موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

فرضت الحدث في الأثناء ودلّت بظاهرها على وجوبه في الأثناء ثمّ الرجوع إلى صلاته فمع فرض إطلاقها لكل من صورتي التمكّن من الوضوء وعدمه لا بدّ من الحكم بسقوط الصلاة عن المكلّف في مفروض المسألة ، وذلك لأنّ المفروض أن صلاته مشروطة بالطّهارة حتى إذا لم يتمكّن من الطّهارة ، ولازمه تعذر الصلاة في حقه لتعذّر شرطها لعجز المكلّف عن الوضوء في الأثناء واستلزامه العسر والحرج.

وتوهم عدم إمكان الإطلاق فيها على نحو يشمل كلا من حالتي التمكن من الوضوء وعدمه ، لأنها مشتملة على الأمر بالوضوء ، والتكليف مع عدم القدرة غير ممكن. مندفع بأن الأمر وإن كان كذلك إلاّ أنه يختص بالتكاليف المولوية ، وأما الأوامر الإرشادية إلى الاشتراط كما في المقام أو غيره فلا مانع من أن تشمل موارد عدم التمكّن أيضاً ، فتدلّ على اشتراط الصلاة بالطّهارة مطلقاً حتى مع عدم التمكّن من شرطها وهذا مما لا محذور فيه. نعم إنا نعلم علماً خارجياً أن الصلاة لا تسقط عن المبطون ونحوه طيلة حياته كأربعين أو ثلاثين سنة ، وبهذا نستكشف أنها لا إطلاق لها بحيث يشمل صورة عدم التمكّن أيضا.

وعليه فيتمسك بموثقة ابن بكير عن محمّد بن مسلم المتقدِّمة (١) بناء على ما استظهرناه من دلالتها على وجوب الوضوء قبل الصلاة والبناء عليها المؤيدة بما رواه محمّد بن مسلم في الفقيه من أنّ صاحب البطن الغالب يتوضّأ ويبني على صلاته (٢) ومقتضاهما وجوب الوضوء على المبطون مرّة واحدة لصلاته من دون أن يجب عليه في أثنائها ، وحيث إنا تحفظنا على دليل الناقضية فلا بدّ من إعادة الوضوء لكل صلاة لأنّ الأوّل ينتقض بما يخرج منه بعد ذلك لا أنه يتوضأ إلى أن يلزم الحرج فإذا لزم لم يجب عليه الوضوء ، لأنه كما مرّ مما لا دليل عليه.

وقياس ناقضية الحدث قبل لزوم الحرج وعدم ناقضيته بعد الحرج بناقضية الحدث قبل الصلاة وعدمها بعد الدخول في الصلاة كما ذهب إليه الماتن ( قدس‌سره )

__________________

(١) في ص ٢١٧.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٧ / ١٠٤٣.

٢٢١

وأمّا إن لم يكن كذلك بل كان الحدث مستمرّاً بلا فترة يمكن إتيان شي‌ء من الصّلاة مع الطّهارة (١) فيجوز أن يصلّي بوضوء واحد صلوات عديدة ، وهو بحكم المتطهِّر إلى أن يجيئه حدث آخر من نوم أو نحوه أو خرج منه البول أو الغائط على المتعارف ، لكن الأحوط في هذه الصورة أيضاً الوضوء لكل صلاة.

______________________________________________________

حيث حكم بوجوب الوضوء قبل الصلاة ولم يوجبه في أثنائها ، لأن معناه أن الأحداث السابقة على الصلاة ناقضة فلذا وجب التوضؤ لرفعها بخلاف الأحداث الواقعة في أثنائها لأنها ليست بناقضة ، ومن هنا لم يجب الوضوء في أثناء الصلاة ، فإذا أمكن التفكيك في الناقضية بين ما قبل الصلاة وما بعدها فيمكن التفكيك في الناقضية بين ما قبل لزوم الحرج وما بعده أيضاً. قياس مع الفارق ، لأنا إنما قلنا بعدم ناقضية الحدث أثناء الصلاة بموثقة ابن بكير المؤيدة برواية محمّد بن مسلم المتقدِّمتين الدالّتين على أنه يتوضّأ قبل الصلاة ويبني على صلاته ، وأمّا التفكيك بين ما قبل الحرج وبعده فهو ممّا لم يقم عليه دليل.

القسم الثالث من الأقسام الثلاثة‌

(١) هذه هي الصورة الباقية من الصور الثلاث الباقية ، فإن بنينا على ما ذكرناه في الصورة الاولى من أن البول والغائط من المسلوس والمبطون غير ناقضين لوضوئهما ويكفي له الوضوء مرّة لجميع صلواته ، ولا ينتقض إلاّ بالحدث الاختياري فنقول به في هذه المسألة أيضاً بطريق أولى. وأما إذا لم نبن عليه وقلنا بناقضية أحدهما فالوجوه في المسألة أربعة.

الوجوه المتصوّرة في المسألة‌

الأوّل : أن لا يجب عليهما الصلاة في هذه الصورة أصلاً لتعذّر شرطها وهو الطّهارة.

٢٢٢

والظّاهر أنّ صاحب سلس الرِّيح أيضاً كذلك (١).

______________________________________________________

الثاني : أن تجب عليهما الصلاة من غير وضوء لتعذره.

الثالث : أن يجب عليهما الوضوء لكل صلاة ، وهو الذي احتاط به الماتن في المسألة.

الرابع : ما بنى عليه الماتن من وجوب الوضوء عليهما مرّة واحدة لجميع صلواتهما وأنه لا ينتقض إلاّ بالحدث الاختياري.

أما الوجه الأوّل فهو باطل يقيناً ، للقطع بعدم سقوط الصلاة عن المسلوس والمبطون طيلة حياتهما. وكذلك الوجه الثاني ، إذ لا صلاة إلاّ بطهور فكيف تجب الصلاة من دون وضوء؟ على أن لازمه جواز إحداث المسلوس والمبطون في الصلاة متعمداً ولو بالبول ونحوه وهو مقطوع الخلاف.

