موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

إليه غير مرّة من عدم تمامية القاعدة كبرى ، على أنها غير منطبقة على المقام لعدم كونه من صغريات تلك الكبرى ، فإن إيصال الماء إلى البشرة المساوق مع الغسل كيف يكون ميسوراً من المسح المأمور به ، لأنه أمر وإيصال الماء أمر آخر هذا.

وقد يستدل على ذلك بموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في الرجل ينكسر ساعده أو موضع من مواضع الوضوء فلا يقدر أن يحله لحال الجبر إذا جبر كيف يصنع؟ قال عليه‌السلام : إذا أراد أن يتوضأ فليضع إناء فيه ماء ويضع موضع الجبر في الماء حتى يصل الماء إلى جلده » (١). وفيه : أن الموثقة ظاهرة في أن السؤال إنما هو عن حل الجبيرة بتوهم وجوبه وأنه إذا لم يمكن حلها ماذا يصنع ، وقوله عليه‌السلام في ذيلها : « حتى يصل الماء إلى جلده » قرينة قطعية على أن الجبيرة إنما كانت في محل الغسل ، إذ لو كانت في موضع المسح لم يكن إيصال الماء إليه واجباً ولو مع التمكن من حل الجبيرة فضلاً عما إذا لم يمكنه ذلك ، لأن المسح غير إيصال الماء كما لعله ظاهر. ولا يقاس ما نحن فيه بكفاية الغسل عن المسح في الرجلين عند التقيّة ، وذلك لأنه أمر ثبت بدليله وهو مختص بموارد تعذر المسح للتقيّة ولا يشمل المقام مما لا يمكن المسح على البشرة للجبيرة ، فقياس أحدهما بالآخر مع الفارق ، والقياس لا نقول به. فالموثقة إنما تختص بمواضع الغسل وأنه إذا أمكنه إيصال الماء إلى البشرة وجب ، ولا دلالة لها على وجوب إيصال الماء إليها في مواضع المسح.

وأمّا احتمال وجوب المسح على الجبيرة وإيصال الماء إلى البشرة معاً فهو مستند إلى العلم الإجمالي بوجوب أحدهما بعد العلم خارجاً بعدم وجوب التيمم حينئذ ، إذ المكلّف يعلم في مفروض المسألة بوجوب أحد الأمرين في حقه. ويدفعه أنه إنما يتمّ إذا لم يكن للأخبار المتقدّمة إطلاق يشمل صورة تمكن المكلّف من إيصال الماء إلى البشرة مع أن إطلاقها مما لا ينبغي المناقشة فيه ، لأن صحيحة الحلبي وصحيحتي عبد الله بن سنان والأسدي كلّها مطلقة ولا يختص الأمر فيها بمسح الجبيرة بما إذا لم‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٦٥ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٧.

١٦١

أو يتعين المسح على الجبيرة؟ (**) وجهان ، ولا يترك الاحتياط بالجمع.

[٥٩٦] مسألة ٢ : إذا كانت الجبيرة مستوعبة لعضو واحد من الأعضاء فالظاهر جريان الأحكام (**) المذكورة (١) وإن كانت مستوعبة لتمام الأعضاء فالإجزاء مشكل ، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين الجبيرة والتيمم.

______________________________________________________

يتمكّن المكلّف من إيصال الماء إلى البشرة. فالمتعيّن هو المسح على الجبيرة مطلقاً تمكّن من إيصال الماء إلى البشرة أم لم يتمكن ، وإن كان الإيصال أحوط.

(١) وأمّا إذا كانت الجبيرة مستوعبة لجميع أعضاء الوضوء فلا ينبغي التردّد في أن وظيفته التيمم حينئذ ، لأن الوضوء غسلتان ومسحتان والمكلّف عاجز عن جميعها ، وقد عرفت أن الأصل الأوّلي في كل مورد لم يتمكن المكلّف من الوضوء المأمور به هو التيمم إلاّ أن يقوم دليل على كفاية المسح على الجبيرة عن الغسل أو المسح المأمور به ، ولم يقم دليل على كفاية مسح جميع أعضاء الوضوء عن غسل بعضها ومسح بعضها الآخر ولعله ظاهر ، نعم ضمّ المسح على الجبائر إلى التيمم أحوط.

وأمّا إذا كانت الجبيرة مستوعبة لعضو واحد كالوجه أو اليدين ونحوهما فالظاهر انتقال الأمر إلى التيمم أيضاً ، وذلك لعدم تمكنه من الوضوء لأنه غسلتان ومسحتان والمفروض عدم تمكنه من إحدى الغسلتين أو المسحتين لأن الجبيرة مستوعبة للعضو على الفرض ، وقد عرفت أن الأصل الأوّلي في كل من عجز عن الوضوء المأمور به هو التيمم إلاّ أن يقوم دليل على كفاية المسح على الجبيرة عن غسل البشرة أو مسحها ، ولم يقم دليل على كفاية مسح تمام العضو الواحد عن غسله أو مسحه ، وذلك لأن الظاهر المستفاد من الأخبار أن موردها ما إذا كانت الجبيرة على جزء من العضو‌

__________________

(*) هذا هو الأظهر.

(**) والأحوط ضمّ التيمم إلى الوضوء.

١٦٢

الواحد ، بحيث لا يتمكن من مسحه بتمامه أو من غسله كذلك وإنما يتمكّن من غسل بعضه أو مسح بعضه دون بعضه الآخر ، فدونك صحيحة الحلبي : « الرجل تكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من موضع الوضوء فيعصبها بالخرقة ويتوضأ ويمسح عليها » إلخ (١) ، فإن ظهورها في كون القرحة في جزء من ذراعه وهو الذي يعصبه بالخرقة ممّا لا يكاد يخفى.

وصحيحة ابن الحجاج « يغسل ما وصل إليه الغسل مما ظهر ممّا ليس عليه الجبائر ويدع ما سوى ذلك ممّا لا يستطيع غسله ، ولا ينزع الجبائر ويعبث بجراحته » (٢) فإن الظاهر إرادة أنه يغسل مقداراً من عضو واحد ويدع المقدار الآخر الذي فيه الجبيرة لا أنه يغسل إحدى يديه ويدع يده الأُخرى.

وكذلك موثقة عمار (٣) لظهورها في أن الجبيرة إنما كانت على خصوص ذراعه لا أنها كانت مستوعبة لتمام يده.

