بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

ثم مشى ابي بن خلف بعظم رميم ففته (١) في يده ثم نفخه وقال : أتزعم أن ربك يحيي هذا بعد ما ترى؟ فأنزل الله تعالى : « وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم » إلى آخر السورة. (٢)

٤ ـ يج : روي أن أعرابيا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إني اريد أن أسألك عن أشياء فلا تغضب ، قال : سل عما بدا لك فإن كان عندي أجبتك وإلا سألت جبرئيل ، فقال : أخبرنا عن الصليعاء ، وعن القريعاء ، وعن أول دم وقع على وجه الارض ، وعن خير بقاع الارض ، وعن شرها ، فقال : يا أعرابي هذا ما سمعت به ولكن يأتيني جبرئيل فأسأله ، فهبط فقال : هذه أسماء ما سمعت بها قط ، فعرج إلى السماء ثم هبط فقال : أخبر الاعرابي أن الصليعاء هي المسباخ التي يزرعها أهلها فلا تنبت شيئا ، و أما القريعاء فالارض التي يزرعها أهلها فتنبت ههنا طاقة وههنا طاقة فلا يرجع إلى أهلها نفقاتهم ، وخير بقاع الارض المساجد ، وشرها الاسواق وهي ميادين إبليس إليها يغدو ، وأن أول دم وقع على الارض مشيمة حواء حين ولدت قابيل بن آدم.

بيان : قال الجزري : في حديث علي عليه‌السلام : ( إن أعرابيا سأل النبي (ص) عن الصليعاء والقريعاء ) الصليعاء تصغير الصلعاء : الارض التي لا تنبت ، والقريعاء : أرض لعنها الله ، إذا أنبت أو زرع فيها نبت في حافيتها ولم ينبت في متنها شئ.

٥ ـ م : « هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الامر وإلى الله ترجع الامور » قال الامام : لما بهرهم (٣) رسول الله (ص) بآياته ، وقد رد معاذيرهم بمعجزاته (٤) أبى بعضهم الايمان ، واقترح عليه الاقتراحات الباطلة وهي ما قال الله تعالى : « وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا أو تكون

____________________

(١) فت الشى : كسره بالاصابع كسرا صغيرا.

(٢) امالى ابن الشيخ : ١٢.

(٣) أى غلبهم.

(٤) في المصدر : وقطع معاذيرهم بمعجزاته.

٢٨١

لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا » وسائر ما ذكر في الآية ، فقال الله تعالى : يا محمد « هل ينظرون » أي هل ينظر هؤلاء المكذبون بعد إيضاحنا لهم الآيات وقطعنا معاذيرهم بالمعجزات « إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة » ويأتيهم الملائكة كما كانوا اقترحوا (١) عليك اقتراحهم المحال في الدنيا في إتيان الله الذي لا يجوز عليه ، وإتيان الملائكة (٢) الذين لا يأتون إلا مع زوال هذا التعبد ، وحين وقوع هلاك الظالمين بظلمهم ، وهذا وقت التعبد (٣) لا وقت مجئ الاملاك بالهلاك ، فهم في اقتراحهم لمجئ الاملاك جاهلون « وقضي الامر » أي هل ينظرون إلا مجئ الملائكة ، فإذا جاؤوا وكان ذلك قضي الامر بهلاكهم « وإلى الله ترجع الامور » فهو يتولى الحكم فيما يحكم بالعقاب على من عصاه ويوجب كريم المآب لمن أرضاه.

قال علي بن الحسين عليهما‌السلام : طلب هؤلاء الكفار الآيات ولم يقنعوا بما أتاهم به منها بما فيه الكفاية والبلاغ حتى قيل لهم : « هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله » أي إذا لم يقنعوا بالحجة الواضحة الدافعة فهل ينظرون إلا أن يأتيهم الله ، وذلك محال ، لان الاتيان على الله لا يجوز. (٤)

* ٦ ـ كنز الكراجكي : جاء في الحديث أن قوما أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا له : ألست رسول الله؟ قال : لهم بلى ، قالوا له : وهذا القرآن الذي أتيت به كلام الله؟ قال : نعم ، قالوا : فأخبرني عن قوله : « إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون » إذا كان معبودهم معهم في النار فقد عبدوا المسيح ، أفتقول : إنه في النار؟ فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله سبحانه أنزل القرآن علي بكلام العرب والمتعارف في لغتها أن ( ما ) لما لا يعقل و ( من ) لمن يعقل ، و ( الذي ) يصلح لهما

____________________

(١) في المصدر : فيما كانوا اقترحوا عليك.

(٢) : لا يجوز عليه الاتيان والباطل في اتيان الملائكة اه.

(٣) : ووقتك هذا وقت التعبد.

(٤) تفسير العسكرى : ٢٦٥.

(*) هذا الرواية غير موجودة في بعض النسخ.

٢٨٢

جميعا ، فإن كنتم من العرب فأنتم تعلمون هذا ، قال الله تعالى : « إنكم وما تعبدون » يريد الاصنام التي عبدوها وهي لا تعقل ، والمسيح عليه‌السلام لا يدخل في جملتها ، فإنه يعقل ، ولو كان قال : ( إنكم ومن تعبدون ) لدخل المسيح في الجملة ، فقال القوم : صدقت يا رسول الله. (١)

( باب ٢)

* ( احتجاج النبى صلى الله عليه وآله على اليهود في مسائل شتى ) *

١ ـ م ، ج : بالاسناد إلى أبي محمد العسكري عليه‌السلام قال : قال جابر بن عبدالله الانصاري : سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عبدالله بن صوريا ـ غلام أعور يهودي تزعم اليهود أنه أعلم يهودي بكتاب الله وعلوم أنبيائه ـ عن مسائل كثيرة (٢) يعنته فيها ، فأجابه عنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما لم يجد إلى إنكار شئ منه سبيلا ، فقال له يا محمد : من يأتيك بهذه الاخبار عن الله تعالى؟ قال : جبرئيل ، قال : لو كان غيره يأتيك بها لآمنت بك ، ولكن جبرئيل عدونا من بين الملائكة ، ولو كان ميكائيل أو غيره سوى جبرئيل يأتيك بها لآمنت بك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ولم اتخذتم جبرئيل عدوا؟ قال : لانه نزل بالبلاء والشدة على بني إسرائيل ، ودفع دانيال عن قتل بخت نصر (٣) حتى قوي أمره ، وأهلك بني إسرائيل ، وكذلك كل بأس وشدة لا ينزلها إلا جبرئيل ، وميكائيل يأتينا بالرحمة.