أما الوجه الثالث فهو أيضاً باطل لعدم الدليل على وجوب الوضوء لكل صلاة لأن الدليل عليه منحصر بموثقة ابن بكير ورواية محمّد بن مسلم المتقدّمتين (١) الآمرتين بالوضوء والبناء على صلاته ، وهي غير شاملة للمقام ، لأن الظاهر من الوضوء في قوله عليه‌السلام : « يتوضأ » هو الوضوء الصحيح ، وهو الذي يجب إتيانه قبل الصلاة دون الوضوء الباطل ، لأنه لم يقل : ويبني على وضوئه ، بل قال : « ويبني على صلاته » والمكلّف في هذه الصورة غير متمكن من الوضوء الصحيح لأنه محدث على وجه الدوام ، فإذا بطلت الوجوه بأجمعها يتعيّن الوجه الرابع وهو الذي بنى عليه الماتن قدس‌سره.

حكم سلس الرِّيح‌

(١) والأمر كما أفاده ، وذلك لعدم اختصاص الأخبار الواردة في السلس والبطن بموردها ، لاشتمال بعضها على التعليل كما في صحيحة منصور بن حازم « إذا لم يقدر‌

__________________

(١) في ص ٢١٧.

٢٢٣

[٦٢٩] مسألة ١ : يجب عليه المبادرة (*) إلى الصلاة بعد الوضوء بلا مهلة (١).

______________________________________________________

على حبسه فالله أولى بالعذر » (٢) فإن ظاهره أن الحدث الصادر عن غير إرادة واختيار أعني حدث ذوي الأعذار غير ناقض للطّهارة ، والعلة تعمم كما قد تخصص. وموثقة سماعة « فإنما ذلك بلاء ابتلي به فلا يعيدن إلاّ من الحدث الذي يتوضأ منه » (٣) فالحدث غير الاختياري ليس بناقض للطّهارة. وعليه فحكم صاحب سلس الريح حكم سلس البول والغائط على التفصيل المتقدّم فيهما فراجع.

وجوب المبادرة بلا مهلة‌

(١) هذه الجملة وإن كانت مطلقة إلاّ أنها مختصّة بالصورة الثالثة ولا يأتي في الرابعة ولا في الأُولى والثانية. وتوضيحه : أنه على ما سلكناه في المسألة من التخصيص في ناقضية الحدث في حق المسلوس والمبطون وما يلحق بهما وعدم كون البول والغائط والريح ناقضاً لطهارتهم ، وبقائها في حقّهم إلى أن يخرج منهم حدث اختياري ، فلا إشكال في عدم وجوب المبادرة ، لأن ما يخرج منهم ليس بحدث ناقض للطّهارة.

وأمّا على ما سلكه الماتن قدس‌سره فلا معنى لإيجاب المبادرة في الصورة الاولى من الصور المتقدّمة ، لأن المكلّف يجب عليه حينئذ إيقاع الصلاة مع الطّهارة في الوقت الذي يتمكّن منهما فيه ، فلا مجال لإيجاب المبادرة معه.

وكذا لا وجه لاشتراطها في الصورة الثانية ، لأنه وإن وجب عليه الوضوء قبل الصلاة وفي أثنائها إذا حدثَ حدثٌ إلاّ أنه إذا توضأ قبل الصلاة لا تجب عليه المبادرة إليها حيث لا دليل عليه ، نعم إذا أحدث قبل الصلاة وجب عليه إعادة الوضوء.

__________________

(*) الظاهر عدم وجوبها.

(١) الوسائل ١ : ٢٩٧ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ١ : ٢٦٦ / أبواب نواقض الوضوء ب ٧ ح ٩.

٢٢٤

[٦٣٠] مسألة ٢ : لا يجب على المسلوس والمبطون أن يتوضئا لقضاء التشهد والسجدة المنسيين بل يكفيهما وضوء الصلاة التي نسيا فيها (١) ، بل وكذا صلاة‌

______________________________________________________

فحال الحدث قبل الصلاة حاله في أثنائها ، فكما أنه في الأثناء إذا حدث يوجب الوضوء كذلك فيما إذا حدث قبل الصلاة ، وأما المبادرة فلا وجوب لها بوجه.

وأما الصورة الرابعة فعدم وجوب المبادرة فيها أظهر ، لأن المفروض أنا رفعنا اليد فيها عن دليل الاشتراط والقاطعيّة والانتقاض فلا يكون حدثه موجباً للطّهارة حينئذ ، أو أن حدثه ليس بحدث ناقض ، أو لا يجب عليه الوضوء ، ومعه كيف تجب عليه المبادرة إلى الصلاة؟

فيختص وجوب المبادرة بالصورة الثالثة ، وذلك لأن المفروض فيها أن الواجب على المكلّف هو تحصيل الطّهارة في أوّل الصلاة من دون أن يجب عليه تجديدها في أثنائها ، فالمكلف يتمكن فيها من إيقاع أوّل جزء من صلاته مع الطّهارة فيجب عليه ذلك بالمبادرة إليها ، ولا يسوغ له تفويت التمكّن من هذا المقدار من الصلاة.

لا يجب عليهما التوضؤ لغير الصلاة‌

(١) أمّا على ما سلكناه فلظهور أن الحدث منهما ليس بحدث ناقض للطّهارة فله أن يأتي بالصلاة أو بغيرها مما يشترط فيه الطّهارة بعد ذلك ، وأما على ما سلكه الماتن فأيضاً تختص هذه المسألة بالصورة الثالثة ولا تأتي في غيرها.

أمّا في الصورة الأُولى فلأجل أنه متمكِّن من الصلاة مع الطّهارة في جزء من الوقت فيتعيّن عليه الإتيان بالصلاة وأجزائها المنسية وغيرها في ذلك الزمان الذي يتمكن فيه من الطّهارة.

وأمّا في الصورة الثانية فأيضاً يجب أن يتوضأ للأجزاء التي أراد قضاءها ، لأن المفروض أن حدوث الحدث في الأثناء يوجب الوضوء بعده ، أي تحفظنا فيها على دليل الناقضية ، فإذا حدث بين وضوئه وصلاته أو أجزائها المتأخرة حدث وجب‌

٢٢٥

الاحتياط يكفيها وضوء الصلاة التي شكّ فيها (١) ، وإن كان الأحوط الوضوء لها مع مراعاة عدم الفصل الطويل وعدم الاستدبار ، وأما النوافل فلا يكفيها وضوء‌

______________________________________________________

الوضوء بعده ، لارتفاع طهارته السابقة بحدثه.

