موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٦٢٤] مسألة ٣٠ : في جواز استئجار صاحب الجبيرة إشكال (*) بل لا يبعد انفساخ الإجارة إذا طرأ العذر في أثناء المدّة مع ضيق الوقت عن الإتمام واشتراط المباشرة ، بل إتيان قضاء الصلاة عن نفسه لا يخلو عن إشكال مع كون العذر مرجو الزوال ، وكذا يشكل كفاية تبرّعه عن الغير (١).

______________________________________________________

في طريق الصدوق. فالصحيح في الاستدلال أن يقال : إن الكسير والجريح والقريح في موارد التيمم لا إشكال في أنه مأمور بالصلاة ، حيث لا نحتمل سقوط التكليف عنه بالصلاة ما دام كونه كسيراً ولو إلى آخر عمره ، ولا صلاة إلاّ بطهور ، والطهور اسم للماء والتراب أعني ما به يتطهر ، وحيث إنه عاجز عن استعمال الماء على الفرض فيتعين أن يكون طهوره التراب ، وبما أن استعمال التراب لا نحتمل أن يكون على وجه آخر غير التيمم بأن يمسح بدنه به أو نحو ذلك مثلاً أو فبالسبر والتقسيم يظهر أن وظيفة مثله التيمم والمسح على بشرته وجبيرته والصلاة معه.

حكم استئجار صاحب الجبيرة.

(١) قد تقدّم أن الوضوء مع الجبائر تصح معه الصلاة الواجبة الفعلية ، وإنما الكلام في أنه هل يكفي الوضوء مع الجبائر في جواز الصلاة القضائية من قبل نفسه أو غيره مع الأُجرة أو تبرّعاً أو لا تشرع به القضاء مطلقا؟

إن بنينا على ما ذهب إليه بعضهم من أن الوضوء مع الجبيرة كالتيمم مبيحان للدخول في الصلاة وغير رافعين للحدث فلا يصحّ القضاء مع الوضوء جبيرة ، لعدم دلالة الدليل على إباحة الدخول معه في القضاء وإنما ثبت إباحة الفرائض الفعلية به فحسب ، فاذا لم يشرع القضاء به في نفسه فلا تجوز الإجارة عليه أيضاً ، لأنّ صحّة‌

__________________

(*) إذا توضّأ أو اغتسل صاحب الجبيرة لصلاة نفسه فالظاهر أنه يرفع الحدث كما تقدّم ، وعليه فيجوز استئجاره ويصحّ قضاؤه الصلاة عن نفسه وعن غيره ، بل لا يبعد صحّته فيما لو توضّأ أو اغتسل لصلاة غيره ، حيث إنّ الوضوء أو الغسل مع الجبيرة مستحب في نفسه ، وقد تقدّم انّه لا فرق فيه بين كونه واجباً أو ندبا.

٢٠١

الإجارة فرع مشروعية العمل في نفسه.

وأمّا إذا قلنا بأنهما رافعان كما بنينا عليه سابقاً (١) فإن توضأ لخصوص أن يأتي به القضاء فقط ، أيضاً يحكم ببطلانه ، وذلك لأن الوضوء مع الجبيرة وظيفة العاجز والأمر بالقضاء موسع فله أن يصبر حتى يبرأ جرحه أو كسره فيصلي مع الوضوء التام ، ومع التمكّن من التام لا يجوز له البدار والإتيان بالوضوء مع الجبيرة كما هو الحال في الأداء ، حيث إنه مع احتماله البرء إلى آخر وقت الفريضة لا يتمكن من البدار كما يأتي تفصيله (٢) ، فإذا لم يشرع في حقّه الوضوء مع الجبيرة لمحض القضاء فلا تصحّ الإجارة عليه أيضاً كما عرفت ، اللهمّ إلاّ أن يعلم بعدم ارتفاع عذره إلى الأبد فحينئذ يصح له إتيان القضاء مع الوضوء جبيرة ، إلاّ أنه خارج عن مفروض المسألة.

وأما إذا توضأ جبيرة لأداء فريضة فيما يصح له إتيانها مع الجبيرة إلاّ أنه بعد ذلك أراد أن يأتي به القضاء من قبل نفسه أو غيره مع الأُجرة أو بدونها كما أتى به الأداء ، فالظاهر أنه لا إشكال في صحّته وصحّة قضائه ، حيث إن القضاء عن نفسه أو عن غيره مأمور به في الشريعة المقدّسة ولا سيما عن الأب والأُم ، ولا صلاة إلاّ بطهور ، والمفروض أن المكلّف متطهر ومن هنا جاز له مس المصحف وغيره مما يشترط فيه الطّهارة كدخول المسجد مع الغسل جبيرة ، ومع الحكم بطهارته يصح منه القضاء كما صحّ منه الأداء. ولا يفرق فيها بين الناقصة والتامّة بعد فرض كونها طهارة مسوغة للغايات المشترطة بها ، فإذا جاز له القضاء في نفسه جازت الإجارة عليه أيضاً كما تقدّم.

إذا طرأ العذر في الأثناء‌

بقي الكلام في أنه إذا قلنا بعدم جواز الإجارة على القضاء مع الجبيرة وقد آجر نفسه للقضاء وهو سليم مأمور بالوضوء التام ولكن طرأ عليه العذر في أثناء المدّة ووجب عليه الوضوء مع الجبيرة ، فهل يحكم حينئذ بانفساخ العقد لانكشاف أن‌

__________________

(١) في ص ١٨٧.

(٢) في ص ٢٦٢ ٢٩٤.

٢٠٢

المنفعة المستأجر عليها غير مملوكة للمؤجر وهو غير قادر على تسليمها فتبطل الإجارة بالإضافة إلى المقدار الباقي عن العمل ، نظير ما إذا خربت الدار في أثناء مدّة الإجارة ولم يمكن تعميرها ، أو آجر نفسه للبناء فوقع في أثناء العمل وانكسر رجله ولم يتمكّن من الوفاء بالعمل ، حيث تنفسخ الإجارة بالإضافة إلى المقدار الباقي من العمل لانكشاف عدم قدرة المؤجر لتسليم المنفعة وعدم كونها ملكاً له. أو أن الإجارة لا تنفسخ ، بل يثبت للمستأجر خيار تخلف الشرط وهو المباشرة فله أن يفسخ وله أن يرضى بالعمل منه مع التسبيب؟

إذا فرضنا أن المدّة موسعة يتمكن المكلّف من إتيان القضاء بالوضوء التامّ بعد برئه فلا كلام في صحّة الإجارة وعدم انفساخها ، لتمكنه من تسليم المنفعة على الفرض وأمّا إذا كانت المدّة مضيقة ولا يبرأ في تلك المدّة فإن وقعت الإجارة على العمل الكلي الجامع بين المباشرة والتسبيب أيضاً تصح الإجارة ، لتمكنه من العمل بالتسبيب فيستأجر غيره ويأتي بالعمل بسببه.

