الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٩
نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة ، وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا : حدثنا عما في التوراة فإن فيها عجائب ، فنزلت : « الر تلك آيات الكتاب المبين » إلى قوله تعالى : « لمن الغافلين « فخبرهم أن هذا القرآن أحسن القصص وأنفع لهم من غيره ، فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ، ثم عادوا فسألوا سلمان عن مثل ذلك فنزلت : » الله نزل أحسن الحديث كتابا « الآية فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ، ثم عادوا فسألوا سلمان فنزلت هذه الآية ، عن الكلبي ومقاتل ، وقيل : نزلت في المؤمنين ، و قال ابن مسعود : ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين ، فجعل المؤمنون يعاتب بعضهم بعضا ، وقيل : إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن بهذه الآية ، عن ابن عباس ، وقيل : كانت الصحابة بمكة مجدبين ، فلما هاجروا أصابوا الريف (١) والنعمة ، فتغيروا عما كانوا عليه فقست قلوبهم ، والواجب أن يزدادوا الايمان واليقين والاخلاص في طول صحبة الكتاب ، عن محمد بن كعب. (٢)
وقال البيضاوي في قوله تعالى : « يا أيها الذين آمنوا » أي بالرسل المتقدمة (٣) « اتقوا الله » فيما نهاكم منه « وآمنوا برسوله » محمد صلىاللهعليهوآله « يؤتكم كفلين « نصيبين» من رحمته « لايمانكم بمحمد صلىاللهعليهوآله ، وإيمانكم بمن قبله ، ولا يبعد أن يثابوا على دينهم السابق وإن كان منسوخا ببركة الاسلام ، وقيل : الخطاب للنصارى الذين كانوا في عصره » ويجعل لكم نورا تمشون به يريد المذكور في قوله : « يسعى نورهم » أو الهدى الذي يسلك به إلى جناب القدس « لئلا يعلم » أي ليعلموا ، ولا مزيدة ، ويؤيده أنه قرئ : ليعلم ، ولكي يعلم ولان يعلم بإدغام النون في الياء « أهل الكتاب أن لا يقدرون على شئ من فضل الله » أن هي المخففة ، والمعنى أنهم لا ينالون شيئا مما ذكر من فضله ، لانهم لم يؤمنوا برسوله وهو مشروط بالايمان به « أولا يقدرون على شئ من فضله » فضلا أن يتصرفوا في أعظمه وهو النبوة فيخصونها بمن أرادوا ، وقيل : لا غير مزيدة
____________________
(١) الريف : السعة في المآكل والمشارب. أرض فيها زرع وخصب.
(٢) مجمع البيان ٩ : ٢٣٧.
(٣) في نسخة : بالكتب المتقدمة.
والمعنى : لئلا يعتقد أهل الكتاب أنه لا يقدر النبي والمؤمنون به على شئ من فضل الله ولا ينالونه ، فيكون « وإن الفضل » عطفا على « أن لا يعلم ». (١)
وفي قوله تعالى : « إن الذين يحادون الله ورسوله » : يعادونهما ، فإن كلا من المتعاديين في حد غير حد الآخر ، أو يضعون ويختارون حدودا غير حدودهما « كبتوا » اخزوا أو اهلكوا ، وأصل الكبت : الكب. (٢)
« ألم تر إلى الذين تولوا » أي والوا قوما غضب الله عليهم ، يعني اليهود « ما هم منكم ولا منهم » لانهم منافقون مذبذبون بين ذلك « ويحلفون على الكذب » وهو ادعاء الاسلام « وهم يعلمون » أن المحلوف عليه كذب ، وروي أنه صلىاللهعليهوآله كان في حجرة من حجراته فقال : يدخل عليكم الآن رجل قلبه جبار وينظر بعين شيطان ، فدخل عبدالله بن نتيل (٣) المنافق وكان أزرق ، فقال عليه وآله السلام : علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلف بالله ما فعل ، ثم جاء بأصحابه فحلفوا فنزلت.
« اتخذوا أيمانهم » أي التي حلفوا بها « جنة » وقاية دون دمائهم وأموالهم « فصدوا عن سبيل الله » فصدوا الناس في خلال أمنهم عن دين الله بالتحريش والتثبيط « استحوذ عليهم الشيطان » أي استولى عليهم. (٤)
وفي قوله : « لا تتولوا قوما غضب الله عليهم » : يعني عامة الكفار ، أو اليهود إذ روي أنها نزلت في بعض فقراء المسلمين كانوا يواصلون اليهود ليصيبوا من ثمارهم « قد يئسوا من الآخرة » لكفرهم بها ، أو لعلمهم بأنه لا حظ لهم فيها ، لعنادهم الرسول المنعوت في التوراة المؤيد بالآيات « كما يئس الكفار من أصحاب القبور » أن يبعثوا أو يثابوا ، أو ينالهم خير منهم. (٥)
وقال الطبرسي رحمهالله : « هو الذي بعث في الاميين » يعني العرب ، وكانت امة امية لا تكتب ولا تقرء ، ولم يبعث إليهم نبي ، وقيل : يعني أهل مكة لان مكة تسمى
____________________
(١) أنوار التنزيل ٢ : ٥٠١.
(٢) أنوار التنزيل ٢ : ٥٠٣.
(٣) في نسخة : عبدالله بن نفيل.
(٤) ٢ : ٥٠٦ و ٥٠٧.
(٥) انوار التنزيل ٢ : ٥١٧.
ام القرى « ويعلمهم الكتاب والحكمة » الكتاب : القرآن ، والحكمة : الشرائع ، وقيل : إن الحكمة تعم الكتاب والسنة وكل ما أراده الله تعالى « قل يا أيها الذين هادوا » أي سموا يهودا « إن زعمتم أنكم أولياء لله » أي إن كنتم تظنون على زعمكم أنكم أنصار الله وأن الله ينصركم « من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين » أنكم أبناء الله وأحباؤه ، فإن الموت هو الذي يوصلكم إليه ، وروي أنه صلىاللهعليهوآله قال : لو تمنوا لماتوا عن آخرهم.(١)
وقال البيضاوي في قوله : « قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا » : يعني بالذكر جبرئيل عليهالسلام لكثرة ذكره ، أو لنزوله بالذكر وهو القرآن ، أو لانه مذكور في السماوات ، أو ذا ذكر أي شرف ، أو محمد صلىاللهعليهوآله لمواظبته على تلاوة القرآن أو تبليغه ، وعبر عن ارساله بالانزال ترشيحا ، أو لانه مسبب عن إنزال الوحي إليه ، وأبدل عنه رسولا للبيان ، أو أراد به القرآن ، ورسولا منصوب بمقدر مثل أرسل أو ذكر ، أو الرسول مفعوله أو بدله على أنه بمعنى الرسالة. (٢)
وفي قوله : « هو الذي جعل لكم الارض ذلولا « لينة ليسهل لكم السلوك فيها » فامشوا في مناكبها « أي في جوانبها ، أو جبالها » فإذا هى تمور « تضطرب » كيف نذير « أي كيف إنذاري » فكيف كان نكير « أي إنكاري عليهم بإنزال العذاب » صافات « باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها ، فإنهن إذا بسطنها صففن قوادمها » ويقبضن « ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن وقتا بعد وقت للاستظهار به على التحرك » ما يمسكهن في الجو على خلاف الطبع « إلا الرحمن » الشامل رحمته كل شئ بأن خلقهن على أشكال وخصائص هيأتهن للجري في الهواء « أم من هذا الذي هو جند لكم » أي الآلهة « إن أمسك رزقه » بإمساك المطر وسائر الاسباب المحصلة والموصلة له إليكم « أفمن يمشي مكبا على وجهه » يقال : كببته فاكب ، (٣) ومعنى مكبا أنه يعثر كل ساعة ويخر لوجهه لوعورة طريقه (٤) ولذلك قابله بقوله : « أم من يمشي سويا » سالما (٥) من العثار
____________________
(١) مجمع البيان ١٠ : ٢٨٤ و ٢٨٧.