وصحيحة عبد الله بن سنان « عن الجرح كيف يصنع به؟ قال عليه‌السلام : يغسل ما حوله » (٤) وإن لم يذكر فيها المسح على الجبيرة إلاّ أنه ذكر في سائر الأخبار. فالروايات كما ترى إنما دلّت على كفاية مسح الجبيرة عن غسل البشرة أو مسحها فيما إذا كانت الجبيرة على بعض العضو ، وأمّا إذا كانت مستوعبة للعضو بتمامه فهو ممّا لم يدلّ شي‌ء من الأخبار على كفاية المسح على الجبيرة فيه عن غسل البشرة أو مسحها ، فقد عرفت أن مقتضى الأصل الذي أسّسناه في أوّل المسألة تعيّن التيمم حينئذ.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٦٣ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ١ : ٤٦٣ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ١.

(٣) الوسائل ١ : ٤٦٥ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٧. وقد تقدّم ذكرها في ص ١٦١.

(٤) الوسائل ١ : ٤٦٤ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٣.

١٦٣

بقي الكلام في رواية كليب الأسدي (١) ، فإن قوله عليه‌السلام : « فليمسح على جبائره » قد يدعى شموله لما إذا كانت الجبيرة مستوعبة لتمام عضو واحد. ويندفع بعدم شمول إطلاقها لمثل المقام لندرته ، وإلاّ فيمكن أن يستدل بإطلاقها على كفاية مسح الجبائر فيما إذا كانت مستوعبة لجميع أعضاء الوضوء مع أنهم لا يلتزمون بكفايته في مثله. فالصحيح في هذه الصورة ما ذكرناه وإن كان ضمّ المسح على الجبيرة إلى التيمم أحوط.

فذلكة الكلام‌

إن الأخبار الواردة لا تشمل ما إذا كانت الجبيرة مستوعبة لعضو واحد فضلاً عن تمام الأعضاء وذلك أما صحيحة الحلبي فلأن قوله : « الرجل تكون به القرحة في ذراعه » (٢) ظاهره أن القرحة إنما كانت في بعض يده وأن الذراع ظرف تلك القرحة لا أنها كانت مستوعبة لتمام العضو ، حيث إن هذا التعبير أعني قوله : « القرحة في ذراعه » لا يستعمل في موارد استيعاب القرحة للعضو ، بل يختص بما إذا كانت في بعضه دون بعضه الآخر.

والذي يدلّنا على ذلك هو ما ورد في ذيلها من أمره عليه‌السلام بغسل ما حول القرح إذا كان مكشوفاً ، لأنه كالصريح في عدم كون القرحة مستوعبة لتمام العضو حيث إن مورد الرواية بصدرها وذيلها واحد وهو القرحة في العضو إلاّ أنها إذا كانت مجبورة يمسح على الجبيرة وإذا كانت مكشوفة يغسل ما حولها. فيدلّنا ذيل الصحيحة على عدم كون القرحة مستوعبة لتمام العضو. وأظهر منها الأخبار الآمرة بغسل ما وصل إليه الماء وترك ما سوى ذلك. وأما رواية كليب الأسدي فقد عرفت المناقشة في شمولها للمقام. فالصحيح أن التيمم هو المتعيّن في هذه الموارد وإن كان ضمّ التوضؤ بالمسح على الجبيرة أحوط.

__________________

(١) المتقدّمة في ص ١٥٦.

(٢) الوسائل ١ : ٤٦٣ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٢.

١٦٤

[٥٩٧] مسألة ٣ : إذا كانت الجبيرة في الماسح فمسح عليها بدلاً عن غسل المحل يجب أن يكون المسح به بتلك الرطوبة أي الحاصلة من المسح على جبيرته (١).

[٥٩٨] مسألة ٤ : إنما ينتقل إلى المسح على الجبيرة إذا كانت في موضع المسح بتمامه وإلاّ فلو كان بمقدار المسح بلا جبيرة (٢) يجب المسح على البشرة ، مثلاً لو كانت مستوعبة تمام ظهر القدم مسح عليها ، ولو كان من أحد الأصابع ولو الخِنصِر إلى المفصل مكشوفاً وجب المسح على ذلك ، وإذا كانت مستوعبة عرض القدم مسح على البشرة في الخط الطولي من الطرفين وعليها في محلّها.

[٥٩٩] مسألة ٥ : إذا كان في عضو واحد جبائر متعدِّدة يجب الغسل أو المسح‌

______________________________________________________

إذا كانت الجبيرة في الماسح

(١) لما دلّ على أن المسح يعتبر أن يكون بنداوة الوضوء في اليد ، كما في قوله عليه‌السلام : « وتمسح ببلة يمناك ناصيتك » (١) والأخبار الواردة في كفاية المسح على الجبائر إنما تدل على أن الجبيرة كالبشرة ، وأما أن المسح بها لا يعتبر فيه أن يكون بنداوة الوضوء فهو مما لا دليل عليه.

ما يشترط في الانتقال إلى مسح الجبيرة‌

(٢) كما إذا استوعبت الجبيرة تمام عرض الرجل إلاّ بمقدار مسمّى المسح أو أنها أشغلت مقداراً من طولها وبقي مقدار منه قبلها وبعدها ، فإنه يجب أن يمسح نفس البشرة بمقدار المسمّى عرضاً لأنه المأمور به وهو متمكن منه ، ويجب أن يمسح ما قبل الجبيرة وما بعدها لتمكنه من مسح البشرة المأمور بها بذلك المقدار ويمسح على الجبيرة في المقدار المتوسط.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٣٦ / أبواب الوضوء ب ٣١ ح ٢.

١٦٥

في فواصلها (١).

[٦٠٠] مسألة ٦ : إذا كان بعض الأطراف الصحيح تحت الجبيرة فإن كان بالمقدار المتعارف مسح عليها (٢) وإن كان أزيد من المقدار المتعارف فإن أمكن رفْعها رفَعها (٣) وغسل المقدار الصحيح ثمّ وضعها ومسح عليها ، وإن لم يمكن ذلك مسح عليها لكن الأحوط (*) ضمّ التيمم أيضاً خصوصاً إذا كان عدم إمكان الغسل من جهة تضرر القدر الصحيح أيضاً بالماء (٤).