وأمّا إذا كانت المدّة مضيقة وكانت الإجارة واقعة على القضاء بالمباشرة فالصحيح ما ذهب إليه الماتن من انفساخ الإجارة. ولا وجه لصحّتها مع خيار تخلف الشرط كما قيل. والوجه في ذلك أن الإجارة بحسب البقاء كالإجارة بحسب الحدوث ، فكما أن الإجارة لو كانت واقعة في حال عجز المكلّف من الوضوء التام من الابتداء حكمنا ببطلانها على الفرض فكذلك الحال فيما إذا طرأ العجز في الأثناء ولم يتمكن من الوضوء التام في الوسط فلا بدّ من الحكم ببطلانها.

وأمّا عدم جريان خيار تخلف الشرط في المقام فهو لما حققناه في بحث الخيار وقلنا : إن الشرط في ضمن المعاملة قد يرجع إلى الأعيان الشخصية فيبيع كتاباً معيّناً على أن يكون طبعة كذا أو عبداً معيّناً على أن يكون كاتباً أو رومياً ونحو ذلك ، وقد يرجع إلى الكلي في الذمّة كما إذا باع مناً من الحنطة في ذمّته على أن تكون من مزرعة كذا أو استأجره للصلاة على أن تكون في مكان كذا أو للصيام على أن يكون في شهر كذا أو يبيع كتاب الجواهر الكلي على أن يكون طبعة كذا.

أمّا الشرط في العين الشخصيّة فقد ذكرنا أنه يرجع إلى جعل الخيار على تقدير‌

٢٠٣

[٦٢٥] مسألة ٣١ : إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة لا يجب إعادة الصّلاة (*) (١) التي صلاّها مع وضوء الجبيرة وإن كان في الوقت بلا إشكال ، بل الأقوى جواز‌

______________________________________________________

التخلّف على الأغلب ، وإن كان قد يرجع إلى أمر آخر على ما ذكرناه في بحث الخيار. ومعناه أن التزامه بالبيع مشروط بوجود شرطه وربّما يصرح بذلك لدى العرف ، فتراه يقول إني أشتري هذا وإذا ظهر كذا فلا ألتزم بالمعاملة. فالشرط في الأعيان الشخصيّة مرجعه إلى جعل الخيار ولا يرجع إلى تعليق المعاملة ليوجب البطلان. ولا أنه لتضيق دائرة المبيع ، لأنه عين شخصيّة والجزئي متضيّق في نفسه ولا معنى لتضييقه فإذا ظهر أن العبد المبيع ليس بكاتب فيثبت للمشتري خيار تخلف الشرط.

وأمّا الشرط الراجع إلى الكلّي في الذمم فهو راجع إلى تضييق دائرة المبيع ولا يرجع إلى تعليق العقد ولا إلى جعل الخيار ، فإذا كان ما يدفعه البائع إلى المشتري حنطة مزرعة أُخرى أو صلّى المؤجر في غير المكان أو الزمان المشروط في ضمن المعاملة فليس للمشتري أن يفسخ المعاملة بالخيار ، بل له رده إلى البائع ومطالبته بالمبيع الذي هو الحصّة الخاصّة من الحنطة أو الصلاة ونحوهما.

فبهذا يظهر أنه إذا آجر نفسه للقضاء بشرط المباشرة ثمّ عجز عن المباشرة فقد عجز عن تسليم متعلق الإجارة إلى مستحقّه ، ومع عدم القدرة على ردِّه تبطل الإجارة لا محالة لا أن له الخيار ، لأن مرجع الشرط في الكلي في الذمم إلى تضييق دائرة المبيع أو المنفعة المستأجر عليها لا إلى جعل الخيار لنفسه. نعم لو آجر نفسه على أن يأتي بوضوء تام في الخارج بشرط المباشرة ثمّ عجز عن قيد المباشرة يثبت للمستأجر الخيار على ما بيّناه آنفاً. ثمّ لا يخفى أن هذا كله مبني على القول ببطلان إجارة العاجز عن الوضوء التام وقد عرفت أن الحق صحّته.

وضوء الجبيرة مجزئ عن الواقع‌

(١) أما إذا ارتفع عذره بعد خروج وقت الفريضة فلا ينبغي الإشكال في عدم‌

__________________

(*) فيه إشكال ، بل الأظهر وجوب الإعادة في الوقت.

٢٠٤

الصّلاة الآتية بهذا الوضوء في الموارد التي علم كونه مكلفاً بالجبيرة. وأما في الموارد المشكوكة التي جمع فيها بين الجبيرة والتيمّم فلا بدّ من الوضوء للأعمال الآتية لعدم معلومية صحّة وضوئه. وإذا ارتفع العذر في أثناء الوضوء وجب الاستئناف أو العود إلى غسل البشرة التي مسح على جبيرتها إن لم تفت الموالاة.

______________________________________________________

وجوب الإعادة ، إذ لولا صحّة الصلاة المأتي بها مع الوضوء جبيرة في وقتها لم يكن معنى للأمر بها مع التوضي بالوضوء جبيرة وهذا ظاهر.

وأمّا إذا ارتفع عذره قبل خروج وقت الفريضة فقد يفرض الكلام فيما إذا توضّأ جبيرة وصلّى حتى خرج وقت الفريضة ثمّ دخل وقت فريضة أُخرى كالمغرب مثلاً فصلاها بذلك الوضوء الذي أتى به جبيرة لصلاتي الظهر والعصر وارتفع عذره قبل خروج وقت الفريضة الثانية ، فلا إشكال في صحّة صلاته في هذه الصورة لأنه صلّى المغرب وهو متطهر ، لما مرّ من أن الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث وموجب للطهارة ، بل قد ذكرنا أنه لو توضأ مع الجبيرة وصلّى ثمّ انكشف برء كسره أو جرحه وقرحه حال الوضوء صحّت صلاته فضلاً عما إذا كان كسره أو جرحه باقيين حال الوضوء. إلاّ أن ذلك خارج عن مفروض كلام الماتن.