(٢) انوار التنزيل ٢ : ٥٢٨. وفيه : مثل ارسل ، أو ذكرا مصدر والرسول مفعوله أو بدله. (٣) كذا في النسخ والظاهر : فانكب.
(٤) في المصدر : كوعورة طريقه واختلاف أجزائه.
(٥) في المصدر : قائما سالما من العثار.
« على صراط مستقيم » مستوى الاجزاء أو الجهة ، والمراد تمثيل المشرك والموحد بالسالكين ، والدينين بالمسلكين ، وقيل : المراد بالمكب الاعمى فإنه يعتسف فينكب وبالسوي البصير ، وقيل : من يمشي مكبا هو الذي يحشر على وجهه إلى النار ، ومن يمشي سويا الذي يحشر على قدميه إلى الجنة (١) « إن أصبح ماؤكم غورا » أي غائرا في الارض بحيث لا تناله الدلاء ، مصدر وصف به « فمن يأتيكم بماء معين » جار ، أو ظاهر سهل المأخذ. (٢)
« ن » من أسماء الحروف ، وقيل : اسم الحوت ، والمراد به الجنس ، أو اليهموت وهو الذي عليه الارض ، أو الدواة فإن بعض الحيتان يستخرج منه شئ أسود يكتب به « والقلم » هو الذي خط اللوح ، أو الذي يخط به ، أقسم به لكثرة فوائده « وما يسطرون » وما يكتبون « ما أنت بنعمة ربك بمجنون » جواب القسم ، والمعنى : ما أنت بمجنون منعما عليك بالنبوة وحصافة الرأي (٣) « وإن لك لاجرا » على الاحتمال أو الابلاغ « غير ممنون » مقطوع ، أو ممنون به عليك من الناس « بأيكم المفتون » أيكم الذي فتن بالجنون ، والباء مزيدة ، أو بأيكم الجنون ، على أن المفتون مصدر كالمعقول والمجلود أو بأي الفريقين منكم المجنون ، أبفريق المؤمنين أو بفريق الكافرين؟ أي في أيهما يوجد من يستحق هذا الاسم « ودوا لو تدهن » بأن تلاينهم بأن تدع نهيهم عن الشرك أو توافقهم فيه أحيانا « فيدهنون » فيلاينونك بترك الطعن والموافقة « ولا تطع كل حلاف »
____________________
(١) قال الشريف الرضى قدسسره : هذه استعارة والمراد بها صفة من يتخبط في الضلال و ينحرف عن طريق الرشاد لانهم يصفون من تلك حاله بأنه ماش على وجهه ، فيقولون : فلان يمشى على وجهه ويمضى على وجهه إذا كان كذلك ، وانما شبهوه بالماشى على وجهه لانه لا ينتفع بمواقع بصره ، اذ كان البصر في الوجه واذا كان الوجه مكبوبا على الارض كان الانسان كالاعمى الذى لا يسلك جددا ولايقصد سددا ، ومن الدليل على قوله تعالى : « أفمن يمشى مكبا « من الكنايات عن عمى البصر قوله تعالى في مقابلة ذلك : « أمن يمشى سويا » لان السوى ضد المنقوص في خلقه والمبتلى في بعض كرائم جسمه.
(٢) انوار التنزيل : ٢ : ٥٣٥ ـ ٥٣٧.
(٣) حصافة الرأى : جودته.
كثير الحلف في الحق والباطل « مهين » حقير الرأي « هماز » عياب « مشاء بنميم » نقال للحديث على وجه السعاية « مناع للخير » يمنع الناس عن الخير من الايمان والانفاق والعمل الصالح « معتد » متجاوز في الظلم « أثيم » كثير الاثام « عتل » جاف غليظ « بعد ذلك » بعد ما عد من مثالبه « زنيم » دعي ، قيل : هو الوليد بن المغيرة ، ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة من مولده ، وقيل : الاخنس بن شريق أصله في ثقيف وعداده في زهرة « أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الاولين » أي قال ذلك حينئذ لان كان متمولا (١) مستظهرا بالبنين من فرط غروره ، لكن العامل مدلول قال لانفسه ، لان ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله ، ويجوز أن يكون علة للا تطع ، أي لا تطع من هذه مثالبه لان كان ذا مال « سنسمه » بالكي « على الخرطوم » على الانف ، وقد أصاب أنف الوليد جراحة يوم بدر فبقي أثره ، وقيل : هو عبارة عن أن يذله غاية الاذلال ، أو يسود وجهه يوم القيامة. (٢)
« إن لكم فيه لما تخيرون » أي إن لكم ما تختارونه وتشتهونه ، وأصله : أن لكم بالفتح لانه المدروس. فلما جئت باللام كسرت ، وتخير الشي واختياره : أخذ خيره (٣) « أم لكم أيمان علينا » عهود مؤكدة بالايمان « بالغة » متناهية في التوكيد « إلى يوم القيامة « متعلق بالمقدر في لكم ، أي ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة لا نخرج عن عهدتها حتى نحكمكم في ذلك اليوم ، أو ببالغة ، أي أيمان علينا تبلغ ذلك اليوم » إن لكم لما تحكمون « جواب القسم » سلهم أيهم بذلك زعيم « بذلك الحكم قائم يدعيه ويصححه » أم لهم شركاء « في هذا القول » فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين « في دعواهم إذ لا أقل من التقليد » سنستدرجهم « سندنيهم من العذاب درجه درجة بالامهال وإدامة الصحة وازدياد النعمة » واملي لهم « وامهلهم » إن كيدي متين « لا يدفع بشئ ، وإنما سمى إنعامه استدراجا بالكيد لانه في صورته » وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك
____________________
(١) في المصدر : لانه كان متمولا.