وأما في الصورة الرابعة فقد ظهر أن الطّهارة فيها لا تنتقض بحدثهما غير الاختياري فهي باقية مع عدم حدث اختياري ، وله أن يصلّي أو يأتي بالأجزاء المنسية من غير طهارة ، فتختص المسألة بالصورة الثالثة وهي التي حكم فيها الماتن بوجوب الوضوء لكل صلاة وعدم وجوبه في الأثناء ، فهل تجب الطّهارة للأجزاء المنسية فيها عند القضاء أو لا تجب؟ الثاني هو الصحيح ، لأن الأجزاء المقضية بعينها هي الأجزاء الصلاتية غاية الأمر أتى بها مع مخالفة الترتيب والمحل ، فإذا بنينا على أن الحدث في الأجزاء وأثناء الصلاة لا يكون ناقضاً للطهارة فلا يكون ناقضاً لها في الأجزاء المنسية أيضاً فيما إذا طرأ بينها وبين الصلاة ، وليست الأجزاء المنسية واجبة مستقلة ليعتبر فيها الطّهارة أو عدم الحدث وإن لم يعتبر في الصلاة. والمراد من أنها تقضى أنها يؤتى بها بعد الصلاة لا أنها واجب مستقل عليحدة الذي هو المعنى المصطلح عليه في القضاء.

(١) لأن المأتي به إن كان ناقصاً في الواقع وكانت صلاة الاحتياط جابرة لذلك النقص فحالها حال أجزاء نفس الصلاة غاية الأمر أنها كانت متصلة وهذه منفصلة إلاّ أنها هي أجزاء الصلاة بعينها ، فإذا لم يجب الوضوء في الأجزاء الصلاتية إذا حدث في أثنائها حدث فلا يجب في صلاة الاحتياط أيضاً لأنها هي أجزاء الصلاة بعينها. وأمّا إذا كان المأتي به تاماً في الواقع ولم تكن صلاة الاحتياط جابرة فهي واجبة مستقلة إلاّ أنه إذا لم يتوضأ لها وأتى بها فاسدة لم يكن ذلك مضرّاً بصحّة صلاته المأتي بها ، ولأجل ذلك بنى قدس‌سره على عدم وجوب الوضوء لصلاة الاحتياط هذا.

وللمناقشة في ذلك مجال ، وذلك لأن كفاية الأجزاء المنفصلة عن المتّصلة على خلاف القاعدة وهي محتاجة إلى الدليل ، والدليل إنما قام على كفاية صلاة الاحتياط‌

٢٢٦

فريضتها (*) ، بل يشترط الوضوء لكل ركعتين منها (١).

[٦٣١] مسألة ٣ : يجب على المسلوس التحفّظ من تعدِّي بوله (٢) بكيس فيه قطن أو نحوه والأحوط غسل الحشفة قبل كل صلاة (٣)

______________________________________________________

وكونها مجزئة فيما إذا كانت صحيحة على كل تقدير ، مع تقدير نقصان المأتي به وعدمه. وأمّا صورة صحّتها على تقدير دون تقدير فلم يقم دليل على إجزائها وكفايتها ، بل مع الشك في صحّتها يشكل الشروع فيها أيضاً إذ لا مرخص له ، نعم بناء على ما ذكرناه من عدم بطلان وضوء المسلوس والمبطون بحدثهما وبقائه إلى أن يحدث حدثاً اختيارياً لا يجب عليه الوضوء لصلاة الاحتياط ولا لغيرها من الصلوات.

اشتراط الوضوء للنوافل في حقهما‌

(١) أمّا على ما سلكناه فلا كلام في عدم وجوب الوضوء لها ، لعدم انتقاض طهارتهما بالحدث غير الاختياري ، وأمّا على مسلك الماتن فلا بدّ من تحصيل الوضوء لها ، لأنّ عدم انتقاض الوضوء بالحدث إنما كان مخصوصاً بأثناء الصلاة الواحدة ، وأمّا بعده فمقتضى دليل الانتقاض بطلانه بالحدث فيجب عليهما الوضوء لبقيّة الصّلوات المستحبّة أو الفرائض كما عرفت.

وجوب التحفظ عليهما عن النجاسة‌

(٢) لاشتراط الصلاة بطهارة البدن والثياب.

(٣) لا ينبغي الإشكال في عدم مانعية النجاسة الطارئة في أثناء الصلاة من البول والغائط حينئذ ، وذلك لأمرهم عليهم‌السلام باتخاذ خريطة في الصلاة وأن الله أولى بالعذر فيما لم يقدر على حبسه ، حيث ورد أنه « إذا لم يقدر على حبسه فالله أولى بالعذر يجعل خريطة » (٢) حيث تدلّ على أن ما كان لعذرٍ غيرَ مانع عن الصلاة ، فلا يجب إزالة‌

__________________

(*) مرّ آنفاً كفايته.

(١) كما تقدّم في صحيحة منصور بن حازم. الوسائل ١ : ٢٩٧ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٩ ح ٢.

٢٢٧

وأمّا الكيس فلا يلزم تطهيره (١) وإن كان أحوط.

______________________________________________________

نجاسة البول أو الغائط في أثناء الصلاة.

وأمّا النجاسة قبل الصلاة فمقتضى إطلاقات ما دلّ على اشتراط الطّهارة في الثوب والبدن وجوب إزالتها ، ولم يثبت العفو عنها قبل الصلاة كما ثبتت في النجاسة في الأثناء. وكون النجاسة غالبية في المسلوس والمبطون اللذين حكمنا بعدم انتقاض طهارتهما بالحدث من البول والغائط لا يستتبع العفو عن النجاسة ، لأنها شي‌ء وعدم ناقضيتها للوضوء شي‌ء آخر ، والثابت إنما هو الثاني وأما النجاسة فلا.

