّ أن هناك أخباراً قد وردت في تحديد الإدخال والإيلاج وبينت أن المراد بهما إدخال الحشفة وغيبوبتها فقط فالإدخال زائداً على ذلك غير واجب والإدخال دون غيبوبة الحشفة غير موجب له وهي جملة من الأخبار المتضمنة على أن الغسل إنما يجب بغيبوبة الحشفة ، أصرحها صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : « سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل يجامع المرأة قريباً من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل؟ فقال : إذا التقى ، الختانان فقد وجب الغسل ، فقلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال : نعم » (٢) ومقتضى هذه الأخبار أن الغسل إنما يجب بغيبوبة الحشفة ولا يجب في الأقل منه ، كما لا يعتبر إدخال الأكثر منه.

__________________

(١) المصدر المتقدِّم.

(٢) الوسائل ٢ : ١٨٣ / أبواب الجنابة ب ٦ ح ٢.

٢٥٣

وفي قبال ذلك رواية محمّد بن عذافر ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام متى يجب على الرجل والمرأة الغسل؟ فقال : يجب عليهما الغسل حين يدخله ، وإذا التقى الختانان فيغسلان فرجهما » (١) وقد رواها في الوسائل عن محمّد بن إدريس في آخر السرائر عن كتاب محمّد بن علي بن محبوب (٢). ومقتضاها أن الغسل إنما يجب بالإنزال ، وأمّا الجماع المعبر عنه بالتقاء الختانين فهو إنما يوجب غسل الفرجين ولا يوجب الاغتسال.

ولكن الظاهر عدم معارضتها مع الصحاح المتقدِّمة لأنها مطلقة ، حيث نفت وجوب الاغتسال ودلّت على وجوب الغَسل بالالتقاء الأعم من الالتقاء الخارجي والداخلي ، والصحاح المتقدّمة مقيّدة وقد دلّت على وجوب الاغتسال بالالتقاء الداخلي المفسر بغيبوبة الحشفة كما في صحيحة ابن بزيع المتقدِّمة ، فتحمل هذه الرواية على ما إذا كان الالتقاء خارجياً بغير الغيبوبة. هذا أوّلاً.

وثانياً : لو سلمنا أنهما متعارضتان فلا يمكننا رفع اليد عن الصحاح المتقدّمة بهذه الرواية لأنها نادرة وتلك مشهورة ، بل لا يبعد دعوى تواترها الإجمالي والقطع بصدور بعضها عنهم عليهم‌السلام ، وعند المعارضة يترك الشاذ النادر ويؤخذ بالمجمع عليه بين الأصحاب ، وهذا لا للرواية الآمرة بالأخذ بالمجمع عليها وأنه مما لا ريب فيه (٣) لأنها ضعيفة ، بل لما حقّقناه في محلِّه من أن الرواية إذا كانت مقطوعة السند لا يمكن رفع اليد عنها بالرواية النادرة (٤).

وثالثاً : لو أغمضنا عن ذلك أيضاً فالصحاح المتقدّمة موافقة للكتاب الذي أمرنا بالتيمم بدلاً عن الغسل فيما إذا تحققت الملامسة ولم يوجد الماء ، والرواية غير موافقة‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ١٨٥ / أبواب الجنابة ب ٦ ح ٩.

(٢) السرائر ٣ : ٦٠٩.

(٣) ورد ذلك في روايتين وهما : مقبولة عمر بن حنظلة ومرفوعة زرارة ، الوسائل ٢٧ : ١٠٦ / أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ١. والمستدرك ١٧ : ٣٠٣ / أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ٢.

(٤) مصباح الأُصول ٣ : ٤١٣ ٤٢١.

٢٥٤

للكتاب حيث نفت الغسل عند الملامسة ، وموافقة الكتاب من المرجحات السندية فلا بدّ من الأخذ بالصحاح وطرح تلك الرواية.

وأمّا ما في الحدائق نقلاً عن بعضهم من عدم المعارضة بينهما بجعل قوله : « وإذا التقى الختانان » جملة معطوفة على « يدخله » وكون العطف عطف تفسير وكأنها هكذا : يجب عليهما الغسل حين يدخله أي إذا التقى الختانان. وقوله : « فيغسلان فرجهما » حكم آخر متفرع على الإدخال والالتقاء (١). ففيه ما لا يخفى كما ذكره في الحدائق ، لأن الظاهر أن الجملة شرطية وقوله : « فيغسلان » جملة جزائية.

