بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

أي من حجة. قوله : « فبأي آلاء ربك تتمارى » أي بأي سلطان تخاصم « هذا نذير » يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « من النذر الاولى أفمن هذا الحديث تعجبون » يعني ما قد تقدم ذكره من الاخبار « وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون » أي لاهون. (١)

بيان : هوى يكون بمعنى هبط وبمعنى صعد.

١٤٠ ـ فس : قوله : « واتبعوا أهواءهم » أي كانوا يعملون برأيهم ويكذبون أنبياءهم. قوله : « ما فيه مزدجر » أي متعظ. قوله : « ولقد أهلكنا أشياعكم » أي أتباعكم في عبادة الاصنام. قوله « وكل شئ فعلوه في الزبر » أي مكتوب في الكتب « وكل صغير وكبير » يعنى من ذنب « مستطر » أي مكتوب. (٢)

١٤١ ـ فس : قوله : « أفرأيتم ما تمنون » يعني النطفة. قوله : « من المزن » قال : من السحاب. قوله : « أفرأيتم النار التي تورون » أي توقدونها وتنتفعون بها. قوله : « للمقوين » أي للمحتاجين. قوله : « فلا اقسم بمواقع النجوم » أي فاقسم.

حدثنا محمد بن أحمد بن ثابت ، عن الحسن بن محمد بن سماعة وأحمد بن الحسن القزاز جميعا ، عن صالح بن خالد ، عن ثابت بن شريح ، عن أبان بن تغلب ، عن عبدالاعلى الثعلبي ـ ولا أراني إلا وقد سمعته من عبدالاعلى ـ قال : حدثني أبوعبد الرحمن السلمي (٣) أن عليا عليه‌السلام قرأ بهم الواقعة : « وتجعلون شكركم أنكم تكذبون » فلما انصرف قال : إني عرفت أنه سيقول قائل : لم قرءها هكذا؟ قرأتها إني سمعت (٤) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرؤها كذلك.

وكانوا إذا مطروا قالوا : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فأنزل الله : « وتجعلون شكركم أنكم تكذبون ».

وحدثنا علي بن الحسين ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قوله : « وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون » قال :

____________________

(١) تفسير القمى : ٦٥٠ ـ ٦٥٦.

(٢) : ٦٥٧ ـ ٦٥٨.

(٣) هو عبدالله بن حبيب بن ربيعة السلمى الكوفى المقرى ولابيه صحبة مات بعد السبعين. (٤) كذا فيما عندنا من النسخ ، وفى المصدر : سيقول قائل من قرءها هكذا؟ قرأتها إنى سمعت اه.

٢٤١

بل هي : « وتجعلون شكركم أنكم تكذبون ». (١)

بيان : قال الطبرسي رحمه‌الله : قرأ علي عليه‌السلام وابن عباس وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « وتجعلون شكركم ». (٢)

١٤٢ ـ فس : قوله « ألم يأن » يعني ألم يجب « أن تخشع قلوبهم » يعني الرهب. قوله : « يؤتكم كفلين من رحمته » قال : نصيبين من رحمته : أحدهما أن لا يدخله النار ، والثانية أن يدخله الجنة. قوله : « ويجعل لكم نورا تمشون به » يعني الايمان.

أخبرنا الحسين بن علي ، عن أبيه ، عن الحسن بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قوله : « يوتكم كفلين من رحمته » قال : الحسن والحسين صلوات الله عليهما « ويجعل لكم نورا تمشون به » قال : إماما تأتمون به. (٣)

١٤٣ ـ فس : قوله : « ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم » قال : نزلت في الثاني ، لانه مر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو جالس عند رجل من اليهود يكتب خبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأنزل الله جل ثناؤه : « ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منك ولا منهم » فجاء الثاني إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رأيتك تكتب عن اليهود وقد نهى الله عن ذلك ، فقال : يا رسول الله كتبت عنه ما في التوراة من صفتك ، وأقبل يقرء ذلك على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو غضبان ، فقال له رجل من الانصار : ويلك أما ترى غضب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليك؟فقال : أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، إني إنما كتبت ذلك لما وجدت فيه من خبرك ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا فلان لو أن موسى ابن عمران فيهم قائما ثم أتيته رغبة عما جئت به لكنت كافرا بما جئت به. (٤)

١٤٤ ـ فس : قوله : « هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم » قال : الاميون الذين ليس معهم كتاب.

____________________

(١) تفسير القمى : ٦٦٣.

(٢) مجمع البيان ٩ : ٢٢٤.

(٣) : ٦٦٥ و ٦٦٧.

(٤) تفسير القمى : ٦٧٠.

٢٤٢

قال : فحدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قوله تعالى : « هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم » قال : كانوا يكتبون ولكن لم يكن معهم كتاب من عند الله ولا بعث إليهم رسولا فنسبهم إلى الاميين. قوله : « فتمنوا الموت إن كنتم صادقين » قال : إن في التوراة مكتوبا : أولياء الله يتمنون الموت. (١)

١٤٥ ـ فس : علي بن الحسين ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن أبي خالد الكابلي قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قوله : « فآمنوا بالله و رسوله والنور الذي أنزلنا » قال : يا أبا خالد النور والله الائمة من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يوم القيامة ، هم والله نور الله الذي أنزل ، الخبر. قوله : « قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا » قال : الذكر اسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقالوا : نحن أهل الذكر. قوله : « ذلولا » أي فراشا « فامشوا في مناكبها » أي في أطرافها. (٢)

١٤٦ ـ فس : قوله : « ن والقلم وما يسطرون » أي ما يكتبون ، هو قسم وجوابه : « ما أنت بنعمة ربك بمجنون » قوله : « وإن لك لاجرا غير ممنون » أي لا يمن عليك فيما يعطيك من عظيم الثواب. (٣) قوله : « ولو تقول علينا بعض الاقاويل » يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « لاخذنا منه باليمين » قال : انتقمنا منه بقوة « ثم لقطعنا منه الوتين » قال : عرق في الظهر يكون منه الولد ، قال : « فما منكم من أحد عنه حاجزين » يعني لا يحجز الله أحد ولا يمنعه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . (٤)

قوله : « وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا » قال : كان قوم مؤمنون قبل نوح ـ على نبينا وآله وعليه السلام ـ فماتوا فحزن عليهم الناس ، فجاء إبليس فاتخذ لهم صورهم ليأنسوا بها ، فأنسوا بها ، فلما جاءهم الشتاء أدخلوهم البيوت فمضى ذلك القرن

____________________

(١) تفسير القمى : ٦٧٧ و ٦٧٨.