وأُخرى يفرض الكلام فيما إذا توضأ وضوء الجبيرة معتقداً بقاء عذره إلى آخر الوقت ، أو باستصحاب بقائه كذلك ، أو أنّا جوزنا البدار فصلّى ثمّ ارتفع عذره قبل خروج وقت الصلاة فالصحيح في هذه الصورة وجوب الإعادة ، وذلك لأن الاكتفاء بوضوء الجبيرة على خلاف القاعدة ، لأنها تقتضي وجوب التيمم في كل مورد عجز فيها المكلّف عن الوضوء ، فلا بدّ في الخروج عن مقتضى القاعدة من الاكتفاء بمورد النص وهو ما إذا لم يتمكن المكلّف من الوضوء التام في مجموع الوقت ، إذ المستفاد من أخبار الجبيرة أن الوضوء معها وضوء عذري ، وحيث إن المأمور به هو الطبيعي الجامع بين المبدأ والمنتهى فبارتفاع عذره في أثناء الوقت نستكشف تمكنه من الوضوء التام وعدم كونه معذوراً في الإتيان بالوضوء الناقص.

وأمّا حكم الماتن بعدم وجوب الإعادة حينئذ فلعله مستند إلى الإجماع الذي‌

٢٠٥

[٦٢٦] مسألة ٣٢ : يجوز لصاحب الجبيرة الصلاة أوّل الوقت مع اليأس عن زوال العذر في آخره ومع عدم اليأس الأحوط التأخير (*) (١).

______________________________________________________

ادعاه بعضهم على عدم وجوب إعادة الصلاة المأتي بها مع الوضوء جبيرة. إلاّ أنه إجماع منقول لا يعتمد عليه فلا بدّ من الإعادة في الوقت احتياطاً ، نظراً إلى دعوى الإجماع على عدم الإعادة. هذا كلّه إذا كان مأموراً بالوضوء مع الجبيرة.

وأما إذا أتى به في موارد الجمع للعلم الإجمالي بوجوب الوضوء جبيرة أو التيمم فأتى بهما عملاً بعلمه الإجمالي ثمّ ارتفع عذره في أثناء الوقت فتجب عليه الإعادة يقيناً ، كما لا يجوز له أن يأتي به الصلوات الآتية بوجه لعدم علمه بطهارته ، لاحتمال أن يكون مأموراً بالتيمم وهو ينتقض بوجدان الماء والتمكّن من استعماله فلا بدّ من تحصيل الطّهارة للصلوات الآتية وفريضة الوقت.

(١) لا وجه لهذا الاحتياط وذلك لتمكن المكلّف من البدار باستصحاب بقاء عذره إلى آخر الوقت ، فإن اعتباره غير مختص بالأُمور المتقدّمة ، بل كما يعتبر فيها يعتبر في الأُمور الاستقبالية أيضاً على ما قدمناه في محلِّه (٢) ، وحيث إنه ذو عذر أوّل الزوال فيستصحب بقاءه إلى آخره فبذلك يكون كالمتيقن في نظر الشارع ببقاء عذره إلى آخر الوقت فيسوغ له البدار ، فإذا انكشف عدم بقاء عذره إلى آخر الوقت بعد ذلك تجب إعادته ، وهو مطلب آخر غير راجع إلى صحّة الوضوء مع البدار ، بل الأمر كذلك فيما إذا بادر إليه لاعتقاد بقاء عذره ويأسه عن البرء إلى آخر الوقت ، فإن مع ارتفاع عذره قبل خروج وقت الصلاة ينكشف أن اعتقاده كان مجرد خيال غير مطابق للواقع فتجب عليه الإعادة لا محالة.

__________________

(*) والأظهر جواز البدار لكنه يعيد الصلاة إذا زال العذر في الوقت ، بل الأظهر وجوب الإعادة مع الزوال ولو كان البدار من جهة اليأس.

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٨٩.

٢٠٦

[٦٢٧] مسألة ٣٣ : إذا اعتقد الضرر (*) في غسل البشرة فعمل بالجبيرة ثمّ تبيّن عدم الضّرر في الواقع ، أو اعتقد عدم الضّرر فغسل العضو ثمّ تبيّن أنه كان مضرّاً (٢) وكانت وظيفته الجبيرة ، أو اعتقد الضرر ومع ذلك ترك الجبيرة ثمّ تبيّن عدم الضّرر وأن وظيفته غسل البشرة ، أو اعتقد عدم الضّرر ومع ذلك عمل بالجبيرة ثمّ تبيّن الضّرر صحّ وضوءه في الجميع بشرط حصول قصد القربة منه في الأخيرتين ، والأحوط الإعادة في الجميع (١).

______________________________________________________

إذا اعتقد الضّرر ثمّ تبيّن عدمه‌

(١) صور المسألة أربع لأن المكلّف قد يكون معتقداً للضرر ، وقد يكون معتقداً لعدم الضرر ، وعلى كلا التقديرين قد يعمل على اعتقاده وقد يعمل على خلافه.

أما إذا اعتقد الضرر أو عدمه فعمل على خلاف ما يعتقده كما إذا اعتقد الضرر وأن وظيفته الوضوء مع الجبيرة إلاّ أنه خالف اعتقاده فتوضأ الوضوء التام ، أو أنه اعتقد عدم الضّرر وأنه مأمور بالوضوء التام ولكنه توضأ جبيرة ، فلا إشكال في بطلان وضوئه لأن ما أتى به غير مأمور به باعتقاده ، ومع الاعتقاد بعدم تعلق الأمر به لا يتمشّى منه قصد الأمر فيقع فاسداً لعدم حصول قصد القربة. هذا في هاتين الصورتين.

وأمّا الصورة الثالثة وهي ما إذا اعتقد الضرر فتوضأ جبيرة ثمّ انكشف أنه لم يكن ضرر في الواقع فقد حكم الماتن بصحّة الوضوء حينئذ ، ولكن الصحيح أن نفصل بين ما إذا كان على بدنه كسر أو جرح أو قرح مجبور أو مكشوف فأحتمل بقاءها وتضرّرها بالماء فتوضأ مع الجبيرة أو غسل أطراف الجرح ثمّ انكشف برؤها‌

__________________

(*) الظاهر هو التفصيل في فرض اعتقاد الضرر بين تحقق الكسر ونحوه في الواقع وبين عدمه فيحكم بالصحّة في الأوّل دون الثاني.

(**) هذا إذا لم يبلغ الضرر مرتبة الحرمة وإلاّ فالوضوء غير صحيح.

٢٠٧

[٦٢٨] مسألة ٣٤ : في كل مورد يشك في أن وظيفته الوضوء الجبيري أو التيمّم الأحوط الجمع بينهما (١).