ودعوى أن الأخبار الواردة فيهما مع أنها في مقام البيان ساكتة عن لزوم تطهير الموضع من النجاسة قبل الصلاة وأن هذا يدل على العفو عنها حينئذ ، مندفعة بأن الأخبار إنما وردت لبيان عدم انتقاض طهارة المسلوس والمبطون ببولهما أو غائطهما ولا نظر لها إلى مانعية النجاسة وعدمها ، فمقتضى إطلاق أدلّة اشتراط الصلاة بطهارة البدن لزوم تطهير النجاسة الطارئة قبل الصلاة فيجب تطهير مخرج البول لكل صلاة.

نعم ثبت العفو عنها أيضاً بصحيحة حريز المتقدِّمة (١) الدالّة على أنه يؤخر صلاة ويقدم اخرى ويجمع بينهما بوضوء واحد ، حيث ذكرنا أنها ناظرة إلى جهة عدم مانعية النجاسة بمقدار الصلاتين لعدم ذكر الوضوء في الصحيحة ، وهي قد دلّت على عدم مانعية النجاسة قبل الصلاة لدلالتها على صحّة الثانية وإن خرج منه البول فيما بين الصلاتين أو في أثناء الصلاة الأُولى ، وعليه فالنجاسة قبل الصلاة وفي أثنائها معفو عنها إلى مقدار صلاتين ، وأمّا في الزائد عنها فقد عرفت أن مقتضى القاعدة وجوب إزالة النجاسة قبل الصلاة. هذا كله في السلس ، ويأتي حكم البطن عن قريب إن شاء الله تعالى.

(١) لأنه إما من قبيل المحمول المتنجس وهو غير موجب لبطلان الصلاة وإما أنه‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٩٧ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٩ ح ١. وقد تقدّمت في ص ٢١٥.

٢٢٨

والمبطون أيضاً (١) إن أمكن تحفظه بما يناسب يجب ، كما أن الأحوط تطهير المحل أيضاً إن أمكن من غير حرج.

[٦٣٢] مسألة ٤ : في لزوم معالجة السلَس والبَطَن إشكال (*) (٢) والأحوط‌

______________________________________________________

من الملبوس باعتبار وضع الذكر فيه ، وقد مرّ أنّ ما لا يتمّ فيه الصلاة من الثياب عفي نجاسته في الصلاة كما في الجورب والقلنسوة ونحوهما.

(١) أمّا النجاسة في أثناء الصلاة فقد عرفت أنها مورد العفو بمقتضى قوله عليه‌السلام : « إذا لم يقدر على حبسه فالله أولى بالعذر يجعل خريطة » (٢) لأنه كالتعليل وأن كل ما كان مستنداً إلى غير الاختيار فهو معذور فيه وأن الله أولى بالعذر فلا يجب إزالته.

وأمّا النجاسة قبل الصلاة فقد عرفت أن مقتضى القاعدة وجوب إزالتها إن أمكن. ولا تأتي في المقام صحيحة حريز ، لاختصاصها بالبول وعدم اشتمالها على ما هو كالعلّة حتى يتعدى عنه إلى الغائط ، ومعه يجب إزالة نجاسة الغائط قبل الصلاة ، اللهمّ إلاّ أن يدعى القطع بعدم الفرق بين البول والغائط ، ودونه خرط القتاد لاحتمال أن تكون للبول خصوصية في ذلك.

لا دليل على وجوب المعالجة عليهما‌

(٢) لا دليل على وجوب المعالجة بعد البناء على أن وظيفة المسلوس والمبطون هي الصلاة مع الوضوء في أوّلها أو فيه وفي أثنائها ، فلا موجب للحكم بوجوب إخراج نفسهما من موضوعهما وإدخالها في موضوع المختار.

__________________

(*) أظهره عدم اللزوم.

(١) تقدّم في صحيحة منصور بن حازم في ص ٢٢٧.

٢٢٩

المعالجة مع الإمكان بسهولة ، نعم لو أمكن التحفظ بكيفية خاصّة (١) مقدار أداء الصلاة وجب (*) وإن كان محتاجاً إلى بذل مال (٢).

[٦٣٣] مسألة ٥ : في جواز مس كتابة القرآن للمسلوس والمبطون بعد الوضوء للصّلاة مع فرض دوام الحدث وخروجه بعده إشكال حتى حال الصّلاة (٣) (**)

______________________________________________________

(١) كشد حبل على ذكره أو إدخال القطن في دبره لئلا يخرج منه البول أو الغائط كما في الميت.

(٢) وكأنه استفاد ذلك مما دلّ على وجوب بذل المال لشراء المال في الوضوء (٣). والصحيح عدم وجوب التحفظ فيما إذا لم يكن محتاجاً إلى بذل مال فضلاً عما إذا كان محتاجاً إليه ، وذلك للبناء على أن وظيفة السلس والبطن هو الصلاة مع الوضوء الواحد في أوّلها أو معه في الأثناء ، لعدم ناقضية البول والغائط منهما أو لوجه آخر كما مرّ وعدم مانعية النجاسة فيهما عن الصلوات ، ومعه لا موجب للتحفظ أبداً ، هذا فيما إذا لم يتوقف التحفّظ على بذل مال فضلاً عما إذا توقف عليه. وقياس المقام بوجوب بذل المال لشراء ماء الوضوء مع الفارق ، لأن الثاني قد ثبت بدليل خاص.

حكم مسهما كتابة القرآن‌

(٣) لا إشكال في جواز مسهما كتابة القرآن فيما إذا بنينا على التخصيص في أدلّة النواقض وقلنا إنهما متطهران غير أن طهارتهما لا ترتفع ببولهما أو غائطهما ما دام لم يصدر منهما حدث اختياراً كما بنينا عليه ، وذلك لأنهما متطهران حقيقة فيجوز لهما مس كتابة القرآن في غير حال الصلاة فضلاً عما إذا كان في الصلاة. وأمّا إذا بنينا فيهما على‌

__________________

(*) على الأحوط ، والأظهر عدم الوجوب وإن لم يكن محتاجاً إلى بذل المال.