(٢) : ٦٨٣ و ٦٨٦ و ٦٨٩.

(٣) : ٦٩٠ ، وفيه : لا نمن عليك فيما نعطيك اه.

(٤) : ٦٩٥.

٢٤٣

وجاء القرن الآخر فجاءهم إبليس فقال لهم : إن هؤلاء آلهة كانوا آباؤكم يعبدونها فعبدوهم وضل منهم بشر كثير ، فدعا عليهم نوح فأهلكهم الله. قوله : « ولاتذرن ودا ولا سواعا » قال : كانت ود صنما لكلب ، وكانت سواع لهذيل ، ويغوث لمراد ، ويعوق لهمدان ، ونسر لحصين.

قوله : « قل إني لن يجيرني من الله أحد » إن كتمت ما امرت به « ولن أجد من دونه ملتحدا » يعني مأوى « إلا بلاغا من الله » ابلغكم ما أمرني الله به من ولاية علي عليه‌السلام « ومن يعص الله ورسوله » في ولاية علي عليه‌السلام « فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ». (١)

١٤٧ ـ فس : « يا أيها المدثر » قال : تدثر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالمدثر يعني المتدثر بثوبه (٢) « قم فأنذر » قال : هو قيامه في الرجعة ينذر فيها. قوله : « وثيابك فطهر » قال : تطهيرها : تشميرها ، ويقال : شيعتنا يطهرون (٣) « والرجز فاهجر » الرجز : الخبيث. وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : « ولا تمنن تستكثر » لا تعطي العطية تلتمس أكثر منها. (٤)

بيان : قوله : ويقال : شيعتنا يطهرون لعل المعنى أن الثياب كناية عن الشيعة ، فأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله بتطهيرهم عن الذنوب والاخلاق الذميمة ، كما قالوا عليهم‌السلام شيعتهم في مواطن : أنتم الشعار دون الدثار.

١٤٨ ـ فس : قوله : « ذرني ومن خلقت وحيدا » فإنها نزلت في الوليد بن المغيرة وكان شيخا كبيرا مجربا من دهاة العرب وكان من المستهزئين برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) تفسير القمى : ٦٧٩ و ٦٩٩.

(٢) في طبعة من المصدر : يعنى المتزر بثوبه.

(٣) لعله كلام مستأنف أورده للتمثيل على استعمال التطهير بمعنى التشمير أى ومنه : شيعتنا يطهرون ، أى يقصرون الثياب ولا يسبلونها خيلاء. وقد وردت روايات كثيرة في الامر بتطهير الثياب وفسر بالتقصير والتشمير والنهى عن اسبالها خيلاء.

(٤) تفسير القمى : ٧٠٢.

٢٤٤

وكان رسول الله (ص) يقعد في الحجر ويقرء القرآن ، فاجتمت قريش إلى الوليد بن المغيرة فقالوا : يا أبا عبدشمس ما هذا الذي يقول محمد؟ شعر أم كهانة أم خطب؟ فقال : دعوني أسمع كلامه ، فدنا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد أنشدني من شعرك ، قال : ما هو شعر ولكنه كلام الله الذي ارتضاه الملائكة وأنبياؤه ورسله ، فقال : اتل علي منه شيئا ، فقرأ عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حم السجدة ، فلما بلغ قوله : « فإن أعرضوا » يا محمد قريش « فقل » لهم « أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود » قال : فاقشعر الوليد وقامت كل شعرة في رأسه ولحيته ، ومر إلى بيته ولم يرجع إلى قريش من ذلك فمشوا إلى أبي جهل فقالوا : يا أبا الحكم إن أبا عبدشمس صبأ إلى دين محمد (١) أما تراه لم يرجع إلينا؟ فعدا أبوجهل إلى الوليد فقال له : يا عم نكست رؤوسنا وفضحتنا ، و أشمت بنا عدونا ، وصبوت إلى دين محمد ، قال : ما صبوت إلى دينه ، ولكني سمعت كلاما صعبا تقشعر منه الجلود! فقال له أبوجهل : أخطب هي ( هو خ ل )؟ قال : لا ، إن الخطب كلام متصل ، وهذا كلام منثور ولا يشبه بعضه بعضا ، قال : فشعر هو؟ قال : لا ، أما أني قد سمعت أشعار العرب بسيطها ومديدها ورملها ورجزها وما هو بشعر ، قالوا : فما هو؟ قال : دعني افكر فيه ، فلما كان من الغد قالوا له : يا أبا عبدشمس ما تقول فيما قلناه؟ قال : قولوا : هو سحر فإنه أخذ بقلوب الناس ، فأنزل الله على رسوله في ذلك : « ذرني ومن خلقت وحيدا » وإنما سمي وحيدا لانه قال لقريش : أنا أوحد بكسوة البيت سنة وعليكم في جماعكتم سنة ، وكان له مال كثير وحدائق ، و كان له عشر بنين بمكة ، وكان له عشر عبيد عند كل عبد ألف دينار يتجر بها ، وتلك القنطار في ذلك الزمان ، ويقال : إن القنطار جلد ثور مملوء ذهبا ، فأنزل الله : « ذرني ومن خلقت وحيدا » إلى قوله : « صعودا » قال : جبل يسمى صعودا ( الصعود خ ل ) « إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر » يعني قدره ، كيف سواه وعدله « ثم نظر ثم عبس وبسر » قال : عبس وجهه وبسر ، قال لوى شدقه (٢) « ثم أدبر واستكبر فقال إن

____________________

(١) أى خرج من ديننا إلى دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٢) الشدق بالكسر والفتح : زاوية الفم من باطن الخدين ، يقال : لوى شدقه لمن توسع في الكلام من غير احتياط واحتراز ولمن استهزأ بالناس.