______________________________________________________

حال الوضوء وعدم كون الماء مضراً في الواقع ، فيحكم بصحّة وضوئه لإطلاقات الأخبار الآمرة بالمسح على الجبيرة أو غسل الأطراف للكسير والجريح والقريح ، فإن الموضوع لجواز الوضوء مع الجبيرة هو الخوف دون الضرر الواقعي ، وحيث إنه اعتقد الضرر فيصح منه الجبيرة أو الوضوء بغسل الأطراف. وبين ما إذا لم يكن على بدنه شي‌ء من الجرح أو القرح أو الكسر قبل ذلك إلاّ أنه تخيّل كسر يده لعدم حركتها أو لوقوعه من علو فجبره بجبيرة أو لم يجبره وتوضأ مع الجبيرة أو بغسل أطرافه ثمّ انكشف عدم الكسر وعدم الضرر في الواقع ، فيحكم ببطلان وضوئه حينئذ لأن الموضوع لجواز الجبيرة أو غسل الأطراف هو الكسر الواقعي الموجود أو السابق الذي يضره الماء ، فإذا انكشف أنه لم يكن كسر لا فعلاً ولا سابقاً وإنما كان هناك تخيّل كسر فقط فهو خارج عن موارد الأخبار فوضوءه باطل تجب إعادته.

وأما الصورة الرابعة فهي ما إذا اعتقد عدم الضرر فتوضأ وضوء الصحيح ثمّ بان ضرره لكسر أو لجرح. والصحيح في هذه الصورة الحكم بصحّة الوضوء وذلك لعدم كونه مشمولاً لأخبار الجبائر ، لما مرّ من أن الموضوع فيها خوف الضرر واحتماله والمفروض اعتقاد المكلّف بعدم الضرر فيصح منه الوضوء الصحيح.

ودعوى أن مقتضى حديث لا ضرر عدم وجوبه وبطلانه ، مندفعة بما مرّ غير مرّة من أنه قاعدة امتنانية ولا تجري في موارد خلاف الامتنان ، والحكم ببطلان الوضوء الذي كان ضرريّاً في الواقع على خلاف الامتنان. فتلخص أن الحكم في الصورتين الأُوليين هو البطلان ، وفي الثالثة نوافق الماتن في صورة ونخالفه في صورة ، وفي الصورة الرابعة نوافقه كما عرفت.

(١) لعلمه الإجمالي بوجوب أحد الأمرين في حقه.

٢٠٨

فصل

في حكم دائم الحدث

المسلوس والمبطون إمّا أن يكون لهما فترة تسع الصلاة والطّهارة ولو بالاقتصار على خصوص الواجبات وترك جميع المستحبّات أم لا ، وعلى الثاني إما أن يكون خروج الحدث في مقدار الصلاة مرّتين أو ثلاث مثلاً أو هو متّصل ففي الصورة الأُولى يجب إتيان الصلاة في تلك الفترة سواء كانت في أوّل الوقت أو وسطه أو آخره (١) ، وإن لم تسع إلاّ لإتيان الواجبات اقتصر عليها وترك جميع

______________________________________________________

فصل في حكم دائم الحدث

الصورة الأُولى :

(١) لأجل التحفظ على طائفتين من الأدلّة : إحداهما : الأدلّة الدالّة على اشتراط الصلاة بالطّهارة وأنه لا صلاة إلاّ بطهور. وثانيتهما : الأدلّة الدالّة على ناقضية البول والغائط ونحوهما للوضوء ، فلو صلّى في الفترة التي تسع الصلاة فقد جمع بين كلتا الطائفتين. وعن الأردبيلي قدس‌سره احتمال عدم الوجوب وجواز الصلاة في كل وقت أراده ولو مع الحدث (١).

وهذا يبتني على أحد أمرين : أحدهما : دعوى تخصيص ما دلّ على اشتراط الصّلاة بالطّهارة بالمسلوس والمبطون ولو في مفروض كلامنا ، فلا يعتبر في صلاتهما الطّهارة حتى يجب عليهما إيقاعها في وقت الفترة من البول والغائط. وثانيهما : التزام التخصيص في أدلّة ناقضية البول والغائط بالمسلوس والمبطون ولو في مفروض المسألة ، فالصلاة وإن كانت مشروطة بالطّهارة إلاّ أن طهارتهما باقية ولا ترتفع بالبول‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١١٢.

٢٠٩

والغائط تخصيصاً في أدلّة النواقض.

وكلا هذين الأمرين فاسد ولا يمكن الاعتماد على شي‌ء منهما ، وليس هناك أمر ثالث.

أما دعوى الالتزام بالتخصيص في أدلّة اشتراط الصلاة بالطّهارة فلأنا لو التزمنا بذلك فجوزنا الصلاة في حقهما من غير طهارة لجازت لهما الصلاة مع إحداث غيرهما من الأحداث بالاختيار كإخراج الريح مثلاً ، لأن المحدث لا يحدث ثانياً والمفروض عدم اشتراط الطّهارة في صلاتيهما ، مع أنه مما لا يمكن الالتزام بصحّتها فيهما مع إخراج الريح أو غيرهما من الأحداث هذا. على أن المسلوس والمبطون غالباً يصدر منهما الحدثان في أثناء وضوئهما أو بعده وقبل الصلاة ، فلو التزمنا بالتخصيص في أدلّة الاشتراط مع القول بناقضيتهما في حقهما فما الموجب لاشتراط الوضوء في حقهما من الابتداء؟ فلا يلزمهما الوضوء أصلاً. وهذا أيضاً كما ترى مما لا يمكن الالتزام به.

وأمّا الالتزام بالتخصيص في أدلّة الناقضية مع الالتزام ببقاء أدلّة الاشتراط بحالها فهو وإن كان أمراً معقولاً ، بل ونلتزم به في الصورتين الأخيرتين كما يأتي تفصيلهما إن شاء الله تعالى ، إلاّ أن الالتزام به في المقام وهو الصورة الاولى من الصور الأربعة للمسألة يحتاج إلى دليل ، ولا دليل عليه سوى دعوى شمول إطلاقات الأخبار الواردة في المسلوس والمبطون (١) للمقام ، وهي تدلّ على جواز إيقاع الصلاة لهما مع الحدث.

وفيه : أنه لا إطلاق لتلك الأخبار حسب الفهم العرفي ، لأن الصلاة مع الحدث في حقهما حسب ما نفهم من أدلّتها لدى العرف إنما هي صلاة عذريّة بدلاً عن الصلاة المأمور بها على وجه التمام ، نظير الوضوء مع الجبيرة لديه ، وهي إنما تصحّ مع معذوريّة المكلّف وعدم تمكّنه من الإتيان بالمأمور به الأوّلي فيقتصر على المأمور به الاضطراري ، وأمّا مع فرض تمكّنه من الواجب الأصلي فلا اضطرار له ، والصلاة مع الحدث ليست بعذريّة حينئذ فتبطل.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٩٧ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٩.