______________________________________________________

الجبائر المتعدِّدة في محل واحد‌

(١) كما يجب المسح على الجبائر في غير الفواصل ، لشمول قوله عليه‌السلام حينئذ : « ولا ينزع الجبائر ويعبث بجراحته » (٢) للجبائر المتعددة لأنها جمع ، ويغسل المتوسطات أو يمسحها لتمكنه من المأمور به ، ولم يدلّ دليل على كفاية المسح على الجبائر عن مسح البشرة أو غسلها في غير مواضع الجبر.

إذا وقع بعض الأطراف الصحيح تحت الجبيرة‌

(٢) لأن كون الجبيرة بمقدار القرحة من غير زيادة ولا نقصان غير متحقق في الخارج ، وعلى تقدير تحققه فهو أمر نادر قليل ولا يمكن حمل الأخبار عليه ، بل يحمل على المتعارف الكثير وهو كون الجبيرة زائدة عن مقدار الجراحة بالمقدار المتعارف اليسير.

(٣) لتمكّنه من مسح البشرة أو غسلها المأمور به.

الصّور المتصوّرة للعجز في المقام‌

(٤) عدم التمكن من رفع المقدار الزائد من الجبيرة يتصور على وجوه : فتارة‌

__________________

(*) الأظهر فيه تعيّن التيمم بلا حاجة إلى المسح على الجبيرة.

(١) في صحيحة ابن الحجاج المتقدّمة في ص ١٦٣.

١٦٦

لا يتمكّن من رفعه لاستلزامه ضرراً خارجياً في حقه ، كما إذا فرضنا أنه غير متمكن من شدّ الجبيرة وإنما شدّها الطبيب على أُسلوب خاص ونمط مخصوص ، فلو رفعها لاحتاج إلى الحضور عند الطبيب ثانياً وهو غير ميسور في حقّه أو مستلزم لبذل مال ونحوه. والمتعيّن حينئذ التيمم في حقه ، لأن الأخبار الآمرة بالمسح على الجبائر مختصة بما إذا كان في غسل موضع الجرح أو القرح أو مسحه ضرر لتلك الجراحة أو القرحة. وأما إذا فرضنا أن المورد سليم لا جرح فيه ولكنه لو غسله أو مسحه يتوجه عليه ضرر خارجي فهو خارج عن الأخبار ، ومقتضى الأصل الأوّلي وجوب التيمم حينئذ.

وأُخرى لا يتمكّن من رفع المقدار الزائد وغسل ما تحته أو مسحه لا من جهة ضرر خارجي ، بل من جهة استلزامه الضرر في ذلك المورد السليم الذي هو تحت الزائد من الجبيرة ، كما إذا كان بحيث لو وصله الماء حدثت فيه جراحة أو قرحة ثانية من غير أن تستلزم ضرراً في القرحة الأُولى أبداً. وهذه الصورة أيضاً يجب فيها التيمم ، لأن أخبار الجبيرة مختصة بما إذا كانت هناك جراحة أو قرحة يضرها غسلها أو مسحها ، وأما الموضع السليم الذي لا جراحة ولا قرحة فيه إذا استلزم غسله أو مسحه ضرراً لتوليده الجراحة أو القرحة فهو مما لا تشمله الأخبار أبداً ، فمقتضى الأصل الأوّلي هو التيمم حينئذ وإن كان ضمّ الوضوء بمسح الجبيرة إليه أحوط كما يتعرّض له في المسألة التاسعة إن شاء الله تعالى ، وإن كان بين المقام وتلك المسألة فرق بسيط وهو أن مفروض تلك المسألة عدم قرح ولا جراحة في موضع الوضوء ولكنهما تتولدان بغسله أو يتوجه بغسله ضرر إلى غيرهما ، وأما في المقام فالمفروض وجود قرحة أو جراحة لا يضرها الماء وما لا قرحة فيه إنما هو أطراف تلك القرحة الواقعة تحت الزائد من الجبيرة.

وثالثة لا يتمكن من رفع المقدار الزائد وغسل ما تحته أو مسحه لاستلزامهما تضرّر القرحة أو الجراحة الاولى لا أنهما يولدان ضرراً غيرهما. والصحيح في هذه الصورة أيضاً هو التيمم ، لأن الأخبار الواردة في كفاية المسح على الجبائر مختصّة بما‌

١٦٧

[٦٠١] مسألة ٧ : في الجرح المكشوف إذا أراد وضع طاهر عليه ومسحه يجب أوّلاً أن يغسل ما يمكن من أطرافه ثمّ وضعه (١).

[٦٠٢] مسألة ٨ : إذا أضرّ الماء بأطراف الجرح أزيد من المقدار المتعارف (٢)

______________________________________________________

إذا كانت الجراحة بغسلها متضرِّرة فإذا لم يتضرّر بغسلها أي غسل نفس الجراحة يغسلها كما في صحيحة الحلبي : وإن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثمّ يغسلها ، وإذا تضرّرت فليمسح على الجبيرة (١) ، وأما إذا فرضنا أن الجراحة تتضرّر بغسل غيرها كالمواضع السليمة تحت المقدار الزائد من الجبيرة فهي مما لا تستفاد كفاية المسح فيها على الجبائر من الروايات ، ومع عدم شمول الروايات لا مناص من الحكم بوجوب التيمم ، لأنه الأصل الأوّلي في كل مورد لم يقم فيه دليل على كفاية المسح على الجبيرة وإن كان ضمّ الوضوء إليه بمسح الجبيرة أحوط.

(١) تقدّم أن المستفاد من الأخبار وجوب غسل الأطراف في الجرح المكشوف ولا يعتبر أن يضع عليه خرقة طاهرة ليمسح عليها ، إلاّ أن الماتن قدس‌سره احتاط بذلك سابقاً ، وعليه فإذا أراد أحد العمل بذلك الاحتياط فيغسل جميع أطراف الجرح أوّلاً ثمّ يضع الخرقة عليه ويمسح عليها ، وذلك لأنه لو وضعها أوّلاً لسترت الخرقة مقداراً من الأطراف التي يجب غسلها. والغرض من قوله : يجب أوّلاً أن يغسل إلخ ليس هو الوجوب الشرطي الموجب لبطلان الوضوء على تقدير المخالفة ، بل المراد من ذلك تحصيل اليقين بغسل ما يجب غسله من الأطراف ، وعليه فلو فرضنا أنه وضع الخرقة أوّلاً ثمّ غسل الأطراف إلاّ أنه رفعها حين غسل ما حول الجرح بحيث تمكّن من غسل ما وجب غسله من الأطراف كفى.