____________________

(١) كنز الكراجكى : ص ٢٨٥.

(٢) تجد بعض مسائله في الخبر الاتى.

(٣) قال الفيروز آبادى أصل بخت بوخت ومعناه : ابن ، ونصر كبقم : صنم ، وكان وجد عند الصنم ولم يعرف له اب فنسب إليه. انتهى. قلت : هو بخت نصر أوبنو كد نصر ملك الكلدانيين تولى سنة ٦٠٧ قبل المسيح ومات سنة ٥٥١ أغار بحملاته على مصر وفتح اورشليم ونهبها وأحرق أمتعتها في ٥٨٨ وأجلى أهل يهوذا إلى بابل ، ويأتى الايعاز إلى وقائعه اجمالا في محله.

٢٨٣

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ويحك أجهلت أمر الله؟ وماذنب جبرئيل إن أطاع الله فيما يريده بكم؟ أرأيتم ملك الموت أهو عدوكم وقد وكله الله بقبض أرواح الخلق الذي أنتم منه؟ أرأيتم الآباء والامهات إذا أوجروا الاولاد الادوية (١) الكريهة لمصالحهم أيجب أن يتخذهم أولادهم أعداء من أجل ذلك؟ لا ، ولكنكم بالله جاهلون وعن حكمته غافلون ، أشهد أن جبرئيل وميكائيل بأمر الله عاملان ، وله مطيعان ، وأنه لا يعادي أحدهما إلا من عادى الآخر ، وأنه من زعم أنه يحب أحدهما ويبغض الآخر فقد كذب ، وكذلك محمد رسول الله وعلي أخوان ، كما أن جبرئيل و ميكائيل أخوان ، فمن أحبهما فهو من أولياء الله ، ومن أبغضهما فهو من أعداء الله ، و من أبغض أحدهما وزعم أنه يحب الآخر فقد كذب ، وهما منه بريئان ، وكذلك من أبغض واحدا مني ومن علي ثم زعم أنه يحب الآخر فقد كذب ، وكلانا منه بريئان والله تعالى وملائكته وخيار خلقه منه برآء. (٢)

٢ ـ م : قوله عزوجل : « قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين * من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين » قال الامام عليه‌السلام : قال الحسين (٣) ابن علي بن أبي طالب عليه‌السلام : إن الله تعالى ذم اليهود في بغضهم لجبرئيل الذي كان ينفذ قضاء الله فيهم بما يكرهون ، وذمهم أيضا وذم النواصب في بغضهم لجبرئيل وميكائيل عليهما‌السلام وملائكة الله النازلين لتأييد علي بن أبي طالب عليه‌السلام على الكافرين حتى أذلهم بسيفه الصارم ، فقال : « قل » يا محمد « من كان عدوا لجبريل » من اليهود لرفعه من بخت نصر أن يقتله دانيال من غير ذنب كان جناه بخت نصر حتى بلغ كتاب الله في اليهود أجله وحل بهم ما جرى في سابق علمه ، ومن كان أيضا عدوا لجبرئيل من سائر الكافرين ومن أعداء محمد وعلي الناصبين لان الله تعالى بعث جبرئيل لعلي عليه‌السلام مؤيدا

____________________

(١) أى جعلوا الدواء فيه.

(٢) تفسير العسكرى : ص ١٦٤ ، الاحتجاج : ص ٢٣.

(٣) في المصدر : الحسن بن على.

٢٨٤

وله على أعدائه ناصرا ، ومن كان عدوا لجبرئيل لمظاهرته محمدا وعليا عليهما الصلاة والسلام ومعاونته لهما وإنفاذه لقضاء ربه عزوجل في إهلاك أعدائه على يد من يشاء من عباده « فإنه » يعني جبرئيل « نزله » يعني نزل هذا القرآن « على قلبك » يامحمد « بإذن الله » بأمر الله ، وهو كقوله : « نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين » « مصدقا لما بين يديه » نزل هذا القرآن جبرئيل على قلبك يا محمد مصدقا موافقا لما بين يديه من التوراة والانجيل والزبور وصحف إبراهيم وكتب شيث وغيرهم من الانبياء. (١)

ثم قال : « من كان عدوا لله » لانعامه على محمد وعلي وآلهما الطيبين ، وهؤلاء الذين بلغ من جهلهم أن قالوا : نحن نبغض الله الذي أكرم محمدا وعليا بما يدعيان و جبرئيل ، ومن كان عدوا لجبريل لانه جعله ظهيرا لمحمد وعلي عليهما الصلاة و السلام على أعداء الله وظهيرا لسائر الانبياء والمرسلين كذلك « وملائكته » يعني ومن كان عدوا لملائكة الله المبعوثين لنصرة دين الله وتأييد أولياء الله ، وذلك قول بعض النصاب والمعاندين : برئت من جبرئيل الناصر لعلي عليه‌السلام وهو قوله : « ورسله » ومن كان عدوا لرسل الله موسى وعيسى وسائر الانبياء الذين دعوا إلى نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وإمامة علي عليه‌السلام ، (٢) ثم قال : « وجبريل وميكال » ومن كان (٣) عدوا لجبرئيل وميكائيل وذلك كقول من قال من النواصب لما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في علي عليه‌السلام : « جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، وإسرافيل من خلفه ، وملك الموت أمامه ، والله تعالى من فوق عرشه ناظر بالرضوان إليه ناصره » قال بعض النواصب : فأنا أبرء من الله ومن جبرئيل وميكائيل والملائكة الذين حالهم مع علي عليه‌السلام ما قاله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : من كان عدوا لهؤلاء تعصبا على علي بن أبي طالب عليه‌السلام « فإن الله عدو للكافرين » فاعل بهم ما يفعل العدو بالعدو من إحلال النقمات وتشديد العقوبات.

____________________

(١) قطع من هنا قطعة طويلة في فضيلة القرآن ولعله يخرجها في كتاب القرآن.

(٢) في المصدر هنا زيادة وهى : وذلك قول النواصب : برئنا من هؤلاء الرسل الذين دعوا إلى إمامة على.

(٣) في المصدر : أى من كان ا ه.