(**) الظاهر جوازه حتى في غير حال الصلاة.

(١) راجع الوسائل ٣ : ٣٨٩ / أبواب التيمم ب ٢٦.

٢٣٠

إلاّ أن يكون المس واجباً (١).

[٦٣٤] مسألة ٦ : مع احتمال الفترة الواسعة الأحوط الصبر (٢) بل الأحوط‌

______________________________________________________

تخصيص أدلّة اشتراط الصلاة بالطّهارة وقلنا إن وجوب الصلاة في حقهما غير مشروط بالطهور فلا يجوز لهما مس كتابة القرآن مطلقاً ولو كانا في حالة الصلاة لعدم كونهما متطهرين ، وهذا بخلاف ما إذا التزمنا بالتخصيص في أدلّة الناقضية مع الالتزام بالاشتراط.

نعم لو اعتمدنا في الحكم بوجوب الوضوء في حقهما أوّل الصلاة وعدم وجوبه في أثنائها على موثقة ابن بكير عن محمّد بن مسلم من أنه يبني على صلاته (١) يمكننا الحكم باختصاص طهارته بالصلاة وعدم جواز ترتيب سائر الآثار عليه كمس كتابة القرآن ونحوه ، إلاّ أنك عرفت أنا نلتزم بأدلّة الاشتراط في حقهما ، فإنه لا صلاة إلاّ بطهور (٢) ، ولأنه يلزمه جواز الإحداث لهما في الصلاة عمداً ، وإنما نخصص أدلّة النواقض. كما أنا إنما نعتمد على موثقة سماعة الدالّة على أنه بلاء ابتلي به ولا يعيدن الوضوء إلاّ من الحدث الذي يتوضّأ منه (٣) لا على موثقة ابن بكير ، ومقتضى موثقة سماعة ما قدمناه من عدم انتقاض طهارتهما ببولهما وغائطهما وأن الناقض هو الحدث المتعارف الذي يتوضأ منه.

(١) كما إذا وقع المصحف في بالوعة وكان وجوب تطهيره أهم ، فإن مس المسلوس والمبطون واجب حينئذ سواء كانا متطهرين أم محدثين ، لفرض أهميّة وجوب تطهيره من حرمة المس من غير وضوء.

الأحوط الصبر مع احتمال التمكن‌

(٢) قد عرفت أنه إذا علم بالفترة الواسعة وتمكنه من الصلاة مع الطّهارة وجب‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٩٧ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٩ ح ٣.

(٢) الوسائل ١ : ٣٦٥ / أبواب الوضوء ب ١ ح ١ وغيرها من الأبواب.

(٣) الوسائل ١ : ٢٦٦ / أبواب نواقض الوضوء ب ٧ ح ٩.

٢٣١

الصبر إلى الفترة التي هي أخف مع العلم بها بل مع احتمالها (١) لكن الأقوى عدم وجوبه (٢).

______________________________________________________

عليه إيقاعها في ذلك الوقت. وأما مع احتمالها فلا يجب الصبر مع احتمال الفترة الواسعة ، بل يجوز له تقديم صلاته عملاً باستصحاب بقاء عذره إلى آخر الوقت ، ثمّ إذا تبيّن قدرته على الصلاة مع الطّهارة للفترة الواسعة يعيدها ، لعدم إجزاء الحكم الظاهري عن المأمور به الواقعي. وكذلك الحال في غيره من ذوي الأعذار سوى المتيمم حيث يجب عليه تأخير صلاته إلى أن يحصل له اليأس من الماء ، وذلك لدليله الآتي في محلِّه إن شاء الله تعالى (١).

(١) لا يجب الصبر مع العلم بالفترة التي هي أخف فضلاً عما إذا احتملها ، فإذا علم بخفة بوله في ساعة كذا وأنه يقل فيها عن بقيّة الساعات لم يجب عليه تأخير صلاته إلى تلك الساعة ، وذلك للبناء على أن وظيفة المسلوس والمبطون الإتيان بصلاتهما بوضوء واحد في أوّلها أو في أثنائها أيضاً لعدم ناقضية حدثيهما أو لأمر آخر كما مر وعدم مانعية النجاسة فيهما عن الصلاة ، ومعه لماذا يجب التأخير إلى ساعة الخفة فإنه مما لا دليل عليه. هذا فيما إذا علم بالفترة التي هي أخف فضلاً عما إذا احتملها.

(٢) هذا راجع إلى المسألة الثانية أي الأقوى عدم وجوب الصبر عند العلم بالفترة التي هي أخف فضلاً عن احتمالها ، وقد مرّ أنه الصحيح. ولا يرجع إلى صدر الكلام أعني المسألة الأُولى وهي وجوب الصبر مع احتمال الفترة الواسعة ، وذلك لأن مبنى الماتن على وجوب التأخير في ذوي الأعذار مطلقاً سوى فاقد الماء ، بدعوى استفادة جواز التقديم في المتيمم من الأخبار كما يصرح بذلك في أوائل الصلاة (٢) لا أنه يلتزم بعدم وجوب التأخير فيهم. ونحن قد عكسنا الأمر وقلنا بجواز التقديم في ذوي الأعذار مطلقاً غير المتيمم ، لأنه يجب عليه الصبر كما مر. ومنشأ الخلاف بيننا وبينه في المتيمم هو اختلاف الاستفادة من الأخبار.

__________________

(١) في المسألة [١١٤١].

(٢) في المسألة [١٢٠٣].

٢٣٢

[٦٣٥] مسألة ٧ : إذا اشتغل بالصلاة مع الحدث باعتقاد عدم الفترة الواسعة وفي الأثناء تبيّن وجودها قطع الصلاة ولو تبيّن بعد الصلاة أعادها (١).

[٦٣٦] مسألة ٨ : ذكر بعضهم أنه لو أمكنهما إتيان الصلاة الاضطرارية ولو بأن يقتصرا في كل ركعة على تسبيحة ويومئا للركوع والسجود مثل صلاة الغريق فالأحوط الجمع بينها وبين الكيفية السابقة وهذا وإن كان حسناً لكن وجوبه محل منع ، بل تكفي الكيفية السابقة (٢).