إضرار الماء بأطراف الجرح‌

(٢) كما إذا كانت القرحة على إصبعه وكانت تتضرّر بغسل الساعد مثلا.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٦٣ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٢.

١٦٨

يشكل كفاية المسح على الجبيرة (١) التي عليها أو يريد أن يضعها عليها ، فالأحوط غسل القدر الممكن (*) والمسح على الجبيرة ثمّ التيمم‌

______________________________________________________

(١) وذلك لأن الأخبار الواردة في الجبيرة إنما دلّت على كفاية مسح الجبيرة فيما إذا كان هناك جرح أو قرح أو كسر في مواضع الوضوء بحيث يتضرر بوصول الماء إليه وأما إذا فرضنا موضعاً من بدنه لا قرح ولا جرح فيه ولكن الجرح في مكان آخر يتضرّر بوصول الماء إلى ذلك الموضع الذي لا قرح ولا جراحة فيه فلا إطلاق في شي‌ء من الأخبار يشمل ذلك ، ومع عدم شمول الروايات ينتقل فرضه إلى التيمم لا محالة هذا.

وقد يتوهّم أن قوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي : « إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة » (٢) بإطلاقه يشمل المقام ، إذ يصدق أن وصول الماء إلى ساعده مثلاً يؤذيه وإن لم يكن عليه جراحة ، إذ المفروض أن بوصول الماء إلى ساعده يتضرّر الجرح الموجود في إصبعه ومعه يضع خرقة على ساعده ويمسح عليها.

ويدفعه ما قدمناه من أن المراد من إيذاء الماء فيها ليس هو مطلق الإيذاء بالماء بل المراد ما إذا كان وصول الماء إلى الجرح مؤذياً له لا وصوله إلى ما لا جرح فيه وذلك لقوله عليه‌السلام بعد ذلك : « وإن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثمّ ليغسلها » فإن الضمير راجع إلى القرح ، ومعناه أن القرحة إن تضرّرت بوصول الماء إليها فليمسح على الخرقة وإن لم تتضرّر به فليغسل نفس القرحة. وأمّا إذا تضرّرت القرحة بوصول الماء إلى موضع لا قرح ولا جرح فيه فلم يدلّنا شي‌ء من الأخبار على كفاية المسح على الخرقة بدلاً عن غسل الموضع السليم أو مسحه ، بل وظيفته التيمم حينئذ وإن كان ضمّ الوضوء بالمسح على الخرقة في الموضع السليم إليه أحوط لمجرّد احتمال تكليفه بذلك واقعا.

__________________

(*) وإن كان الأظهر جواز الاكتفاء بالتيمم.

(١) الوسائل ١ : ٤٦٣ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٢.

١٦٩

وأمّا المقدار المتعارَف بحسب العادة فمغتفر (١).

[٦٠٣] مسألة ٩ : إذا لم يكن جرح ولا قرح ولا كسر بل كان يضره استعمال الماء لمرض آخر فالحكم هو التيمم لكن الأحوط ضمّ الوضوء مع وضع خرقة والمسح عليها أيضاً مع الإمكان أو مع الاقتصار على ما يمكن غسله (٢).

[٦٠٤] مسألة ١٠ : إذا كان الجرح أو نحوه في مكان آخر غير مواضع‌

______________________________________________________

(١) إذ العادة قاضية بأن في موارد الجرح والقرح لا يتيسّر غسل جميع أطرافهما بحيث لا يبقى منها شي‌ء ، فتضرّر الجرح بوصول الماء إلى أطرافه بالمقدار المتعارَف كتضرّره بوصول الماء إلى نفسه أمر عادي متعارف فحكمه حكمه.

إذا أضرّه الماء من دون جرح ونحوه‌

(٢) وهذه المسألة كالمسألة السابقة والأمر فيها أظهر من سابقتها. وما أفاده قدس‌سره فيها هو الصحيح ، لأن أخبار الجبيرة كما عرفت مختصة بالجريح والكسير والقريح ، وأما من ليس على مواضع وضوئه شي‌ء من ذلك إلاّ أنه لمرض قشري يتضرر بوصول الماء إلى موضع من بدنه فهو خارج عن موارد الأخبار ، والتكليف حينئذ التيمم ، لأن الوضوء غسلتان ومسحتان على الكيفيّة المستفادة من الأخبار والمفروض عجز المكلّف عنهما لتضرره بالماء في موضع من بدنه فيتعين التيمم في حقه ، وإن كان ضمّ الوضوء مع وضع الخرقة والمسح عليها إلى التيمم أحوط.

ودعوى أن الواجب في حقه هو الوضوء بالمسح على الخرقة لقاعدة الميسور ، مندفعة بما مرّ غير مرّة من عدم تمامية القاعدة بحسب الكبرى. على أنا لو سلمناها في محلها فلا يمكن الاعتماد عليها في المقام ونحوه من الواجبات التي لها بدل شرعي كالتيمم للوضوء ، لأن ربّ الماء ربّ الصعيد كما في الخبر (١) فلم يتعسّر الوضوء في‌

__________________

(١) كما في صحيحة الحلبي : « لأن ربّ الماء هو ربّ الأرض » ، وفي صحيحة ابن أبي يعفور : « إن ربّ الماء هو ربّ الصعيد » الوسائل ٣ : ٣٤٣ / أبواب التيمم ب ٣ ح ١ ، ٢.

١٧٠

الوضوء لكن كان بحيث يضر استعمال الماء في مواضعه أيضاً فالمتعيّن التيمم (١).

[٦٠٥] مسألة ١١ : في الرَّمَد يتعيّن التيمم إذا كان استعمال الماء مضرّاً مطلقاً (٢) أما إذا أمكن غسل أطراف العين من غير ضرر وإنما كان يضرّ العين فقط فالأحوط الجمع (*) بين الوضوء بغسل أطرافها ووضع خرقة عليها ومسحها وبين التيمم.

[٦٠٦] مسألة ١٢ : محل الفَصد داخل في الجروح (٣) فلو لم يمكن تطهيره (**)

______________________________________________________

حقه حتى يقتصر بالميسور منه لتمكنه من بدله.