٢١٠

المستحبّات ، فلو أتى بها في غير تلك الفترة بطلت (١) ، نعم لو اتفق عدم الخروج والسلامة إلى آخر الصلاة صحّت إذا حصل منه قصد القربة (٢). وإذا وجب المبادرة لكون الفترة في أوّل الوقت فأخر إلى الآخر عصى ، لكن صلاته صحيحة (٣). وأمّا الصورة الثانية (٤) وهي ما إذا لم تكن فترة واسعة إلاّ أنه‌

______________________________________________________

مضافاً إلى قوله عليه‌السلام في صحيحة منصور بن حازم من أنه « إذا لم يقدر على حبسه فالله أولى بالعذر » (١) لأنه كالصريح في أن صلاة المسلوس والمبطون عذرية ، ومع التمكّن من المأمور به كيف تكون صلاته مع الحدث عذرية ، فهي غير جائزة في حقه حتى تكون عذراً. وبالجملة : إن الأخبار لا إطلاق لها على نحو يشمل المقام ، فالصحيح ما أفاده الماتن كما عرفت وجهه.

(١) لعدم الأمر بها.

(٢) كما إذا كانت الفترة في آخر الوقت وقد أتى بها في أوّل وقتها رجاء عدم خروج شي‌ء من الحدثين ، أو باستصحاب عدم خروجهما إلى أن يتمّ الصلاة ، أو غفلة عن أنه يحدث. والوجه في صحّتها أن الصلاة لم يشترط فيها أن تقع في آخر الوقت مثلاً ، وإنما أوجبنا عليه إيقاعها في ذلك الوقت تحفظاً على شرطها وهو الطّهارة ، فإذا كانت حاصلة ولو في أوّل وقت الفريضة صحّت صلاته ، والمفروض حصول قصد القربة وغيره من شرائطها أيضاً.

(٣) القاعدة وإن كانت تقتضي سقوط الأمر بالصلاة عنه لعدم تمكنه من شرطها إلاّ أنا لما علمنا بعدم سقوط الصلاة في حال من الأحوال كما يقتضيه الإجماع القطعي في المسألة فلا جرم أوجبنا عليه الصلاة مع ما هو عليه من الحدث بمقتضى إطلاقات أخبار المسألة ، لأنه مسلوس أو مبطون عاجز عن الصلاة مع الطّهارة.

الصورة الثانية‌

(٤) وقد قسم الصورة الثانية وهي ما إذا لم يتمكن المكلّف من الصلاة مع الطّهارة‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٩٧ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٩ ح ٢.

٢١١

لا يزيد على مرّتين أو ثلاث أو أزيد بما لا مشقة في التوضؤ في الأثناء والبناء يتوضأ ويشتغل بالصلاة بعد أن يضع الماء إلى جنبه فاذا خرج منه شي‌ء توضأ بلا مهلة وبنى على صلاته (*) من غير فرق بين المسلوس والمبطون ، لكن الأحوط أن يصلّي صلاة أُخرى بوضوء واحد خصوصاً في المسلوس ، بل مهما أمكن لا يترك هذا الاحتياط فيه.

______________________________________________________

في شي‌ء من الوقت لعدم حصول فترة في البين تسع الطّهارة والصلاة إلى أقسام ثلاثة :

الأوّل : ما إذا خرج منه مرّة أو مرّتين أو أكثر على نحو لم يكن الوضوء بعد كل واحد منها موجباً للعسر والحرج. وقد حكم في هذا القسم بوجوب شروعه في الصلاة مع الطّهارة فإذا خرج منه بول أو غائط في الأثناء جدد الوضوء بعد أن يضع الماء بجنبه فإذا خرج منه شي‌ء توضأ بلا مهلة وبنى على صلاته. وحكمه هذا يغاير حكمه في القسمين الآتيين.

القسم الثاني : ما إذا كان الخارج كثيراً بحيث يكون الوضوء بعد كل منها موجباً للعسر والحرج ، كما إذا كان بحيث يقول إياك نعبد فيتوضأ ويقول وإياك نستعين فيتوضأ وهكذا. وقد أوجب عليه الوضوء لكل من صلواته.

والقسم الثالث : ما إذا لم ينقطع بوله أصلاً بل كان يخرج مستمرّاً. فقد حكم في حقه بكفاية الوضوء الواحد لجميع صلواته وأنّ له أن يصلِّي صلوات عديدة بوضوء واحد ، وأنه بحكم المتطهّر إلى أن يجيئه حدث آخر من نوم أو نحوه أو خرج منه البول أو الغائط على المتعارف.

القسم الأوّل من الأقسام الثلاثة‌

وما ذكره قدس‌سره في القسم الأوّل من الحكم بوجوب الوضوء لكل صلاة‌

__________________

(*) الأظهر عدم الحاجة إلى الوضوء في أثناء الصلاة ولا سيما في المسلوس ، ورعاية الاحتياط أولى.

٢١٢

وأنه إذا خرج شي‌ء منه في أثناء صلاته توضأ بلا مهلة فيما إذا لم يستلزم الفعل الكثير الماحي لصورة الصلاة ولا شيئاً من منافياتها وقواطعها كالاستدبار مثلاً ، على القاعدة أعني التحفظ على إطلاقات أدلّة اشتراط الصلاة بالطهور ، حيث إنها على قسمين :

قسم دلّ على أنه لا صلاة إلاّ بطهور (١). وهذا القسم إنما يستفاد منه اعتبار الطّهارة فيما هو صلاة ، فلا دلالة على اعتبار الطّهارة في الأكوان المتخلِّلة بين أجزاء الصلاة لأنها ليست بصلاة وإن كان المكلّف في الصلاة ما دام لم يسلم ، فله أن يحدث متعمداً فضلاً عمّا إذا لم يكن متعمداً في الأكوان المتخللات.