٢٤٥

هذا إلا سحر يؤثر » إلى قوله : « سقر » واد في النار. قوله : « فرت من قسورة » يعني من الاسد.

وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : « بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة » وذلك أنهم قالوا : يامحمد قد بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل كان يذنب الذنب فيصبح وذنبه مكتوب عند رأسه وكفارته ، فنزل جبرئيل على نبي الله (ص) وقال : يسألك قومك سنة بني إسرائيل في الذنوب ، فإن شاؤوا ( شئنا خ ل ) فعلنا ذلك بهم وأخذناهم بما كنا نأخذ به بني إسرائيل ، فزعموا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كره ذلك لقومه. (١)

١٤٩ ـ فس : « إن علينا جمعه وقرآنه » قال : على آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع القرآن قراءته ( وقرآنه خ ل ) « فإذا قرأناه فاتبع قرآنه » قال : يعني اتبعوا ماذا قرؤوه « ثم إن علينا بيانه » أي تفسيره. (٢) قوله : « وشددنا أسرهم » يعني خلقهم. قال الشاعر :

وضامرة شد المليك أسرها

أسفلها وظهرها وبطنها (٣)

قال : الضامرة يعني فرسه ، شد المليك أسرها أي خلقها ( تكاد مادتها ) قال : عنقها ( تكون شطرها ) أي نصفها.

بيان : قوله : ( تكاد مادتها تكون شطرها ) مصراع آخر لم يورده أولا ، فذكره عند التفسير ، وفي بعض النسخ هذا المصراع مذكور بين المصراعين ، والمادة بمعنى العنق لم نجد في اللغة ، والظاهر أنه كان ( هاديها ) والهادي : العنق ، فيستقيم الوزن والمعنى.

١٥٠ ـ فس : « ألم نخلقكم من ماء مهين » قال : منتن « فجعلناه في قرار مكين » قال : في الرحم. قوله : « ألم نجعل الارض كفاتا أحياء وأمواتا » قال : الكفات :

____________________

(١) تفسير القمى : ٧٠٢ ـ ٧٠٥.

(٢) تفسير القمى : ٧٠٥.

(٣) في المصدر المطبوع : وضامرة شد المليك أسرها * تكاد ماذنها * اسفلها وظهرها وبطنها وفى طبعة : تكاد مادتها.

٢٤٦

المساكن ، وقال : نظر أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجوعه من صفين إلى المقابر فقال : هذه كفات الاموات ، أي مساكنهم ، ثم نظر إلى بيوت الكوفة فقال : هذه كفات الاحياء ، ثم تلا قوله : « ألم نجعل الارض كفاتا أحياء وأمواتا ». قوله : « وجعلنا فيها رواسي شامخات » قال : جبالا مرتفعة « وأسقيناكم ماء فراتا » أي عذبا ، وكل عذب من الماء هو الفرات. (١)

١٥١ ـ فس : قوله تعالى : « ألم نجعل الارض مهادا » قال : يمهد فيها الانسان ويهدء (٢) « والجبال أوتادا » أي أوتاد الارض « وجعلنا الليل لباسا » قال : يلبس على النهار « وجعلنا سراجا وهاجا » قال : الشمس المضيئة « وأنزلنا من المعصرات » قال : من السحاب « ماء ثجاجا » قال : صبا على صب. قوله : « وجنات ألفافا » قال : بساطين ملتفة الشجر. (٣)

١٥٢ ـ فس : قوله : « وأغطش ليلها » أي أظلم « وأخرج ضحيها؟ » أي الشمس « والارض بعد ذلك ( دحيها؟ ) » أي بسطها « والجبال ( أرسيها؟ ) » أي أثبتها. (٤)

قوله : « قضبا » قال : القضب : القت (٥) « وحدائق غلبا » أي بساطين ملتفة مجتمعة « وفاكهة وأبا » قال : الاب : الحشيش للبهائم.

حدثنا سعيد بن محمد ، عن بكر بن سهل : عن عبدالغني بن سعيد ، عن موسى ابن عبدالرحمن ، عن مقاتل بن سليمان ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : « متاعا لكم ولانعامكم » يريد منافع لكم ولانعامكم. (٦)

١٥٣ ـ فس : فلا اقسم « أي اقسم » بالخنس « وهو اسم النجوم » الجوار الكنس

____________________

(١) تفسير القمى : ٧٠٨.

(٢) أى يسكن ، ويهدء بالمكان : يقيم بها.

(٣) تفسير القمى : ٧٠٩.

(٤) تفسير القمى : ٧١٠.

(٥) القت : الفصفصة « نبات تعلفه الدواب » أو اليابسة منها. حب برى يأكله أهل البادية بعد دقه وطبخه. ولعله المراد هنا.

(٦) تفسير القمى : ٧١٢.

٢٤٧

قال : النجوم تكنس (١) بالنهار فلا تبين « والليل إذا عسعس » قال : إذا أظلم « والصبح إذا تنفس » قال : إذا ارتفع ، وهذا كله قسم وجوابه « إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين » يعني ذا منزلة عظيمة عند الله مكين « مطاع ثم أمين » فهذا ما فضل الله به نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يعط أحدا من الانبياء مثله.