(١) وقد اتضح حال هذه المسألة مما قدمناه في المسائل السابقة ، لما عرفت من أن أخبار الجبيرة مختصة بما إذا كانت الجراحة أو القرحة أو الكسر في شي‌ء من مواضع الوضوء بحيث كانت تتضرر بوصول الماء إليها. وأما إذا كانت مواضع الوضوء سليمة عنها بأجمعها إلاّ أن غسلها أو مسحها أوجب الضرر في الجراحة الموجودة في محل آخر فهو خارج عن موارد الأخبار ، ولمكان عدم تمكنه من الوضوء فينتقل فرضه إلى التيمم لا محالة.

المرمد يتيمّم

(٢) وكذا الحال فيما إذا كان مضراً لعينه فقط ، وذلك لأن من به الرّمد ليس بجريح ولا بكسير ولا بقريح فهو خارج عن موارد الأخبار ، وحيث إنّه عاجز عن الوضوء فتصل النوبة إلى التيمم في حقِّه.

محل الفصد من الجروح

(٣) فحكمه حكمها فلا نعيد.

__________________

(١) والأظهر جواز الاكتفاء بالتيمم.

(٢) مرّ أنه لا يوجب جواز المسح على الجبيرة.

١٧١

أو كان مضرّاً يكفي المسح على الوُصلة التي عليه إن لم يكن أزيد من المتعارَف وإلاّ حلها وغسل المقدار الزائد ثمّ شدّها ، كما أنه إن كان مكشوفاً يضع عليه خرقة (*) ويمسح عليها بعد غسل ما حوله ، وإن كانت أطرافه نجسة طهرها ، وإن لم يمكن تطهيرها وكانت زائدة على القدر المتعارف جمع بين الجبيرة والتيمّم (**) (١).

[٦٠٧] مسألة ١٣ : لا فرق في حكم الجبيرة بين أن يكون الجرح أو نحوه حدث باختياره على وجه العصيان أم لا باختياره (٢).

______________________________________________________

(١) بل يتعيّن عليه التيمم ، لعدم شمول أخبار الجبيرة لما إذا لم يتمكّن من غسل الموضع أو مسحه لا لأجل القرح أو الجرح أو الكسر بل لأجل أمر آخر كتضرّره ، ومع عدم شمولها تصل النوبة إلى التيمم لأنه الأصل الأوّلي كما مرّ. وكذلك الحال فيما إذا لم يمكن تطهير أطراف المحل من جهة الجبيرة المشدودة عليه ، لأنه لو حلّها لم يتمكن من شدّها أو خرج منه الدم الكثير ونحو ذلك.

(٢) لإطلاق أدلّته ولعلّه ممّا لا إشكال فيه ، وإنما الكلام في حكم الجرح العمدي أو الكسر كذلك تكليفاً لا من ناحية حرمته في نفسه للإضرار ، بل من جهة أنه تفويت اختياري للواجب المنجز وهو حرام. وتوضيحه : أن الظاهر المستفاد من أخبار الجبائر كالمستفاد من أخبار التيمم أن المسح على الجبيرة كالتيمم طهارة عذرية والواجب الأوّلي في حق المكلفين هو الطّهارة المائية أعني الوضوء ، فكما أن المكلّف إذا دخل عليه وقت الصلاة وهو عالم ملتفت يحرم عليه إهراق ماء الوضوء ، لأنه تفويت للواجب المنجز في حقه وإن كان يجب عليه التيمم بعد ذلك ، فكذلك الحال في المقام ، لأنه إذا دخل عليه الوقت وهو متمكن من الوضوء من غير الجبيرة لا يجوز له تفويت ذلك الواجب المنجز في حقه بجرح عضوه أو بكسره ونحوهما ، نعم لو ارتكبه وعصاه يجب عليه الوضوء مع المسح على الجبيرة لا محالة.

__________________

(*) على الأحوط كما مر.

(**) على الأحوط ، والأظهر فيه جواز الاكتفاء بالتيمم.

١٧٢

[٦٠٨] مسألة ١٤ : إذا كان شي‌ء لاصقاً ببعض مواضع الوضوء مع عدم جرح أو نحوه ولم يمكن إزالته أو كان فيها حرج ومشقّة لا تتحمّل مثل القير ونحوه يجري عليه حكم الجبيرة (*) (١) والأحوط ضمّ التيمم أيضا.

______________________________________________________

اللاّصق ببعض المواضع

(١) لعلّ هذا هو المشهور بينهم. والكلام في مدرك ذلك ، لأنّ أخبار الجبائر مختصّة بالجراحة والقرحة والكسر ، وأما مع عدم شي‌ء من ذلك وكون الموضع سليماً فلا دليل على أن اللاّصق عليه حكمه حكم الجبيرة. واستدل على ذلك في كلام شيخنا الأنصاري قدس‌سره بتنقيح المناط (٢) وأن المناط في أحكام الجبائر ليس هو وجود الجرح والخرقة عليه ، وإنما المناط عدم تمكّن المتوضئ من إيصال الماء إلى بشرته وهذا متحقق في المقام أيضاً لتعذّر إزالة اللاصق أو تعسره.

وفيه : أن تنقيح المناط أشبه شي‌ء بالقياس ، بل هو هو بعينه ، وذلك لعدم علمنا بمناطات الأحكام وملاكاتها ، فترى أنا نحكم بكفاية غسل أطراف الجرح المشكوك في صحّة الوضوء مع عدم غسل تمام الأعضاء أو مسحه لعدم وجوب غسل الجرح ولا مسحه ولا نلتزم بكفاية الوضوء الناقص فيما إذا توضأ وأعضاؤه سليمة ولم يف الماء لتمام أعضائه بل بقي منها شي‌ء ولو بمقدار موضع الجرح أو أقل في الجريح ، كما أن شيخنا الأنصاري وغيره لا يلتزمون بكفاية الوضوء حينئذ وليس هذا إلاّ لعدم علمنا بالمناط فليكن الأمر في المقام أيضاً كذلك.

وأمّا ما أفاده صاحب الجواهر قدس‌سره من القطع بفساد القول بوجوب‌

__________________

(*) هذا إذا كان ما على محل الوضوء دواء ، وإلاّ فالأظهر تعيّن التيمم إذا لم يكن الشي‌ء اللاصق في مواضع التيمم ، وإلاّ جمع بين التيمم والوضوء.