وقسم دلّ على اعتبار الطّهارة حتى في الأكوان المتخللة وهو أدلّة القواطع من الاستدبار والحدث ونحوهما (٢) فقد دلّت على أن وقوع الحدث في الصّلاة ولو في الأوقات المتخللة موجب لبطلانها وانقطاعها وعدم انضمام ما سبق منها بما لحق. وقد رفعنا اليد في المسلوس والمبطون عن القسم الثاني بمقتضى أخبارهما حيث دلّت على أن الحدث غير قاطع في حقهما ، إذ لو كان قاطعاً في حقهما أيضاً سقطت عنهما الصّلاة لعدم تمكّنهما من الصلاة المأمور بها. وأمّا إطلاق القسم الأوّل وأنه لا صلاة إلاّ بطهور فهو باق بحاله وهو يقتضي تحصيل الطّهارة للأجزاء الصلاتية إذا حدث في أثنائها.

ودعوى أن ذلك ينافي بطلان الصلاة بالفعل الكثير ولا وجه لتقديم أدلّة اشتراط الطّهارة في الصلاة على أدلّة بطلانها بالفعل الكثير ، مندفعة بأن مبطلية الفعل الكثير للصلاة ممّا لم يدل عليه أي دليل لفظي وإنما استفيدت من ارتكاز ذلك في أذهان المتشرِّعة ، والارتكاز إنما هو في الأفعال الأجنبية عن الصلاة ولا ارتكاز في مثل الوضوء لأجل الصلاة ، نعم ورد في بعض الأخبار المانعة عن التكفير في الصلاة أنه عمل ، ولا عمل في الصلاة (٣) إلاّ أن معناه أن التكفير في الصلاة إذا اتى به بما أنه عمل‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣١٥ / أبواب أحكام الخلوة ب ٩ ح ١ ، ٣٦٥ / أبواب الوضوء ب ١ ح ١ ، ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٤٤ / أبواب قواطع الصلاة ب ٣ ، ١. وغيرهما من الأبواب المذكورة.

(٣) وهي صحيحة علي بن جعفر : الوسائل ٧ : ٢٦٦ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٥ ح ٥.

٢١٣

من أعمالها موجب لبطلانها لأنه ليس من أعمالها ، ولا دلالة على أن مطلق العمل في الصلاة يبطلها ، فلو وضع مثلاً إحدى يديه على أحد جانبي وجهه ويده الأُخرى على جانبه الآخر لم تبطل صلاته. فالإنصاف أن ما أفاده قدس‌سره مطابق للقاعدة.

حكم المسألة بالنظر إلى الأخبار‌

وأمّا بالنظر إلى الأخبار الواردة في المقام فالصحيح أن حكم المسألة حكم المسألتين الآتيتين أعني حكم السلس والبطن. ونتكلم في السلس أوّلاً ثمّ في البطن.

حكم السّلس‌

وعمدة هذه الأخبار موثقة سماعة ، قال : « سألته عن رجل أخذه تقطير من فرجه إما دم وإما غيره ، قال : فليصنع خريطة وليتوضأ وليصل ، فإنما ذلك بلاء ابتلي به فلا يعيدن إلاّ من الحدث الذي يتوضأ منه » (١) حيث دلّت على أن المسلوس لا يعيد وضوءه ، وأن الحدث الاقتضائي منه ليس بحدث في حقه ، وأنه بلاء ابتلي به من قبل الله سبحانه وغير مستند إلى اختياره فلا يجب عليه إعادة الوضوء في أثناء صلاته هذا.

وقد يناقش في الرواية باضطراب متنها ، حيث إن في نسخة منها « قرحة » بدل « فرجه » وعليه فالموثقة أجنبية عما نحن بصدده. ويدفعه أن الوسائل إنما نقلها عن الشيخ ، والشيخ في تهذيبه رواها بلفظه « فرجه » (٢) كما أن الوافي (٣) والحدائق (٤) رويا عنه بتلك اللفظة وكذا في كتب الفقهاء ، فلفظة « قرحة » غلط من نساخ الوسائل هذا. بل في نفس متنها لقرينة ظاهرة على أن الكلمة « فرجه » لا « قرحة » وتلك القرينة عبارة عن أن الكلمة لو كانت هي قرحة لم يكن وجه للسؤال عن بطلان الصلاة بما‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٦٦ / أبواب نواقض الوضوء ب ٧ ح ٩.

(٢) التهذيب ١ : ٣٤٩ / ١٠٢٧.

(٣) الوافي ٦ : ١٤٤ / ٣٩٦٥.

(٤) الحدائق ٢ : ٣٨٨.

٢١٤

يخرج منه من دم أو غيره كالقيح ، لأن الخارج من القرح غير ناقض للوضوء أبداً فسؤاله عن وضوئه وغسله قرينة على أن اللفظة هي فرجه. على أن قوله : « فليصنع خريطة » كالصريح في أن الكلمة كلمة فرج ، لأن الخريطة بمعنى الكيس الذي يعلق على الفرج لئلاّ ينجس الفخذين ، ولا نتعاهد الخريطة في القرح ، فهذه المناقشة ساقطة.

ويناقش فيها اخرى بعدم صراحتها في البول ، لأن لفظة « وإما غيره » غير صريح في ذلك فيحتمل أن يراد به غير البول. وتندفع هذه المناقشة بما عرفت من أن المراد منه أي من كلمة ( إمّا غيره ) لو كان غير البول لم يكن وجه للسؤال عن كونه حدثاً ناقضاً للوضوء والصلاة ، ولم يناسبه الجواب بعدم كونه حدثاً وأنه لا يعاد منه الوضوء ، بل المناسب في الجواب على تقدير السؤال عنه أن يقال إنه طاهر أو نجس. وأما الجواب بأنه بلاء وأنه لا يوجب الوضوء إلاّ الحدث المتعارف من البول والغائط المتعارفين أو النوم المتعارف فهو قرينة على أن المراد به هو البول.

وعلى ذلك فقد دلّتنا الموثقة على أن بول المسلوس غير ناقض لوضوئه فلا يجب عليه الوضوء في أثناء صلاته. ويؤيد ذلك أن الأخبار الواردة في أحكام المبطون والمسلوس كلها خالية عن التعرض لحكم ما إذا أخذه البول أو الغائط في أثناء وضوئه مع أنه أمر عادي محتمل في حقهما بل لا يقصر عن زمان الصلاة ، فلو كان بوله حدثاً ناقضاً لبطل وضوءه من الابتداء ولم يقدر على الطّهارة أصلاً هذا.

وقد تعارض الموثقة بصحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام الدالّة على أن صاحب السلس يأخذ كيساً ويدخل فيه ذكره ثمّ يصلِّي يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر ، يؤخر الظهر ويعجل العصر بأذان وإقامتين ، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء بأذان وإقامتين ويفعل ذلك في الصبح (١) حيث أوجبت عليه الوضوء لكل صلاتين يجمع بينهما ، فهي تنافي الموثقة المتقدّمة الدالّة على أن بول المسلوس غير موجب للحدث والانتقاض.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٩٧ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٩ ح ١.