حدثنا جعفر بن أحمد ، عن عبيدالله بن موسى ، عن ابن البطائني ، عن أبيه ، عن أبي البصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قوله : « ذي قوة عند ذي العرش مكين » قال : يعني جبرائيل ، قلت : قوله : « مطاع ثم أمين »؟ قال : يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو المطاع عند ربه الامين يوم القيامة ، قلت : قوله : « وما صاحبكم بمجنون »؟ قال : يعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما هو بمجنون في نصبه أمير المؤمنين عليه‌السلام علما للناس ، قلت : قوله : « وما هو على الغيب بضنين »؟ قال : وما هو تبارك وتعالى على نبيه بغيبه بضنين عليه ، قلت : « وما هو بقول شيطان رجيم »؟ قال : يعني الكهنة الذين كانوا في قريش ، فنسب كلامهم إلى كلام الشياطين الذين كانوا معهم يتكلمون على ألسنتهم ، فقال : « وما هو بقول شيطان رجيم » مثل اولئك ، قلت : قوله : « فأين تذهبون إن هو إلا ذكر للعالمين »؟ قال : أين تذهبون في علي عليه‌السلام يعني ولايته ، أين تفرون منها؟ إن هو إ ذكر للعالمين لمن أخذ الله ميثاقه على ولايته ، قلت : قوله : « لمن شاء منكم أن يستقيم »؟ قال : أن يستقيم في طاعة علي عليه‌السلام والائمة من بعده ، قلت : قوله : « وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين »؟ قال : لان المشية إليه تبارك وتعالى لا إلى الناس. (٢)

١٥٤ ـ فس : قوله : « فسواك فعدلك » أي ليس فيك اعوجاج « في أي صورة ما شاء ركبك » قال : لو شاء ركبك على غير هذه الصورة « كلا بل تكذبون بالدين » قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) وأمير المؤمنين عليه‌السلام « وإن عليكم لحافظين » قال : الملكان الموكلان بالانسان « كراما كاتبين » يكتبون الحسنات والسيئات.

____________________

(١) كنس الظبى : تغيب واستتر في كناسه ، أى النجوم يستتر بضوء الشمس فلا يشاهد.

(٢) تفسير القمى : ٧١٤.

(٣) في المصدر : قال : برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اه.

٢٤٨

قوله : « فلا اقسم بالشفق » أي الحمرة بعد غروب الشمس « والليل وما وسق » يقول : إذا ساق كل شئ من الخلق إلى حيث يهلكون بها « والقمر إذا اتسق » إذا اجتمع « لتركبن طبقا عن طبق » يقول : حالا بعد حال ، يقول : لتركبن سنة من كان قبلكم حذو النعل بالنعل ، والقذة بالقذة ، لا تخطؤون طريقهم ولا يخطى ، شبر بشبر ، و ذراع بذراع ، وباع بباع ، حتى أن لو كان من قبلكم دخل جحر ضب لدخلتموه ، قالوا : اليهود والنصارى تعني يا رسول الله؟ قال : فمن أعني؟ لتنقضن عرى الاسلام عروة عروة ، فيكون أول ما تنقضون من دينكم الامانة (١) وآخره الصلاة.

قال علي بن إبراهيم في قوله : « إنه ظن أن لن يحور » : بلى يرجع بعد الموت « فلا اقسم بالشفق » قسم (٢) وجوابه : « لتركبن طبقا عن طبق » أي مذهبا بعد مذهب « والله أعلم بما يوعون » أي بما يعي صدورهم « لهم أجر غير ممنون » أي لا يمن عليهم. (٣)

بيان : قوله : يقول : إذا ساق كل شئ بيان لحاصل المعنى مع رعاية الاشتقاق الكبير في اللفظ أيضا ، والهلاك مجاز عن النوم.

١٥٥ ـ فس : « والسماء ذات الرجع » قال : ذات المطر « والارض ذات الصدع » أي ذات النبات ، وهو قسم وجوابه : « إنه لقول فصل » يعني ما مضى ، (٤) أي قاطع « وما هو بالهزل » أي ليس بالسخرية « إنهم يكيدون كيدا » أي يحتالون الحيل « وأكيد كيدا » فهو من الله العذاب « فمهل الكافرين أمهلهم رويدا » قال : دعهم قليلا. (٥)

بيان : قوله : يعني ما مضى أي الضمير راجع إلى ما مضى من الآيات.

١٥٦ فس : « سبح اسم ربك الاعلى » قال : قل : سبحان ربي الاعلى « الذي

____________________

(١) في نسخة : الامامة. قلت : القذة بالضم والتشديد : ريش السهم. الباع : قدر مد اليدين. (٢) في المصدر زيادة وهى : وهو الذى يظهر بعد مغيب الشمس ، وهو قسم اه.

(٣) تفسير القمى : ٧١٥ و ٧١٨.

(٤) هكذا في المطبوع ونسخ مخطوطة ، وفى المصدر : ماض أى قاطع. وهو الصحيح فلا يحتاج إلى تكلف وبيان.

(٥) تفسير القمى : ٧٢٠.

٢٤٩

خلق فسوى والذي قدر فهدى » قال : قدر الاشياء في التقدير الاول ، (١) ثم هدى إليها من يشاء. قوله : « والذي أخرج المرعى » قال : أي النبات « فجعله » بعد إخراجه « غثاء أحوى » قال : يصير هشيما بعد بلوغه ويسود.

قوله : « سنقرؤك فلا تنسى » أي نعلمك فلا تنسى ، ثم استثنى فقال : « إلا ماشاء الله » لانه لا يؤمن النسيان ، (٢) لان الذي لا ينسى هو الله « ونيسرك لليسرى فذكر » يا محمد « إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى » بذكرك إياه ، (٣) ثم قال : « ويتجنبها » يعني ما يذكر به « الاشقى الذي يصلى النار الكبرى » قال : نار يوم القيامة « ثم لا يموت فيها ولا يحيى » يعني في النار فيكون كما قال الله : « ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ». (٤) قوله : « قد أفلح من تزكى » قال : زكاة الفطرة فإذا أخرجها قبلت صلاة العيد « وذكر اسم ربه فصلى » قال : صلاة الفطر والاضحى « إن هذا » يعني ما قد تلوته من القرآن « لفي الصحف الاولى صحف إبراهيم وموسى » حدثنا سعيد بن محمد عن بكر بن سهل ، عن عبدالغني بن سعيد ، عن موسى بن عبدالرحمن ، عن ابن جريح ، عن عطاء ، عن ابن عباس في قوله تعالى : « إنه يعلم الجهر وما يخفى » يريد ما يكون إلى يوم القيامة في قلبك ونفسك « ونيسرك » يا محمد في جميع امورك « لليسرى ».