(١) كتاب الطّهارة : ١٤٤ السطر ٣٤.

١٧٣

التيمم بدلاً عن الغسل والوضوء لمن كان في يده شي‌ء لاصق كالقير إذا لم يتمكن من إزالته ما دام الحياة (١) ، فهو أيضاً يلحق بكلام شيخنا الأنصاري قدس‌سره فإن دعوى القطع بالفساد بلا موجب ، فإنا نلتزم بكفاية التيمم ما دام الحياة في مثل الرمد وغيره من الأمراض إذا لم تبرأ ما دام الحياة فليكن المقام أيضاً كذلك. أفلم يرد أن التراب أحد الطّهورين (٢) وأنه يكفيك عشر سنين؟ (٣) فالقطع بالفساد من غير وجه.

وعليه فالصحيح أن يفصل في المقام بين ما إذا كان اللاصق دواء طلي به على شي‌ء من مواضع وضوئه وما إذا لم يكن دواء ، ففي الأوّل نلتزم بأحكام الجبائر لصحيحة الوشاء الدالّة على أن مثله يمسح على طلي الدواء (٤) هذا من غير فرق بين أن يكون تحته جريحاً أو كان سليماً وإنما وضع الدواء لمرض جلدي أو غيره.

وأمّا إذا كان اللاصق غير الدواء كالقير ونحوه فيفصّل فيه بين ما إذا كان في غير محال التيمم كما إذا لصق بذراعه فحينئذ يتعين في حقه التيمم ، لعدم تمكنه من الوضوء المأمور به ، وقد عرفت أن أخبار الجبيرة لا تشمله فالأصل هو التيمم حينئذ كما مر. وما إذا كان على محال التيمم كما إذا كان على يديه أو وجهه فيجب عليه الجمع بين التيمم والوضوء ، وذلك لأن الأمر حينئذ يدور بين احتمالين ، فإما أن نلتزم بسقوط الصلاة في حقه لأنها مشترطة بالطهور وهو غير متمكن منه فلا يجب في حقه الصلاة وإما أن نلتزم بعدم سقوطها.

والأوّل ممّا لا يمكننا الالتزام به ، لإطلاق ما دلّ على وجوب الصلاة وأنها لا تسقط بحال وأن الواجب على كل مكلف في كل يوم خمس وإطلاق ما دلّ على اشتراطها‌

__________________

(١) الجواهر ٢ : ٣٠٤.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٨٥ / أبواب التيمم / ب ٢٣ ح ١. وهي صحيحة محمّد بن حمران وجميل وفيها : « إنّ الله جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهورا ».

(٣) كما في رواية السكوني : الوسائل ٣ : ٣٦٩ / أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٢.

(٤) الوسائل ١ : ٤٦٥ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٩.

١٧٤

[٦٠٩] مسألة ١٥ : إذا كان ظاهر الجبيرة طاهراً لا يضرّه نجاسة باطنه (١).

[٦١٠] مسألة ١٦ : إذا كان ما على الجرح من الجبيرة مغصوباً لا يجوز المسح عليه بل يجب رفعه وتبديله ، وإن كان ظاهرها مباحاً وباطنها مغصوباً فإن لم يعد مسح الظاهر تصرفاً فيه فلا يضر وإلاّ بطل ، وإن لم يمكن نزعه أو كان مضراً (*) فإن عدّ تالفاً (**) يجوز المسح عليه وعليه العوض لمالكه (٢) ، والأحوط استرضاء‌

______________________________________________________

بالطّهارة لأنه لا صلاة إلاّ بطهور ، وقد قدّمنا في أوّل الكتاب أن الطهور ما يتطهّر به وهو أعم من الماء والتراب لأنه أحد الطهورين (٣). ومقتضى هذين الإطلاقين أن الصلاة واجبة في حق المكلّف في مفروض المسألة وأنها أيضاً مشترطة بطهارة خاصة لا محالة ، وتلك الطّهارة إما هو الوضوء مع غسل القير أو مسحه وإما هو التيمم كذلك ، ومقتضى العلم الإجمالي بوجوب أحد الأمرين أن يجمع بين التيمم والوضوء مع وجود اللاصق على مواضع التيمم.

(١) لأن الدليل إنما دلّ على اعتبار الطّهارة في ماء الوضوء ، فإذا فرضنا نجاسة أعضاء الوضوء على نحو يوجب تنجس الماء فلا محالة يقتضي بطلانه ، وأما إذا كانت غير سارية إلى الماء فلا دليل على كونها موجبة لبطلان الوضوء ، سواء كانت الجبيرة واحدة وكان باطنها نجساً دون ظاهرها وما إذا كانت متعددة.

إذا كانت الجبيرة مغصوبة‌

(٢) لا إشكال في أن المسح على الجبيرة إذا لم يعدّ تصرفاً في المغصوب كما إذا كان ظاهرها مباحاً يجوز المسح عليها لعدم حرمته. كما لا كلام في أنه إذا عدّ تصرّفاً في المغصوب وأمكن نزعه ورده إلى مالكه من غير أن يتوجّه ضرر عليه‌

__________________

(*) لا يبعد وجوب النزع في بعض صور التضرر أيضا.

(**) لا يترك الاحتياط باسترضاء المالك في هذا الفرض أيضا.

(١) شرح العروة ٢ : ٦.

١٧٥

المالك أيضاً أوّلاً ، وإن لم يعد تالفاً وجب استرضاء المالك ولو بمثل شراء أو إجارة ، وإن لم يمكن فالأحوط الجمع بين الوضوء بالاقتصار على غسل أطرافه وبين التيمم.

______________________________________________________

يجب نزع الجبيرة المغصوبة وردها إلى مالكها ، لحرمة التصرف في مال الغير ووجوب ردّ المال إلى مالكه ، فبعد نزعها إما أن يجبر الموضع بشي‌ء مباح فيمسح عليه وإما أن يبقى الجرح مكشوفاً فيغسل ما حوله. وإنما الكلام في جهات :

الجهة الأُولى : إذا كان نزع الجبيرة المغصوبة مضراً في حقه فهل يجب عليه نزعها وردّها إلى مالكها أيضاً أو لا يجب؟ ذهب الماتن قدس‌سره إلى عدم وجوب الرد إلى مالكها فيما إذا عدّ تالفاً.