٢١٥

وفيه : أن الصحيحة لو لم تؤيد الموثقة لم تكن منافية لها ، وذلك لأن في الصحيحة جهتين :

إحداهما : أنه يجمع بين الصلاتين بوضوء واحد. وهذه الجملة مؤيدة للموثقة حيث دلّت على أن البول الخارج في زمان الصلاتين ليس بحدث وإلاّ لأوجب عليه الوضوء في أثنائهما.

وثانيتهما : أن المسلوس لا يتمكن من الشروع في صلاة أُخرى غيرهما إلاّ أن الصحيحة غير مشتملة على أن ذلك من جهة ناقضية بوله لوضوئه ، بل لعله من جهة نجاسة محل بوله ، حيث إنه يخرج من المسلوس ويوجب نجاسته وإنما عفي عنها في الصلاتين ، وأما في الزائد عليهما فهي باقية على مانعيتها في الصلاة. ويؤيده أن السؤال كلّه متوجه إلى الصلاة في الصحيحة ولم يسأل فيها عن الوضوء ، وعليه فالمسلوس لا يبطل وضوءه ببوله ، نعم ليس له الدخول في غير الصلاتين من النوافل أو غيرها إلاّ بعد غسل الموضع وتطهيره. هذا كله في المسلوس.

وأما المبطون فالظاهر أن حكمه حكم المسلوس ، وذلك لأن موثقة سماعة وإن كانت واردة في سلس البول إلاّ أن قوله عليه‌السلام في ذيلها : « فإنما ذلك بلاء ابتلي به فلا يعيدن إلاّ من الحدث الذي يتوضأ منه » أي من الأحداث المتعارفة التي يتعارف الوضوء منها كالبول الاختياري أو غيره من الأحداث المعتادة ، ظاهر في التعليل ، والعلّة تعمم الحكم إلى غير مورد الرواية أيضاً ، لأنها تدلّ على أن كل حدث غير اختياري الذي هو بلاء من قبل الله سبحانه لا يعاد منه الوضوء وإنما يعاد من الحدث الاختياري المتعارف ، وهو كما يشمل السلس يشمل البطن.

ومن هنا ألحق الفقهاء بهما صاحب الريح الغالبة مع عدم ورود رواية فيه فانّ العلّة ظاهرة في التعميم ، وإن أمكن أن يكون لهم وجه آخر زائد على ذلك أيضاً. فالصحيح أن المسلوس والمبطون لا يجب عليهما الوضوء في أثناء صلاتهما بل يتوضآن مرّة واحدة للصلاتين بل لجميع الصلوات ، ويتمكّنان من الدخول في صلاة أُخرى غير الصلاتين اللّتين جمع بينهما ، نعم لا بدّ من تطهير الموضع من النجاسة لأنها إنما عفيت بقدر الصلاتين لا أزيد.

٢١٦

حكم البطن‌

وأمّا الأخبار الواردة في البطن فهي ثلاثة كلها عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، روى ثنتين منها صاحب الوسائل قدس‌سره وهما اللتان رواهما عنه عبد الله بن بكير ، وترك الثالثة وهي التي رواها عنه علاء بن رزين اشتباهاً ونقلها الصدوق في الفقيه.

إحداها : موثقة ابن بكير عن محمّد بن مسلم ، قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المبطون ، فقال : يبني على صلاته » (١) وقوله : « يبني على صلاته » يحتمل أن يراد منه أنه إذا خرج منه الغائط في أثناء صلاته يتوضأ ثمّ يبني على صلاته ، كما يحتمل أن يراد به أنه لا يعتني بما خرج منه بل يبني على صلاته ويمضي فيها. وهذا لو لم يكن متعيناً فلا أقل من أنه الأظهر من الاحتمال السابق.

وثانيها : رواية علاء بن رزين عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : « صاحب البطن الغالب يتوضأ ويبني على صلاته » (٢) وهي أظهر فيما ذكرناه من الموثقة المتقدّمة ، فإن ظاهرها أن صاحب البطن يتوضأ أوّلاً فيدخل في الصلاة ولا يعتني بما خرج منه بل يبني على صلاته.

وثالثها : رواية ابن بكير عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « صاحب البطن الغالب يتوضأ ثمّ يرجع في صلاته فيتمّ ما بقي » (٣). وقد سقطت كلمة « الغالب » في كلام الحدائق قدس‌سره (٤) وكلمة « ثمّ يرجع » غير منقولة في الوافي (٥).

وكيف كان ، فظاهر الأخيرة أن المبطون إذا خرج منه الغائط في أثناء صلاته يتوضأ ثمّ يتمّ ما بقي من صلاته فتعارض الرواية المتقدّمة ، بل الموثقة أيضاً على ما‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٩٧ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٩ ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٧ / ١٠٤٣.

(٣) الوسائل ١ : ٢٩٨ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٩ ح ٤.

(٤) الحدائق ٢ : ٣٩٠.

(٥) الوافي ٨ : ١٠٤٧ / ٧٧٠٢.

٢١٧

قوّيناه من كونها ظاهرة في أنه لا يعتني بما يخرج منه هذا. ولكن الظاهر عدم إمكان الاعتماد عليها. أمّا أوّلاً : فلضعف سندها ، لأن طريق الشيخ إلى العياشي ضعيف. وأما ثانياً : فلأنه من البعيد عادة أن يسأل رأو واحد من إمام واحد مسألة واحدة ثلاث مرات ويجيبه الإمام عليه‌السلام في كل مرّة بعبارة غير العبارة الأُخرى ، فالمظنون بل المطمأن به أنها بأجمعها أو ببعضها منقولة بالمعنى إما من محمّد بن مسلم أو من غيره ، وحيث إنا لا ندري أن الألفاظ الصادرة عنه عليه‌السلام أية لفظة فلا محالة نتوقف عن الاعتماد عليها فلا يمكن الحكم بوجوب الوضوء على المبطون في أثناء صلاته هذا.