وأمّا ما عن بعضهم من أن جملة « فيغسلان ... » لا يمكن أن تكون جزائية ، إذ لا وجه لدخول الفاء في الجزاء فيتعين حملها على أنه حكم متفرع على الإدخال والتقاء الختانين ، وكون جملة « وإذا التقى » عطفاً تفسيرياً لقوله : « حين يدخله ». فيدفعه أن الفاء إنما لا يدخل في الجزاء فيما إذا لم يكن الجزاء من الأفعال المضارعية ، وأمّا في المضارع فلا بأس بدخوله في الجزاء كما لا يخفى على الممارس الفطن ، و « يغسلان » فعل مضارع. فالصحيح في رفع المعارضة ما ذكرناه.

والذي يسهل الخطب أن الرواية ضعيفة ، لأن محمّد بن إدريس قدس‌سره وإن نقلها عن كتاب محمّد بن علي بن محبوب وذكر أن ذلك الكتاب بخط الشيخ أبي جعفر الطوسي قدس‌سره موجود عنده (٢) فالطريق إلى نفس الكتاب معتبر وغير قابل للمناقشة إلاّ أن في سند الرواية محمّد بن عمر بن يزيد ، وهو لم يوثق في الرجال. والنتيجة أن الرواية ضعيفة وغير قابلة للمعارضة مع الصحاح.

الجهة الثالثة من جهات البحث‌

الجهة الثالثة : من قطع حشفته إذا بقي من حشفته مقدار وكان على نحو يصدق أنه‌

__________________

(١) الحدائق ٣ : ٤.

(٢) السرائر ٣ : ٦٠١.

٢٥٥

أدخل حشفته أو أولجها فلا إشكال في أنه يجب عليه الاغتسال ، وأمّا إذا قطعت بتمامها فالمحتملات فيه أُمور :

الأوّل من محتملات المسألة

الأوّل : أن الجنابة ووجوب الاغتسال إنما يتحققان بإدخال مقدار الحشفة لا بإدخال نفس الحشفة فقط ، سواء كانت هناك حشفة أم لم تكن ، فمقطوع الحشفة إذا أولج بمقدار الحشفة وجب عليه الاغتسال ، ويلاحظ في مقدار الحشفة حشفة كل شخص بحسبها ، وهذا الاحتمال منسوب إلى الأشهر أو المشهور إلاّ أنه مما لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأن ظاهر الأخبار الواردة في وجوب الاغتسال بغيبوبة الحشفة (١) أن إدخال الحشفة بنفسه موضوع للحكم بوجوب الاغتسال ، فحمله على التقدير وجعل الموضوع عبارة عن مقدار الحشفة خلاف ظاهر الأخبار ودون إثباته خرط القتاد.

ولا مجال لمقايسة المقام مع ما ورد في أن المسافر إنما يجب عليه القصر فيما إذا توارى عن البلد ، المعبّر عنه في كلمات الفقهاء بخفاء الجدران ، حيث ذكر المحقق الهمداني قدس‌سره أن المستفاد منه في المتفاهم العرفي أن وجوب القصر مشروط بالبعد عن بلد المسافرة بمقدار خفاء الجدران ، سواء أكان هناك جدران أم لم يكن كما إذا سافر من القرى والبوادي. وكذلك الحال في المقام ، فإن المستفاد من الأخبار الواردة في أن الغسل يجب بإيلاج الحشفة أن المناط إنما هو الإدخال بقدر الحشفة سواء أكان له حشفة أم لم تكن ، فمقطوع الحشفة إذا أدخل من إحليله بقدر الحشفة يجب عليه الاغتسال (٢).

والوجه في عدم جواز المقايسة أن ما ورد في وجوب القصر فيما إذا توارى عن البلد بحسب المتفاهم العرفي ظاهر في إرادة المقدار ، وأين هذا من الأخبار الواردة في‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ١٨٢ / أبواب الجنابة ب ٦.

(٢) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٢٢٤ / السطر ١٦.

٢٥٦

أن الغسل إنما يجب بإدخال الحشفة ، فإن استفادة كفاية إدخال غير الحشفة بقدرها منها دونه خرط القتاد. فارادة المقدار من الحشفة يحتاج إلى دلالة الدليل ولا دليل على إرادته فهذا الاحتمال ساقط.

الثاني من المحتملات‌

الثاني : أن مقطوع الحشفة لا يجب عليه الغسل بالجماع وإنما ينحصر سبب الغسل في حقه بالإنزال ، لأن الغسل بالجماع مقيد بإدخال الحشفة ولا حشفة له على الفرض.