ولكن الصحيح وجوب نزعها وردها إلى مالكها في هذه الصورة أيضاً ، وذلك لأن الضرر على نحوين ، فقد يكون الضرر على نحو لا يرضى الشارع بتحققه في الخارج كما إذا كان نزعها مؤدياً إلى هلاكه فلا يجب النزع والرد إلى مالكها حينئذ ، لأن ما دلّ على حرمة التصرف في مال الغير مزاحم بما دلّ على حرمة إهلاك النفس المحترمة ووجوب حفظها ، فحيث إنه أهم فلا محالة يتقدّم على حرمة التصرف في مال الغير. وأُخرى يكون الضرر من غير ما لا يرضى الشارع بوقوعه كما إذا كان نزع الجبيرة موجباً لاشتداد مرضه أو بطء برئه أو إلى ضرر مالي أو إيلامه ، فمقتضى إطلاق ما دلّ على حرمة التصرّف في مال الغير في مثله وجوب نزعها وردها إلى مالكها ، ولا مانع عن ذلك إلاّ ما يتوهّم من شمول قاعدة نفي الضرر للمقام وهي توجب تخصيص ما دلّ على حرمة التصرّف في مال الغير. ولكنا ذكرنا في محلِّه أن القاعدة لا تشمل أمثال المقام لأنها امتنانية وإجراؤها في المقام على خلاف الامتنان (١) ، لأن معناها جواز التصرّف في مال الغير من غير إذنه ولا تثبت القاعدة ذلك بوجه. والظاهر أنهم‌

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٥٤٥ ٥٦٦.

١٧٦

لم يختلفوا في وجوب ردّ المال إلى مالكه فيما إذا كان ردّه موجباً للتضرر المالي في حقه فإذا لم تشمل القاعدة المقام فيكون حال الضرر النفسي كالمالي فلا يمنع عن وجوب ردّ المال المغصوب إلى مالكه.

الجهة الثانية : إذا كانت الجبيرة المغصوبة معدودة من التالف كما هو الغالب ، لأن الخرقة بعد فصلها عن ثوب الغير مثلاً لا مالية لها ، فهل يجوز المسح عليها أو لا بدّ من استرضاء المالك أو نزعها إذا أمكن؟ ذهب الماتن إلى جواز المسح عليها وقال : وعليه العوض لمالكه. وقيل : إن هذه المسألة مبتنية على أن الضمان بالتلف والإتلاف راجع إلى المعاوضة القهرية بين المال التالف والمال المضمون به ، أو أن الضمان محض غرامة ولا رجوع له إلى المعاوضة بوجه. فعلى الأوّل يجوز المسح على الجبيرة المعدودة من التالف ، لأنها بإتلاف الغاصب انتقلت إليه وقد ضمن عوضها بالمعاوضة القهرية ، فليس للمالك المطالبة بالمواد الباقية بعد إتلاف المال لانتقالها إلى ملك المتلف فيجوز له المسح على الجبيرة في المقام ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا بالثاني ، لأن الجبيرة حينئذ باقية على ملك مالكها الأوّل فلا يجوز التصرف فيها بالمسح إلاّ برضاه هذا.

والصحيح عدم ابتناء المسألة على ذلك ، وذلك لأن انتقال المال التالف إلى المتلف بإتلافه مما لم يلتزم به أحد فيما نعلمه من أصحابنا ، لوضوح أن الإتلاف ليس من أحد الأسباب الموجبة للانتقال ، فلم يقل أحد بأن الثوب المملوك لأحد إذا أحرقه الغاصب فهو ملك للغاصب بالمعاوضة القهرية فيضمن له قيمته ، أو القطعات المنكسرة في الكوز ملك لمن أتلفه وهكذا.

نعم وقع الخلاف في أنه إذا أغرم المتلف وادي عوض ما أتلفه فهل يكون ذلك معاوضة بين ما أداه وما أتلفه ، فالقطعات المنكسرة للمتلف وهكذا غيرها مما أتلفه وأذهب ماليته وبقي مادته ، أو أن ما أداه غرامة محضة والمواد باقية على ملك مالك المال. وذكرنا في محلِّه أن العقلاء يرون ذلك معاوضة بين المال التالف والغرامة حيث ليس للمالك مال ومادّة ، ولم يكن مالكاً إلاّ لشي‌ء واحد وقد أخذ عوضه وبدله لا أنه كان مالكاً لشيئين أخذ عوض أحدهما وبقي الآخر على ملكه وهما المالية والمواد.

١٧٧

فأداء الغرامة معاوضة بالسيرة الثابتة عند العقلاء والمواد منتقلة إلى ملك المتلف بأداء الغرامة.

ومفروض كلام الماتن إنما هو ما إذا أتلف مال الغير وجعله جبيرة وأسقطه من قبل أن يؤدي عوضه فهل يجوز له المسح عليها أو لا يجوز ، لا أن محل كلامه في جواز المسح وعدمه بعد أداء الغرامة والعوض ، وذلك لقوله : ( يجوز المسح عليه وعليه العوض ) ولا معنى له مع أدائه فالكلام إنما هو قبل ردّ العوض ، وقد عرفت أن الإتلاف قبل ردّ العوض مما لم يلتزم أحد بكونه موجباً لانتقال المال إلى متلفه.