______________________________________________________

إذا شرع في الصّلاة باعتقاد عدم الفترة فتبيّن وجودها‌

(١) لعدم إجزاء المأمور به الظاهري أو الخيالي الاعتقادي عن المأمور به الواقعي كما مرّ.

إذا تمكّنا من الصّلاة الاضطرارية‌

(٢) لو كنّا نحن وصلاة المسلوس أو المبطون لحكمنا بتعيّن الصلاة الاضطرارية في حقهما مع الطّهارة ، لتمكنهما من الطّهارة على تقدير اقتصارهما على الأجزاء الاضطرارية ، كما هو الحال في غيرهما من المكلفين إذا دار أمره بين أن يحصّل الطّهارة ويأتي بصلاة الاضطرار فيبدل القراءة بالتسبيحة الواحدة والركوع والسجود بالإيماء وترك التشهّد إذا لم يسعه الوقت ، وبين أن يأتي بصلاة المختار من غير أن يحصّل الطّهارة المأمور بها ، وذلك لأن ما لا بدل له وهو الطّهارة متقدّم على ماله البدل وهو القراءة والركوع والسجود وغيرهما من أجزاء صلاة المختار. إلاّ أن الأخبار الواردة في المقام (١) دلّتنا على أن وظيفة المسلوس والمبطون هي الصلاة على الكيفية المتقدّمة ومعه لا وجه للاحتياط والجمع بينها وبين الصلاة الاضطرارية وإن نسب إلى شيخنا الأنصاري قدس‌سره الاحتياط بالجمع بينهما (٢).

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٩٧ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٩.

(٢) صراط النجاة : ٦٢ / مسألة ١٥٣.

٢٣٣

[٦٣٧] مسألة ٩ : من أفراد دائم الحدث المستحاضة وسيجي‌ء حكمها.

[٦٣٨] مسألة ١٠ : لا يجب على المسلوس والمبطون بعد برئهما قضاء ما مضى من الصلوات (١) نعم إذا كان في الوقت وجبت الإعادة (٢).

[٦٣٩] مسألة ١١ : من نذر أن يكون على الوضوء دائماً إذا صار مسلوساً أو مبطوناً الأحوط تكرار الوضوء (*) بمقدار لا يستلزم الحرج ، ويمكن القول بانحلال النذر ، وهو الأظهر (٣).

______________________________________________________

عدم وجوب القضاء عليهما

(١) لأن القضاء تابع لصدق عنوان الفوت ، ولا فوت مع الإتيان بوظيفة الوقت كما هو ظاهر.

(٢) لعدم إجزاء المأمور به الظاهري أو الاعتقادي الخيالي عن المأمور به الواقعي.

لو نذر الدوام على الوضوء فطرأت إحدى الحالتين‌

(٣) إذا بنينا على أن طهارة المسلوس والمبطون لا تنتقض ببولهما وغائطهما كما بنينا عليه فلا ينحل نذره ، لأنه على الطّهارة على الفرض. وأما إذا بنينا على انتقاض طهارتهما ببولهما وغائطهما فيجب عليهما الوضوء بعد كل حدث فيما إذا لم يستلزم الحرج فلا ينحل نذره أيضاً ، وأما إذا كان مستلزماً للعسر والحرج فإن كان نذره على نحو الانحلال والعموم الأفرادي بأن نذر الطّهارة في كل فرد من أفراد الزمان فيجب عليه الوضوء إلى أن يبلغ مرتبة العسر والحرج فلا ينحل ، وإذا كان حرجياً سقط عنه لعجزه وتعذره. وأمّا إذا كان نذره على نحو العموم المجموعي فبعدم تمكنه من الطّهارة في فرد من الزمان أعني ما بعد بلوغه مرتبة العسر والحرج ينحل نذره لعجزه عن متعلقه. وأما بناء على ما ذكرناه من عدم ناقضية طهارتهما ببولهما وغائطهما فنذره‌

__________________

(*) والأظهر عدم لزومه وعدم انحلال النذر ، لأن وضوء المسلوس والمبطون لا يبطل ما لم يصدر منهما غير ما ابتليا به من الأحداث.

٢٣٤

فصل

في الأغسال‌

والواجب منها سبعة (١) غسل الجنابة والحيض والنفاس والاستحاضة ومس الميت وغسل الأموات والغسل الذي وجب بنذر ونحوه ، كأن نذر غسل الجمعة أو غسل الزيارة أو الزيارة مع الغسل. والفرق بينهما (*) (٢) أن في الأوّل إذا أراد الزيارة يجب أن يكون مع الغسل ولكن يجوز أن لا يزور أصلاً وفي الثاني يجب الزيارة فلا يجوز تركها ، وكذا إذا نذر الغسل لسائر الأعمال التي يستحب الغسل لها.

______________________________________________________

صحيح غير منحل بلا فرق بين صورتي انحلال نذره وكونه على نحو العموم الأفرادي أو كونه على نحو العموم المجموعي ، هذا تمام الكلام في دائم الحدث.

فصل في الأغسال‌

(١) وهناك غسل آخر وقع الكلام في أنه واجب مستقل في نفسه وهو غسل الجمعة ويأتي تحقيق الحال فيه في محلِّه عند التعرّض لوجوبه وعدمه إن شاء الله (٢).

(٢) هاتان العبارتان غسل الزيارة ، الزيارة مع الغسل لا تكونان فارقتين في المقام لأن النذر يتبع القصد ، فقد يقصد الإتيان بالغسل عند إرادة الزيارة فلا يجب عليه الإتيان بالزيارة حينئذ ليجب عليه غسلها ، بل له أن لا يزور أصلاً. وأُخرى يقصد الإتيان بالزيارة مطلقاً مع الغسل فتجب عليه الزيارة حينئذ ، لأنها متعلِّقة‌

__________________

(*) الفرق غير ظاهر والنذور تابعة للقصود.

(١) بعد المسألة [١٠٣٠] فصل في الأغسال المندوبة.