ورد ذلك بأن الأخبار الواردة في أن الغسل يجب بالإدخال والإيلاج مطلقة ومقتضى إطلاقها وجوب الغسل بإدخال مقطوع الحشفة أيضاً. وهذا منسوب إلى صاحب المدارك قدس‌سره (١).

وقد أُورد على ذلك بأن المطلقات كما مر مقيّدة بغيبوبة الحشفة ، وتلك المقيدات أيضاً مطلقة لعدم اختصاصها بواجد الحشفة بل يعمه ومن قطعت حشفته ، ومقتضى إطلاق المقيّدات أن الغسل إنما يجب في حق مقطوع الحشفة وغيره بالجماع فيما إذا غابت الحشفة ، وحيث إنّ مقطوع الحشفة لا يتحقق في حقه الجماع بغيبوبة الحشفة فلا يجب عليه الغسل بالجماع ، وينحصر سببه بالإنزال فحسب لولا كون الحكم المزبور أعني وجوب الغسل على مقطوع الحشفة بالجماع مظنّة الإجماع هذا.

ولا يخفى أن هذا الاحتمال أيضاً مردود كسابقه ، وذلك لصحيحتين : إحداهما : صحيحة الحلبي ، قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصيب المرأة فلا ينزل أعليه غسل؟ قال : كان علي عليه‌السلام يقول : إذا مس الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل ، قال : وكان علي عليه‌السلام يقول : كيف لا يوجب الغسل والحد يجب فيه؟ وقال : يجب عليه المهر والغسل » (٢). فإن مقتضى صريح هذه الصحيحة أن وجوب الحد والمهر وغسل الجنابة أُمور متلازمة ومتى وجب أحدها وجب الآخران‌

__________________

(١) المدارك ١ : ٢٧٢.

(٢) الوسائل ٢ : ١٨٣ / أبواب الجنابة ب ٦ ح ٤.

٢٥٧

وحيث لا إشكال في أنّ مقطوع الحشفة إذا جامع أجنبية يصدق أنه زنى ويجب بذلك عليه الحد ، كما إذا جامع زوجته يجب بذلك عليه المهر أيضاً ، فمنه يستكشف أنه إذا جامع امرأة وجب عليه غسل الجنابة أيضاً لملازمته مع وجوب الحد والمهر. فالقول بعدم وجوب الغسل في حقه ساقط.

وثانيتهما : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها ولا ينزل؟ فقالت الأنصار : الماء من الماء ، وقال المهاجرون : إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل ، فقال عمر لعلي عليه‌السلام : ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال علي عليه‌السلام : أتوجبون عليه الحد والرجم ولا توجبون عليه صاعاً من الماء؟ إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل ، فقال عمر : القول ما قال المهاجرون ودعوا ما قالت الأنصار » (١). وهذه الصحيحة أيضاً ظاهرة الدلالة على أن الحد والغسل متلازمان في الوجوب فمتى وجب أحدهما وجب الآخر ، وحيث إن الأوّل يتحقق في حق مقطوع الحشفة بالإدخال فكذلك الثاني يجب عليه بإدخاله. فاحتمال أن لا يجب على مقطوع الحشفة الغسل بالجماع ساقط ، حيث يستفاد منهما أن الموضوع لوجوب الغسل في حق مقطوع الحشفة مطلق الإدخال والإيلاج. ومنه نستكشف أن المقيّدات مختصّة بواجد الحشفة دون فاقدها.

فدعوى أن عدم وجوب الغسل على مقطوع الحشفة بالإدخال هو الصحيح والأوفق بالقواعد لولا كون وجوب الغسل عليه بالإدخال مظنّة الإجماع ، ساقطة. هذا كله في الاستدلال بالصحيحتين.

وأمّا فقههما فقد نقل في الحدائق عن الكاشاني قدس‌سره أن الوجه في استدلال علي عليه‌السلام هو القياس وذلك للمجادلة بالتي هي أحسن ، لأنّ المخالفين يرون صحّة القياس (٢) ، ومن هنا قاس عليه‌السلام الغسل بالحد والمهر وإلاّ فلا تلازم بين‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ١٨٤ / أبواب الجنابة ب ٦ ح ٥.

(٢) الحدائق ٣ : ٧.