وبهذا الاسناد عن ابن عباس في قوله : « أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت » يريد الانعام إلى قوله : « وإلى الجبال كيف نصبت » يقول عزوجل : يقدر أحد أن يخلق مثل الابل ويرفع مثل السماء وينصب مثل الجبال ويسطح مثل الارض غيري؟ ويفعل (٥) مثل هذا الفعل أحد سواي؟ قوله : « فذكر إنما أنت مذكر » أي

____________________

(١) في نسخة من الكتاب والمصدر : بالتقدير الاول.

(٢) في هامش النسخة المقروءة على المصنف وكذا المصدر زيادة وهى : النسيان اللغوى هو الترك. وفى طبعة من المصدر : لا يؤمن النسيان وهو الترك.

(٣) في طبعة من المصدر هكذا : قال : تذكرته اياه ما يتذكر به. والظاهر أنه مصحف : بذكرك اياه أو بتذكرتك اياه.

(٤) إبراهيم : ١٧.

(٥) في نسخة : أو يفعل.

٢٥٠

فعظ يا محمد إنما أنت واعظ. قال علي بن إبراهيم في قوله : « لست عليهم بمصيطر » : قال : لست بحافظ ولا كاتب عليهم.

وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : « إلا من تولى وكفر » يقول : من لم يتعظ ولم يصدقك وجحد ربوبيتي وكفر نعمتي « فيعذبه الله العذاب الاكبر » يريد العذاب الشديد الدائم « إن إلينا إيابهم » يريد مصيرهم « ثم إن علينا حسابهم » أي جزاءهم. (١)

١٥٧ ـ فس : « لا اقسم بهذا البلد » أي مكة « وأنت حل بهذا البلد » قال : كانت قريش لا يستحلون أن يظلموا أحدا في هذا البلد ويستحلون ظلمك فيه « ووالد وما ولد » قال : آدم وما ولد من الانبياء والاوصياء « لقد خلقنا الانسان في كبد » أي منتصبا ولم يخلق مثله شئ « يقول أهلكت مالا لبدا » أي مجتمعا.

وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : « يقول أهكت مالا لبدا » قال : هو عمرو بن عبدود حين عرض عليه علي بن أبي طالب عليه‌السلام الاسلام يوم الخندق و قال : فأين ما أنفقت فيكم مالا لبدا؟ وكان قد أنفق مالا في الصد عن سبيل الله ، فقتله علي عليه‌السلام.

وأخبرنا أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن إسماعيل بن عباد ، عن الحسين بن أبي يعقوب ، عن بعض أصحابه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : « أيحسب أن لن يقدر عليه أحد » يعني نعثل في قتله ابنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « يقول أهلكت مالا لبدا » يعني الذي جهز به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في جيش العسرة « أيحسب أن لم يره أحد » قال : في فساد كان في نفسه « ألم نجعل له عينين » رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « ولسانا » يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام « وشفتين » يعني الحسن والحسين « وهديناه النجدين » إلى ولايتهما « فلا اقتحم العقبة وما ( أدريك؟ ) ما العقبة » يقول : ما أعلمك ، وكل شئ في القرآن ما أدراك فهو ما أعلمك « يتيما ذا مقربة » يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمقربة :

____________________

(١) تفسير القمى : ٧٢١ و ٧٢٢ و ٧٢٣.

٢٥١

قرباه « أو مسكينا ذا متربة » يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام مترب بالعلم. (١)

بيان : نعثل هو عثمان ، قال الجوهري : نعثل اسم رجل كان طويل اللحية وكان عثمان إذا نيل منه وعيب شبه بذلك الرجل لطول لحيته. قوله : ما أعلمك لعله جعل ما للتعجب ، ويحتمل على بعد أن يكون إشارة إلى ما قيل : إن كل موضع في القرآن فيه « ما أدراك » فهو ما قد بينه الله وما كان « ما يدريك » لم يبينه. قوله : مترب بالعلم على بناء الفاعل أى مستغن ، يقال : أترب الرجل : إذا استغنى كأنه صار له من المال بقدر التراب ، ذكر الجوهري.

١٥٨ ـ فس : أحمد بن محمد الشيباني ، عن محمد بن أحمد ، عن إسحاق بن محمد ، عن محمد بن علي ، عن عثمان بن يوسف ، عن عبدالله بن كيسان ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : نزل جبرئيل عليه‌السلام على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد اقرء فقال : وما أقرء؟ قال : « اقرء باسم ربك الذي خلق » يعني خلق نورك الاقدم قبل الاشياء « خلق الانسان من علق يعني خلقك من نطفة وشق منك عليا » اقرء وربك الاكرم الذي علم بالقلم « يعني علم علي بن أبي طالب عليه‌السلام » علم الانسان ما لم يعلم « يعني علم عليا من الكتابة لك ما لم يعلم قبل ذلك.

قال علي بن إبراهيم في قوله : « اقرء باسم ربك » قال : اقرء باسم الله الرحمن الرحيم « الذي خلق خلق الانسان من علق » قال : من دم « اقرء وربك الاكرم الذي علم بالقلم » قال : علم الانسان الكتابة التي بها يتم امور الدنيا في مشارق الارض و مغاربها ، ثم قال : « كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى » قال : إن الانسان إذا استغنى يكفر ويطغى وينكر « إن إلى ربك الرجعى » قوله : « أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى » قال : كان الوليد بن المغيرة ينهى الناس عن الصلاة وأن يطاع الله ورسوله فقال الله تعالى : « أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى » قوله : « لنسفعا بالناصية » أي لنأخذه بالناصية فنلقيه في النار.