٢٣٥

[٦٤٠] مسألة ١ : النذر المتعلق بغسل الزيارة ونحوها يتصور على وجوه (١) : الأوّل : أن ينذر الزيارة مع الغسل ، فيجب عليه الغسل والزيارة ، وإذا ترك أحدهما وجبت الكفّارة. الثاني : أن ينذر الغسل للزيارة بمعنى أنه إذا أراد أن يزور لا يزور إلاّ مع الغسل ، فإذا ترك الزيارة لا كفارة عليه ، وإذا زار بلا غسل وجبت عليه.

______________________________________________________

لنذره على وجه الإطلاق. وليس معناه أنه نذر أن لا يزور من غير غسل حتى يستشكل في عدم انعقاده لعدم رجحان متعلقه ، فإن الزيارة مطلقاً راجحة فلا رجحان في تركها مع عدم الاغتسال ، بل معناه الإثبات وهو نذر إتيان الفرد الراجح من الزيارة أعني الزيارة مع الاغتسال لا أنه ينفي الإتيان بغيره ، بلا فرق في ذلك بين الإتيان بالعبارة الأُولى أو الثانية.

الصور المتصورة في نذر غسل الزيارة‌

(١) الصور غير حاصرة لإمكان صورة أُخرى غيرها بحيث تختلف الكفّارة باختلافها. فالصحيح أن يقال : إن الصور المتصورة في المقام تسع ، لأن النذر قد يتعلق بالغسل على نحو الواجب المشروط بأن ينذر أن يغتسل فيما إذا أراد أن يزور ، وعليه فلا يجب عليه شي‌ء من الغسل والزيارة. أما الغسل فلعدم تحقق شرطه ، وأما الزيارة فلعدم تعلق النذر بها. هذه الصورة الاولى في المقام.

وقد يتعلق بالغسل على نحو الإطلاق ، وحينئذ قد ينذر الغسل الذي يقصد به الزيارة فلا يجب حينئذ في حقّه سوى الغسل ، نعم لا بدّ من أن يكون ناوياً وقاصداً للزيارة حال الاغتسال وإلاّ لا يكون الغسل غسلاً للزيارة ، إلاّ أنه إذا نوى الزيارة حاله لم يجب عليه الإتيان بها بعد الاغتسال لعدم كونها متعلقة لنذره ، فإنه لم ينذر سوى الغسل المقصود به الزيارة والمفروض أنه أتى به. وإذا ترك الغسل وجبت عليه كفّارة واحدة وهو ظاهر. وهي الصورة الثانية كما لا يخفى.

٢٣٦

الثالث : أن ينذر غسل الزيارة منجزاً ، وحينئذ يجب عليه الزيارة أيضاً وإن لم يكن منذوراً مستقلا بل وجوبها من باب المقدّمة ، فلو تركهما وجبت كفّارة واحدة ، وكذا لو ترك أحدهما ، ولا يكفي في سقوطها الغسل فقط وإن كان من عزمه حينه أن يزور ، فلو تركها وجبت لأنه إذا لم تقع الزيارة بعده لم يكن غسل الزيارة. الرابع : أن ينذر الغسل والزيارة ، فلو تركهما وجب عليه كفّارتان‌

______________________________________________________

الثالثة : أن ينذر الغسل المتعقب بالزيارة. والواجب حينئذ أن يأتي بالزيارة بعد غسله لا لأنها متعلقة لنذره ، بل من أجل أنها قيد مأخوذ في متعلق نذره ، فمع عدم الإتيان به لا يتحقق متعلق النذر ، فلو ترك الغسل أو اغتسل وترك الزيارة لزمته كفارة واحدة وهذا بخلاف الصورة المتقدّمة ، إذ لا يجب عليه الزيارة فيها بعد الاغتسال لعدم تعلّق النذر بها ولا أنها قيد له كما مر.

الرابعة : ما إذا نذر الزيارة المسبوقة بالغسل. وهذه الصورة وإن كانت خارجة عن محل الكلام بظاهرها ، لأن البحث إنما هو في نذر الغسل لا في نذر الزيارة إلاّ أنها لما كانت مقيّدة بسبق الغسل كان الغسل قيداً لمتعلق النذر ، ومن هنا كانت الصورة داخلة في المقام لتعلق النّذر به على وجه التقييد ، فلو ترك الزيارة رأساً أو أتى بها من غير سبق الغسل وجبت عليه كفّارة واحدة ، لعدم إتيانه بما تعلّق به نذره أو بما هو قيد لمتعلقه.

الخامسة : ما إذا تعلق نذره بالمجموع المركب من الغسل والزيارة على نحو العام المجموعي فيجب في هذه الصورة الإتيان بهما معاً ، لأن كلا منهما متعلق لنذره لفرض تعلقه بالمجموع ، فلو تركهما معاً أو ترك أحدهما وجبت عليه كفارة واحدة لعدم إتيانه بما تعلق به نذره ، وهذا بخلاف الصورة الثالثة ، فإن الزيارة فيها لم تكن متعلقة للنذر وإنما كانت قيداً في متعلقه. هذا إذا تعلّق النّذر بمجموع الأمرين معا.

وقد يتعلق بكل واحد منهما باستقلاله بأن يكون نذره منحلا إلى الالتزام بأمرين ونذرين وإن كان قد أداهما بكلام واحد في مقام الإثبات. وهذا يتصور على أربعة أوجه :

٢٣٧

لأنّ النذر قد يتعلّق بكل واحد منهما على وجه الإطلاق فهناك نذران ومنذوران مستقلاّن ، فلو تركهما وجبت عليه كفارتان لتركه الواجبين المنذورين ، كما أنه إذا أتى بأحدهما دون الآخر وجبت عليه كفّارة واحدة. وهذه هي الصورة السادسة في المقام.