(٢) انوار التنزيل ٢ : ٥٣٧ و ٥٣٨.
(٣) : فلما جئ باللام كسرت ، وتخير الشئ واختاره : أخذ خيره.
بأبصارهم إن هي الخففة ، واللام دليلها ، والمعنى : إنهم لشدة عداوتهم ينظرون إليك شزرا (١) أي غضبا بحيث يكادون يزلون قدمك ويرمونك. (٢)
وفي قوله : « بما تبصرون وما لا تبصرون » : أي بالمشاهدات والمغيبات ، وذلك يتناول الخالق والمخلوقات بأسرها « ولو تقول علينا بعض الاقاويل » سمي الافتراء تقولا لانه قول متكلف « لاخذنا منه باليمين » بيمينه « ثم لقطعنا منه الوتين » أي نياط قلبه بضرب عنقه ، وهو تصوير لاهلاكه بأفظع ما تفعله الملوك بمن يغضبون عليه ، وهو أن يأخذ القتال بيمينه ويكفحه بالسيف (٣) ويضرب جيده ، وقيل : اليمين بمعنى القوة « فما منكم من أحد عنه » عن القتل أو المقتول « حاجزين » دافعين ، وصف لاحد فإنه عام والخطاب للناس « وإنه لحسرة على الكافرين » إذا رأوا ثواب المؤمنين به « وإنه لحق اليقين » لليقين الذي لا ريب فيه. (٤)
وفي قوله : « على أن نبدل خيرا منهم « أي نهلكهم ونأتي بخلق أمثل منهم ، (٥) أو نعطي محمدا صلىاللهعليهوآله بدلكم وهو خير منكم وهم الانصار » ولن أجد من دونه ملتحدا « منحرفا وملتجئا » إلا بلاغا من الله « استثناء من قوله : « لا أملك » فإن التبليغ إرشاد وإنفاع ، أو من « ملتحدا » أو معناه : أن لا أبلغ بلاغا ، وما قبله دليل الجواب « ورسالاته » عطف على بلاغا. (٦)
« وتبتل إليه تبتيلا » أي انقطع إليه بالعبادة ، وجرد نفسك عما سواه « واهجرهم هجرا جميلا » بأن تجانبهم وتدانيهم ولا تكافئهم وتكل أمرهم إلى الله « اولي النعمة » أرباب التنعم يريد صناديد قريش. (٧)
« ذرني ومن خلقت وحيدا » نزل في الوليد بن المغيرة و « وحيدا » حال من الياء ، أي ذرني وحدي معه فأنا أكفيكه ، أو من التاء ، أي ومن خلقته وحدي لم يشركني في
____________________
(١) شزر الرجل وإليه : نظر اليه بجانب عينه مع إعراض أو غضب ، شزر فلانا : أصابه بالعين.
(٢) انوار التنزيل ٢ : ٥٤٠ ـ ٥٤٢.
(٣) أى يضربه به.
(٤) ٢ : ٥٤٦
(٥) أى خير منهم وأفضل.
(٦) ٢ : ٥٥٠.
(٧) انوار التنزيل ٢ : ٥٥٨ و ٥٥٩.
خلقه أحد ، أو من العائد المحذوف ، أي من خلقته فريدا لا مال له ولا ولد ، أو ذم فإنه كان ملقبا به فسماه الله تهكما به ، أو أراد أنه وحيد في الشرارة ، أو عن أبيه لانه كان زنيما « وجعلت له مالا ممدودا » مبسوطا كثيرا ، أو ممددا بالنماء ، وكان له الزرع والضرع والتجارة « وبنين شهودا » حضورا معه بمكة يتمتع بلقائهم لا يحتاجون إلى سفر لطلب المعاش استغناء بنعمته ، ولا يحتاج أن يرسلهم في مصالحه لكثرة خدمه ، أو في المحافل والاندية لوجاهتهم ، قيل : كان له عشرة بنين أو أكثر كلهم رجال ، فأسلم منهم ثلاثة : خالد وعمارة وهشام « ومهدت له تمهيدا » وبسطت له الرياسة والجاه العريض حتى لقب ريحانة قريش والوحيد ، أي باستحقاق الرياسة والتقدم « ثم يطمع أن أزيد » على ما اوتيه ، وهو استبعاد لطمعه ، إما لانه لا مزيد على ما اوتي ، أو لانه لا يناسب ما هو عليه من كفران النعم ومعاندة المنعم ، ولذلك قال : « كلا إنه كان لآياتنا عنيدا « فإنه ردع له عن الطمع وتعليل للردع على سبيل الاستيناف بمعاندة آيات المنعم ، قيل : ما زال بعد نزول هذه الآية في نقصان ماله حتى هلك » سارهقه صعودا « ساغشيه عقبة شاقة المصعد ، وهو مثل لما يلقى من الشدائد. وعنه عليهالسلام : الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ، ثم يهوى فيه كذلك أبدا ».
إنه فكر وقدر « تعليل للوعيد ، أو بيان للعناد ، والمعنى : فكر فيما يخيل طعنا في القرآن ، وقدر في نفسه ما يقول فيه » فقتل كيف قدر تعجيب من تقديره استهزاء به ، أو لانه أصاب أقصى ما يمكن أن يقال عليه ، من قولهم : قتله الله ما أشجعه!.
روي أنه مر بالنبي صلىاللهعليهوآله وهو يقرء حم السجدة ، فأتى قومه وقال : قد سمعت من محمد صلىاللهعليهوآله آنفا كلاما ما هو من كلام الانس والجن ، إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة ، (١)وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، (٢)وإنه ليعلو ولا يعلى ، فقال قريش : صبأ الوليد ، (٣) فقال ابن أخيه أبوجهل : أنا أكفيكموه ، فقعد إليه حزينا وكلمه بما أحماه فقام فناداهم
____________________
(١) الطلاوة بالتثليث : الحسن والبهجة.
(٢) من أغدقت الارض : أخصبت.
(٣) صبأ : خرج من دين إلى دين آخر.
فقال : تزعمون أن محمدا ـ صلىاللهعليهوآله ـ مجنون فهل رأيتموه يخنق؟ وتقولون : إنه كاهن فهل رأيتموه يتكهن؟ وتزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعرا؟ فقالوا : لا ، فقال : ما هو إلا ساحر ، أما رأيتموه يفرق بين المرء وأهله وولده ومواليه؟ ففرحوا به وتفرقوا مستعجبين منه « ثم قتل كيف قدر » تكرير للمبالغة « ثم نظر » أي في أمر القرآن مرة بعد اخرى « ثم عبس » قطب وجهه لما لم يجد فيه طعنا ولم يدر ما يقول ، أو نظر إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وقطب وجهه « وبسر » إتباع لعبس « ثم أدبر » عن الحق أو الرسول « واستكبر » عن اتباعه فقال : « إن هذا إلا سحر يؤثر « يروي ويتعلم » وما هي « أي سقر أو عدة الخزنة ، أو السورة » إلا ذكرى للبشر « إلا تذكرة لهم » كلا « ردع لمن أنكرها ، أو إنكار لان يتذكروا بها » إنها لاحدى الكبر « لاحدى البلايا الكبر » لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر « بدل من » للبشر « أي نذيرا للمتمكنين من السبق إلى الخير ، أو التخلف عنه ، أو لمن شاء خبر لان يتقدم ».
» كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة « شبههم في إعراضهم ونفارهم عن استماع الذكر بحمر نافرة فرت من قسورة ، أي أسد » بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة قراطيس تنشر وتقرء ، وذلك أنهم قالوا للنبي صلىاللهعليهوآله : لن نتبعك حتى تأتي كلا منا بكتاب من السماء فيها : من الله إلى فلان اتبع محمدا (١) « لا تحرك » يا محمد « به » بالقرآن « لسانك لتعجل به » لتأخذه على عجلة مخافة أن ينفلت منك « إن علينا جمعه » في صدرك « وقرآنه » وإثبات قراءته في لسانك ، وهو تعليل للنهي « فإذا قرأناه » بلسان جبرئيل عليهالسلام عليك « فاتبع قرآنه » قراءته وتكرر فيه حتى يرسخ في ذهنك « ثم إن علينا بيانه » بيان ما اشكل عليك من معانيه ، وقيل : الخطاب مع الانسان المذكور ، والمعنى أنه يؤتى كتابه فيتلجلج لسانه من سرعة قراءته خوفا فيقال له : « لا تحرك به لسانك لتعجل به « فإن علينا بمقتضى الوعد جمع ما فيه من أعمالك وقراءته » فإذا قرأناه فاتبع قراءته بالاقرار ، أو التأمل فيه ، ثم إن علينا بيان أمره بالجزاء عليه. (٢)
« وشددنا أسرهم » أي وأحكمنا ربط مفاصلهم بأعصاب « وإذا شئنا بدلنا
____________________
(١) أنوار التنزيل ٢ : ٥٦٢ ـ ٥٦٥.
(٢) ٢ : ٥٧٦.
أمثالهم تبديلا » ، وإذا شئنا أهلكناهم وبدلنا أمثالهم في الخلقة وشدة الاسر ، يعني النشأة الثانية ، ولذلك جئ بإذا ، أو بدلناهم غيرهم ممن يطيع ، وإذا لتحقق القدرة وقوة الداعية (١) « ألم نخلقكم من ماء مهين » نطفة قذرة ذليلة « فجعلناه في قرار مكين » هو الرحم « إلى قدر معلوم « إلى مقدار معلوم من الوقت قدره الله تعالى للولادة « فقدرنا » أي فقدرنا على رد ذلك ، أو فقدرناه « فنعم القادرون » نحن « ويل يومئذ للمكذبين » بقدرتنا على ذلك ، أو على الاعادة « ألم نجعل الارض كفاتا » كافتة اسم لما يكفت ، أي يضم ويجمع « أحياء وأمواتا » منتصبان على المفعولية « وجعلنا فيها رواسي شامخات » جبالا ثوابت طوالا « وأسقيناكم ماء فراتا » بخلق الانهار والمنابع فيها. (٢)
« فلا اقسم بالخنس » بالكواكب الرواجع ، من خنس : إذا تأخر ، وهي ما سوى النيرين من السيارات ولذلك وصفها بقوله : « الجوار الكنس « أي السيارات التي تختفي تحت ضوء الشمس » والليل إذا عسعس « اذا أقبل بظلامه أو أدبر » والصبح إذا تنفس « أي إذا أضاء » إنه « أي القرآن » لقول رسول كريم « يعني جبرئيل عليهالسلام « مكين » ذي مكانة « مطاع » في ملائكته « ثم أمين » على الوحي ، وثم يحتمل اتصاله بما قبله وما بعده « ولقد رآه » رأى رسول الله جبرئيل « بالافق المبين » بمطلع الشمس الاعلى « وما هو » وما محمد صلىاللهعليهوآله « على الغيب « على ما يخبره من الوحي إليه وغيره من الغيوب » بظنين « بمتهم ، وقرأ نافع وعاصم وحمزة وابن عامر » بضنين « من الضن وهو البخل ، أي لا يبخل بالتبليغ والتعليم » وما هو بقول شيطان رجيم « بقول بعض المسترقة للسمع وهي نفي لقولهم : إنه لكهانة وسحر » فأين تذهبون استضلال لهم فيما يسلكونه في أمر الرسول والقرآن ، كقولك لتارك الجادة : أين تذهب؟ (٣)
« ما غرك بربك الكريم » أي شئ خدعك وجرأك على عصيانه؟ « الذي خلقك فسواك فعدك » التسوية : جعل الاعضاء سليمة مسواة معدة لمنافعها ، والتعديل : جعل البنية معتدلة متناسبة الاعضاء ، أو معدلة بما يستعدها من القوى « في أي صورة ما شاء ركبك » أي ركبك في أي صورة شاءها ، وما مزيدة. (٤)
____________________
(١) أنوار التنزيل ٢ : ٥٧٣.
(٢) أنوار التنزيل ٢ : ٥٧٥.
(٣) ٢ : ٥٨٨.
(٤) ٢ : ٥٨٩.
« فلا اقسم بالشفق » الحمرة التي ترى في افق المغرب « والليل وما وسق » وما جمعه وستره من الدواب وغيرها « والقمر إذا اتسق » اجتمع وتم بدرا « لتركبن طبقا عن طبق » حالا بعد حال مطابقة لاختها في الشدة ، أو مراتب من الشدة بعد المراتب ، وهي الموت وأهوال القيامة ، أو هي وما قبلها من الدواهي على أنه جمع طبقة « لا يسجدون » أي لا يخضعون ، أو لا يسجدون لقراءة آية السجدة. (١)
« بما يوعون أي يضمرون في صدورهم من الكفر والعداوة » غير ممنون « أي مقطوع أو ممنون به عليهم. (٢) » والسماء ذات الرجع « ترجع في كل دورة إلى الموضع الذي تحركت عنه ، وقيل : الرجع : المطر » والارض ذات الصدع « ما يتصدع عنه الارض من النبات ، أو الشق بالنبات والعيون » إنه « إن القرآن » لقول فصل « فاصل بين الحق والباطل » أمهلهم رويدا « إمهالا يسيرا. (٣) » لست عليهم بمصيطر « بمتسلط. (٤)
وقال الطبرسي رحمهالله في قوله تعالى : « أهلكت مالا لبدا » : أي أهلكت مالا كثيرا (٥) في عداوة النبي صلىاللهعليهوآله يفتخر بذلك ، وقيل : هو الحارث بن عامر بن نوفل ، وذلك أنه أذنب ذنبا فاستفتى النبي صلىاللهعليهوآله فأمره أن يكفر ، فقال : لقد ذهب مالي في الكفارات والنفقات منذ دخلت في دين محمد (ص) » أيحسب أن لم يره أحد فيطالبه من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ وقيل : إنه كان كاذبا لم ينفق ما قاله (٦)
« إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى » أي لان رأى نفسه مستغنية عن ربه بعشيرته وأمواله وقوته ، قيل : إنها نزلت في أبي جهل بن هشام من هنا إلى آخر
____________________
(١) في المصدر : لا يخضعون ، أو لا يسجدون لتلاوته.