على أنا لو أغمضنا عن ذلك وبنينا عل أنها منقولات بألفاظها أيضاً لا يمكننا العمل بمقتضى الأخيرة ، بل لا بدّ من حملها على الاستحباب ، لأن ظهور التعليل في العموم في قوله في موثقة سماعة (١) : إنه بلاء ابتلي به ولا يعيدن حيث يدلّ على عدم وجوب الوضوء في شي‌ء من الأحداث غير الاختيارية أقوى من ظهور الأمر في الوجوب في قوله في الأخيرة : « يتوضأ ثمّ يرجع » فلا مناص من حملها على الاستحباب. بل يمكن أن يقال : إن البطن بمعنى صاحب مرض البطن فتوصيفه بالغالب كاشف عن إرادة ما إذا لم ينقطع عنه الغائط بوجه بل يخرج مستمراً ، ويأتي أن الحكم حينئذ كفاية وضوء واحد لجميع صلواته فكيف يمكن الحكم في مثله بوجوب الوضوء عند خروج الغائط في أثناء الصلاة ، وهذا أيضاً شاهد على حملها على الاستحباب.

فتلخص : أن المسلوس والمبطون لا يجب عليهما الوضوء في أثناء صلاتهما وإن خرج عنهما البول والغائط من غير اختيار ، وذلك تخصيصاً في أدلّة ناقضية البول والغائط بالأخبار المتقدّمة الواردة في السلس والبطن ، فلهما أن يصليا صلاة أُخرى غير الصلاتين اللّتين جمعاهما في زمان ، نعم لا بدّ من أن يطهرا بدنهما ولباسهما لغيرهما‌

__________________

(١) المتقدّمة في ص ٢١٤.

٢١٨

وأمّا الصورة الثالثة (١) وهي أن يكون الحدث متصلاً بلا فترة أو فترات يسيرة بحيث لو توضأ بعد كل حدث وبنى لزم الحرج يكفي أن يتوضأ لكل صلاة (*) ولا يجوز أن يصلِّي صلاتين بوضوء واحد نافلة كانتا أو فريضة أو مختلفة ، هذا إن أمكن إتيان بعض كل صلاة بذلك الوضوء.

______________________________________________________

من الصلوات ، فإن مانعية نجاسة البدن والثياب إنما رفعنا عنها اليد بمقدار الصلاتين بمقتضى صحيحة حريز المتقدِّمة (٢) لا أزيد منه.

ويؤيد ما ذكرناه أنه لم يرد في شي‌ء من روايات السلس والبطن حكم ما إذا خرج عنهما البول أو الغائط في أثناء وضوئهما مع أنه أمر عادي ، ولا يقصر وقته عن الصلاة بكثير ، فلو كان حدثهما غير الاختياري مبطلاً لوضوئهما لوجب عليهما استئناف الوضوء لو حصلا في أثنائه مع أن الأخبار لم تدل على بطلان وضوئه بخروجهما في أثنائه ، نعم إنما يرتفع حدثه بما يتعارف منه الوضوء كالبول والغائط الاختياريين أو الريح والنوم العاديين وهكذا. فما ذهب إليه الشيخ في مبسوطه من أن صاحب السلس والبطن يتوضآن مرّة واحدة لجميع صلواتهما ولا يعيدان الوضوء إلاّ مما تعارف الوضوء منه بعد ذلك (٣) هو الصحيح.

القسم الثاني من الأقسام الثلاثة‌

(١) أعني الصورة الثانية من الصور الثلاث الباقية ، فإن بنينا في الصورة الاولى أعني ما إذا خرج البول أو الغائط مرّة أو مرّتين أو ثلاث مرّات من غير استلزام التوضؤ بعد كل واحدة من الأحداث عسراً أو حرجاً على ما بنينا عليه من أن الوضوء في المسلوس والمبطون لا ينتقض بالبول والغائط بوجه ، وإنما يتوضآن مرّة‌

__________________

(*) بل يكفي وضوء واحد لجميع الصلوات ما لم يصدر منه غير ما ابتلي به من الأحداث.

(١) في ص ٢١٥.

(٢) لاحظ المبسوط ١ : ١٣٠.

٢١٩

واحدة وهو يكفي لجميع صلواتهما ولا يجب عليهما الوضوء في أثناء صلاتهما وأنه يبقى إلى الأبد ما دام لم يصدر منه حدث اختياري فالحكم في هذه المسألة ظاهر ، لأنه أيضاً يتوضأ مرّة واحدة ويصلّي به أي صلاة شاءها ، ولا ينتقض إلاّ بالحدث الاختياري ، ولا يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة بطريق أولى ، لأن الوظيفة كانت كذلك عند عدم لزوم العسر والحرج فكيف بما إذا كان الوضوء مستلزماً لهما.

وأمّا إذا لم نقل بذلك وبنينا على ناقضيّة البول والغائط من المبطون والمسلوس لوضوئهما وحكمنا في الصورة الأُولى بوجوب الوضوء في أثناء الصلاة كما بنى عليه الماتن قدس‌سره فما حكم به الماتن من أنه يتوضأ لكل صلاة ولا يجوز أن يصلّي صلاتين بوضوء واحد هو الصحيح ، وذلك لأن المسلوس والمبطون في فرض المسألة وإن كان لا يجب عليهما الوضوء في أثناء صلاتهما لاستلزامه العسر والحرج المنفيين في الشريعة المقدّسة إلاّ أن دليل نفي الحرج إنما ينفي التكليف والإلزام بالوضوء في الأثناء ولا يستفاد منه الحكم الوضعي من بطلان وضوئهما وصلاتهما أو صحّتهما بوجه فلا بدّ في تعيين الوظيفة حينئذ من الرجوع إلى دليل آخر.

فقد يقال : إنه يجب أن يتوضأ حينئذ في أثناء الصلاة إلى أن يبلغ مرتبة توجب العسر والحرج في الوضوء فإذا بلغ إلى تلك المرتبة سقط عن الوجوب. وفيه : أن دليل نفي العسر والحرج كما عرفت إنما ينفي الإلزام بإيجاد الصلاة المشروطة بالطّهارة في الخارج لأنه عسر وحرجي ، وأما أصل اشتراط الصلاة بالطّهارة فهو ليس أمراً موجباً للعسر والحرج لينفى بدليل نفيهما ، فلا دليل على أن صلاتهما في مفروض المسألة بعد بلوغ الوضوء مرتبة العسر والحرج غير مشترطة بالطّهارة فتصح مع الحدث أيضاً ، فلا بدّ في تعيين الوظيفة حينئذ من الرجوع إلى روايات الباب.

فإذا نظرنا إلى رواية محمّد بن مسلم الدالّة على أن صاحب البطن الغالب يتوضأ ثمّ يرجع في صلاته فيتم ما بقي (١) ، وقطعنا النظر عن ضعف سندها وبنينا على أنها مطلقة شاملة لكل من صورتي التمكّن من الوضوء في الأثناء وعدم التمكّن منه ، فإنّها‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٩٨ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٩ ح ٤.

٢٢٠