قوله : « فليدع ناديه » قال : لما مات أبوطالب عليه‌السلام فنادى أبوجهل والوليد عليهما لعائن الله : هلم فاقتلوا محمدا فقد مات الذي كان ناصره ، (٢) فقال الله : « فليدع

____________________

(١) تفسير القمى : ٧٢٥ و ٧٢٦.

(٢) في المصدر : هلموا فاقتلوا محمدا فقد مات الذى كان ينصره.

٢٥٢

ناديه سندع الزبانية » قال : كما دعا إلى قتل رسول الله (ص) نحن أيضا ندع الزبانية ثم قال : « كلا لا تطعه واسجد واقترب » أي لم يطيعوه (١) لما دعاهم إليه ، لان رسول الله (ص) أجاره مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، ولم يجسر عليه أحد. (٢)

بيان : أي لم يطيعوه على هذا التأويل لعله خبر في صورة النهي ، أي قلنا بالخطاب العام : « لا تطعه » ولم نوفقهم لذلك.

١٥٩ ـ فس : « لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب » يعنى قريشا « والمشركين منفكين » (٣) قال : هم في كفرهم « حتى تأتيهم البينة ».

وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : البينة : محمد (ص).

وقال علي بن إبراهيم في قوله : « وما تفرق الذين اوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة » قال : لما جاءهم رسول الله (ص) بالقرآن خالفوه وتفرقوا بعده.

قوله : حنفاء « أي طاهرين ». قوله : « وذلك دين القيمة » أي دين قيم قوله : « إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم » قال : أنزل الله عليهم القرآن فارتدوا وكفروا وعصوا أمير المؤمنين عليه‌السلام « اولئك هم شر البرية ». قوله : « إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية » قال : نزلت في آل محمد عليهم‌السلام. (٤)

١٦٠ ـ فس : « أرأيت الذي يكذب بالدين » قال : نزلت في أبي جهل وكفار قريش « فذلك الذي يدع اليتيم » أي يدفعه ، يعني عن حقه « ولا يحض على طعام المسكين » أي لا يرغب في إطعام المسكين. (٥)

١٦١ ـ فس : أبي ، عن ابن أبي عمير قال : سأل أبوشاكر أبا جعفر الاحول عن قول الله : « قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد

____________________

(١) في المصدر : لا يطيعون ، وفى طبعة : لا تطيعوه.

(٢) تفسير القمى : ٧٣٠ و ٧٣١.

(٣) في المصدر المطبوع في سنة ١٣١٥ : « لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين » يعنى قريشا « منفكين » قال : هم في كفرهم.

(٤) تفسير القمى : ٧٣٢.

(٥) تفسير القمى : ٧٤٠.

٢٥٣

ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد » فهل يتكلم الحكيم بمثل هذا القول ويكرره مرة بعد مرة؟ فلم يكن عند أبي جعفر الاحول في ذلك جواب ، فدخل المدينة فسأل أبا عبدالله عليه‌السلام عن ذلك ، فقال : كان سبب نزولها وتكرارها أن قريشا قالت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تعبد إلهنا (١) سنة ونعبد إلهك سنة ، وتعبد إلهنا سنة ونعبد إلهك سنة ، فأجابهم الله بمثل ما قالوا ، فقال فيما قالوا : تعبد إلهنا سنة : « قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون » وفيما قالوا : ونعبد إلهك سنة : « ولا أنتم عابدون ما أعبد » وفيما قالوا : تعبد إلهنا سنة : « ولا أنا عابد ما عبدتم » وفيما قالوا : « ونعبد إلهك سنة » ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين قال : فرجع أبوجعفر الاحول إلى أبي شاكر فأخبره بذلك ، فقال أبوشاكر : هذا حملته الابل من الحجاز. (٢)

أقول : سيأتي كثير من تفاسير تلك الآيات في الابواب الآتية.

____________________

(١) في المصدر : آلهتنا ، وكذا فيما يأتى.

(٢) تفسير القمى : ٧٤١.

٢٥٤

( أبواب احتجاجات الرسول صلى الله عليه وآله )

( باب ١)

* ( ما احتج صلى الله عليه وآله به على المشركين والزنادقة وسائر ) *

* ( أهل الملل الباطلة ) *

١ ـ م : قوله عزوجل : : « وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين * بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون » قال الامام عليه‌السلام : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « وقالوا » يعني اليهود والنصارى. قالت اليهود : « لن يدخل الجنة إلا من كان هودا » أي يهوديا ، وقوله : « أو نصارى » يعني وقالت النصارى : لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : وقد قال غيرهم قالت الدهرية : الاشياء لا بدء لها وهي دائمة ، من خالفنا ضال مخطئ مضل ، وقالت الثنوية : النور والظلمة هما المدبران ، من خالفنا فقد ضل ، وقالت مشركوا العرب : إن أوثاننا آلهة من خالفنا في هذا ضل ، فقال الله تعالى : « تلك أمانيهم » التي يتمنونها « قل » لهم « هاتوا برهانكم » على مقالتكم « إن كنتم صادقين ».

وقال الصادق عليه‌السلام وقد ذكر عنده الجدال في الدين ، وأن رسول الله (ص) والائمة عليهم‌السلام قد نهوا عنه فقال الصادق عليه‌السلام : لم ينه عنه مطلقا ، ولكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن أما تسمعون الله يقول : « ولا تجادلو أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن »؟ وقوله تعالى : « ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن »؟.

فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين ، والجدال بغير التي هى أحسن محرم حرمه الله على شيعتنا ، وكيف يحرم الله الجدال جملة وهو يقول :

٢٥٥

« وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى » قال الله تعالى : « تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين »؟ فجعل علم الصدق الاتيان بالبرهان ، وهل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالتي هي أحسن؟ قيل : يا ابن رسول الله فما الجدال بالتي هي أحسن والتي ليست بأحسن؟.

قال : أما الجدال الذي بغير التي هي أحسن فأن تجادل مبطلا فيورد عليك باطلا فلا ترده بحجة قد نصبها الله ، ولكن تجحد قوله أو تجحد حقا يريد ذلك المبطل أن يعين به باطله ، فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجة ، لانك لا تدري كيف المخلص منه ، فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم وعلى المبطلين ، أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته وضعف ما ( من خ ل ) في يده حجة له على باطله ، وأما الضعفاء منكم فتعمى قلوبهم (١) لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل.

وأما الجدال بالتي هي أحسن فهو ما أمر الله تعالى به نبيه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحياءه له ، فقال الله تعالى حاكيا عنه : « وضرب لنا مثلا و نسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم » فقال الله تعالى في الرد عليه : « قل » يا محمد « يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم * الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون » فأراد الله من نبيه أن يجادل المبطل الذي قال : كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم؟ فقال الله : « قل يحييها الذي أنشأها أول مرة » أفيعجز من ابتدأ به لا من شئ أن يعيده بعد أن يبلى؟ بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته ، ثم قال : « الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا » أي إذا كان قد كمن النار (٢) الحارة في الشجر الاخضر الرطب ثم يستخرجها فعرفكم أنه على إعادة من بلي أقدر ، ثم قال : « أوليس الذي خلق السموات والارض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم » أي إذا كان خلق السموات والارض أعظم وأبعد في أوهامكم

____________________

(١) في المصدر وكذا في الاحتجاج : إذا تعاطى مجادلتهم وضعف ما في يده حجة له على باطلهم وأما الضعفاء فتغم قلوبهم.

(٢) كمن الشئ : أخفاه.

٢٥٦

وقدركم ( وقدرتكم خ ل ) أن يقدروا عليه من إعادة البالي فكيف جوزتم من الله خلق الاعجب عندكم والاصعب لديكم ، ولم تجوزوا منه ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي؟.

قال الصادق عليه‌السلام : فهذا الجدال بالتي هي أحسن ، لان فيها قطع عذر الكافرين وإزالة شبههم ، وأما الجدال بغير التي هي أحسن فأن تجحد حقا لا يمكنك أن تفرق بينه وبين باطل من تجادله ، وإنما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق ، فهذا هو المحرم لانك مثله ، جحد هو حقا وجحدت أنت حقا آخر.

وقال أبومحمد الحسن بن علي العسكري عليهما‌السلام : فقام إليه رجل آخر فقال : يابن رسول الله أفجادل رسول الله؟ فقال الصادق عليه‌السلام : مهما ظننت برسول الله صلى الله علي آله من شئ فلا تظنن به مخالفة الله ، أليس الله قد قال : « وجادلهم بالتي هي أحسن » وقال : « قل يحييها الذي أنشأها أول مرة » لمن ضرب لله مثلا ، أفتظن أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خالف ما أمره الله به ، فلم يجادل ما أمر الله به ، ولم يخبر عن الله بما أمره أن يخبر به؟ ولقد حدثني أبي الباقر ، عن جدي علي بن الحسين زين العابدين ، عن أبيه الحسين سيد الشهداء ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين أنه اجتمع يوما عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أهل خمسة أديان : اليهود ، والنصارى ، والدهرية ، والثنوية ، ومشركو العرب ، فقالت اليهود : نحن نقول : عزير ابن الله ، وقد جئناك يا محمد لننظر ما تقول ، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وإن خالفتنا خصمناك.

وقالت النصارى : نحن نقول : المسيح ابن الله اتحد به ، وقد جئناك لننظر ما تقول ، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وإن خالفتنا خصمناك.

وقالت الدهرية : نحن نقول : الاشياء لا بدء لها وهي دائمة ، وقد جئناك لننظر ما تقول ، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وإن خالفتنا خصمناك.

وقالت الثنوية : نحن نقول : إن النور والظلمة هما المدبران ، وقد جئناك لننظر ما تقول ، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وإن خالفتنا خصمناك.

٢٥٧

وقالت مشركو العرب : نحن نقول : إن أوثاننا آلهة وقد جئناك لننظر ما تقول ، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وإن خالفتنا خصمناك.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : آمنت بالله وحده لا شريك له ، وكفرت بالجبت وبكل معبود سواه ، ثم قال لهم : إن الله تعالى قد بعثني كافة للناس بشيرا ونذيرا حجة على العالمين ، وسيرد كيد من يكيد دينه في نحره ، ثم قال لليهود : أجئتموني لاقبل قولكم بغير حجة؟ قالوا : لا ، قال : فما الذي دعاكم إلى القول بأن عزيرا ابن الله؟ قالوا : لانه أحيا لبني إسرائيل التوراة بعد ماذهبت ، ولم يفعل بها هذا إلا لانه ابنه.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فكيف صار عزير ابن الله دون موسى وهو الذي جاءهم بالتوراة ورئي منه من المعجزات ما قد علمتم؟ فإن كان عزير ابن الله لما أظهر من الكرامة بإحياء التوراة فلقد كان موسى بالبنوة أحق وأولى ، ولئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب أنه ابنه فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة أجل من البنوة ، وإن كنتم إنما تريدون (١) بالبنوة الولادة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم هذه من ولادة الامهات الاولاد بوطي آبائهم لهن فقد كفرتم بالله وشبهتموه بخلقه ، وأوجبتم فيه صفات المحدثين ، ووجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا ، وأن يكون له خالق صنعه وابتدعه ، قالوا : لسنا نعني هذا ، فإن هذا كفر كما ذكرت ، ولكنا نعني أنه ابنه على معنى الكرامة وإن لم يكن هناك ولادة ، كما يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانته بالمنزلة (٢) عن غيره : يا بني ، وإنه ابني ، لا على إثبات ولادته منه ، لانه قد يقول ذلك لمن هو أجنبي لا نسب بينه وبينه ، وكذلك لما فعل الله بعزير ما فعل كان قد اتخده ابنا على الكرامة لا على الولادة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فهذا ما قلته لكم : إنه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه فإن هذه المنزلة لموسى أولى ، وإن الله يفضح كل مبطل بإقراره ويقلب عليه حجته.