(٢) انوار التنزيل ٢ : ٥٩٤.
(٣) ٢ : ٥٩٧.
(٤) ٢ : ٦٠٠.
(٥) في المصدر : أنفقت مالا كثيرا
(٦) مجمع البيان ١٠ : ٤٩٣.
السورة « إن إلى ربك الرجعى » أي إلى الله مرجع كل أحد « أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى » روي أن أبا جهل قال : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا : نعم ، قال : فبالذي يحلف به لئن رأيته يفعل ذلك لاطأن على رقبته ، فقيل له : ها هو ذلك يصلي ، فانطلق ليطأ على رقبته فما فاجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقى بيديه ، فقالوا : ما لك يا أبا الحكم؟ قال : إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة ، وقال نبي الله : والذي نفسي بيده لو دنا لاختطفته الملائكة عضوا عضوا ، فأنزل الله سبحانه : « أرأيت الذي ينهى « إلى آخر السورة » أرأيت إن كان على الهدى » يعني محمدا صلىاللهعليهوآله « أو أمر بالتقوى « أي بالاخلاص والتوحيد ومخافة الله تعالى ، وههنا حذف تقديره : كيف يكون حال من ينهاه عن الصلاة » أرأيت إن كذب « أي أبوجهل » وتولى عن الايمان. (١)
وقال البيضاوي في قوله تعالى : « لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب » : اليهود والنصارى فإنهم كفروا بالالحاد في صفات الله « والمشركين » وعبدة الاصنام « منفكين » عما كانوا عليه من دينهم ، أو الوعد باتباع الحق إذا جاءهم الرسول « حتى تأتيهم البينة » الرسول ، أو القرآن فإنه مبين للحق « رسول من الله » بدل من « البينة » بنفسه ، أو بتقدير مضاف ، أو مبتدء « يتلو صحفا مطهرة » صفته أو خبره « فيها كتب قيمة » مكتوبات مستقيمة « وما تفرق الذين اوتوا الكتاب » عما كانوا عليه بأن آمن بعضهم ، أو تردد في دينه ، أو عن وعدهم بالاصرار على الكفر « إلا من بعد ما جاءتهم البينة وما امروا » أي في كتبهم بما فيها « إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين » لا يشركون « حنفاء » مائلين عن العقائد الزائغة « ويقيموا الصلوة ويؤتوا الزكوة » ولكنهم حرفوه فعصوا « وذلك دين القيمة » أي دين الملة القيمة. (٢)
أرأيت الذي يكذب بالدين « بالجزاء ، أو الاسلام » فذلك الذي يدع اليتيم يدفعه دفعا عنيفا وهو أبوجهل كان وصيا ليتيم فجاءه عريانا يسأله من مال نفسه فدفعه ،
____________________
(١) مجمع البيان ١٠ : ٥١٥.
(٢) انوار التنزيل ٢ : ٦١٣ و ٦١٤.
أو أبوسفيان نحر جزورا فسأله يتيم لحما فقرعه بعصاه ، أو الوليد بن المغيرة ، أو منافق بخيل. (١)
وقال الطبرسي رحمهالله : نزلت سورة الجحد في نفر من قريش منهم الحارث بن قيس السهمي والعاص بن وائل والوليد بن المغيرة والاسود بن عبد يغوث والاسود بن المطلب بن أسد وامية بن خلف ، قالوا : هلم يا محمد فاتبع ديننا ونتبع دينك ، ونشركك في أمرنا كله ، تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة ، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا كنا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه ، وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يديك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك منه ، فقال : معاذ الله أن اشرك به غيره ، قالوا : فاستلم بعض آلهتنا نصدقك ونعبد إلهك ، فقال : حتى أنظر ما يأتي من عند ربي ، فنزل : « قل يا أيها الكافرون » السورة ، فعدل رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى المسجد الحرام وفيه الملا من قريش فقام على رؤرسهم ثم قرأ عليهم حتى فرغ من السورة ، فأيسوا عند ذلك وآذوه وآذوا أصحابه ، قال ابن عباس : وفيهم نزل قوله : « أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ».
« قل يا أيها الكافرون » يريد قوما معينين « لا أعبد ما تعبدون » أي لا أعبد آلهتكم التي تعبدونها اليوم وفي هذه الحال « ولا أنتم عابدون ما أعبد » أي إلهي الذي أعبده اليوم وفي هذه الحال « ولا أنا عابد ما عبدتم » فيما بعد اليوم « ولا أنتم عابدون ما أعبد » فيما بعد اليوم من الاوقات المستقبلة ، وقيل أيضا في وجه التكرار : إن القرآن نزل بلغة العرب ومن عادتهم تكرير الكلام للتأكيد والافهام ، وقيل أيضا في ذلك : إن المعنى : لا أعبد الاصنام التي تعبدونها ، ولا أنتم عابدون الله الذي أنا عابده إذا أشركتم به واتخذتم الاصنام وغيرها تعبدونها من دونه وإنما يعبد الله من أخلص العبادة له ، « ولا أنا عابد ما عبدتم » أي لا أعبد عبادتكم ، فتكون ما مصدرية « ولا أنتم عابدون ما أعبد » أي وما تعبدون عبادتي ، فأراد في الاول المعبود ، وفي الثاني العبادة « لكم دينكم ولي دين » أي لكم جزاء دينكم ولي جزاء ديني ، فحذف المضاف ، أولكم كفركم بالله
____________________
(١) انوار التنزيل ٢ : ٦٢٠.
ولي دن التوحيد والاخلاص على الوعيد والتهديد كقوله : « اعملوا ما شئتم » أو المراد بالدين الجزاء. (١)
أقول : أكثر آيات القرآن الكريم مسوقة للاحتجاج ، وإنما اقتصرنا على ما أوردنا لكونها أظهر فيه ، مع أنا قدأوردنا كثيرا منها في كتاب التوحيد وكتاب العدل والمعاد ، وسيأتي بعضها مع تفسير كثير مما أوردنا ههنا في كتاب أحوال نبينا صلىاللهعليهوآله .