٢٨٥

وكان سبب نزول هاتين الآيتين ما كان من اليهود أعداء الله من قول سئ في جبرئيل وميكائيل ، (١) وما كان من أعداء الله النصاب من قول أسوأ منه في الله وفي جرئيل وميكائيل وسائر ملائكة الله ، وأما ما كان من النصاب فهو أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما كان لا يزال يقول في علي عليه‌السلام الفضائل التي خصه الله عزوجل بها والشرف الذي أهله الله تعالى له ، وكان في كل ذلك يقول : « أخبرني به جبرئيل عن الله » و يقول في بعض ذلك : « جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، ويفتخر جبرئيل على ميكائيل في أنه عن يمين علي عليه‌السلام الذي هو أفضل من اليسار ، كما يفتخر نديم ملك عظيم في الدنيا يجلسه الملك عن يمينه على النديم الآخر الذي يجلسه على يساره ويفتخران على إسرافيل الذي خلفه في الخدمة ، (٢) وملك الموت الذي أمامه بالخدمة وأن اليمين والشمال أشرف من ذلك كافتخار حاشية (٣) الملك على زيادة قرب محلهم من ملكهم » وكان يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض أحاديثه : « إن الملائكة أشرفها عند الله أشدها لعلي بن أبي طالب حبا ، وإن قسم الملائكة فيما بينها : والذي شرف عليا على جميع الورى بعد محمد المصطفى » ويقول مرة : « إن ملائكة السماوات والحجب ليشتاقون إلى رؤية علي بن أبي طالب كما تشتاق الوالدة الشفيقة إلى ولدها البار الشفيق آخر من بقي عليها بعد عشرة دفنتهم » فكان هؤلاء النصاب يقولون : إلى متى يقول محمد : جبرئيل وميكائيل والملائكة ، كل ذلك تفخيم لعلي و تعظيم لشأنه؟ ويقول : الله تعالى خاص لعلي دون سائر الخلق؟ برئنا من رب ومن ملائكة ومن جبرئيل وميكائيل هم لعلي عليه‌السلام بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله مفضلون ، وبرئنا من رسل الله الذين هم لعلي عليه‌السلام بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله مفضلون.

وأما ما قاله اليهود فهو أن اليهود أعداء الله فإنه لما قدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة أتوه بعبدالله بن صوريا ، فقال : يا محمد كيف نومك؟ فإنا قد اخبرنا عن نوم النبي الذي يأتي في آخر الزمان ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تنام عيني وقلبي يقظان ، قال : صدقت يا محمد ، قال :

____________________

(١) في المصدر : وسائر ملائكة الله.

(٢) : بالخدمة.

(٣) في هامش المصدر : خاصة ( خ ل ).

٢٨٦

أخبرني يا محمد : الولد يكون من الرجل أو من المرأة؟ فقال النبي (ص) : أما العظام و العصب والعروق فمن الرجل ، وأما اللحم والدم والشعر فمن المرأة ، قال : صدقت يا محمد ، ثم قال : يا محمد فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شئ ويشبه أخواله ليس فيه من شبه أعمامه شئ؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيهما علا ماؤه ماء صاحبه كان الشبه له ، قال : صدقت يامحمد ، فأخبرني عمن لا يولد له ومن يولد له؟ فقال : إذا مغرت النطفة (١) لم يولد له أي إذا احمرت وكدرت وإذا كانت صافية ولد له ، فقال : أخبرني عن ربك ماهو؟ فنزلت قل هو الله أحد إلى آخرها ، فقال ابن صوريا صدقت يا محمد ، بقيت خصلة إن قلتها آمنت بك واتبعتك : أي ملك يأتيك بما تقوله عن الله؟ قال : جبرئيل ، قال ابن صوريا : كان ذلك عدونا من بين الملائكة ، ينزل بالقتل والشدة والحرب ، ورسولنا ميكائيل يأتي بالسرور والرخاء ، فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك آمنا بك ، لان ميكائيل كان يشد ملكنا ، وجبرئيل كان يهلك ملكنا فهو عدونا لذلك.

فقال له سلمان الفارسي : فما بدؤ عداوته لك؟ (٢) قال : نعم يا سلمان عادانا مرارا كثيرة ، وكان من أشد ذلك علينا أن الله أنزل على أنبيائه أن بيت المقدس يخرب على يد رجل يقال له : بخت نصر وفي زمانه ، وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه ، (٣) والله يحدث الامر بعد الامر فيمحو ما يشاء ويثبت ، فلما بلغنا ذلك الحين (٤) الذي يكون فيه هلاك بيت المقدس بعث أوائلنا رجلا من أقوياء بني إسرائيل وأفاضلهم نبيا كان يعد من أنبيائهم يقال له دانيال في طلب بخت نصر ليقتلة ، فحمل معه وقر (٥) مال لينفقه في ذلك ، فلما انطلق في طلبه لقيه ببابل غلاما ضعيفا مسكينا ليس له قوة ولا منعة (٦) فأخذه

____________________

(١) مغر الثوب : صبغه بالمغرة ، وهي لون الحمرة ليس بناصع.

(٢) في المصدر : فما بدؤ عداوته لكم.

(٣) وفى نسخة : أخبرنا بالخبر الذى يخرب به.

(٤) : فلما بلغنا ذلك الخبر.

(٥) الوقر بالكسر : الحمل الثقيل.

(٦) المنعة : القوة التى تمنع من يريد أحدا بسوء.

٢٨٧

صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبرئيل ، وقال لصاحبنا : إن كان ربكم هو الذي أمر بهلاككم فإنه لا يسلطك عليه ، وإن لم يكن هذا فعلى أي شي ء تقتله؟ فصدقه صاحبنا وتركه و رجع إلينا وأخبرنا بذلك ، وقوي بخت نصر وملك وغزانا وخرب بيت المقدس ، فلهذا نتخذه عدوا ، وميكائيل عدو لجبرئيل.

فقال سلمان : ياابن صوريا بهذا العقل المسلوك به غير سبيله ضللتم ، أرأيتم أوائلكم كيف بعثوا من يقتل بخت نصر وقد أخبر الله تعالى في كتبه وعلى ألسنة رسله أنه يملك ويخرب بيت المقدس؟ أرادوا تكذيب أنبياء الله تعالى في اخبارهم واتهموهم في اخبارهم أو صدقوهم في الخبر عن الله ومع ذلك أرادوا مغالبة الله؟ هل كان هؤلاء و من وجهوه إلا كفارا بالله؟ وأي عداوة تجوز أن يعتقد لجبرئيل وهو يصد عن مغالبة الله عزوجل وينهى عن تكذيب خبر الله تعالى؟ فقال ابن صوريا : قد كان الله تعالى أخبر بذلك على ألسن أنبيائه ، لكنه يمحو ما يشاء ويثبت.