٢٥٨

الأُمور الثلاثة. وكيف يكون وجوب الغسل والحد والمهر متلازماً مع أن الحد له أسباب متعددة ولا يجب الغسل إلاّ في سبب واحد وهو الزنا ولا يجب مع غيره من أسباب الحد المبيّنة في كتاب الحدود ، كما أن ثبوت المهر كذلك ، فإنه قد يثبت بإزالة البكارة بالإصبع مع عدم وجوب الغسل معه هذا.

ولكن الصحيح أن استدلال الإمام عليه‌السلام تام غير مبتن على القياس. وغرضه أن الموضوع لهذه الأحكام الثلاثة شي‌ء واحد وهو الإتيان والإدخال والمماسة واللّمس وغيرها من العناوين ، حيث قال سبحانه ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (١) وورد أن في المس المهر كلاًّ ، كما ورد أن الإدخال والإيلاج يوجب الغسل كما أنه موجب للحد والزنا ، وليس هذا من القياس في شي‌ء. هذا كله في الاحتمال الثاني.

الثالث من المحتملات‌

الثالث : أن إدخال مقطوع الحشفة وإن كان موجباً للغسل كما مر إلاّ أن الموجب له هو مسمّى الإدخال ومطلقه ، ولا يعتبر دخول الباقي بتمامه.

الرّابع من المحتملات‌

الرّابع : أن الموجب إنما هو إدخال تمام الباقي ولا يكفي مسماه. والصحيح من هذين الاحتمالين هو الأوّل أعني كفاية مسمى الإدخال والإيلاج ، وذلك لما عرفت من تلازم الغسل مع الحد والمهر ، ولا إشكال في أن الموضوع للحد والمهر هو مسمى الإدخال وكذلك الحال في الغسل. على أنا استفدنا من الصحيحتين أن الموضوع لوجوب الغسل في مقطوع الحشفة هو الإدخال والإيلاج ، وذكرنا أن المقيّدات مختصّة بواجد الحشفة ، ولا إشكال في أن الإدخال والإيلاج لا يتوقّف صدقهما على دخول تمام الباقي ، بل يكفي في صدقهما المسمّى ولعلّه ظاهر.

__________________

(١) النساء ٤ : ٤٣. المائدة ٥ : ٦.

٢٥٩

في القُبُل أو الدُّبُر (١)

______________________________________________________

هل سيّان في المسألة قبل المرأة ودبرها؟

(١) المسألة ذات قولين : أحدهما : عدم الفرق في وجوب الغسل بين الإدخال في قبل المرأة ودبرها ، وهذا هو المشهور بينهم بل ادعى بعضهم الإجماع عليه. وثانيهما : عدم وجوبه بالوطء في دبر المرأة كما ذهب إليه بعضهم ومال إليه صاحب الحدائق قدس‌سره واستدل على كلا القولين بالأخبار (١). إلاّ أن أكثرها في كلا الجانبين ضعاف لضعف أسنادها ، مضافاً إلى ضعف الدلالة في بعضها.

منها : مرسلة حفص بن سوقة عمن أخبره ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي أهله من خلفها ، قال : هو أحد المأتيين فيه الغسل » (٢) وقد استدلّ بها على المشهور ، إلاّ أنها ضعيفة سنداً لإرسالها ، مضافاً إلى إمكان المناقشة في دلالتها ، حيث يحتمل أن يراد من إتيان أهله من خلفها أنه يولج في قبلها من خلفها كبقيّة الحيوانات حيث يأتون من الخلف لا أنه يدخل في دبرها ، ويرشد إلى ذلك قوله : « يأتي أهله من خلفها » ولم يقل يأتي خلف أهله. وبين العبارتين فرق واضح فكأن المدخل واحد وله طريقان فقد يؤتى من الخلف وأُخرى من القدّام.

ومنها : مرفوعة البرقي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا أتى الرجل المرأة في دبرها فلم ينزلا فلا غسل عليهما ، وإن أنزل فعليه الغسل ولا غسل عليها » (٣) استدلّ بها على القول الثاني ، ودلالتها ظاهرة إلاّ أنها ضعيفة بحسب السند لمكان رفعها ، وإن عبّر عنها في الحدائق بالصحيحة باعتبار صحّة سندها إلى البرقي.

ومنها : مرسلة أحمد بن محمّد عن بعض الكوفيين يرفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام : « في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة ، قال : لا ينقض صومها وليس‌

__________________

(١) الحدائق ٣ : ٩.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٠٠ / أبواب الجنابة ب ١٢ ح ١.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٠٠ / أبواب الجنابة ب ١٢ ح ٢.

٢٦٠