١ ـ م : « ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين » قال الامام عليهالسلام : كذبت قريش واليهود بالقرآن وقالوا : سحر مبين تقوله ، فقال عزوجل : « ألم ذلك الكتاب » أي يا محمد هذا الكتاب الذي أنزلته عليك وهو بالحروف المقطعة التي منها ألف ولام وميم وهو بلغتكم وحروف هجائكم فأتوا بمثله إن كنتم صادقين ، فاستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم ، ثم بين أنهم لا يقدرون عليه بقوله : « قل لئن اجتمعت الانس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا » قال الله تعالى « ألم » هو القرآن الذى افتتح بألم هو « ذلك الكتاب » الذي أخبر به موسى ومن بعده من الانبياء ، واخبروا بني إسرائيل أني سانزله عليك يا محمد كتابا عربيا عزيزا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد « لا ريب فيه » لا شك فيه لظهوره عندهم كما أخبرهم أنبياؤهم أن محمدا صلىاللهعليهوآله ينزل عليه الكتاب يقرؤه هو وامته على سائر أحوالهم. (٢)
٢ ـ م : « إن الذين كفروا سواء عليهم » الآية ، قال الامام عليهالسلام : لما ذكر الله هؤلاء المؤمنين ومدحهم ذكر المنافقين ( الكافرين خ ل ) المخالفين لهم في كفرهم فقال : « إن الذين كفروا » بالله وبما آمن به هؤلاء المؤمنون من توحيد الله ، ونبوة محمد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وبوصيه علي عليهالسلام ولي الله ووصي رسوله وبالائمة الطيبين الطاهرين خيار عباده الميامين القوامين بمصالح خلق الله « سواء عليهمءأنذرتهم » خوفتهم « أم لم تنذرهم » لم تخوفهم « لا يؤمنون » أخبر عن علمه فيهم ، وهم الذين قد علم الله عز وجل أنهم لا يؤمنون.
____________________
(١) مجمع البيان ١٠ : ٥٥٢.
(٢) تفسير العسكرى : ٢٢.
قال محمد بن علي الباقر عليهالسلام : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله لما قدم المدينة وظهرت آثارصدقه وآيات حقيته وبينات نبوته كادت اليهود أشد كيد وقصدوه أقبح قصد ، يقصدون أنواره ليطمسوها ، وحجته ليبطلوها ، فكان ممن قصده للرد عليه وتكذيبه مالك بن الصيف وكعب بن الاشرف وحيي بن أخطب وحدي بن أخطب وأبوياسر بن أخطب ، وأبولبابة بن عبدالمنذر ، (١) فقال : مالك لرسول الله صلىاللهعليهوآله : يا محمد تزعم أنك رسول الله؟ قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : كذلك قال الله خالق الخلق أجمعين ، قال : يا محمد لن نؤمن لك أنك رسوله حتى يؤمن لك هذا البساط الذي تحتي. إلى آخر ما سيأتي في أبواب معجزاته صلىاللهعليهوآله .
« ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم » الآية ، قال عليهالسلام : أي وسمها بسمة يعرفها من يشاء من ملائكته إذا نظر إليها ، بأنهم الذين لا يؤمنون « وعلى سمعهم » « وعلى أبصارهم غشاوة » وذلك أنهم لما أعرضوا عن النظر فيما كلفوه وقصروا فيما اريد منهم جهلوا ما لزمهم الايمان به ، فصاروا كمن على عينيه غطاء لا يبصر ما أمامه ، فإن الله عزوجل يتعالى عن العبث والفساد وعن مطالبة العباد بما قد منعهم بالقهر منه فلا يأمرهم بمغالبته ولا بالمسير إلى ما قد صدهم بالعجز عنه « ولهم عذاب عظيم » يعني في الآخرة العذاب المعد للكافرين ، وفي الدنيا أيضا لمن يريد أن يستصلحه بما ينزل به من عذاب الاستصلاح لينبهه لطاعته ، أو من عذاب الاصطلام ليصيره إلى عدله و حكمته. (٢)
٣ ـ فس : « ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين » فإنها نزلت في قوم منافقين أظهروا لرسول الله صلىاللهعليهوآله الاسلام ، وكانوا إذا رأوا الكفار قالوا : « إنا معكم » وإذا لقوا المؤمنين قالوا : نحن مؤمنون ، وكانوا يقولون للكفار « إنا معكم إنما نحن مستهزءون » فرد الله عليهم » الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم
____________________
(١) في المصدر : وشيبة.
(٢) تفسير العسكرى : ٣٣ و ٣٦.
يعمهون « والاستهزاء من الله هو العذاب » ويمدهم في طغيانهم « أي يدعهم » اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى « الضلالة ههنا : الحيرة ، والهدى : البيان ، واختاروا الحيرة والضلالة على البيان » وادعوا شهداءكم يعني الذين عبدوهم وأطاعوهم من دون الله. (١)
٤ ـ م : « وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا » الآية ، قال العالم عليهالسلام فلما ضرب الله الامثال للكافرين المجاهدين الدافعين لنبوة محمد صلىاللهعليهوآله والمناصبين المنافقين لرسول الله (ص) الدافعين ما قاله محمد صلىاللهعليهوآله في أخيه علي عليه السلام والدافعين أن يكون ما قاله عن الله عزوجل وهي آيات محمد (ص) ومعجزاته لمحمد صلىاللهعليهوآله مضافة إلى آياته التي بينها لعلي عليهالسلام بمكة والمدينة ولم يزدادوا إلا عتوا وطغيانا قال الله تعالى لمردة أهل مكة وعتاة أهل مدينة : « إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا» حتى تجحدوا أن يكون محمد رسول الله أن يكون هذا المنزل عليه كلامي مع إظهاري عليه بمكة الباهرات من الآيات كالغمامة التي كان يظله بها في أسفاره ، والجمادات التي كانت تسلم عليه من الجبال والصخور والاحجار والاشجار ، وكدفاعه قاصديه بالقتل عنه وقتله إياهم ، وكالشجرتين المتباعدتين اللتين تلاصقتا فقعد خلفهما لحاجته ثم تراجعتا إلى أمكنتهما (٢) كما كانتا ، وكدعائه للشجرة فجاءته مجيبة خاضعة ذليلة ثم أمره لها بالرجوع فرجعت سامعة مطيعة قال : يا معاشر قريش واليهود ويا معاشر النواصب المنتحلين لاسلام الذين هم منه برآء ، ويا معشر العرب الفصحاء البلغاء ذوي الالسن « فأتوا بسورة من مثله » من مثل محمد صلىاللهعليهوآله ، من مثل رجل منكم لايقرء ولا يكتب ، ولم يدرس كتابا ، ولا اختلف إلى عالم ، ولا تعلم من أحد ، وأنتم تعرفونه في أسفاره وفي حضره ، بقي كذلك أربعين سنة ثم اوتي جوامع العلم حتى علم علم الاولين و الآخرين.