قال سلمان : فإذا لا تثقوا بشئ مما في التوراة من الاخبار عما مضى وما يستأنف فإن الله يمحو ما يشاء ويثبت ، وإذا لعل الله قد كان عزل موسى وهارون عن النبوة وأبطلا في دعوتهما لان الله يمحو ما يشاء ويثبت ، ولعل كل ما أخبراكم أنه يكون لا يكون ، وما أخبراكم أنه لا يكون يكون ، وكذلك ما أخبراكم عما كان لعله لم يكن ، وما أخبراكم أنه لم يكن لعله كان ، ولعل ما وعده من الثواب يمحوه ، ولعل ما توعد به من العقاب يمحوه فإنه يمحو ما يشاء ويثبت ، إنكم جهلتم معنى يمحو اللله ما يشاء ويثبت ، فلذلكم أنتم بالله كافرون ، ولاخباره عن الغيوب مكذبون ، وعن دين الله منسلخون.

ثم قال سلمان : فإني أشهد أن من كان عدوا لجبرئيل فإنه عدو لميكائيل ، وأنهما جميعا عدوان لمن عاداهما ، سلمان لمن سالمهما ، فأنزل الله تعالى عند ذلك موافقا لقول سلمان رحمة الله عليه : « قل من كان عدوا لجبريل » في مظاهرته لاولياء الله على أعدائه ونزوله بفضائل علي ولي الله من عند الله « فإنه نزله » فإن جبرئيل نزل هذا القرآن « على قلبك بإذن الله » وأمره « مصدقا لما بين يديه » من سائر كتب الله « وهدى » من الضلالة « وبشرى للمؤمنين » بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وولاية علي ومن بعده من الائمة بأنهم

٢٨٨

أولياء الله حقا إذا ماتوا على موالاتهم لمحمد وعلي وآلهما الطيبين. ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ياسلمان إن الله صدق قيلك ووفق رأيك (١) فإن جبرئيل عن الله يقول : يا محمد إن سلمان والمقداد أخوان متصافيان (٢) في ودادك ووداد علي أخيك ووصيك وصفيك ، وهما في أصحابك كجبرئيل وميكائيل في الملائكة (٣) عدوان لمن أبغض أحدهما ، وليان لمن والاهما ، ووالى محمدا وعليا ، عدوان لمن عادى محمدا وعليا و أولياءهما ، ولو أحب أهل الارض سلمان والمقداد كماتحبهما ملائكة السماوات و الحجب والكرسى والعرش لمحض ودادهما لمحمد وعلي وموالاتهما لاوليائهما و معاداتهما لاعدائهما لما عذب الله تعالى أحدا منهم بعذاب البتة. (٤)

بيان : قوله : ( إنكم جهلتم معنى يمحو الله ما يشاء ) لعل مراده رضوان الله عليه أن البداء إنما يكون فيما لم يخبر به الانبياء والاوصياء عليهم‌السلام على سبيل الجزم و الحتم وإلا يلزم تكذيبهم ، وهذا مما كانوا أخبروا به على الحتم ، وأيضا الامر الذي يكون فيه البداء لا يمكن رفعه بالمغالبة والمعارضة ، بل بما يتوسل به إلى جنابه تعالى من الدعاء والصدقة والتوبة وأمثالها كما مر تحقيقه في باب البداء. والله يعلم.

٣ ـ ج : عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : خرج من المدينة أربعون رجلا من اليهود قالوا : انطلقوا بنا إلى هذا الكاهن الكذاب حتى نوبخه في وجهه ونكذبه فإنه يقول : أنا رسول رب العالمين ، فكيف يكون رسولا وآدم خير منه ونوح خير منه؟ وذكروا الانبياء عليهم‌السلام ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعبدالله بن سلام : التوراة بيني وبينكم ، فرضيت اليهود بالتوراة ، فقالت اليهود : آدم خير منك لان الله تعالى خلقه بيده و نفخ فيه من روحه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : آدم النبي أبي ، وقد اعطيت أنا أفضل مما اعطي آدم ، فقالت اليهود : ما ذلك؟ قال : إن المنادي ينادي كل يوم خمس مرات :

____________________

(١) في المصدر : ووثق رأيك.

(٢) تصافى القوم : أخلص الود بعضهم لبعض.

(٣) في نسخة : وهما في اصحابكما كجبرئيل وميكائيل ، والملائكة عدوان لمن ابغض احدهما. (٤) تفسير العسكري : ١٨٢ ـ ١٨٦ ، وللحديث ذيل لم يورده في الباب.

٢٨٩

أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله ، ولم يقل : آدم رسول الله ، ولواء الحمد بيدي يوم القيامة وليس بيد آدم ، فقالت اليهود : صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة ، قال : هذه واحدة.

قالت اليهود : موسى خير منك ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ولم ذلك؟ قالوا : لان الله عزوجل كلمه بأربعة آلاف كلمة ولم يكلمك بشئ ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد اعطيت أنا أفضل من ذلك ، فقالوا : وما ذاك؟ قال : قوله تعالى : « سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله » وحملت على جناح جبرئيل حتى انتهت إلى السماء السابعة فجاوزت سدرة المنتهى عندها جنة المأوى حتى تعلقت بساق العرش ، فنوديت من ساق العرش : إني أنا الله لا إله إلا أنا السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الرؤوف الرحيم ، فرأيته بقلبي وما رأيته بعيني ، فهذا أفضل من ذلك ، فقالت اليهود : صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذان اثنان.

قالوا : نوح خير منك ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ولم ذلك؟ قالوا : لانه ركب السفينة فجرت على الجودي ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد اعطيت أنا أفضل من ذلك ، قالوا : وما ذلك؟ قال : إن الله عزوجل أعطاني نهرا في السماء مجراه تحت العرش ، عليه ألف ألف قصر ، لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، حشيشها الزعفران ، ورضراضها (١) الدر والياقوت ، وأرضها المسك الابيض ، فذلك خير لي ولامتي ، وذلك قوله تعالى : « إنا أعطيناك الكوثر » قالوا : صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة ، هذا خير من ذاك ، قال النبي صلى الله عليه وآله : هذه ثلاثة.