____________________

(١) في المصدر : لانكم إن كنتم انما تريدون اه.

(٢) في نسخة : بمنزلته.

٢٥٨

وأما ما احتججتم به (١) يؤديكم إلى ماهو أكبر مما ذكرته لكم ، لانكم قلتم : إن عظيما من عظمائكم قد يقول لاجنبي لا نسب بينه وبينه : يا بني ، وهذا ابني ، لا على طريق الولادة ، فقد تجدون أيضا هذا العظيم يقول لاجنبي آخر : هذا أخي ، ولآخر : هذا شيخي وأبي ، (٢) ولآخر : هذا سيدي ويا سيدي على سبيل الاكرام ، وإن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول ، فإذا يجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله أو شيخا له أو أبا أو سيدا لانه قد زاده في الاكرام مما لعزير ، كما أن من زاد رجلا في الاكرام قال له ياسيدي ويا شيخي ويا عمي ويا رئيسي على طريق الاكرام ، وإن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول ، أفيجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله ، أو شيخا ، أو عما أو رئيسا ، أو سيدا ، أو أميرا؟ لانه قد زاده في الاكرام على من قال له : يا شيخي أو يا سيدي ، أو يا عمي ، أو يا أميري ، أو يا رئيسي ، قال : فبهت القوم وتحيروا و قالوا : يا محمد أجلنا (٣) نتفكر فيما قلته لنا ، فقال : انظروا فيه بقلوب معتقدة للانصاف يهدكم الله.

ثم أقبل صلى‌الله‌عليه‌وآله على النصارى فقال : وأنتم قلتم : إن القديم عزوجل اتحد بالمسيح ابنه ، فما الذي أردتموه بهذا القول؟ أردتم أن القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الذي هو عيسى؟ أو المحدث الذي هو عيسى صار قديما لوجود القديم الذي هو الله؟ أو معنى قولكم : إنه اتحد به أنه اختصه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه؟ فإن أردتم أن القديم تعالى صار محدثا فقد أبطلتم ، لان القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا ، وإن أردتم أن المحدث صار قديما فقد أحلتم ، لان المحدث أيضا محال أن يصير قديما ، وإن أردتم أنه اتحد به بأن اختصه واصطفاه على سائر عباده فقد أقررتم بحدوث عيسى وبحدوث المعنى الذي اتحد به من أجله ، لانه إذا كان عيسى محدثا وكان الله اتحد به بأن أحدث به معنى صار به أكرم الخلق عنده فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين ، وهذا

____________________

(١) في نسخة وفى الاحتجاج : وان ما احتججتم به.

(٢) في المصدر : ولاخر هذا أبى.

(٣) في النسخة المقروءة على المصنف : خلنا.

٢٥٩

خلاف ما بدأتم تقولونه ، قال : فقالت النصارى : يا محمد إن الله تعالى لما أظهر على يد عيسى من الاشياء العجيبة ما أظهر فقد اتخذه ولدا على جهة الكرامة.فقال لهم رسول الله (ص) قد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذي ذكرتموه ، ثم أعاد صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك كله ، فسكتوا إلا رجلا واحدا منهم قال له : يا محمد أولستم تقولون : إن إبراهيم خليل الله؟ قال : قد قلنا ذلك ، فقال إذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول : إن عيسى ابن الله؟.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنهما لم يشتبها ، لان قولنا : إن إبراهيم خليل الله فإنما هو مشتق من الخلة أو الخلة ، فأما الخلة فإنما معناها الفقر والفاقة ، وقد كان خليلا إلى ربه فقيرا ، وإليه منقطعا ، وعن غيره متعففا معرضا مستغنيا ، وذلك لما اريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث الله تعالى جبرئيل عليه‌السلام وقال له : أدرك عبدي ، فجاءه فلقيه في الهواء فقال : كلفني ما بدا لك فقد بعثني الله لنصرتك ، فقال : بل حسبي الله ونعم الوكيل ، إني لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلا إليه ، فسماه خليله أي فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمن سواه. وإذا جعل معنى ذلك من الخلة ( الخلل خ ل ) وهو أنه قد تخلل معانيه (١) ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان معناه العالم به وباموره ، ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه ، ألا ترون أنه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله؟ وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله؟ وأن من يلده الرجل وإن أهانه وأقصاه لم يخرج عن أن يكون ولده؟ لان معنى الولادة قائم ، ثم إن وجب لانه قال : إبراهيم خليلي أن تقيسوا (٢) أنتم فتقولوا : إن عيسى ابنه وجب أيضا أن تقولوا له ولموسى : إنه ابنه ، فإن الذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى ، فقولوا : إن موسى أيضا ابنه ، وإنه يجوز أن تقولوا على هذا المعنى : إنه شيخه وسيده وعمه و رئيسه وأميره كما ذكرته لليهود. فقال بعضهم لبعض : وفي الكتب المنزلة أن عيسى قال : أذهب إلى أبي ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فإن كنتم بذلك الكتاب تعملون (٣) فإن فيه : أذهب إلى أبي وأبيكم ، فقولوا : إن جميع الذين خاطبهم عيسى كانوا أبناء الله كما

____________________

(١) في المصدر : وهو انه قد تخلل به معانيه.

(٢) في نسخة : ثم ان من اوجب أن يقول على قول ابراهيم خليله أن تقيسوا ا ه.

(٣) في نسخة : تعلمون.

٢٦٠