____________________
(١) تفسير القمى : ٣٠
(٢) في المصدر : ثم تراجعتا إلى مكانهما.
« فإن كنتم في ريب » من هذه الآيات « فأتوا » من مثل هذا الرجل بمثل هذا الكلام ليبين أنه كاذب ، (١) لان كل ما كان من عند غير الله فسيوجد له نظير في سائر خلق الله « وإن كنتم » معاشر قراء الكتب من اليهود والنصارى « في شك » مما جاءكم به محمد صلىاللهعليهوآله من شرائعه ومن نصبه أخاه سيد الوصيين وصيا بعد أن أظهر لكم معجزاته التي منها أن كلمته ذراع مسمومة ، وناطقة ذئب ، وحن إليه العود وهو على المنبر ، ودفع الله عنه السم الذي دسته اليهود (٢) في طعامهم ، وقلب عليهم البلاء (٣) وأهلكهم به ، وكثر القليل من الطعام « فأتوا بسورة من مثله » يعني مثل القرآن من التوراة والانجيل والزبور وصحف إبراهيم والكتب الاربعة عشر (٤) فإنكم لا تجدون في سائر كتب الله سورة كسورة من هذا القرآن ، وكيف يكون كلام محمد صلىاللهعليهوآله المتقول أفضل من سائر كلام الله وكتبه يا معشر اليهود والنصارى؟ ثم قال لجماعتهم : « وادعوا شهداءكم من دون الله » ادعوا أصنامكم التي تعبدونها أيها المشركون ، وادعوا شياطينكم يا أيها النصارى واليهود ، وادعوا قرناءكم من الملحدين يا منافقي المسلمين من النصاب لآل محمد الطيبين عليهماالسلام وسائر أعوانكم على إراداتكم « إن كنتم صادقين » بأن محمدا تقول هذا القرآن من تلقاء نفسه لم ينزله الله عليه ، وأن ما ذكره من فضل علي على جميع امته وقلده سياستهم ليس بأمر أحكم الحاكمين.
ثم قال عزوجل : « فإن لم تفعلوا « أي لم تأتوا يا أيها المقرعون بحجة رب العالمين » ولن تفعلوا « أي ولا يكون هذا منكم أبدا » فاتقوا النار التي وقودها الناس « أي حطبها » والحجارة « توقد تكون عذابا على أهلها » اعدت للكافرين المكذبين بكلامه وبنبيه صلىاللهعليهوآله الناصبين العداوة لوليه ووصيه ، قال : فاعلموا بعجزكم عن ذلك أنه من قبل الله ولو كان من قبل المخلوقين لقدرتم على معارضته ، فلما عجزوا بعد التقريع والتحدي قال الله : « قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله
____________________
(١) في المصدر : لتبيين أنه كاذب كما تزعمون.
(٢) في المصدر : دسته اليهودية في طعامهم.
(٣) في نسخة : وغلب عليهم البلاء.
(٤) في المصدر : والكتب المائة والاربعة عشر.
ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا (١)
٥ ـ م : « إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها » الآية : قال الباقر عليهالسلام : فلما قال الله : « يا أيها الناس ضرب مثل » وذكر الذباب في قوله : « إن الذين يدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا » الآية ، ولما قال : « مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت » الآية ، وضرب مثلا في هذه السورة بالذي استوقد نارا وبالصيب من السماء قالت الكفار والنواصب : وما هذا من الامثال فيضرب؟ يريدون به الطعن على رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال الله : يا محمد « إن الله لا يستحيي » لا يترك حياء « أن يضرب مثلا» للحق يوضحه به عند عباده المؤمنين « ما بعوضة» ما هو بعوضة المثل « فما فوقها » فوق البعوضة وهو الذباب ، يضرب به المثل إذا علم أن فيه صلاح عباده ونفعهم « فأما الذين آمنوا » بالله وبولاية محمد وعلي وآلهما الطيبين ، وسلم لرسول الله (٢) صلىاللهعليهوآله وللائمة أحكامهم وأخبارهم وأحوالهم ، ولم يقابلهم في امورهم ، (٣) ولم يتعاط الدخول في أسرارهم ، ولم يفش شيئا مما يقف عليه منها إلا بإذنهم « فيعلمون » يعلم هؤلاء المؤمنون الذين هذه صفتهم « أنه » المثل المضروب « الحق من ربهم » أراد به الحق وإبانته والكشف عنه وإيضاحه « وأما الذين » كفروا بمحمد بمعارضتهم له في علي بلم وكيف وتركهم الانقياد له في سائر ما أمر به « فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا » يقول (٤) الذين كفروا : إن الله يضل بهذا المثل كثيرا ويهدي به كثيرا ، أي فلا معنى للمثل لانه وإن نفع به من يهديه فهو يضر به من يضله ، فرد الله تعالى عليهم قيلهم فقال : « وما يضل به « أي وما يضل الله بالمثل » إلا الفاسقين الجانين على أنفسهم بترك تأمله وبوضعه على خلاف ما أمر الله بوضعه عليه. (٥)
____________________
(١) تفسير العسكرى : ٥٩. التقريع : التعنيف. والتحدى : المباراة والمغالبة.
(٢) في المصدر : وسلموا لرسول الله صلىاللهعليهوآله .
(٣) في المصدر : ولم يقابلوهم.
(٤) في المصدر : أى يقول.
(٥) تفسير العسكرى : ٨٢.
بيان : قوله عليهالسلام : ما هو بعوضة ظاهره أنه عليهالسلام قرأ بالرفع كما قرئ به في الشواذ ، فكلمة « ما » إما موصولة حذف صدر صلتها ، أو موصوفة كذلك و محلها النصب بالبدلية ، أو استفهامية هي المبتداء ، والاظهر في الخبر الوجهان الاولان.
٦ ـ م : « يا بني إسرائيل اذكروا » الآية ، قال الامام عليهالسلام : قال الله عزوجل « يا بني إسرائيل » ولد يعقوب إسرائيل « اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم » لما بعثت محمدا ، وأقررته بمدينتكم ، ولم أجشمكم الحط والترحال إليه ، (١) وأوضحت علاماته ودلائل صدقه لئلا يشتبه عليكم حاله « وأوفوا بعهدي » الذي أخذته على أسلافكم أنبياؤكم ، وأمروهم (٣) أن يؤدوه إلى أخلافهم ليؤمنن بمحمد العربي القرشي الهاشمي المتأتي بالآيات (٣) المؤيد بالمعجزات التي منها : أن كلمته ذراع مسمومة ، وناطقة ذئب ، وحن إليه (٤) عود المنبر ، وكثر الله له القليل من الطعام ، وألان له الصلب من الاحجار وصبت له المياه السيالة ، (٥) ولم يؤيد نبيا من أنبيائه بدلالة إلا جعل له مثلها أو أفضل منها ، والذي جعل من آياته (٦) علي بن أبي طالب عليهالسلام شقيقه ورفيقه ، عقله من عقله ، وعلمه من علمه ، (٧) وحلمه من حلمه ، مؤيد دينه بسيفه الباتر (٨) بعد أن قطع معاذير المعاندين بدليله القاهر وعلمه الفاضل وفضله الكامل « اوف بعهدكم » الذي أوجبت به لكم نعيم الابد في دار الكرامة ومستقر الرحمة « وإياي فارهبون » في مخالفة محمد صلىاللهعليهوآله فإني القادر على صرف بلاء من يعاديكم على موافقتي ، وهم لا يقدرون على صرف انتقامي عنكم إذا آثرتم مخالفتي.