قالوا : إبراهيم خير منك ، قال : ولم ذلك؟ قالوا : لان الله تعالى اتخذه خليلا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن كان إبراهيم عليه‌السلام خليله فأنا حبيبه محمد ، قالوا : ولمسميت محمدا؟ قال : سماني الله محمدا ، وشق اسمي من اسمه هو المحمود وأنا محمد وامتي الحامدون (٢)

____________________

(١) الرضراض : ما صغر ودق من الحصى.

(٢) في المصدر : وامتى الحامدون على كل حال.

٢٩٠

قالت اليهود : صدقت يا محمد هذا خير من ذاك ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذه أربعة.

قالت اليهود : عيسى خير منك ، قال : ولم ذاك؟ قالوا : لان عيسى ابن مريم كان ذات يوم بعقبة بيت المقدس فجاءته الشياطين ليحملوه ، فأمر الله عزوجل جبرئيل عليه‌السلام أن أضرب بجناحك الايمن وجوه الشياطين وألقهم في النار ، فضرب بأجنحته وجوههم وألقاهم في النار ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد اعطيت أنا أفضل من ذلك ، قالوا : وما هو؟ قال : أقبلت يوم بدر من قتال المشركين وأنا جائع شديد الجوع ، فلما وردت المدينة استقبلتني امرأة يهودية وعلى رأسها جفنة ، وفي الجفنة جدي مشوي وفي كمها شئ من سكر ، فقالت : الحمد لله الذي منحك السلامة ، وأعطاك النصر والظفر على الاعداء ، وإني قد كنت نذرت الله نذرا إن أقبلت سالما غانما من غزاة بدر لاذبحن هذا الجدي ولاشوينه ولاحملنه إليك لتأكله ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فنزلت عن بغلتي الشهباء ، وضربت بيدي إلى الجدي لآكله فاستنطق الله تعالى الجدي فاستوى على أربع قوائم وقال : يامحمد لا تأكلني فإني مسموم ، قالوا : صدقت يا محمد هذا خير من ذلك ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذه خمسة.

قالوا : بقيت واحدة ثم نقوم من عندك ، قال : هاتوه ، قالوا : سليمان خير منك قال : ولم ذاك؟ قالوا : لان الله تعالى عزوجل سخر له الشياطين والانس والجن والرياح والسباع ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : فقد سخر الله لي البراق ، وهو خير من الدنيا بحذافيرها ، وهي دابة من دواب الجنة ، وجهها مثل وجه آدمي ، وحوافرها مثل حوافر الخيل ، وذنبها مثل ذنب البقر ، فوق الحمار ودون البغل ، سرجه من ياقوتة حمراء ، وركابه من درة بيضاء ، مزمومة بسبعين ألف زمام من ذهب ، عليه جناحان مكللان بالدر والجوهر والياقوت والزبرجد ، مكتوب بين عينيه : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالت اليهود : صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة هذاخير من ذاك ، يامحمد نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد أقام نوح في قومه ودعاهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، ثم وصفهم الله عزوجل فقللهم فقال : « وما آمن معه إلا قليل » ولقد تبعني في

٢٩١

سني القليل وعمري اليسير ما لم يتبع نوحا في طول عمره وكبر سنه ، وإن في الجنة عشرين ومائة صف امتي منها ثمانون صفا ، وإن الله عزوجل جعل كتابي المهيمن على كتبهم ، الناسخ لها ، ولقد جئت بتحليل ما حرموا وتحريم بعض ما أحلوا ، من ذلك أن موسى جاء بتحريم صيد الحيتان يوم السبت حتى أن الله تعالى قال لمن اعتدى منهم : (١) « كونوا قردة خاسئين » فكانوا ، ولقد جئت بتحليل صيدها حتى صار صيدها حلالا ، قال الله عزوجل : « احل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم » وجئت بتحليل الشحوم كلها وكنتم لا تأكلونها ، ثم إن الله عزوجل صلى علي في كتابه قال الله عز وجل : « إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما » ثم وصفني الله تعالى بالرأفة والرحمة وذكر في كتابه : « لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم » وأنزل الله عز وجل ألا يكلموني حتى يتصدقوا بصدقة وما كان ذلك لنبي قط ، قال الله عزوجل : « يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي ( نجويكم؟ ) صدقة » ثم وضعها عنهم بعد أن افترضها عليهم برحمته. (٢)

بيان : لعل ذكرهم لعيسى على نبينا وآله وعليه السلام كان من جانب النصارى وبزعمهم ، وإقباله صلى‌الله‌عليه‌وآله على أكل الجدي كان قبل نزول حرمة ذبائح أهل الكتاب ، أو كان لظهور المعجزة لا لقصد الاكل ، أو كان اخبر أنه ذبحه مسلم. (٣)

٤ ـ ج : عن ثوبان (٤) قال : إن يهوديا جاء إلى النبي (ص) فقال : يا محمد

____________________

(١) في المصدر : لمن اعتدى منهم في صيدها يوم السبت. ولعل « صيدها » مصحف « صيدهم ».

(٢) الاحتجاج : ص ٢٨.

(٣) أو كانت تظهر بكلماتها هذه وهديتها الاسلام.

(٤) الظاهر أنه ثوبان مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو ثوبان بن بجدد ، و قيل : ابن حجدر يكنى أبا عبدالله ، وقيل : ابو عبدالرحمن. وهو من حمرمن اليمن ، وقيل : هو من السراة موضع بين مكة واليمن ، وقيل : هو من سعد العشيرة من مذحج ، أصابه سباء فاشتراه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأعتقه ، وقال له : إن شئت ان تلحق بمن أنت منهم ، وان شئت أن تكون منا أهل البيت ، فثبت على ولاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يزل معه سفرا وحضرا إلى ان توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرج إلى الشام فنزل إلى الرملة وابتنى بهادارا ، وابتنى *