فالصحيح أن المسألة مبتنية على أمر آخر وهو أن الأدلّة الدالّة على حرمة التصرف في مال الغير مختصّة بما إذا كان مورد التصرف مالاً لغير المتصرف أو أنها تعمه وما إذا كان ملكاً أو مورد حق لغيره وإن لم يكن مالاً ، فإن المال إذا خرج بالتصرف عن المالية قد يكون ملكاً لمالكه كما في القطعات المكسورة في الكوز وقد لا يكون ملكاً أيضاً كما إذا قتل حيوان أحدٍ ، فإن الميتة ليست بملك وإنما تكون مورداً للحق أي لحق مالكه السابق ، فهل تشمل أدلّة حرمة التصرف لهاتين الصورتين أو تختص بما إذا كان مورد التصرّف مالاً فقط؟

ومقتضى فتوى الماتن أن الصحيح عنده الاختصاص وعدم شمول الأدلّة لما إذا كان مورد التصرّف ملكاً أو حقاً لغيره. وهذا هو الذي تقتضيه الروايتان المستدل بهما على حرمة التصرّف في مال الغير من غير إذنه ، أعني قوله عليه‌السلام : لا يحل مال امرئ مسلم إلاّ بطيبة نفسه (١) وقوله : لا يجوز التصرّف في مال الغير إلاّ بإذنه (٢)

__________________

(١) وهي صحيحة زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقف بمنى ... : إلى أن قال : فإنه لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه ... الوسائل ٢٩ : ١٠ / أبواب القصاص في النفس ب ١ ح ٣. وروى عنه في كتاب تحف العقول [ ص ٣٤ ] بدون لفظ دم بل فيه : مال امرئ مسلم.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٤٠ / أبواب الأنفال وما يختص بالإمام عليه‌السلام ب ٣ ح ٧. فان فيه : فلا يحل لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه ، فكيف يحل ذلك في مالنا ، إلخ.

١٧٨

لاختصاصهما بالأموال فيرجع في غير المال إلى أصالة الحل ، وإنما يخرج عن تلك الأصالة في خصوص الأموال.

ولكن لا يبعد التفصيل في غير الأموال بين ما إذا كان تصرف الغير مزاحماً لتصرف المالك السابق وما إذا لم يكن مزاحماً له ، بالحكم بعدم جواز التصرف في الصورة الأُولى لأنه ظلم وتعد عند العقلاء فلا يجوز ، والحكم بالجواز في الثانية لأصالة الحل وعدم كون التصرف ظلماً وتعديا.

الجهة الثالثة : ما إذا لم يمكن نزع الجبيرة إما تكويناً وإما تشريعاً لأدائه إلى الهلاكة مثلاً ولم تسقط الجبيرة عن المالية أيضاً ، فماذا يصنع المكلّف؟ فإن مقتضى أدلّة حرمة التصرف في مال الغير حرمة المسح عليها ، ومقتضى ما دلّ على اشتراط الصلاة بالطّهارة ووجوب الصلاة في حقه وعدم سقوطها أن الصلاة واجبة في حقه مع الطّهارة.

احتاط الماتن بالجمع بين الوضوء بالاقتصار على غسل أطراف الجبيرة وبين التيمم. هذا ولكن المتعيّن هو التيمم في حقه ، وذلك لأن كفاية الوضوء الناقص أعني غسل أطراف الموضع مختصة بما إذا كان على بدن المتوضي جرح مكشوف ، وأما في غير المكشوف فلم يقم دليل على كفاية الغسل الناقص ، فإذا لم تشمل الأخبار للمقام فالأصل الأوّلي وهو التيمم الذي أسسناه في أوائل المسألة هو المحكّم في المقام ، نعم لا بأس بضمّه إلى الوضوء الناقص للاحتياط. هذا كله فيما إذا كانت الجبيرة المغصوبة على غير محال التيمم.

وأمّا إذا كانت في محاله كالوجه واليدين فلا وجه لاحتمال وجوب التيمم حينئذ وذلك لأنّا إنما نقول بانتقال الأمر إلى التيمم من جهة أن المكلّف لم يتمكّن من الوضوء شرعاً لاستلزامه التصرف في المال المغصوب والممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً ، فإذا فرضنا أن التيمم أيضاً كالوضوء مستلزم للتصرف في الجبيرة المغصوبة فلا موجب للانتقال إليه ، بل الأمر يدور بين أن تسقط عنه الصلاة رأساً لعدم تمكّنه من الطّهارة‌

١٧٩

[٦١١] مسألة ١٧ : لا يشترط في الجبيرة أن تكون ممّا يصحّ الصلاة فيه (١) فلو كانت حريراً أو ذهباً أو جزء حيوان غير مأكول لم يضرّ بوضوئه ، فالذي يضرّ هو نجاسة ظاهرها أو غصبيته.

______________________________________________________

وبين أن تسقط عنه حرمة التصرّف في المغصوب ، فالحكمان متزاحمان ولا يتمكّن المكلّف من امتثالهما ، وحيث إن وجوب الصلاة مع الطّهارة أهم من حرمة التصرّف في المغصوب ، لأن الصلاة عمود الدين ولا تترك بحال ، كما هو الحال في غير ذلك من المقامات ، إذ الأمر إذا دار بين الصلاة والغصب فلم يتمكن من إتيانها وترك الغصب كما إذا حبس في مكان مغصوب فلا محالة يتقدّم الأمر بالصلاة لأهميّتها ، فلا مناص من تقديم الأمر بالصلاة وسقوط النهي عن التصرف في مال الغير.

وهذا بخلاف المسألة المتقدّمة التي حكمنا فيها بوجوب التيمم ولم نقدّم الأمر بالوضوء على حرمة التصرّف ، وذلك لأن المزاحمة في تلك المسألة إنما كانت بين الأمر بالوضوء وحرمة التصرّف في مال الغير ، وحيث إنّ الوضوء له بدل دون حرمة التصرّف فمن هنا رجّحنا حرمة التصرّف على الوضوء وقلنا بوجوب التيمّم عليه. وأمّا في المقام فالمزاحمة بين أصل الصلاة وحرمة التصرّف ، ولا بدل للصلاة ، ولمكان أهميّتها قدمناها على حرمة التصرّف كما عرفت.

وبعد ذلك كله يدور الأمر بين الاقتصار بالوضوء الناقص بغسل أطراف الجبيرة وبين التوضّؤ على نحو الجبيرة أي بالمسح عليها ، وحيث إن الوضوء الناقص لا دليل على كفايته إلاّ في الجرح المكشوف ، لأنّ مقتضى ما دلّ على غسل الأعضاء ومسحها في الوضوء وما دلّ على لزوم مسح الجبيرة وكونه بدلاً عن العضو ، جزئية الجبيرة واعتبار مسحها مطلقاً وعدم سقوطها بحال ، وعليه فيتعيّن في حقه الوضوء بطريق الجبيرة والمسح عليها ، لعدم حرمة التصرّف في الجبيرة المغصوبة حينئذ كما عرفت.

(١) وذلك لإطلاق أدلّتها وعدم تقييدها الجبيرة بشي‌ء دون شي‌ء.

١٨٠