____________________
(١) جشمه وأجشمه الامر : كلفه إياه.
(٢) في المصدر : على أسلافكم انبياؤهم وامراؤهم ( وأمروهم خ ل ) أن يؤدوه إلى أخلافهم ليؤمنوا ا ه.
(٣) في المصدر وفى نسختين مخطوطتين من الكتاب وكذا في هامش النسخة المقروءة على المصنف : المبان بالايات.
(٤) حن إليه : اشتاق.
(٥) في المصدر ونسخة من الكتاب وكذا في هامش النسخة المقروءة على المصنف : وصلب له المياه السيالة.
(٦) في المصدر : والذى جعل من أكبر آياته.
(٧) : وحكمه من حكمه وحلمه من حلمه.
(٨) الباتر : القاطع.
« وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به » الآية ، قال الامام عليهالسلام : قال الله عزوجل لليهود : وآمنوا « أيها اليهود » بما أنزلت « على محمد صلىاللهعليهوآله من ذكر نبوته ، وإنباء إمامة أخيه علي وعترته الطاهرين » مصدقا لما معكم « فإن مثل هذا في كتابكم (١) أن محمدا النبي سيد الاولين والآخرين المؤيد بسيد الوصيين وخليفة رسول رب العالمين فاروق الامة ، وباب مدينة الحكمة ، ووصي رسول الرحمة » ولا تشتروا بآياتي « المنزلة بنبوة محمد صلىاللهعليهوآله وإمامة علي عليهالسلام والطيبين من عترته » ثمنا قليلا بأن تجحدوا نبوة النبي صلىاللهعليهوآله وإمامة الامام عليهالسلام (٢) تعتاضوا منها عرض الدنيا ، فإن ذلك وإن كثر فإلى نفاد أو خسار وبوار.
وقال عزوجل : « وإياي فاتقون » في كتمان أمر محمد صلىاللهعليهوآله وأمر وصيه ، فإنكم إن تتقوالم تقدحوا في نبوة النبي ولا في وصية الوصي ، بل حجج الله عليكم قائمة ، وبراهينه لذلك واضحة ، وقد قطعت معاذيركم ، وأبطلت تمويهكم ، (٣) وهؤلاء يهود المدينة جحدوا نبوه محمد وخانوه وقالوا : نحن نعلم أن محمدا نبي ، وأن عليا وصيه ، ولكن لست أنت ذاك ولا هذا ـ يشيرون إلى علي ـ فأنطق الله ثيابهم التي عليهم ، وخفافهم التي في أرجلهم ، يقول كل واحد منها للابسه : كذبت يا عدو الله ، بل النبي محمد صلىاللهعليهوآله هذا ، والوصي علي هذا ، ولو أذن لنا ضغطناكم وعقرناكم (٤) وقتلناكم ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إن الله يمهلهم لعلمه بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات طيبات مؤمنات ، لو تزيلوا (٥) لعذب هؤلاء عذابا أليما ، إنما يعجل من يخاف الفوت. (٦)
٧ ـ فس : « أفتطمعون أن يؤمنوا لكم » الآية ، فإنها نزلت في اليهود قد كانوا
____________________
(١) في المصدر : فان مثل هذا الذكر في كتابكم.
(٢) : بأن تجحدوا نبوة النبى وامامة على وآلهما ا ه.
(٣) موه عليه الامر أو الخبر : زوره عليه وزخرفه ولبسه ، أو بلغه خلاف ما هو.
(٤) ضغطه : عصره ، وضيق عليه. عقره : جرحه. نحره.
(٥) تزيلوا : تفرقوا ، أى لو تميزت ذرياتهم المؤمنات عن أصلابهم لعذب هؤلاء.
(٦) تفسير الامام العسكرى : ٩٢.
أظهروا الاسلام ، وكانوا منافقين ، وكانوا إذا رأوا رسول الله (ص) قالوا : إنا معكم ، وإذا لقوا اليهود قالوا : نحن معكم ، وكانوا يخبرون المسلمين بما في التوراة من صفة محمد رسول الله صلىاللهعليهوآله وأصحابه : فقال لهم كبراؤهم وعلماؤهم : « أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون » فرد الله عليهم فقال : « أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ».
« ومنهم » أي من اليهود « اميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون » وكان قوم منهم يحرفون التوراة وأحكامه ثم يدعون أنه من عند الله فأنزل الله تعالى فيهم : « فويل للذين يكتبون الكتاب الآية ».
« وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة » قال بنو إسرائيل لن نعذب إلا الايام المعدودات التي عبدنا فيها العجل ، فرد الله عليهم فقال الله تعالى : « قل « يا محمد » أتخذتم عند الله عهدا الآية : « وقولوا للناس حسنا » نزلت في اليهود ثم نسخت بقوله : « اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ». (١)
٨ ـ م : « وإذا أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم » الآية : قال الامام عليهالسلام : أي واذكروا يا بني إسرائيل حين أخذ ميثاقكم ، أي أخذ الميثاق على أسلافكم (٢) وعلى كل من يصل إليه الخبر بذلك من أخلافهم الذين أنتم منهم « لا تسفكون دماءكم » لا يسفك بعضكم دماء بعض « ولا تخرجون أنفسكم من دياركم » أي لا يخرج بعضكم بعضا من ديارهم « ثم أقررتم » بذلك الميثاق كما أقر به أسلافكم ، والتزمتموه كا التزموه « وأنتم تشهدون » بذلك الميثاق على أسلافكم وأنفسكم « ثم أنتم » معاشر اليهود « تقتلون أنفسكم » يقتل بعضكم بعضا « وتخرجون فريقا منكم من ديارهم » غضبا وقهرا « تظاهرون عليهم » يظاهر بعضكم بعضا على إخراج من تخرجونه من ديارهم ، وقتل من تقتلونهم بغير حق (٣) « بالاثم والعدوان » بالتعدي تتعاونون وتتظاهرون « وإن يأتوكم » يعني
____________________
(١) تفسير القمى : ٤٢ و ٤٣.
(٢) في المصدر : واذكروا يا بنى إسرائيل حين اخذنا ميثاقكم على أسلافكم.
(٣) في المصدر : وقتل من تقتلونه منهم بغير حق.