وأُخرى ينذر كل واحد منهما مقيداً بالآخر بأن ينذر الغسل المتعقب بالزيارة والزيارة المسبوقة بالغسل ، وبذلك ينحل نذره إلى نذرين وهما واجبان إلاّ أن كلا منهما مقيد بالآخر. فان أتى بهما فهو ، وأمّا إذا تركهما أو ترك أحدهما فلا محالة تجب عليه كفّارتان. أما عند تركهما معاً فواضح ، وأمّا إذا ترك أحدهما وأتى بالآخر فلأنّ الواجب المنذور ليس هو الغسل أو الزيارة على إطلاقهما ، بل الغسل المقيّد بتعقب الزيارة أو الزيارة المتقيدة بالسبق بالغسل ، والمفروض أنه أتى بذات المنذور وترك قيده فاغتسل ولم يزر أو زار ولم يغتسل ، فلا محالة تجب عليه كفارتان لترك أحد الواجبين بذاته وترك الآخر بقيده. وهذه هي الصورة السابعة من الصور المتصورة في محل الكلام.

وثالثة : ينذر أحدهما على وجه الإطلاق وينذر الآخر مقيداً بغيره. وهذا على قسمين ، لأنه تارة ينذر الغسل على وجه الإطلاق والزيارة مقيدة بأن تكون مسبوقة بالغسل وحينئذ إذا أتى بهما فهو ، وأمّا إذا أتى بالغسل وترك الزيارة فقد وجبت عليه كفارة واحدة لمخالفته أحد المنذورين وإتيانه بالآخر ، وأمّا إذا تركهما معاً أو ترك الغسل فلا محالة يستحق به كفّارتين. أما عند تركهما معاً فواضح ، وأما إذا أتى بالزيارة وترك الغسل فلأنه ترك أحد الواجبين بذاته وهو الغسل وترك الواجب الآخر بقيده وهو الزيارة ، لأن الواجب ليس هو طبيعي الزيارة بل الزيارة المسبوقة بالغسل وقد ترك الغسل على الفرض. وهذه هي الصورة الثامنة.

وأُخرى ينذر الزيارة على وجه الإطلاق والغسل مقيداً بأن يكون متعقباً بالزيارة ، وبهذا تترقى الصور إلى التسع. وحكم هذه الصورة حكم الصورة المتقدِّمة بعينها ، لأنه إذا تركهما معاً أو ترك الزيارة وجبت عليه كفّارتان. أما عند تركهما معاً‌

٢٣٨

ولو ترك أحدهما فعليه كفارة واحدة. الخامس : أن ينذر الغسل الذي بعده الزيارة والزيارة مع الغسل ، وعليه لو تركهما وجبت كفّارتان ، ولو ترك أحدهما فكذلك لأنّ المفروض تقيد كل بالآخر. وكذا الحال في نذر الغسل لسائر الأعمال.

فصل

في غسل الجنابة‌

وهي تحصل بأمرين : الأوّل : خروج المني ولو في حال النوم (١) أو الاضطرار‌

______________________________________________________

فظاهر ، وأما عند تركه الزيارة فلأجل تركه أحد المنذورين بذاته وهو الزيارة وتركه الآخر بقيده وهو الغسل ، لأنّ الواجب هو الغسل المقيد بتعقبه بالزيارة والمفروض أنه لم يأت بالزيارة. فتحصل : أن الصور المتصورة غير مختصّة بالصور الخمسة المذكورة في المتن ، بل الصور المتصورة بالغة إلى التسع ، ويختلف الحكم بوجوب الكفارة باختلافها. ولا وجه للإشكال في صحّة النذر المتعلق بالزيارة مع الغسل لعدم رجوعه إلى النفي وعدم الإتيان بالأفراد الأُخر ، وإنما معناه نذر خصوص الفرد الراجح ولا مانع من صحّة نذره كما مرّ

فصل في غسل الجنابة‌

(١) ما أفاده قدس‌سره مما لا إشكال فيه ، وذلك لإطلاقات الأخبار (١) وتصريح بعضها بعدم الفرق بين اليقظة والمنام. وإنما الكلام كله في أن وجوب غسل الجنابة بالإنزال هل هو خاص بالرجال أو أنه لا فرق في ذلك بين الرجال والنساء؟ مقتضى جملة من الأخبار عدم الفرق في ذلك بين المرأة والرجل وأن خروج الماء المعبر عنه بالإنزال والإمناء يوجب الغسل مطلقا.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ١٧٣ / أبواب الجنابة ب ١ ، ٧.

٢٣٩

فمنها : ما رواه في الكافي عن إسماعيل بن سعد الأشعري ، قال : « سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل يلمس فرج جاريته حتى تُنِزلَ الماء من غير أن يباشر يعبث بها بيده حتى تنزل ، قال : إذا أنزلت من شهوة فعليها الغسل » (١).

ومنها : صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : « سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج وتنزل المرأة هل عليها الغسل؟ قال : نعم » (٢).

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرّجل ، قال : إن أنزلت فعليها الغسل » (٣) إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على عدم الفرق بين المرأة والرّجل وأن المرأة أيضاً إذا أنزلت وجب عليها الغسل.

وفي قبالها عدّة كثيرة من الأخبار وفيها الصحاح وغيرها قد دلّت على أن المرأة لا يجب عليها الغسل بإنزالها.

فمنها : ما عن عبيد بن زرارة ، قال « قلت له : هل على المرأة غسل من جنابتها إذا لم يأتها الرجل؟ قال : لا ، وأيّكم يرضى أن يرى أو يصبر على ذلك أن يرى ابنته أو أُخته أو امه أو زوجته أو أحداً من قرابته قائمة تغتسل فيقول مالك؟ فتقول احتلمت وليس لها بعل ، ثمّ قال : لا ، ليس عليهن ذلك ، وقد وضع الله ذلك عليكم وقال ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) ولم يقل ذلك لهنّ » (٤).

ومنها : صحيحة عمر بن يزيد ، قال : « اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة ولبست ثيابي وتطيبت فمرت بي وصيفة لي ففخذت لها فأمذيت أنا وأمنت هي فدخلني من ذاك ضيق ، فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك ، فقال : ليس عليك وضوء وليس‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ١٨٦ / أبواب الجنابة ب ٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ١٨٦ / أبواب الجنابة ب ٧ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢ : ١٨٧ / أبواب الجنابة ب ٧ ح ٥.

(٤) الوسائل ٢ : ١٩٢ / أبواب الجنابة ب ٧ ح ٢٢.

٢٤٠