٢٩٢

أسألك فتخبرني ، فركضه ثوبان برجله وقال : قل : يارسول الله ، فقال : لا أدعوه إلا بما سماه أهله ، فقال : أرأيت قوله عزوجل : « يوم تبدل الارض غير الارض و السموات مطويات بيمينه » أين الناس يومئذ؟ فقال : في الظلمة دون المحشر ، قال : فما أول ما يأكل أهل الجنة إذا دخلوها؟ قال : كبد الحوت ، قال : فما طعامهم على أثر ذلك؟ قال : كبد الثور ، قال : فما شرابهم على أثر ذلك؟ قال : السلسبيل ، قال : صدقت يا محمد أسألك عن شئ لا يعلمه إلا نبي ، (١) قال : وما هو؟ قال : عن شبه الولد أباه وامه ، قال : ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق ، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرا بإذن الله عزوجل ومن قبل ذلك يكون الشبه ، (٢) وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل خرج الولد انثى بإذن الله عزوجل ، ومن قبل ذلك يكون الشبه. (٣) ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي نفسي بيده ما كان عندي شئ مما سألتني عنه حتى أنبأنيه الله عزوجل في مجلسي هذا. (٤)

ع : الدقاق ، عن حمزة بن القاسم العلوي ، عن علي بن الحسين البزاز ، عن إبراهيم بن موسى الفراء ، عن محمد بن ثور ، عن معمر بن يحيى ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عبدالله بن مرة ، عن ثوبان أن يهوديا جاء. الخبر ، إلا أن فيه : « كبد الحوت قال فما شرابهم ». (٥)

____________________

* بمصر دارا ، وبحمص دارا ، وتوفى بها سنة أربع وخمسين ، وشهد فتح مصر ، روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله أحاديث ذوات عدد. ترجمه بذلك ابن الاثير في اسد الغابة ج ١ ص ٢٤٩ ، وله ترجمة في غيره من كتب التراجم ، وترجمه الشيخ في رجاله في أصحاب النبى صلى الله عليه وآله وسلم.

(١) في المصدر : أفلا أسألك عن شئ لا يعلمه إلا نبى؟.

(٢) في المصدر : ومن تشتبه أباه قبل ذلك يكون الشبه.

(٣) في المصدر : ومن تشبه امه قبل ذلك يكون الشبه.

(٤) الاحتجاج : ٢٩ وفيه : حتى أنبأنيه الله عزوجل في مجلسى هذا على لسان اخى جبرئيل.

(٥) علل الشرائع : ٤٣.

٢٩٣

٥ ـ لى : ماجيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن أبي الحسن علي بن الحسين البرقي ، عن عبدالله بن جبلة ، عن معاوية بن عمار ، عن الحسن بن عبدالله ، عن أبيه ، عن جده الحسن ابن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يامحمد أنت الذي تزعم أنك رسول الله وأنك الذي يوحى إليك كما اوحي إلى موسى بن عمران؟ فسكت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ساعة ثم قال : نعم أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، وأنا خاتم النبيين وإمام المتقين ورسول رب العالمين ، قالوا : إلى من؟ إلى العرب أم إلى العجم أم إلينا؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية « قل » يا محمد « ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا » قال اليهودي الذي كان أعلمهم : يا محمد إني أسألك عن عشر كلمات أعطى الله موسى بن عمران في البقعة المباركة حيث ناجاه لا يعلمها إلا نبي مرسل أو ملك مقرب ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : سلني قال : أخبرني يا محمد عن الكلمات التي اختارهن الله لابراهيم عليه‌السلام حيث بنى البيت ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ».

قال اليهودي : فبأي شئ بني هذه الكعبة مربعة؟ قال النبي (ص) : بالكلمات الاربع ، قال : لاي شئ سميت الكعبة؟ قال النبي : لانها وسط الدنيا ، قال اليهودي : أخبرني عن تفسير « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر » قال النبي (ص) علم الله عزوجل أن بني آدم يكذبون على الله فقال : « سبحان الله » تبريا مما يقولون ، (١) وأما قوله : « الحمد لله » فإنه علم أن العباد لا يؤدون شكر نعمته فحمد نفسه قبل أى يحمدوه ، (٢) وهو أول الكلام ، لولا ذلك لما أنعم الله على أحد بنعمته ، فقوله : « لا إله إلا الله » يعني وحدانيته ، لا يقبل الله الاعمال إلا بها وهي كلمة التقوى يثقل الله بها الموازين يوم القيامة ، وأما قوله : « الله أكبر » فهي كلمة أعلى الكلمات وأحبها إلى الله عزوجل ، يعني أنه ليس شئ أكبر مني ، لا تفتتح الصلاة إلا بها (٣) لكرامتها على الله وهو الاسم الاعز الاكرم ، قال اليهودي : صدقت يا محمد فما جزاء قائلها؟ قال :

____________________

(١) في العلل : براءة مما يقولون.

(٢) في هامش النسخة المقروءة على المصنف : أن يحمده العباد. ع

(٣) في العلل : ولا تصح الصلاة إلا بها.

٢٩٤

إذا قال العبد : « سبحان الله » سبح معه ما دون العرش فيعطى قائلها عشر أمثالها ، وإذا قال : « الحمد لله » أنعم الله عليه بنعيم الدنيا موصولا بنعيم الآخرة ، (١) وهي الكلمة التي يقولها أهل الجنة إذا دخلوها ، وينقطع الكلام الذي يقولون في الدنيا ما خلا « الحمد لله » وذلك قوله عزوجل : « دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر ( دعويهم؟ ) أن الحمد لله رب العالمين » وأما قوله : « لا إله إلا الله » فالجنة جزاؤه (٢) وذلك قوله عزوجل : « هل جزاء الاحسان إلا الاحسان » يقول : هل جزاء من قال : لا إله إلا الله إلا الجنة؟. (٣)

فقال اليهودي : صدقت يا محمد ، قد أخبرت واحدة فتأذن لي أن أسألك الثانية. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : سلني عما شئت ، وجبرئيل عن يمين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وميكائيل عن يساره يلقنانه.

فقال اليهودي : لاي شئ سميت محمدا وأحمد وأبا القاسم وبشيرا ونذيرا و داعيا؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما محمد فإني محمود في الارض ، وأما أحمد فإني محمود في السماء ، وأما أبوالقاسم فإن الله عزوجل يقسم يوم القيامة قسمة النار ، فمن كفر بي من الاولين والآخرين ففي النار ، ويقسم قسمة الجنة ، فمن آمن بي وأقر بنبوتي ففي الجنة ، وأما الداعي فإني أدعو الناس إلى دين ربي ، وأما النذير فإني انذر بالنار من عصاني ، وأما البشير فإني ابشر بالجنة من أطاعني.

قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن الله لاي شئ وقت هذه الخمس الصلوات في خمس مواقيت على امتك في ساعات الليل والنهار؟ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الشمس عند الزوال لها حلقة تدخل فيها ، فإذا دخلت فيها زالت الشمس فيسبح كل شئ دون العرش لوجه ربي ، (٤) وهي الساعة التي يصلي علي فيها ربي ، ففرض الله عزوجل

____________________

(١) في العلل بنعم الاخرة وفى ما قبله : بنعم الدنيا.

(٢) في العلل : فثمنها الجنة.

(٣) ذكر في هامش نسخة هنا زيادة عن الاختصاص وهى هذا : وأما قوله : الله أكبر فهى أكبر درجات في الجنة وأعلاها منزلة عند الله.

(٤) في العلل : بحمد ربى.

٢٩٥

علي وعلى امتي فيها الصلاة ، وقال : « أقم الصلوة لدلوك الشمس إلى غسق الليل » وهي الساعة التي يؤتى فيها بجهنم يوم القيامة ، فما من مؤمن يوفق تلك الساعة أن يكون ساجدا أو راكعا أو قائما إلا حرم الله عزوجل جسده على النار ، وأما صلاة العصر فهي الساعة التي أكل فيها آدم من الشجرة فأخرجه الله تعالى من الجنة فأمر الله ذريته بهذه الصلاة إلى يوم القيامة ، واختارها لامتي ، فهي من أحب الصلوات إلى الله عزوجل ، وأوصاني أن أحفظها من بين الصلوات ، وأما صلاة المغرب فهي الساعة التي تاب الله فيها على آدم عليه‌السلام ، وكان بين ما أكل من الشجرة وبين ما تاب الله تعالى فيها عليه ثلاث مائة سنة من أيام الدنيا ، وفي أيام الآخرة يوم كألف سنة من وقت صلاة العصر إلى العشاء ، (١) فصلى آدم ثلاث ركعات : ركعة لخطيئته ، وركعة لخطيئة حواء ، وركعة لتوبته ، فافترض الله عزوجل هذه الثلاث الركعات على امتي ، وهي الساعة التي يستجاب فيها الدعاء ، فوعدني ربي أن يستجيب لمن دعاه فيها ، وهذه الصلوات التي أمرني بها ربي عزوجل فقال : (٢) « سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون » ، وأما صلاة العشاء الآخرة فإن للقبر ظلمة ، وليوم القيامة ظلمة ، أمرني الله وامتي بهذه الصلاة في ذلك الوقت لتنور لهم القبور وليعطوا النور (٣) على الصراط ، وما من قدم مشت إلى صلاة العتمة إلا حرم الله تعالى جسدها على النار ، وهي الصلاة التي اختارها الله للمرسلين قبلي ، وأما صلاة الفجر فإن الشمس إذا طلعت تطلع على قرني الشيطان (٤) فأمرني الله عزوجل أن اصلي صلاة الفجر (٥) قبل طلوع الشمس وقبل أن يسجد لها الكافر فتسجد امتي لله ، وسرعتها أحب إلى الله ، وهي الصلاة التي تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار.

____________________

(١) في العلل : ما بين العصر والعشاء.

(٢) : في قوله : سبحان الله.

(٣) : وليعطينى وامتى النور اه.

(٤) : على قرنى شيطان.

(٥) : صلاة الغداة.

٢٩٦

قال : صدقت يا محمد فأخبرني لاي شئ توضأ (١) هذه الجوارح الاربع وهي أنظف المواضع في الجسد؟ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لما أن وسوس الشيطان إلى آدم ودنا آدم من الشجرة ونظر إليها ذهب ماء وجهه ، ثم قام وهو أول قدم (٢) مشت إلى الخطيئة ، ثم تناول بيده ، ثم مسها ، فأكل منها (٣) فطار الحلي والحلل عن جسده ، ثم وضع يده على ام رأسه وبكى ، فلما تاب الله عزوجل عليه فرض الله عزوجل عليه وعلى ذريته الوضوء على هذه الجوارح الاربع ، (٤) وأمره أن يغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة ، وأمره بغسل الساعدين إلى المرفقين (٥) لما تناول منها ، وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على رأسه ، (٦) وأمره بمسح القدمين لما مشى إلى الخطيئة (٧) ثم سن على امتي المضمضة لتنقى القلب من الحرام ، والاستنشاق لتحرم عليهم رائحة النار ونتنها.

قال اليهودي : صدقت يا محمد فما جزاء عاملها؟ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أول ما يمس الماء يتباعد عنه الشيطان ، وإذا تمضمض نور الله قلبه ولسانه بالحكمة ، فإذا استنشق أمنه الله من النار ورزقه رائحة الجنة ، فإذا غسل وجهه بيض الله وجهه يوم تبيض فيه وجوه وتسود فيه وجوه ، وإذا غسل ساعديه حرم الله عليه أغلال النار ، وإذا مسح رأسه مسح الله عنه سيئاته ، وإذا مسح قدميه أجازه الله على الصراط يوم تزل فيه الاقدام.

قال : صدقت يا محمد فأخبرني عن الخامسة : لاي شئ أمر الله بالاغتسال من الجنابة (٨) ولم يأمر من البول والغايط؟ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن آدم لما أكل من

____________________

(١) ذكره الصدوق أيضا في علل الشرائع : ص ١٠٣.

(٢) في العلل : ثم قام ومشى اليها وهى أول قدم اه.

(٣) في العلل : ثم تناول بيده منها مما عليها فأكل فطار الحلى اه.

(٤) في العلل : غسل هذه الجوارح الاربع.

(٥) في العلل بغسل اليدين إلى المرفقين.

(٦) في العلل : على ام رأسه.

(٧) في العلل : لما مشى بها إلى الخطيئة.

(٨) أورده الصدوق أيضا في علل الشرائع : ص ١٠٤ إلى قوله : منهما الوضوء.

٢٩٧

الشجرة دب ذلك في عروقه وشعره وبشره ، فإذا جامع الرجل أهله خرج الماء من كل عرق وشعرة ، فأوجب الله الاغتسال من الجنابة إلى يوم القيامة ، و البول يخرج من فضلة الشراب الذي يشربه الانسان ، والغايط يخرج من فضلة الطعام الذي يأكله ، فعليهم منهما الوضوء.

قال اليهودي : صدقت يا محمد ، فأخبرني ما جزاء من اغتسل من الحلال؟ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن المؤمن إذا جامع أهله بسط سبعون ألف ملك جناحه وتنزل الرحمة فإذا اغتسل بنى الله له بكل قطرة بيتا في الجنة ، وهو سر فيما بين الله وبين خلقه ، يعني الاغتسال من الجنابة.

قال اليهودي صدقت يا محمد ، فأخبرني عن السادس : عن خمسة أشياء مكتوبات في التوراة أمر الله بني إسرائيل أن يقتدوا بموسى فيها من بعده. قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : فأنشدتك بالله إن أنا أخبرتك تقر لي؟ قال اليهودي : نعم يا محمد.

قال : فقال : النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أول ما في التوراة مكتوب : محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهي بالعبرانية « طاب » ثم تلا رسول الله (ص) هذه الآية : « يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل » « ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد » وفي السطر الثاني اسم وصيي علي بن أبي طالب ، والثالث والرابع سبطي : الحسن والحسين ، وفي السطر الخامس امهما فاطمة سيدة نساء العالمين صلوات الله عليها وفي التوراة اسم وصيي « إليا » واسم السبطين « شبر وشبير » وهما نورا فاطمة عليهم‌السلام.

قال اليهودي : صدقت يا محمد فأخبرني عن فضلكم أهل البيت. قال النبي (ص) لي فضل على النبيين ، فما من نبي إلا دعا على قومه بدعوة وأنا أخرت دعوتي لامتي لاشفع لهم يوم القيامة ، وأما فضل أهل بيتي وذريتي على غيرهم كفضل الماء على كل شئ ، وبه حياة كل شئ ، وحب أهل بيتي وذريتي استكمال الدين ، وتلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية : « اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا » إلى آخر الآية.

قال اليهودي : صدقت يا محمد فأخبرني بالسابع : ما فضل الرجال على النساء؟

٢٩٨

قال النبي (ص) : كفضل السماء على الارض ، وكفضل الماء على الارض ، فبالماء يحيى الارض ، وبالرجال تحيى النساء ، لولا الرجال ما خلق النساء لقول الله عزوجل : « الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض (١) ».

قال اليهودي : لاي شئ كان هكذا؟ قال النبي (ص) : خلق الله عزوجل آدم من طين ، ومن فضلته وبقيته خلقت حواء وأول من أطاع النساء آدم ، فأنزله الله من الجنة ، وقد بين فضل الرجال على النساء في الدنيا ، ألا ترى إلى النساء كيف يحضن ولا يمكنهن العبادة من القذارة ، والرجال لا يصيبهم شئ من الطمث. (٢)

قال اليهودي : صدقت يا محمد ، فأخبرني لاي شئ فرض الله عزوجل الصوم على امتك بالنهار ثلاثين يوما ، وفرض على الامم أكثر من ذلك؟ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن آدم لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما ، وفرض ( ففرض خ ل ) الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش ، والذي يأكلونه بالليل تفضل من الله عزوجل عليهم ، وكذلك كان على آدم ، ففرض الله على امتي ذلك ، ثم تلا رسول الله (ص) : هذه الآية : « كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون * أياما معدودات ». قال اليهودي : صدقت يا محمد ، فما جزاء من صامها؟ فقال النبي (ص) : ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا إلا أوجب الله له سبع خصال :

أولها : يذوب الحرام في جسده. والثانية : يقرب من رحمة الله. والثالثة : يكون قد كفر خطيئة أبيه آدم. والرابعة : يهون الله عليه سكرات الموت. والخامسة : أمان من الجوع والعطش يوم القيامة. والسادسة : يعطيه الله براءة من النار. والسابعة : يطعمه الله من ثمرات الجنة. (٣)

قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن التاسعة : لاي شئ أمر الله بالوقوف بعرفات بعد العصر؟ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن العصر هي الساعة التي عصى فيها آدم ربه ، وفرض

____________________

(١) زاد في علل الشرائع : « وبما انفقوا من أموالهم ».

(٢) رواه الصدوق في العلل : ص ١٧٤ من قوله : ما فضل الرجال على النساء.

(٣) : ص ١٣٢ الا أنه قال : يذوب الحرام من جسده. وقال : ويطعمه من طيبات الجنة.

٢٩٩

الله عزوجل على امتي الوقوف والتضرع والدعاء في أحب المواضع إليه ، وتكفل لهم بالجنة والساعة التي ينصرف فيها الناس هي الساعة التي تلقى فيها آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم ، ثم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا إن لله بابا في السماء الدنيا يقال له باب الرحمة ، وباب التوبة ، وباب الحاجات ، وباب التفضل ، وباب الاحسان ، وباب الجود ، وباب الكرم ، وباب العفو ، ولا يجتمع بعرفات أحد إلا استأهل من الله في ذلك الوقت هذه الخصال ، وإن لله عزوجل مائة ألف ملك مع كل ملك مائة وعشرون ألف ملك ولله رحمة على أهل عرفات ينزلها على أهل عرفات ، فإذا انصرفوا أشهد الله (١) ملائكته بعتق أهل عرفات من النار ، وأوجب الله عزوجل لهم الجنة ، ونادى مناد : انصرفوا مغفورين ، فقد أرضيتموني ورضيت عنكم. قال اليهودي : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن العاشرة : عن سبع خصال (٢) أعطاك الله تعالى من بين النبيين ، وأعطى امتك من بين الامم. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعطاني الله عزوجل فاتحة الكتاب ، والاذان ، (٣) والجماعة في المسجد ، ويوم الجمعة والاجهار في ثلاث صلوات ، والرخص لامتي (٤) عند الامراض والسفر ، والصلاة على الجنائز ، والشفاعة لاصحاب الكبائر من امتي ، قال اليهودي : صدقت يا محمد ، فما جزاء من قرء فاتحة الكتاب.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأ فاتحة الكتاب أعطاه الله بعدد كل آية انزلت من السماء فيجزى بها ثوابها. (٥)

وأما الاذان فإنه يحشر المؤذنون من امتي مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

____________________

(١) في هامش نسخة : ولله مائة رحمة ينزلها على أهل عرفات ، فاذا انصرفوا أشهد الله تلك الملائكة ، ختص.

(٢) في هامش نسخة : عن تسع خصال. ختص.

(٣) زاد : والاقامة. قلت : فعلى نسخة الاختصاص يعد يوم الجمعة خامسا.

(٤) في الخصال : والرخصة لامتى.

(٥) في الخصال : بعدد كل آية نزلت من السماء ثواب تلاوتها.

٣٠٠